ادب الطف

 
 

أدب الطف ـ الجزء الثالث 208

إبن الصيفي

مـلكنا فـكان الـعفو منا iiسجية      فـلما مـلكتم سـال بالدم iiأبطح
وحـللتم  قـتل الاسارى iiوطالما      غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فـحسبكم  هـذا الـتفاوت iiبيننا      وكـل إنـاء بـالذي فيه iiينضح

قال ابن خلكان قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقاة أهل السنة:

رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له يا اميرالمؤمنين تفتحون مكة فتقولون: من دخل دار ابي سفيان فهو آمن، ثم يتم على ولدك الحسين في يوم الطف ما تم، فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا، فقلت لا فقال اسمعها منه ثم استيقظت فبادرت الى دار (حيص بيص) فخرج الي فذكرت لها لرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله بان كانت خرجت من فمي أو خطى الى أحد وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم انشدني الأبيات:

قال الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفي سنة 1375 هـ مطشراً هذه الأبيات:

مـلكنا فـكان الـعفو منا iiسجية      بـيوم بـه بـطحاء مـكة iiتفتح
فسالت  بفيض العفو منا iiبطاحكم      ولـما مـلكتم سـال بالدم iiأبطح
وحـللتم  قـتل الأسارى iiوطالما      فـككنا أسـيراً مـنكم كاد iiيذبح
وفـي يوم بدر مذ أسرنا iiرجالكم      غدونا عن الاسرى نعف ونصفح
فـحسبكم  هـذا الـتفاوت iiبيننا      فـأي قـبيل فـقيه أربى وأربح
ولا غـرو اذ كنا صفحنا iiوجرتم      فـكل  إنـاء بـالذي فيه ينضح

أدب الطف ـ الجزء الثالث 209

شهـاب الديـن أبـو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ويقال له (حيص بيص (1)) أيضاً، كان فقيها شاعراً أديباً له رسائل فصيحة بليغة، وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم، وهو من ولد اكثم بن الصيفي.

كانت وفاته 6 شعبان سنة 574 ببغداد ودفن في مقابر قريش، وكان لا يخاطب أحداً إلا بكلام معرب ولم يترك عقباً.

وقال ابن خلكان: كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالري على القاضي محمد بن عبدالكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الادب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً.

وقال اليافعي في مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث سنة اربع وسبعين وخمس مائة توفي حيص بيص أبوالفوارس سعد بن محمد التميمي الشاعر وله ديوان معروف، وكان وافر الأدب متضلعاً في اللغة بصيراً بالفقه والمناظرة، وقال الشيخ نصر الله بن علي قال ابن خلكان وكان من ثقات أهل السنة رأيت في المنام علي بن ابي طالب (القصة) وذكره الحافظ ابو سعيد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه وحدث بشيء من مسموعاته

(1) انما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيص بيص، فبقي عليه هذا اللقب، ومعنى هاتين الكلمتين: الشدة والاختلاط.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 210

وقرأ عليه ديوانه ومسائله. وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم، ويقال انه كان فيه تعاظم وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زي العرب ويتقلد سيفاً فعمل فيه ابو القاسم بن الفضل.

كم تباري وكـم تطول طرطورك مـا فيك شعرة مـن تميم

فكل الضب واقرظ الحنظل اليابس واشرب ما شئت بول الظليم

ليس ذا وجه من يضيف ولا يقري ولا يدفع الاذى عـن حريم

فلما بلغت الابيات ابا الفوارس قال:

لا تضع من عـظيم قدر وإن كنت مشاراً إليه بالتعظيم

فالشريف الكريم ينقص قدراً بالتعدي على الشريف الكريم

ولع الخمر بالـعقول رمـى الخمر بتنـجيسها وبالتحريم

قال السيد الامين في الاعيان ج 45 ص 232 : وللسيد محمد بن السيد صادق الفحام النجفي تخميس لابيات الحيص بيص وهي:

نعم جـدنا المختار ليس أمية     وجدتنا الزهراء ليست سمية

ونحن ولاة الأمر لسنا رعية     ملكنا فـكان العفو منا سجية

ولما ملكتم سال بالدم أبطح

 أما نحن يا اهل الضلالة والعمى     عفونا بيوم الفتح عنكم تكرما

عـلام أبحتم بالطـفوف لنا دما     وحللتم قتل الاسـارى وطالما

غدونا عن الأسرى نمن ونصفح

 ونحن أناس لم يك الغدر شأننا     ولا الاخذ بالثأر الذي كان ديننا

ولكنما نعفـو ونكظـم غيضنا     فحسبكـم هـذا التفـاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

أدب الطف ـ الجزء الثالث 211

وقوله في مدح أميرالمؤمنين علي عليه السلام. (1)

صـنو  الـنبي رأيـت قـافيتي      أوصـاف  ما أوتيت لا iiتسع(2)
فجعلت مدحي الصمت عن شرف      كــل الـمـدائح دونـه iiيـقع
مــاذا  أقــول وكـل iiمـقتم      بـين الأفـاضل فـيك iiمـجتمع

ومن شعره قوله في الافتخار:

خـذوا  مـن ذمـامي عدة iiللعواقب      فـيا  قـرب ما بيني وبين iiالمطالب
لـواني زمـامي بـالمرام، iiوربـما      نـقاضيته  بـالمرهفات iiلـقواضب
على حين ما ددت الصبا عن iiصبابة      ذيـاد الـمطايا عن عذاب iiالمشارب
ورضـت بـأخلاق الـمشيب شبيبة      مـعـاصية لا تـسـتكين iiلـجاذب
عـقائل  عـزم لا تـباح iiلـضارع      وأسـرار  حـزم لاتـذاع iiلـلاعب
ولـلـه مـقـذوف بـكـل تـنوفة      رأى العز أحلى من وصال iiالكواعب
أغـر الأعـادى انـني بـت iiمقتراً      ورب  خـلو كـان عـوناً iiلـوائب
رويـدكم إنـي مـن الـمجد iiموسر      وإن صـفرت عـما أفـدتم iiحقائبي
هـل  لـنال إلا خـادم شهوة iiالفتى      وهـل شـهوة إلا لـجلب iiالمعاطب
فـلا تـطلبن مـنه سـوى سد iiخلة      فـإن  زاد شـيئاً فـليكم iiلـلمواهب
سرهت 
(3) بادماني سرى كل حادث      ولا كـحل إلا مـن غـبار المواكب
فـلا  تـصطلوها، انـها دار iiمـية      مـواقدها  هـام الـملوك الأغـالب

(1) رواها العماد الاصفهاني في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر) مطبعة المجمع العلمي العراقي.
(2) الصنو: الأخ الشقيق.
(3) مرهت عينه. خلت من الكحل.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 212

سـأضرمها حـمراء ينزو iiشرارها      على جنبات القاع نزو الجنادب (1)
بـكـل تـمـيمي كـأن iiقـميصه      يـلاث  بغصن البانة المتعاقب 
(2)

ومنها:

إذا كـذب الـبرق الـلموع iiلـشائم      فـبرق ظـباها صـادق غير iiكاذب
فـوارس  بـاتوا مجمعين iiفأصبحوا      وآثـار عقد الرأي عقد السبائب 
(3)
إذا شـرعوا الأرمـاح للطعن خلتهم      بـدوراً تـجارى في طلاب iiكواكب
أسـود إذا شـب الـخميس iiضرامه      أسالوا نفوس الأسد فوق الثعالب 
(4)

ومنها:

وركـب كـأن الـعيس ايان ثوروا      تـساوق أعناق الصبا iiوالجنائب(5)
خـفاف عـلى أكـوارها، iiفـكأنهم      من الوبر المأنوس عند الغوارب
(6)

[هذه مبالغة في خفة الرجال على الرحال] كأنهم بعض أوبار الاباعر

إذا أضمرتهم ليـلة أظهـرتهم      صبيحتهـا بيـن المنى والمــآرب

ومنها:

وبي ظمأ لم أرض ناقـع حـره      سواك فهل في الكأس فضل لشارب؟

(1) الحنادب. جمع جندب، حيوان صغير يشبه الجراد كثير القفز والوثوب.
(2) يلاث. يدار ويعصب.
(3) السبائب: جمع سبيبة، وهي الخصلة من الشعر.
(4) الخميس: الجيش الجرار، والضرام: لهب النار، والثعالب: جمع ثعلب، وهو طرف الرمح الداخل في جبة السنان
(5) الجنائب. جمع جنوب، وهي ريح تخالف الشمال.
(6) الغوارب، جمع غار، وهو من البعير بين السنام والعنق.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 213

وقوله في الافتخار:

يا  رواة الشعر، لا ترووه iiلي      فـبغير الـشعر شيدت iiرتبي
[ودعـوه لضعاف عيهم iiمانع      عـنهم (زهير) iiالمكسب]
(1)
وردوا  الـفضل، وما بلوا به      مسمعاً والشرب غير المشرب

ومنها:

لـست  بـالقاعد عـن مكرمة      وأبو رغوان (2) ذو المجد أبي
عـفروا  لـلسلم مـن أوجهكم      إنـها  خـيل حـكيم الـعرب
قـبل يـوم هـامه فـي صعد      حـيث مـا أبـدانه في iiصبب
يـعسل  الـذئب الـى iiمعركة      شـائم الأرزاق عند الثعلب
(3)

وقوله:

اذا شوركت فــي أمر بدون      فلا يغشاك عار او نفـور

تشارك فـي الحياة بغير خلف     أرسطاليس والكلب العقور

وقوله:

وجوه لا يحمرها عاب     جدير أن تصفر بالصغار

فما دان اللئام لغير بأس    ولا لان الحديد لغير نار

(1) وزهير، يريد به زهير بن ابي سلمى احد اصحاب المعلقات من شعراء الجاهلية.
(2) رغوان، لقب مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، لقب به لفصاحته وجهارة
صوته.
(3) عسل الذئب. اضطرم في عدوه فخفق برأسه، شائم الأرزاق، ناظرها وفعل شام خاص بالبرق، يقال، شام البرق اذا نظر الى سحابته اين تمطر.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 214

وقوله:

يلين في القول ويحنو على    سامعـه وهو له يقصم

كشوكة العقرب في شكلها     لها حنو وهي لا ترحم

وقوله:

لا تلطفن بذي لؤم فتطغيه     واغلظ له يأت مطواعا ومذعا

إن الحديد نلين النار شدته    ولو صببت عليه الماء ما لانا

ومن قوله:

هنا رجب الشهور وما يليه    بقاؤك انت يا رجب الرجال

له البركات لكن كل حول      وانت مبـارك في كل حال

وله من قصيدة في مدح الوزير محمود بن أبي توبة المروزي، قلده السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي الوزارة سنة 521.

كـفي مـقالك عن لومي iiوتفنيدي      صـبابتي بـالعلى لا الخرد iiالغيد
أطلت  حتى حسبت المجد iiمنقصة      كـلا  ولـو أنـه حتف iiالمهاجيد
لـما  رأيت غراماً جل عن iiعذل      حـسبته بـهوى الـحسانة iiالرود
لا  والرواقص في الأنساع iiيبعثها      رجـر الـحداة بإنشاد iiوتغريد
(1)
اذا ونين من الإرقال، واضطرمت      من  اللغوب خلطن البيد iiبالبيد
(2)
يحملن شعثاً على الأكوار iiتحسبهم      أرمـة الـعيس مـن هم iiوتسهيد
ما حن قلبي الى الحسناء من iiعلق      لـكنني بـالمعالي جيد iiمعمود
(3)

(1) العواسل، الرماح التي تهتز لينا، وولغها، مجاز في دخولها في الاجسام.
(2) مذال: مبتذل بالانفاق. واللغاديد: جمع لغدود: لحمة في الحلق او كالزوائد من اللحم في باطن الاذن.
(3) المعمود، هو الذي هده العشق.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 215

صـبابتي  دون عـقد زانـه عـنق      الـى لـواء أمـام الـجيش مـعقود
أمـيس تـيهاً عـلى الأحـياء كلبهم      عـلماً  بـأن نـظيري غير iiموجود
كـيف  الاجـادة فـي نـظم iiوقافية      عـن خاطر بصروف الدهر iiمكدود؟
كـم قـد قـريت هـني العزم iiنازلة      والـخطب  يجلب في ساحات رعديد
تـبـصروها مـراحاً فـي iiأعـنتها      بـجفن مـا بـين مقتول iiمطرود
(1)
تـكر فـي لـيلة لـيلاء مـن رهج      عـلى نـجيع لـخيل الله iiمورود
(2)
تـنزو بـحمس هـفت أضغانهم بهم      فـحطموا فـي التراقي كل iiأملود
(3)
كـان  فـرط تـوالي الـطعن بينهم      ولغ  العواسل أو معروف iiمحمود
(4)
الواهب الحتف والعيش الخصيب معاً      فـالموت  بـالبأس، والإحياء بالجود

ومنها:

إن أمسك الغيث لم يحبس iiمكارمه      طـول المطال ولا خلف iiالمواعيد
مـال  مـذال وعرض دون iiبذلته      خوض الأسنة في ماء اللغاديد 
(5)
أرق  مـن خـلق الصهباء شيمته      فـإن يـهج فهو كاس خلق جلمود

وقوله:

(1) الرواقصى، الابل المسرعة في سيرها. والانساع، حبال من ادم عريض تشد به الرحال، واحدها نسع بكسر
النون.
(2) الارقال، الاسراع، والاضطمار، الضمور، وهو الهزال. وللغوب، التعب والاعياء الشديد.
(3) وجف البعير والفرس بجف، عدواً وسار العنق.
(4) الهج، ما اثير من الغبار. والنجيع، دم الجوف خاصة.
(5) تنزو، تشب. والحمس، الشجعا ـ والاضغان، الاحقاد الشديدة. والتراقي جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. والاملود، هنا وصف للرمح المهتز.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 216

إلـى م أمني النفس كل iiعظيمة      ودهـري عـنها دافع لي iiوذائد
وأستوكف المعروف أيدي معشر      تموت  الأماني عندهم iiوالمحامد
اذا أنـا بـالغر القوافي iiمدحتهم      لغذر،  هجتني بالمديح iiالقصائد!

وله في الحكمة:

لا تلبس الدهر على iiغرة      فـما لموت الحي من iiبد
ولا  يخادعك طويل iiالبقا      فتحسب الطول من iiالخلد
يـنفد  مـا كان له iiآخر      ما أقرب المهد من اللحد!

وله من قصيدة:

بـنـي دارم إن لـم تـغيروا iiفـبدلوا      عـمائمكم  يـوم الـكريهة iiبالخمر(1)
فـإن  الـقرى والـمدن حيزت iiلأعبد      ومـا سـلمت أفـحوصة لفتى iiحر
(2)
ربـطتم بـأطناب الـبيوت جـياد iiكم      وخـيل  الـعدى في كل ملحمة iiتجري
اذا  مـا شـببتم نـار حـرب iiوقودها      صدور المواضي البيض والأسل السمر
ضـمنت  لـكم أن تـرجمعوها iiحميدة      تـواجف  غب الروع بالنعم iiالحمر
(3)
أنـا المرء لا أوفي المنى عن iiضراعة      ولا  أسـتفيد الأمـن إلا مـن الـذعر
ولا أطـرق الـحي الـلئام بمدحة iiولو      عـرقـتني  شــدة الأزم iiالـغبر
(4)
تـغنيت عـن مـال الـبخيل iiلأنـني      رأيـت  الـغنى بالذل ضرباً من iiالفقر

(1) الخمر، جمع خمار ـ بكسر الخاء ـ وهو ما تغطي به المرأة رأسها،
(2) الافحوص، مجثم القطاة،
(3) تواجف تتواجف، أي تعدو وتسير العنق، وغب كل شيء عاقبته،
(4) الطروق. المجيء ليلاً، وعرق العظم، اذا أخذ عنه معظم اللحم وهبره وبقي عليه لحوم رقيقة والازم الغبر، سنوات القحط الشداد.
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث