ادب الطف ـ الجزء الثامن 332
كـم رضيع لك بالطفى iiقضى عـاطشاً يقبض بالراحة iiراحا
أرضـعته حُـلُم الـنبل iiدماً من نجيع الدم لا الدرّ iiالقراحا
ولـكم ربـة خـدر ما iiرأى شخصها الوهم ولا بالظن لاحا
أصـبحت ربـة كـور وبها تـرقل الـعيس غدواً ورواحا
سـلبت أبـرادها iiفـالتحفت بـوقار صـانها عن أن iiتباحا
واكـتست برداً من الهيبة iiقد ردّ عـنها نظر العين iiالتماحا
لو تراها يوم أضحت iiبالعرى جـزعاً تندب رحلاً iiمستباحا
حـيث لا من هاشم ذو iiنخوة دونها في كربلا يدمي iiالسلاحا
السيد عبد المطلب الحسيني ، ابن السيد داود بن المهدي بن داود بن
سليمان الكبير . علم من أعلام الأدب ، كريم الحسب والنسب ، فجدّه لأبيه
السيد مهدي بن داود وقد مرت ترجمته وعمّه السيد حيدر بن سليمان الذائع
الصيت ، تجد مسحة حيدرية على شعره اكتسبها منه ، يقول الشيخ اليعقوبي
في ترجمته : كان فصيح البيان جري اللسان كثير الحفظ ذكي الخاطر خصب
القريحة مرهف الحس ، كان يعرض شعره على عمّه في حياته ورثاه بعد وفاته
بثلاث قصائد ، وقد أطراه الشيخ محمد الجواد الشبيبي ـ شيخ الأدب في
العراق ـ واليك نص ما قاله :
وقد أغرب مذ أغرب سيد بطحائها (عبد المطلب) عن رثاء لو وعته الخنساء
لأذهلها عن صخر . ولد المترجم في الحلة حوالي سنة 1280 ونشأ فيها وكان
جلّ تحصيله الادبي من عمه السيد حيدر وخاض المعارك السياسية وكان صوته
يجلجل بشعره وخطبه داعياً لجمع الكلمة والوحدة الإسلامية وأثار حماسة
العشائر الفراتية بنظمه باللغتين الفصحى والدارجة حتى احرقت داره بعد
ما نهبت ، وهذه قصائد الوطنية المنشورة يومذاك في صحف بغداد تشهد بذلك
.
ادب الطف ـ الجزء الثامن 333
آثاره الادبية :
1 ـ جمع ديوان عمه السيد حيدر ووضع له مقدمة ضافية طبعت مع الديوان سنة
1313 .
2 ـ جمع ديوان جده السيد مهدي في جزئين كبيرين .
3 ـ ديوانه الذي يجمع مجموعة أشعاره .
4 ـ شرح ديوان المهيار الديلمي بثلاثة أجزاء ، وهو من أسمى شروح ديوان
المهيار .
اليك نبذة من روائعه فهذه قصيدته التي أنشأها سنة 1331 في الحرب
الايطالية :
أيـها الـغرب مـنك ماذا iiلقينا كـل يـوم تـثير حرباً iiطحونا
تـظهر الـسلم لـلأنام iiوتخفي تـحت طـيّ الضلوع داء دفينا
أجـهـلتم بـأننا مـذ iiخـلقنا عـرب ليس ينزل الضيم iiفينا
ولـنا نـبعة مـن الـعزّ iiيأبى عـودها أن يـلين iiلـلغامزينا
قــد قـفونا آبـاءنا لـلمعالي والـيـها أبـنـاؤنا iiتـقـتفينا
عـلّمونا ضرب الرقاب iiدراكا وعـلى الطعن في الكلى درّبونا
نـحن قوم إذا الوغى iiضرستنا لـم نـبدّل بـشدة الـبأس iiلينا
وإذا ما رحى الحروب استدارت نـحن كـنا أقـطابها الـثابتينا
مـا شربنا على القذا مذ iiوردنا وسـوى الصفو لم نكن iiواردينا
لانـدي الـوتر للعدا إن iiوترنا وعـلى الوتر لا نغضّ الجفونا
وإذا مــا نـسبتنا يـوم iiروع لـوغـىً فـهي أمّـنا وأبـونا
شـمل الـجور شـعبنا iiفائتلفنا لـدفـاع الـعـدو iiمـتـحدينا
قـل لايـطاليا الـتي iiجـهلتنا بـثبات الاقـدام هـل عرفونا
كـيف ترجو كلاب (رومة) iiمنا أن تـرانا لـحكمها iiخـاضعينا
دون أن تـفلق الجماجم iiوالهام بـضرب يـأتي على iiالدارعينا
ادب الطف ـ الجزء الثامن 334
نـبـحـونا مـهـوّلين iiفـلـما ان زأرنـا عـاد الـنباح iiأنـينا
حـيث لـم تجدها المناطيد iiنفعاً كـلـما حـلّـقوا بـها مـعتدينا
سـائـلوها بـنا غـداة iiالـتقينا والـمنايا يـخطرن فـيهم iiوفينا
كـيف رعـناهم الـغداة بضرب جـعل الـشك فـي المنايا iiيقينا
زاحـفـونا بـجـيشهم فـزحفنا وقـلبنا عـلى الـشمال iiالـيمينا
كـشلما صـلّت القواضب iiخروا لـلـضبا لا لـربـهم iiسـاجدينا
مـلأوا الـبرّ بـالجيوش كما iiقد شـحنوا مـثلها الـبحور iiسفينا
كـلما صـاحت الـمدافع iiثُـبنا بـصليل الـضبا لـها iiمـسكتينا
ونـقـضنا صـفـوفهم iiبـطعن لـم يـدع لـلطليان صـفاً مكينا
أنـكرونا أنـا بـنو تـلكم iiالأسد فـلـما ثـرنـا لـها iiعـرفونا
سـل (طـرابلسا) الـتي iiنزلوها كـيف ذاقـوا بها العذاب iiالمهينا
كـلـما بـالفرار جـدّوا iiتـرانا بـالضبا فـي رؤوسـهم iiلاعبينا
يـا رسـولي لـلمسلمين iiتحمّل صـرخة تـملأ الـوجود iiرنينا
وتـعمّد بـطحاء مـكة iiواهتف بـبـني فـاطم ركـينا iiركـينا
وعـلى الحي من نزار iiوقحطان فـعج وامـزج الـهتاف iiحـنينا
الـحراك الـحراك يـا فـئة الله إلـى الحرب لا السكون iiالسكونا
أبـلـغا عـني الـخليفة iiقـولاً غـثّه فـي الـمقال كـان iiسمينا
أبـجدٍّ بـالصلح نرضى iiفنمسي نـقـرع الـسن بـعده iiنـادمينا
كيف ترضى على (الهلال) نراهم وهُـم فـي صـليبهم iiبـاذخونا
فارفض الصلح يابن مَن دوخوها بـشبا المرهفات روماً iiو(صينا)
يـا بـن ودي عرّج بإيران iiفينا إنـهـا الـيوم نـهزة الـطمعينا
قـف لـنبكي اسـتقلالها iiبعيون نـنزف الدمع في الخدود iiسخينا
وعـلى مـشهد الرضا عج iiففيه فَـعلَ الـروس ما أشاب iiالجنينا
تـركوا الـمسلمين فـيه iiحصيداً واسـتباحوا منه الرواق iiالمصونا
لا تـحدّث بـما جرى فيه iiإعلا نـاً فـإن الـحديث كان iiشجونا
ادب الطف ـ الجزء الثامن 335
وشعره بهذا المستوى العالي سواءاً نظم في السياسة أو في الغزل أو المدح
والرثاء ، ودّع الحياة بضواحي الحلة يوم 13 ربيع الأول سنة 1339 وعمره
قد قارب الستين ونيران الثورة العراقية لم تخبو بعد في الفرات الأوسط .
وحمل نعشه إلى النجف ودفن بوادي السلام ، كتب عنه السيد محمد علي كمال
الدين في كتابه (الثورة العراقية الكبرى) وذكر قصيدة عبد الكريم العلاف
في رثائه وهنا نورد رائعة اخرى من روائعه في رثاء جده الإمام الحسين
(ع) :
أيـقـظته نـخوة الـعزّ iiفـثارا يـملأ الـكون طـعناً iiومـغارا
مـستميتاً لـلوغى يـمشي iiعلى قـدم لم تشك في الحرب iiعثارا
يـسبق الـطعنة بـالموت iiالى أنفس الأبطال في الروع iiابتدارا
سـاهراً يـرعى ثـنايا iiغـزّه بـعيون تـحتسي الـنوم iiغرارا
مـفرداً يـحمي ذمار iiالمصطفى وأبـيّ الضيم من يحمي iiالذمارا
مـنتضٍ عـزماً إذا الـسيف iiنبا كان أمضى من شبا السيف عرار
ثـابت إن هـزت الأرض iiبـه قـال قِـريّ تـحت نعليّ iiقرارا
طـمعت أبـناء حرب أن iiترى فـيه لـلضيم انعطافاً iiوانكسارا
حـاولت تـصطاد مـنه iiأجدلاً نـفض الذل على الوكر iiوطارا
ورجـت لـلخسف أن iiتـجذبه أرقـماً قـد ألـف الـعزّ iiوِجارا
كـيف يـعطي بـيد الهون إلى طاعة الرجس عن الموت حذارا
فـأبـى إلا الـتي إن iiذكـرت هـزّت الكون اندهاشاً iiوانذعارا
تـخـلق الأيـام فـي iiجـدّتها وهـي تـزداد عـلاءً iiوفـخارا
فـأتى مـن بـأسه فـي iiجحفل زحـفه سـدّ على الباغي iiالقفارا
ولـيوث مـن بني عمرو العلى لـبسوا الصبرَ لدى الطعن iiدثارا
كـل مـطعام إذا سـيل iiالقرى يـوم مـحل نَحرَ الكوم العشارا
وطـليق الـوجه يـندى مشرقاً كـلما وجـه السما جفّ iiاغبرارا
هـو تـرب الغيث إن عامٌ iiجفا وأخـو الـليث إذا ما النقع ثارا
أشـعروا ضـرباً بـهيجاء غدا لـهم فـي ضنكها الموت iiشعارا
ادب الطف ـ الجزء الثامن 336
غـامروا فـي العز حتى iiعبروا لـلعلى مـن لجج الموت iiغمارا
وعـلى الأحـساب غاروا فقضوا بالضبا صبراً لدى الهيجا iiغيارى
فـقضوا حـق الـمعالي iiومضوا طاهري الأعراض لم يدنسن عارا
قـصرت أعـمارهن حـين iiغدا لـهم الـقتل عـلى العزّ iiقصارا
عـقدوا الاخـرى عـليهم iiولـها فـارقوا الـدنيا طـلاقاً iiوظهارا
جـعـلوا أنـفسهم مـهراً iiلـها والــرؤوس الـغالبيات iiنـثارا
والـمصابيح الـتي تـجلى iiبـها صـيـروهنّ رمـاحاً iiوشـفارا
يـا لـه عـقداً جرى في iiكربلا بـجزيل الأجـر لم يعقب iiخسارا
أقـدموا فـي حيث آساد iiالشرى نكصت عن موكب الضرب فرارا
وتـدانـوا والـقـنا iiمُـشـرعة يـتلمظنّ إلـى الـطعن iiانتظارا
بـذلـوهـا أنـفـساً iiغـالـية كبرت بالعز أن ترضى iiالصغارا
أنـفساً قـد كـضّها حـرّ الظما فـاسالوها عـن الـطعن حرارا
تـاجروا لـله بـها فـي سـاعة لـم تـدع فـيه لـذي بيع iiخيارا
أيـهـا الـمرقل فـيها iiجـسرة كـهبوب الـريح تـجتاب القفارا
صـل إلـى طـيبة وأعقلها iiلدى أمـنع الـخلق حـريماً iiوجوارا
وأنـخـهـا عـنـده مـوقـرةً بـالشجا قـد خلعت عنها iiالوقارا
ولــه لا تـعلن الـشكوى وإن كـبر الـفادح أن يـغدو iiسرارا
حــذراً مـن شـامت iiيـسمعها كـان بـالرغم لخير الرسل iiجارا
فـلـقد أضــرم قـدماً iiفـتنة كـربلا منها غدت تصلى iiشرارا
قـل لـه عن ذي حشاً قد iiنفذت أدمـعاً سـال بـها الوجد انهمارا
يــا رسـول الله مـا أفـضعها نـكبةً لـم تـبق لـلشهم اعتذارا
كـم لـكم حـرّ دم فـي iiكـربلا ذهـبت فـيه الـمباتير iiجُـبارا
يـوم ثـار الله فـي الأرض iiبه آلُ حـربٍ أدركـت بالطف iiثارا
والـذي أعـقب كسراً في الهدى لـيس يـلقى أبـد الدهر iiانجبارا
حـرم الـتنزيل والـنور iiالـذي بـسناه غـاسق الـشرك iiاستنارا
ادب الطف ـ الجزء الثامن 337
وصـفـاياك الـلـواتي iiدونـها ضـرب الله مـن الحجب iiستارا
أبـرزت حـاسرةً لـكن iiعـلى حـالةٍ لـم تبق للجلد iiاصطبارا
لا خـمارٌ يـستر الـوجهَ iiوهل لـكريمات الـهدى أبقوا iiخمارا
لا ومـن ألـبسها مـن iiنـوره أُزراً مـذ سـلبوا عـنها الأزارا
لـم تـدع أيـدي بني حرب iiلها مـن حـجاب فيه عنهم iiتتوارى
لـو تـراها يـوم فـرّت iiوعلى خـدرها في خيله الرجس أغارا
يـتسابقن إلـى الـحامي وهـل يملك الثاوي على الترب انتصارا
تـربط الأيدي من الرعب iiعلى مهجٍ طارت من الرعب iiانذعارا
تـتوارى بـثرى الرمضا iiأسىً لـقتيل بـالعرا لـيس iiيـوارى
وهـو مـلقى بـثرى iiهـاجرة يصطلى من وهج الرمضا iiأوارا
كـلـما صـعّدت الـوجدَ iiأبـى دمـعها مـن لـوعةٍ إلا iiانحدارا
لـم تـجد مـن كـافل إلا iiفتى مـضّه الـسقم وأطـفالا iiصغارا
بـالظما أعـينها غـارت iiومـا ذاقـت الـماء فليت الماء iiغارا
تـحرق الـبوغاء مـنهم iiأرجلاً أنـعلتها أرؤوس الـنجم فـخارا
أفـزعتها هـجمة الـخيل iiفـرا حت تتعادى بثرى الرمضا iiفرارا
كـل مـذعور كـبا رعباً iiعلى حـرّ وجـهٍ كـسنا الـبدر أنارا
كـلما كـضّ الـظما iiأحـشاءها ألـصقت بـالترب أكباداً iiحراراً
كـلـما يـلذعها حـرّ iiالـثرى راوحـت فـيها يـميناً iiويسارا
يـا لـها فـاقرة قـد iiقـصمت مـن نـبيّ الله ظـهراً iiوقـفارا
بـكر خـطبٍ كـل آنٍ iiذكـرها لـلورى يـبتكر الحزن iiابتكارا
وله مرثية من غرر الشعر جاء في أولها :
لتبـق الضبا مغمـودة آل هاشـم
فما هي بعد الطف منها لقائم
وتلقي القنا منزوعة النصل عن يد
ستقرع منها حسرة سنّ نادم
ومجموعها 77 بيتاً .
|