ادب الطف

 
 

ادب الطف - الجزء التاسع 184

الشيخ عبد الغنى الحر

المتوفى 1358

أنـختُ  بباب باب الله iiرحلي      مـحط رحال كل رجا iiوسؤلِ
وقـد  يممت بحر ندى iiوجود      ومـعروفاً بـمعروف iiوفضل
ولذت بظل كهف حمى iiحسين      لـجى اللاجين في حرم iiوحِلّ
بـنائله  الـظما يروى iiوروداً      وغـيث نـداء مـنهل iiكوبل
وفدت  عليك يحدوني iiاشتياقي      وأحـشائي بـنار جواي تغلي
رجـاءً أن تـحط الثقل iiعني      فأنت  القصد في تخفيف iiثقلي
وغوثك  فيه يكشف كل خطب      وغيثك  فيه يخصب كل iiمحل
وغـفران  الذنوب وكل iiوزر      بـدا مـني بـقولٍ أو iiبـفعلِ
ونصري يا ملاذ على الأعادي      وإعزازي على ما رام ذلّي
(1)

الشيخ عبد الغني الحر المتوفى سنة 1358 هـ . ترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر فقال : هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي .

عالم فاضل وأديب شاعر . كان في النجف الأشرف من أهل العلم والفضلاء

(1) عن مجموع خطي يحتوي على اربعين قصيدة كلها في رثاء الامام الحسين وأخيه العباس ابن علي عليهم السلام وهي بخط الناظم .

ادب الطف - الجزء التاسع 185

الأجلاء وكان على طريقة الاخيارية ، وهو شاعر مكثر لا سيما في مدح أهل البيت ورثائهم وهو سريع البديهة جداً وشعره متوسط ، طبع له (منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر) طبع بالمطبع الحيدرية بالنجف سنة 1339 هـ . يحتوي على 72 صفحة . توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة 1358 هـ . ودفن في الايوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف . وله شعر كثير وله تخميس التائية الشهيرة لدعبل بن علي الخزاعي والتي أولها :

تجاوبن بالأرنان والزفرات    نوائح عجم اللفظ والنطقات

وله تخميس قصيدة السيد جعفر كمال الدين الحلي والتي أولها :

يا قمر التمّ إلى مَ السرار     ذاب محبّوك من الانتظار

ومن ذكرياتي عن المترجم له أني كنت أجتمع بجملة من اللبنانيين الأفاضل ورجال العلم في الاسبوع مرة في دار العلامة المرحوم الشيخ عبد الكريم الحر وهو صهر الشيخ المترجم له فكنا نقضي ساعات من الليل في الاستماع إلى شعره الذي كان يحفظه ويردده بانشودته ونبراته ولا أنسى أن كل ما ينظم ويقرأ هو في مدح حجة آل محمد صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن سلام الله عليهما . أمّا ما رواه لي ولده العلامة الشيخ محمد الحر سلمه الله عن سيرة والده رحمه الله قال : كان لا يمرّ يوم من الأيام إلا ونظم من الشعر عشرات الأبيات وقد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة وملكته الشعرية وحافظته القوية وسرعة البديهة مضرب المثل ، يقول ما كنت أسمع بديوان شعر إلا واقتنيته وحفظت أكثره عنه أخدانه ومعاصروه كنا نقرأ عليه القصيدة الكاملة مرة واحدة فيحفظها ويقول ولده سلمه الله : أما الذي أدركته منه في أواخر عمره فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً وهو يرغب أن يحفظها قال : إقرأ عليّ منها ثلاثين بيتاً فقط ، فقرأتُ فأعادها عليّ حفظاً ، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليّ حفظاً ، ويقول ولده ان مجموع ما نظمه لا يقل عن أربعة آلاف قصيدة وأكثرها في صاحب الأمر حجة آل

ادب الطف - الجزء التاسع 186

محمد وحدّث العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل الله أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازي رحمه الله كان يتحدث عن المترجم له ويقول : إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر وحبّه لآل محمد لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار .

وحدّث أحد تلاميذه عن سرعة البديهة وقوة الحافظة عند الشيخ الغني فقال : كان يدرّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر غيب وحفظ العبارة بنصّها ، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة ويستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني . وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها ، واذكر صوته الجهوري مضافاً إلى بسطته في العلم والجسم ونقل لي ولده بعض الاكتشافات والتجليات والكرامات التي تدل على روحانيته وشدة ولائه وعقيدته ومنها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة والمبدأ .

* * *

ادب الطف - الجزء التاسع 187

السيد ناصر الاحسائي

المتوفى 1358

هـذي مـضاجع فـهر أم iiمغانيها      أم  الـسماء تـجلت فـي iiمعانيها
فـحط رحل السرى فيها وحي iiبما      يـجري من العين دانيها iiوقاصيها
ودع  قـلوصك فـيها غير iiموثقة      وخـلّ عـنها عـساها أن iiتحييها
ولا  تـلمها إذا ألـوت iiمـعاطفها      يـوماً  لـتقبيل بـاديها وخـافيها
فـما دهاك دهاها من أسى iiوجوى      ومـا دعـاك لسكب الدمع iiداعيها
كـلا  كـما ذو فؤاد بالهوى iiكلف      وأنـتما  شـركا فـي ودّ مَن iiفيها
قـوم عـلى هامة العلياء قد iiبنيت      لـهم  بـيوت تـعالى الله بـانيها
ومـعشر  للمعاني الغر قد iiشرعوا      طـرقاً بـأخلاقهم ما ضلّ iiساريها
وأسـره قد سمت كل الورى iiشرفاً      فـلم  يـكن أحـد فـيه iiيـدانيها
لـووا عن العيش أعطافاً أبين iiلهم      مـسّ الـدنية تـكريماً iiوتـنزيها
فـقاربت بـين آجـال لـهم iiشيم      إذ  الـمنايا طـلاب الـعز iiيدنيها
رأوا  حـياتهم فـي بـذل iiأنفسهم      فـي  موقف فيه حفظ العز iiيحييها
ولا  يـعاب امـرؤ يحمي مكارمه      بـنفسه  فـهو حـر حيث يحميها
في الهام أمست تغني بيضهم iiطرباً      وسـمرهم  تـتثنى في الحشا iiتيها
والـخيل من تحتهم فلك جرى iiبهم      فـي  مـوج بحر دم والله مجريها
والـنقع  قـام سماءً فوق iiأرؤسهم      آفـاقها  أظـلمت مـنه نـواحيها
لـكن أجـرامهم قـامت بها iiشهباً      لـولا ضـياء شباها ضل iiساريها

ادب الطف - الجزء التاسع 188

ترمي  العدى بشواظ من صواعقها      فـلا  تـرى مـهرباً منه iiأعاديها
رووا بماء الطلا بيض الظبى ولهم      أحـشاء ما ذاق طعم الماء iiظاميها
حـتى  إذا ما أقام الدين واتضحت      آيـاته  وسـمت فـيهم iiمـعانيها
وشـيدوا لـلهدى ركـناً به iiأمنت      أهـل  الـرشاد فلا لافى iiمساعيها
وشـاء أن يـجزي الباري iiفعالهم      مـن الـجزاء بـأوفى ما يجازيها
دعـاهم فـاستجابوا إذ قضوا iiظمأ      بـأنفس  لـم تـفارق أمر iiباريها
فـصرعوا في الوغى يتلو iiمآثرهم      فـي  كل آن مدى الأيام iiتاليها
(1)

حجة الإسلام السيد ناصر الاحسائي ، مولده في الاحساء سنة 1291 هـ . ووفاته سنة 1358 هـ . نشأ نشأة صالحة وتربى على يد أبيه الفقيه الكبير ، وبعد وفاة أبيه هاجر إلى النجف الأشرف موطن العلم والعلماء وأكبر جامعة في الفقه فدرس على المرحوم الشيخ محمد طه نجف والشيخ محمود ذهب والشيخ هادي الطهراني ثم عاد إلى الاحساء مرشداً عالماً تقياً ورعاً ثم عاد إلى النجف مرة ثانية فدرس على الشيخ ملا كاظم الأخوند وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد أبو تراب ولما كثر الطلب عليه من أهالي الاحساء لحاجتهم اليه وجعلوا مراجع الطائفة وسائط له عاد ومكث بينهم يفيض من معارفه ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم حتى وافاه الأجل ليلة الاربعاء ثالث شهر شوال سنة 1358 هـ .

تشرفت برؤية محياه الأنور واستمعت إلى حديثه الشهي وتزودت من نصائحه ومعارفه ، صباحته ونور أساريره يشهدان له بأنه من ذرية الرسول ومن حَمَلة علومهم ، مثالاً للورع والتقى والعبادة والزهادة كنتُ كلما ارتقيت الأعواد أصغى إلى بكله ويستجيد ويستحسن فضائل أهل البيت ومآثرهم ويرتاح لسماع مناقبهم ، يعظم الكبير والصغير ولا يستخف بأحد وأذكر أني فرغتُ

(1) عن الذكرى التي قام بتأليفها الخطيب السيد محمد حسن الشخص .

ادب الطف - الجزء التاسع 189

من خطابي مرةً فجلست ـ وكان حديثي عن سيرة الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام . فقال السيد رحمه الله ما نصه :

ومن أقوال الإمام الصادق عليه السلام : العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة : العالم والسلطان والإخوان فمن استخف بالعالم أفسد دينه ، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه ، ومن استخف بالإخوان أفسد مروأته . وكان موضع تجلّة واحترام من جميع الطبقات وكان لوفاته رنة حزن وأسف وقد أبّنته بقصيدة نشرت في (الذكرى) التي قام بطبعها وتحقيقها الخطيب الجريء السيد محمد حسن الشخص سلمه الله وكان مطلع قصيدتي في رثائه :

نعى البرق رمز التقى والهدى    فقلنا لقد طاح ركن الهدى

ومن رثائه للامام الحسين (ع) :

كـم قـد تـؤمل نـفسي نـيل iiمـنيتها      مـن الـمعالي ومـا تـرجو من iiالاربِ
كـما تـؤمل أن تـحظى بـرؤية iiمـن      يـزيح عـنها عـظيم الـضر iiوالكرب
ويـملأ الأرض عـدلاً مـثل مـا iiملئت      بـالظلم  والـجور والابـداع iiوالـكذب
يــا غـائباً لـم تـغب عـنا iiعـنايته      كـالشمس يـسترها داج مـن iiالـسحب
حـتى  مَ تـقعد والإسـلام قـد iiنقضت      عـهوده  بـسيوف الـشرك iiوالـنصب
ويـرتـجيك  الـقـنا الـعسال تـورده      مــن الـعداء دمـاءً فـهو ذو iiسـغب
والـبـيض تـغـمدها أعـناق iiطـائفة      مـنهم  مـواليك نـالوا أعـظم iiالعطب
وتـوعد  الـخيل يـوماً فـيه عـثيرها      سـحائب  بـرقها مـن بـارق iiالقضب
تـهمى بـماء الـطلا مـن كـل iiناحية      حـتى تـروي مـنه عـاطش iiالـثوب
فـانهض فـديتك ما في الصبر من iiظفر      فـقد  يـفوت بـه الـمطلوب ذا الطلب
أمــا  أتـاك حـديث الـطف إن iiبـه      آبـاءك الـغر قـاسوا أعـظم iiالـنوب
غـداة  رامـت أمـي أن يـروح iiلـها      طـوع  الـيمين أبـيٌ واضـح iiالحسب
ويـركب الـضيم مـطبوع عـلى iiهمم      أمـضى مـن السيف مطبوعاً من iiاللهب

ادب الطف - الجزء التاسع 190

فـأقـبلت بـجـنود لا عــداد iiلـهـا      تـترى كـسيل جرى من شامخ iiالهضب
مـن  كـل وغـدٍ لئيم الأصل قد iiحملت      بـه  الـعواهر لا يـنمى إلـى iiنـسب
وكـل رجـس خـبيث قـد نـماء iiإلى      شــر  الـخلائق والأنـساب iiشـرأب
حـتى  تـضايق مـنها الطف iiوامتلأت      رحـابه  بـجيوش الـشرك iiوالـنصب
فـشـمرت لـلـوغى إذ ذاك iiطـائـفة      لـم  تـدر غير المواضي والقنا iiالرطب
قـوم  هـم الـقوم لـم تـفلل iiعزائمهم      فـي مـوقف فـل فـيه عـزم كل iiأبي
مـن  كـل قـرم كـأن الـشمس غرته      لـو لـم يـحل بـها خـسف ولم iiتغب
وكـل طـود إذا مـا هـاج يـوم وغى      فـالوحش فـي فرح والموت في iiنصب
وكـل لـيث شـرى لـم يـنج منه iiإذا      مــا صـال قـرم بـاقدام ولا هـرب
مـشوا  إلـى الـحرب من شوق لغايتها      مـشي الـظماة لـورد الـبارد iiالـعذب
فـأضرموها  عـلى الأعـداء نار iiوغى      تـأتي عـلى كـل مـن تـلقاه iiبالعطب
وأرسـلـوها  بـميدان الـوغى iiعـرباً      كـالـبرق تـختطف الأرواح بـالرهب
وجـردوها مـن الأغـماد بـيض iiضباً      تـطوي الـجموع كـطي السجل iiللكتب
وأشـرعوها  رمـاحاً لـيس iiمـركزها      سـوى  الـصدور مـن الأعداء iiواللبب
صـالوا فـرادى على جمع العدى iiفغدت      صـحاحه  ذات كـسر غـير iiمـنأرب
وعــاد  لـيـلهم يـمـحونه iiبـضبى      لا  يـتـقى حـدها بـالبيض iiوالـيلب
حـتى  إذا مـا قـضوا حق العلا iiووفوا      عـهد  الـولى وحموا عن دين خير نبي
وجـاهدوا فـي رضـى الباري iiبأنفسهم      جـهـاد  مـلـتمس لـلأجر iiمـحتسب
دعـاهـم  الـقدر الـجاري لـما iiلـهم      أعـد  مـن مـنزل فـي أشرف iiالرتب
فـغودروا فـي الـوغى مـا بين iiمنعفر      دامــى  ومـنجدل بـالبيض iiمـنتهب
ظـامين  مـن دمهم بيض الضبى iiنهلت      مـن بـعد مـا أنـهلوها من دم النصب
لـهفي  لـهم بـالعرى أضـحى iiيكفنهم      غـادى  الـرياح بـما يسفى من iiالترب
وفـوق  أطـراف مـنصوب الـقنا iiلهم      مـرفوعة أرؤس تـعلو عـلى الـشهب
ونـسوة  الـمصطفى مـذعدن iiبـعدهم      بـين  الـملا قد بدت أسرى من iiالحجب
وسـيّـرت ثـكـلا أســرى iiتـقاذفها      الأمـصار تـهدى على المهزول iiوالنقب

ادب الطف - الجزء التاسع 191

ان تـبكي اخـوتها فـالسوط iiواعـظها      وفـي  كـعوب الـقنا إن تـدعهم تجب
وبـيـنها الـسيد الـسجاد قـد iiوثـقت      رجـلاه بـالقيد يـشكو نـهشة iiالـقتب
يـبكي  عـلى مـا بها قد حلّ من iiنوب      وتـبكي  مـما عـليه حـلّ مـن كرب
واحــر  قـلـباه أن تـدعُ iiعـشيرتها      غـوث  الصريخ وكهف الخائف iiالسغب
تـدع  الأولـى لـم يحلّ الضيم iiساحتهم      مـن لـم يـضع بـينهم نـدب iiلمنتدب
تـدعوهم  بـفؤاد صيرته لظى iiالأحزان      نـــاراً فـأذكـى شـعـلة الـعـتب
تـقول مـا لـكم نـمتم وقـد iiشـهرت      نـسـاؤكم  حـسراً تـدعو بـخير iiأب
حـتى مـتى فـي عـناق الضيم iiهمتكم      ولـلمواضي  عـناق الـماجد iiالـحسب
ونـومكم  فـي ظـلال الـعز عن دمكم      والـنوم  تـحت الـقنا أولـى بكل iiأبي
مـا  أنـتم أنـتم إن لـم يـضق iiبـكم      رحـب الـفضاء عـلى المهرية iiالعرب
وتـوقـدوها عـلـى الأعـداء iiلاهـبة      حـتى يـكون بـها من أضعف iiالحطب
فـكم  لـكم فـي قـفار الأرض من iiفئة      صرعى ومن نسوة أسرى على القتب
(1)

(1) عن ذكرى السيد الاحسائي .
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث