![]() |
![]() |
![]() |
القسم الثالث
ويمثّل هذا الجناح الشاعرين: الكميت الأسدي والفرزدق.
ويمثّل هذه الفرقة: الطرمّاح والضحّاك وعمران.
ويمثّلهم: جرير والأخطل.
في العصر الاُموي
لقد كثرت الخلافات والنزاعات السياسية بين العرب أنفسهم وبين العرب والموالي، كما كثُر الاضطهاد السياسي لخصوم الدولة الاُموية، لذلك برزت ظاهرة الشعر السياسي بما فيها النقائض((1)) والفنون الأدبية الاُخرى، كالخطابة والرسالة وديوان الرسائل والنقد.
لذلك أصبح الشعر لساناً يعبّر عن أهداف الجهة التي يعود إليها الشاعر.
وهذا النوع من الشعر السياسي الديني يمثّل:
(1)وهي القصيدة التي يرد بها الشاعر على قصيدة خصمه فيقلب فخر خصمه هجاءً، وقد اشتهر في هذا الباب (النقائض) الفرزدق وجرير والأخطل النصراني والذي مدح الاُمويّين بألفاظ إسلامية.
إنّ تاريخ الشيعة مليء بالثورات والانتفاضات على الحكّام الظالمين، حيث أخذ الطغاة يراقبونهم سرّاً وعلناً مع العلم أنّ الشيعة لم يتراجعوا عن مبدأهم.
لو تصفّحنا كتب الأدب العربي لرأينا أنّ فنون الأدب الشيعي قد مُلئت بها وبالأخص الشعر السياسي الديني; لأنّه أدب يلهب العاطفة ويهيجها نظراً لِما مرّ في تاريخ الشيعة من ثورات، خاصّةً واقعة الطفّ، حيث الدم اُريق، والحرمات انتهكت، والبيوت سُبيت ودُمّرت، والأجساد صُلبت. ونتيجةً لهذا كلّه برز شعراء سياسيّون أمثال:
الكميت بن زيد الأسدي، ت سنة 126هـ.
همام بن غالب (الفرزدق)، ت سنة 114هـ.
السيّد الحميري، شاعر عاش في العصرين الاُموي والعبّاسي، توفّي سنة 173هـ.
(1)الشعر والشعراء في كتاب العمدة / الدكتور ياسين الأيّوبي: ص227. الأدب العربي وتاريخه / الدكتور محمّد عبدالمنعم: ص206.
شهيد هذا العشق. لقد احتوت قصائده الفخر والمدح والهجاء والرثاء والحماسة، واشتهر بقصيدته البائية ومن ألمعها:
بني هاشم رهط النبيّ فإنّني ***** بِهِمْ ولَهُمْ أرضى مراراً وأغضبُ
فطائفةٌ قد كفَّرتْني بِحُبِّكمُ ***** وطائفةٌ قالوا: مُسيءٌ ومُذنِبُ
وقالوا ترابيٌّ((6)) هواه وَرَأْيُهُ((7)) ***** بذلك ادعى فِيهمُ واُلَقَّبُ((8))
فما لي إلاّ آل أحمدَ شيعةٌ ***** وما ليَ إلاّ مذهب الحقِّ مَذْهَبُ
(1)طرب الرجل: هاج شوقه وخفّت روحه.
(2)البيض ـجمع بيضاءـ: المرأة الحسنة الجميلة.
(3)اللَّعب: المزح والهزل، ضدّ الجدّ.
(4)ورد في كتاب جواهر الأدب: ج2، ص153: «الشيب» بدل «الشوق».
(5)الشيعة والحاكمون / محمّد جواد مغنية: ص125.
(6)ترابي: نسبه إلى أبي تراب، وهي كنية للإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، كنّاه بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) عندما وجده نائماً على الأرض وقد علاه التراب، وذلك في غزوة العشيرة.
(7)هواه ورأيه: في العمل والقول.
(8)ديوان أشعار التشيّع / تحقيق: الطيب العشّاش: ص27. أخبار شعراء الشيعة / تحقيق: الدكتور محمّد هادي الأميني: ص72. تاريخ شعراء العربية / تدقيق: زهير يازجي: ص9. موسوعة المصطفى والعترة / حسين الشاكري: ج3، ص338.
أريبُ رجالاً منهم وتريبني ***** خلائق ممّا أحدثوهن أريب
إليكم ذوي آل النبيّ تطلعت ***** نوازع من قلبي ظماءُ والبَبُ
فإنّي عن الأمر الذي تكرهونه ***** بقولي وفعلي ما استطعت لاجنبُ((1))
ينتقل شاعرنا ويخاطب الاُمويّين بقوله: كيف انّ دماء المسلمين محلّلة سفكها عندهم إضافة إلى حرماننا من الغنائم كما وأنّ الحقوق أيضاً مغتصبة، وقد جاء في قصيدته:
وليس لنا في الفيء حظ لديهمُ ***** وليس لنا في رحلة الناس أرحُلُ
فيا ربِّ هل إلاّ بك النصر يرتجى ***** عليهم وهل إلاّ عليك المعَولُ
ومن عجب لم أقضه أن خيلُهمْ ***** لأجوافها تحت العجاجة أزْمَلُ
* * *
هما همُ بالمستلئمين عوابسٌ ***** كحِدْآن يَومِ الدجنِ تعلو وتسْفُلُ
يَحَلَئنْ عن ماء الفرات وظله ***** حُسناً ولم يشَهْر عليهنَّ مُنْصَلُ
كَأَنَّ حُسَيْناً والبهاليل حَوْلَهُ ***** لأسيافِهِمْ ما يَخْتَلي المُتَبقلُ((2))
(1)الكميت بن زيد الأسدي / الدكتور علي نجيب عطوي: ص106.
(2)الكميت بن زيد الأسدي: ص154.
شاعرنا لم يدرك الدولة العبّاسية((1))، استشهد على أيدي جنود خالد القسري سنة 126هـ((2)).
كان الفرزدق شاعراً غير ملتزم لكن في أواخر عمره وحياته قرّر مصيره مع أهل البيت(عليهم السلام). قال ابن رشيق في كتابه العمدة في النقد الأدبي: أبلغ وأفصح بيت قيل بيت الفرزدق في وصف السجّاد(عليه السلام)، حيث يقول:
لقد اشتهر الفرزدق في قصيدته الميميّة في حقّ الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام)، حيث وقف في تلك اللحظة وقال الحقّ ممّا يُذكِّرُنا بحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أفضل كلمة كلمةُ حقّ عند سلطان جائر»، حيث يروى أنّ هشام بن عبد الملك لم يتمكّن أن يصل إلى الحجر الأسود في موسم الحجّ من شدّة الزحام، وبما أنّ لباس الحجّاج واحد وبدون تمييز بين الأمير والفقير، وفي هذه اللحظة وصل شاب نوراني انشقّت له الصفوف ووصل إلى الحجر، فقال رجل لهشام: مَن هذا الذي فُتح له الطريق بهذه الهيبة والإجلال؟ فأجاب هشام: لا أعرفُه وكان به عارفاً فقال الفرزدق:
(1)الأعلام / خير الدين الزركلي: ج5، ص233. الأغاني: ج17، ص13.
(2)الغدير: ج2، ص306. الأغاني: ج17، ص22.
أنا أعرفُهُ، وأنشد قصيدته المعروفة، فغضب هشام وسجنه، وقد بدأت قصيدته في مدح زين العابدين(عليه السلام)، حيث يقول:
هذا ابن فاطمة إن كنت بِضائرِهِ ***** بِجَدِّه((4)) أنبياءُ الله قد خُتموا
هذا ابن خيرِ عباد الله كلّهم ***** هذا التَّقيُّ النَّقيُّ الطاهِرُ العلَمُ
وليس قولُك: مَنْ هذا؟ بِضائِرهِ ***** العُرْبُ تعرِفُ مَنْ أنكرت والعجمُ
إنْ عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمّتَهُم ***** أو قيلَ مَنْ خير أهلالأرضقيل هُمُ((5))
وقد اختلف رواة آخرون في افتتاحيّة هذه القصيدة حيث لم أعثر عليها في ديوانه والتي تبدأ:
هذا الذي أحمد المختارُ والده ***** صلّى عليه الهي ما جرى القلم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر ***** والمقتول حمزةُ ليث((6)) حبُّه قسم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة ***** وابن الوصي الذي في سيفه نقم((7))
توفّي الفرزدق عام 114هـ.
(1)البطحاء: أرض مكّة.
(2)وطأته: سيره على الأرض.
(3)البيت: الكعبة.
(4)بجدّه: رسول الله(صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء(عليهم السلام).
(5)أمالي السيّد المرتضى / أبو القاسم بن الطاهر: ج1، ص48. الأغاني: ج21، ص379. طبقات الشافعيّة / عبدالوهاب السبكي: ج1، ص291.
(6)ليث: الأسد.
(7)روضات الجنّات / محمّدباقر الخوانساري: ج6، ص8. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص204. ديوان أشعار التشيّع: ص273.
يعتبر الخوارج حزبٌ من الأحزاب السياسية وتعني المتمرّدين((1))، حيث يرى بعض المؤرّخين أنّ تاريخ الخوارج يبدأ من حادثة «التحكيم في حرب صفّين»((2)) التي وقعت بين الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وجيشه، وبين معاوية وجيشه عام 37هـ. ويرى الشهيد المطهري بقوله: أوّل تيّار متزمّت ظهر في دنيا الإسلام هو تيار الخوارج((3)).
أمّا سبب تسميتهم بالخوارج فيرجع إلى خروجهم على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ومحاربتهم إيّاه((4)). وقد بايعوا معاوية بعد شهادة الإمام(عليه السلام) سنة 41هـ((5)).
كما يرى البعض الآخر من المؤرّخين أنّ «الخوارج أقدم الفِرق الإسلامية»((6));
(1)الإمام عليّ(عليه السلام) / الاُستاذ مرتضى المطهّري: ص122.
(2)دائرة المعارف / بطرس البستاني: ج7، ص492. معجم الفِرق الإسلامية/ شريف يحيى الأمين: ص113. المنجد في الأعلام / إشراف: بطرس حرفوش: ص274. تاريخ الفِرق الإسلامية / محمّد خليل الزين: ص93.
(3)الإسلام ومتطلّبات العصر / الاُستاذ مرتضى المطهّري: ص84.
(4)الحور العين / أبو سعيد بن نشوان الحميري: ص200. الشيعة الإمامية / محمّد صادق الصدر: ص33. الغلوّ والفِرق الغالية / الدكتور عبدالله سلوم السامرائي: ص282. تاريخ الفِرق الإسلامية: ص93. الموسوعة السياسية / الدكتور عبد الوهاب الكيالي: ج2، ص631. موسوعة المورد العربية / منير البعلبكي: ج1، ص475. الموسوعة الميسّرة العربية / إشراف: محمّد شفيق غربال: ج1، ص767. معجم المصطلحات الدينية / الدكتور خليل أحمد خليل: ص68. التيّار الإسلامي / الدكتور مجاهد مصطفى بهجت: قسم18، ص89.
(5)دائرة المعارف: ص493.
(6)المنجد في الأعلام: ص274.
لذا انقسم الخوارج إلى فِرق كثيرة أهمّها: الأزارقة والنجدات والبيهسية والثعالبة والعجارد والأباظيّة((1)) والصفرية((2)) والحروريّة((3)) والمحكّمة أهل النهروان((4)).
إنّ المتتبّع لتاريخ وتأسيس وظهور الأحزاب والفِرق المشهورة في الدنيا يرى أنّ نشأة الخوارج ما زال يكتنفها الغموض، وذلك بسبب عدم الإمكان من ظهور فرقة بهذه الصورة والحجم دون أن يسبقها تنظيم وتخطيط دقيق واشتهروا بالتشدّد وكفّروا من يعارضهم أو من لم يحارب معهم((5))، وبنفس الوقت لا بدّ من وجود مبادئ ومصالح مشتركة يلتفّون حولها ويضحّون من أجلها.
لقد كان الشعر السياسي في العصر الجاهلي مدحاً سياسياً أو فخراً أو هجاءً، أمّا في هذا العصر فقد تحوّل الشعر السياسي من مجرّد مدح أو هجاء أو تأييد ديني إسلامي إلى شعر سياسي بمعناه الصحيح يدافع عن طائفته التي ينتمي إليها وبكلّ وسائل الدفاع((6)).
رأينا أنّ الكميت الأسدي ـوهو أحد شعراء الشيعةـ كان يتعصّب للكوفة، وأوّل من جاهر بحبّ آل البيت(عليهم السلام) في شعره والذي يعتبر وثيقة تاريخية. يقابله في هذا العصر أيضاً الشعراء:
(1)الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب المعاصرة / الدكتور مانع الجهني: ص15. الخوارج في العصر الاُموي / الدكتور نايف محمود معروف: ص219.
(2)الخوارج اُصولٌ وعقائد / حبيب طاهر الشمّري: ص160. معجم الفِرق الإسلامية: ص113. الموسوعة السياسية: ص632. المنجد في الأعلام: ص274.
(3)الغلوّ والفِرق الغالية: ص282.
(4)المعجم المفصّل في الأدب / الدكتور محمّد التونجي: ج1، ص418.
(5)أدب الخوارج في العصر الاُموي / سهير القلماوي: 150.
(6)الخوارج / الدكتور ناصر بن عبدالكريم الفعل: ص30.
![]() |
![]() |
![]() |