![]() |
![]() |
![]() |
وأوع سمعك أمثالاً أفصّلها ***** كما يفصّل ياقوت ومرجان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ***** فطالما استعبد((1)) الإنسان إحسان
وإن ا ساء مسيء فليكن لك في ***** عروض زلّته صفح وغفران
وكن على الدهر معواناً لذي أمل ***** يرجو نداك فإنّ الحر معوان
واشدد يديك بحبل الله معتصماً ***** فإنّه الركن إن خانتك أركان
* * *
من يتّق الله يحمد في عواقبه ***** ويكفه شرّ من عزوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب ***** فإنّ ناصره عجز وخذلان((2))
من كان للخير منّاعاً فليس له ***** على الحقيقة إخوان وأخدان((3))
من جاد بالمال مال الناس قاطبة ***** إليه والمال للإنسان فتّان((4))
من عاشر الناس لاقى منهم نصباً((5)) ***** لأن أخلاقهم بغي((6)) وعدوان
* * *
من استشار صروف الدهر قام له ***** على حقيقة طبع الدهر برهان
من يزرع الشرّ يحصد في عواقبه ***** ندامة ولحصد الشرّ إبّان((7))
من استقام إلى الأشرار قام وفي ***** قميصه منهم صل وثعبان
ورافق الرفق في كلّ الاُمور فلم ***** يندم رفيق ولم يذممه إنسان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)استعبد: اتّخذه عبداً.
(2)خذلان: من الخذل.
(3)أخدان: الصاحب والحبيب.
(4)فتّان: كثير الفتنة.
(5)نصباً: تعباً.
(6)بغي: الباغي.
(7)إبّان: أبّان الشيء: أوّله، حينه.
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة ***** فلن يدوم على الإنسان إمكان
* * *
دع التكاسل في الخيرات تطلبها ***** فليس يسعد بالخيرات كسلان
لا ظلّ للمرء أحرى من تقى ونهى ***** وإن أظلته أوراق وأغصان
والناس أعوان من والته دولته ***** وهم عليه إذا عادته أعوان
سبحان من غير مال بأقلّ حصر ***** وبأقلّ في ثراه المال سحبان
لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم ***** غرائز لست تحصيها وألوان((1))
* * *
وله في النصيحة:
إذا قنعت بميسور من القوت ***** بقيت في الناس حرّاً غير ممقوتِ
يا قوتَ يومي إذا ما درَ خلفك لي ***** فلست آسي على درٍّ وياقوتِ((2))
وقال أيضاً:
رميتك مِن حكم القضاء بنظرة ***** وما لِيَ عن حكم القضاء مناصُ((3))
فلمّا جرحتُ الخدَّ منك بنظرة ***** جرحتَ فؤادي والجروح قصاصُ((4))
البستي له طريق معروف واُسلوب مشهور في التجنيس حين يقول:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)جواهر الأدب: ج2، ص431. لطائف الرجال / عبدة غالب أحمد: ص146. وفيات الأعيان: ج1، ص356. الكشكول الكامل / بهاء الدين العاملي: ص111. أبو الفتح البستي / الدكتور محمّد مرسي الخولي: ص313. ديوان أبي الفتح البستي / تحقيق: دريد الخطيب ولطفي الصقّال: ص186.
(2)البداية والنهاية: ج11، ص315.
(3)مناص: مفرّ وملجأ.
(4)ديوان أبي الفتح البستي: ص113.
لم تر عيني مثلَهُ كاتباً ***** لكلِّ شيء شاء وشاءا
يُبدعُ في الكُتبِ وفي غيرها ***** بدائعاً إن شاء إنشاءا((1))
وفي مجال آخر من شعره يذكر الآخرة بقوله:
يا ناعماً بسرور عيش زائل ***** ستزول عنه طائعاً أو كارِهاً
إنّ الحوادث تزعج الآساد عن ***** ساحاتها والطير عن أوكارِها((2))
توفّي البستي سنة 406هـ.
كان أبو الحسن الأنباري صوفياً وواعظاً وشاعراً، عندما انتصر عضد الدولةعلى ابن عمّه عزّ الدولة واستلم زمام الحكم أمر عضد الدولة بأن يوضع ابن بقيةوزير عزّ الدولة بين قوائم الفيلة، فوضعه فتخبطته بأرجلها حتّى هلك، ثمّ صلب على رأس الجسر.
رثاه أبو الحسن الأنباري بقصيدة تعتبر من أعظم المراثي حتّى أنّ عضد الدولةالذي أمر بصلبه تمنّى لو كان هو المصلوب، والقصيدة قيلت فيه. لقد اشتهر الشاعر الأنباري بهذه القصيدة حيث يقول:
عُلو في الحياة وفي المماتِ ***** حرٌّ أنتَ إحدى المُعجِزَاتِ
كأنّ الناس حولَك حين قَامُوا ***** وُفودُ نداك((3)) أيام الصلاتِ((4))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الوافي بالوفيّات / خليل الصفدي: ج22، ص168.
(2)المصدر المتقدّم: ص169.
(3)وفود نداك: الوفود الآتية لنيل الكرم.
(4)الصلات: العطية.
كأنّكَ قائم فيهمْ خطِيباً ***** وكلُّهمُ قيامٌ لِلصَّلاةِ
مددت يديكَ نحوهُم أحْتِفاء((1)) ***** كَمَدّهما إليهمْ بالْهِباتِ
ولمّا ضاقَ بطْنُ الأرضِ عن أنْ ***** يضُمَّ عُلاَكَ مِنْ بَعْدِ الوفاةِ
أصارُوا الجَوَّ قبرَك واستعاضوا ***** عنِ الأكْفانِ ثوب السافيات((2))
لعُظْمِكَ في النفوس تبيت تُرعى ***** بحُرّاس وحُفّاظ ثِقات
* * *
وتُوقدُ حوْلك النيرانُ ليلاً ***** كذَلك كُنْتَ أيّامَ الحياة
ركِبتَ مَطِيَّةً منْ قَبْلُ زيْدٌ ***** علاَها في السنينَ الماضِياتِ
وتِلْكَ قضِيَّةٌ فيها تاسّ ***** تُباعدُ عنك تعيير العُدَاةِ
ولم أرَ قبل جِذعكَ((3)) قطُّ جِذْعاً ***** تمكّن مِنْ عناق المكْرُماتِ
أسأتَ إلى النوائبِ فاستثارَت ***** فأنْتَ قَتِيلُ ثأر النّائِباتِ((4))
وكنتَ تجيرُنا من صرف دهر ***** فعاد مطالباً لك بالترات((5))
وصَيَّرَ دَهرُكَ الإحسانَ فيهِ ***** إلَينا من عَظِيم السيّئاتِ
* * *
وكُنتَ لمعْشَرِ سعْداً فلمّا ***** مضيْتَ تفرّقُوا بالمنحِساتِ
غليلٌ باطنٌ لك في فُؤادي ***** يخَفّفُ بالدُّموعِ الجارِياتِ
ولو أنّي قَدرْتُ على قِيام ***** بفَرْضك والحُقُوقِ الواجِباتِ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)احتفاءً: المبالغة بالإكرام.
(2)السافيات: الرياح التي تحمل التراب.
(3)الجذع: ساق الشجرة الطويل.
(4)النائبات: النوائب والمصائب.
(5)الترات: ثأر صار الدهر يثار منك.
ملأت الأرْض من نظم القوافي ***** وبُحتُ بها خِلاَف النّائحاتِ
ولكنّي أصبِّرُ عنك نَفْسي ***** مخافَةَ أنْ أعدّ مِن الجُنَاةِ
وما لك تُربةٌ فأقولُ تُسْقى ***** لأنّك نُصْبَ هَطل الهاطِلاتِ
عليك تَحِيةُ الرّحمـن تَترَى ***** برَحمات غَواد رائِحاتِ((1))
* * *
وقد ذُكر أنّ الأنباري لمّا اشتهرت أبياته في رثاء ابن بقية طلبه عضد الدولةفاستتر سنة كاملة، وبعد أن توسّط الصاحب بن عبّاد عند عضد الدولة، وكتب له الأمان فسأله عضد الدولة: ما الذي حملك على رثاء عدوّي؟ فقال: حقوق بيننا سابقة، فجاش الحزن بقلبي فرثيته، فقال: هل يحضرك شيء في الشموع والشموع تزهر بين يديه فأنشأ يقول:
كأنّ الشموع وقد اظهرت ***** من النار في كلّ رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين ***** تضرع تطلب منك الأمانا
فخلع عليه وأكرمه وأمر أن يحمل على فرس((2)).
توفّي ابن الأنباري سنة 367هـ((3)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ بغداد: ج3، ص245. يتيمة الدهر / الثعالبي: ج2، ص439. نكت الهِميان / صلاح الدين الصفدي: ص272. البداية والنهاية: ج11، ص329. روض المناظر / محمّد بن محمّد الشحنه: ص182.
(2)الأعلام: ج1، ص312.
(3)الكامل في التاريخ: ج5، ص427، تحقيق: علي شيري، حيث نسبت القصيدة لأبي الحسن الأنباري.
هو عبدالحميد بن هبة الدين بن محمّد (ابن أبي الحديد)، وُلد في سنة 586هـ بالمدائن (شرق بغداد)، وكان عالماً لغوياً وأديباً شاعراً ومصنّفاً كبيراً ومتعمّقاً فى علم الكلام (وهو علم الدفاع عن العقائد).
ويعتبر ابن أبي الحديد أشهر متكلّمي المعتزلة((1))، وينتسب لخطّ بغداد، والذي يميل إلى أهل البيت(عليهم السلام)، عكس معتزلة خطّ البصرة حيث ينتسب إليهم الجاحظ،
ـ شرح نهج البلاغة (في عشرين جلد ).
ـ الفلك الدائر على المثل السائر.
ـ الوشاح الذهبي
ـ القصائد السبع العلويات.
ـ شرح المنظومة
ـ زيادة النقيصين.
ـ نظم فصح ثعلب
ـ العبقري الحسان.
ـ ديوان شعر
ـ المستنصريات ((2)).
وغيرها من التأليفات، بالاضافة إلى بعض الشروحات والتعليقات والكتب النقدية القيّمة. ومن شعره في مدح أمير المؤمنين علي(عليه السلام):
قسماً بتُرب نعالِهِ فمحاجري ***** أبداً بغيرِ غبارِهِ لا تكحلُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المعتزلة: هم جماعة من المسلمين اعتمدوا على المنطق والقياس، وأشهرهم واصل بن عطاء.
(2)الروضة المختارة / صالح علي الصالح: ص166. شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج1، ص19. كشف الظنون / مصطفى بن عبدالله: ج2، ص799. معجم المؤلّفين / عمر كحالة: ج5، ص106. فوات الوفيّات: ج2، ص259. معجم أعلام الفكر الإنساني / إعداد: نخبة من الأساتذة: ص31.
عُجْ ((1)) بالغريّ على ضريح حوله ***** ناد لأملاك السماء ومحفلُ
فمسبّحٌ ومقدّسٌ ومُمجِّد ***** ومُعظِّم، ومُكَبِّرٌ ومُهلّلُ
والثم ثراه((2)) المِسك طيباً واستلم ***** عيدانه قبلاً فهن المندلُ
وانظر إلى الدعوات تسعد عنده ***** وجنود وحي الله كيف تُنَزّلُ
* * *
وقُلِ السلامُ عليك يا مولى الورى ***** نصّاً به نطق الكتاب المُنزلُ
وعلومُ غيب لا تُنالُ وحكمة ***** فصل وحكم في القضية فيصلُ
يا أيّها النبأ العظيم فمُهتد ***** في حُبّه وغُواة((3)) قوم ضللُ((4))
إنْ كانَ دين محمّد فيه الهدى ***** حقّاً فحبَّكَ بابُهُ والمدخلُ
لولاكَ أصبح ثلمة لا تُتَّقى ***** أطرافها ونقيصة لا تكملُ((5))
وفي مكان آخر نجده يمدح ويصف أمير المؤمنين وإمام المتّقين(عليه السلام)، فيقول:
يا برق إن جِئْتَ الغريّ ((6)) فقُلْ له ***** أتراك تعلم مَنْ بأرضِكَ مودعُ
يا هازمَ الأحزاب لا يثنيه عن ***** حوض الحمام مدجج ((7)) ومدرع
يا قالعَ الباب الذي عن هزِّها ***** عجزت أكفٌّ أربعون وأربعَ ((8))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عُجّ: صاح ورفع صوته.
(2)والثم ثراه: التقبيل والاستسلام.
(3)غواة: جمع غاو، والخائب هنا.
(4)ضلل: جمع ضال.
(5)السبع العلويات: ص112. الروضة المختارة: ص149.
(6)الغري: اسم كان يطلق على مدينة النجف الأشرف.
(7)مدجّج: رجل حامل سلاح.
(8)أهل بيت رسول الله في دراسة حديثة / محمّد علي أسبر: ص253.
لي فيك معتقدٌ سأكشِف سِرَّهُ ***** فَلْيصْغِ أربابُ النُّهى وليسمعُوا
* * *
والله لولا حيدرٌ ما كانت ***** الدنيا ولا جمَعَ البرِيَّةَ مجمعُ
أهواكَ حتّى في حشاشةِ مُهجتي ***** نارٌ تشبُّ على هواك وتلذعُ
ورأيتُ دِيْنَ الإعتزال وإنّني ***** أهوى لأجلِكَ كلَّ مَنْ يَتَشيَّعُ
ولقد علمتُ بأنّه لا بُدَّ مِنْ ***** مهْدِيِّكم وليومِهِ أتوقَّعُ
* * *
ولقد بكيتُ لقتلِ آل محمّد ***** بالطَفِّ حتّى كلّ عضو مَدْمَعُ
وحريمُ آلِ مُحمَّد بَيْنَ العِدَى ***** نهْبٌ تقاسَمَهُ اللئامُ الرُّضَّعُ
تاللهِ لا أنسى الحسين وشلوهِ ***** تحْتَ السّنابل بالعراء موزّعُ
تطأُ السنابلُ صدرَهُ وجبينَهُ ***** والأرضُ ترجفُ خيفة وتُضَعْضَعُ
لهفي((1)) على تلكَ الدِّماء تراقُ في ***** أيدي اُميّة عنوة وتضيّعُ((2))
* * *
كذلك نجده في قصيدة اُخرى يمدح أبوطالب وأمير المؤمنين(عليهما السلام) إذ يقول:
ولولا أبو طالب وابنه ***** لَمَا مَثُلَ الدينُ شخصاً وقاما
تكفّل عبد مناف بأمر ***** وأودى فكان عليٌّ تماماً((3))
أمّا وفاته فكانت في سنة 655هـ، وقيل: إنّه توفّي قبل دخول التتار بغداد بنحو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)لهفي: حزني.
(2)الروضة المختارة: ص144. السبع العلويات / شرح: العلوي البغدادي: ص115. شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج1، ص14. السبع العلويات: ص93.
(3)حجج النهج: ص24. شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج1، ص84.
سبعة عشر يوماً((1)).
عبدالله بن المقفّع، كان اسمه روزبه قبل أن يسلم.
ولد روزبه في البصرة سنة 106هـ، وكان والده فارسياً.
ونشأ نشأة عربية إلى جانب الثقافة الفارسية التي ورثها من اُسرته، وبعد أن أسلم غيّر اسمه إلى عبد الله.
«أكبّ ابن المقفّع على العلم والأدب وقوّم لسانه بالكلام الفصيح، وتضلّع في العربية والفارسية وآدابهما، واشتهر بالذكاء، وله عدّة رسائل تبحث في أخلاق الملوك وقواعد السياسة((2)).
أتقن فنّ الكتابة فاتّجهت إليه أنظار الولاة والاُمراء. قيل إنّه اتّهم بالزندقة وقُتل»((3)).
كليلة ودمنة: اشتهر ابن المقفّع، وتألّق نجمه بكتابه كليلة ودمنة، وقد اختلف الباحثون في أصل كتاب كليلة ودمنة هل أنّه منقول أم موضوع، انّ الجواب نتركه لابن المقفّع الذي كتبه في مقدّمة الكتاب، والذي جاء فيه بأنّ الكتاب هندي الأصل نقله الفرس إلى لغتهم، ثمّ جاء هو فنقل الكتاب من الفهلوية (الفارسية القديمة) إلى العربية، فالكتاب كليلة ودمنة قد استقى روح الكتاب من مصدر أجنبي، ثمّ صاغه صياغة عربية تلائم البيئة العربية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حجج النهج: ص25.
(2)مجلّة الفكر الجديد / سليم الحسني: العدد 11، السنة الرابعة، ص168.
(3)مشاهير الشعراء والاُدباء: ص149.
![]() |
![]() |
![]() |