ديوان السيَّد رضا الموسويّ الهنديّ
<<1290 ـ 1362 هـ >>
جمعه
السيد موسى الموسوي
راجعه وعلّق عليه
الدكتور السيد عبد الصاحب الموسوي
تقديم
هذا ديوان لم يجمعه صاحبه، ولا عُني به أبناؤه في حياته، ولا بعد وفاته، وأقوى
الظنّ أن القصائد التي فيه لا تمثّل إلاّ أقلَّ القليل من مجموع ما قال من الشعر،
ذلك لانّ سيّدنا الرضا، رحمه اللّه، كان مبكّر النبوغ في جملة جوانب، أحدها الشعر،
فهو قد بلغ مرتبة الاجتهاد في الفقه والاصول ولما يتخطّ العقد الثالث من عمره،
واشتُهر في العلوم المصاحبة لعلوم الدين قبل أن يتعدّى ريعان الشباب، وفي مؤلفاته
المتعدّدة الجوانب دليل على ذلك. ولم يكن سيّدنا الرضا مُقلا في نظم الشعر، فقد كان
الشعر متنفّسا له ولامثاله من ذوي المواهب التي هذّبتها المتابعة، وأصَّلتها
المراجعة، وما إحاطته بأشعار العرب، على اختلاف عصورهم، ومعرفته بأسرار البلاغة
وفنونها إلاّ القوادم والخوافي التي كست أجنحة موهبته، فمكنتها من التحليق عاليا في
آفاق الشعر، حين ينظمه وحين ينقده وينظر فيه، لذلك فإن موافقتنا على أنّ القصائد
التي ضمّها هذا الديوان هي كل شعره، مجانبة للحق، ومخالفة لمنطق الاشياء، فأين كل
شعره؟؟
من المعروف، ليس في النجف وحدها، بل في حواضر المسلمين كلها، أن العلماء الروحانيين
يعدّون الشعر، مهما كان عاليا، أدنى فضائلهم وأيسر كمالاتهم، وقد قالوا قديما:
الشعر أدنى مروءة
السري، وأسرى مروءة الدني. فهم يروِّحون به عن أنفسهم، ويعبّرون من خلاله عمّا يجيش
في صدورهم من أفراح أو أحزان أو هموم، ولا يضعونه في صفّ الرسالة الدينية التي
كرَّسوا لها أعمارهم.
والشاعر منهم يقول الشعر ولا يريد أن يُعْرَفَ به، كما لا يأنف إن نسب إليه، ومن
هذه النظرة إلى الشعر، جاء إهمالهم لجمع ما ينظمون، تاركين المهمة للحُفَّاظ
والمهتمّين من الادباء والخطباء
وغيرهم.
وقصائد سيّدنا الرضا يمكن أن تقتسمها أغراض حددت الجهات المسؤولة عن حفظها، فمديح
النبيّ عليه الصلاة والسلام، ومديح ومراثي آل بيته الطاهرين غرض ـ أو جانب من غرضي
المديح والرثاء ـ يقع في دائرة اهتمام خطباء المنابر الحسينية، إذ درج هؤلاء على
افتتاح كل مجلس خطابي بإنشاد قصيدة مديح أو رثاء قيلت في النبيّ، عليه الصلاة
والسلام، أو في واحد من أهل بيته، فالخطباء حفّاظ للجيّد من تلك القصائد،
يتلقّفونها ويتناقلونها ويضيفونها إلى محفوظهم، إعلاء لمكانتهم الادبية، وتحقيقا
للتنوّع فيما يمتّعون به جماهير مجالسهم.
وقصائد سيّدنا الرضا، في هذا الباب، كثيرة وشهيرة ومحفوظة في صدور كبار الخطباء،
أخذوها عنه ونقلوها إلى غيرهم من المبتدئين في فنّ الخطابة، وكان من الممكن جدّا أن
تجمع هذه القصائد من حفاظها، قبل أن تخترم الاجال أوثقهم رواية وأوعاهم حفظا، ولكن
أحدا من أبناء سيّدنا الرضا أو ذويه أو المهتمّين بأشعاره لم يفعل ذلك، لانشغال
الجميع في شؤون الحياة وشجونها، ولظنّهم أن الخلود قد حالف هذه القصائد، فهي تنشد
في كل مجلس من مجالس الخطابة، وفي كل بلد يقيم أهله تلك المجالس، ولم يتنبّهوا إلى
بطلان ظنّهم إلاّ متأخّرين، حين اختار اللّه، سبحانه، إلى جواره أُولئك الخطباء
والثقاة الواحد بعد الاخر، فلم يبق بعدهم إلاّ جيل من الخطباء توجَّهَ إلى الجديد
في محفوظه، وإذا كان يحفظ من أشعار سيّدنا الرضا وأضرابه من أهل زمانه، فلا يحفظ
منها إلاّ القليل، وهكذا انطوت في صدور الراحلين قصائد لا يعلم عددها إلاّ اللّه
سبحانه، وأكثر أُولئك الراحلين، رحمهم اللّه، لم يتركوا مجاميع مكتوبة بمحفوظاتهم،
أو أنّ ذويهم لم يحتفظوا بتلك المجاميع.
ولسيّدنا الرضا رحمه الله، قصائد نظمها لاخوانه وأصدقائه يمدحهم أو يهنّئهم أو
يعزّيهم أو يرثيهم، وتلك القصائد ـ في العادة ـ تلقى على جمع المحتفلين ثم يأخذ
المعنيُّ بالمناسبة أصلها، ليضمّه إلى مفاخر أسرته وتراثها الذي تعتزّ به، وكثير من
قصائد السيد الرضا موجود لدى الاسر العلمية في النجف وغيرها، ولكن الحصول عليه أمر
في غاية الصعوبة لاعتبارات عديدة، منها عدم استجابة من نتوجّه إليه بالطلب.
وهذه الحقائق مجتمعة تؤكّد ما ذهبنا إليه من أن الشعر المجموع في هذا الديوان، ليس
كل ما نظمه سيّدنا الرضا، رحمه اللّه، وأن الكثير منه قد ضاع، مما حدا بابن عمّنا
المرحوم الاستاذ السيد موسى الموسوي، إلى جمع ما وقعت عليه يده، وكان أكثر ما اعتمد
عليه في ذلك، المجاميع والاوراق المتناثرة في خزانة كتب العلاّمة المرحوم خالنا
السيّد أحمد أكبر أبناء سيّدنا الرضا، والذي كان هو الاخر يحاول جمع أشعار والده،
لولا مسؤوليات مركزه الديني وأعباء حياته اليومية.
لقد أمضى المرحوم السيد موسى الموسوي أعواما يتّصل فيها جهده وينقطع، حتى ظّن أن ما
صار بيديه هو ديوان السيّد الرضا، وكان ينسخ كل قصيدة أو قطعة في مجموع له، لم يراع
فيه الاغراض الشعرية، وقد تجد في المجموع القصيدة الواحدة مكررة مرّتين، وقد يختلف
النصّ في إحداها عنه في الثانية، وقبل وفاته بأعوام أرسل إليَّ المجموع راغبا في
مراجعته وطبعه، لنشترك كلانا في مأثرة عظيمة، هي حفظ تراث أسرتنا، وقد أوشك على
الضياع. وبدأت منذ وصلتني المجموعة أعمل على مراجعتها، وتبويبها على الاغراض،
والنظر في النصوص المكررة وما حصل فيها من اختلاف، فأقابلها على المنشور في مجلّة
الاعتدال النجفية أو في كتاب (( شعراء الغري)) للمرحوم علي الخاقاني وغيرهما، وقد
لا يسعفني مرجع، فأحتكم إلى نَفَس السيد الرضا ومعتاد أسلوبه، حتى إذا بلغت في ذلك
غاية الطاقة، ولم أبلغ غاية الطموح، كان اللّه سبحانه قد اختار إلى جواره ابن العمّ
السيّد موسى الموسوي، قبل أن أعرض عليه حصيلة جهدي، فإذا فاتنا ـ أنا وابن عمّي ـ
أن ندرك النجح كلّه، فلم يفتنا أن ندرك جلّه، وفي ذلك بعض ما كنّا نتمنّاه ويتمنّاه
عارفو مكانة السيد الرضا ومتتبّعوا آثاره العلمية والادبية.
وصاحب هذا الديوان هو السيد رضا نجل السيد محمد نجل السيد هاشم المعروف بالهندي
لهجرة أحد آبائه إلى الهند في عصر من عصور الاضطهاد، ويتصل نسبه الشريف بعاشر
الائمة الاطهار بعد تعداد بضع وثلاثين أبا، ويُنسَب إلى الامام علي النقي فيقال
((نقوي)) أو إلى الامام الرضا فيقال ((رضوي)) أو إلى الامام موسى بن جعفر فيقال
((موسوي)) وهذا اللقب الاخير هو الذي عرفت به أسرة السيّد الرضا، قدّس اللّه سرّه.
ولد سيّدنا الرضا في النجف الاشرف ليلة الاثنين ثامنة ليالي ذي القعدة سنة تسعين
ومائتين وألف(1)، وهاجر إلى سامراء بهجرة أبيه سنة 1298 هجرية حين اجتاح النجف وباء
الطاعون، وكان سيّدنا الرضا خامس إخوته الستّة، وقد اشتهر منذ يفاعه بالصلاح
والتقوى، وعرف عنه أنّه حفظ أول حديث عن الامام الشيرازي الكبير، وهو قول النبيّ
صلى الله عليه وآله : ((العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء)). وذلك حين تعلم،
رحمه اللّه، القرآن الكريم بمدّة أيسر من المألوف، فأعجب به الامام الشيرازي، قدّس
اللّه سرّه، أشد الاعجاب وقال في جملة ما قال: العلم نور...
_______________________________
1 - كما ثبته والده الحجة السيد محمد الهندي في كشكوله.
وكانت سامراء يومئذٍ آهلة بالعلم والادب، حافلة بنوادي البحث والتدريس، وكان للادب
العربي فيها شأن مرموق، فنهل السيّد الرضا من موارده العذبة فيها. ومكث في سامراء
مكبا على طلب العلم، حتى عودة أبيه إلى النجف سنة 1311 للهجرة، وكان طوال تلك المدة
موضع حبّ ورعاية الامام الشيرازي، إذ كان سيّدنا الرضا غاية في الذكاء والفطنة،
وسرعة البديهة وسعة الاطلاع، وفي النجف الاشرف واصل دراسته العلمية على أساطين
العلم فيها، فقد تلمذ في الفقه والاصول وجملة من العلوم على والده الحجّة السيّد
محمد الهندي وعلى الحجّة السيد محمد الطباطبائي، والشيخ محمد طه نجف، والشيخ حسن
ابن الشيخ صاحب الجواهر، والملاّ محمد الشربياني، والشيخ الملاّ محمد كاظم
الخراساني.
وكان يروي إجازة عن أبيه وعن الشيخ أسد اللّه الزنجاني، والسيد حسن الصدر، والسيد
أبي الحسن الاصفهاني، والشيخ آغا بزرك الطهراني، حتى شهد له الشيخ محمد طه نجف
بالاجتهاد المطلق سنة 1322 للهجرة.
وكان، رحمه اللّه، زاهدا بالزعامة الدينية على الرغم من مؤهّلاته للامامة، شديد
التواضع مع سموّ مكانته العلمية، رفيع الخلق، جمّ المناقب، غزير العلم، واسع
المعرفة.
وقد اكتنفت حياته مصاعب ومتاعب حالت بينه وبين التفرّغ للتأليف، وإذا كان قد أغنى
مجالس العلم والادب والشعر بما جعل اسمه قبل الاسماء فإنّه قد ترك من المؤلّفات
المخطوطة والمطبوعة ما كنّا نتمنّى المزيد عليه، فمن مؤلّفاته(2):
_______________________________
2 - آل الهندي في النجف، القسم الاول 93 مخطوط للمرحوم الاستاذ موسى الموسوي.
1 ـ الميزان العادل بين الحقّ والباطل: وهي رسالة في الردّ على الكتابيين، ألّفها
استجابة لرغبة الشيخ حسن علي بن بدر القطيفي المهاجر حينئذٍ إلى الهند ليحمل الهنود
على مقاطعة الانجليز، وقد طبعها المذكور على نفقته في بغداد سنة 1331 هجرية، وتقرر
فيما بعد تدريسها في مدارس الدولة، ولكن سلطات الاحتلال البريطاني منعت نشرها.
2 ـ بلغة الراحل: كتاب في المعتقدات والاخلاق، لم يطبع.
3 ـ الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي، لم يطبع.
4 ـ شرح على باب الظهار: من كتاب والده في الفقه المسمّى ((اللالىء الناظمة
للاحكام اللازمة))، لم يطبع.
5 ـ سبيكة العسجد في التاريخ بأبجد: كتاب حافل بفلسفة التاريخ بأبجد، ويعدُّ نحوا
من التأليف لم يسبق إليه. ما زال مخطوطا.
6 ـ الرحلة الحجازية: رسالة وصف فيها رحلته إلى الحجّ سنة 1347 للهجرة. مخطوطة.
7 ـ درر البحور في العروض، مخطوط.
8 ـ تقريرات أستاذه السيد محمد بحر العلوم، مخطوط.
9 ـ شرح رسالة غاية الايجاز لوالده، مخطوط.
وقد ترجم لسيّدنا الرضا عدد من العلماء الاعلام والكتّاب والادباء الكبار، أمثال
العلاّمة المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء في كتابه ((الحصون المنيعة)) والعلاّمة
المرحوم السيد محسن الامين في كتابه ((أعيان الشيعة)) والعلاّمة المرحوم الشيخ محمد
السماوي في كتابه ((الطليعة)) والعلاّمة المرحوم الشيخ جعفر النقدي في كتابه
((الروض النضير)) والاستاذ المرحوم علي الخاقاني في كتابه ((شعراء الغري)) والاديب
الكبير المرحوم جعفر الخليلي في كتابه ((هكذا عرفتهم))، كما ترجم لسيّدنا الرضا
ولده العلاّمة المرحوم السيد أحمد في مقدّمة القصيدة الشهيرة ((الكوثرية)) وغير
هؤلاء كثيرون. إلاّ أنّني لا أجد بدا من ذكر شيء مما كتبه المرحوم الاستاذ الخليلي
الذي تعرّض إلى جانب من جوانب عبقرية السيّد الرضا مما يفسح أمام القارىء الكريم
سبلا كثيرة لاستجلاء الجوانب الاخرى من إبداع صاحب الديوان، يقول الاستاذ الخليلي:
((... زاول الادب زمنا طويلا فأبدع فيه إبداعا كان المجلى فيه بين جمع كبير من
الادباء والعباقرة في زمانه، ولقد ولع بالبديع ولعا سما به إلى منزلة قلَّ من ارتفع
إليها من قبل. وإن لديَّ الكثير من الشواهد من نظمه ونثره، ومنها مقامات إذا شئتها
شعرا كانت شعرا ببحور مختلفة وقواف مختلفة وإن شئتها نثرا كانت نثرا مسجعا أو
مرسلا، ولم يكن هذا غريبا بمقدار غرابة خلوّ هذه المقامات من التكلُّف، فقد كان
إمام البديع، وشيخ الادباء فضلا عن كونه عالما، ومن علماء الفقه المعروفين، ومن
أبرع بدائعه في وضع التواريخ الابجدية التي سمعتها منه هو تاريخه لشهادة الامام أبي
عبد اللّه الحسين الذي وقع سنة 61 هجرية، وهو عدد صغير جدا يستحيل على الشاعر أن
يستخدمه لوضع تاريخ شعري متين وبدون تكلّف، ولكن براعة السيّد رضا قد تغلّبت على
هذه الصعوبة، فوضع التاريخ التالي وهو شاهد على منتهى ما يبلغ المتفنّن ممّا يتصوّر
المتصوِّرون لملكات الصياغة اللفظية والفنون الادبية في ذلك العصر، فجاء التاريخ
على هذا النحو:
صرخ النادبون باسم ابن طه وعليه لم تحبس الماء عين(3)
لم يصيبوا الحسين إلاّ فقيدا حينما أرّخوه ـ أين الحسين
_______________________________
3 - ورد هذا البيت في الديوان على هذا النحو:
هتف النادبون باسم حسين وعليه لم تحبس الدمع عين
وحساب هذا التاريخ يجري بأن تتبّع الاشارة في صدر البيت التي تقضي تنزيل اسم الحسين
باعتباره فقيدا من قوله : أين الحسين، فيكون التاريخ مجموع حروف ((أين)) وذلك سنة
61 للهجرة وهو المطلوب)).
إنّ سيرة سيّدنا الرضا امتداد لسير الصالحين من علماء الامّة، فقد كان مثالا يُحتذى
في الورع والتقى والنشاط فيما يرضي اللّه سبحانه، ولم تكن حياته إلاّ سجلا حافلا
بكريم الخصال وعظيم الاعمال، وحسبه فخرا وشرفا أن الدنيا أقبلت عليه في شرخ شبابه
فأدبر عنها إدبار شيوخ الحكماء المؤمنين بالعمل للاخرة.
توفّي سيّدنا الرضا، رحمه اللّه، سنة 1362 للهجرة، فكان لوفاته صدى مروِّع في أوساط
العلماء والصالحين، وفي كافة أرجاء المجتمع العراقي، وقد شيّع جثمانه الطاهر من
ناحية المشخاب حتى مركز قضاء أبي صخير محمولا على أكتاف المشيّعين، ومن هناك أتّجه
بالجثمان إلى النجف موكب من مئات السيّارات حيث كانت جماهير المدينة المقدّسة
بانتظار الموكب المهيب على مسافة من الطريق، وحمل الجثمان على الاعناق ثانية إلى
الصحن العلوي الشريف، وقد صلّى عليه كبار العلماء المراجع ومن ورائهم مئات الوجوه
من طلبة العلم وسائر الناس، وكان يوما مشهودا في النجف التي أغلقت أسواقها ونشرت
أعلامها السوداء في كل مكان. وقد دفن في مقبرة أبيه وأخيه في داره الكائنة في محلّة
الحويش من النجف الاشرف، قدّس اللّه سرّه.
القاهرة ـ مصر الجديدة الدكتور عبد الصاحب الموسوي
غرّة رمضان 1406 هجرية
في النبيِّ وَآلِه <<صَلَوات اللّه عَليهم>>
في ذكرى
مولد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله
(4)
أرى الـكونَ أضـحى نـوره يتوقَّد لاَمـرٍ بـه نـيرانُ فـارسَ iiتخمُدُ
واِيـوان كـسرى انشقَّ أعلاه مؤذنا بــأن بـنأَ الـدين عـاد iiيُـشَيَّدُ
أرى أنَّ أمَّ الـشِّرك أَضحت iiعقيمةً فـهل حـان من خير النبيين iiمولد؟
نعم كاد يستولي الضلالُ على الورى فـأقـبل يـهدي الـعالمين iiمـحمد
***
نـبـيُّ بــراهُ الله نــورا iiبـعرشه ومـا كـان شـيٌ فـي الـخليقة iiيوجد
وأودعـه مـن بـعدُ فـي صُـلب iiآدم لـيـسترشد الـضُّلالُ فـيه iiويـهتدوا
ولـو لـم يـكن في صُلب آدمَ iiمُودَعا لـما قـال قِـدْما لـلملائكة: iiاسـجدوا
لـه الـصدر بـين الانـبياء وقـبلهم عـلـى رأسـه تـاج الـنبوة iiيـعقد
لـئـن سـبـقوه بـالـمجيء iiفـإنَّما أتــوا لـيـبثُّوا أمــره ويـمـهدوا
رسـولٌ لـه قـد سـخَّر الـكونَ iiربُّه وأيَّــدَهُ فـهـو الـرسـول iiالـمؤيّد
ووحَّــدَهُ بـالـعزِّ بـيـن عـبـاده لـيـجروا عـلى مـنهاجه iiويُـوحِّدوا
وقـارن مـا بـين اسـمه واسم iiأحمد فـجـاحده، لا شـكَّ، لـله iiيـجحد(5)
ومــن كـان بـالتوحيد لـله شـاهدا فــذاك لـطـه بـالـرسالة iiيـشهد
ولــولاه مـا قـلنا ولا قـال iiقـائل لـمـالك يـوم الـدين: إيّـاك iiنـعبدُ
ولا أصـبحت أوثـانهم وهـيَ الـتي لـها سـجدوا تـهوي خشوعا iiوتسجد
***
لامـنةَ الـبشرى مـدى الدهر إذْ غَدتْ وفـي حـجرها خـير الـنبيين iiيـولد
بـه بـشَّرَ الانـجيل والـصُّحْفُ قبلَهُ وإن حــاول الاخـفاء لـلحقّ iiمـلحد
((بسينا)) دعا موسى و((ساعير)) مبعث لـعيسى ومـن ((فـاران)) جاء محمد
فـسلْ سِـفْرَ شـعيا مـا هتافهم iiالذي بــه أُمــروا أن يـهتفوا ويـمجدوا
ومـن وَعَـدَ الـرحمن مـوسى ببعثه وهـيـهات لـلرحمن يُـخْلَفُ iiمـوعد
وسـلْ مـن عنى عيسى المسيح بقوله سـأُنزله نـحو الـورى حـين iiاصعد
لـعـمرك إن الـحق أبـيضُ iiنـاصحٌ ولـكـنما حــظُّ الـمـعاند iiأســود
أيـخلدُ نـحو الارض مـتّبع iiالـهوى وعـمَّـا قـلـيل فـي جـهنّم يـخلد
ولـولا الـهوى المغوي لما مال iiعاقل عـن الحقّ يوما، كيف والعقل iiمرشد؟
ولا كـان أصـناف النصارى iiتنصّروا حـديـثا ولا كـان الـيهود iiتـهوّدوا
أبـا الـقاسم أصـدع بـالرسالة iiمنذرا فـسيفك عـن هـام الـعدى ليس يغمدُ
ولا تـخش مـن كـيد الاعادي وبأسهم فـــإن عـلـيّا بـالـحسام iiمُـقـلَّد
وهـل يـختشي كـيدَ المضلّين من له أبــو طـالب حـام وحـيدر iiمـسعدُ
عـليُّ يـدُ الـهادي يـصول بها iiوكم لـوالـده الـزاكي عـلى أحـمد iiيـدُ
وهـاجرْ أبـا الزهراء عن أرض iiمكّة وخــلِّ عـليّا فـي فـراشك iiيـرقدُ
عـليك سـلام الله يـا خـير iiمـرسل إلـيه حـديث الـعزّ والـمجد iiيـسندُ
حـباك إلـه الـعرش مـنه iiبـمعجز تـبـيد الـلـيالي وهـو بـاقٍ مـؤبّد
دعــوتَ قـريشا أن يـجيئوا iiبـمثله فـما نـطقوا والـصمت بـالعيِّ iiيشهدُ
وكــم قـد وعـاه مـنهمُ ذو iiبـلاغة فـأصـبح مـبـهوتا يـقـوم iiويـقعدُ
وجـئت إلـى أهـل الـحجى iiبشريعة صـفا لـهمُ مـن مـائها العذب iiموردُ
شـريـعة حــق إن تـقادم iiعـهدها فـمـا زال فـيـنا حُـسْـنُها iiيـتجدّد
عـلـيك سـلام الله مـا قـام iiعـابد بـجنح الـدّجى يـدعو ومـا دام iiمعبد
_________________________________
4 - ألقاها نيابة عنه الاديب السيد خضر القزويني في احتفال جمعية الرابطة الادبية
في النجف ليلة السابع عشر من ربيع الاول سنة 1353 هـ.
5 -
الكوثرية(6)
أَمُـفَـلَّجُ ثـغرك أم iiجـوهرْ ورحـيقُ رضـابك أم iiسُـكَّرْ
قـد قـال لـثغرك iiصـانعه: ((إنَّـا أعـطيناك iiالـكوثر))
والـخـال بـخدِّك أم مـسكٌ نَـقَّطتَ بـه الـورد iiالاحمر
أم ذاك الـخال بـذاك iiالـخدِّ فـتيتُ الـندِّ عـلى iiمـجمر
عـجبا مـن جـمرته تـذكو وبـهـا لا يـحترق iiالـعنبر
يـا مَـنْ تـبدو لـيَ iiوفرتُه فـي صـبح مـحياه iiالازهر
فـأُجَـنُّ بـه ب((الـليل iiإذا يغشى)) ((والصبح إذا أَسفر))
ارحـم أَرِقـا لـو لم iiيمرض بـنعاس جـفونك لـم iiيسهر
تَـبْـيَضُّ لـهـجرك iiعـيناه حـزنـا ومـدامـعه iiتـحمر
يــا لـلـعشاق iiلـمـفتونٍ بـهوى رشـأ أحـوى iiأحور
إن يـبدُ لـذي طـرب iiغنَّى أو لاح لــذي نُـسُكٍ iiكَـبَّرْ
آمـنـت هــوىً iiبـنـبوته وبـعـينيه سـحـر يـؤثـر
أصـفيت الـودَّ لـذي iiمـللٍ عـيـشي بـقـطيعته iiكـدَّر
يـامَـنْ قـد آثـر هـجراني وعـلـيَّ بـلـقياه اسـتـأثرْ
أقـسمتُ عـليك بـما أولـت كَ الـنضرة من حسن iiالمنظر
وبـوجـهك إذ يـحمرُّ iiحـيا وبـوجـه مـحبك إذ يَـصْفَرْ
وبـلـؤلؤ مـبسمك الـمنظو مِ ولـؤلـؤ دمـعي إذ iiيـنثر
إن تـتركْ هـذا الـهجر iiفلي سَ يـليق بـمثلي أن iiيُـهْجَرْ
فـاجلُ الاقـداح بصرف iiالرا حِ عـسى الافـراح بها iiتُنْشَر
واشـغل يـمناك بـصبِّ iiالكا سِ وخـلِّ يـسارك iiلـلمزهر
فـدمُ الـعنقود ولـحنُ iiالـعو دِ يـعيد الـخير ويـنفي الشر
بَـكِّـرْ لـلسُكْرِ قـبيل iiالـفج رِ فـصفو الـدهر لـمن iiبَكَّرْ
هـذا عـملي فـاسلك iiسـبلي إن كـنت تُـقِرُّ عـلى iiالمنكر
فـلقد أسـرفت ومـا iiأسـلفْ تُ لـنفسي مـا فـيه iiأُعْـذَرْ
سَــوَّدتُ صـحيفة iiأعـمالي ووكـلت الامـر إلـى iiحيدر
هـو كـهفي مـن نوب iiالدنيا وشـفيعي فـي يـوم iiالمحشر
قــد تَـمَّـتْ لـي بـولايته نـعمٌ جَـمَّتْ عـن أن iiتشكر
لاصـيب بـها الـحظّ الاوفى واخـصص بـالسهم iiالاوفـر
بـالحفظ مـن الـنار iiالكبرى والامـن مـن الـفزع iiالاكبر
هـل يـمنعني وهـو الساقي أن أشـرب من حوض iiالكوثر
أم يـطـردني عــن مـائدة وُضِـعَـتْ لـلقانع iiوالـمُعْتَرْ
يـا مـن قـد أنـكر من iiآيا تِ أبـي حـسنٍ مـا لا iiيُنْكَرْ
إن كـنـت، لـجهلك، بـالايّا مِ، جـحدت مـقام أبـي iiشُبَّرْ
فـاسأل بـدرا واسـأل iiأُحُدا وسـل الاحـزاب وسل iiخيبر
مـن دبَّـر فـيها الامر iiومن أردى الابـطال ومـن دَمَّـرْ
مـن هدَّ حصون الشرك iiومن شـادَ الاسـلام ومـن iiعَـمَّرْ
مــن قـدَّمه طـه iiوعـلى أهــل الايـمان لـه iiأَمَّـرْ
قـاسوك أبـا حـسنٍ iiبـسوا كَ وهـل بالطود يقاس iiالذر؟
أنّـى سـاووك بـمن iiنـاوو كَ وهـل سـاووا نعلَيْ iiقنبر؟
مـن غـيرك من يدعى للحر بِ ولـلـمحراب ولـلـمنبر
وإذا ذكــر الـمعروف iiفـما لـسواك بـه شـيء iiيُـذْكَرْ
أفـعالُ الـخير إذا iiانـتشرت فـي الـناس فأنت لها iiمصدر
أحـييت الـدين بـأبيض iiقد أودعـت بـه الموت iiالاحمر
قـطبا لـلحرب يـدير iiالضر بَ ويـجلو الكرب بيوم iiالكر
فـاصدع بـالامر فناصرك ال بَـتَّـارُ وشـانـئك iiالابـتر
لو لم تؤمر بالصبر وكظم الغي ظِ ولـيـتك لــم iiتـؤمـر
مـا آلَ الامـر إلـى التحكي مِ وزايــل مـوقفه iiالاشـتر
لـكن أعـراض الـعاجل iiما عـلقت بـردائك يـا iiجوهر
أنـت الـمهتمّ بـحفظ iiالـدي نِ وغـيـرك بـالدنيا iiيـغتر
أفـعـالك مـا كـانت iiفـيها إلاّ ذكــرى لـمـن iiاذَّكَّـر
حُـججا ألـزمت بها iiالخصما وتـبـصرةً لـمن iiاسـتبصر
آيــات جـلالك لا تـحصى وصـفات كـمالك لا iiتحصر
مـن طـوَّلَ فـيك iiمـدائحه عـن أدنـى واجـبها iiقـصَّرْ
فـاقـبل يـا كـعبة iiآمـالي مـن هدى مديحي ما iiاستيسر
__________________________________
6 - نظمها سنة 1335 هـ، وطبعت عشرات المرات.
|