عمر بن عبدالعزيزثم تقلّد الحكم الاُموي عمر بن عبدالعزيز بعهد من سليمان بن عبدالملك في يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة (99 هـ )[1] ولمس الناس في عهده القصير الأمن، والرفاه ، بشكل نسبي، فقد أزال عنهم شيئاً من جور بني مروان وطغيانهم ، وكان محنكاً ، قد هذبته التجارب، وقد ساس المسلمين سياسة لم يألفوها ممّن قبله. وكانت لعمر بن عبدالعزيز إنجازات عديدة ميّزته عن سائر الحكّام الاُمويين ويمكن تلخيصها فيما يلي: 1 ـ إدانة سب الإمام علي(عليه السلام) ولعنه: كانت الحكومة الاُموية منذ تأسيسها قد تبنت بصورة جادّة سب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وانتقاصه، فان معاوية كان يرى ان هذا السبّ هو السبب في بقاء دولتهم وسلطانهم[2]، لأن مبادئ الإمام(عليه السلام) كانت تطاردهم وتفتح أبواب النضال الشعبي ضد سياستهم القائمة على الظلم والجور والطغيان فكان لابدّ من إسقاط شخصيّته، واعتباره. وقد أدرك عمر بن عبدالعزيز أن السياسة التي انتهجها آباؤه ضد الإمام(عليه السلام) لم تكن حكيمة ولا رشيدة، فقد جرّت للاُمويين الكثير من المصاعب والمشاكل، وألقتهم في شر عظيم، فعزم على أن يمحو هذه الخطيئة، فأصدر أوامره الحاسمة الى جميع أنحاء العالم الاسلامي بترك سبّ عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وأن يُقرأ عوض السب قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى). وقد علّل عمر نفسه السبب في تركه لما سنّه آباؤه من انتقاص الإمام بقوله: كان أبي إذا خطب فنال من علي تلجلج، فقلت: يا أبت إنك تمضي في خطبتك فاذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيراً، قال: أوفطنت لذلك؟ قلت: نعم، فقال: يا بني إن الذين حولنا لو يعلمون من عليٍّ ما نعلم تفرّقوا عنّا الى أولاده. فلما ولي عمر الخلافة لم يكن عنده من الرغبة في الدنيا مثل إبطال ظاهرة سب الإمام[3]. وقد أثارت هذه المكرمة إعجاب الجميع، وأخذ الناس يتحدثون عنه بأطيب الحديث ويذكرون شجاعته النادرة في مخالفته لسلفه الطغاة البغاة. 2 ـ صلته للعلويين : جهدت الحكومة الاُموية منذ تأسيسها على حرمان أهل البيت(عليهم السلام) من حقوقهم وإشاعة الفاقة في بيوتهم، حتى عانوا الفقر والحرمان، ولكن لما ولي الحكم عمر بن عبدالعزيز أجزل لهم العطاء فقد كتب الى عامله على يثرب أن يقسم فيهم عشرة آلاف دينار، فأجابه عامله: ان علياً قد ولد له في عدة قبائل من قريش، ففي أي ولده ؟ فكتب اليه: إذا أتاك كتابي هذا، فاقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار، فطالما تخطّتهم حقوقه»[4] . وكانت هذه أول صلة تصلهم أيام الحكم الاُموي. 3 ـ رد فدك: رد عمر فدكاً الى العلويين بعد أن صودرت منهم، واخذت تتعاقب عليها الأيدي، وتتناهب الرجال وارداتها، وآل النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد حرموا منها، وقد روي ردّه لها بصور متعددة منها: ألف: إن عمر بن عبدالعزيز زار مدينة النبي(صلى الله عليه وآله) وأمر مناديه أن ينادي: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليحضر. فقصده الإمام أبو جعفر(عليه السلام) فقام إليه عمر تكريماً واحتفى به فقال الإمام(عليه السلام) له: «إنما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرهم، وكم قوم ابتاعوا ما ضرّهم، فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم وصاروا الى من لا يعذرهم، فنحن والله حقيقون أن ننظر الى تلك الأعمال التي نتخوف عليهم منها، فنكف عنها، واتق الله، واجعل في نفسك اثنتين ، انظر الى ما تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك، وانظر الى ما تكره معك إذا قدمت على ربك فارمه وراءك، ولا ترغبن في سلعة بارت على من كان قبلك، فترجو أن يجوز عنك، وافتح الأبواب، وسهل الحجاب، وانصف المظلوم، ورد الظالم، ثلاثة من كن فيه استكمل الايمان بالله من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، ومن اذا قدر لم يتناول ما ليس له...»[5]. ولما سمع عمر كلام الإمام(عليه السلام) أمر بدواة وبياض، وكتب بعد البسملة: «هذا ما رد عمر بن عبدالعزيز ظلامة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بفدك». ب ـ إنه لما ولي الخلافة أحضر قريشاً ووجوه الناس، فقال لهم: إن فدكاً كانت بيد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فكان يضعها حيث أراه الله، ثم وليها أبو بكر كذلك، ثم عمر كذلك، ثم أقطعها مروان[6] ثم انها صارت إلي، ولم تكن من مالي أعود علي، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)[7]. وليس في هذه الرواية أنه ردها الى العلويين ، وإنما وضعها حيث كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يضعها ومن المعلوم أن رسول الله أقطعها الى بضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام) وتصرفت بها في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولكن القوم رغبوا في مصادرتها لمصالح سياسية دعتهم الى ذلك. ج ـ إن عمر بن عبدالعزيز لما أعلن رد فدك إلى العلويين نقم عليه بنواُمية فقالوا له: نقمت على الشيخين ـ يعني أبا بكر وعمر ـ فعلهما وطعنت عليهما، ونسبتهما الى الظلم ، فقال: قد صح عندي وعندكم أن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ادعت فدكاً، وكانت في يدها، وما كانت لتكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع شهادة علي، واُم أيمن واُم سلمة، وفاطمة عندي صادقة فيما تدعي، وإن لم تقم البيّنة وهي سيدة نساء الجنة، فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأرجو أن تكون فاطمة والحسن والحسين يشفعون لي يوم القيامة، ولو كنت بدل أبي بكر وادعت فاطمة(عليها السلام) كنت أصدقها على دعوتها، ثم سلمها الى الإمام الباقر(عليه السلام)[8]. |
[1] نهاية الإرب: 21/355. [2] تاريخ دمشق : 2/47 ، تاريخ الاُمم والملوك: 5/167 ـ 168 . [3] تاريخ ابن الأثير : 4/154، حوادث سنة 99 هـ . [4] الإمام محمّد الباقر(عليه السلام): 2/47 ـ 48 . [5] المناقب: 4/207 ـ 208. [6] هكذا في الأصل والصحيح ثم اقطعها عثمان مروان. [7] تاريخ بن الأثير: 4/164. [8] سفينة البحار : 2/272. |