مكتبة الإمام الباقر (ع)

فهرس الكتاب

 

الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) وعمر بن عبدالعزيز

وكانت للإمام أبي جعفر(عليه السلام) عدة مواقف مع عمر بن عبدالعزيز:

منها: تنبؤ الإمام بخلافة عمر:  وأخبر الإمام(عليه السلام) بخلافة عمر بن عبدالعزيز وذلك قبل أن تصير إليه الخلافة. قال أبو بصير: كنت مع الإمام أبي جعفر(عليه السلام) في المسجد إذ دخل عمر بن عبدالعزيز، وعليه ثوبان ممصّران متكياً على مولى له، فقال(عليه السلام): ليلينّ هذا الغلام، فيظهر العدل[1]. إلا أنه قدح في ولايته من جهة وجود من هو أولى منه بالحكم.

ومنها: وصاياه لعمر حين الخلافة: ولما ولي عمر بن عبدالعزيز الخلافة كرّم الإمام أبا جعفر(عليه السلام) وعظّمه وأرسل خلفه فنون بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، وكان من عُبّاد أهل الكوفة ، فاستجاب له الإمام(عليه السلام) وسافر الى دمشق، فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً، واحتفى به، وجرت بينهما أحاديث، وبقي الإمام أياماً في ضيافته ولما أراد الإمام الانصراف الى يثرب خف الى توديعه فجاء الى البلاط الاُموي وعرّف الحاجب بأمره فأخبر عمر بذلك، فخرج رسوله فنادى أين أبو جعفر ليدخل، فاشفق الإمام أن يدخل خشية أن لا يكون هو، فقفل الحاجب الى عمر وأخبره بعدم حضور الإمام، فقال له: كيف قلت؟ قال: قلت: أينأبو جعفر؟ فقال له: اخرج وقل: أين محمد بن علي؟ ففعل ذلك، فقام الإمام(عليه السلام)، ودخل عليه وحدّثه ثم قال له: إني أريد الوداع ، فقال له عمر: أوصني.

فقال(عليه السلام) : «اُوصيك بتقوى الله، واتخذ الكبير أباً، والصغير ولداً والرجل أخاً...».

وبهر عمر من وصية الإمام وراح يقول باعجاب: «جمعت لنا والله، ما  إن أخذنا به، وأماتنا الله عليه استقام لنا الخير» .

وخرج الإمام من عنده، ولما أراد الرحيل بادره رسول عمر فقال له: إن عمر يريد أن يأتيك. فانتظره الإمام حتى أقبل فجلس بين يدي الإمام مبالغة في تكريمه وتعظيمه، ثم انصرف عنه[2].

ومنها: تقريظه لعمر: ونقلت مباحث الاُمويين الى عمر أن الإمام أبا جعفر(عليه السلام) هو بقية أهله العظماء الذين رفعوا راية الحق والعدل في الأرض، وقد أراد عمر أن يختبره فكتب اليه، فأجابه الإمام(عليه السلام) برسالة فيها موعظة ونصيحة له، فقال عمر: اخرجوا كتابه الى سليمان. فاخرج كتابه، فوجده يقرّظه، ويمدحه، فأنفذه الى عامله على المدينة، وأمره أن يعرضه عليه مع كتابه الى عمر، ويسجّل ما يقوله الإمام(عليه السلام).

وعرضه العامل على الإمام فقال(عليه السلام): إن سليمان كان جباراً كتبت اليه ما يكتب الى الجبارين، وان صاحبك أظهر أمراً، وكتبت اليه بما شاكله.

وكتب العامل هذه الكلمات الى عمر فلما قرأها أظهر إعجابه بالإمام(عليه السلام)، وراح يقول: «إنّ أهل هذا البيت لا يخلّيهم الله من فضل...»[3].

ووجهت لعمر بن عبدالعزيز بعض المؤاخذات رغم جميع مآثره:

منها: أنه أقرّ القطائع التي أقطعها من سبقه من أهل بيته، وهي من دون شك كانت بغير وجه مشروع.

ومنها: أن عمّاله وولاته على الأقطار والأقاليم الاسلامية قد جهدوا في ظلم الناس وابتزاز أموالهم.

حتّى أنّ عمر كان يخطب على المنبر فانبرى إليه رجل فقطع عليه خطابه، وقال له:

إن الذين بعثت في أقطارها***نبذوا كتابك واستحل المحرم

طلس الثياب على منابر أرضنا***كل يجور وكلهم يتظلم

وأردت أن يلي الأمانة منهم***عدل وهيهات الأمين المسلم[4]

ومنها: أنه أقر العطاء الذي كان للأشراف، فلم يغيره في حين أنه كان يتنافى مع المبادئ الإسلامية التي ألزمت بالمساواة بين المسلمين، وألغت التمايز بينهم.

ومنها: أنه زاد في عطاء أهل الشام عشرة دنانير، ولم يفعل مثل ذلك في أهل العراق[5]. ولا وجه لهذا التمييز الذي يتصادم مع روح الإسلام.

وألمت الأمراض بعمر بن عبدالعزيز ، وقالوا: إنه امتنع من التداوي فقيل له: لو تداويت؟ فقال: لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها، نعم المذهوب اليه ربي[6].

وتنص بعض المصادر على أنّه سقي السم من قبل الاُمويين لأنهم علموا أنه إن امتدت أيامه فسوف يخرج الأمر منهم، ولا يعهد بالخلافة إلا لمن يصلح لها فعاجلوه[7]. وتوفي في دير سمعان في شهر رجب[8] سنة (101 هـ ).

يزيد بن عبدالملك

واستولى يزيد بن عبدالملك على الحكم بعهد من أخيه سليمان، وأقام أربعين يوماً يسير بين الناس بسياسة عمر بن عبدالعزيز ، فشق ذلك على بني اُمية، فأتوه بأربعين شيخاً فشهدوا بأنه ليس على الخلفاء حساب ولا عقاب[9]. فعدل عن سياسة عمر، وساس الناس سياسة عنف وجبروت، وعمد الى عزل جميع ولاة عمر، وكتب مرسوماً الى عماله جاء فيه:

«أما بعد فإنّ عمر بن عبدالعزيز كان مغروراً ، فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده، وأعيدوا الناس الى طبقتهم الاُولى، أخصبوا أم أجدبوا، أحبوا أم كرهوا، حيوا أم ماتوا...»[10].

وعاد الظلم على الناس بأبشع صوره وألوانه، وانتشر الجور، وعم الطغيان جميع أنحاء البلاد.

لقد كان يزيد بن عبدالملك جاهلاً، حقوداً على أهل العلم، حتى أنّه كان يحتقر العلماء، ويسمي الحسن البصري بالشيخ الجاهل[11] كما كان مسرفاً في اللهو والمجون حتى هام بحب حبابة، وقد ثمل يوماً، فقال: دعوني أطير، فقالت حبابة: على من تدع الاُمة؟ قال: عليك. وخرجت معه الى الأردن يتنزهان فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت، ومرضت، وماتت فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت، وهو يشمها، ويقبلها، وينظر إليها ويبكي، فكلم في أمرها حتى أذن في دفنها، وعاد الى مقره كئيباً حزيناً[12].

وله أخبار كثيرة مخزية في الدعارة واللهو أعرضنا عن ذكرها، وهلك سنة (105 هـ ).

[1] بحار الأنوار: 46/251 .

[2] تاريخ دمشق : 54/270 .

[3] تاريخ اليعقوبي : 2/48.

[4] حياة الإمام موسى بن جعفر : 1/350.

[5] تاريخ اليعقوبي : 2/48.

[6] تاريخ ابن الأثير : 4/161.

[7] الانافة في مآثر الخلافة : 1/142.

[8] تاريخ ابن الأثير: 4 / 161.

[9] المصدر السابق : 9/232.

[10] العقد الفريد : 3/180.

[11] الطبقات الكبرى : 5/95.

[12] الكامل في التاريخ: 5/121 .