رابعاً : الاصلاح الاخلاقي والاجتماعيبذل الإمام (عليه السلام) عناية فائقة لاصلاح الاخلاق وتغيير الاوضاع الاجتماعية باتجاه القواعد والموازين والقيم العليا الثابتة في الشريعة الاسلامية، وكانت مهمته التركيز على اصلاح جميع الوجودات القائمة، بدءً بالمقربين منه ثم الاوساط الاجتماعية ثم المؤسسات الحكومية واتباع الحاكم. وكان (عليه السلام) يستثمر جميع الفرص المتاحة للاصلاح والتغيير وبناء واقع جديد، ولهذا تعددت اساليبه الاصلاحية والتغييرية في المجال الاخلاقي والاجتماعي. وإليك بعض نشاطاته في هذا المجال: 1 ـ الدعوة لتطبيق السنّة النبويةقام الإمام (عليه السلام) بنشر الاحاديث الشريفة النبوية المرتبطة بالجوانب الاخلاقية والاجتماعية لكي تكون هي الحاكمة على الممارسات السلوكية والعلاقات الاجتماعية، ولكي تكون نبراساً لافراد المجتمع بمختلف طبقاتهم فى مسيرتهم الانسانية، تنطلق بهم نحو السمو والتكامل، والارتقاء للوصول الى المقامات العالية التي وصل اليها الصالحون والاولياء. وكان (عليه السلام) ـ من خلال نشر هذه الاحاديث النبوية ـ يشير الى العوامل الاساسية في صلاح الاخلاق والاوضاع الاجتماعية، وهي صلاح الفقهاء والامراء، فقد روى (عليه السلام) قول جدّه (صلى الله عليه وآله) : «صنفان من اُمتي إذا صلحا صلحت اُمتي، واذا فسدا فسدت اُمتي ... الفقهاء والاُمراء»[1]. ودعا (عليه السلام) الى اخلاص النصيحة والايثار في الممارسة الاصلاحية على ضوء ما جاء عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه»[2]. وأ كّد (عليه السلام) على دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى العفّة وتعجيل الخير بقوله: «ان الله يحبُّ الحييَّ الحليم العفيف المتعفف»[3]. وقوله (صلى الله عليه وآله): «ان الله يحب من الخير ما يعجّل»[4]. وأكّد (عليه السلام) على الاحاديث الداعية الى حسن الخلق والكف عن أعراض المؤمنين منها قوله(عليه السلام): «والذي لا اله إلاّ هو ما اُعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ورجائه له، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين»[5]. وقال (عليه السلام): «ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال»[6]. ودعا (عليه السلام) الى ادخال السرور على المؤمن كما ورد في قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): « من سرَّ مؤمناً فقد سرني ومن سرني فقد سر الله »[7]. وحث (عليه السلام) على صلة الرحم بقوله(صلى الله عليه وآله) : «ان أعجل الخير ثواباً صلة الرحم»[8]. وذكر (عليه السلام) عشرات الاحاديث الشريفة التي تدعو الى مكارم الاخلاق في الصدق والايثار والتعاون والوفاء بالعهد وحسن التعامل مع المسلمين وغيرهم، اضافة الى الاحاديث الناهية عن الممارسات السلبية كالكذب والبهتان والتعيير ونقض العهد، والخيانة والاعتداء على الاعراض والنفوس. وممّا جاء في ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية»[9]. وقال (عليه السلام): سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن خيار العباد، فقال: «الذين إذا أحسنوا استبشروا، واذا أساؤا استغفروا، وإذا اُعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا»[10]. ولم يكتف (عليه السلام) بنشر الاحاديث الشريفة والدعوة الى تجسيد محتواها في الواقع، وإنّما قام بأداء دور القدوة في ذلك فكان بنفسه قمة في جميع المكارم والمآثر، وقد أبرز للمسلمين من خلال سلوكه نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الاسلامي الرفيع، فكان (عليه السلام) القمة السامية في الصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وفي التواضع واحترام الآخرين، والاهتمام باُمور المسلمين، وقضاء حوائج المحتاجين، فكانت معالجته للواقع معالجة عملية من خلال سلوكه النموذجي مع مختلف أصناف الناس موالين، ومخالفين. 2 ـ الدعوة الى مكارم الأخلاقكثّف الإمام (عليه السلام) دعوته الى اصلاح مكارم الاخلاق لتكون هي العلامة الفارقة لتعامل المسلمين فيما بينهم، فكان (عليه السلام) يدعو الى افشاء السلام وهو مظهر من مظاهر روح الإخاء والودّ والمحبة والصفاء في العلاقات الاجتماعية حتى قال (عليه السلام): «ان الله يحب افشاء السلام»[11]. ودعا الى العفّة واعتبرها افضل العبادة، فقال: «أفضل العبادة عفّة البطن والفرج»[12]. ودعا الى تطهير اللسان وتقييده بقيود شرعية، لإدامة العلاقات بين الناس، فقال (عليه السلام): «قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنّ الله يبغض اللعان السبّاب الطّعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحّش، السائل الملحف، ويحبّ الحيي الحليم العفيف المتعفّف»[13]. ووضّح كيفية التعامل مع مختلف طبقات المجتمع فقال: «صانع المنافق بلسانك، وأخلص مودتك للمؤمن، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته»[14]. وبيّن اُسس التعامل مع مختلف الأصناف من الناس فقال: «اربع من كنّ فيه بنى الله له بيتاً في الجنّة، من آوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق على والديه، ورفق بمملوكه»[15]. ودعا (عليه السلام) الى الارتباط بأهل التقوى وتعميق أواصر العلاقات معهم لما اختصوا به من خصائص تؤثر على المصاحبين لهم تأثيراً إيجابياً لتجسيد المثل والقيم الاسلامية في الواقع، قال (عليه السلام): «ان أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك، وإن ذكرت أعانوك، قوّالين بحق الله، قوّامين بأمر الله»[16]. ووضّح (عليه السلام) بعض حقوق المؤمن على المؤمن فقال: «إنّ المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن»[17]. وقال (عليه السلام): «من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره، ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه خفضه الله في الدنيا والآخرة»[18]. وحذّر من ظلم الآخرين أو الاعانة على ظلمهم فقال: «من أعان على مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله»[19]. ودعا الى مقابلة الاساءة والقطيعة بالاحسان والصلة فقال: «ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك»[20]. |
[1] الخصال: 1 / 26. [2] الكافي: 2 / 208. [3] المصدر السابق : 2 / 112. [4] المصدر السابق : 2 / 142. [5] المصدر السابق : 2 / 72. [6] الكافي: 1 / 60. [7] المصدر السابق : 2 / 188 . [8] المصدر السابق: 2 / 152. [9] المحاسن: 102. [10] الخصال: 1 / 317. [11] تحف العقول : 220. [12] المصدر السابق : 217 . [13] المصدر السابق : 220. [14] المصدر السابق: 213. [15] الخصال: 1 / 223. [16] صفة الصفوة: 2 / 109. [17] تحف العقول: 216. [18] المحاسن : 103. [19] المصدر السابق . [20] تحف العقول: 214. |