أولاً : الإمام الباقر (عليه السلام) ومقومات الجماعة الصالحة1 ـ العقيدة السليمةفي خضم الأحداث والمواقف المتباينة والمتناقضة جراء تعدد التيارات الفكرية والعقائدية ، واضطراب عقول الكثير من المسلمين ، لابتعادهم عن إدراك اُسس العقيدة السليمة ، قام الإمام (عليه السلام) بدور كبير في بيان العقيدة السليمة للجماعة الصالحة ; لتقوم بدورها في اصلاح المفاهيم والافكار ، ونشر عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف الاوساط وعلى جميع المستويات . لقد بيّن (عليه السلام) الاُسس العامة للتوحيد ، فعن حريز بن عبدالله ، وعبدالله بن مسكان قالا : قال أبو جعفر (عليه السلام) : « لا يكون شيء في الارض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال السبعة : بمشيّة ، وارادة ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب ، وأجل ، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة منهنَّ فقد كفر »[1]. وبيّن حقيقة التوحيد تمييزاً لعقيدة أهل البيت (عليهم السلام) عن العقائد الاخرى فقال(عليه السلام) : « لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات ، منعوت بالعلامات ، لا يجور في قضيته ، بان من الاشياء وبانت الأشياء منه »[2]. وبيّن حدود الوصف لله تعالى فنهى عن التكلم في ذات الله وما يتفرع عنه من آراء ومفاهيم ، فقال (عليه السلام) : « تكلموا فيما دون العرش ، ولا تكلموا فيما فوق العرش ، فانّ قوماً تكلموا في الله فتاهوا . . . »[3]. وبيّن (عليه السلام) معياري الايمان والإسلام فقال : « الايمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل »[4]. وقال (عليه السلام) : « الإيمان ما كان في القلب ، والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء ، والايمان يشرك الإسلام ، والإسلام لا يشرك الايمان »[5]. وبيّن الأصل الأساسي من اُصول العقيدة بعد أصل التوحيد وهو الولاية والإمامة المجعولة من الله تعالى ; لأن الولي والإمام يقوم بدور الحجّة نيابة عن الله تعالى، وبيّن مصير من لا يتولّى من نصّبه الله تعالى ، فقال : « إنّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل من الله ، فإنّ سعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر ، ومثله كمثل شاة لا راعي لها ضلّت عن راعيها وقطيعها فتاهت ذاهبة وجائية يومها ، فلمّا أن جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فجاءت اليها فباتت معها في ربضتها متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بسرح قطيع غنم آخر فعمدت نحوه وحنّت اليها ، فصاح بها الرّاعي الحقي بقطيعكِ فإنّكِ تائهة متحيّرة قد ضللت عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيّرة لا راعي لها يرشدها الى مرعاها ويردّها ، فبينا هي كذلك اذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها ، وهكذا يا محمّد بن مسلم من أصبح من هذه الاُمة ولا إمام له من الله عادل أصبح تائهاً متحيّراً ، إن مات على حاله تلك مات ميتة كفر ونفاق ، واعلم يا محمد أنّ أئمة الحقّ وأتباعهم على دين الله . . . »[6]. وبيّن حدود ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وحدود شفاعتهم فقال : « يا جابر! فو الله ما يُتقرب الى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجّة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع »[7]. وحذّر اتباعه من التأثر بافكار واعتقادات الغلاة لأنها مخالفة للتوحيد ، ومخالفة للمنهج العقائدي لأهل البيت (عليهم السلام) . 2 ـ مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) ان المنهج الاسلامي هو منهج واقعي للحياة ، بكل ما للحياة من تشكيلات وتنظيمات وأوضاع وقيم وأخلاق وآداب وعبادات وشعائر، وهو كمنهج نظري يراد تطبيقه في الواقع بحاجة الى قدوة تجسّده في الواقع كي يقتدي بها الناس ليندفعوا اشواطاً الى الأمام في مسيرة التنفيذ والتطبيق ، ولهذا ركّز الإمام (عليه السلام) على القدوة الناطقة بالكتاب والسنّة وهم أهل البيت (عليهم السلام) تمييزاً عن غيرهم من الذين تنكبوا طريق الاستقامة وانحرفوا عن المنهج انطلاقاً من أهوائهم ومصالحهم التي تخدم السلاطين والحكّام وانفلاتاً من قيود العقيدة والشريعة . فقد أكّد الإمام (عليه السلام) على الولاية باعتبارها أهم أركان الإسلام فقال: «بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية»[8]، التي أوضحها في نص آخر بأنها الولاية لأهل البيت(عليهم السلام)[9]. وأورد الاحاديث الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي تؤكد على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ومرجعيتهم في الاُمة ، ومنها توجيه الانظار الى ولاية أول الائمة أعني الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) متمثّلة بالولاء العاطفي له ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) . « ما من مؤمن إلاّ وقد خلص ودِّي الى قلبه ، وما خلص ودّي الى قلب أحد إلاّ وقد خلص ودّ عليّ الى قلبه ، كذب يا علي من زعم أنه يحبّني ويبغضك»[10]. وفسرّ الآيات النازلة في حق أهل البيت (عليهم السلام) وبيّن مؤدّاها بشكل دقيق وهو مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في جميع شؤون الحياة فكرية وعاطفية وسلوكية . ففي قوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون )[11] ، قال (عليه السلام) : نحن أهل الذكر . وفي قوله تعالى: ( لتكونوا شهداء على الناس )[12] ، قال (عليه السلام) : نحن هم . وفي قوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم اُمة وسطاً )[13] ، قال (عليه السلام) : نحن الاُمة الوسط . وفي قوله تعالى: ( وكونوا مع الصادقين )[14] ، قال (عليه السلام) : أي مع آل محمد[15]. وأمّا أحاديثه التي رواها عن رسول الله حول ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ومرجعيتهم للاُمة فمنها قوله (صلى الله عليه وآله) : « أنا رسول الله الى النّاس أجمعين ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله ، يقومون في الناس فيكذّبونهم ويظلمونهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم ، ألا فمن والاهم واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذّبهم ، فليس مني ولا معي وأنا منه بريء »[16]. وحثّ (عليه السلام) على الرجوع الى القرآن والسنّة ، وأ كّد مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) باعتبار أنّ سنّتهم امتداد للسنّة النبويّة الشريفة، وباعتبار أعلميّتهم بمنهج القرآن الكريم وسيرة النبي العظيم; فإنّهم أهل بيت الوحي والرسالة فهم أدرى بما في البيت. |
[1] المحاسن : 244 . [2] مختصر تاريخ دمشق : 23 / 81 . [3] المحاسن : 238 . [4] تحف العقول : 217 . [5] المصدر السابق : 218 . [6] المحاسن : 92 ، 93 . [7] الكافي : 2 / 74 . [8] المصدر السابق : 2 / 18 . [9] الخصال : 1 / 278 . [10] المحاسن : 151 . [11] النحل (16): 43 . [12] البقرة (2) : 143 . [13] البقرة (2): 143 . [14] التوبة (9): 119 . [15] مناقب آل أبي طالب : 4 / 194 ، 195 . [16] المحاسن : 155 . |