3 ـ خصائص الانتماء لأهل البيت(عليهم السلام) بيّن الإمام (عليه السلام) خصائص الانسان الشيعي وهو الإنسان الموالي والمتّبع لأهل البيت(عليهم السلام) تمييزاً له عمّن سواه ممّن يحمل شعار الولاء والمشايعة لهم، قال (عليه السلام) : « فو الله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله واطاعه . . . »[1]. وقال أيضاً : « لا تذهب بكم المذاهب ، فو الله ما شيعتنا إلاّ من اطاع الله عزّوجلّ »[2]. وبيّن الخصائص الولائية والسلوكية للجماعة الصالحة من حيث علاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم مع الآخرين. فقال(عليه السلام) : « انما شيعة عليّ : المتباذلون في ولايتنا . المتحابّون في مودّتنا . المتزاورون لإحياء أمرنا . الذين إذا اغضبوا لم يظلموا . وإذا رضوا لم يسرفوا . بركة على من جاوروا . سلم لمن خالطوا »[3]. وقال أيضاً : « إنما شيعة عليّ : من لا يعدو صوتُه سمعَه ، ولا شحناؤه بدنَه، لا يمدح لنا قالياً . ولا يواصل لنا مبغضاً . ولا يجالس لنا عائباً »[4]. وقال أيضاً : « إنما شيعة عليّ : الحلماء العلماء ، الذبل الشفاه ، تعرف الرهبانية على وجوههم »[5]. وقال أيضاً: «إنّما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي الى ما ليس له بحقّ»[6]. وبيّن (عليه السلام) اُسس التقييم الموضوعي لمن يريد إثبات صحة انتمائه للجماعة الصالحة. ومن هذه الاُسس عرض الإنسان نفسه على كتاب الله. قال (عليه السلام) : « يا جابر واعلم بأ نّك لا تكون لنا وليّاً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك ، وقالوا : انك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : انك رجل صالح لم يسرّك ذلك. ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ; فإن كنت سالكاً سبيله زاهداً في تزهيده راغباً في ترغيبه خائفاً من تخويفه فاثبت وأبشر ، فإنه لا يضرّك ما قيل فيك . وان كنت مبائناً للقرآن فما الذي يغرك من نفسك ؟!. . . »[7]. والعلامة المميّزة لأفراد الجماعة الصالحة هي التزامهم بمبادئ القرآن الكريم وقيمه في مختلف مجالات الحياة الإسلامية ، في العبادة والارتباط بالله تعالى ، وفي العلاقات الاجتماعية ، وقد بيّن ذلك بقوله(عليه السلام) ـ كما مرّ سابقاً ـ : «فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشع والأمانة . وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة . والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء ، وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام. وصدق الحديث وتلاوة القرآن . وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير. وكانوا اُمناء عشائرهم في الأشياء »[8]. ثانياً : الإمام الباقر (عليه السلام) والتزكية1 ـ مقوّمات التزكية عند الإمام الباقر(عليه السلام): لا تتحقق التزكية إلاّ بعد أن تنطلق من القلب والضمير وتتفاعل مع الشعور بخشية مستمرة وحذر دائم وتوقٍّ من الرغائب والشهوات ، والمطامع والمطامح ، فلا بد وأن تكون شعوراً في الضمير ، وحالة في الوجدان ، وضعاً في المشاعر لتتهيأ النفوس لتلقي اُسسها وتقريرها في الواقع ، ولهذا ركّز الإمام(عليه السلام) في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية وهي : أ ـ تحكيم العقل. ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية. ج ـ استشعار الرقابة الإلهية. د ـ التوجّه الى اليوم الآخر.
أ ـ تحكيم العقل :ان الله تعالى خلق الانسان مزوداً بعقل وشهوة ، ومنحه معرفة سبل الهداية من خلال البينات والحقائق الثابتة ، وهو مكلف بإعداد القلب للتلقي والاستجابة والتطلع الى افق اعلى واهتمامات أرفع من الرغبات والشهوات الحسّية، ولهذا ركّز الإمام (عليه السلام) على تحكيم العقل على جميع الرغبات والشهوات ، ليكون للإنسان واعظ من نفسه يعينه على تزكية نفسه. قال (عليه السلام) : « من لم يجعل الله له من نفسه واعظاً ، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً »[9]. وقال أيضاً : « من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه »[10]. ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية :ان تكامل النفس لا يتم إلاّ من خلال التطابق بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية وذلك باتباع المنهج الإلهي في الحياة ، وهذا التطابق يحتاج الى مجاهدة الهوى والهيمنة على الشهوات وتقييدها بقيود شرعية; فإنّ مجاهدة النفس تجعل الإنسان مستعدّاً بالفعل لتلقّي الفيض الإلهي لإكمال نفسه وتزكيتها على أساس المنهج الربّاني للإنسان في هذه الحياة. قال الإمام الباقر (عليه السلام) : « يقول الله عزّوجلّ : وعزّتي وجلالي ، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت غناه في قلبه ، وهمّه في آخرته . . . »[11]. ج ـ استشعار الرقابة الإلهية :لا تتم التزكية إلاّ باستشعار الرقابة الإلهية في العقل والضمير والوجدان ، والإحساس بأنّ الله تعالى محيط بالإنسان، يحصي عليه حركاته وسكناته ، ولهذا ركّز الإمام الباقر (عليه السلام) على هذه الرقابة لتكون هي الدافع لاصلاح النفس وتزكيتها ، ففي موعظته لجماعة من أنصاره قال: « ويلك . . . كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت اليه وأقدمت بجهلك عليه ، فارتكبته كأنك لست بعين الله ، أو كأن الله ليس لك بالمرصاد ! . . . »[12]. د ـ التوجّه الى اليوم الآخر :إن التوجه الى الحياة الاُخرى الخالدة يمنع الانسان من الانحراف ويدفعه لتخليص النفس من ربقة الشهوات وظلمة المطامع وأدناس الهوى. وقد وجّه الإمام (عليه السلام) الجماعة الصالحة الى ذلك اليوم ليجعلوه نصب أعينهم ليكون حافزاً لهم لاصلاح النفس وتزكيتها ، ومما جاء في موعظته لجماعة منهم قوله (عليه السلام) : « . . . يا طالب الجنّة ما أطول نومك وأكَلَّ مطيّتك ، وأوهى همتك ، فلله أنت من طالب ومطلوب! ويا هارباً من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها! يا ابن الأيام الثلاث : يومك الذي ولدت فيه ، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ، ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك ، فياله من يوم عظيم! يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة؟! »[13]. وبيّن الإمام (عليه السلام) ان الدنيا دار بلاء وامتحان، وان هذا الابتلاء يتناسب مع درجة إيمان الإنسان فقال : « إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه »[14]. |
[1] الكافي : 2 / 74 . [2] المصدر السابق : 2 / 73 . [3] تحف العقول : 220 . [4] بحار الأنوار : 65 / 168 . [5] بحار الأنوار : 65 / 189 . [6] الكافي: 2/234. [7] تحف العقول : 206 ، مستدرك الوسائل : 1/460. [8] الكافي : 2 / 74 . [9] تحف العقول : 214 . [10] المصدر السابق. [11] جامع الأخبار : 270 . [12] تحف العقول : 212 . [13] تحف العقول : 212 ، 213 . [14] جامع الاخبار : 313 . |