مكتبة الإمام الباقر (ع)

فهرس الكتاب

 

رابعاً : الإمام الباقر (عليه السلام) وإحياء الروح الثورية في الاُمّة

كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ذات  دور كبير في إحياء الروح الثورية، وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله ورسوله ضدّ الحكّام الظالمين، ولهذا نشط الإمام الباقر (عليه السلام) ليجعل الثورة حيّة تمنح الناس طاقة ثورية لخوض المواجهة في وقتها وظرفها المناسب .

وقد تجسد إحياؤه للروح الثورية هذه في مظهرين :

الأول : اقامة الشعائر الحسينية

كان الإمام (عليه السلام) يقوم بنفسه باحياء الشعائر الحسينية ، حيث كان يقيم مجالس العزاء في منزله ، دون معارضة من قبل الحكّام الاُمويين لأنهم لا يستطيعون منع مجلس عزاء يقيمه الإمام (عليه السلام) على جدِّه ، ولأنهم كانوا يحاولون إلقاء اللوم في قتل الحسين وأهل بيته وصحبه على آل أبي سفيان .

وتجسّدت الشعائر الحسينية بالممارسات التالية :

1 ـ الحزن وإقامة مجالس العزاء: شجَّع الإمام على البكاء لمصاب جدّه الإمام الحسين (عليهما السلام) وأهل بيته، والأبرار من صحابته من أجل أن تتجذّر الرابطة العاطفية به (عليه السلام) في المشاعر ، وكان يقول : « من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل البعوضة غفر الله له ذنوبه »[1].

2 ـ الزيارة: حثّ الإمام الباقر (عليه السلام) على زيارة قبر جدّه الإمام الحسين (عليه السلام) لتعميق الارتباط به شخصاً ومنهجاً ، واستلهام روح الثورة منه ، ومعاهدته على الاستمرار على نهجه .

وكان يؤكد لمحبّيه والمؤمنين بقيادته الاهتمام بها، ويقول : « مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي ، وزيارته مفروضة على من أقرّ للحسين بالإمامة »[2].

وأكّد (عليه السلام) على لزوم اقتران حب أهل البيت (عليهم السلام) بزيارة قبر الحسين(عليه السلام) كما جاء في قوله : « من كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة قبر الحسين(عليه السلام)، فمن كان للحسين زوّاراً عرفناه بالحب لنا أهل البيت »[3].

3 ـ إنشاء الشعر: كما كان(عليه السلام) يشجع على قول الشعر في الإمام الحسين (عليه السلام) وقد بذل من أمواله لنوادب يندبن بمنى أيام الموسم[4].

وقد أثمر هذا الحثّ إحياء روح الثورة والنهوض ، حتى أن الثورات التي انطلقت بعد عصر الإمام الباقر (عليه السلام) كانت تنطلق في عاشوراء ; إذ  كان الثّوار يتزوّدون من قبره(عليه السلام) ثم ينطلقون بثورتهم وحركتهم المسلّحة غالباً.

الثاني : إحياء الإيمان بقضية الإمام المهدي (عليه السلام)

إن الصراع بين الإسلام والجاهلية ، وبين الحق والباطل لا ينتهي ما دام كل منهما موجوداً وله كيان وقيادة وأنصار . ويستمر الصراع الى أن ينتصر الحق على الباطل في نهاية الشوط . ويمثل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وثورته ضد الظلم العالمي الشامل آخر حلقة من حلقات الصراع المستمرة حيث يختفي الباطل ولا يبقى له كيان مستقل.

وانتظار الإمام المهدي الثائر (عليه السلام) هو حركة ايجابية وتعبير عن حيويّة الروح الثوريّة وهو يتطلّب تعبئة الافكار والطاقات للاشتراك في عملية الخلاص والانقاذ الشامل .

وقد أكّد جميع الائمة من أهل البيت (عليهم السلام) على هذه الحقيقة لا سيّما الإمام الباقر(عليه السلام); وذلك لكي تتعمق هذه القضيّة الكبرى في العقول والنفوس جميعاً.

قال (عليه السلام) : « انّما نجومكم كنجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم حتى اذا أشرتم بأصابعكم ، وملتم بحواجبكم غيَّب الله عنكم نجمكم واستوت بنو عبد المطّلب فلم يعرف أيٌّ من أيّ فإذا طلع نجمكم ، فاحمدوا ربّكم »[5].

واعتبر ثورة الإمام المهدي (عليه السلام) من الأمر الإلهي المحتوم، حين قال : «من المحتوم الّذي حتمه الله قيام قائمنا »[6].

وقال (عليه السلام) : « لا تزالوان تمدّون أعناقكم الى الرجل منّا تقولون هو هذا ، فيذهب الله به ، حتى يبعث الله لهذا الأمر من لا تدرون ولد أم لم يولد ، خلق أو لم يخلق »[7].

وكان يهىّء الاذهان للتعبئة الى ذلك اليوم ويقول : « إذا قام قائمنا وظهر مهديّنا كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان »[8].

خامساً : الإمام الباقر (عليه السلام) وتشخيص هوية الجماعة الصالحة

اهتم الإمام الباقر (عليه السلام) بتشخيص هوية الجماعة الصالحة ، وتمييزها عن غيرها من الهويات التي ترافق سائر الوجودات والكيانات والتيارات القائمة في الواقع .

وقد كان للجماعة الصالحة وجود مميّز من حيث الاسم والصفات ومن حيث الولاء والاقتداء ، ومن حيث التقييم والدرجة والمرتبة من بين الدرجات والمراتب ، فهي تنتمي الى الإسلام أولاً والى منهج أهل البيت ثانياً. وتشخيص الهوية له آثار ايجابية على تجذر الانتماء وإدامته ، وله آثار عملية على الافكار والعواطف والممارسات السلوكية ، حيث انها تتبع الانتماء ، وتتحرك على ضوء الاهداف المحدّدة للهوية المشخصة ، ومن هذه الآثار :

1 ـ الشعور بالانتماء وهو أمر فطري يدفع الانسان للاعتزاز بانتمائه ، لأنه يشعر بأن شخصيته ووجوده يحددها الانتماء والهوية الظاهرة .

2 ـ ان لتشخيص الهوية دوراً  كبيراً من وحدة الاهداف ووحدة البرامج ، ووحدة المصير ، ووحدة المصالح ، ولهذه الوحدة دور أساسي في تحريك المنتمين الى العمل الجاد والحركة الدؤوبة لتحقيق الأهداف المنشودة والتضحية من أجلها.

3 ـ ان لتشخيص الهوية دوراً كبيراً في تعميق علاقات الاُخوة داخل الجماعة الصالحة ، ودفعها نحو التآزر والتكاتف والتعاون من أجل رفع مستواها الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ، كما يمنحها القوة والمنعة والعزّة.

4 ـ إنّ تشخيص الهوية والشعور بالانتماء الموحد يدفع الحركة باتّجاه توسيع قاعدتها الشعبية على أساس تقوية مظاهر الهوية في الواقع الموضوعي ويدفعها نحو التنافس المشروع مع الوجودات القائمة لربط بقية أفراد الاُمة بالمفاهيم والقيم الصالحة ، وتجسيدها في الواقع .

[1]  بحار الأنوار : 98 / 1 .

[2] المصدر السابق: 44 / 293 .

[3] المصدر السابق : 98 / 4 .

[4]  مقتل الحسين للمقرّم : 106 .

[5]  بحار الأنوار : 51 / 138 .

[6] المصدر السابق : 51 / 139 .

[7] بحار الأنوار : 51 / 140 .

[8]  حلية الأولياء : 3 / 184 .