مكتبة الإمام الباقر (ع)

فهرس الكتاب

 

محاور الانتماء في الجماعة الصالحة

الإسلام هو المحور الاساسي للانتماء عند الجماعة الصالحة ، وهو المحرك الأول للعمل والحركة وللسلوك وللعلاقات ، والمصلحة الإسلامية العليا هي الحاكمة على جميع المصالح .

والإسلام هو الانتماء الاساسي الذي يدفع بالمنتمين إليه نحو التعالي على الأواصر الضيّقة والروابط الثانوية ، ويوجّه الانظار والمواقف الى الهدف المشترك والى الاُفق الأرحب الذي تنضوي تحته جميع الانتماءات ، لتكون العلاقات في ظله قائمة على أساس التكافل والتراحم والتناصح ، والأمانة والعدل والسماحة والمودة والاحسان ، وهذه العلاقات تتطلب التحرر من ضغط القيم والاوضاع المحدودة ، والمصالح والمطامع الذاتية العارضة .

والإسلام هو الانتماء الأرحب الذي يضم جميع من نطق بالشهادتين ، فهو في رأي الإمام الباقر (عليه السلام) : «. . . والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء »[1].

وعلى ذلك فإن الجماعة الصالحة هي جزء من المجتمع الاسلامي الكبير بمختلف تياراته ومذاهبه الفكرية والسياسية ، ومسؤولة عن الحفاظ على هذا الوجود من التصدّع .

والفكر المشترك أو العقيدة المشتركة بين الجماعة الصالحة وسائر الجماعات القائمة هي : الايمان بالله ورسله وكتبه ، والايمان برسالة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) ، والإيمان بيوم القيامة .

والانتماء الى منهج أهل البيت (عليهم السلام) هو الهوية المشخصة للجماعة الصالحة لتمييزها عن غيرها من الجماعات التي تنتمي الى مناهج اُخرى .

والانتماء الى أهل البيت (عليهم السلام) يعني الولاء لهم بجميع مراتبه ومصاديقه المتمثّلة في حبّهم ونصرتهم، والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم التي هي أوامر الله ورسوله للإنسان المسلم على مدى الحياة وفي جميع مجالاة الحياة; بحيث تكون العقول والقلوب والأفعال منسجمة مع منهجهم العقائدي والسياسي في آن واحد ، لأنهم الامتداد الحقيقي للرسالة الإسلامية وهم القيّمون على المنهج الإلهي الذي أرسى دعائمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين وغيره من النصوص النبويّة الشريفة. ومن هنا قال الإمام الباقر (عليه السلام) : « نحن أهل بيت الرحمة وشجرة النبوة ومعدن الحكمة ، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي »[2].

وهذا الانتماء يجعل جميع أفراد الجماعة الصالحة مكلفين بأداء دور القدوة ازاء الانتماء الرحب وهو الإسلام ، فينبغي أن يكونوا قدوة لغيرهم ، وقد وصفهم الإمام (عليه السلام) في أحاديث متقدمة بمواصفات خاصة ومنها : طاعة الله ، والتقوى ، وأداء الواجبات واجتناب المحرمات ، وحسن الخلق ، وحسن السيرة ، وأكّد على أن هذا الانتماء لا يتحقق إلاّ بالتقوى والورع والعمل الصالح .

مشخصات الهوية

الأول : الاسم

أطلق الإمام الباقر (عليه السلام) تبعاً لآبائه وأجداده (عليهم السلام) عدداً من الاسماء والعناوين لتشخيص هوية الجماعة الصالحة وفرزها وتمييزها عن غيرها في خضم الالتباس في المفاهيم والخلط في العناوين ، ومنها[3].

 1 ـ شيعة عليّ .

2 ـ شيعة فاطمة .

3 ـ شيعة آل محمد .

4 ـ شيعة ولد فاطمة .

واسم الشيعة هو مورد اعتزاز الجماعة الصالحة لمشايعتهم أهل البيت (عليهم السلام) المطهّرين من كل رجس ودنس.

وقد بشّر الإمام الباقر (عليه السلام) افراد الجماعة الصالحة بهذا الاسم ، فعن أبي بصير ، قال : « ليهنكم الاسم ، قلت : ما هو جعلت فداك ؟ قال : «وإنّ من شيعته لإبراهيم»[4] وقوله : ( فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوه )[5]، فليهنكم الاسم[6].

فهذا الاسم اسم شريف سمّى به الله تعالى أتباع الأنبياء السابقين .

وأقرّ (عليه السلام) اسم الرافضة على الجماعة الصالحه بعد أن سمّاهم به اتباع السلطان، فحينما شكى اليه بعض أصحابه هذه التسمية قال له : « وأنا من الرافضة » قالها ثلاثاً[7].

وعن أبي بصير ، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك اسم سمّينا به استحلّت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا قال: وما هو ، قال: الرّافضة ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «انّ سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى (عليه السلام) ، فلم يكن في قوم موسى (عليه السلام) أشدّ اجتهاداً ولا أشدّ حباً لهارون منهم ، فسمّاهم قوم موسى الرّافضة ، فأوحى الله الى موسى : أن ثبّت لهم هذا الاسم في التوراة ، فإني قد نحلتهم ، وذلك اسم قد نحلكموه الله »[8].

وهنالك أسماء اُخرى ذكرها الإمام الباقر (عليه السلام) وهي : المؤمن والموالي[9].

الثاني : الصفات

وصف الإمام الباقر (عليه السلام) أفراد الجماعة الصالحة بمواصفات خاصة تشخصهم بها عن غيرهم[10] ومنها :

1 ـ أصحاب اليمين .

2 ـ خير البرية .

3 ـ أولياء الله .

4 ـ شُرَط الله .

5 ـ أعوان الله .

الثالث : منزلة الجماعة الصالحة

ذكر الإمام (عليه السلام) للجماعة الصالحة التي تحمل اسم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) منزلة ومرتبة في كلتا الحياتين: الدنيا والآخرة .

1 ـ منزلة الجماعة الصالحة في الحياة الدنيا: ان الجماعة الصالحة مرّت بمراحل من التمحيص في داخل النفس وفي مكنون الضمير ، وفي الواقع العملي ، فخرجت مستقرة على الحق ، واتبعت منهج أهل البيت (عليهم السلام) في وقت كان فيه قادته مطاردين ملاحقين محاصرين من جهات شتى ، واستقرارها على الحق هذا جعل لها منزلة ومرتبة في دار الاختبار والامتحان ، وقد أوضح الإمام (عليه السلام) هذه الفضيلة بقوله : « انّ الله عزّوجلّ أعطى المؤمن ثلاث خصال : العزّ في الدنيا والدين ، والفلج في الآخرة ، والمهابة في صدور العالمين »[11].

ودخل الإمام المسجد الحرام فوجد فيه جماعة من أصحابه ، فدنا منهم وسلَّم ثم قال لهم : « والله انّي لأحبُّ ريحكم وأرواحكم . . . انتم شُرط الله ، وأنتم أعوان الله ، وأنتم أنصار الله ، وأنتم السابقون الأولوّن والسابقون الآخرون . . . قال أمير المؤمنين  (عليه السلام) ألا وإنّ لكل شيء شرفاً ، وشرف الدين الشيعة ، ألا وإنَّ لكل شيء عماداً وعماد الدين الشيعة ، الا وإنّ لكل شيء سيداً وسيّد المجالس مجلس شيعتنا . . . »[12].

والجماعة الصالحة هي المعيار العملي في الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) لقوله (عليه السلام) : « كونوا النمرقة الوسطى يرجع اليكم الغالي ويلحق بكم التالي »[13].

2 ـ منزلة الجماعة الصالحة في الحياة الآخرة: إنّ للجماعة الصالحة منزلة في الحياة الاُخرى ، لأنها اجتازت الامتحان الإلهي بنجاح ، وثبتت على المنهج الإلهي في جميع الأبعاد: في الفكر والعاطفة والسلوك ، وبذلت الغالي والنفيس دفاعاً عن القيم الإسلامية الثابتة التي ارسى دعائمها القرآن ورسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام).

ومن هذه المنازل والمراتب هي كرامتهم عند الله تعالى ، قال الإمام الباقر (عليه السلام) : « ان الله سبحانه يبعث شيعتنا يوم القيامة من قبورهم . . . ووجوههم كالقمر ليلة البدر ، مسكنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد اعطوا الأمن والأمان ، يخاف الناس ولا يخافون ، ويحزن الناس ولا يحزنون ، يحشرون على نوق لها أجنحة من ذهب تتلألأ ، قد ذلّلت من غير رياضة أعناقها من ياقوت أحمر ، ألين من الحرير ، لكرامتهم على الله »[14].

    قال (عليه السلام) : « وفي شيعة ولد فاطمة أنزل الله هذه الآية خاصة ( قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم)[15]»[16].

وروى (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : « انَّ علياً وشيعته هم الفائزون »[17].

وهذه المنازل والمراتب سينالها أفراد الجماعة الصالحة المتّبعين منهج ائمتهم المطيعين لله تعالى إذ جسّدوا القيم الإلهية في واقع الحياة.

[1]  تحف العقول : 217 ـ 218 .

[2]  الارشاد : 266 .

[3]  بحار الأنوار : 65 / 14 ، 48 ، 60 ، 56 .

[4]  الصافات  (37): 83 .

[5] القصص  (28): 15 .

[6]  بحار الأنوار : 65 / 12 ـ 13 .

[7]  المحاسن : 157 .

[8] المصدر السابق : 157 .

[9]  بحار الأنوار : 65 / 16 .

[10]  المصدر السابق : 65 / 29 ، 30 ، 58 ، 44 .

[11]  بحار الأنوار : 65 / 16 .

[12]  بشارة المصطفى : 16 .

[13]  بحار الأنوار : 65 / 178 .

[14]  بشارة المصطفى : 55 ، 56 .

[15] الزمر (39): 53 .

[16] قرب الاسناد : 29 .

[17]  بحار الأنوار : 65 / 31 .