مكتبة الإمام الباقر (ع)

فهرس الكتاب

 

سادساً : الإمام الباقر (عليه السلام) والعلاقات في نظام الجماعة الصالحة

الجماعة الصالحة لها قيادة وطليعة وقاعدة ترتبط فيما بينها بعلاقات تحددّها المفاهيم والقيم الحاكمة على جميع الافراد ومن مختلف المستويات .

ولكل من مراتب الجماعة علاقات مع الجماعات الاُخرى تحدّدها الاهداف والمصالح المشتركة ضمن الاُفق الأرحب والمصير الأكبر .

وتربطها علاقات مع اتباع الاديان الاُخرى من المعاهدين وأهل الذمة .

1 ـ العلاقات داخل الجماعة الصالحة

أ ـ العلاقة بين القيادة والطليعة: القيادة تتمثل في الإمام المعصوم(عليه السلام) الذي يشرف على بناء وتوجيه الجماعة الصالحة ، وتنظيم شؤونها المختلفة ، وهو المرجع في إصدار الأوامر واتخاذ الخطط والقرارات .

وبما ان الجماعة الصالحة لها امتداد في جميع البلدان والامصار ، لذا فإنّ العلاقة بين أفرادها وبين الإمام (عليه السلام) تكون عن طريق الطليعة الواعية المخلصة والتي تتمثل بالوكلاء ، وهم المقربون من الإمام (عليه السلام) والمختصون به، وهم بدورهم يشرفون على باقي افراد الجماعة .

وقد كان الإمام (عليه السلام) يخصص كثيراً من وقته لتوجيه الطليعة وارشادها عن طريق اللقاءات المباشرة اليومية ، واللقاءات الدورية ، وعن طريق المراسلات .

ب ـ العلاقة بين القيادة والقاعدة: كانت للإمام (عليه السلام) علاقات مباشرة وغير مباشرة مع قواعده في المدينة ، وفي مختلف الامصار ، وكان أهل المدينة وغيرهم يلتقون به ويزورونه ، وكان يقوم (عليه السلام) بزيارتهم والالتقاء بهم ، أما المقيمون في بلدان اُخرى فكانوا يلتقون به في موسم الحج وغيره ، وكان (عليه السلام) يراسل بعضهم ، لتدوم العلاقة بينه وبينهم ، وقد رسم لهم منهاجاً في العلاقات ، وجعل عليهم أن يزوروه، حين قال (عليه السلام) : « إنّما اُمر الناس أن ياتوا هذه الاحجار ، فيطوفوا بها ، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم »[1].

وقال أيضاً : « تمام الحج لقاء الإمام »[2].

وكانت العلاقة مستمرة بين الإمام (عليه السلام) والقاعدة عن طريق الطليعة ( الوكلاء ) ، وعن طريق المراسلة .

 ج ـ العلاقة بين الافراد: حث الإمام (عليه السلام) على ادامة العلاقة بين افراد الجماعة الصالحة ، وقال : « تزاوروا في بيوتكم ، فإن ذلك حياة لأمرنا ، رحم الله عبداً أحيى أمرنا »[3].

ونهى (عليه السلام) عن المقاطعة والهجران فقال : « ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث إلاّ وبرئت منهما في الثالثة »، فقيل له : يا ابن رسول الله هذا حال الظالم ، فما بال المظلوم ؟ فقال (عليه السلام) : « ما بال المظلوم لا يصير الى الظالم؟  فيقول : أنا الظالم حتى يصطلحا »[4].

اُسس العلاقات الداخلية

أ ـ طاعة الإمام (عليه السلام): الإمام المعصوم هو القائد الربّاني للجماعة الصالحة ، وهو المشرف على جميع شؤونها ، وان جميع البرامج والخطط لا يمكن تحقيقها بالصورة المشروعة إلاّ بالرجوع اليه وامتثال أوامره والاخلاص له في النصيحة ، وقد روى الإمام الباقر(عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال : « ما نظر الله عزّوجلّ الى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة إلاّ  كان معنا في الرفيق الاعلى»[5].

ب ـ قاعدة الحب في الله والبغض في الله: وروى الإمام الباقر(عليه السلام) عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : « ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان ، ومن أحبّ في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى في الله، ومنع في الله فهو من أصفياء الله »[6].

ج ـ اخلاص المودّة: إن الحب والمودة هي أساس العلاقات داخل الجماعة الصالحة; لذا قال (عليه السلام) : « واخلص مودتك للمؤمن »[7].

 د ـ الايثار من أجل حقوق الاخوان: قال (عليه السلام) : « أشرف أخلاق الأئمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية وأخذ النفس بحقوق الاخوان »[8].

هـ ـ التكافل الاجتماعي

و ـ التناصر والتآزر

ز ـ ادامة العلاقة: قال (عليه السلام) : « ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة : أن تعفو عمّن ظلمك ، وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك »[9].

وقال (عليه السلام) : « ان المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن »[10].

2 ـ العلاقات مع الجماعات الإسلامية الاُخرى

1 ـ إنّ التعايش والانفتاح مع عامة المسلمين وجمهورهم الذين ليس لهم عداء لأهل البيت (عليهم السلام) ـ وإن كانوا لا يرون لهم حق الولاية والإمامة ـ هو من سيرة الإمام (عليه السلام) وقد كانت للجماعة الصالحة علاقات واسعة مع جماعات عديدة من المسلمين.

2 ـ العلاقة السلبية مع اعداء أهل البيت (عليهم السلام): إنّ المقاطعة هي السمة الغالبة للعلاقات مع من نصب العداء لأهل البيت(عليهم السلام)، ويلحق بها مقاطعة أصحاب البدع ، والغلاة ، وأعوان النظام الجائر ممّن أبغض أهل البيت (عليهم السلام).

ودرجة المقاطعة تتحكم بها الظروف عادة، فإذا كانت الظروف غير مؤاتية فالمصانعة هي العلاقة المختارة، فقد قال (عليه السلام): «صانع المنافق بلسانك »[11].

3 ـ إنّ المشاركة في النشاطات العامة التي فيها مصلحة للاسلام ومصلحة الجماعة الصالحة هي أمر مطلوب ومحمود ولا يضرّ بالانتماء لأهل البيت(عليهم السلام).

3 ـ العلاقة مع أهل الذمة

رسم الإمام (عليه السلام) منهجاً لعلاقة الجماعة الصالحة مع أهل الذمّة ، على أساس المعايشة وعدم الاعتداء ، قال (عليه السلام) : « . . . فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم ، وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحهم »[12].

وقال (عليه السلام) : « ما من رجل أمن رجلاً على ذمة ثم قتله إلاّ جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر »[13].

وحرّم (عليه السلام) الاعتداء على أموالهم وممتلكاتهم بغصب أو سرقة
أو غش[14] .

وأوصى باحترام احكامهم الفقهية والمدنية وأحكام القضاء والمواريث ، وان كانت مخالفة للشريعة الإسلامية[15] .

[1]  الكافي : 4 / 549 .

[2] المصدر السابق .

[3] الخصال : 1 / 22 .

[4] المصدر السابق : 1 / 183 .

[5]  الكافي : 1 / 404 .

[6] المحاسن : 263 .

[7]  تحف العقول : 213 .

[8]  جامع الاخبار : 252 .

[9]  تحف العقول : 214 .

[10] المصدر السابق : 216 .

[11] المصدر السابق : 213 .

[12] تحف العقول : 210 ، والمعروف عند علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) أن النكاح الجائز مع أهل الذمّة هو النكاح المؤقت فحسب.

[13]  الكافي : 5 / 31 .

[14] المصدر السابق  : 5 / 568 .

[15]  وسائل الشيعة : 26 : 319 .