4 ـ العلاقة مع الكفّارإنّ العلاقة مع الكفّار قائمة على أساس قاعدة البراءة ، وهي المفاصلة بين الإسلام والكفر ، فلا تجوز المعاونة لهم بأي لون ، ويحرم إسنادهم بأي شكل من أشكال الإسناد . والبراءة تستدعي المقاومة بل المواجهة معهم أحياناً، ولذا كان(عليه السلام) يشجع على بيع السلاح لمن يحارب به الكفّار وان كان مخالفاً أو معادياً لأهل البيت (عليهم السلام) وللجماعة الصالحة; فإنّ هذا العمل في رأي الإمام (عليه السلام) يتم به دفع العدو المشترك ، وإبعاد خطره الذي يهدّد الكيان الاسلامي. سابعاً : الإمام الباقر (عليه السلام) والنظام الأمني للجماعة الصالحة أولى الإمام (عليه السلام) اهتماماً خاصاً بالنظام الأمني للجماعة الصالحة ، حفاظاً على سلامة أفرادها وكيانها من التصدّع أو التصفية الجسدية ، ليبقى أفرادها أحراراً في حركتهم الاصلاحية والتغييرية. والاحتياط والحذر الأمني له آثار ايجابية على سلامة العقيدة وسلامة الشريعة وسلامة القيم الإسلامية ، فإنّ أي خلل في الوضع الأمني يؤدي الى سجن أو قتل أو تهجير من له تأثير ايجابي في الاُمة ، وبالتالي يكون خير فرصة للمنحرفين لنشر عقائدهم وافكارهم لبلبلة الأفكار وخلق الاضطراب في العقول والقلوب والنفوس ، بعد خلو الميدان من المصلحين الذين ينتمون الى الجماعة الصالحة . والاهتمام بالنظام الأمني يضمن للجماعة الصالحة بقاء القيادة وهي المعصومة (عليه السلام) بين ظهرانيهم ، ترشدهم وتوجههم وتربيهم ، وتعلّمهم أحكام الدين وسبل الشريعة . وللنظام الأمني معالم ومظاهر يمكن تحديدها في النقاط التالية : التقية عملية مشروعة لما لها من آثار ايجابية على سير الجماعة الصالحة وتوجيه حركتها نحو اصلاح الواقع وتغييره دون عرقلة أو منع أو تحجيم . وللتقية موارد عديدة تحددها طبيعة الظروف المحيطة بالفرد وبالجماعة الصالحة ، من حيث القوة والضعف ، ومن حيث موقف الحكام وأجهزته من الإمام (عليه السلام) ومن الجماعة الصالحة. والقاعدة الاساسية في استخدام التقية هي قول الإمام (عليه السلام) : « التقيّة في كل ضرورة »[1]. فالضرورة هي التي تحدّد استثمارها واستخدامها من حيث الوجوب والاستحباب، ومن حيث المرّة والتكرار . والهدف من التقيّة هو حقن الدماء وحفظها في مواقف ليست ضرورية، وليس لها تأثير على سير حركة الاصلاح والتغيير ، أمّا إذا لم تحقق هدفها ذاك فلا ينبغي ممارستها . قال الإمام الباقر (عليه السلام) : « إنما جعلت التقيّة ليحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدّم فلا تقيّة »[2]. ومن موارد التقيّة : أ ـ كتمان المعتقد بالاسلام إذا كان المجتمع مجتمعاً غير اسلامي محارباً للمسلمين ، وكتمان المعتقد بمذهب أهل البيت (عليه السلام) إذا كان المجتمع مخالفاً أو معادياً لهم ، ويستحل قتل أو تعذيب من يروّج له أو يعلن الانتماء اليه . أو كان الاعلان عن المعتقد يؤدي الى عزل المؤمن عن المجتمع وعدم التأثر بقوله وفعله ، أي في حال عرقلة مهمة الاصلاح والتغيير . ب ـ كتمان الأحكام الفقهية إن ادّت الى الضرر الكبير . ت ـ كتمان الآراء السياسية . ث ـ كتمان الأسرار السياسية . ج ـ كتمان البرامج والخطط المعدّة لاصلاح الواقع وتغييره . والتقية قد تكون بكتمان هذه الموارد ، أو التظاهر بغيرها . وبعبارة اُخرى: ان التقيّة هي المصانعة مع المخالفين أو المعادين للجماعة الصالحة تخلّصاً من عدوانهم وأذاهم، أو إضرارهم بالعمل. والتقيّة هي الموقف المتوازن بين الانعزال عن المجتمع والابتعاد عن ميدان الاصلاح والتغيير ، وبين المواجهة والصراع ، لأنّ عدم ممارستها يؤدي الى واحد من الموقفين ، وفي كليهما لا يحقق الانسان اهدافه في الحياة الاجتماعية ، وقد يؤدي احياناً الى النكوص والتراجع أو التخلّي نهائياً عن المنهج السليم ، أو الانحراف عنه . فالانعزال قد يؤدي الى الوقوع في حبائل الغلو ، والتحول إلى الباطنية كما حدث للحركة الاسماعيلية . والمواجهة قد تؤدي الى الضعف أمام أساليب الأرهاب والإغراء والخداع والتضليل ان كانت الجماعة الصالحة غير مهيئة لخوض غمار الصراع والمواجهة . وقد استطاع الإمام (عليه السلام) أن يحافظ على أمن الجماعة الصالحة بتأكيده على التقيّة ، حيث استطاع أن يوسّع قاعدته الشعبية ، ويرفد الجماعة الصالحة بأفراد جدد ، وبكوادر جديدة ، واستطاع أن ينشر علوم أهل البيت (عليه السلام) ، وان يشيع الفضائل والمكارم في المجتمع ، دون ان يمنح للحكّام فرصة لاغتياله أو اعتقاله أو منعه من نشاطاته العامة في التدريس ، واللقاءات ، والزيارات . والتقيّة قد تتوقف احياناً وفي حدود خاصة على تظاهر الانسان بالجنون حفاظاً على نفسه والجماعة التي ينتمي اليها ، وهي حالة نادرة أمر بها الإمام (عليه السلام) جابر بن يزيد الجعفي ، حيث كتب اليه كتاباً في ذلك، فلما دخل الكوفة ، لم يُرَ ضاحكاً ولا مسروراً ، وتظاهر بالجنون ، وبعد أيام من كتاب الإمام (عليه السلام) جاء كتاب هشام بن عبد الملك يأمر بقتله ، فتركه الوالي ولم يقتله ، بعد أن أخبره الناس بجنونه[3]. 2 ـ كتمان الاسراران الظروف المحيطة بالإمام (عليه السلام) وبالجماعة الصالحة جعلت الإمام (عليه السلام) يأمر بكتمان الاسرار ، قال (عليه السلام) : « اكتموا اسرارنا ولا تحمّلوا الناس على أعناقنا »[4]. والجماعة الصالحة محاطة بجماعات وتيارات وأجهزة أمنية تتابع أقوالها وأفعالها وممارساتها العملية ، وتستثمر الثغرات والفرص المتاحة لتشويه سمعتها في عقيدتها وفي أحكامها وفي سلوكها ، وتحجيم دورها في الحياة ; ولهذا فهي بحاجة الى عناية اضافية بكتمان الاسرار ، سواء كانت ممّا يتعلق بفضائل ومكارم أهل البيت (عليهم السلام) التي لا تتحملها عقول المخالفين ، أو ممّا يتعلق بتنظيم الجماعة الصالحة من حيث العدّة والعدد ، وأسماء الوكلاء ، أو الطليعة المؤثرة على سير الأحداث ، أو كانت من أسرار العلاقات واللقاءات، أو الأسرار السياسية المتعلقة بالبرامج والخطط الموضوعة لاصلاح وتغيير الواقع السياسي والاجتماعي ، أو الأسرار المتعلقة بساعات التنفيذ وما شابه ذلك . فالإمام (عليه السلام) كان يتكتم على المواقف المهمة ، فحينما حرّم الدخول الى السلاطين والتعاون معهم ، كان هذا التحريم محدوداً لم يبلّغ به إلاّ المقربين منه . وكان يخطط لثورة زيد دون أن تعلم به السلطات ، ودون علم كثير من أفراد الجماعة الصالحة ، وكان يكتفي بمدح شخصية زيد ليوجه الانظار بصورة غير مباشرة اليه والى مواقفه المستقبلية . وكان يثني على المختار مقرّاً بثورته وولائه لأهل البيت (عليهم السلام) ولكن في نطاق محدود أمام بعض أصحابه . ولم يعلن (عليه السلام) عن إمامة الإمام الصادق (عليه السلام) إلاّ في نطاق محدود لمن كان يثق به ويعتمد عليه في عدم كشف السرّ إلاّ في وقته المناسب . |
[1] بحار الأنوار : 72 / 399 . [2] المصدر السابق : 72 / 399 . [3] بحار الأنوار : 46 / 283 . [4] المصدر السابق : 71 / 225 . |