التوازن بين طلب الرزق وطلب المكارم حثّ الإمام (عليه السلام) على العمل وطلب الرزق كمقدمة للاستغناء عن الناس ، وإشباع النفس والعيال لكي يتفرغوا للهدف الكبير الذي خُلقوا من أجله وهو حمل الأمانة الإلهية ، وتبليغها للناس جميعاً ، وتقرير اُسسها وقواعدها في الواقع ، فقد أراد من أتباعه التطلع الى اُفق أعلى ، والى اهتمامات أرفع لتكون القيم المعنوية هي الحاكمة على جميع تصرفاتهم المالية ، ولكي لا ينساقوا وراء الشهوات وينشغلوا باشباعها ، قال (عليه السلام) : « ان أهل التقوى هم الأغنياء ، أغناهم القليل من الدنيا ، فمؤنتهم يسيرة . . . أخّروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم »[1]. وبيّن في دعاء له الأهداف المتوخاة من طلب الرزق وحدوده ، والتوازن بينه وبين القيم المعنوية ، ومن دعائه قوله (عليه السلام) : « . . . اسألك اللهمَّ الرّفاهية في معيشتي ما أبقيتني ، معيشة اقوى بها على طاعتك ، وأبلغ بها رضوانك ، وأصير بها بمنّك الى دار الحيوان ، ولا ترزقني رزقاً يطغيني ، ولا تبتلني بفقر أشقى به ، مضيّقاً عليّ ، أعطني حظاً وافراً في آخرتي ، ومعاشاً واسعاً هنيئاً مريئاً في دنياي . . . »[2]. وبيّن (عليه السلام) الميزان الاقتصادي والمالي للجماعة الصالحة لتوزن به درجة قربها وبعدها عن العمل للآخرة فقال : « انّا لنحبّ الدنيا ولا نؤتاها ، وهو خير لنا ، وما أوتي عبد منها شيئاً إلاّ كان أنقص لحظه في الآخرة ، وليس من شيعتنا من له مائة ألف ولا خمسون ألفاً ولا أربعون ألفاً ، ولو شئت أن أقول ثلاثون ألفاً لقلت ، وما جمع رجل قط عشرة الآف من حلّها »[3]. ودعا (عليه السلام) الى الاقتصاد في اشباع الرغبات والشهوات لكي لا تصبح هدفاً بذاتها ، فقال (عليه السلام) : « إذا شبع البطن طغى »[4]. وقال أيضاً : « ما من شيء أبغض الى الله عزّوجلّ من بطن مملوء »[5]. الموارد المالية للجماعة الصالحةالأول : الزكاة: الزكاة هي أحد الموارد المالية للجماعة الصالحة ، وهي عبادة اقتصادية أمر الله تعالى بها لاشباع الجياع وكسوتهم ورفع المستوى المعاشي للفقراء والمحتاجين ، وايجاد التوازن بين الطبقات لكي لا يحدث تفاوت فاحش بين مستويات الناس الاقتصادية ، ولكي لا تتكدس الأموال عند طبقة معيّنة . وقد حثّ (عليه السلام) على اعطاء الزكاة ، ومما جاء في ذلك قوله (عليه السلام) : « فرض الله الزكاة مع الصلاة »[6]. وبيّن (عليه السلام) الآثار المترتبة على منع الزكاة ومنها منع البركات فقال (عليه السلام) : «وجدنا في كتاب عليٍّ (عليه السلام) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها »[7]. ومن آثار منعها في الحياة الاُخرى هو العذاب الإلهي ، قال (عليه السلام) : « انّ الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم مشدودة ايديهم الى اعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة، معهم ملائكة يعيّرونهم تعييراً شديداً ، يقولون : هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير ، هؤلاء الذين اعطاهم الله ، فمنعوا حقّ الله في أموالهم »[8]. الثاني : الخمس: حثّ الإمام (عليه السلام) على اعطاء الخمس لأنّه فريضة ثابتة في الشريعة الإسلامية ، وهي حقّ ثابت فمن لم يعطه فقد أكل حقاً ، ومن تصرّف به فقد تصرف بأموال ليست له ، قال (عليه السلام) : « من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله ، اشترى ما لا يحلّ له »[9]. وقال (عليه السلام) : « لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا »[10]. وقد بيّن (عليه السلام) هذا الحق المغتصب وغيره من الحقوق ، وأوضح قاعدة عامة فقال : « ما كان للملوك فهو للإمام »[11]. ومن الموارد المالية الواجبة: الكفّارات ، وهنالك موارد ثانوية غير واجبة كالهدايا والصدقات والانفاق في وجوه الخير. |
[1] تحف العقول : 209 . [2] بحار الأنوار : 94 / 379 ، طبعة ثانية : 97 / 379 . [3] بحار الأنوار : 69 / 66 ، طبعة ثانية : 72 / 66 . [4] الكافي : 6 / 270 . [5] المصدر السابق . [6] الكافي : 3 / 498 . [7] الكافي : 3 / 505 . [8] المصدر السابق : 3 / 506 . [9] تهذيب الاحكام : 4 / 136 . [10] الكافي : 1 / 458 . [11] المصدر السابق: 1/458 . |