مكتبة الإمام الباقر (ع)

فهرس الكتاب

 

 التكافل داخل الجماعة الصالحة

الجماعة الصالحة لها كيانها المستقل ومواردها المستقلة التي سبق ذكرها، وانّ انفاق الأموال في مواردها التي وضعها الله تعالى تؤدي الى التكافل داخل الجماعة الصالحة .

فالزكاة تدفع للفقراء والمساكين والعاملين عليها ، وفي عتق الرقاب المؤمنة ، وللمثقلين بالديون ، وابن السبيل وتدفع للمؤلفة قلوبهم للاسلام ولمذهب أهل البيت (عليهم السلام) أو دفع شرّهم ، ولها موارد انفاق تقع تحت عنوان (  في سبيل الله ) .

وهي تدفع لهم مباشرة دون إذن الإمام (عليه السلام) ، كما يفهم من أحاديثه الشريفة[1].

وهي في الأصل تدفع إلى من ينتمي الى الجماعة الصالحة ، فعن ضريس قال : سأل المدائني أبا جعفر (عليه السلام) قال : ان لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففيمن نضعها ؟

فقال (عليه السلام) : في أهل ولايتك .

فقال : اني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك .

فقال (عليه السلام) : « ابعث بها الى بلدهم تدفع اليهم ، ولا تدفعها الى قوم ان دعوتهم غداً إلى أمرك لم يجيبوك »[2].

وقال (عليه السلام) : « إنّما موضعها أهل الولاية »[3].

وكان يقدّم المهاجرين وأصحاب العقل والفقه على غيرهم ، فحينما سئل (عليه السلام) عن كيفية العطاء فقال (عليه السلام) : « اعطهم على الهجرة في الدين والعقل والفقه »[4].

أما الرقاب وسهم المؤلفة قلوبهم فلا يشترط فيها الانتماء الى الجماعة الصالحة كما هو المشهور .

والزكاة الواجبة تختص بالمحتاجين وغير القادرين على العمل ، فلا ينبغي إعطاؤها لغيرهم، قال (عليه السلام) : « ان الصدقة لا تحلّ لمحترف ، ولا لذي مرّة سوي قوي ، فتنزهوا عنها »[5].

وقد حدّد (عليه السلام) أصناف وأوصاف المستحقين فقال : « المحروم : الرجل الذي ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق وهو محارف »[6].

« الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل »[7].

ويجب اعطاء الزكاة مصحوباً بالتكريم ، فعن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة ، فاعطيه من الزكاة ولا اُسمّي له أنّها من الزكاة ؟

فقال (عليه السلام) : « اعطه ولا تسمّ له ولا تذل المؤمن »[8].

والعطاء ينبغي أن يكون الى حد الإغناء بحيث لا يبقى محتاجاً ، قال (عليه السلام) : « إذا أعطيته فأغنه »[9].

أمّا مصرف الخمس فهو عائد للإمام قال (عليه السلام) : « والخمس لله وللرسول ولنا»[10].

والخمس ملك للإمام (عليه السلام) باعتبار منصبه ، وليست ملكاً شخصياً له ، وقد دلت سيرة الإمام الباقر (عليه السلام) وسيرة من سبقه من الائمة (عليهم السلام) على ذلك ، فكانوا يأخذونه وينفقونه لا على أنفسهم ، حيث كان ما ينفق على انفسهم وعيالهم شيئاً يسيراً ، بالقياس الى ضخامة الأموال التي تُجبى اليهم ، ومع ذلك كان بعضهم محتاجاً ، لأنّه كان ملكاً للمنصب وليس للشخص .

ومن أجل احياء روح التكافل الاقتصادي والاجتماعي حثَّ الإمام (عليه السلام) على الصدقة وهي الزكاة المستحبة فقال : « ان الصدقة لتدفع سبعين بليّة من بلايا الدنيا مع ميتة السوء »[11].

وقال (عليه السلام) : « ان صنائع المعروف تدفع مصارع السوء »[12].

وحث (عليه السلام) على اطعام الطعام وذبح الذبائح واشباع الفقراء والمحتاجين منها فقال : « ان الله عزوجلّ يحب اطعام الطعام واراقة الدماء »[13].

وحث على الجود والسخاء ، والانفاق ، والهدية والقرض ، وانظار المعسر في تسديد دينه ، كما ورد في مختلف كتب الحديث عنه (عليه السلام) .

وكان يتصدق في كل جمعة ويقول : « الصدقة يوم الجمعة تُضاعف لفضل يوم الجمعة على غيره من الأيام »[14].

وكان ينفق الأموال على أصحابه ، فقد أمر غلامه بإعطاء الأسود بن كثير سبعمائة درهم ، وقال له : استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني[15].

وعن سلمى مولاته قالت : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده ، حتى يطعمهم الطعام الطيّب ، ويكسوهم الثياب الحسنة في بعض الاحيان، ويهب لهم الدراهم ، فأقول له في ذلك ليقلّ منه.

فيقول : يا سلمى ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الاخوان والمعارف[16].

وجعل (عليه السلام) الانفاق مقياساً للاُخوة ، حين قال لجماعة من أصحابه : يدخل أحدكم يده في كُمِّ أخيه يأخذ حاجته ؟ فقالوا : لا .

قال (عليه السلام) : ما أنتم بإخوان[17].

ونهى عن السؤال ومع ذلك شجّع على عدم رد السائل فقال : «لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً ، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة ما ردّ أحد أحداً»[18].

وجعل التعامل الاقتصادي فيما بين الجماعة الصالحة أو غيرها من الجماعات قائماً على أساس قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار )، التي رواها عن جدّه رسول الله[19].

تاسعاً : الإمام الباقر (عليه السلام) والنظام الاجتماعي للجماعة الصالحة

النظام الاجتماعي للجماعة الصالحة هو مصداق حقيقي للنظام الاجتماعي الاسلامي الذي أرسى دعائمه القرآن الكريم ، وخاتم المرسلين(صلى الله عليه وآله)، وهو قائم على اُسس خلقية في التعامل والعلاقات ، وعلى رأسها حسن الخُلق، قال الإمام الباقر (عليه السلام) : « إنّ أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً»[20].

ومن حسن الخلق تلقّي الآخرين بوجه منبسط ، فقد قال (عليه السلام) : « أتى رسول الله رجل فقال : يا رسو الله أوصني ، فكان فيما أوصاه أن قال : الق أخاك بوجه منبسط »[21].

ومن مصاديق حسن الأخلاق الرفق بجميع أصناف الناس قال (عليه السلام) : « من قسم له الرفق قسم له الإيمان»[22] .

ووضع  لكل وحدة اجتماعية نظامها الخاص بها ، وعلاقاتها مع الوحدات الاجتماعية الاُخرى ، ابتداءاً بالاسرة وانتهاءاً بالمجتمع الكبير .

1 ـ الاسرة

الاسرة هي المؤسسة الاولى والاساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة ، وهي المسؤولة عن رفد المجتمع بالعناصر الصالحة ، وهي نقطة البدء التي تزاول انشاء وتنشئة العنصر الانساني . وقد وضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها ، ابتداءاً باختيار شريك الحياة المناسب على أساس التديّن وحسن الخلق والانحدار من اسرة صالحة ، كما وضع برنامجاً للحقوق والواجبات على كل من الزوجين، ومراعاتهما من قبلهما كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الاسرة .

فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حق الزوج على الزوجة بقوله : « أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدق من بيتها بشيء إلاّ بإذنه ، ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه . . . »[23].

وقال (عليه السلام) : « جهاد المرأة حسن التبعل »[24].

ودعا إلى تحمّل أذى الزوج من أجل إدامة العلاقة الزوجية ، وعدم تفكّك الاُسرة من خلال عدم مقابلة الأذى بأذى ، بقوله (عليه السلام) : « وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته »[25].

ووضع الإمام (عليه السلام) واجبات على الزوج اتجاه زوجته ، وهو مسؤول عن تنفيذها لكي يتعمق الودّ بينهما ، ويكون الاستقرار والهدوء هو السائد في أجواء الاسرة ، ومن هذه الحقوق ، الاطعام وما تحتاجه من ثياب ، قال (عليه السلام) : « من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرّق بينهما »[26].

وأكّد علـى  الاهتمام بالزوجة ومراعاتها ، فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : « أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة بيّنة»[27].

وحثّ على تحمل الأذى من المرأة ، وعدم مقابلة الأذى بالأذى لأن ذلك يؤدي إلى تردّي العلاقات وتشنجها ، فقال (عليه السلام) : « من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنة . . . »[28].

وقد كان (عليه السلام) اُسوة في تحمل الأذى ، حتى قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كانت لأبي امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها »[29].

ووضع (عليه السلام) منهجاً للحقوق والواجبات بين الأبناء ووالديهم ، فالواجب على الوالدين تربية أولادهم على المفاهيم والقيم الإسلامية[30]. وابعادهم عن الانحرافات بمختلف الوانها[31].

ووضع (عليه السلام) برنامجاً للتربية في مختلف مراحل حياة الاطفال ابتداءاً بالطفولة المبكرة حتى بلوغ وسن التكليف والرشد[32].

وحثّ (عليه السلام) على التعامل المتوازن مع الاطفال فقال (عليه السلام): « شرّ الآباء من دعاه التقصير الى العقوق وشرّ الآباء من دعاه البر الى الافراط »[33].

وأمر (عليه السلام) ببرّ الوالدين ، فقال : « ثلاثة لم يجعل الله عزّوجلّ فيهنّ رخصة : أداء الأمانة الى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين »[34].

وكانت أوامره مؤكدة على برّ الوالدين وان كانا منحرفين أو فاجرين وذلك لحقوقهما على الابن .

ونهى عن العقوق مهما كانت الظروف ، وان كان الوالدان مسيئين للأبناء ، فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : « اياكم وعقوق الوالدين ، فإنّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام ، ولا يجدها عاقّ . . . »[35].

[1] من لا يحضره الفقيه : 2 / 30 .

[2] الكافي : 3 / 555 .

[3] المصدر السابق : 3 / 545 .

[4] الكافي : 3 / 549 .

[5]  وسائل الشيعة : 9 / 231 .

[6] الكافي : 3 / 500 .

[7] المصدر السابق : 3 / 502 .

[8] المصدر السابق : 3 / 564 .

[9] الكافي : 3 / 548 .

[10] المصدر السابق : 1 / 539 .

[11] المصدر السابق : 4 / 6 .

[12] المصدر السابق : 4 / 29 .

[13] المصدر السابق : 4 / 51 .

[14]  ثواب الاعمال : 168 .

[15]  صفة الصفوة : 2 / 112 .

[16]  الفصول المهمة : 215 .

[17]  مختصر تاريخ دمشق : 23 / 85 .

[18]  الكافي : 4 / 20 .

[19] المصدر السابق : 5 / 292 .

[20] الكافي : 2 / 99 .

[21] المصدر السابق : 2 / 103 .

[22] المصدر السابق : 2 / 118 .

[23]  مكارم الأخلاق : 214 .

[24]  من لا يحضره الفقيه : 3 / 278 .

[25] مكارم الاخلاق : 215 .

[26] المصدر السابق : 217 .

[27] مكارم الأخلاق : 216 .

[28] المصدر السابق : 216 .

[29] من لا يحضره الفقيه : 3 / 279 .

[30] مكارم الاخلاق : 222 .

[31] المصدر السابق : 223 .

[32] مراجعة كتاب : تربية الطفل في الإسلام ، اصدار مركز الرسالة .

[33] تاريخ اليعقوبي : 2 / 320 .

[34] الكافي : 2 / 162 .

[35] الكافي : 2 / 349 .