5 ـ مجتمع المسلمينالإسلام هو الافق الواسع الجامع لمن شهد الشهادتين ، وهو الميدان الرحب لتجميع الطاقات وتوحيد الامكانات لتنطلق في مصالح واحدة ومصير واحد ، ولهذا فالاسلام محوره وحدوده مجتمع المسلمين جميعاً . والنظام الاجتماعي لمجتمع المسلمين قائم على أساس الإخاء والتآلف والتآزر من أجل تحقيق الأهداف الكبرى والحفاظ على الكيان الاسلامي من التصدّع والتمزّق . ولذا حثّ الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) على الاهتمام باُمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم ، والاهتمام بالعوامل التي تؤدي الى التقريب والاتفاق على القواسم المشتركة في الفكر والعاطفة والسلوك . ووضع الإمام (عليه السلام) قاعدة كلية في التعامل وهي تعميق مفهوم الولاية بين المسلمين. عن زرارة قال : دخلت أنا وحمران على أبي جعفر (عليه السلام) ، فقلت له : إنّا نمدُّ المطمار . . . فمن وافقنا من علويّ أو غيره توليّناه ، ومن خالفنا من علويّ أو غيره برئنا منه ، فقال لي : يا زرارة قول الله أصدق من قولك ، فأين الذين قال الله عزّوجلّ : ( إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان . . . ). أين المرجون لأمر الله ؟ اين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ؟ أين أصحاب الاعراف ؟ أين المؤلفة قلوبهم ؟[1]. فليس المقياس عند الإمام (عليه السلام) هو الانتماء الى الجماعة الصالحة فقط، وإنّما المقياس هو الانتماء الى الإسلام. ومن خلال سيرة أهل البيت (عليهم السلام) ومن خلال متابعة أحاديثهم وبالخصوص أحاديث الإمام الباقر (عليه السلام) المنتشرة في بطون الكتب نستطيع أن نقسم الولاية الى أربعة اقسام : الأول : ولاية الله تعالى . الثاني : ولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله). الثالث : ولاية أهل البيت (عليهم السلام). الرابع : الولاية بين المسلمين . فمن لم يؤمن بولاية الله وولاية الرسول فهو كافر باجماع المسلمين ، امّا الذي يؤمن بهما ، ولا يؤمن بولاية أهل البيت (عليهم السلام) ـ أي بإمامتهم ـ فلا يجوز سلب صفة الإسلام منه فتبقى ثابتة له ـ ما لم يبغضهم ـ وتبقى الولاية بين أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وغيرهم من المسلمين ثابتة لا يجوز خرمها وقطعها . وبهذه الروح الإسلامية تعامل الإمام الباقر (عليه السلام) مع سائر المسلمين. ومن خلال هذا المفهوم بيّن (عليه السلام) الاُسس العامة في التعامل الاجتماعي، فحثّ على التعاون مع سائر المسلمين ، ومن مصاديق التعاون ، ما رواه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال : « من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السماوات : الفردوس ، وجنة عدن ، وطوبى »[2]. وروى عنه (صلى الله عليه وآله) قوله : « من كسا أحداً من فقراء المسلمين ثوباً من عري أو أعانه بشيء ممّا يقوته من معيشته ، وكّل الله عزّوجلّ به سبعين ألف ملك من الملائكة يستغفرون لكل ذنب عمله الى أن ينفخ في الصور »[3]. ونهى (عليه السلام) عن وضع حجاب بين المسلم والمسلم. عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله ، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج اليه ؟. قال (عليه السلام) : « يا أبا حمزة أ يّما مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله، فاستأذن له ولم يخرج اليه ; لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا ». فقلت : جعلت فداك في لعنة الله حتّى يلتقيا ؟ قال : نعم يا أبا حمزة[4]. ونهى (عليه السلام) عن تتبع عورات المسلمين ، وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : « يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان الى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته »[5]. وروى عنه (صلى الله عليه وآله) قوله : « ليس منّا من ماكر مسلماً »[6]. ودعا الإمام (عليه السلام) الى حسن التعامل والصبر على الأذى وعدم مقابلة الاساءة بالاساءة ، والظلم بالظلم ، والقطيعة بالقطيعة ، فدعا الى العفو فقال : «الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة»[7]. وقال (عليه السلام) : « ثلاث لا يزيد الله بهنّ المرء المسلم إلاّ عزّاً : الصفح عمّن ظلمه ، واعطاء من حرمه ، والصلة لمن قطعه »[8]. وحبّب (عليه السلام) طلب مرضات الناس وسائر المسلمين ، بالتقرب اليهم بحسن المعاملة وحسن السيرة ، ويجب أن لا تكون مرضاة الناس مسخطة لله تعالى ، فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : «من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذامّاً ، ومن آثر طاعة الله بغضب الناس كفاه الله عداوة كل عدّو ، وحسد كل حاسد ، وبغي كل باغ ، وكان الله عزّوجلّ له ناصراً وظهيراً »[9]. وفي الوقت الذي شجّع فيه على إقامة العلاقات مع سائر المسلمين وسائر الناس حذّر من مصاحبة أصناف منهم ، فقد روى عن أبيه الإمام زين العابدين (عليه السلام) وصيته له : « يا بنيّ انظر خمسة فلا تصاحبهم ، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. إياك ومصاحبة الكذّاب فإنه بمنزلة السّراب يقرب لك البعيد ، ويباعد لك القريب. واياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقلّ من ذلك . وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله . وإياك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك »[10]. ونهى (عليه السلام) عن الخصومة، ودعاالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ليكون المؤمن في وسط الميدان الاجتماعي ويكون قدوة لغيره بعمله واخلاصه لله ، وحسن سيرته. قال(عليه السلام) : « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . . . المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم ، والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله ، أو يدفعه دفعة تعنته »[11]. ودعا الى المجاملة حفاظاً على الافق العام من العلاقات فقال : « خالطوهم بالبرّانية وخالفوهم بالجوّانية ان كانت الامرة صبيانية »[12]. |
[1] المصدر السابق : 2 / 382 . [2] الكافي : 2 / 201 . [3] الكافي : 2 / 502 . [4] المصدر السابق : 2 / 365 . [5] المصدر السابق : 2 / 354 . [6] وسائل الشيعة : 12 / 242 . [7] المصدر السابق : 12 / 170 . [8] وسائل الشيعة : 12 / 173 . [9] الكافي : 2 / 372 . [10] المصدر السابق : 2 / 376 . [11] الكافي : 2 / 234 . [12] المصدر السابق : 2 / 220 . |