عاشراً : الإمام الباقر (عليه السلام) ومستقبل الجماعة الصالحة من أهم مقومات نجاح مسيرة الجماعات وجود قيادة تقوم بالاشراف على حركتها التكاملية ، وتتبنى التغيير الشامل ، وتقوم بتنسيق البرامج والخطط ، وتشرف على تنفيذها في الواقع ، وتمدّها بالقوة الروحية والشحنة المعنوية للوصول الى اهدافها وآمالها، والقيادة في منهج أهل البيت (عليهم السلام) هي قيادة ربّانية نصّ عليها الله تعالى وأبلغها لرسوله (صلى الله عليه وآله) وأبلغها رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) وتتدرج الوصية من إمام الى إمام حتى تصل الى خاتم الأوصياء والائمة (عليهم السلام). وقد أولى الإمام الباقر (عليه السلام) الإمامة من بعده أهمية خاصة ووجّه أنظار أصحابه اليها ، في شروطها وخصائصها ، وفي تشخيصها في الواقع ، فأعلن عنها تارةً إعلاناً جلياً وآخر خفياً ، ابتداءاً من أول مراحل إمامته ، حتى أواخر أيامه الشريفة ، وكان يستثمر الفرص المناسبة للاشارة اليها وتأكيد الاقتداء بها. وكان الاعلان عن إمامة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مصحوباً بالسريّة ، وفي نطاق محدود لم يخبر بها إلاّ أصحابه المخلصين المقرّبين له ، حفاظاً على سلامة الإمام من بعده . روي عن محمد بن مسلم أنّه قال : كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، إذ دخل جعفر ابنه وعلى رأسه ذؤابة ، وفي يده عصا يلعب بها ، فأخذه وضمّه اليه ضماً ، ثم قال : بأبي أنت واُمي لا تلهو ولا تلعب. ثم قال : « يا محمد هذا إمامك بعدي ، فاقتد به ، واقتبس من علمه ، والله انه لهو الصادق الذي وصفه لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) . . . »[1]. وعن همام بن نافع قال : قال أبو جعفر لأصحابه يوماً : « إذا افتقدتموني فاقتدوا بهذا فإنه الإمام بعدي » ، وأشار الى ابنه جعفر (عليه السلام)[2]. وسئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن القائم فضرب بيده على أبي عبدالله جعفر ابن محمد (عليه السلام)[3]. وعن فضيل بن يسار ، قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فأقبل أبو عبدالله (عليه السلام) فقال : « هذا خير البريّة بعدي »[4]. وعن عبد الغفار بن القاسم ـ في حديث طويل ـ جاء فيه قوله للإمام الباقر (عليه السلام) : «انّي قد كبرت سنّي ودق عظمي ولا أرى فيكم ما أسره، أراكم مقتّلين مشردين خائفين ، وإني أقمت على قائمكم منذ حين أقول : يخرج اليوم أو غداً . فقال له ـ الإمام الباقر (عليه السلام) ـ : « يا عبد الغفار انّ قائمنا (عليه السلام) هو السابع من ولدي ، وليس هو أوان ظهوره ، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): انّ الائمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل ، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم ، يخرج في آخر الزمان فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » . قلت : فإن كان هذا كائن يا ابن رسول الله ، فإلى من بعدك ؟. قال(عليه السلام) : الى جعفر وهو سيد أولادي وأبو الائمة ، صادق في قوله وفعله[5]. وعن أبي الصباح الكناني ، قال : نظر أبو جعفر الى أبي عبدالله يمشي ، فقال : ترى هذا ؟ . هذا من الذين قال الله تعالى : ( ونريد أن نمنَّ على الذّين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )[6][7]. وعن زرارة قال : انّ أبا جعفر (عليه السلام) أحضر أبا عبدالله (عليه السلام) وهو صحيح لا علّة به ، فقال له : اني اُريد أن آمرك بأمر ، فقال له : مرني بما شئت ، فقال: ايتني بصحيفة ودواة ، فأتاه بها ، فكتب له وصيته الظاهرة ، ثم أمر أن يدعو له جماعة من قريش ، فدعاهم وأشهدهم على وصيته اليه[8]. فهذا الاعلان أمر طبيعي لأنه وصية ظاهرة مألوفة عادةً وهي أن يوصي الموصي الى أحد أبنائه وخصوصاً الأكبر منهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أ نّه قال: إنّ أبي استودعني ما هناك ، وذلك أنّه لما حضرته الوفاة قال : « ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة ، منهم : نافع مولى عبدالله بن عمر ، فقال: اكتب : هذا ما أوصى به يعقوب بنيه ، يا بني إنّ الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنَّ إلاّ وأنتم مسلمون وأوصى محمد بن عليّ ابنه جعفر وأمره أنْ يكفّنه في بردته ـ التي كان فيها يصليّ الجمعة ـ وقميصه وأن يعمّمه بعمامته وان يرفع قبره مقدار أربع أصابع ، وأن يحلّ أطماره عند دفنه . ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله . فقلت : يا أبت ما كان في هذا حتى يشهد عليه ؟ قال : يا بني كرهت أن تغلب ، وأن يقال : لم يوص ، فأردت أن يكون ذلك الحجّة »[9]. وأدخل الإمام الباقر (عليه السلام) الأمل في قلوب أصحابه وأتباعه وجميع افراد الجماعة الصالحة فأخبرهم بقرب زوال حكم بني اُمية[10]. وبالفعل بعد استشهاد الإمام (عليه السلام) بثمانية عشر عاماً سقطت الدولة الاُموية وانتهى حكم الاُمويين على يد بني العباس . وكان الإمام الصادق (عليه السلام) هو القائم بالأمر من بعده ، وكما وصفه المستشار عبد الحليم الجندي : الإمام جعفر الصادق نتاج قرن كامل من العظائم يحني لها الوجود البشري هاماته ويدين بحضارته . . .[11]. وقال أيضاً : شجرة باسقة تترعرع في كل ورقة من أوراقها خصيصة من خصائص أهل البيت في عصر جديد للعلم ، تعاونت فيه أجيال ثلاثة متتابعة منه ومن أبيه وجده[12]. |
[1] كفاية الأثر : 253 . [2] المصدر السابق : 254 . [3] اثبات الوصيّة : 152 . [4] المصدر السابق : 155 . [5] كفاية الاثر : 252 . [6] القصص (28) : 5 . [7] الكافي : 1 / 306 . [8] اثبات الوصيّة : 155 . [9] الفصول المهمة : 222 . وفي الكافي : 1/307 أن تكون لك الحجة. [10] مناقب آل ابي طالب : 4 / 203 ، الصواعق المحرقة : 307 . [11] الإمام جعفر الصادق : 4 . [12] المصدر السابق : 63 . |