ليْلَةُ عاشُورَاءْ

 
 

الصفحة 50

العباس يخطب في بني هاشم ويحرِّضهم على القتال قبل الانصار

فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلاّ من الحسين ( عليه السلام ) مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي ( صلى الله عليه وآله ).

ثم قال في آخر خطبته : يا إخوتي وبني إخوتي وبني عمومتي إذا كان الصباح فما تقولون ؟

فقالوا : الامر إليك يرجع ونحن لا نتعدى لك قولك.

فقال العبّاس ( عليه السلام ) : إن هؤلاء ، أعني الاصحاب قوم غرباء ، والحمل الثقيل لا يقوم إلاّ بأهله ، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم للموت ، لئلا يقول الناس قدّموا أصحابهم فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة ، فقامت بنو هاشم وسلّوا سيوفهم في وجه أخي العباس ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه !

قالت زينب ( عليها السلام ) : فلما رأيت كثرة اجتماعهم وشدّة عزمهم وإظهار شيمتهم سكن قلبي وفرحت ولكن خنقتني العبرة.

حبيب يحاور الانصار ويحرّضهم على القتال قبل بني هاشم

فأردت أن أرجع إلى أخي الحسين ( عليه السلام ) وأخبره بذلك فسمعت من خيمة

الصفحة 51

حبيب بن مظاهر همهمة ودمدمة ، فمضيت إليها ووقفت بظهرها ونظرت فيها فوجدت الاصحاب على نحو بني هاشم مجتمعين كالحلقة وبينهم حبيب بن مظاهر وهو يقول : يا أصحابي لِمَ جئتم إلى هذا المكان ، أوضحوا كلامكم رحمكم الله فقالوا : أتينا لننصر غريب فاطمة ( عليها السلام )!

فقال لهم : لم طلقتم حلائلكم ؟ فقالوا : لذلك !

قال حبيب : فإذا كان في الصباح فما أنتم قائلون ؟

فقالوا : الرأي رأيك ولا نتعدى قولاً لك.

قال : فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم للقتال ولا نرى هاشمياً مضرجاً بدمه وفينا عرق يضرب ، لئلا يقول الناس : قدَّموا ساداتهم للقتال وبخلوا عليهم بأنفسهم.

فهزَّوا سيوفهم ( في ) وجهه ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه.

زينب تتعجب من موقف بني هاشم والانصار

قالت زينب : ففرحتُ من ثباتهم ولكن خنقتني العبرة فانصرفت عنهم وأنا باكية ، وإذا بأخي الحسين ( عليه السلام ) قد عارضني فسكنت نفسي وتبسمت في وجهه ، فقال : أُخيّة. فقلت : لبيك يا أخي. فقال ( عليه السلام ) : يا أختاه منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة أخبريني ما سبب تبسمك ؟

فقلت له : يا أخي رأيت من فعل بني هاشم والاصحاب كذا وكذا !!

الصفحة 52

فقال لي : يا أُختاه إعلمي أن هؤلاء أصحابي (1) من عالم الذرّ وبهم وعدني جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هل تحبين أن تنظري إلى ثبات إقدامِهم ؟

فقلت : نعم. فقال ( عليه السلام ) : عليك بظهر الخيمة.

الامام الحسين ( عليه السلام ) يخطب في أصحابه

ويكشف لهم عن أبصارهم

قالت زينب : فوقفت على ظهر الخيمة ، فنادى أخي الحسين ( عليه السلام ) : أين إخواني وبنو أعمامي ! فقامت بنو هاشم وتسابق منهم العباس وقال : لبيك لبيك ما تقول ؟

فقال الحسين ( عليه السلام ) : أُريد أن أُجدد لكم عهداً ، فأتى أولاد الحسين وأولاد الحسن وأولاد علي وأولاد جعفر وأولاد عقيل ، فأمرهم بالجلوس فجلسوا.

____________

(1) قد جاء في الاحاديث الشريفة إن أصحاب الحسين ( عليه السلام ) معروفون بأسمائهم من قبل واقعة الطف ، روى ابن شهراشوب قال : عُنّف ابن عباس على تركه الحسين ( عليه السلام ) فقال إن أصحاب الحسين ( عليه السلام ) لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم ، وقال محمد بن الحنفية وإن أصحابه ( عليه السلام ) عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. راجع : مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب : ج4 ، ص53 ، بحار الانوار : ج44 ، ص185.
وروى بن قولويه ـ عليه الرحمة ـ قال : حدثني الحسن عن أبيه عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن يعقوب بن شعيب عن حسين بن أبي العلاء قال : والذي رفع اليه العرش لقد حدثني أبوك بأصحاب الحسين ( عليه السلام ) لا ينقصون رجلاً ولا يزيدون رجلاً ، تعتدي بهم هذه الاُمّة كما اعتدت بنو إسرائيل يوم السبت.. الخ ، كامل الزيارات لابن قولويه : ص73 ، وعنه بحار الانوار : ج45 ، ص 87.

الصفحة 53

ثم نادى : أين حبيب بن مظاهر ، أين زهير ، أين هلال ، أين الاصحاب ، فأقبلوا وتسابق منهم حبيب بن مظاهر. وقال : لبيك يا أبا عبدالله ، فأتوا إليه وسيوفهم بأيديهم ، فأمرهم بالجلوس فجلسوا فخطب فيهم خطبة بليغة.

ثم قال : يا أصحابي ، اعلموا أن هؤلاء القوم ليس لهم قصد سوى قتلي وقتل من هو معي ، وأنا أخاف عليكم من القتل ، فأنتم في حلٍّ من بيعتي ومن أحب منكم الانصراف فلينصرف في سواد هذا الليل.

فعند ذلك قامت بنو هاشم وتكلّموا بما تكلموا ، وقام الاصحاب وأخذوا يتكلمون بمثل كلامهم فلما رأى الحسين ( عليه السلام ) حُسن إقدامهم وثبات أقدامِهم ، قال ( عليه السلام ) : إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى منازلكم في الجنة ، فكشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها ، والحور العين ينادين العجل العجل فإنا مشتاقات إليكم !

فقاموا بأجمعهم وسلوا سيوفهم ، وقالوا : يا أبا عبدالله أتأذن لنا أن نغير على القوم ونقاتلهم حتى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء.

فقال ( عليه السلام ) : اجلسوا رحمكم الله وجزاكم الله خيراً.

الامام الحسين عليه السلام يأذن لنساء الأنصار بالانصراف لئلا

تُسبى ومحاورة علي بن مظاهر مع زوجته

ثم قال : ومن كان في رحله امرأة فلينصرف بها إلى بني أسد ، فقام علي بن مظاهر وقال : ولماذا يا سيدي ؟!

الصفحة 54

فقال ( عليه السلام ) : إن نسائي تُسبى بعد قتلي وأخاف على نسائكم من السبي ، فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته فقامت زوجته إجلالاً له فاستقبلته وتبسمت في وجهه. فقال لها : دعيني والتبسّم !!

فقالت : يا ابن مظاهر إني سمعت غريب فاطمة ( عليهما السلام ) خطب فيكم وسمعت في آخرها همهمة ودمدمةً فما علمت ما يقول ؟

قال : يا هذه إن الحسين ( عليه السلام ) قال لنا : ألا ومن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلى بني عمها لاني غداً اُقتل ونسائي تُسبى.

فقالت : وما أنت صانع ؟ قال : قومي حتى أُلحقكِ ببني عمك بني أسد ، فقامت ونطحت رأسها في عمود الخيمة وقالت : والله ما أنصفتني يا بن مظاهر أيسرك أن تُسبى بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا آمنة من السبي ؟ أيسرك أن تُسلب زينب إزارها من رأسها وأنا أتستر بإزاري ؟ أيسرك أن تذهب من بنات الزهراء أقراطها وأنا أتزين بقرطي ؟ أيسرك أن يبيض وجهك عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويسودّ وجهي عند فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.

فرجع علي بن مظاهر إلى الحسين ( عليه السلام ) وهو يبكي ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : ما يبكيك ؟ فقال : سيدي أبتْ الاسدية إلاّ مواساتكم ، فبكى الحسين ( عليه السلام ) وقال : جُزيتم منّا خيراً (1).

قال الشاعر :

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم      وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا

____________

(1) معالي السبطين للحائري : ج1 ، ص340 ـ 342.

الصفحة 55

حماة حموا خــدرا أبي الله هتكـه      فعظّمه شأنــاً وشرّفــهُ قــدرا

فأصبح نهبــاً للمغاويــر بعدهم      ومنه بنات المصطفى أُبرزت حسرى

وقال آخر :

السابقون إلى المكـارم والعلـى      والحائـزون غداً حياض الكـوثـر

لو لا صوارمهم ووقع نبالهـم      لم تسمـع الاذان صوتَ مكبـر(1)

الاعداء يطوفون حول خيام الحسين ( عليه السلام )

هذا وقد أمر عمر بن سعد حرساً بقيادة عزَرَةَ بن قيس الاحمسي بحراسة الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ، فاخذوا يطوفون حول البيوت والفسطاط خوفاً من أن يفوت الحسين ( عليه السلام ) من قبضتهم ، أو يلتحق بمعسكره أحدٌ من الناس (2)

الامام الحسين ( عليه السلام ) يأمر أصحابه

بحفر الخندق وتنظيم الخيم

قال الراوي : وكان الحسين ( عليه السلام ) أتى بقصب وحطب إلى مكان مِنْ ورائهم مُنخفض ، كأنَه ساقية فَحفروه ، في ساعة مِنْ الليلِ فَجعلُوه كَالخَندَقِ ، ثمْ ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وَقالوا : إذا عَدوا علينا فقاتلُونا ألقينا فيه النار كيلا نُؤتى مِنْ

____________

(1) نفثة المصدور للقمي : ص 629.
(2) الحسين وأصحابه للقزويني : ج1 ،ص255 ،حياة الامام الحسين للقرشي : ج3 ، ص178.

الصفحة 56

وَرائنا وَقاتلونا القومُ مِنْ وَجه واحد ، ففعلوا وكانَ لهم نافعاً (1).

وقال الدينوري : وأمر الحسين ( عليه السلام ) أصحابه أن يضمّوا مضاربهم بعضهم من بعض ، ويكونوا أمام البيوت ، وأن يحفروا من وراء البيوت أخدُوداً ، وأن يضرموا فيه حطباً وقصباً كثيراً ، لئلا يُأتوا من أدبار البيوت فيدخلوها (2).

وجاء في البداية والنهاية : وجعلوا البيوت بما فيها من الحرم وراء ظهورهم ، وقد أمر الحسين ( عليه السلام ) من الليل فحفروا وراء بيوتهم خندقاً ، وقذفوا فيه حطباً وخشباً وقصباً ، ثم أُضرمت فيه النار لئلا يَخلص أحد إلى بيوتهم من ورائها (3)

وفي الارشاد ، إن الحسين ( عليه السلام ) خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يُقرّب بعضُهم بيوتَهم من بعض ، وأن يُدخلوا الاطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم (4).

الحكمة من ضم الخيم والمضارب

وقيل إنّه عمل ذلك لعلمه ـ صلوات الله عليه ـ بما كان يضمرُه عمر بن سعد مع رؤساءِ عسكره ليلةَ العاشر ، فقد اتفقت آراؤُهم على أن يهجموا دفعةً واحدةً

____________

(1) تاريخ الطبري : ج 4 ، ص320.
(2) الاخبار الطوال للدينوري : ص 256.
(3) البداية والنهاية لابن كثير : ج4 ، ص178.
(4) الارشاد للمفيد : ص232 ، إعلام الورى للطبرسي : ص240.

الصفحة 57

على الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه على المخيم ، فيقتلون الرجال ويسبون النساء في ساعة واحدة ، ولذا قال الشيخ المفيد ـ عليه الرحمة ـ : وأقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين ( عليه السلام ) فيرون الخندق في ظهورهم ، والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان اُلقيَ فيه (1) ، ولم يكن لهم طريق إلا من وجه واحد ، فغضبوا بأجمعهم (2).

ويؤيد هذا ماجاء في الانساب : واقتتلوا نصف النهار أشد قتال وأبرحه ، وجعلوا لا يقدرون على إتيانهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقاربها ، ولمكان النار التي أوقدوها خلفهم ، وأمر عمر بتخريق أبنيتهم وبيوتهم فأخذوا يُخرّقونها برماحهم وسيوفهم (3).

وماجاء في الكامل أيضاً : فلمّا رأى ذلك عمر أرسل رجالاً يُقوّضونها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم ، فكان النفر من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) الثلاثة والاربعة يتخلّلون البيوت ، فيقتلون الرجل وهو يُقوّض وينهب ويرمونه من قريب أو يعقرونه ، فأمر بها عمر بن سعد فأحرقت.

فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) دعوهم فليحرقوها فأنّهم إذا حرقوها لا يستطيعون أن يجوزوا إليكم منها فكان كذلك (4).

وقد جاء في بعض الكتب أن بيوتَهم وخيمهم وفساطيطهم كانت مائة

____________

(1) الارشاد للمفيد : ص233.
(2) معالي السبطين للحائري : ص347 ( بتصرف ).
(3) أنساب الاشراف للبلاذري : ج3 ، ص194.
(4) الكامل في التاريخ لابن الاثير : ج4 ، ص69.

الصفحة 58

وسبعين ، السبعون للحسين ( عليه السلام ) وسائر بني هاشم ، والمائة للانصار والاصحاب (1) والله أعلم بحقائق الامور.

الامام الحسين ( عليه السلام ) يرى جدّه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في السَّحَر

روي إن الحسين ( عليه السلام ) لمّا كانَ وَقتُ السَّحَر خَفقَ برأسهِ خفقةً ثُمَّ استيقظَ فقال : أتعلمونَ ما رأيتُ في منامي السّاعةَ ؟ فقالوا : وَما الذي رأيتَ يا بنَ رسولِ الله ؟

فقال : رأيتُ كأنّ كلاباً قد شدَّت عَليَّ لتنهَشني (2) وَفيها كَلبٌ أبقع رأيتُهُ أشدَّها عَليَّ وَأظنُّ أنّ الذي يَتولّى قَتلي رجلٌ أبرص (3) مِن بين هؤلاءِ القومِ ، ثم إنّي رأيتُ بعدَ ذلك جَدي رسول اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَمعَهُ جماعةٌ مِنْ أصحابِه وهو يقولُ لي : يَا بُنَّي أنت شهيدُ آلِ محمّد ، وَقد استبشرَ بكَ أهلُ السماوات وأهل الصفيحِ (4) الاعلى فليكن إفطارُكَ عندي الليلة عَجِّل وَلا تُؤخر!فَهذا مَلكٌ قد نزلَ مِنَ السماءِ ليأخذَ دَمَكَ في قارورة خضراء ، فهذا ما رأيتُ وَقد أزف الامرُ ، واقترَبَ الرحيّلُ مَنْ هَذه الدنيا لا شَكّ في ذلك (5).

____________

(1) الامام الحسين وأصحابه للقزويني : ج1 ، ص258.
(2) وفي الفتوح : تُناشبني.
(3) وفي الفتوح : رجل أبقع وأبرص.
(4) الصفيح أو الصَّفْح : من أسماء السماء ، ومنه ملائكة الصَفْح الاعلى ، أي ملائكة السماء العليا. مجمع البحرين للطريحي : ج2 ، ص386.
(5) بحار الانوار : ج45 ، ص3 ، العوالم : ج17 ، ص247 ، الفتوح لابن الاعثم : ج5 ، ص111 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج1 ص251.

الصفحة 59

الاعداء يسمعون تلاوة الحسين ( عليه السلام )

وكلام برير (1) معهم

روى الضحاك (1) بن عبدالله المشرقي قال : فلّما أمسى حسينٌ ( عليه السلام ) وأصحابُه

____________

(1) هو : بُرير بن خُضير الهمداني المشرقي ، وبنو مشرق بطن من همدان ، كان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن من شيوخ القراء ، ومن أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين ، وهو القائل للحسين ( عليه السلام ) لما خطب في أصحابه في الخطبة التي يقول فيها : أما بعد فإن الدنيا تغيّرت...الخ. ثم قام برير فقال : والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، تقطع فيك أعضاؤنا حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعاً لنا ، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم ، وويلٌ لهم ماذا يلقون به الله ، وأُف لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم ، قُتل بين يدي الحسين ( عليه السلام ) وأبلى بلاءً حسناً.
راجع : إبصار العين للسماوي : ص70 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 76 ـ 77.
(2) هو : الضحّاك بن عبدالله المشرقي ، كان قد أعطى الحسين (عليه السلام) عهداً أن يقاتل معه ما كان قتاله معه نافعاً ، فإذا لم يجد مقاتلاً معه كان في حل من الانصراف ، قال الضحاك : لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا وقد خَلُص إليه وإلى أهل بيته ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي قلت له : يا ابن رسول الله قد علمت ما كان بيني وبينك ، قلت لك : أقاتل عنك ما رأيتُ مقاتلاً فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حلٍّ من الانصراف ، فقلت لي نعم ، فقال : صدقت وكيف لك بالنجاء إن قدرت على ذلك فأنت في حلٍّ ، قال : فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تُعقر أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطاً لاصحابنا بين البيوت ، وأقبلت اُقاتل معهم راجلاً فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد آخر ، وقال لي الحسين يومئذ مراراً : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيك ( صلى الله عليه وآله ) فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط …الخ.
راجع : تاريخ الطبري : ج 4 ، ص 339 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 64.

الصفحة 60

قاموا الليلَ كلَّه يُصلونَ ويستغفرون ويَدعونَ ويتضرعون ، قال : فتمرُ بنا خيلٌ لَهم تَحرِسُنا ، وإنّ حسيناً ( عليه السلام ) لَيقرأ : ( ولا يَحسبنَّ الذين كَفرُوا أنّما نُملي لهم خَيراً لانفُسِهم إنما نُملي لهُم ليِزدادُوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين ، ما كان الله ليذرَ المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يَميزَ الخبيثَ مِنَ الطيّب ) (1).

فسمِعَها رَجلٌ مِنْ تلكَ الخيلِ التي كانت تحرسُنا ، فقال : نَحنُ وَربِّ الكعبةِ الطيبونَ مُيزنا منِكُمْ ، قال : فَعرفتُه ، فقلتُ لبِرُير بنِ خُضَير : تدري من هذا ؟ قال : لا ، قلتُ : هذا أبو حَرْب السبيعي عبدالله بن شهر وكان مضحاكاً بطلاً ، وكانَ شريفاً شجاعاً فاتكاً ، وكان سعيدٌ بن قيس ربَّما حَبسُه في جناية ، فقال له بُريرُ بنُ خضير : يا فاسق أنت يَجعلكَ اللهُ في الطيبينَ ، فقال له : من أنت ؟

قال : أنا بريرُ بنِ خضير ، قال : إنّا لله ، عزّ عليَّ هلكتَ والله هَلكت والله يا بريرُ ، قال : يا أبا حرب هل لك أن تتوب إلى اللهِ من ذنوبك العظام ، فوالله إنا لنحنُ الطيبونَ ولكنَّكُمْ لانتُم الخبيثونَ ، قال : وأنا على ذلك من الشاهدين ، قلتُ : ويحك أفلا ينفعُكَ معرِفتُكَ ، قال : جُعلتُ فِداكَ فمَن يُنادمُ يزيدُ بنِ عذرة الغفري من عنز بنِ وائل ، قال : ها هو ذا معي ، قال : قَبّحَ اللهُ رأيَك على كلِ حال أنت سفيه ، قال : ثم انصرفَ عنا ، وكانَ الذي يحرسُنا بالليلِ في الخيلِ عَزْرةُ بنِ قيس الاحمسي وكانَ على الخيل (2).

وقد رويت هذه الحادثة بصورة اُخرى كما عن ابن الاعثم الكوفي

____________

(1) سورة آل عمران الاية : 178 ـ 179.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص419 ـ 420 ، البداية والنهاية لابن كثير : ج4 ، ص177 ـ 178 ، الارشاد للمفيد : ص232 ـ 233 ، بحار الانوار : ج45 ، ص3 ـ 4.

الصفحة 61

والخوارزمي ، قالا : وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف اليل يتجسس ومعه جماعة من أصحابه حتي قارب معسكر الحسين ( عليه السلام ) فسمعه يتلو قوله تعالي : ( ولا يَحسبنَّ الذين كفرُوا أنما نُملي لهُم خيرٌ لانفُسهم إنَّما نُملي لهُم ليِزدادُوا إثماً ولهُم عذابٌ مُهين ، ماكان اللهُ ليذرَ المؤمنينَ على ما أنتُم عليه حتى يَميزَ الخبيثَ مِنَ الطَّيبَ ) (1) الاية.

فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن وربّ الكعبة الطيبون ، وأنتم الخبيثون وقد مُيزّنا منكم ، فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ، ثم نادى : يا فاسق ، يا فاجر! يا عدوا الله ، يابن البوال على عقبيه ، أمثلُك يكون من الطيبين !؟ والحسين ابن رسول الله من الخبيثين ، والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر ،فابشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم ، فصاح شمر : إن الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب.

فقال برير أبالموت تخوفني ؟! والله إن الموت مع ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحب اليَّ من الحياة معكم ، والله لا نالت شفاعةُ محمد ( صلى الله عليه وآله ) قوماً أراقوا دماء ذريته وأهل بيته !

فجاء إليه رجل من أصحابه وقال : يا برير إن أبا عبدالله يقول لك : ارجع إلى موضعك ولا تُخاطب القوم ، فلعمري لئِن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، فلقد نصحت وأبلغت في النصح والدعاء (2).

____________

(1) سوره آل عمران : الايه 178 ـ 179.
(2) الفتوح لابن الاعثم الكوفي :ج5 ،ص110 ـ 111 ،مقتل الحسين للخوارزمي :ج1 ،ص251.

الصفحة 62

عبادة الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه

وَبات الحسينُ ( عليه السلام ) وأصحابُه ـ ليلةَ عاشوراء ـ وَلهم دويٌّ كَدويِّ النحلِ ، مَا بَينَ راكع وساجد ، وقائم وقاعد ، فَعبرَ عليهم مِنْ عسكرِ عُمر بنِ سَعد اثنانِ وَثلاثونَ رَجلاً ، وَكذا كانت سجيةُ الحسينِ ( عليه السلام ) في كَثرةِ صَلاتِه وَكمالِ صِفاته (1).

فكان صلوات الله عليه كما وصفه ابنه إمامنا المهدي ( عليه السلام ) : كنت للرسول ولداً ، وللقرآن سنداً ، وللاُمة عضُداً ، وفي الطاعة مجتهداً ، حافضاً للعهد والميثاق ، ناكباً عن سبيل الفُسّاق ، تتأوّه تأوّه المجهود ، طويلَ الرّكوعِ والسّجود ، زاهداً في الدنيا زهدَ الرَّاحل عنها ، ناظراً إليها بعين المستوحشين منها (2).

وقيل للامام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : ما أقلَّ ولد أبيك ؟

فقال ( عليه السلام ) : العجب كيف ولدت له ، وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء !! وحجّ خمسة وعشرين حجة راجلاً (3).

وروي عن الامام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : أنّه في الليلة التي قُتل أبوه في غدها ، قال ( عليه السلام ) :إن أباه قام الليل كلَّه يصلّي ، ويستغفر الله ويدعو ويتضرع ، وقام أصحابه كذلك يدعون ويصلّون ويستغفرون (4).

____________

(1) اللهوف لابن طاووس : ص41.
(2) بحار الانوار : ج 98 ، ص 239 ، نفس المهموم للقمي : ص 233.
(3) العقد الفريد للاندلسي : ج3 ، ص169 ، و ج4 ، ص384 ، دار الكتاب العربي و ج3 ، ص114 ـ 115 ، و ج5 ، ص133 نشر دار الكتب العلمية ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ،ص247.
(4) إعلام الوري : ص240 ، الارشاد للمفيد : ص232 ، بحار الانوار : ج45 ، ص3.

الصفحة 63

وقيل : أنه ما نام في هذه الليلة الحسين ( عليه السلام ) ولا أحد من أصحابه وأعوانه إلى الصبح ، وكذلك النسوة والصبيان وأهل البيت كلّهم يدعون ، ويوادعون بعضهم بعضاً (1).

قال السيد الامين ـ عليه الرحمة ـ :

باتــوا وبات إمامهم ما بينهم     ولهم دوي حولـه ونحيــب

من راكع أَو ساجد أو قـاريء     أو مَنْ يُناجي رَبَّهُ وَينيبُ (2).

وقال أيضاً ـ عليه الرحمة ـ :

باتَ الحسينُ وصَحبُه مِنْ حولهِ      وَلَـهم  دويُّ الـنحل لمّا iiباتوا
مـن رُكّع وَسطَ الظلامِ iiوسُجّد      لـلهِ مِـنهم تَـكثرُ الـدعواتُ
وتراءت الحورُالحسانُ iiوزُينت      لـقدومِهم  بـنعيمِها iiالـجنّاتُ
وَبدا  الصباحُ وَلم تنمْ عينٌ iiلَهمْ      كـلاّ  وَلا نَـابتْهُمُ iiغَفواتُ
(3)

عبادةُ أبي الفضل العباس ( عليه السلام )

وكان العباس ( عليه السلام ) في العبادة وكَثرة الصلاة والسجود بمرتبة عظيمة ، قال الصدوق ـ عليه الرحمه ـ في ثواب الاعمال : كان يُبصَرُ بين عينيه أثَر السجود (4) ،

____________

(1) الامام الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه للقزويني : ج 1 ، ص262.
(2) الدر النضيد للسيد الامين : ص 23.
(3) نفس المصدر : ص 73.
(4) ثواب الاعمال للصدوق : ص259.

الصفحة 64

لكن وأي عبادة أزكى وأفضل من نصرة ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحماية بنات الزهراء ، وسقي ذراري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).

قيل : إن أصحاب الحسين ( عليه السلام ) باتوا ليلة العاشر من المحرم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد ، لكن خُصص العباس ( عليه السلام ) من بينهم بحفظ بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ، كان راكباً جواده متقلداً سيفه آخذاً رمحه يطوف حول الخيم ، لانه آخر ليلة أراد أن يوفي ماكان عليه ويرفع الوحشة عن قلوب الهاشميات حتى يَجدنَ طيب الكرى ، وقد أحاطت بهن الاعداء !

وكانت عيون الفاطميات به قريرة ، وعيون الاعداء منه باكية ساهرة ، لانهم خائفون مرعوبون من أبي الفضل ( عليه السلام ) وما تنام أعينهم خوفاً من بأسه وسطوته ونكال وقعته ، وانقلب الامر ليلة الحادي عشر ، قرت عيون العسكر ، وبكت وسهرت عيون الفاطميات ، ولنعم ما قيل :

اليوم نامت أعينٌ بك لم تنمْ      وتسهدت أخرى فعزّ منامُنها (1)

وقال الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ :

وبنو هاشم نطــاقُ عيــون     مستدير على خيام النســاءِ

وأبو الفضل فارسُ الجمع ترنو      مقلتاهُ لمقلة الحــوراءِ (2)

ويقول السيد مدين الموسوي :

نامت عيونُ القوم أجمعُها     وعُيونهم مشبوحةُ النظـرِ

لله ترمقهُ ويـرمقُهـــا     كِبراً وهم يعلون في كبـرِ

____________

(1) معالي السبطين للحائري : ج 1 ، ص 443.
(2) ملحمة أهل البيت للفرطوسي : ج 3 ، ص 292.

الصفحة 65

عبادةُ العقيلة زينب ( عليها السلام )

كانت زينب ( عليها السلام ) في عبادتها ثانية أمّها الزهراء ( عليها السلام ) وكانت تقضي عامّة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن.

قال بعض ذوي الفضل : إنها ـ صلوات الله عليها ـ ما تركت تهجّدها لله تعالى طول دهرها ، حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.

قال : وروى عن زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس !

وعن الفاضل القائيني البيرجندي ، عن بعض المقاتل المعتبرة ، عن مولانا السجاد ( عليه السلام ) أنه قال : إن عمتي زينب ( عليها السلام ) مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية.

وعن الفاضل المذكور ، إن الحسين ( عليه السلام ) لمّا ودّع أخته زينب ( عليها السلام ) وداعه الاخير قال لها : يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل.

وفي مثير الاحزان (1) للعلامة الشيخ شريف الجواهري قدس سره : قالت فاطمة بنت الحسين ( عليهما السلام ) وأما عمتي زينب ( عليها السلام ) فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة أي العاشرة من المحرم في محرابها تستغيث إلى ربها ، فما هدأت لنا عين ، ولا سكنت لنا رنّة (2).

____________

(1) مثير الاحزان للجواهري : ص 56.
(2) زينب الكبرى للنقدي : ص 81 ـ 82.

الصفحة 66

يقول العلامة النقدي عليه الرحمة :

ربيبة  عصمة طُهّرت iiوطابت      وفاقت في الصّفات وفي الفعالِ
فـكانت كـالائمة فـي iiهُداها      وإنـقاذ الانـام مـن iiالضلالِ
وكـان  جهادُها بالقول iiأمضى      من البيض الصوارم iiوالنصالِ
وكـانت في المُصلّى إذ تُناجي      وتـدعو الله بـالدمع iiالـمُذالِ
مـلائكة  الـسماء على iiدُعاها      تُـؤمن  فـي خضوع وابتهالِ
روت عـن أمها الزهرا علوماً      بـها وصـلت إلى حدّ iiالكمالِ
مـقاماً  لـم تـكن تحتاج iiفيه      الـى  تـعليم عـلم أو iiسؤالِ
ونـالت  رتبة في الفخر iiعنها      تـأخرت  الاواخـر iiوالاوالي
فـلو لا أمـها الزهراء iiسادت      نـساءَ  العالمينَ بلا iiجدالِ
(1)

الامام الحسين ( عليه السلام ) يطلي بالنورة

وبرير يهازل عبدالرحمن

وروي عن أبي صالح الحنفيِّ عن غلام لعبدالرحمن بن عبدربه الانصاري (2) ،

____________

(1) زينب الكبري للنقدي : ص 173.
(2) هو : عبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري الخزرجي ، أحد الشخصيات البارزة ، وكان صحابياً ومن مخلصي أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو أحد الصحابة الذين شهدوا لامير المؤمنين بالولاية ، لما نشدهم في الرحبة بحديث الغدير : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وقيل إن أمير المؤمنين هو الذي علّم

الصفحة 67

قال : كنت مع مولاي فلما حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين ( عليه السلام ) أمر الحسين بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك (1) فميث (2) في جفنة (3) عظيمة أو صفحة ، قال : ثم دخل الحسين ( عليه السلام ) ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة ، قال : ومولاي عبدالرحمن بن عبدربه وبُرير بن خضير الهمداني على باب الفسطاط تحتكّ مناكبهما ، فازدحما أيهما يطّلي على أثره فجعل برير يهازل عبد الرحمن !

فقال له عبدالرحمن : دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل ! فقال له برير : والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلاّ أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم !

قال : فلما فرغ الحسين ( عليه السلام ) دخلنا فاطّلينا (4) (5).

____________

عبدالرحمن القرآن وربّاه ، وكان عبدالرحمن أحد الذين أخذوا البيعة للحسين ( عليه السلام ) في الكوفة ، وجاء مع الحسين فيمن جاء من مكة ، وقُتل عبدالرحمن في الحملة الاُولى.
راجع : إبصار العين : ص 93 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 97.
(1) روي عن يسار بن عبد الحكم قال : أنتُهب عسكر الحسين ( عليه السلام ) فوجد فيه طيب ، فما تطيبت به امرأة إلا برصت. العقد الفريد : ج4 ،ص 384 دار الكتاب العربي ، و ج5 ، ص133 ، دار الكتب العلمية.
(2) موث : ماث موثاً وموثاناً ، الشيء بالشيء خلطه به ، والشيء في الماء أذابه فيه ، المنجد : ص 779.
(3) الجَفْنَة : القصعة الكبيرة.
(4) قد اُختلف في وقوع هذه الحادثة ليلاً ، وقد رواها أبو مخنف في اليوم التاسع ، قال الفاضل القزويني : ويظهر من ابن نما أيضاً أن ذلك كان في غداة يوم عاشوراء ، وهو بعيد جداً ، وأبعد منه أن ذلك كان في ليلة تاسوعاء ، صرح بذلك في الناسخ ، وقد ذكر جملة من وقائع ليلة عاشوراء في ليلة تاسوعاء ، وهو اشتباه في اشتباه. والاكثر ـ على ما صرحوا به ـ أنه كان في ليلة عاشوراء وهو الاصح نقلاً واعتباراً. الامام الحسين وأصحابه للقزويني : ج1 ، ص259.

الصفحة 68

وجاء في البداية : فعدل الحسين ( عليه السلام ) إلى خيمة قد نُصبت فاغتسل فيها وانطلى بالنورة وتَطيّب بمسك كثير ، ودخلَ بعدَهُ بعضُ الامراء ففعلوا كما فعل ، فقال بعضهم لبعض : ما هذا في هذه الساعة ؟! فقال بعضهم : دعنا منك ، والله ما هذه بساعة باطل ! فقال يزيد بن حصين : والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لا قون ، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء القوم فيقتلوننا (1).

استبشار الأنصار بالشهادة

ولقد مزح حبيب ابن مظاهر الاسدي ، فقال له يزيد بن خضير الهمداني ، وكان يقال له سيد القرآء : ياأخي ليس هذه بساعة ضحك ! قال : فأيُّ موضع أحقُّ من هذا بالسرور ، والله ماهو إلا أن يميل علينا هذه الطُّغام بسيوفهم فنعانق الحور العين (2).

هكذا كان أصحاب الحسين ( عليه السلام ) مستأنسين بالمنيّة غير مكترثين بما يجري عليهم فقد روي أن نافع بن هلال البجلي ـ رضي الله تعالى عنه ـ قضى شَطرَ ليله في كتابة اسمه على سهام نبله ، إمعاناً في طلب المثوبة والاجر ، وإمعاناً في السخرية

____________

(1) البداية والنهاية لابن كثير : ج4 ، ص178.
(2) إختيار معرفت الرجال للطوسي : ج1 ، ص293 ، بحار الانوار : ج45 ، ص93.

الصفحة 69

من الخطر ، وإمعاناً في الترحيب بالموت (1).

وقد أجاد السيد مدين الموسوي إذ يقول :

ما هزهم عصفٌ ولا رعشت      أعـطافهم فـي داهم iiالخطرِ
يـتمايلون  وليس من iiطرب      ويـسامرون وليس من iiسمرِ
إلا  مع البيض التي iiرقصت      بـأكفهم  كـمطالع iiالـزهرِ
يـتلون سر الموت في iiسور      لـم يـتلها أحـد مع iiالسورِ
ويـرتّلون  الـجرح في وله      فـكأنه لـحنٌ عـلى iiوتـرِ
خـفّوا لداعي الموت iiيسبقهم      عـزمٌ تـحدى جانة iiالصخرِ
مُـذ بـان جنب الله iiمقعدهم      ورأوه  مـلَ الروح iiوالبصرِ

الامام الحسين ( عليه السلام ) يرسل ابنه عليّاً ( عليه السلام ) لسقاية الماء

روي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في الامالي : ثم إن الحسين ( عليه السلام ) أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق وأمر فحُشيت حطباً ، وأرسل علياً ابنه ( عليه السلام ) في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليستقوا الماء وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين ( عليه السلام ) يقول :

يـا دهـر اُفٍ لك من iiخليل      كم لك في الاشراق والاصيل
مـن طـالب وصاحب قتيل      والـدهرُ لا يـقنعُ iiبـالبديل
وإنـما الامـر إلـى iiالجليل      وكـلُ حـيّ سـالكٌ iiسبيلي

____________

(1) أبناء الرسول في كربلاء ، خالد محمد خالد : ص 119 ، الدوافع الذاتية لانصار الحسين ، محمد عابدين : ص 231.

الصفحة 70

ثم قال ( عليه السلام ) لاصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ، ثم صلّى بهم الفجر (1).

الاحداث بعد صلاة الفجر

قال بعض المؤرخين : إنه ( عليه السلام ) تيمّم هو وأصحابه للصلاة نظراً لعدم وجود الماء عندهم ، وقد أئتم به أهله وصحبه ، وقبل أن يتموا تعقيبهم دقت طبول الحرب من معسكر ابن زياد ، واتجهت فرقٌ من الجيش وهي مدججةٌ بالسلاح تنادي بالحرب أو النزول على حكم ابن مرجانة (2).

ولما أصبح الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح ، قام خطيباً فيهم حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله تعالى أذن في قتلكم ، وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال (3).

التعبئة للحرب وإشعال النار في الخندق

وعبأ ( عليه السلام ) أصحابه بعد صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة

____________

(1) أمالي الصدوق : ص133 ـ 134.
(2) حياة الامام الحسين للقرشي : ج3 ، ص179.
(3) كامل الزيارات لابن قولويه : ص73 ، إثبات الوصية للمسعودي : ص163 ، بحار الانوار : ج45 ص86.

الصفحة 71

أصحابه ، وأعطى رايته العباس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يُترك في خندق كان قد حُفر هناك ، وأن يُحرق بالنار مخافةَ أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم ، وهو يوم الجمعة ، وقيل يوم السبت ، فعبأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ( عليه السلام ) وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجالة شبث بن ربعي ، وأعطى الراية دُريداً مولاه.

دعاءُ الامام الحسين ( عليه السلام )

روي عن الامام علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) أنه قال : لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين ( عليه السلام ) رفع يديه وقال : أللهم أنت ثقتي في كل كرب ، وأنت رجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقةٌ وعدة ، كم مِنْ هم يضعف فيه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ، أنزلته بك وشكوته اليك ، رغبةً منيّ إليك ، عمّن سواك ففرجته عني وكشفته ، فأنت ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة.

الاعداء يجولون حول بيوت الحسين عليه السلام

قال : وأقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين ( عليه السلام ) فيرون الخندق في

الصفحة 72

ظهورهم ، والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان اُلقي فيه.

فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : ياحسين أتعجلت النار قبل يوم القيامة.

فقال الحسين ( عليه السلام ) مَنْ هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن !! فقالوا له : نعم .

فقال له : يابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا !

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين ( عليه السلام ) من ذلك.

فقال له : دعني حتى أرميه فإنه الفاسق من أعداء الله وعُظماء الجبارين وقد أمكن الله منه.

فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم (1).

وجاء في الامالي : عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له ، يقال له : ابن أبي جويرية المزني ، فلما نظر إلى النار تتّقد صَفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب الحسين ، أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا.

فقال الحسين ( عليه السلام ) : مَن الرجل ؟ فقيل : ابن أبي جويرية المزني.

فقال الحسين ( عليه السلام ) : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا ، فنفرَ به فرسُه فألقاه في تلك النار فاحترق.

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر ، يقال له : تميم بن الحصين الفزاري ، فنادى : يا حسين ويا أصحاب الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات ، والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعاً.

____________

(1) الارشاد للشيخ المفيد : ص 233 ـ 234 ، بحار الانوار : ج 45 ، ص 4 ـ 5 ،تاريخ الطبري : ص321 ـ 322.
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةأعلى