1 - الهويّةُ الشخصيّة .
2 - تواريخُ وأرقام.
3 - المظاهِرُ الخَلْقية.
4 - الخُلُقُ العظيم.
5 - الطهارةُ الإلهيّة.
6 - القوّةُ الغيبيّة.
7 - شؤون خاصّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص13
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الهويّة الشخصيّة
اسمه : الحُسَيْن :
[16] عن عليّ عليه السلام : لمّا وُلِدَ الحسنُ سمّاه حمزة ,
فلمّا وُلِدَ الحسينُ سمّاه بعمّه جعفر.
قال عليّ : فدعاني رسولُ الله صلّى الله عليه واَله وسلّم فقال
: إنّي اُمرتُ أن اُغيّر اسمَ ابنَيَّ هذين .
فقلت : اللهُ ورسولُه أعلم . فسمّاهما حسناً و حسيناً ( 1 ) .
وإذا كان عليٌّ يُحاول أنْ يُخَلّدَ باسمي ابنيه ذكر عمّه حمزة
، و أخيه جعفر ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور( 7/ 116)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص14
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتفاؤلاً أنْ يخلفاهما في النضال والهمّة والمجد ، فإنّ الوحيَ
الذي لا ينطقُ الرسولُ إلا عنه ، قد حكمَ لهما باسمين آَخرين ، وأمَرَ الوحيُ
الرسولَ الكريمَ أنْ يُبلّغَ هذا الحكمَ ، فلم يجدْ من عليٍّ غير التسليم لأمر
السماء .
والاسمان السماويّان هما : الحسن والحسين ، اسمان من أسماء أهل
الجنّة ، لم يكونا في الجاهلية ( 2 ) .
ويؤكّد الرسولُ على هذه التسمية فيُعْلِنُ عن أسباب اختيارها ،
في ما رواه سلمان ، قال [22] : قال رسول الله : سَمّى هارونُ ابنيه شَبَراً و
شُبَيْراً , وإنّي سَمَيتُ ابنَيَ الحسنَ والحُسَيْنَ بما سمّى به ابنيه : شَبَراً
، وشُبَيْراً .
إنّ الرسولَ إذْ يعلّلُ تسمية الحسن والحسين ، بما فعل هارونُ ،
يذكّر بما لاسم هارون من ربطٍ بشأن أبي الحسن والحسين ، وما جاء عن الرسول من حديث
المنزلة , حين أعلنَ فيه النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم يقول : عليُّ منّي
بمنزلة هارونَ من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيَ بعدي . الذي خرّجه بعض الحّفَاظ من (
500) طريق ، وعُدّ في المتواتر (3 ) .
فإذا كان عليّ بمنزلة هارون في الخلافة ، والوزارة، فليكن اسما
ابنيه كاسمي ابني هارون ، ليدلاّ على التنزيل منزلته في جميع الشؤون ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام (ص17 رقم22) .
(3) اُنظر الحديث بطرق ابن عساكر في تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام
عليّ عليه السلام الأحاديث المرقّمة (336 - 456) المجلّد الأول (ص306 - 394) وما
علّق عليه محقّقه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص15
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلا استثناء سوى النبوّة التي ختمت بالرسول صلّى الله عليه
واَله وسلّم .
كنيته : أبو عبد الله :
اتّفق على ذلك المؤرّخون والمحدّثون ، وما كنّي بغيرها( 4 ) .
ألقابه :
سبط رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم :
كذا ذكره ابن عساكر (5) وجاء في المأثور عن أئمّة أهل البيت
عليهم السلام تلقيب الإمام الحسين به ، وكذلك باللقب التالي (6) :
سيّد شباب أهل الجنّة :
وهذا اللقب مأخوذ من حديث رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم
لما قال في الحسين وفي أخيه الحسن : ... سيّدا شباب أهل الجنّة . وسيأتي في الفقرة
[11] .
ريحانة رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم :
كذا ذكره ابن عساكر( 7 ) وهو كذلك مأخوذ من حديث رسول الله صلّى
الله عليه واَله وسلّم حين قال فيه وفي أخيه الحسن : هما ريحانتاي من الدنيا ,
وسيأتي في الفقرة[11] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) لاحظ تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص22)
ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (7/117) .
(5) لاحظ تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص5)
ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور( 7 /115).
(6) تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، فصل الألقاب (ص130) .
(7) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص5) ومختصر
تاريخ دمشق ،لابن منظور( 7 /115).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص16
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبوه :
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلّب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصيّ ، القرشيّ ، الهاشميّ ، المطّلبيّ ، الطالبيّ ، عليه السلام .
أُمّه :
الزهراء فاطمة بنت رسول الله محمّد صلّى الله عليه واَله وسلّم
.
وأُمّها : خديجة بنت خويلد بن أسَد بن عبد العزّي بن قصيّ( 8 )
.
أمّا الهالةُ التي تكتنفُ الحسين عليه السلام من طرفي أُمّه
وأبيه ، وما لتلك العائلة الكريمة من الشرف في النسب والحسب فلنقرأ عنها الحديث :
[173] عن ربيعة السعدي ، قال : لمّا اختلف الناس في التفضيل ،
رحلتُ راحلتي ، وأخذتُ زادي حتّى دخلتُ المدينة ، فدخلتُ على حُذيفة بن اليمان ،
فقال لي : ممّن الرجلُ ? قلتُ : من أهل العراق .
فَقال : من أيّ العراق ? قلتُ : رجل من أهل الكوفة .
قال : مرحباً بكم ، يا أهل الكوفة .
قلتُ : اختلف الناسُ في التفضيل ، فجئتُ لأسألك عن ذلك ?
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص23) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص17
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال لي : على الخبير سَقَطْتَ ، أما إنّي لا أحدّثك إلاّ بما
سمعتْهُ أُذنايَ ووعاهُ قلبي وأبصرتْه عيناي : خرج علينا رسولُ الله صلّى الله عليه
واَله وسلّم - كأنّي أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة - حاملَ الحسين بن عليّ على
عاتقه - كأني أنظر إلى كفّه الطيّبة واضِعَها على قدمه يُلصقها بصدره - فقال : يا
أيّها الناسُ ، لأعرفنّ ما اختلفتم - يعني في الخيار - بعدي . هذا الحسينُ بن عليّ
: خير الناس جدّاً ، وخير الناس جدّةً : جدّه مُحمّدٌ رسول الله ، سيّد النبيّين .
وجدّته خَديجة بنت خويلد ، سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله . هذا
الحسينُ بن عليّ : خير الناس أباً ، وخير الناس أُمّاً :
أبوه : عليّ بن أبي طالب ، أخو رسول الله صلّى الله عليه واَله
وسلّم ووزيرُه ، وابن عمّه ، وسابق رجال العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله .
وأُمّه فاطمة بنت محمّد ، سيّدة نساء العالمين .
هذا الحسينُ بن عليّ : خيرُ الناس عمّاً ، وخير الناس عمّةً :
عمّه جعفر بن أبي طالب ، المزيَن بالجناحين يطيرُ بهما في الجنّة حيثُ يشاء .
وعمّته أُمّ هانى بنت أبي طالب .
هذا الحسين بن عليّ : خير الناس خالاً ، وخير الناس خالةً :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص18
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خالُهُ القاسمُ بن محمّد رسول الله . وخالته زينب بنت محمّد
رسول الله .
ثمَ وضعه عن عاتقه ، فدرج بين يديه ، وحَبا .
ثم قال : يا أيّها الناس : هذا الحسين بن عليّ : جدّه وجدّته في
الجنّة ، وأبوه وأُمّهُ في الجنّة ، وعمّه وعمّتهُ في الجنّة ، وخاله وخالته في
الجنّة ، وهو وأخوه في الجنّة . إنّه لم يُؤْتَ أحدٌ من ذرّيّة النبيّين ما أُوتي
الحسين بن عليّ ما خلا يوسف بن يعقوب(9)
2 - تواريخ وأرقام
:
الولادة : عامها وشهرها ويومها :
أجمع المؤرّخون على ولادته في سنة أربع من الهجرة . و محدّثو
الشيعة وعلماؤهم اثبتوا ولادته سنة ( ثلاث ) من الهجرة .
ونقل ابن عساكر عنهم ولادته في شهر شعبان ، لِليالٍ منه أو لخمس
ليال بالضبط ، والمشهور في الثالث منه .
ولكنّ التحقيق يدلّنا على أنّ ولادته كانت في آخر ربيع الأوّل ,
لإجماع الرواة على ولادة الحسن أخيه في النصف من شهر رمضان(10) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 5 - 126) .
(10) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام (ص10)
الأحاديث (8 - 12) وانظر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص295 رقم395) و (ص282
رقم364) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص19
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإجماع أهل البيت على ولادة الحسين بعده بستّة اشهر وعشرة أيّام
(11) .
مكان الولادة : المدينة المنوّرة :
وبالضبط في بيت عليّ وفاطمة الزهراء ، المجاور لدار الرسول صلّى
الله عليه واَله وسلّم ، والواقع في داخل المقصورة الشريفة ، وسط المسجد النبويّ
الشريف ثاني الحرمين الشريفين ، من أفضل بقاع الأرض .
الشهادة : عامها وشهرها ويومها :
قال ابن عساكر : أجمع أكثر أهل التاريخ أنّه قتل في المحرّم سنة
إحدى وستّين ، يوم عاشوراء يوم السبت(12) وقيل : الجمعة(13).
مكان الشهادة : نَهر كربلاء :
وبالضبط جنبَ الفُرات المارّ بمدينة كربلاء المقدّسة ، والتي
تسمّى نينوى ، والغاضرية ، والحائر ، قريباً من الكوفة في أرض العراق .
مدّة عمره : ستّ وخمسون عاماً وتسعة أشهر وعشرة أيّام( 14 ) .
فكان مقامُه مع جدّه رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم :
سبع سنين إلاّ شهراً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) اُنظر تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص76) .
(12) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص282) .
(13) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص288)
ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/116 و156) .
(14) قال ابن عساكر : وستّ وخمسون في سنّهِ أثبت . وقد رواه عن
الإمام جعفر بن محمد الصادق (رقم356).
ومن المعلوم أنّ ذلك بإهمال الأشهر والأيّام الباقية ، كما أنّ
من قال بأنّ عمره سبع وخمسون , استثنى الشهرين والعشرين يوماً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص20
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأقامَ مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثين سنة إلاّ خمسة
أشهر وأيّام .
ومع أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين إلاّ ستّة أشهر وعشرين
يوماً .
وإمامتهُ بعد أخيه عشر سنين وعشرة أشهر إلاّ عشرة أيّام( 15 ) .
خرج من المدينة ، بعد ما جاء خبر موت معاوية في النصف من رجب
سنة ستّين( 16 ) .
وخرج من مكّة متوجّهاً إلى العراق يوم الاثنين في عشر ذي الحجّة
سنة ستّين( 17 ) .
وورد كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين( 18 ) .
وكان قتله في العاشر من المحرّم يوم عاشوراء من تلك السنة( 19 )
.
3 - المظاهر الخَلْقية :
كان الحسين عليه السلام يُشبَهُ بجدّه الرسول في الخِلْقة
واللونِ ، ويقتسمُ الشَبَهَ به صلّى الله عليه واَله وسلّم مع أخيه الحَسَن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) انظر : تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص76) .
(16 ) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص199 -
200) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7/138 ) .
(17) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص205) .
(18) أنساب الأشراف للبلاذري ( 3/176 ) .
(19) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص207) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص21
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا غَرْوَ ، فهما فِلقتان من ثمرةٍ واحدة من الشجرة التي قالَ
فيها رسولُ الله صلّى الله عليه واَله وسلّم : [164] أنا الشجرة ، وفاطمة أصلها -
أو فرعها - وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها ، فالشجرة أصلها في
جنّة عَدْن ، والأَصل والفرع واللقاح والثمر والورق في الجنّة (20) .
روى ذلك عبد الرحمن بن عوف قائلاً : ألا تسألوني قبل أن تشوبَ
الأحاديثَ الأباطيلُ .
فالحسنُ أشبَهَ جدَه ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبهه ما
كان أسفل من ذلك من لدن قدميه إلى سرّته .
وكان الإمام عليّ عليه السلام يُعلنُ عن ذلك الشَبَه ، ويقول :
[47] : من سرّه أنْ ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى الله
عليه واَله وسلّم ما بين عنقه وثغره ، فلينظر إلى الحسن . ومن سرّه أنْ ينظر إلى
أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ما بين عنقه إلى كعبه خَلقاً
ولوناً ،
فلينظر إلى الحسين بن عليّ .
[45] وقال في حديث آخر : اقتسما شَبَهَهُ (21) . ليكون وجودهما
ذكرى ، وعبرةً :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (3/7 - 124) .
(21 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (3/7 - 124) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص22
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استمراراً لوجود النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم في العيون ،
مع ذكرياته في القلوب ، وأثره في العقول .
وعبرةً للتاريخ ، يتمثّل فيه للقاتلين حسيناً ، والضاربين
بالقضيب ثناياه ، أنهم يقتلون الرسول ويضربون ثناياه .
ولقد أثار ذلك الشَبَهُ خادِمَ الرسول : أنسَ بن مالك لَمّا رأى
قضيبَ ابن زياد - حين أُتي برأس الحسين - يَعْلو ثنايا أبي عبد الله الحسين، فجعلَ
ينكتُ فيها بقضيب في يده ، فقال أنس :
[48] أما إنّه كانَ أشبههما بالنبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم
.
4 - الخُلُقُ العظيمُ :
حِجْرُ الزهراء فاطمة بنت الرسول ذي الخلق العظيم ، هو خير مهد
لتربية
أولادها على ذلك الخلق ، وأكرم به . ولكن لمّا رأت الزهراء
والدها الرسول محتضراً ، وعلمتْ من نبئهِ بسرعة لحوقها به ، هبّتْ لتستمدّ من
الرسول لأولادها الصغار المزيدَ , واجتهدتْ أن تطلبَ من أبيها علانية - حتّى
يتناقلَ حديثَها الرواةُ - أنْ يُورث ابنيها .
فقالوا: [55 - 57] أتَتْ فاطمةُ بنتُ النبيّ صلّى الله عليه
واَله وسلّم بابنيها إلى رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم - في شكواه التي
توفّي فيها - فقالت : يا رسول الله ، هذانِ ابناكَ ، تورّثهما شيئاً ? - أو قالت :
- ابناك وابناي ، انحلهما .
قال صلّى الله عليه واَله وسلّم : نعم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص23
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّا الحسن : فقد نحلتُه هَيْبتي وسُؤددي . وأمّا الحسين : فقد
نحلتُه نَجدتي وجُودي .
قالتْ : رضيتُ ، يا رسول الله( 22 ) .
لقد ذكّرت الزهراءُ فاطمة أباها الرسولَ بالإرث منه . فوافقها
بقوله : نعَم .
ولم يقل لها : إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث !!!
فإنّ الزهراءَ الوارثة أوْلى بأنْ يُذكر لها عدمُ الإرث من
النبيّ ، لو كان ؟ ومع أنّ ابنيها الحسنين لا يرثان من حيث الطبقة من جدّهما ، مع
وجود أمّهما بنت النبيّ - فالنبي كذلك لم يعارض ابنته في طلبها ، بل قال لها : نعم
. لكن الذي يخلُد من إرث النبيّ هو الخلُق العظيم ، دون حُطام الدنيا الزائل ، وهو
أشرف لهما ، ولذلك رضيت الزهراءُ لابنيها من الرسول إذ نحلهما - أيضاً - أهمّ
الصفات الضروريّة للقيادة الإلهيّة :
الحلم، والصبر على الشدائد ، والهيبة ، والسؤدد ، والجلالة ،
للحسن الممتَحَن في عصره بأنواع البلاء ،فأعطاه ما يحتاجه الأئمّة الصابرون .
والشجاعة ، والجرأة ، والنجدة ، والجود ، للحسين الثائر في سبيل
الله ، لإعلاء كلمته ، فأعطاه ما هو أمسّ للأئمة المجاهدين .
5 - الطهارة الإلهيّة
:
وإذا تقرّرَ في اللوح أن يكونَ الإمامُ الحُسَين عليه السلام من
الأئمّة الّذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور : (7/118) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص24
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجب طاعتهم ، فإنّ الوحيَ الذي عاش الحسينُ في ظلّه ، حيث كان
بيتُ الرسالة مهبطَهُ ، تنزلُ آياتُه على جدّه ، وهو يحبُو في أفنانه حتّى شبّ في
ظلاله ، لا بُدّ وأن يؤكّد ما تقرّر في اللوح .
وكذلك كان ، فهذه أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة تقول :
[102] نزلت هذه الاَية في بيتي : ( إِنَما يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهرَكُمْ تَطْهِيراً ) [ الآية 33
من سورة الأحزاب 33] وفي البيت سبعةٌ : جبريل، وميكائيل ، ورسول الله صلّى الله
عليه واَله وسلّم، وعليّ، وفاطمة، والحسن ، والحسين .
قالت : وأنا على باب البيت ، فقلتُ : يا رسول الله ألستُ من أهل
البيت ?
قال : إنّك على خيرٍ ، إنّك من أزواج النبيّ صلّى الله عليه
واَله وسلّم, وما قال : إنّك من أهل البيت ( 23 ) .
وفي حديث آخر [105] : إنّ رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم
كان عند أُمّ سلمة ، فجعَل الحسنَ من شقّ ، والحسين من شقّ ، وفاطمة في حجره ، فقال
: (رحمةُ اللهِ وبركاتُه عليكم أهلَ البيتِ إِنَه حَمِيد مَجِيد) [الآية 73 من سورة
هود 11].
وكان موعدُ المباهلة ، عندما أمر الله رسولَه بقوله : ( فَقُلْ
تَعَالَواْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللهِ عَلَى
الكَاذِبِينَ ) . [الآية 61من سورة آل عمران3 ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 120).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص25
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنّ الإمام عليّاً عليه السلام قال : [162] خرج رسول الله صلّى
الله عليه واَله وسلّم - حين خرج لمباهلة النصارى - بي وبفاطمة والحسن والحسين (24)
.
ثم قال النبي : هؤلاء أبناؤنا ، يعني : الحسن والحسين ، وأنفسنا
، يعني : عليّاً . ونساؤنا ، يعني فاطمة .
وإذا وقفوا مع النبيّ في هذا الموقف الخاصّ العظيم ، فلا بُدّ
أن يتّسمَ الواقفون معه بما يتّسم به النبيّ من الطهارة والقُدس والعظمة .
6 - القوة الغيبية
:
وُلِدَ الحسينُ ، ونَما وعاشَ طفولته في مهبط الملائكة ، حيث
تترى صعوداً
ونزولاً على جدّه رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ترفده
بالوحي ، وأنباء
السماء ، ومغيّبات الأرض .
وإذا حطّتْ طيور الوحي أو طارتْ ، فإنّ زَغَبَ أجنحتها لابُدّ
أنْ يتناثر في أروقة هذا المكان ، وإنّ أهل البيت لابُدّ أنْ يحتفظوا بهذا الزغب
ليجدّدوا به ذكريات الرسول والنبوّة .
والرسول نفسه قد خَصَ الحسن والحسين بتعويذين جمعَ فيهما من زغب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ( 7/123)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص26
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جناح جبريل أمين الوحي ، يحملانه معهما ، ليكونا أظهر دليل على
ارتباطهما بالسماء . [172] عن عبد الله بن عمر: كان علىالحسن والحسين
تعويذان فيهما من زغب جناح جبرئيل( 25 ) .
وإذا كان في التعويذ دعمٌ معنويّ ، فإنّ لجبريل موقفاً آخر مع
الحسين خاصّة ، إذ كان يدعمُه مادّياً ويبثّ فيه القوّة والشجاعة ، ففي الحديث :
[156] أنّ الحسنَ والحسينَ كانا يصطرعان فاطّلع عليّ على النبيّ صلّى الله عليه
واَله وسلّم وهو يقول : ويهاً الحسنَ . فقال عليّ : يا رسول الله ، على الحسين ?
فقال : إنّ جبرئيل يقول : ويهاً الحسين( 26 ) .
إنّه من أجمل المناظر أن يلعب الصغار ببراءة الطفولة ، ولكن
الأجمل من ذلك أن يكون بمشهد النبيّ الأعظم من جانب ، و جبرئيل مَلَك السماء من
جانب آخر .
وإذا كان جبرئيل ينفثُ في الحسين روح القوّة والشدّة والتشجيع ،
فإنّ ذلك بلا ريبٍ بأمر من السماء إذ أنّ الملائكة الكرام ( يَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ )[الآية 50 من سورة النحل 16 ] .
و لجبرئيل شأن آخر مع الحسين ، أعظم ، عندما كان المنبىء عن
قتله وشهادته ، والمُراسِل الأوّل بأنباء السماء عن كربلاء ، بل أتى النبيَ من
أرضها بتربة حمراء ، إلى آخر الحديث الذي سنذكره في الفقرة (28) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 125).
(26 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (122/7) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص27
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يعرف ما تميّز به الحسين عليه
السلام من
القوّة الغيبيّة التي نفثها فيه جبرئيل، فكان يشبّهه بنفسه في
الشجاعة و الإقدام ويقول: [184] وأشبه أهلي بي : الحُسينُ(27).
وكان إذا تحدّث عن الحرب يقول : [185] وأمّا أنا وحُسين ، فنحن
منكم وأنتم منّا( 28).
وهو البطل المقدام الذي لا تنكر ضرباته ، ولا تفلّ عزماته .
والإمام الحسنُ عليه السلام يُعلن عن شدّة الحسين وصلابته حين
قال له : [187 ] أي أخ، والله، لوددتُ أنّ لي بعض شدّة قلبك(29)
7- شؤون أُخرى
:
1- بين الحسن والحسين : جاء في النصوص عن أهل البيت عليهم
السلام أنّه : [13 و14] كان بين الحسن والحسين: طهر، وحمل(30) .
وأقلّ الطهر عشرة أيّام ، وكان الحمل ستّة أشهر ، وهو أقلّ ما
يُمكن منه ، وقد
صرّح أهلُ البيت بأنّه لم يولد لها إلاّ الحسين وعيسى (31).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 27) و ( 28 ) و ( 29 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7
/-128).
(30) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور( 7/ 116).
(31) تاريخ أهل البيت عليهم السلام(ص74 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص28
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالذي كان بين ولادتي الحسن والحسين من التفاوت هو ستّة أشهر
وعشرة أيام , وهو ما جاء التصريحُ به في المأثور من تاريخ أهل البيت عليهم السلام .
2 - عند الولادة :
جاء في الحديث عن بشر بن غالب قال [9] كنتُ مع أبي هريرة فرأى
الحسين بن عليّ ، فقال : يا أبا عبد الله ، لقد رأيتُك على يدي رسول الله صلّى الله
عليه واَله وسلّم قد خضبتهما دماً ، حين أُتي بك ، حين وُلِدتَ ، فسرّرك ، ولفّك في
خرقة ، ولقد تفل في فيك ، وتكلّم بكلام ما أدري ما هو ? ولقد فعلَ رسول الله صلّى
الله عليه واَله وسلّم كلّ ذلك خصّيصاً بالحسين عليه السلام وهو أمر لا يخفى على
الحسين أنّ جده فعله ، فلا بُدّ أنّ أخصّ أهله به قد أخبره ، ولكن ماذا في إخبار
أبي هريرة به من فائدة ؟
هل يريد أن يُثبت اتّصاله بالنبيّ وحضوره معه منذ السنة الرابعة
من الهجرة ؟
أو يريد أن يزعم أنّه كان من خاصّة النبيّ فكان قريباً منه إلى
هذا الحدّ ? لكن : ما هو الجواب عن الأخبار الكثيرة المصرّحة بتأخّر إسلام أبي
هريرة ، و لحوقه بالنبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم بعد مولد الحسين عليه السلام ،
وبالضبط في السنة السابعة من الهجرة المباركة?
3- الرضاع :
لابُدّ أنّ الحسين ارتضع بلبان المعرفة والحكمة من الزهراء
أُمّه ، وقد ورد
في الحديث أنّ الرسول نفسه زقّه بلسانه ، وبإبهامه يمصّ منهما
ما يُنبت اللحم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص29
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن جاء في الحديث أنّ زوجة العبّاس عمّ النبيّ ، كانت مرضعةً
له ، وهي أُمُّ الفضل بنت الحارث : [8] إنّها رأتْ - في ما يرى النائمُ - أنّ عضواً
من أعضاء النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم ، في بيتها . قالت : فقصصتُها على
النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم ، فقال : خيراً رأيتِ ، تلدُ فاطمة غلاماً
فترضعيه بلبن قُثَم . فولدتْ فاطمةُ غلاماً ، فسمّاه النبيّ صلّى الله عليه واَله
وسلّم حُسيناً ، ودفعه إلى أُمّ الفضل ، وكانت ترضعه بلبن قُثَم(32)ٍ.
فقُثَم بن العبّاس كان رضيعَ الحسين عليه السلام .
وله رضيع آخر جاء اسمه في مقتل الحسين عليه السلام وهو عبد الله
بن يَقْطُر ، كان رسوله عليه السلام إلى الكوفة ، قتله عُبيد الله بن زياد ، قبل
وقعة كربلاء (33).
4- الغنّة الحُسينيّة :
جاء في الحديث : [264] عن سفيان ، عن شهاب بن حراش ، عن رجل من
قومه ، قال : كنت في الجيش الذي بعثهم عبيد الله ابن زياد إلى حسين بن عليّ -
وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم ، فصرفهم عبيد الله بن زياد إلى حُسين ابن عليّ -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32 ) لاحظ تاريخ دمشق، الحديث .[232] و [231] ومختصر تاريخ
دمشق، لابن منظور( 7/116 ).
(33 ) لاحظ تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام (ص152) رقم
(25).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص30
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلقيتُ حُسيناً ، فرأيته أسود الرأس واللحية ، فقلتُ له :
السلام عليك يا أبا عبد الله . فقال : وعليك السلام - وكانت فيه غُنّة - فقال : لقد
باتت منكم فينا سلة منذ الليلة - يعني : سُرِقَ - . قال شهاب : فحدّثتُ به زيد بن
عليّ فأعجبه : < وكانت فيه غُنّة > . قال سفيان : وهي في الحُسينيّينَ .
5-كان يصبغ بالوسمة :
جاء في الحديث [54] : عن عمر بن عطاء ، قال : رأيتُ الحُسين بن
عليّ يصبغ بالوسمة ، أمّا هو فكان ابن ستّين ، وكان رأسه ولحيته شديدَي السواد .
6-تواضع وكرم :
جاء في
الحديث : [196] عن أبي بكر ابن حزم : مرّ الحسين بمساكين يأكلون في الصُفّة ،
فقالوا : الغداءَ . فنزل ، وقال : إنّ اللهّ لا يحبُّ المتكبّرين ، فتغدّى ، ثم قال
لهم : قد أجبتُكم ، فأجيبوني . قالوا : نعم . فمضى بهم إلى منزله ، فقال للرباب :
أخرجي ما كنتِ تدّخرينَ (34).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 129).