فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الجواد (ع)

 

ولائيات

من زار أبي(1)

من زار قبر أبي (عليه السلام) بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغ الله تعالى من حساب العباد.

الناس والموت(2)

مرض رجل من أصحاب الرضا (عليه السلام) فعاده فقال: كيف تجدك؟

قال: لقيت الموت بعدك - يريد ما لقيه من شدّة مرضه -.

فقال: كيف لقيته؟

قال: شديداً أليماً.

قال: ما لقيته إنّما لقيت ما يبدؤك به و يعرّفك بعض حاله، إنّما الناس رجلان: مستريح بالموت، ومستراح منه، فجدّد الإيمان بالله وبالولاية تكن مستريحاً، ففعل الرجل ذلك ثمّ قال: يابن رسول الله هذه ملائكة ربّي بالتحيّات والتحف يسلّمون عليك وهم قيام بين يديك فأذن لهم في الجلوس.

فقال الرضا (عليه السلام): اجلسوا ملائكة ربّي، ثمّ قال للمريض: سلهم امروا بالقيام بحضرتي؟

فقال المريض: سألتهم فذكروا أنّه لو حضرك كلّ من خلقه الله من ملائكته لقاموا لك ولم يجلسوا حتّى تأذن لهم، هكذا أمرهم الله عز وجل ثمّ غمّض الرجل عينيه وقال: السلام عليك يابن رسول هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمد ومن بعده من الأئمّة (عليه السلام)، وقضى الرجل.

الإمامة وحداثة السّن(3)

عن علي بن اسباط، قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) قد خرج عليّ فأحددت النظر إليه وإلى رأسه وإلى رجله لا صف قامته لأصحابنا بمصر فخّر ساجداً وقال:

إنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النبوّة قال الله تعالي: (وآتيناه الحكم صبيّاً)(4) وقال الله: (ولمّا بلغ اشدّه)(5) (وبلغ أربعين سنة)(6) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهوصبيّ، ويجوز أن يؤتى وهو ابن أربعين سنة.

سلمان وأبوذر(7)

دعا سلمان أباذر - رحمة الله عليهما - إلى منزله فقدّم إليه رغيفين، فأخذ ابوذر الرغيفين فقلّبهما.

فقال [له] سلمان: يا أباذر لأيّ شيء تقلّب هذين الرغيفين؟

قال: خفت أن لا يكونا نضيجين.

فغضب سلمان من ذلك غضباً شديداً، ثمّ قال: ما أجرأك حيث تقلّب هذين الرغيفين؟ فوالله لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش، وعملت فيه الملائكة حتى ألقوة إلى الريح، وعملت فيه الريح حتى ألقته إلى السحاب، وعمل فيه السحاب حتى أمطره إلى الأرض، وعمل فيه الرعد والبرق والملائكة حتى وضعوه مواضعه، وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح، وما لا أحصيه أكثر، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر؟

فقال أبوذر: إلى الله أتوب، وأستغفر الله ممّا أحدثت، وإليك أعتذر ممّا كرهت.

قال: ودعا سلمان أباذر (رحمة الله عليهما) ذات يوم إلى ضيافة فقدم إليه من جرابه كسرة يا بسة وبلّها من ركوته(8).

فقال أبوذر: ما أطيب هذا الخبز لو كان معه ملح.

فقام سلمان وخرج فرهن ركوته بملح وحمله إليه.

فجعل ابوذر يأكل الخبز ويذرّ عليه ذلك الملح ويقول: الحمد لله الذي رزقنا هذه القناعة.

فقال سلمان: لوكانت قناعة لم تكن ركوتي مرهونة.

من مآثر الولاية(9)

إنّ الرضا عليّ بن موسى (عليه السلام) لمّا جعله المأمون وليّ عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصّبين على الرضا (عليه السلام) يقولون: انظروا لمّا جاءنا عليّ بن موسى وصار وليّ عهدنا فحبس الله عنّا المطر، واتّصل ذلك بالمأمون فاشتدّ عليه، فقال للرضا (عليه السلام): قد احتبس المطر، فلو دعوت الله عز وجلّ أن يمطر الناس.

فقال الرضا (عليه السلام): نعم.

قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان ذلك يوم الجمعة.

قال: يوم الإثنين.

فلمّا كان يوم الإثنين غدا إلى الصحراء وخرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: اللهمّ يا ربّ أنت عظمت حقّنا أهل البيت فتوسّلوا بنا كما أمرت وأملّوا فضلك ورحمتك، وتوقّعوا إحسانك ونعمتك فاسقهم سقياً نافعاً عامّاً غير رائث، ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم.

قال: فوالذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت، وتحرّك الناس كأنّهم يريدون التنحيّ عن المطر.

فقال الرضا (عليه السلام): أيّها الناس هذه سحابة بعثها الله عز وجلّ لكم فاشكروا الله تعالى على تفضّله عليكم، وقوموا إلى مقارّكم ويأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى وجلاله، ونزل من المنبر وانصرف الناس فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثمّ جاءت بوابل المطر فملأ الأودية والحياض والغدران والفلوات فجعل الناس يقولون: هنيئاً لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرامات الله عز وجلّ.

ثمّ برز إليهم الرضا (عليه السلام) وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال: يا أيّها الناس اتّقوا الله في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنّكم لا تشكرون الله عز وجل بشيء بعد الإيمان بالله، وبعد الإعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحبّ إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربّهم فإن من فعل ذلك كان من خاصّة الله تبارك وتعالى.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك قولاً ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله تعالى عليه فيه إن تأمّله وعمل عليه.

قيل: يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل قد نجا ولا يختم الله تعالى عمله إلاّ بالحسنى وسيمحو الله عنه السيّئات، ويبدّلها له حسنات إنّه كان يمرّ مرّة في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته، وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل ثمّ إنّ ذلك المؤمن عرفه في مهواه.

فقال له: أجزل الله لك الثواب، وأكرم لك المآب ولا ناقشك في الحساب، فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم الله له إلاّ بخير بدعاء ذلك المؤمن.

فاتصل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الرجل فتاب وأناب واقبل على طاعة الله عز وجل فلم يأت سبعة أيّام حتى أغير على سرح المدينة فوجّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثرهم جماعة، وذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم.

قال الإمام محمد بن علىّ بن موسى (عليهم السلام): وعظّم الله تبارك وتعالى البركة في البلاد بدعاء الرضا (عليه السلام) وقد كان للمأمون من يريد أن يكون هو وليّ عهده من دون الرضا (عليه السلام) وحسّاد كانوا بحضرة المأمون للرضا (عليه السلام).

فقال للمأمون بعض أولئك: اعيذك بالله أن تكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم، والفخر العظيم، من بيت ولد العباس إلى بيت ولد عليّ، لقد أعنت على نفسك وأهلك، جئت بهذا الساحر ولد السحرة، وقد كان خاملاً فأظهرته، ومتضعاً فرفعته، ومنسيّاً فذكّرت به، ومستخفّاً فنوّهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة وتشوّقاً بهذا المطر الوارد عند دعائه.

ما أخوفني أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصّل بسحره إلى إزالة نعمتك، والتواثب على مملكتك، هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك؟

فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستتراً عنّا يدعوا إلى نفسه فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به أنّه ليس ممّا ادّعى في قليل ولاكثير.

وإنّ هذا الأمر لنا من دونه وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ويأتي علينا منه ما لا نطيقه.

والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلناه، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً حتى نصوّره عند الرعيّة بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا موادّ بلائه.

قال الرجل: فولّني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه، وأضع من قدره، فلولا هيبتك في نفسي لأنزلته منزلته، وبيّنت للناس قصوره عمّا رشحته له.

قال المأمون: ما شيء أحبّ إليّ من هذا.

قال: فاجمع وجوه أهل مملكتك من القوّاد والقضاة، وخيار الفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون أخذاً له عن محلّه الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك.

قال: فجمع الخلق الفاضلين من رعيّته في مجلس واسع قعد فيه لهم، وأقعد الرضا (عليه السلام) بين يديه في مرتبته التي جعلها له.

فابتدأ هذا الحاجب المتضمّن للوضع من الرضا (عليه السلام) وقال له: إنّ الناس قد أكثروا عنك الحكايات، وأسرفوا في وصفك بما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إليهم منه، فأوّل ذلك أنّك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه آية معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا وهذا المأمون أدام الله ملكه وبقاؤه لا يوازن بأحد إلاّ رجح به، وقد أحلّك المحلّ الذي قد عرفت.

فليس من حقّه عليك أن تسوغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذبونه.

فقال الرضا (عليه السلام): ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ وإن كنت لا أبغي أشراً ولا بطراً، وأما ذكرك صاحبك الذي أحلّني، فما أحلّني إلاّ المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصديق (عليه السلام) وكان حالهما ما قد علمت.

فغضب الحاجب عند ذلك، فقال: يابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله بمطر مقدّر وقته لا يتقدّم ولا يتأخّر جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنّك جئت بمثل آية الخليل ابراهيم (عليه السلام) لمّا أخذ رؤس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال، فأتينه سعياً وتركّبن على الرؤس، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى.

فإن كنت صادقاً فيما توهّم فأحيي هذين وسلّطهما عليّ فإنّ ذلك يكون حينئذٍ آية معجزة.

فأمّا المطر المعتاد مجيئه فلست أنت أحقّ بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان مستنداً إليه، وكانا متقابلين على المسند.

فغضب علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وصاح بالصورتين: دونكما الفاجر!

فافترساه ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً، فوثب الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا الحاجب [وعضّاه] ورضّاه وهشماه وأكلاه ولحسادمه والقوم ينظرون متحيّرين ممّا يبصرون.

فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا (عليه السلام) وقالا: يا وليّ الله في أرضه! ماذا تأمرنا نفعل بهذا؟ أنفعل به فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون فغشي على المأمون ممّا سمع منهما:

فقال الرضا (عليه السلام): قفا فوقفا.

ثمّ قال الرضا (عليه السلام): صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه، ففعل ذلك به، وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟

قال: لا، فإنّ لله عز وجل فيه تدبيراً هو ممضيه.

فقالا: ماذا تأمرنا؟

قال: عودا إلى مقرّكما كما كنتما، فعادا إلى المسند، وصارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران يعني: الرجل المفترس ثمّ قال للرضا (عليه السلام): يابن رسول الله هذا الأمر لجدّكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ لكم، فلو شئت لنزلت عنه لك.

فقال الرضا (عليه السلام): لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك فإنّ الله عز وجل قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلاّ جهّال بني آدم فإنّهم وإن خسروا حظوظهم فللّه عزوجل فيهم تدبيراً.

وقد أمرني بترك الإعتراض عليك، وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك، كما أمر يوسف (عليه السلام) بالعمل من تحت يد فرعون مصر.

قال: فما زال المأمون ضئيلاً في نفسه إلى أن قضى في عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) ما قضى.

رحم الله هشاماً(10)

عن أبي هاشم داود بن قاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الثاني(عليهما السلام): ما تقول جعلت فداك في هشام بن الحكم؟ فقال:

رحمه الله ماكان أذبّه عن هذه الناحية.

ما حال بصرك؟(11)

عن محمد بن ميمون أنّه كان مع الرضا (عليه السلام) بمكّة قبل خروجه إلى خراسان قال: قلت له: إنّي اريد أن أتقدّم إلى المدينة فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفر (عليه السلام) فتبسّم وكتب، فصرت إلى المدينة، وقد كان ذهب بصري. فأخرج الخادم أبا جعفر (عليه السلام) إلينا يحمله من المهد فناولته الكتاب فقال لموفق الخادم: فضّه وانشره. ففضّه ونشره بين يديه، فنظر فيه ثمّ قال لي:

يا محمّد ما حال بصرك؟

قلت: يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إعتلّت عيناي فذهب بصري كما ترى.

فقال: اُدن منّي.

فدنوت منه فمدّ يده فمسح بها على عيني فعاد إليّ بصري كأصحّ ماكان، فقبّلت يده ورجله، وانصرفت من عنده وأنابصير.

ما تشتكين؟(12)

روي عن أبي بكر بن اسماعيل قال: قلت لأبي جعفر بن الرضا (عليه السلام): إنّ لي جارية تشتكي من ريح بها. فقال: إئتني بها، فأتيت بها، فقال لها:

ما تشتكين يا جارية؟

قالت: ريحاً في ركبتي فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب فخرجت الجارية من عنده ولم تشتك وجعاً بعد ذلك.

عافاك الله(13)

روي عن محمد بن عمير بن واقد الرازي قال: دخلت على أبي جعفر بن الرضا(عليهم السلام) ومعي أخي به بهر(14) شديد، فشكى إليه ذلك البهر. فقال (عليه السلام):

عافاك الله ممّا تشكو.

فخرجنا من عنده وقد عوفي فما عاد إليه ذلك البهر إلى أن مات.

قال محمد بن عمير: وكان يصيبني وجع في خاصرتي في كلّ اسبوع فيشتدّ ذلك بي أيّاماً فسألته أن يدعو لي بزواله عنّي.

فقال: وأنت فعافاك الله فما عاد إلى هذه الغاية.

مع كلّ إمام(15)

عن محمد بن فضيل الصير في قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) كتاباً وفي آخره: هل عندك سلاح رسول اله (صلى الله عليه وآله)؟ ونسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب إليّ بحوائج له وفي آخر كتابه:

(عندي سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل يدور معنا حيث درنا وهو مع كلّ إمام).

وكنت بمكّة، فأضمرت في نفسي شيئاً لا يعلمه إلاّ الله، فلمّا صرت إلى المدينة ودخلت عليه نظر إليّ فقال: استغفر الله ممّا أضمرت ولا تعد.

قال بكر: فقلت لمحمّد: أي شيء هذا؟

قال: لا اخبر به أحداً.

قال: وخرج بإحدى رجلي العرق المدنيّ وقد قال لي قبل أن يخرج العرق في رجلي وقد ودّعته فكان آخر ما قال: إنّه ستصيب وجعاً فاصبر فأيّما رجل من شيعتنا اشتكى فصبر واحتسب كتب الله له أجر ألف شهيد.

فلمّا صرت في (بطن مرّ)(16) ضرب على رجلي وخرج بي العرق، فما زلت شاكياً أشهراً وحججت في السنة الثانية فدخلت عليه فقلت: جعلني الله فداك عوّذ رجلي، وأخبرته أنّ هذه التي توجعني.

فقال: لا بأس على هذه أرني رجلك الاخرى الصحيحة، فبسطتها بين يديه فعوّذها فلمّا قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة فرجعت إلى نفسي فعلمت أنّه عوّذها من الوجع فعافاني الله بعده.

إسمع وعه(17)

أبو سلمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وكان بي صمم شديد فخبّر بذلك لمّا أن دخلت عليه، فدعاني إليه فمسح يده على أذني ورأسي ثمّ قال:

إسمع وعه!

فوالله إنّي لأسمع الشيء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته (عليه السلام).

مع الرجال الأوفياء(18)

روي عن محمد بن الوليد الكرماني قال: أتيت أبا جعفر ابن الرضا (عليه السلام) فوجدت بالباب الذي في الفناء قوماً كثيراً فعدلت إلى مسافر فجلست إليه حتّى زالت الشمس فقمنا للصلاة. فلمّا صلّينا الظهر وجدت حسّاً من ورائي فالتفتّ فإذا أبو جعفر (عليه السلام) فسرت إليه حتّى قبّلت يده. ثمّ جلس وسأل عن مقدمي ثمّ قال:

سلّم.

فقلت: جعلت فداك قد سلّمت.

فأعاد القول ثلاث مرّات: سلّم، وقلت ذاك ما قد كان في قلبي منه شيء.

فتبسّم وقال: (سلّم) فتداركتها وقلت: سلّمت ورضيت يابن رسول الله فأجلى الله ما كان في قلبي حتّى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود إلى الشكّ ما وصلت إليه.

فعدت من الغد باكراً فارتفعت عن الباب الأوّل وصرت قبل الخيل وما ورائي أحد أعلمه، وأنا أتوقّع أن أجد السبيل إلى الإرشاد إليه، فلم أجد أحداً حتّى اشتدّ الحرّ والجوع جدّاً، حتى جعلت أشرب الماء اطفىء به حرّ ما أجد من الجوع والجوى، فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قدحمل خواناً عليه طعام وألوان، وغلام آخرت معه طشت وإبريق حتّى وضع بين يدي وقالا: أمرك أن تأكل، فأكلت.

فما فرغت حتّى أقبل فقمت غليه فأمرني بالجلوس وبالأكل، فأكلت فنظر إلى الغلام فقال: كل معه ينشط! حتى إذا فرغت ورفع الخوان، ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان، من فتات الطعام، فقال: مه مه، ما كان في الصحراء فدعه، ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فالقطه ثمّ قال: سل؟

قلت: جعلني الله فداك ما تقول في المسك؟

فقال: إنّ أبي أمر أن يعمل له مسك في بان، فكتب إليه الفضل يخبره أنّ الناس يعيبون ذلك عليه فكتب: يافضل أما علمت أنّ يوسف كان يلبس ديباجاً مزروراً بالذهب ويجلس على كراسي الذهب فلم ينقص من حكمته شيئاً وكذلك سليمان.

ثمّ أمر أن يعمل له غالية(19) بأربعة آلاف درهم.

ثمّ قلت: ما لمواليكم في موالاتكم؟

فقال: إنّ أبا عبد الله (عليه السلام) كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد فبينما هو جالس ومعه بغلة إذا أقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من الرفقة: هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك وأكون له مملوكاً وأجعل لك مالي كلّه؟ فإنّي كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه، وأنا اقيم معه مكانك.

فقال: اسأله ذلك.

فدخل على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال: جعلت فداك تعرف خدمتي وطول صحبتي فإن ساق الله إليّ خيراً تمنعنيه؟

قال: أعطيك من عندي وأمنعك من غيري فحكى له قول الرجل.

فقال: إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك.

فلمّا ولّى عنه دعاه فقال له: أنصحك لطول الصحبة، ولك الخيار، إذا كان يوم القيامة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعلّقاً بنور الله، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) متعلّقاً بنور رسول الله، وكان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين وكان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا، ويردون موردنا.

فقال له الغلام: بل اقيم في خدمتك وأؤثر الآخرة على الدنيا، فخرج الغلام إلى الرجل، فقال له الرجل: خرجت إليّ بغير الوجه الذي دخلت به.

فحكى له قوله وأدخله على أبي عبدالله (عليه السلام) فقبل ولاءه وأمر للغلام بألف دينار ثمّ قام إليه فودّعه وسأله أن يدعو له ففعل.

فقلت: يا سيّدي لولا عيال بمكّة وولدي سرّني أن أطيل المقام بهذا الباب.

فأذن لي وقال: توافق غمّاً، ثمّ وضعت بين يديه حقّاً كان له فأمرني أن أحملها فتأبّيت وظننت أنّ ذلك موجدة، فضحك إليّ وقال: خذها إليك فإنّك توافق حاجة، فجئت وقد ذهبت نفقتنا - شطر منها - فاحتجت إليه ساعة قدمت مكّة.

كرامة الإمام(20)

روي عن عمر بن الفرج الرخجي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ شيعتك تدّعي أنّك تعلم كلّ ما في دجلة ووزنه؟ وكنّا على شاطىء دجلة، فقال (عليه السلام):

يقدر الله تعالى على أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟

قلت: نعم يقدر.

فقال: أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه.

غير ناكث ولا مبدّل(21)

عن محمد بن اسحاق والحسن بن محمد قالا: خرجنا بعد وفاة زكريّا بن آدم إلى الحجّ فتلقّانا كتابه (عليه السلام) في بعض الطريق:

ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفّى رحمه الله يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيّاً فقد عاش أيّام حياته عارفاً بالحقّ قائلاً به صابراً محتسباً للحقّ قائماً بما يحب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ومضى رحمة الله عليه غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيّته وأعطاه جزاء سعيه.

وذكرت الرجل الموصى إليه فلم أجد فيه رأينا وعندنا من المعرفة به أكثر ما وصفت _ يعني: الحسن بن محمد بن عمران -.

لم أرمثلك(22)

عن الحسن بن شمّون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني بخطّه:

بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي أحسن الله جزاك، وأسكنك جنّته ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة وحشرك الله معنا، يا عليّ قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير والقيام بما يجب عليك، فلو قلت: إنّي لم أرمثلك، لرجوت أن أكون صادقاً، فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً، فما خفى عليّ مقامك ولا خدمتك في الحرّ والبرد، في الليل والنهار، فاسأل الله - إذا جمع الخلائق للقيامة - أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنّه سميع الدعاء.

العلم الموهوب(23)

روي أنّه جيء بأبي جعفر (عليه السلام) إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موت أبيه الرضا وهو طفل، فجاء إلى المنبر ورقا منه درجة ثمّ نطق فقال:

أنا محمد بن عليّ الرضا، أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظاهركم، وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات والأرضين ولولا تظاهر أهل الباطل، ودولة أهل الضلال، ووثوب أهل الشكّ لقلت قولاً تعجّب منه الأوّلون والآخرون.

ثمّ وضع يده الشريفة على فيه وقال: يا محمّد اصمت كما صمت آباؤك من قبل.

 

1 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2/ 259، ب 66، ح 19: حدثنا احمد بن محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أيّوب بن نوح، قال: سمعت أبا جعفر محمد بنعلي بن موسى (عليه السلام) يقول:..

2 - بحار الأنوار 6/ 194 و 195، ح 45، عن دعوات الراوندي: عن محمد بن عليّ (عليه السلام) قال:..

3 - بصائر الدرجات 238، جزء 5 ب 10 ح 10: حدثنا علي بن اسماعيل، عن محمد بن عمر،..

4 - مريم: 12.

5 - يوسف: 22.

6 - الأحقاف: 14.

7 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2/52 - 53، ب 31، ح 203: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق - رضي الله عنه - قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا أبوتراب محمد بن عبد الله بن موسى الروياني، قال: حدثنا عبد العظيم بن عبدالله الحسني، عن الإمام أبي جعفر الثاني محمد بن علي (عليه السلام) عن آبائه (عليه السلام) قال:..

8 - الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.

9 - عيون أخبار الرضا (صلى الله عليه وآله) 2/ 167 - 172، ب 41، ح 1: حدثنا أبوالحسن محمد بن القاسم المفسر قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيّار عن أبو يهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي(عليهما السلام):..

10 - أمالي الشيخ الطوسي 1/45، ح 25: ابن الشيخ الطوسي، عن والده، عن محمد بن محمد المفيد، عن الحسين بن احمد، عن حيدر بن محمد بن نعيم، عن محمد بن عمر، عن محمد بن مسعود، عن جعفر بن معروف، عن العمركي، عن الحسن بن أبي لبابة،..

11 - الخرائج والجرائح 1/ 372، ح 1. وكشف الغمّة 3/218:..

12 - الخرائج والجرائح 1/376، ح 3:..

13 - الخرائج والجرائح 1/ 377 - 388، خ 16:..

14 - البهر: انقطاع النفس من الأعياء.

15 - الخرائج والجرائح 1/387 - 388، ح 16: روى بكر بن صالح،..

16 - بطن مرّ: من نواحي مكّة.

17 - مناقب ابن شهر آشوب 4/390:..

18 - الخرائج والجرائح 1/388 - 391، ح 17:..

19 - الغالية: نوع من الطيب مركّب من مسك وغنبر وعود ودهن.

20 - عيون المعجزات 124:..

21 - الإختصاص 87 - 88. ورجال الكشي 2/ 858، ح 1114: حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه، عن الحسن بن بنان، عن محمد بن عيسى، عن أبيه عن علي بن مهزيار، عن بعض القميين،..

22 - الغيبة 211 - 212: أنّه كان علي بن مهزيار الأهوازي محموداً قال: أخبرني جماعة عن التلعكبري عن احمد بن علي الرازي، عن الحسين بن علي، عن أبي الحسن البلخي، عن احمد [بن] ما بندار الإسكافي، عن العلاء النداري،..

23 - مشارق أنوار اليقين 98:..