بينكم، اللهم فخذهما لغشهما (1) لهذه الامة، وسوء نظر هما للعامة. فقام أبو الهيثم ابن التيهان رحمه الله فقال (2): يا أمير المؤمنين ! إن حسد قريش إياك على وجهين، أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل وارتفاعا في الدرجة، وأما شرارهم (3) فحسدوك حسدا أحبط الله به أعمالهم وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدك عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش، نصرت نبيهم حيا، وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمرنا بأمرك، ثم أنشأ يقول: إن قوما بغوا عليك وكادوك * وعابوك بالامور القباح ليس من عيبها جناح بعوض * فيك حقا ولا كعشر جناح أبصروا نعمة عليك (4) من الله * وقوما (5) يدق قرن النطاح وإماما تأوي الامور إليه * ولجاما لمن (6) غرب (7) الجماع كلما (8) تجمع الامامة فيه * هاشميا لها عراض البطاح حسدا للذي أتاك من الله * وعادوا إلى قلوب قراح ونفوس هناك أوعية البغض * على الخير للشقاء شحاح من مسير يكنه حجب الغيب * ومن مظهر العداوة لاح يا وصي النبي نحن من الحق * على مثل بهجة الاصباح
(1) في المصدر: بغشهما، وفي (ك): لعنتهم. (2) في الامالي: وقال. (3) في المصدر: اشرارهم. (4) ؟ ؟ ؟. (5) ؟ ؟ ؟ ؟.
(6) ؟ ؟ ؟ ؟. (7) ؟ ؟ ؟. (8) ؟ ؟ ؟.
[581]
فخذ الاوس والقبيل من الخزرج * بالطعن في الوغا والكفاح ليس منا من (1) لم يكن لك في الله * وليا على الهدى والفلاح فجزاه أمير المؤمنين عليه السلام خيرا، ثم قام الناس بعده فتكلم كل واحد بمثل مقاله. بيان: القرم: السيد (2). والنطاح - بالكسر -: الكباش الناطحة بالقرن (3)، استعيرت هذا للشجعان. وجماح الفرس: امتناعه من راكبه (4). قوله: قراح. أي مقروحة بالحسد (5). قوله: على الخير متعلق بالشحاح كقوله (6) تعالى: [أشحة على الخير] (7)، واللاحي: اللائم، والملاحي: المنازع (8)، ويقال: كافحوهم: إذا استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس ولا غيره (9).
(1) في (س): من أمن. (2) ذكره في الصحاح 5 / 2009، والقاموس 4 / 163، وغيرهم. (3) قال في لسان العرب 2 / 621: النطح للكباش ونحوه. وكبش نطاح. وكبش نطيح. . . . فالناطح: الكبش. ونحوه في تاج العروس 2 / 240. والناطح: الكبش الذي ينطح بالقرن. (4) قال في القاموس 1 / 218، والصحاح 1 / 360: جماع الفرس: اعتزازه وغلبته من راكبه.
(5) قال في الصحاح 1 / 395: وقرحه قرحا: جرحه فهو قريح. وقال في لسان العرب 2 / 558: قريح - فعيل بمعنى المفعول -، قرح البعير فهو مقروح وقريح. أقول: لعله - رحمه الله - جعل القراح جمع القريح - ككرام وكريم -. (6) في (ك): قوله. (7) الاحزاب: 19. (8) كما في مجمع البحرين 1 / 374، والصحاح 6 / 2481. (9) صرح به في مجمع البحرين 2 / 407، والصحاح 1 / 399.
[582]
16 - جا (1): الكاتب، عن الزعفراني، عن الثقفي، عن المسعودي، عن محمد (2) بن كثير، عن يحيى بن حماد القطان، عن أبي محمد الحضرمي، عن أبي علي الهمداني: أن عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين ! إني سائلك لآخذ عنك، وقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله، ألا تحدثنا عن أمرك هذ. أكان بعهد رسول الله (3) صلى الله عليه وآله أو شئ رأيته ؟ فأما (4) قد أكثرنا فيك الاقاويل وأوثقه عندنا ما قبلناه عنك (5) وسمعناه من فيك، إنا كنا نقول لو رجعت إليكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينازعكم فيها أحد، والله ما أدري إذا سئلت ما أقول ؟ أزعم أن القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك ؟ فإن قلت ذلك فعلام (6) نصبك رسول الله صلى الله عليه وآله بعد حجة الوداع، فقال: أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه ؟ !. وإن تك أولى منهم بما كانوا فيه فعلام (7) نتولاهم ؟. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا عبد الرحمن ! إن الله تعالى قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأنا يوم قبضه أولى بالناس مني بقميصي هذا، وقد كان من نبي الله (ص) إلي عهد لو خزمتموني بأنفي لاقررت سمعا لله وطاعة، وإن
أول ما انتقصناه (8) بعده إبطال حقنا في الخمس، فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم
(1) أمالي الشيخ المفيد: 223 - 224، حديث 2. (2) جاء السند في المصدر هكذا: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال: حدثنا الحسن بن علي الزعفراني، قال: حدثنا أبو إسحاق ابراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا المسعودي، قال: حدثنا محمد. (3) في نسخة من المصدر، وفي (س): كان بعهد من رسول الله. (4) في أمالي المفيد: فانا، وهو الظاهر. (5) خط في (س) على لفظة: عنك. (6) في المصدر: فعلى م. وليس الفرق إلا في الكتابة. (7) في الامالي: فعلى م. وليس الفرق إلا في الكتابة. (8) في المصدر: انتقصنا، وفيه نسخة: انتقصناه، وفي س (): انتقض.
[583]
من قريش فينا، وقد كان لي على الناس حق لو ردوه إلي عفوا قبلته وقمت به، فكان (1) إلى أجل معلوم، وكنت كرجل له على الناس حق إلى أجل، فإن عجلوا له ماله أخذه وحمدهم عليه، وإن أخروه أخذه غير محمود (2)، وكنت كرجل يأخذ السهولة وهو عند الناس محزون، وإنما يعرف الهدى بقلة من يأخذه من الناس، فإذا سكت فاعفوني، فإنه لو جاء أمر تحتاجون (3) فيه إلى الجواب أجبتكم، فكفوا عني ما كففت عنكم. فقال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين ! فأنت - لعمرك - كما قال الاول: لعمري (4) لقد أيقظت من كان نائما * وأسمعت من كانت له اذنان بيان خزمت البعير بالخزامة وهي حلقة من شعر تجعل في وترة انفه يشد فيها
الزمام (5). قوله عليه السلام: رعيان البهم. أي رعاة البهائم والانعام (6). وقال الجوهري: يقال: اعطيته عفو المال: يعني بغير مسألة (7). وقال في النهاية - في حديث المغيرة -: محزون اللهزمة. أي خشنه. ومنه الحديث (8): احزن بنا المنزل. أي صار ذا حزونة (9). ويجوز ان يكون من قولهم
(1) في الامالي: وكان. (2) في المصدر: محمودين، وكذلك في (ك). (3) جاءت في طبعتي البحار: خ. ل: تحتاجوني. (4) في المصدر: لعمرك. (5) ذكره في الصحاح 5 / 1911، ولسان العرب 12 / 175، وغيرهم. (6) قاله في الصحاح 6 / 2358، والقاموس 4 / 335. (7) كما في الصحاح 6 / 2432، والقاموس 4 / 364، وغيرهم. (8) في المصدر: ومنه حديث الشعبي. (9) في (ك): ذو حزونة، وهو سهو.
[584]
احزن الرجل واسهل: إذ ركب الحزن والسهل (1). 17 - كا (2): في الروضة، علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب ويعقوب السراج، عن أبي عبد الله عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى، ودنا فتعالى، وارتفع فوق كل منظر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، وحجة الله على العالمين، مصدقا للرسل الاولين، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، فصلى الله وملائكته عليه وعلى
آله. أما بعد، أيها الناس ! فإن البغي يقود أصحابه إلى النار، وإن أول من بغى على الله جل ذكره عناق بنت آدم، وأول قتيل قتله الله عناق، وكان مجلسها جريبا من الارض (3) في جريب، وكان لها عشرون إصبعا في كل إصبع ظفران مثل المنجلين، فسلط الله عزوجل عليها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها، وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم، وآمن ما كانوا، وأمات هامان، وأهلك فرعون، وقد قتل عثمان، ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله، والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة، ولتساطن سوطة القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقن سابقون كانوا قصروا، وليقصرن سابقون (4) كانوا سبقوا، والله ما كتمت وشمة، ولا كذبت كذبة، ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم، ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل أهلها عليها (5)، وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار، ألا وإن التقوى مطايا
(1) النهاية 1 / 380، وانظر: لسان العرب 13 / 113. (2) الكافي 8 / 67 - 68، حديث 23. (3) في المصدر: من الارض، نسخة بدل. (4) في (ك) نسخة: سباقون. (5) في المصدر: عليها اهلها، بتقديم وتأخير.
[585]
ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمتها، فأوردتهم الجنة، وفتحت لهم أبوابها، وجدوا ريحها وطيبها، وقيل لهم: [ادخلوها بسلام ءآمنين] (1)، ألا وقد سبقني إلى هذا الامر من لم اشركه فيه، ومن لم أهبه له، ومن ليس له منه نوبة (2) إلا نبي (3) يبعث، ألا ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، أشرف منه [على شفا
جرف هار فانهار به في نار جهنم] (4) حق وباطل، ولكل أهل، فلئن أمر الباطل لقديما ما (5) فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر شئ فأقبل، ولئن رد عليكم أمركم إنكم سعداء، وما علي إلا الجهد، وإني لاخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي، ولو أشاء لقلت: عفا الله عما سلف، سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه، ويله ! لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة والنار أمامه، ثلاثة واثنان، خمسة ليس لهم سادس، ملك يطير بجناحيه، ونبي أخذ الله بضبعيه، وساع مجتهد، وطالب يرجو، ومقصر في النار، اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة، عليها يأتي الكتاب (6) وآثار النبوة، هلك من ادعى، وخاب من افترى، إن الله أدب هذه الامة بالسيف والسوط وليس لاحد عند الامام فيهما هوادة، فاستتروا في بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم، والتوبة من ورائكم، من أبدى (7) صفحته للحق هلك.
(1) الحجر: 46. (2) في بعض النسخ: توبة، وهي التي ستأتي في بيان المصنف قدس سره. (3) كذا، وفي (ك) نسخة: بنتي، وفي المصدر: إلا بنبي. . . . (4) التوبة: 109. (5) لا توجد في المصدر: ما، ووضع عليها رمز نسخة بدل في مطبوع البحار. (6) في (س) هنا نسخة بدل: عليها ما في الكتاب، ذكرها في هامش مطبوع الروضة. (7) في (ك): ايدي، ولا معنى لها هنا ظاهر.
[586]
بيان: قوله عليه السلام: علا فاستعلى. الاستعلاء هنا مبالغة في العلو، أي
علا عن رتبة المخلوقين فاستعلى عن التشبه بصفاتهم، أو كان عاليا بالذات والصفات فأظهر وبين علوه بالايجاد، أو طلب علوه من العباد بأن يخضعوا عنده ويعبدوه، وعلى الاخيرين يكون الاستفعال للطلب بتقدير أو تجوز. قوله عليه السلام: ودنا فتعالى. أي دنا من كل شئ فتعالى أن يكون في مكان، إذ لا يمكن أن يكون للمكاني الدنو (1) من كل شئ، أو دنوه دنو علم وقدرة وايجاد وتربية، وهو عين علوه وشرافته ورفعته، فليس دنوه دنوا منافيا للعلو، بل مؤيد له، ويحتمل في الفقرتين أن يكون الفاء بمعنى الواو. أي علا وكثر علاؤه، ودنا وتعالى أن يكون دنوه كدنو المخلوقين. قوله عليه السلام: وارتفع فوق كل منظر. المنظر: النظر (2) والموضع المرتفع (3) وكل ما نظرت إليه فسرك أو ساءك (4)، فالمراد (5) أنه - تعالى - ارتفع عن كل محل يمكن أن ينظر إليه، أي ليس بمرثي ولا مكاني، أو ارتفع عن كل نظر فلا يمكن لبصر الخلق النظر إليه، أو ارتفع عن محال (6) النظر والفكر فلا يحصل في وهم ولا خيال ولا عقل، ويحتمل معنى دقيقا بأن يكون المراد بالارتفاع فوقه: الكون عليه والتمكن فيه مجاز. أي ظهر لك في كل ما نظرت إليه بقدرته وصنعه وحكمته.
(1) في (ك) وضع على كلمة: الدنو، رمز نسخة بدل. (2) ذكره في القاموس 2 / 144، وتاج العروس 3 / 573، ولسان العرب 5 / 215. (3) قال في مجمع البحرين 3 / 498: المنظر: المرقب. وفي الصحاح 2 / 831: المنظرة: المرقبة. وذكر في لسان العرب 5 / 217 - 218: والمنظرة موضع في رأس جبل فيه رقيب ينظر العدو ويحرسه. والمناظر: اشراف الارض لانه ينظر منه. (4) كما في القاموس 2 / 144، وتاج العروس 3 / 573، ولسان العرب 5 / 217. (5) في (ك): والمراد.
(6) في نسخة على (ك): محل.
[587]
قوله عليه السلام: خاتم النبيين. - بفتح التاء وكسرها (1) -. . . . أي آخرهم (2). قوله عليه السلام: فان البغي. أي الظلم والفساد والاستطالة (3). قوله عليه السلام: وإن أول من بغى. كأنها كانت مقدمة على قابيل. قوله عليه السلام: وأول قتيل قتله الله. أي بالعذاب. قوله عليه السلام: في جريب. لعل المراد أنها كانت تملا مجموع الجريب بعرضها وثخنه. وفي تفسير علي بن ابراهيم: وكان مجلسها في الارض موضع جريب (4)، وفيما رواه ابن ميثم (5) - بتغيير ما -: كان مجلسها من الارض جريب. قوله عليه السلام - مثل المنجلين. المنجل - كمنبر - ما يحصد به (6). قوله عليه السلام: وأمات هامان. أي عمر، وأهلك فرعون. يعني أبا بكر، ويحتمل العكس، ويدل على أن المراد هذان الاشقيان: قوله عليه السلام: وقد قتل عثمان. ويمكن أن يقرأ قتل - على بناء المعلوم والمجهول -، والاول أنسب بما تقدم. قوله عليه السلام: ألا وإن بليتكم. أي ابتلاءكم وامتحانكم بالفتن (7). قوله عليه السلام: لتبلبلن بلبلة. البلبلة: الاختلاط، وتبلبلت الالسن. أي اختلطت (8).
(1) في (س): وكسر التاء. (2) صرح به في القاموس 4 / 102، وتاج العروس 8 / 267، ولسان العرب 12 / 164. (3) قاله في القاموس 4 / 304، وانظر: لسان العرب 14 / 78.
(4) تفسير علي بن ابراهيم 2 / 134. (5) في شرحه على نهج البلاغة 1 / 297. (6) كما في مجمع البحرين 5 / 478، والصحاح 5 / 1826. (7) ذكره في مجمع البحرين 1 / 60، ونحوه في القاموس 4 / 305. (8) كما في لسان العرب 11 / 68، وانظر: القاموس 3 / 337، ومجمع البحرين 5 / 325.
[588]
وقال ابن ميثم: وكنى بها عما يوقع بهم بنو أمية وغيرهم من امراه الجور من الهموم المزعجة، وخلط بعضهم ببعض، ورفع أراذلهم، وحط أكابرهم عما يستحق كل من المراتب (1). وقال الجزري: فيه: دنت الزلازل، والبلابل: هي الهموم والاحزان، وبلبلة الصدور (2): وسواسه. ، ومنه الحديث: " انما عذابها في الدنيا البلابل والفتن " يعني هذه الامة، ومنه خطبة علي (ع): " لتبلبلن بلبلة والتغربلن غربلة " (3) انتهى. والاظهر أن المراد اختلاطهم واختلاف أحوالهم ودرجاتهم في الدين بحسب ما يعرض لهم من الفتن. قوله عليه السلام: لتغربلن غربلة. الظاهر أنها مأخوذة من الغربال الذي يغربل به الدقيق، ويجوز أن تكون من قولهم: غربلت اللحم. أي قطعته (4)، فعلى الاول الظاهر أن المراد تمييز جيدهم من رديهم، ومؤمنهم من منافقهم، وصالحهم من طالحهم، بالفتن التي تعرض (5) لهم، كل أن في الغربال يتميز اللب من النخالة، وقيل: المراد خلطهم، لان غربلة الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض. وقال ابن ميثم: هو كناية عن التقاط آحادهم وقصدهم بالاذى والقتل، كما فعل بكثير من الصحابة والتابعين (6)، ولا يخفى ما فيه.
وعلى الثاني، فلعل المراد تفريقهم وقطع بعضهم عن بعض. قوله عليه السلام: ولتساطن سوط القدر. قال الجزري: ساط القدر
(1) شرح النهج لابن ميثم 1 / 300، خطبة 15. (2) في المصدر: الصدر. (3) النهاية 1 / 150، وقريب منه في لسان العرب 11 / 69. (4) قاله في مجمع البحرين 5 / 433، ومثله في الصحاح 5 / 1780. (5) في (س): يعرض. (6) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 1 / 300، أورده بقوله: وكأنه. بنحو الاحتمال.
[589]
بالمسوط والمسواط (1) بسوط، وهو خشبة يحرك بها ما فيها ليختلط، ومنه حديث علي (ع) (2): لتساطن سوط القدر (3). قوله عليه السلام: حتى يعود أسفلكم أعلاكم. أي كفاركم مؤمنين، وفجاركم متقين، وبالعكس، أو ذليلكم عزيزا وعزيزكم ذليلا، موافقا لبعض الاحتمالات السابقة. قوله عليه السلام: وليسبقن سابقون كانوا قصرو. يعني عليه السلام به قوما قصروا في أول الامر في نصرته ثم نصروه واتبعوه، أو قوما قصروا في نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وأعانوه صلوات الله عليه. قوله عليه السلام: وليقصرن سابقون كانوا سبقو. يجري فيه الاحتمالان السابقان، والاول فيهما أظهر كطلحة والزبير وأضرابهما، حيث كانوا عند غصب الخلافة يدعون أنهم من أعوانه صلوات الله عليه، وعند البيعة أيضا ابتدوا بالبيعة وكان مطلوبهم الدنيا، فلما لم يتيسر لهم كانوا أول من خالفه وحاربه. قوله عليه السلام: والله ما كتمت وشمة. أي كلمة (4) مما أخبرني به
الرسول صلى الله عليه وآله في هذه الواقعة، أو مما أمرت باخباره مطلقا، ويمكن أن يقرأ على البناء للمجهول، أي لم يكتم عني رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا، والاول أظهر. قال الجزري: في حديث علي (ع) (5): والله ما كتمت وشمة. أي كلمة (6) انتهى. وفي بعض الروايات: وسمة - بالسين المهملة -، أي ما كتمت علامة (7)
تدل على سبيل الحق، ولكن عميتم عنها، ولا يخفى لطف ضم الكتم مع الوسمة، إذ الكتم - بالتحريك - نبت يخلط بالوسمة يختضب به (1). قوله عليه السلام: ولقد نبئت بهذا المقام. أي أنبأني الرسول صلى الله عليه وآله بهذه البيعة وبنقض هؤلاء بيعتي. قوله عليه السلام: شمس. هو بالضم: جمع شموس، وهي الدابة تمنع ظهرها ولا تطيع راكبها، وهو مقابل الذلول (2)، فشبه عليه السلام الخطايا بخيل صعاب إذا ركبها الناس لا يستطيعون منعها عن أن توردهم المهالك، والتقوى بمطايا زلل (3) مطيعة منقادة أزمتها بيد ركابها (4) يوجهونها حيث ما يريدون. وقوله عليه السلام: واعطوا أزمته. على البناء المفعول [كذا]. أي
أعطاهم من أركبهم أزمتها، ويمكن أن يقرأ على البناء للفاعل. أي أعطي الركاب أزمة المطايا إليها، فهن لكونهن ذللا لا يخرجن عن طريق الحق إلى أن يوصلن ركابهن إلى الجنة. والتقحم: الدخول في الشئ مبادرة من غير تأمل (5). قوله عليه السلام: بسلام. أي سالمين من العذاب، أو مسلما عليكم،
= الواو. والوسمة - بكسر السين -،. . . . والعظلم، يختضب به، وتسكينها لغة. ومثله في مجمع البحرين 6 / 183 - 184. أقول: إن الكلمة (وسمة) في المتن إما أصلها سمة والواو زائدة، وهي بمعنى العلامة، كما ذكره المصنف رحمه الله، أو هي - كما في المتن - وبمعنى النبت الذي بختضب بورقه، ولا يكون لها مناسبة في المقام. (1) ذكره في النهاية 4 / 150، ولسان العرب 12 / 508. (2) قاله في مجمع البحرين 4 / 80، وقريب منه في القاموس 3 / 379، والصحاح 4 / 1071، ولسان العرب 6 / 113. (3) كذا، والظاهر: ذلل. (4) في (ك) نسخة: راكبها، ثم كتب: ظاهر. أقول: لا معنى للاستظهار كما يظهر من السياق. (5) كما ذكره في النهاية: 4 / 18، والقاموس 4 / 161، وغيرهم.
[591]
آمنين من الآفة والزوال. قوله عليه السلام: لم أشركه فيه. أي في الخلافة، ولم أهب كله له، أو لم أهب جرم هذا الغصب له. قوله عليه السلام: ومن ليست له توبة إلا بنبي يبعث. أي لا يعلم قبول
توبة من فعل مثل (1) هذا الامر القبيح، وأضل هذه الجماعات الكثيرة إلا بنبي يبعث فيخبره بقبول توبته. وفي بعض النسخ: نوبة. أي ليست له نوبة في الخلافة إلا بنبي يبعث فيخبر عن الله أن له حصة في الخلافة. وفي أكثر النسخ: إلا نبي - بدون الباء - فالمراد بالتوبة ما يوجب قبولها، أي ليس له سبب قبول توبة إلا بنبي (2)، ولعله من تصحيف النساخ. قوله عليه السلام: أشرف منه. أي بسبب غصبه الخلافة. قوله عليه السلام: على شفا جرف. قال الجوهري (3): شفا كل شئ: حرفه (4)، قال الله تعالى: [وكنتم على شفا حفرة] (5). و (6) قال: والجرف والجرف مثل عسر وعسر: ما تجرفته السيول واكلته من الارض، ومنه قوله تعالى: [على شفا جرف هار] (7). وقال: هار الجرف يهور هورا وهؤورا فهو هائر، ويقال - أيضا - جرف هار خفضوه في موضع الرفع وأرادوا هائر، وهو مقلوب من الثلاثي إلى الرباعي كما
(1) لا توجد: مثل في (س). (2) في (ك): نبي. (3) الصحاح 4 / 1336، وانظر: لسان العرب 9 / 25. (4) في (ك): جرفه. (5) آل عمران: 103، وقد ذكره الجوهري في الصحاح 6 / 2339، وانظر: لسان العرب 14 / 436. (6) لا توجد الواو في (ك). (7) التوبة: 109.
[592]
قلبوا شائك (1) السلاح إلى شاكي السلاح، وهورته فتهور: وانهار. أي انهدم (2).
قوله عليه السلام: حق وباطل. أي في الدنيا، أو هنا، أو بين الناس حق وباطل. قوله عليه السلام: فلئن أمر الباطل. أي كثر، قال الفيروز آبادي: امر - كفرح - امرا وامرة: كثر (3). قوله عليه السلام: فلقديما فعل. أي فوالله لقد فعل الباطل ذلك في قديم الايام، أي ليس كثرة الباطل ببديع حتى تستغرب أو يستدل بها على حقية أهله. قوله عليه السلام: ولئن قل الحق فلربم. أي فوالله كثيرا ما يكون الحق كذلك، ولعل، أي لا ينبغي أن يؤيس من الحق لقتله، فلعله يعود كثيرا بعد قلته، وعزيزا بعد ذلته. قوله عليه السلام: ولقلما أدبر شئ فأقبل. لعل المراد إنه إذا أقبل الحق وأدبر الباطل فهو لا يرجع، إذ رجوع الباطل بعد إدباره قليل، أو المراد بيان أن رجوع الحق إلينا بعد الادبار أمر غريب يفعله الله بفضله ولطفه وحكمته، أو المراد بيان أنه لا يرجع عن قريب، بل إنما يكون في زمن القائم عليه السلام. قوله عليه السلام: ولئن رد اليكم أمركم. أي في هذا الزمان. قوله عليه السلام: وما علي إلا الجهد. أي بذل الطاقة، قال الجوهري: الجهد والجهد: الطاقة، وقرئ: [والذين لا يجدون إلا جهدهم] (4) و (جهدهم).
(1) ؟ ؟ ؟. (2) ؟ ؟ ؟. (3) ؟ ؟ ؟. (4) ؟ ؟ ؟.
[593]
قال الفراء: الجهد - بالضم -: الطاقة، والجهد - بالفتح - من قولك اجهد جهدك في هذا الامر. أي ابلغ غايتك، ولا يقال: اجهد جهدك. والجهد: المشقة (1). قوله عليه السلام: أن تكونوا على فترة. قال في النهاية: في حديث ابن مسعود: أنه مرض فبكى، فقال: انما ابكي لانه اصابني على حال فترة ولم يصبني في حال اجتهاد. أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات، والفترة في غير هذا: ما بين الرسولين من رسل الله تعالى من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة (2) انتهى، فالمعنى أخشى أن تكونوا على فترة وسكون وفتور عن نصرة الحق، أو أن تكونوا كأناس كانوا بين النبيين لا يظهر فيهم الحق ويشتبه عليهم الامور. قوله عليه السلام: ملتم عني ميلة. أي في أول الامر بعد الرسول صلى الله عليه وآله. قوله عليه السلام: ولو أشاء لقلت. أي بينت بطلان الرجلين اللذين اتبعتموهما وكفرهما، لكن لا تقتضيه مصلحة الحال. قوله عليه السلام: عفا الله عما سلف. أي لمن تاب (3) في هذا الزمان. قوله عليه السلام: كان خيرا له، قص الجناحين. كنايه عن منعه ورفع استيلائه وقبض يده عن أموال المسلمين ودمائهم وفروجهم، وقطع رأسه كناية عن قطع ما هو بمنزلة رأسه من الخلافة، أو المراد قتله ابتداء قبل ارتكاب هذه الامور. قوله عليه السلام: شغل. أي بالدنيا عن تحصيل الجنة والحال أن النار
(1) الصحاح 2 / 460، ومثله في لسان العرب 3 / 31. (2) النهاية 3 / 408، ونحوها في لسان العرب 5 / 44 بتقديم وتأخير.
(3) في (س): ناب، وهو غلط.
[594]
كانت أمامه، فكان ينبغي أن لا يشتغل مع هذا بشئ آخر سوى تحصيل الجنة والتخلص من النار. قوله عليه السلام: ثلاثة واثنان. الحاصل أن أحوال المخلوقين المكلفين تدور على خمسة، وإنما فصل الثلاثة عن الاثنين لانهم من المقربين المعصومين الناجين من غير شك، فلم يخلطهم بمن سواهم. الاول: ملك أعطاه الله جناحين يطير بهما في درجات الكمال صورة ومعنى. والثاني: نبي أخذ الله بضبعيه. الضبع - بسكون الباء -: وسط العضد، وقيل: هو ما تحت الابط (1). أي رفع الله بقدرته وعصمته من بين الخلق واختاره وقربه كأنه أخذ بعضده وقربه إليه، ويحتمل أن يكون كناية عن رفع يده وأخذها عن المعاصي بعصمته، وأن يكون كناية عن تقويته، والاول أظهر. والثالث: ساع مجتهد في الطاعات غاية جهده. والمراد إما الاوصياء عليهم السلام أو أتباعهم الخلص (2)، فالاوصياء داخلون في الثاني على سبيل التغليب، أو المراد بالثالث أعم منهم. والرابع: عابد طالب للآخرة بشئ من السعي مع (3) صحة إيمانه، وبذلك يرجو فضل ربه. والخامس: مقصر ضال عن الحق كافر، فهو في النار. قوله عليه السلام: اليمين والشمال مضلة. أي كل ما خرج عن الحق فهو ضلال، أو المراد باليمين ما يكون بسبب الطاعات والبدع فيها، وباليسار ما يكون بسبب المعاصي.
قوله عليه السلام: عليها يأتي الكتاب. أي على هذه الجادة أتى كتاب
(1) قاله في النهاية 3 / 73، وانظر: لسان العرب 8 / 216. (2) نسخة في (ك): الخاص. (3) نسخة في (ك): اما مع. وزيادة (اما) ظاهرة.
[595]
الله وحث على سلوكها، وفي بعض النسخ: ما في الكتاب، وفي نسخ نهج البلاغة (1): باقي الكتاب، ولعل المراد ما بقي من الكتاب في أيدي الناس. قوله عليه السلام: هلك من ادعى. أي من ادعى مرتبة ليس بأهل لها كالامامة. قوله عليه السلام: وليس لاحد عند الامام فيها هوادة. قال الجزري فيه: " لا تأخذه في الله هوادة " أي لا يسكن عند وجوب حدود الله (2) ولا يخابي فيه (3) احدا، والهوادة: السكون والرخصة والمحاباة (4) انتهى. قوله عليه السلام: والتوبة من ورائكم. قال ابن ميثم: تنبيه للعصاة على الرجوع إلى التوبة عن الجري في ميدان المعصية واقتفاء أثر الشيطان، وكونها وراء، لان الجواذب الالهية إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتى اعرض عنها والتفت بوجه نفسه إلى ما كان معرضا عنه من الندم على المصعية، والتوجه إلى القبلة الحقيقية، فإنه يصدق عليه إذن أن التوبة وراءه، أي وراء عقليا، وهو أولى من قول من قال من المفسرين: إن وراءكم بمعنى أمامكم (5). قوله عليه السلام: من أبدى صفحته للحق هلك. قال في النهاية: صفحة (6) كل شئ: وجهه وناصيته (7). أقول: المراد ومواجهة الحق ومقابلته ومعارضته، فالمراد بالهلاك الهلاك في
الدنيا والآخرة، أو المراد إبداء الوجه للخصوم ومعارضتهم لاظهار الحق في كل
(1) نهج البلاغة - محمد عبده - 1 / 50، وذكره صبحي صالح: 58، برقم 16. (2) في المصدر: حد الله تعالى. (3) في (س): فيه. (4) النهاية 5 / 281، وقريب منه في مجمع البحرين 3 / 170. (5) كما في شرح ابن ميثم على النهج 1 / 308 - 309، خطبة 15. (6) في المصدر: صفح. (7) النهاية 3 / 34، وقارن بتاج العروس 2 / 180.
[596]
مكان وموطن من غير تقية ورعاية مصلحة فيكون مذموما، والهلاك بالمعنى الذي سبق، ويؤيد هذا قوله عليه السلام: استتروا في بيوتكم. أو المراد معارضته أهل الباطل على الوجه المأمور به، والمراد بالهلاك مقاساة المشاق والمفاسد والمضار من جهال الناس، ويؤيده ما في نسخ نهج البلاغة (1): هلك عند جهلة الناس. 18 - نهج (2): ومن خطبة له عليه السلام: لا يشغله شأن، ولا يغيره زمان، ولا يحويه مكان، ولا يصفه لسان، و (3) لا يعزب عنه عدد (4) قطر الماء، ولا نجوم السماء، ولا سوافي (5) الريح في الهواء، ولا دبيب النمل على الصفا (6)، ولا مقيل الذر (7) في الليلة الظلماء، يعلم مساقط الاوراق، وخفي طرف الاحداق (8)، وأشهد أن لا إله إلا الله غير معدول به ولا مشكوك فيه ولا مكفور دينه، ولا مجحود (9) تكوينه، شهادة من صدقت نيته، وصفت دخلته، وخلص يقينه، وثقلت موازينه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المجتبى من خلائقه، والمعتام لشرح حقائقه، والمختص بعقائل كراماته، والمصطفى لكرائم (10)
(1) لم نجد الجملة ولا مقارباتها في ما هو مطبوع من نهج البلاغة.
(2) نهج البلاغة - محمد عبده - 2 / 97 - 99، صبحي صالح: 256 - 257، خطبة 178، باختلاف كثير. (3) لا توجد الواو في (ك). (4) لا توجد: عدد، في (س). ولا يعزب. أي لا يخفى ولا يغيب، قاله في مجمع البحرين 2 / 120. (5) سوافي الريح، جمع سافية، من سفت الريح التراب: ذرته أو حملته، ذكره في القاموس 4 / 343. (6) الصفا - مقصورا جمع صفاة -: الحجر الصلد الضخم، كما في القاموس 4 / 352. والدبيب: السير اللين، نص عليه في مجمع البحرين 2 / 55. (7) الذر: صغار النمل، صرح به في القاموس 1 / 34. والمقيل: محل استراحتها ومبيتها، كما جاء في مجمع البحرين 5 / 459. (8) طرف الحدقة: تحركها، ذكره في مجمع البحرين 5 / 89، والحدقة: سواد العين الاعظم، كما في مجمع البحرين 5 / 144. (9) في حاشية (ك): محجوب، ووضع بعدها: نهج. (10) في (ك) نسخة: مكارم.
[597]
رسالاته، والموضحة به أشراط الهدى، والمجلو به غربيب العمى. أيها الناس ! إن الدنيا تغر المؤمل لها والمخلد إليها، ولا تنفس بمن نافس فيها، وتغلب من غلب عليها، وايم الله ما ان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها، لان الله تعالى (1) [ليس بظلام للعبيد] (2)، ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لرد عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد، وإني لاخشى عليكم أن تكونوا في فترة وقد كانت امور عندي (3) مضت، ملتم فيها ميلة كنتم فيها عندي غير محمودين، ولئن رد عليكم أمركم إنكم لسعداء، وما علي إلا
الجهد، ولو أشاء أن أقول لقلت: [عفا الله عما سلف] (4). بيان: قد مر شرح صدر الخطبة في كتاب التوحيد (5). قوله عليه السلام: غير معدول به. أي لا يعادل ويساوي به احد (6)، كما قال تعالى: [بربهم يعدلون] (7). والدخلة - بالكسر والضم -: باطن الامر (8). والمعتام: أي المختار، والتاء تاء الافتعال، ذكره في النهاية (9)، والعقائل - جمع عقيلة - وهي كريمة كل شئ (10).
(1) لا توجد لفظة: تعالى، في المصدر. (2) آل عمران: 182، الانفال: 51، الحج: 10. (3) وضع على: عندي، في (ك) نسخة، ولا توجد في طبعتي نهج البلاغة. (4) المائدة: 95. (5) بحار الانوار 4 / 313. (6) قال في الصحاح 5 / 1761، والقاموس 4 / 13: عدلت فلانا بفلان: إذا سويت بينهم. (7) الانعام: 150. (8) قاله في لسان العرب 11 / 240، وقريب منه في القاموس 3 / 375. وقال: دخلة الرجل - مثلثة -. . . . نيته ومذهبه وجميع أمره وخلده وبطانته. (9) النهاية 3 / 331، ومثله في لسان العرب 12 / 433. (10) نص عليه في القاموس 4 / 19، والصحاح 5 / 1770، وفيهما: اكرم، بدلا من: كريمة.
[598]
والاشراط: العلامات جمع شرط - بالتحريك (1) -. والغربيب - بالكسر -: الاسود الشديد السواد (2). أي المكشوف به ظلم الظلام (3).
واخلد إليه: مال (4). قوله عليه السلام: ولا تنفس. أي لا ترغب (5) إلى من يرغب إليها بل ترميه بالنوائب. قوله عليه السلام: من غلب عليه. أي من غلب إليها وأخذها قهرا فسوف تغلب الدنيا عليه، أو المراد بمن غلب عليها من أراد الغلبة عليه. قوله عليه السلام: في غض نعمة. أي في نعمة غضة: طرية (6). قوله عليه السلام: ليس بظلام. أي لو فعله الله بقوم لفعله بالجميع، لان حكمه في الجميع واحد، فيكون ظلاما، أو المعنى إن ذلك ظلم شديد، ويقال: فزعت إليه فافزعني. أي استغثت إليه فاغاثني (7). والوله: الحزن والحيرة والخوف وذهاب العقل حزنا (8). والشارد: النافر (9).
(1) كما في مجمع البحرين 4 / 257، والصحاح 3 / 1136، وغيرهم. (2) ذكر في مجمع البحرين 2 / 131، والصحاح 1 / 192: الغربيب: شديد السواد. (3) في (ك): الضلال، نسخة بدل، ووضع بعدها: ظاهر. (4) نص عليه في مجمع البحرين 3 / 44، والقاموس 1 / 292. (5) جاء في الصحاح 3 / 985، والنهاية 5 / 95 - 96، وغيرهما، وقال الاول: وانفسني فلان في كذ. أي رغبني فيه، ونفس به. أي ضمن، ونافست في الشئ منافسة ونفاسا: إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم. (6) ذكره في مجمع البحرين 4 / 219، والمصباح المنير 2 / 117. (7) كما في النهاية 4 / 444، ولسان العرب 8 / 252، وغيرهم. (8) قاله في القاموس 4 / 295، ونحوه في لسان العرب 13 / 561. (9) جاء في مجمع البحرين 3 / 77، والصحاح 2 / 494.
[599]
قوله عليه السلام: في فترة. الفترة: الانكسار والضعف وما بين الرسولين (1)، وكنى عليه السلام بها هنا عن أمر الجاهلية. أي إني لاخشنى أن يكون أحوالكم في التعصبات الباطلة والاهواء المختلفة كأحوال أهل الجاهلية. قوله عليه السلام: ملتم فيها ميلة. إشارة إلى ميلهم عنه عليه السلام إلى الخلفاء الثلاثة. وقول ابن أبي الحديد (2) - إشارة إلى اختيارهم عثمان يوم الشورى - يبطله قوله عليه السلام: امور وغير ذلك. قوله عليه السلام: ولئن رد عليكم. أي أحوالكم التي كانت أيام رسول الله صلى الله عليه وآله. قوله عليه السلام: ولو أشاء. أي لو أشاء أن أقول فيما ملتم عن الحق ونبذتم الآخرة وراء ظهوركم بلفظ صريح لقلت، لكني طويت عن ذكره وأعرضت عنه لعدم المصلحة فيه (3)، ولم اصرح بكفركم وما يكون إليه مصير أمركم وما أكننتم (4) وأخفيتم في ضمائركم لذلك. وقوله عليه السلام: عفا الله عما سلف. . . . أي عفا عمن تاب وأناب ورجع، ويحتمل أن يكون من الدعاء الشائع في أواخر الخطب، كقوله عليه السلام: غفر الله لنا ولكم. وأمثاله، وهذه الادعية مشروطة، وقيل: يحتمل أن يكون المعنى لو أشاء أن أقول قولا يتضمن العفو عنكم لقلت، لكني لا أقول ذلك، إذ لا مجال للعفو هنا، ولا يخفى بعده.
(1) صرح به في مجمع البحرين 3 / 434، والصحاح 2 / 777، وغيرهم. (2) في شرحه على نهج البلاغة 10 / 62، خطبة 179. (3) وضع في (ك) على: فيه، ح، أي رمز نسخة بدل.
(4) في (ك): اكتتم، وهي مشوشة في الطبعتين.