[460]

وتجاسر فجسر.
أي اجترأ (1) فاقدم على اظهار ما كان في ضميره.
والضب - بالفتح -: الحقد والغيظ (2)، ولا احفل به.
أي لا ابالي (3).
وبالك الخير - بالباء -.
أي قلبك وشأنك (4)، ويحتمل الياء، حرف الناداء بحذف المنادى أي: يا هذا لك الخير أو يا من لك الخير، وفي بعض النسخ: مالك الخير.
والصعداء - بضم الصاد وفتح العين والمد -: تنفس ممدود (5).
وسكت ملي.
أي طائفة من الزمان (6).
ويتهادى بينن.
أي يمشي بيننا معتمدا علينا (7).
والاذاعة: الافشاء (8).
ولا تريم.
أي لا تبرحا، يقال رام يريم: إذا برح (9) وزال عن مكانه.
والعثرة: الزلة (10)، وعثرنا بكلامن.
أي أخطأنا في حكاية كلامن.
وبرذعة الرحل: الكساء الذي يلقى تحت الرحل (11) على رحل البعير.
ووا لهفاه: كلمة يتحسر بها (12).
(1) كما في القاموس 1 / 390، وغيره.
(2) جاء في لسان العرب 1 / 540، والقاموس 1 / 95.
(3) قاله في الصحاح 4 / 1671، ولسان العرب 11 / 159، وغيرهم.
(4) نص عليه في النهاية 1 / 164، ومجمع البحرين 5 / 326.
(5) ذكره في الصحاح 2 / 498، ولسان العرب 3 / 253، وغيرهم.
(6) انظر: القاموس 4 / 391، والصحاح 6 / 2496، ومجمع البحرين 1 / 397.
(7) كما في الصحاح 6 / 2534، ولسان العرب 15 / 359.
(8) جاء في مجمع البحرين 4 / 328، والصحاح 3 / 1211.
(9) نص عليه في الصحاح 5 / 1939، ومجمع البحرين 6 / 77، وغيرهم.
(10) صرح به في مجمع البحرين 3 / 396، ولسان العرب 4 / 539.
(11) ذكره في الصحاح 3 / 1184، ولسان العرب 8 / 8 إلا أن فيهما: الحلس، بدلا من الكساء.
(12) قاله في القاموس 3 / 197، ولسان العرب 9 / 322.

[461]

والضئيل: الحقير السخيف (1).
وخرج إلي منه.
أي تركها لي وسلمها إلي.
والتلمظ: تتبع بقية الطعام في الفم باللسان (2)، والمعنى لم يذق من حلاوتها أبد.
والتصوب: النزول (3)، والمراد: قلبت هذا الامر ظهرا لبطن، وتفكرت في جميع شقوقه.
والاغضاء: - في الاصل -: إدناء الجفون (4).
ونشب.
أي علق (5)، والمعنى لم أجد بدا من الصبر على الشدة كما يصبر الانسان على قذى في عينه أو شجا في حلقه.
قوله: حتى فرغ منه.
في بعض النسخ: فغر به.
أي فتح فاه (6).
والبشم - بالباء الموحدة والشين المعجمة -: التخمة.
والسئام (7):.
أي لم يسلمها إلي إلا بعد استيفاء الحظ والسأم منه.
ونقم.
أي كره كراهة بالغة حد السخط (8).
والدهاء: النكر وجودة الرأي (9).
والشغف - بالغين المعجمة والمهملة -: شدة الحب (10).
(1) ذكر في مجمع البحرين 5 / 409، والقاموس 4 / 5، قالا: الضئيل: النحيف الدقيق الحقير.
(2) جاء في الصحاح 3 / 1179، ومجمع البحرين 4 / 291، وغيرهم.
(3) كما صرح به في الصحاح 1 / 165، وفي القاموس 1 / 94 مثله في المعنى.
(4) نص عليه في مجمع البحرين 1 / 318، والصحاح 6 / 2448، ولا توجد فيهما: في الاصل.
(5) كما في الصحاح 1 / 224، ومجمع البحرين 2 / 171، وغيرهم.
(6) جاء في مجمع البحرين 3 / 441، والصحاح 2 / 782.
(7) قاله في الصحاح 5 / 1873، والقاموس 4 / 80، وزاد في الاخير: والسآمة، بدلا من: السئام.
(8) ذكر في مجمع البحرين 6 / 180، وقريب منه في الصحاح 5 / 2045.
(9) صرح به في القاموس 4 / 329، والصحاح 6 / 2344، وغيرهم.
(10) قال في مجمع البحرين 5 / 75، و 76، وفي النهاية 2 / 481 في مادة شعف - بالعين المهملة -، ولسان العرب 9 / 179 وفي الجميع ما يستفاد من مجموعة ما ذكره المصنف رحمه الله.

[462]

ويبلوني.
أي يمتحنني ويختبرني (1).
والاخمص: ما لم يصب الارض من القدم (2).
والوفز: العجلة، والمستوفز: الذي يقعد قعودا منتصبا غير مطمئن (3).
أي أوجدني متهيئا للاقدام والنهوض منتظرا للفرصة غير غافل.
واختباه.
أي ادخرها (4).
والغائلة: الداهية (5).
والنظر الشزر: النظر بمؤخر العين (6).
والانفة: الاستنكاف (7) وكراهة الشئ للحمية (8) ولغيره (9).
وامد الشئ غايته (10).
والنواجذ: أقاصي الاسنان (11)، والعض عليها: كناية عن شدة التعلق والتمسك بالشئ (12).
ثم اعلم أن ابن أبي ا لحديد (13) - بعد ما ذكر كلام السيد رضي الله عنه -
(1) ذكره في مجمع البحرين 1 / 60، والقاموس 4 / 305، وغيرهم.
(2) نص عليه في القاموس 2 / 302، ومجمع البحرين 4 / 170، وغيرهم.
(3) نص عليه في القاموس 2 / 195، والصحاح 3 / 901، وانظر: مجمع البحرين 4 / 40، وقد تقدم أن في المصدر: المتشوز، وهو أيضا بمعنى ما في المتن، كما في القاموس 2 / 195.
(4) قاله في مجمع البحرين 1 / 119، والنهاية 2 / 3.
(5) كما في القاموس 4 / 27، ولسان العرب 11 / 507، وغيرهم.
(6) ذكره في مجمع البحرين 3 / 345، والقاموس 2 / 58.
(7) جاء في القاموس 3 / 119، ومجمع البحرين 5 / 28، وغيرهم.
(8) لا توجد: للحمية، في (س).
(9) في النهاية 1 / 76، ولسان العرب 9 / 15 ما يقرب من ذلك المعنى.
(10) نص عليه في مجمع البحرين 3 / 8، والصحاح 2 / 442.
(11) صرح به في الصحاح 2 / 571، ومجمع البحرين 3 / 190، وغيرهم.
(12) ذكره في مجمع البحرين 4 / 217، وقال في النهاية 3 / 252: هذا مثل في شدة الاستمساك.
(13) في شرحه على النهج 2 / 35 - 36 بتصرف.

[463]

قال - ما حاصله -: إنه لا يبعد أن يقال: إن الرضا والسخط والحب والبغض وما شاكل ذلك (1) من الاخلاق النفسانية وإن كانت أمورا باطنة فإنها قد تعلم وتضطر الحاضرون إلى حضولها بقرائن أحوال يفيدهم العلم الضروري، كما يعلم خوف الخائف وسرور المبتهج. . فغير منكر أن يقول قاضي القضاة إن المعلوم ضرورة من حال عمر تعظيم أبي بكر ورضاه بخلافته وتدينه بذلك، فالذي اعترضه السيد به غير وارد عليه، وأما الاخبار التي رواها عن عمر (2) فأخبار غريبة ما رأيناها في الكتب المدونة إلا في كتاب المرتضى وكتاب المستبشر (3) لمحمد بن جرير الطبري - الذي هو من رجال الشعية -.
وأنت تعلم حال الاخبار الغريبة التي لا توجد في الكتب المدونة، كيف هي ؟.
وأورد عليه أن الامور الباطنة والصفات النفسانية لا ريب في أنها قد تظهر (4) أحيانا بظهور آثارهم وشهادة القرائن عليها، لكن الاطلاع عليها - سيما على وجه العلم بها والجزم بحصولها - أمر متعسر، سيما إذا قامت الدواعي إلى إخفائها وتعلق الغرض بسترها، وأكثر ما يظن (5) به العلم في هذا الباب فهو من قبيل الظن، بل من قبيل الوهم، وجميعها - وإن اشتركت في تعسر العلم بها - إلا أنه في بعضها - سيما في بعض الاشخاص، وفي بعض الاحوال أشد - وكثيرا ما يظن المخالطون لرجل وخواصه وبطانته في دهر طويل إنه يتدين بدين أو يحب أحدا أو يبغضه ثم يظهر خلافه، والدواعي إلى إخفاء عمر بعض أبي بكر أو عدم التدين بخلافته أمر واضح لا سترة به، فإنه كان أساسا لخلافته واصلا لامارته، ومع ذلك كانت
(1) لا توجد كلمة: ذلك، في (ك).
(2) في (ك): من عمر.
(3) كذا في المصدر أيضا، والصحيح: كتاب المسترشد في الامامة طبع في النجف، راجع رجال النجاشي: 266.
(4) في (س): نظر.
(5) في (س): نظن.

[464]

خلافة أبي بكر وسيلة إلى ما هو مقصدهم الاقصى، وقرة عيونهم من دفع أهل البيت عليهم السلام عن هذا المقام، فكان قدح عمر في أبي بكر تخريبا لهذا الاساس ومناقضا لذلك الغرض، ولم يكن كارها لخلافة أبي بكر إلا لانه كانت خلافة نفسه أحب إليه وأقر لعينه - كما يظهر من كلام السيد رضي الله عنه ومن رواياته -.
ومن نظر بعين الانصاف علم أن تعظيم عمر لابي بكر وإظهاره الرضا بإمارته - مع كونها وسيلة لانتقال الامر إليه وصرفه عن أهل البيت - لا دلالة فيه بوجه من الوجوه على تدينه بإمامة أبي بكر، وكونها أحب إليه من خلافة نفسه، وإن ما ادعوا من العلم الضروري في ذلك ليس إلا عتوا في التعصب وعلوا في التعسف.
لا يقال: إذا كانت خلافة أبي بكر أساسا لخلافة عمر وسببا لدفع علي عليه السلام عنها فكيف كان عمر - مع شدة حيلته ودهائه - يقول على رؤوس الاشهاد: كانت بيعة أبي بكر فلتة - بالمعنى الذي زعمتموه ؟ وكيف يظهر مكنون ضميره لابي موسى والميغرة وغيرهما - كما يدل عليه الروايات المذكورة ؟ !.
لانا نقول: إما إفشاؤه ما أسر في نفسه إلى أبي موسى والمغيرة وابن عمر فلم يكن مظنة للخوف على ذهاب الخلافة، إذ كان يعرفهم بحبهم له وثيق (1) بأنهم لا يظهرون ذلك إلا لاهله، ولو أظهروه لانكر عليهم عامة الناس، فلم يبال بإفشائه إليهم.
وأما حكاية الفلتة، فكانت بعد استقرار خلافته وتمكن رعبه وهيبته في قلوب الناس، وقد دعاه إليها أنه سمع أن عمار بن ياسر كان يقول: لو قد مات عمر لبايعت عليا عليه السلام - كما اعترف به الجاحظ، وحكاه عنه ابن أبي
(1) كذا، والظاهر: يثق - بتقديم الياء المثناة على الثاء المثلثة -.

[465]

الحديد (1) - قال: وقال غيره.
: إن المعزوم على بيعته لو مات (2) عمر كان (3) طلحة ابن عبيد الله (4)، ويدل على أن قصة الفلتة كانت لمثل ذلك ما في رواية طويلة رواها البخاري (5) وغيره (6) من قول عمر في خطبته أنه: بلغني أن قائلا منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعت فلانا، فلا يغرن امرءا أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وتمت، فلقد كان كذلك، ولكن وقى (7) الله شره.
فخاف من بطلان ما مهدوه وعقدوا عليه العهود والمواثيق من بذل الجهد واستفراغ الوسع في صرف الامر عن أمير المؤمنين عليه السلام ومنعه عنه، ومع ذلك هاج الضغن الكامن في صدره فلم يقدر على إخفائه والصبر عليه، فظهر منه مثل هذا الكلام.
وأما ما ذكره من أن الاخبار التي رواها السيد رضي الله عنه غير موجودة في الكتب، فليس غرضه من إيرادها إلا نوع تأييد لما ذكره من أن ادعائهم العلم الضروري من قبيل المجازفة، ومن راعى جانب الانصاف وجانب الاعتساف علم أن الامر كما ذكره.
ثم قال ابن أبي الحديد (8): اعلم أن هذه اللفظة وأمثالها كان عمر يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى عليه من غلظ الطينة وجفاء الطبيعة، ولا حيلة له فيها، لانه مجبول عليها لا يستطيع تغييره.
ولا ريب عندنا أنه كان يتعاطى أن
(1) في شرحه على نهج البلاغة 2 / 25.
(2) في (س): كان، بدلا من: مات.
(3) لا توجد: كان، في شرح النهج.
(4) في (س): عبد الله - مكبرا -، وهو سهو.
(5) صحيح البخاري 8 / 208، كتاب المحاربين، باب 31.
(6) منهم احمد بن حنبل في مسنده 1 / 55، وابن هشام في سيرته 2 / 658، وابن الاثير في جامع الاصول 4 / 90، حديث 2076، ولا حظ كتاب الصراط المستقيم 3 / 302.
(7) في (س): لقى.
(8) في شرحه على النهج 2 / 27، بتصرف واختصار.

[466]

يتكلف (1) وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة، فينزع به الطبع الجاسي والغريزة الغليظة إلى أمثال هذه اللفظات، ولا يقصد بها سوءا ولا يريد بها تخطئة ولا ذما (2) !، كما قدمناه في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله، وكاللفظات التي قالها عام الحديبية.
وغير ذلك (3)، والله تعالى لا يجازي المكلف إلا بما نواه، ولقد كانت نيته من أظهر (4) النيات وأخلصها لله سبحانه والمسلمين، ومن أنصف علم أن هذا الكلام حق.
ويرد عليه أن اقتضاء الطبيعة واستدعاء الغريزة - التي جعله معذرة له - إن أراد أنه بلغ إلى حيث لم يبق (5) لعمر معه قدرة على إمساك لسانه عن التكلم بخلاف ما في ضميره، بل كان يصدر عنه الذم في مقام يريد المدح، والشتم في موضع يريد الاكرام، ويخرج بذلك عن حد التكليف، فلا مناقشة في ذلك، لكن مثل هذا الرجل يعده العقلاء في زمرة المجانين، ولا خلاف في أن العقل من شروط الامامة.
وإن أراد أنه يبقى مع ذلك ما هو مناط التكليف فذلك مما لا يسمن ولا يغني من جوع، فإن إبليس استكبر على آدم بمقتضى الجبلة النارية ومع ذلك استحق النار وشملته اللعنة إلى يوم الدين، والزاني إنما يزني بمقتضى الشهوة التي جبله الله عليها ولا حيلة له فيها، ومع ذلك يرجم ولا يرحم.
ونعم ما تمسك به في إصلاح هذه الكلمة من قول عمر - في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الرجل ليهذوا، أو إن الرجل ليهجر -، ورده على رسول الله صلى الله عليه وآله: حسبنا كتاب الله، كما سيأتي (6) في مطاعنه مفصلا
(1) في المصدر: أن يتلطف.
(2) في شرح النهج بعد قوله ولا ذما: ولا تخطئة - بتقديم وتأخير -.
(3) سيأتي بحثها في مطاعن عمر مفصلا مع مصادرها، وانظر: الطرائف 2 / 479، وغيره.
(4) في المصدر: أطهر - بالطاء المهملة -.
(5) نسخة في (ك): أنه لم يبق.
(6) سيأتي مفصلا كلامه ومصادره.

[467]

إن شاء الله تعالى.
وهذا في الحقيقة تسليم لما ذكره السيد رضي الله عنه من أنه لا يخرج هذا الكلام من أن يكون طعنا على أبي بكر إلا (1) بأن يكون طعنا على عمر.
ثم قال ابن أبي الحديد (2): وقول المرتضى: قد يتفق من ظهور فضل غير أبي بكر، وخوف الفتنة ما اتفق لابي بكر فلا يستحق القتل، فإن لقائل أن يقول: إن عمر لم يخاطب بهذا إلا أهل عصره، وكان يذهب إلى أنه ليس فيهم كأبي بكر، ولا من يحتمل له أن يبايع فلتة كما احتمل ذلك لابي بكر، فإن اتفق أن يكون في عصر آخر بعد عصره من يظهر فضله، ويكون في زمانه كأبي بكر في زمانه فهو غير داخل في نهي عمر وتحريمه.
ويرد عليه ظاهر (3) مثل هذا الخطاب عمومه لما بعد عصر الخطاب، ولذلك لم يخصص أحد ما ورد في الاخبار من الاوامر والنواهي بزمان دون آخهر.
ولو فرضنا اختصاص الحكم بأهل ذلك العصر نقول: من أين كان يعلم عمر أن مدة خلافته - والعياذ بالله - لا يمتد حينا من الدهر يظهر للناس من فضل رجل من أهل ذلك العصر مثل ما ظهر لابي بكر حتى لا يستحق من دعا إلى بيعته القتل، فإن ظهور الفضل الذي زعمه لابي بكر لم يكن ثابتا له في جميع عمره، بل إنما توهمه فيه من توهم بعد حين وزمان، ولم يكن عمر خطب بهذه (4) الخطبة عند علمه بموته حتى يعلم أنه ليس في أهل العصر من تمد إليه الاعناق مثل أبي بكر فإنه خطب بها أول جمعة دخل المدينة بعد إنصرافه من الحج، ولم يكن طعنه أبو لؤلؤة حتى يعلم أنه سيموت ولا يبقى زمانا يمكن فيه ظهور فضل رجل من أهل العصر فكان اللائق أن يقيد كلامه ببعض القيود ولا يهمل ذكر الشروط.
(1) كلمة: إلا، هنا عاطفة.
(2) في شرحه على النهج 2 / 37، بتصرف.
(3) في (س): أن ظاهر.
ووضع على: أن، رمز الاستظهار وهو كذلك.
(4) في (س): هذه، من دون الباء.

[468]

ولا يخفى أن ما جعله ابن أبي الحديد عذرا لعمر - من أنه ليس فيهم كأبي بكر - باطل على مذهبه، فإنه يرى (1) أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من أبي بكر (2)، على أن اشتراط بلوغ الفضل إلى ما بلغه أبو بكر - لو سلم له فضل - باطل من أصله، إذ لا يشترط في الامام - على رأي من شرط أفضلية الامام - إلا كونه أفضل أهل زمانه لا كونه مثل من كان إماما في زمان من الازمان، وبطلان القول بأنه لم يكن في جملة المخاطبين حينئذ - وإن فرض تخصيص الخطاب بأهل ذلك العصر - من سبق غيره إلى الخيرات، أظهر من أن يخفى على أحد.
وقال في جامع الاصول (3) - في تفسير الفلتة -: الفجأة، وذلك أنهم لم ينتظروا ببيعة أبي بكر عامة الصحابة، وإنما ابتدرها عمر ومن تابعه.
قال: وقيل الفلتة آخر ليلة من الاشهر الحرم فيختلفون فيها أمن (4) الحل هي أم من الحرام فيسارع الموتور إلى درك الثار فيكثر الفساد ويسفك (5) الدماء، فشبه أيام رسول الله (ص) بالاشهر الحرم، ويوم موته بالفلتة في وقوع الشر من ارتداد العرب، وتخلف الانصار عن الطاعة، ومنع من منع الزكاة، والجري على عادة العرب في أن لا يسود القبيلة إلا رجل منه.
ويجوز أن يريد بالفلتة: الخلسة، يعني أن الامامة يوم السقيفة مالت إلى توليها الانفس ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الايدي
(1) توجد كلمة: في، بعد: يرى في (ك).
(2) حيث قال في خطبة شرحه: الحمد لله الذي قدم المفضول على الفاضل.
وقد ورد عن طريق السنة أن عليا عليه السلام أفضل الصحابة، وقامت نصوص متظافرة على أفضلية علي عليه السلام على سائر الصحابة، وسنأتي عليها في حينها - ونذكر منها مصادر الفردوس 3 / 61، حديث 41 / 70 - 4182 [طبعة أخرى: 3 / 88، حديث 3989 - 4001]، وذكرت مصادر في الصراط المستقيم 2 / 68 - 73، وكشف الغمة 1 / 148، ونوادر الاثر في كون علي (ع) خير البشر: 33، وغيره.
(3) جامع الاصول 4 / 98، ذيل حديث 2076.
(4) في المصدر: من - بلا همزة -.
(5) في جامع الاصول: وتسفك.
(*)

[469]

واختلاسا، ومثل هذه البيعة جديرة أن تكون مهيجة للفتن، فعصم الله (1) من ذلك ووقى شرها، وذكر مثل ذلك في النهاية (2).
وأقول: إن سلمنا أن اللفظة الفتلة لا تدل على الذم، وأنه إنما أراد بها محض حقيقتها في اللغة، وهو الامر الذي يعمل فجأة من غير تردد ولا تدبر (3) وكان مظنة للشر والفساد، ففي قوله: وقى الله شرها، وأمره بقتل من دعا إلى مثلها، دلالة على أنه زلة قبيحة وخطيئة فاحشة، فالمستفاد من اللفظة بمجردها - وإن كان أعم من الزلة والخطيئة - إلا أنه حمل عليها، بل على أخص منها، لما هو في قوة المخصصة له، فليس كل زلة وخطيئة يستحق فاعلها القتل، ومن له أدنى معرفة بأساليب الكلام يعلم أنهم يكتفون في حمل اللفظ على أحد المعاني في صورة الاشتراك بأقل مما في هذا الكلام، وقول عمر: من دعاكم إلى مثلها فاقتلوه.
ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
(4).
وإن لم يكن موجودا فيما حكاه في جامع الاصول (5) عن البخاري (6) إلا أن كونه من تتمة كلامه من المسلمات عند الفريقين، واعترف به ابن أبي الحديد (7)، ولا يريب عاقل في أنه لو وجد المتعصبون منهم - كقاضي القضاة والفخر الرازي وصاحب المواقف وشارحه وصاحب المقاصد وشارحه وغيرهم - سبيلا إلى إنكاره لما فاتهم ذلك، ولا احتاجوا إلى التأويلات الركيكة
(1) في جامع الاصول: فعصهم الله.
(2) النهاية لابن الاثير 3 / 467 - 468.
(3) وقد جاء في القاموس 1 / 154، والصحاح 1 / 260، ولسان العرب 2 / 67، والنهاية 3 / 467.
وقد مر.
(4) وقد ذكره ابن أبي الحديد في شرحه 2 / 26.
(5) جامع الاصول 4 / 91 في حديث 2076.
(6) صحيح البخاري 12 / 128 - 135، في مواطن متعددة في أبواب المحاربين، الاعتراف بالزنا، باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت، كتاب الاعتصام وغيرها من الابواب، وذكر في صحيح مسلم مختصرا في باب الحدود، حديث 1691.
باب رجم الثيب.
(7) في شرحه على النهج 2 / 26.

[470]

الباردة.
ومن تتبع كتاب البخاري علم أن عادته في الروايات المشتملة على ما ينافي آرائهم الفاسدة إسقاطه من الرواية أو التعبير بلفظ الكناية تلبيسا على الجاهلين، بل يترك الروايات المنافية لعقائدهم رأسا، وقد قال ابن خلكان (1) في ترجمة البخاري أنه قال: صنفت كتابي الصحيح من ستمائة الف حديث، ونحوه قال في جامع الاصول (2)، وروى (3) عن مسلم أنه أخرج صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة، وعن أبي داود (4) أنه انتخب ما أورده في كتابه من خمسمائة ألف حديث.
ومن أبي داود (4) أنه انتخب ما أورده في كتابه من خمسمائة ألف حديث.
ومن سنة القوم تسمية ما يخالف عقائدهم بغير الصحيح، ولما كان اهتمام البخاري في هذا المعنى أكثر من سائر من زعموا أن أخبارهم من صحاح الاخبار، فلذلك رفض المخالفون أكثر كتبهم في الاخبار، وعظموا كتاب البخاري - مع رداءته في ترتيب الابواب وركاكته في عنوانها - غاية التعظيم، وقدموه على باقي الكتب، ومع ذلك بحمد الله لا يشتبه على من أعمن النظر فيه وفي غيره من كتبهم أنها مملوة من الفضائح، ومشحونة بالاعتراف بالقبائح.
وأما ما ذكره في تفسير الفلتة بآخر الاشهر الحرم وتوجيهه في ذلك، فقد عرفت ما فيه، وما ذكره من تفسيره (5) بالخلسة فهو تفسير صحيح، إلا أن الحق أنها خلسة سرقتة عن ذي الحق لا عن النفوس التي مالت إلى تولي الامامة، فإنهم كانوا - أيضا - من السارقين، والاخذ من السارق لا يسمى اختلاسا، وهو واضح.
(1) وفيات الاعيان 4 / 190.
(2) في مقدمة جامع الاصول 1 / 186.
(3) ابن الاثير في جامع الاصول 1 / 188، وفي مقدمة صحيح مسلم 1 / 2.
(4) وروي عنه في جامع الاصول 1 / 190، وجاء في سنن أبي داود.
(5) في (ك): تفسيره.

[471]

الطعن الخامس: أنه ترك إقامة الحد والقود في خالد بن الوليد وقد قتل مالك بن نويرة وضاجع امرأته من ليلته، وأشار إليه عمر بقته وعزله، فقال: إنه سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه (1).
وقال عمر مخطابا لخالد: لئن وليت الامر لاقيدنك له.
وقال القاضي في المغني (2) - ناقلا عن أبي علي - أن (3) الردة قد ظهرت من مالك، لان في الاخبار أنه رد صدقات قومه عليهم لما بلغه موت رسول الله صلى الله عليه [وآله] كما فعله سائر أهل الردة، فاستحق القتل (4).
قال أبو علي: و (5) إنما قتله لانه ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: صاحبك وأوهم بذلك أنه ليس بصاحب له، وكان عنده أن ذلك ردة، وعلم
(1) وقد جاءت قصة قتل خالد مالك بن نويرة في تاريخ ابن جرير 2 / 502.
والاصابة لابن حجر 2 / القسم الاول / 99، وغيرهم.
وانظر: الصراط المستقيم 2 / 279 - 280، وغيره.
ولكشف رأي الخليفة في قصة مالك انظر: الغدير 7 / 158 - 196، وقد حكى القصة مفصلا عن جملة من المصادر، ولا حظ: تاريخ أبي الفداء 1 / 158، تاريخ الطبري 3 / 241 [طبعة أخرى: 4 / 66 - 68]، تاريخ ابن الاثير 3 / 149 [طبعة أخرى 2 / 536]، تاريخ ابن العساكر 5 / 105 - 112، تاريخ ابن كثير 6 / 321، تاريخ الخميس 2 / 233، تاريخ ابن شحنة - المطبوع في هامش الكامل - 7 / 165، أسد الغابة 4 / 295، خزانة الادب 1 / 237، الاصابة 1 / 414 و 3 / 357.
وخليفة الاول هو أول من فتح باب التأويل والاجتهاد، وقدس ساحة المجرمين والبغاة، ومحاباة رجال الجرائم والانحرافات في عمله في قصة خالد، إذ نزحه بأعذار مفتعلة عن دنس آثامه الخطيرة، ودرأ عن الحد بذلك، وتلك طامة لحقتها طامات، وبلية ما أكثر ما لقينا منها من بليات إلى يومك هذ.
(2) المغني 20 - القسم الاول -: 355.
(3) في المصدر: وهو أن.
(4) وقد جاء: فاستحق القتل، في المغني في الصحفة: 354.
(5) لا توجد الواو في المصدر.

[472]

عند (1) المشاهدة المقصد - وهو أمير القوم - فجاز أن يقتله، وإن كان الأولى أن لا يستعجل وأن يكشف الامر في ردة حتى يتضح، فلهذا لم يقتله (2).
(وبهذين الوجهين أجاب الفخر الرازي في نهاية العقول (3) وشارح المواقف (4) وشارح المقاصد (5).
ثم قال قاضي القضاة (6): فإن قال قائل: فقد (7) كان مالك يصلي ؟ قيل له (8): وكذلك سائر أهل الردة، وإنما كفروا بالامتناع من الزكاة واعتقادهم إسقاط وجوبها دون غيره.
فإن قيل: فلم أنكر عمر ؟.
قيل (9): كان الامر إلى أبي بكر فلا وجه لانكار عمر، وقد يجوز أن يعلم أبو بكر من الحال ما يخفى على (10) عمر.
فإن قيل فما معنى ما روي عن أبي بكر من: أن خالدا تأول فأخط.
قيل: أراد تأول في عجلته عليه بالقتل (11)، فكان الواجب عنده على خالد
(1) في المغني: ان بدلا من: عند.
(2) لا توجد: في المصدر: فلهذا لم يقتله.
ولا معنى لها، فتدبر.
(3) نهاية العقول: مخطوط.
(4) شرح المواقف للجرجاني 8 / 358.
(5) لم نجدهما في شرح المقاصد للتفتازاني.
(6) المغني 20 / - القسم الاول -: 355.
(7) في (ك): لقد.
(8) من قوله: فإن قال.
إلى قيل له، لا توجد في المصدر وجاءت في الشافي 4 / 161، وشرح النهج لابن أبي الحديد 17 / 203.
(9) في المغني:: فإن قيل: فلم أنكر عليه عمر ؟.
قيل له.
، ولا توجد: له، في الشافي، وما جاء في شرح النهج كالمتن.
(10) نسخة جاءت في (س): عن، بدلا من: على.
وجاءت العبارة في المصدر هكذا: وقد يجوز أنه علم من حاله ما يخفى عن عمر.
(11) في المصدر: بالقول، بدلا من: بالقتل.

[473]

أن يتوقف للشبهة (1).
واستدل أبو علي على ردة مالك بأن أخاه متمم بن نويرة لما أنشد عمر مرثية أخيه (2) قال له عمر: وددت أني أقول الشعر فأرثي زيدا كما رثيت أخاك.
فقال له متمم: لو قتل أخي على مثل ما قتل عليه أخوك لما رثيته.
فقال له عمر: ما عزاني أحد كتعزيتك (3)، فدل هذا على أنه لم يقتل على الاسلام (4).
ثم أجاب عن تزويجه بامرأته بأنه أذا قتل على الردة في دار الكفر جاز ذلك عند كثير من أهل العلم وإن كان لا يجوز أن يطأها إلا بعد الاستبراء، فأما وطئه لامرأته (5) فلم يثبت عنده، ولا يجوز (6) أن يجعل طعنا في هذا الباب.
واعترض عليه السيد المرتضى رضي الله عنه في الشافي (7) بقول: أما صنيع (8) خالد - في قتل مالك بن نويرة واستباحة ماله وزوجته لنسبته إلى الردة التي لم تظهر، بل كان الظاهر خلافها من الاسلام - فعظيم، ويجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره ولم يقم فيه حكم الله تعالى وأقره على الخطأ الذي شهد هو به على نفسه، ويجري مجراهما من أمكنه أن يعلم الحال فأهملها ولم يتصفح ما
(1) جاءت العبارة في المغني والشافي: فكان عنده الواجب أن يتوقف للشبهة، وفي المغني زيادة لفظ: الاستنابة، بعد كلمة: للشبهة.
(2) في المصدر: مرثيته أخاه.
أقول: وقد جاء قول متمم في الصراط المستقيم 2 / 281 أيض.
(3) في المغني: بتعزيتك، وفي شرح النهج: بمثل تعزيتك.
(4) في المصدر والشافي وشرح النهج زيادة: كما قتل زيد، بعد: الاسلام.
(5) لا توجد في المغني: لامرأته.
(6) في المصدر والشافي وشرح النهج: ولا يصح: بدلا من: ولا يجوز.
(7) الشافي 4 / 162 - 167.
وفي الحجرية منه: 422 - 423.
وجاء في شرح النهج لابن أبي الحديد 17 / 204 - 207.
(8) في المصدر: أما صنع.
وفي شرح النهج: أما منع.

[474]

روي من الاخبار في هذا الباب، وتعصب لاسلافه (1) ومذهبه (2)، وكيف يجوز عند خصومنا على مالك وأصحابه جحد الزكاة مع المقام على الصلاة، وهما جميعا في قرن (3) ؟ ! لان العلم الضروري بأنهما من دينه صلى الله عليه وآله وشريعته على حد واحد، وهل نسبة مالك إلى الردة - بعد (4) ما ذكرناه - إلا قدح في الاصول ونقض لما تضمنته من أن الزكاة معلومة ضرورة من (5) دينه صلى الله عليه وآله ؟.
وأعجب من كل عجيب قوله: وكذلك سائر أهل الردة - يعني انهم كانوا يصلون ويجحدون الزكاة - ؟ ! لانا قد بينا أن ذلك مستحيل غير ممكن، وكيف يصح ذلك وقد روى جميع أهل النقل أن أبا بكر وصى (6) الجيش الذين أنفذهم بأن يؤذنوا ويقيموا، فإن أذن القوم بأذانهم وأقاموا (7) كفوا عنهم، وإن لم يفعلوا أغاروا عليهم ؟ ! فجعل إمارة الاسلام والبراءة من الردة الاذان والاقامة، وكيف يطلق في سائر أهل الردة ما يطلقه من أنهم كانوا يصلون ؟ ! وقد علمنا أن أصحاب مسيلمة وطليحة وغيرهما ممن ادعى النبوة وخلع الشريعة ما كانوا يصلون (8) ولا شيئا مما جاءت به شريعتنا، وقصة مالك معروفة عند من تأملها من كتب النقل والسيرة، وأنه قد كان (9) على صدقات قومه بني يربوع واليا من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما بلغته وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أمسك عن أخذ
(1) في (ك): لاسلامه، والمذكور هنا أورده هناك نسخة بدل.
(2) لا توجد في المصدر: وتعصب لاسلافه ومذهبه، ولكن أوردها ابن أبي الحديد في شرحه على النهج 17 / 202.
(3) جاء في حاشية (ك) ما يلي: القرن - بتحريك -: حبل يجمع به البعيران.
منه قدس سره.
انظر: القاموس 4 / 258، والصحاح 6 / 2180، وغيرهم.
(4) في المصدر وشرح النهج: مع، بدلا من: بعد.
(5) لا توجد كلمة: من، في (ك).
(6) في الشافي وشرح النهج: لما وصى.
(7) في الشافي وشرح النهج: كأذانهم وإقامتهم.
(8) في المصدر وشرح النهج: ما كانوا يرون الصلاة.
(9) في الشافي: عند من تأملها من أهل النقل لانه كان.
(*)

[475]

الصدقة من قومه، وقال لهم: تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي صلى الله عليه وآله وننظر ما يكون من أمره، وقد صرح بذلك في شعره حيث يقول: وقالت رجال سدد اليوم مالك * وقال رجال، مالك لم يسدد فقلت دعوني لا أبا لابيكم * فلم أخط (1) وأيا (2) في المقال ولا اليد وقلت خذوا أموالكم غير خائف * ولا ناظر فيما يجئ به غدي (3) فدونكموها إنما هي مالك * مصررة (4) أخلافها لم تجدد سأجعل نفسي دون ما تخذرونه * وأرهنكم يوما بما قتله يدي فإن قام بالامره (5) المجدد (6) قائم * أطعنا وقلنا الدين دين محمد فصرح - كما ترى - أنه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم وتقربا إليهم إلى أن يقوم بالامر من يدفع ذلك إليه.
وقد روى جماعة من أهل السير (7) وذكره الطبري في تاريخه (8) أن مالكا نهى قومه عن الاجماع على منع الصدقات وفرقهم، وقال: يا بني يربوع ! إن كنا قد عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الدين، وبطأنا الناس عليه (9) فلم نفلح ولم ننجح، وإني قد نظرت في هذا الامر فوجدت الامر يتأتى لهم بغير سياسة، وإذ الامر لا يسوسه الناس فإيكم ومعاداة قوم يصنع لهم، فتفرقوا على ذلك إلى أموالهم،
(1) لعله يقرأ في البحار: فلم أحظ، بمعنى: لم أفضل، كما في الصحاح 6 / 2316، وغيره.
(2) في المصدر وشرح النهج: رأيا، والوأي: الوعد، كما نص عليه في الصحاح 6 / 2518.
(3) في الشافي: به عندي.
وروي: من الغد.
(4) في (س): مصردة.
وهي بمعنى مقللة، كما في لسان العرب 3 / 249، ومصررة.
أي مجتمعة، قد ذكره في اللسان 4 / 452.
(5) في (ك): بالامن.
(6) في المصدر: المحدث.
(7) كابن الاثير في كامله 2 / 358.
(8) تاريخ الطبري 3 / 176 [3 / 279 - 280] حوادث سنة 11 ه‍، بتصرف واختصار.
(9) في المصدر: عنه، بدلا من: عليه.

[476]

ورجع مالك إلى منزله، فلما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الاسلام، وأن يأتوه بكل من لم يجب، وأمرهم (1) إن امتنع أن يقاتلوه، فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع، واختلفت السرية في أمرهم، وفي السرية (2) أبو قتادة الحرث بن ربعي، فكان (3) ممن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا، فلما اختلفوا فيهم أمر بهم خالد فحبسوا، وكانت ليلة باردة لا يقوم لها شئ، فأمر خالد مناديا ينادي: أدفئوا أسراءكم، فظنوا أنه أمرهم (4) بقتلهم، لان هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة للقتل، فقتل ضرار بن الازود (5) مالكا، وتزوج خالد زوجته أم تميم بنت المنهال.
وفي خبر آخر (6): أن السرية التي بعث بها (7) خالد لما غشيت القوم تحت الليل راعوهم (8) فأخذ القوم السلاح، قال: فقلنا: إنا لمسلمون.
فقالوا: ونحن المسلمون.
قلنا: فما بال السلاح ؟.
قالوا لنا: فما بال السلاح معكم ؟.
قلنا: فضعوا السلاح.
فلما وضعوا ربطوا أسارى، فأتوا بهم خالدا، فحدث أبو قتادة خالد بن الوليد بأن القوم نادوا بالاسلام (9) وأن لهم أمانا، فلم يلتفت خالد إلى
(1) لا توجد في الشافي: أمرهم.
(2) في المصدر: فيهم، وفيهم أبو قتادة.
، بدلا من: في أمرهم وفي السرية.
وما هنا جاء في شرح النهج.
(3) في الشافي: وكان.
(4) وضع في المطبوع من البحار على: هم، رمز نسخة بدل.
(5) في المصدر: ضرار بن الحارث بن الازور.
(6) أورده الطبري في تاريخه 3 / 280، وغيره.
(7) في الشافي: فيه.
(8) جاءت في المصدر زيادة: له، قبل: راعوهم.
وفي حاشية (ك) ما يلي: راعوهم.
أي افزعوهم، وخاف القوم منهم.
منه (قدس سره).
انظر: مجمع البحرين 4 / 340، والصحاح 3 / 1223.
(9) في (ك): الاسلام - بلا باء -.

[477]

قوله وأمر بقتلهم وقسم سبيهم، فحلف أبو قتادة أن لا يسير تحت لواء خالد في جيش أبدا، وركب فرسه شادا (1) إلى أبي بكر وأخبره (2) بالقصة، وقال له: أني نهيت خالدا عن قتله فلم يقبل قولي، وأخذ بشهادة الاعراب الذين غرضهم الغنائم، وأن عمر لما سمع ذلك تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر (3)، وقال: إن القصاص قد وجب عليه، فلما (4) أقبل خالد بن الوليد قافلا دخل المسجد وعليه قباء له عليه (5) صدأ (6) الحديد، معتجرا (7) بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما (8)، فلما دخل (9) المسجد قام إليه عمر فنزع الاسهم عن رأسه فحطمها، ثم قال: يا عدي نفسه ! أعدوت على امرئ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته، والله لنرجمنك (10) بأحجارك.
وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر مثل ما رأى عمر فيه، حتى دخل إلى (11) أبي بكر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه، فخرج خالد - وعمر جالس في المسجد - فقال: هلم إلي يابن أم شملة (12)، فعرف عمر أن أبا
(1) في الشافي: فركب فرسه شاذا، أي مفردا، وهو الظاهر.
(2) في المصدر: وخبره.
(3) جاء في الشافي: وأكثر.
(4) في (س) من البحار وفي شرح النهج: ولما (5) وضع في (ك) على: عليه، رمز نسخة بدل.
(6) قال في مجمع البحرين 1 / 261: صدأ الحديد: وسخه.
(7) في (ك): معتجز.
وما أثبتناه هو الظاهر.
والاعتجار: لف العمامة على الرأس ويرد طرفها على وجهه، ولا يجعل شيئا تحت ذقنه، قاله في مجمع البحرين 3 / 397.
وأما الاعتجاز فلم يستعمل، ومجرده إما من العجز أو التعجز، ويقال: تعجزت البعير.
أي ركبت عجزه.
(8) في المصدر: سهم.
(9) في الشافي: فلما أن دخل.
وهي نسخة جاءت في (ك).
(10) في المصدر: لارجمنك.
(11) في الشافي: على، بدلا من: إلى، وهو الظاهر.
(12) جاء في حاشية (ك): ما يلى: الشملة: كساء يشتمل به، كأنه عير عمر بأن أمها [كذا] كانت تلبسه لفقرها، وأم شملة: كنية للدنيا وللخمر أيضا، فلعله عيره بهما، وعلى الاخيرين يحتمل أن = = يكون خطابا لنفسه يتحما [كذا] بإقبال الدنيا عليه وحصول سكر الدولة له.
منه (قدس سره).
أقول: ما ذكره للشملة وأم شملة من المعنى جاء في القاموس 3 / 403 في مادة شمل.

[478]

بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته.
وقد روى - أيضا - أن عمر لما ولي جمع عشيرة (1) مالك بن نويرة - من وجده منهم - واسترجع (2) ما وجد عند المسلمين من أموالهم نسائهم وأولادهم (3) فرد ذلك جميعا عليهم (4) مع نصيبه (5) كان فيهم.
وقيل: إنه ارتجع بعض نسائهم من نواحي دمشق - وبعضهن حوامل - فردهن على أزواجهن.
فالامر ظاهر في خطأ خالد وخطأ من تجاوز عنه، وقول صاحب المغني (6) - إنه يجوز أن يخفى على عمر ما يظهر لابي بكر - ليس بشئ، لان الامر في قصة خالد لم يكن مشتبها، بل كان مشاهدا معلوما لكل من حضر، وما تأول به في القتل لا يعذر لاجله، وما رأينا أبا بكر حكم فيه (7) بحكم المتأول ولا غيره، ولا تلافى خطأه وزلله، وكونه: سيفا من سيوف الله - على ما ادعاه - لا يسقط عنه الاحكام، ولا يبرئه من الآثام.
فأما قول متمم: لو قتل أخي على ما قتل عليه أخوك لما رثيته.
(8) فإنه لا يدل على أنه كان مرتدا، وكيف يظن عاقل أن متمما يعترف بردة (9) أخيه وهو
(1) في الشافي: جمع من بقي من عشيرة.
(2) لا توجد في (س): من وجده منهم.
(3) جاء في المصدر بتقديم وتأخير: وأولادهم ونسائهم.
وجاء في (ك): فرد ذلك عليهم جميعا - بتقديم وتأخير -.
(4) في (ك): عليهم جميع.
(5) في الشافي: مع نصيبه الذي.
(6) في المصدر: صاحب الكتاب.
(7) في المصدر: وتأوله في القتل إن كان تأول لا يعذره وما رأينا حكم فيه.
(8) الذي مر قريبا صفحة 473، وحكاه في الصراط المستقيم 2 / 281، وغيره.
(9) في الشافي: اعترف بردة، وفي (س): يعترف ردة.

[479]

يطالب أبا بكر بدمه والاقتصاص من قاتله ورد سبيه، فإنما (1) أراد في الجملة التقرب إلى عمر بتقريظ (2) أخيه.
ثم لو كان ظاهر القول كباطنه (3) لكان إنما يفيد تفضيل قتلة زيد (4) على قتلة مالك، والحال في ذلك أظهر، لان زيدا قتل في بعث المسلمين ذابا عن وجوههم، ومالك قتل على شبهة، وبين الامرين فرق.
فأما قوله في النبي صلى الله عليه وآله: صاحبك.
فقد قال أهل العلم إنه أراد القرشية، لانه خالدا قرشي، وبعد فليس في ظاهر أضافته إليه دلالة (5) على نفيه له عن نفسه، ولو كان علم من مقصده الاستخفاف والاهانة - على ما ادعاه صاحب المغني (6) - لوجب أن يعتذر خالد بذلك (7) عند أبي بكر وعمر، ويعتذر به أبو بكر لما (8) طالبه عمر بقتله، فإن عمر ما كان يمنع من قتل قادح في نبوة النبي صلى الله عليه وآله، وإن كان الامر على ذلك فأي معنى لقول أبي بكر: تأول فأخطأ ؟ !، وإنما تأول فأصاب، إن كان الامر على ما ذكر (9).
وأورد عليه ابن أبي الحديد (10): بأنه لا ملازمة بين القول بوجوب الصلاة وبين القول بوجوب الزكاة، لانه لا تلازم بين العبادتين في الوجود، وكونهما متشاركين في العلم بهما من الدين ضرورة لا يقتضي امتناع سقوط أحدهما بشبهة، فإنهم قالوا
(1) في المصدر: وإنم.
(2) أي بمدح أخيه، كما جاء في القاموس 2 / 398.
(3) في الشافي: هذا القول كما ظنه، بدلا من: القول كباطنه.
(4) في المصدر: تفضيل زيد وقتلته.
(5) في الشافي: دلالته.
(6) في المصدر: صاحب الكتاب.
(7) هنا تقديم وتأخير في الشافي، أي: بذلك خالد.
(8) في المصدر زيادة: له، قبل: لم.
(9) في الشافي: على ما ذكره، وفي شرح النهج: على ما ذكر - بلا ضمير -.
وحكاه ابن أبي الحديد في شرح النهج 17 / 202 - 207 بألفاظ متقاربة.
(10) شرح نهج البلاغة 17 / 208، باختلاف واختصار كثير.
(*)