next page

fehrest page

كشف الغمة في معرفة الأئمة

تأليف العلامة المحقق أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (رهـ)

الجزء الأول

[2]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي ألزمنا كلمة التقوى و وفقنا للتمسك بالسبب الأقوى و شيد لنا ربوع الإيمان فما تعفو و لا تقوى و أيدنا بعصمته فهي أبدا تشتد و تقوى أحمده حمد معترف بإحسانه مغترف من بحار امتنانه شاكر لما أولاه بحسب الإمكان مقر بالتقصير عما يجب من شكر نعمه التي لا تنفد أو تنفد مدة الزمان و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعتقدها الجنان و تشهد بها الجوارح و الأركان و يرويها عن القلب و اللسان و يجر بدائع ألفاظها البيان و يثبتها في صحائف الخلود البنان و أشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده و رسوله ابتعثه و زند الباطل وار و أسد الكفر ضار و النفاق قد هدرت شقاشقه و نعق ناعقة و استعلت رواعده و اشتعلت بوارقه فلم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أخمد نيرانه و زلزل بنيانه و هد بسيف عليه أركانه و أردى بذي فقاره حماته و شجعانه و استقر الدين و ألقى جرانه و عبدوا طوعا و كرها رحمانه و نبذ الجاهلي أصنامه و حل اليهودي سبته و كسر النصراني صلبانه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين اقتفوا آثاره و أعلوا شعاره و كانوا في حياته و بعده أعوانه على الحق و أنصاره و عيبة علمه التي أودعها أسراره صلى الله عليه و آله و عليهم ما لاح نهار مشرق و أينع غصن مورق و رعد راعد و أبرق مبرق و شرف و كرم و عظم.

[3]

و بعد فإن الله سبحانه و له الحمد لما هداني إلى الصراط المستقيم و سلك بي سبيل المنهج القويم و جعل هواي في آل نبيه لما اختلفت الأهواء و رأيي فيهم حيث اضطربت الآراء و ولائي لهم إذ تشعب الولاء و دعائي بهم إذ تفرق الدعاء تلقيت نعمته تعالى بشكر دائم الإمداد و حمد متصل اتصال الآباد و اتخذت هديهم شريعة و منهاجا و مذهبهم سلما إلى نيل المطالب و معراجا و حبهم علاجا لداء هفواتي إذا اختار كل قوم علاجا و صرحت بموالاتهم إذا ورى غيري أوداجي فهم (صلى الله عليه وآله وسلم) عدتي و عتادي و ذخيرتي الباقية في معادي و أنسي إذا أسلمني طبيبي و انقضى تردد عوادي و هداتي إذا جار الدليل و حار الهادي أحد السببين اللذين من اعتلق بهما فازت قداحه و ثاني الثقلين اللذين من تمسك بهما أسفر عن حمد السرى صباحه محبتهم عصمة في الأولى و العقبى و مودتهم واجبة بدليل قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى من أطاعهم فقد أطاع الله و راقبه و من عصاهم فقد جاهره بالعناد و حاربه و نصب نفسه درأة لعقابه و عذابه حين ناصبه جبال العلوم الراسخة و قلل الفخار الشامخة و غرر الشرف البادية إذا انتسبوا عدوا المصطفى و المرتضى و إذا فخروا على الأملاك انقادت و أعطت الرضا و إن جادوا بخلوا السحاب الماطر و أخجلوا العباب الزاخر و إن شجعوا أرضوا الأسمر الذابل و الأبيض الناضر و إن قالوا نطقوا بالصواب و أتوا بالحكمة و فصل الخطاب و عرفوا كيف تؤتى البيوت من الأبواب و طبقوا المفصل في الابتداء و الجواب و ما عسى أن تبلغ المدائح و إلى أين تنتهي الأفكار و القرائح و كيف تنال الصفات قدر قوم أثنى عليهم القرآن و مدحهم الرحمن فهم خيرته من العباد و صفوته من الحاضر و الباد بهم تقبل الأعمال و تصلح الأحوال و تحصل السعادة و الكمال .

[4]

شعر :

هم القوم من أصفاهم الود مخلصا *** تمسك في أخراه بالسبب الأقوى

‏هم القوم فاقوا العالمين مآثرا *** محاسنها تجلى و آياتها تروى

‏بهم عرف الناس الهدى فهديهم *** يضل الذي يقلى و يهدي الذي يهوى

‏موالاتهم فرض و حبهم هدى *** و طاعتهم قربى و ودهم تقوى

و قد كانت نفسي تنازعني دائما أن أجمع مختصرا أذكر فيه لمعا من أخبارهم و جملة من صفاتهم و آثارهم و كانت العوائق تمنع من المراد و عوادي الأيام تضرب دون بلوغ الغرض بالإسداد و الدهر يماطل كما يماطل الغريم و حوادث الأقدار لا تنام و لا تنيم إلى أن بلغ الكتاب أجله و أراد الله تقديمه و كان أجله و أظهره في الوقت الذي قدره له و ألهمني إخراجه من القوة إلى الفعل فأثبت مجمله و مفصله فأعملت فيه فكري و جمعت على ضم شوارده أمري و سألت الله أن يشد أزري و يحط بكرمه وزري و يشرح لإتمامه صدري. فاستجاب الدعاء و تقبله و خفف عني ثقل الاهتمام و سهله فنهضت عزيمتي القاعدة و هبت همتي الراكدة و قلت لنفسي هذا أوان الشد فاشتدي و حين الاعتداد لما ينفع فاعتدي و زمان وفاء الغريم المماطل و إبان إبراز الحق من حيز الباطل و وقت الاهتمام و الشروع و ملازمة النهج المشروع و إثبات المسند و المرفوع و ذكر الأصول و الفروع و ضم أطراف المنقول و المسموع و تحلية الأسماع بجواهر المناقب الفائقة و إبراز الحق في صورته المعجبة الرائقة و اعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ليكون أدعى إلى تلقيه بالقبول و وفق رأي الجميع متى وجهوا إلى الأصول و لأن الحجة متى قام الخصم بتشييدها و الفضيلة متى نهض المخالف بإثباتها و تقييدها كانت أقوى يدا و أحسن مرادا و أصفى موردا و أورى زنادا و أثبت قواعدا و أركانا و أحكم أساسا و بنيانا و أقل شانئا و أعلى شأنا و التزم بتصديقها و إن أرمضته و حكم بتحقيقها و إن أمرضته و أعطى القيادة و إن كان حرونا و جرى في سبل الوفاق و إن كان حزونا و وافق بوده لو قدر على الخلاف و أعطى النصف من

[5]

نفسه و هو بمعزل عن الإنصاف و لأن نشر الفضيلة حسن لا سيما إذا نبه عليها الحسود و قيام الحجة بشهادة الخصم أوكد و إن تعددت الشهود.

شعر :

و مليحة شهدت لها ضراتها *** و الفضل ما شهدت به الأعداء

و نقلت من كتب أصحابنا ما لم يتعرض الجمهور لذكره فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسألة إجماع و إنما ذكرت شيئا من أحواله و صفاته تيمنا به (صلى الله عليه وآله وسلم) و تطريزا لديباجة هذا الكتاب باسمه و تزيينا له به (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و أما أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام فإنه يوجد من مناقبهم و مزاياهم في كتبهم ما لعله كاف شاف.

و أما باقي الأئمة (عليهم السلام) فلا يكاد جماعة من أعيانهم و علمائهم يعرفون أسماءهم و لو عرفوها ما عدوها متسقة متوالية فضلا عن غير ذلك هذا مع حرصهم على معرفة نقلة الأخبار و الأشعار و تدوين الكتب الطويلة في ذلك بل معرفة أجلاف العرب ممن قال بيتا أو أرسل مثلا بل معرفة المغنين و المغنيات و معرفة الأبعاد و نسبة الأصوات بل معرفة المخانيث و المجانين و القصاص و المعلمين و غير ذلك مما لو عدد لطال مما لا يوجب أجرا و لا يخلد ذكرا و يرغبون عن قوم جدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبوهم الوصي و أمهم فاطمة و جدتهم خديجة و أخوالهم الطيب و الطاهر و القاسم و عمهم جعفر ذو الجناحين و قد شهد القرآن بطهارتهم و حث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على حبهم و مودتهم و قد رأيت أنا في زماني من قضاتهم و مدرسيهم من لا يرى زيارة موسى بن جعفر (عليه السلام) و كانوا إذا زرناه قعدوا ظاهر السور ينتظروننا و يعودوا معنا هذا مع زيارتهم قبور الفقراء و الصوفية و ميلهم إلى البله و المختلين الذين لا يهتدوا إلى قول و لا يصلون و لا يتجنبون النجاسات لكونهم على عقائدهم و من المعدودين منهم و متى نسب أحدهم إلى محبة أهل البيت (عليهم السلام) أنكر و اعتذر و إذا رأى كتابا

[6]

يتضمن أخبارهم و فضائلهم عده من الهذر و مزقه شذر مذر نعوذ بالله من الأهواء الفاسدة و العقائد المدخولة و تجنبت فيما أثبته الإكثار و اعتمدت الإيجاز و الاختصار و لو أردت الإطالة وجدت السبيل إليها لاحبا و انثالت علي مفاخرهم فقمت بها خاطبا فإنها أغزر من قطر المطر و أكثر من عدد النجم و الشجر و من أين يقدر المتصدي لجمعها على الإحاطة بأقطارها و الخوض كما يجب في غمارها و هل ذلك إلا طلب متعذر و محاولة مستحيل.

شعر :

و ليس يصح في الأفهام شي‏ء *** إذا احتاج النهار إلى دليل

و لكني اكتفيت بقليل من كثير و يسير من غزير و قطرة من سحاب و نقطة من عباب و حق لكل قائل أن يسمي نفسه مختصرا و إن أطال و مقرا بالعي و إن بسط القول .

و قال و حذفت الأسانيد : و اكتفيت بذكر من يرويها من الأعيان تفاديا من طول الكتاب بحدثنا فلان عن فلان فإن وردت كلمة لغوية أو معنى يحتاج إلى بيان بينته بأخصر ما يمكن فإن هذا ليس بكتاب جدل فأذكر فيه الخلاف و الوفاق و أحمل كل معنى من الشرح و الإيضاح ما أطاق و لكني أشير إلى ذلك إشارة تليق بغرض هذا الكتاب و قصدت به التقرب إلى الله سبحانه و تعالى و إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الطاهر و ابتغاء للأجر و الثواب و لأقدمه ذخيرة ليوم العرض و الحساب و لأجعله مؤنسا إذا أفردت من الأحباب و الأتراب و خلوت بعملي و أنا رهن الثرى و التراب فقد تصديت لإثبات مناقبهم و مفاخرهم على مقدار جهدي لا على قدرهم العالي و نظمت مزاياهم ما هو أحسن من انتظام اللئالي و أوضحت من شأنهم ما يردع القالي و يرد الغالي و أنا أرجو ببركتهم (عليهم السلام) أن يهدي به الله من أعنقه

[7]

الضلالة و يرشد به من خبط في عشواء الجهالة و أن يجعله خالصا لوجهه الكريم و قائدا لنهجه القويم و صراطه المستقيم فبه تعالى و تقدس اهتدينا إلى حبهم و صرنا من حزبهم و إليه تقدست أسماؤه تقربنا بودهم و تمسكنا بعهدهم و اقتفينا منهاج رشدهم و إني لأرجو أن تهب عليه نسمات القبول و يسري في الآفاق سري الصبا و القبول و يشتهر اشتهار الصباح و يطير صيته في الأقطار و ليس بذي جناح و أن ينفعه به و يحسن ثوابي عليه و يجزل حظي من إنعامه و إحسانه و يوفر نصيبي من فضله و امتنانه و سميته كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة.

أبتدئ بعون الله و توفيقه بذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أسمائه و سنه و نسبه و مبعثه و شي‏ء من معجزاته و وقت وفاته و أذكر بعده عليا (عليه السلام) و فاطمة (عليها السلام) و الأئمة من ولدهما عليهم السلام على النسق و الترتيب و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب .

next page

fehrest page