هذا محمد رسول الله - ذكر أسمائه
أشهرها محمد و قد نطق به القرآن المجيد و اشتقاقه من الحمد يقال
حمدته أحمده إذا أثبت عليه بجليل خصاله و أحمدته إذا صادفته محمودا و بناء اسمه
يعطي المبالغة في بلوغه غاية المحمدة.
و من أسمائه : : أحمد و قد نطق به القرآن أيضا و
اشتقاقه من الحمد كأحمر من الحمرة و يجوز أن يكون لغة في الحمد .
قال ابن عباس رضي
الله عنه : اسمه في التوراة ; أحمد الضحوك القتال يركب البعير و يلبس الشملة و يجتزي بالكسرة سيفه على
عاتقه.
و من أسمائه : (صلى الله عليه وآله وسلم) :الماحي .
عن جبير بن مطعم عن
أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن لي أسماء أنا محمد و أنا أحمد و أنا الماحي يمحى بي
الكفر .
[8]
و قيل يمحى به سيئات من اتبعه و يجوز أن يمحى
به الكفر و سيئات تابعيه و أنا الحاشر يحشر الناس على قدمي و أنا العاقب و هو الذي
لا نبي بعده و كل شيء خلف شيئا فهو عاقب و المقفي و هو بمعنى العاقب لأنه تبع
الأنبياء يقال فلان يقفو أثر فلان أي يتبعه.
و من أسمائه : (صلى الله عليه وآله وسلم) :الشاهد لأنه يشهد في
القيامة للأنبياء (عليهم السلام) بالتبليغ على الأمم
بأنهم بلغوا قال الله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ
جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً : أي شاهدا و قال الله تعالى وَ كَذلِكَ
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً و البشير من البشارة لأنه يبشر أهل الإيمان بالجنة
و النذير لأهل النار بالخزي نعوذ بالله العظيم و الداعي إلى الله لدعائه إلى الله
و توحيده و تمجيده و السراج المنير لإضاءة الدنيا به و محو الكفر بأنوار رسالته
كما قال العباس عمه رضي الله عنه يمدحه :
و أنت لما ولدت أشرقت الأرض *** و ضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء و في *** النور و سبل الرشاد نخترق
و من أسمائه : (صلى الله عليه وآله وسلم) : نبي الرحمة قال الله تعالى عز و جل وَ ما أَرْسَلْناكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنما أنا رحمة مهداة .
و الرحمة في كلام العرب العطف و الرأفة و الإشفاق و كان بالمؤمنين
رحيما كما وصفه الله تعالى و قال عمه أبو طالب رحمه الله يمدحه :
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : نبي الملحمة ورد في الحديث و الملحمة الحرب و سمي بذلك
لأنه بعث بالذبح و روي أنه سجد يوما فأتى بعض الكفار بسلى ناقة فألقاه على ظهره و
السلى بالقصر الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي
[9]
فقال يا معشر قريش أي جوار هذا و الذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح فقام إليه أبو جهل و لاذ به من بينهم و قال يا محمد ما كنت جهولا و سمي نبي الملحمة بذلك .
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) :الضحوك كما تقدم أنه ورد في التوراة و إنما سمي بذلك لأنه كان طيب
النفس .
و قد ورد أنه كان فيه دعابة .
و قال : إني لأمزح و
لا أقول إلا حقا .
و قال لعجوز : الجنة
لا تدخلها العجز فبكت فقال إنهن يعدن أبكارا .
و روي عنه مثل هذا كثيرا و كان يضحك حتى يبدو ناجذه و قد ذكر الله
سبحانه لينه و رفقه فقال فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ و كذلك كانت صفته (صلى الله عليه وآله وسلم ) على كثرة من ينتابه من جفاة العرب و أجلاف البادية لا يراه أحد ذا ضجر و لا ذا
جفاء و لكن لطيفا في المنطق رفيقا في المعاملات لينا عند الجوار كان وجهه إذا عبست
الوجوه دارة القمر عند امتلاء نوره (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : القتال سيفه على عاتقه سمي
بذلك لحرصه على الجهاد و مسارعته إلى القراع و دأبه في ذات الله و عدم إحجامه و
لذلك .
قال علي (عليه السلام) : كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله لم يكن منا أحد أقرب إلى
العدو منه .
و ذلك مشهور من فعله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد إذ ذهب القوم في سمع الأرض و بصرها و
يوم حنين إذ ولوا مدبرين و غير ذلك من أيامه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أذل بإذن الله صناديدهم و قتل
طواغيتهم و دوخهم و اصطلم جماهيرهم و كلفه الله القتال بنفسه فقال لا تُكَلَّفُ
إِلَّا نَفْسَكَ فسمي القتال .
[10]
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : المتوكل و هو
الذي يكل أموره إلى الله فإذا أمره الله بشيء نهض به غير هيوب و لا ضرع و اشتقاقه
من قولنا رجل وكل أي ضعيف و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دهمه أمر عظيم أو نزلت به ملمة راجعا إلى
الله عز و جل غير متوكل على حول نفسه و قوتها صابرا على الضنك و الشدة غير مستريح
إلى الدنيا و لذاتها لا يسحب إليها ذيلا و هو القائل ما لي و للدنيا إنما مثلي و
مثل الدنيا كراكب أدركه المقيل في أصل شجرة فقال في ظلها ساعة و مضى .
و قال (عليه السلام) : إذا أصبحت آمنا في سربك معافى في بدنك عندك قوت يومك فعلى الدنيا
العفا .
و قال لبعض نسائه : أ لم أنهك أن تحبسي شيئا لغد فإن الله يأتي برزق كل غد .
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : القثم و له معنيان أحدهما من القثم و هو الإعطاء لأنه
كان أجود بالخير من الريح الهابة يعطي فلا يبخل و يمنح فلا يمنع و قال الأعرابي
الذي سأله أن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر و روي أنه أعطى في يوم هوازن من
العطايا ما قوم خمسمائة ألف ألف و غير ذلك مما لا يحصى و الوجه الآخر أنه من القثم
و هو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم و قثم كذا حدث به الخليل فإن كان هذا
الاسم من هذا فلم تبق منقبة رفيعة و لا خلة جليلة و لا فضيلة نبيلة إلا و كان لها
جامعا قال ابن فارس و الأول أصح و أقرب.
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) :الفاتح لفتحه أبواب الإيمان
المنسدة و إنارته الظلم المسودة قال الله تعالى في قصة من قال
[11]
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ أي احكم فسمي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاتحا
لأن الله سبحانه حكمه في خلقه يحملهم على المحجة البيضاء و يجوز أن يكون من فتحه
ما استغلق من العلم و كذا روي عن علي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يقول في صفته الفاتح لما استغلق و الوجهان
متقاربان.
و من أسمائه : الأمين و هو مأخوذ من الأمانة و أدائها و صدق الوعد و كانت
العرب تسميه بذلك قبل مبعثه لما شاهدوه من أمانته و كل من أمنت منه الخلف و الكذب
فهو أمين و لهذا وصف به جبرئيل (عليه السلام) فقال مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ .
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : الخاتم
قال الله تعالى خاتَمَ النَّبِيِّينَ من قولك ختمت الشيء أي تممته و بلغت آخره و
هي خاتمة الشيء و ختامه و منه ختم القرآن و ختامه مسك أي آخر ما يستطعمونه عند
فراغهم من شربه ريح المسك فسمي به لأنه آخر النبيين بعثة و إن كان في الفضل أولا .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا و
أوتيناه من بعدهم .
فأما المصطفى : فقد شاركه فيه الأنبياء صلى الله عليه و عليهم أجمعين و
معنى الاصطفاء الاختيار و كذلك الصفوة و الخيرة إلا أن اسم المصطفى على الإطلاق
ليس إلا له (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنا نقول آدم مصطفى نوح مصطفى إبراهيم مصطفى فإذا قلنا المصطفى تعين (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذلك من أرفع مناقبه و أعلى مراتبه.
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) :الرسول ; و النبي الأمي .
والرسول و النبي قد شاركه فيهما الأنبياء (عليهم السلام) و الرسول من الرسالة و الإرسال و النبي
يجوز أن يكون من الإنباء و هو الإخبار و يحتمل أن يكون من نبأ إذا ارتفع سمي بذلك
لعلو مكانه و لأنه خيرة الله من خلقه.
[12]
و أما الأمي : فقال قوم
إنه منسوب إلى مكة و هي أم القرى كما قال تعالى بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ
رَسُولًا و قال آخرون أراد الذي لا يكتب قال ابن فارس و هذا هو الوجه لأنه أدل على
معجزه فإن الله علمه علم الأولين و الآخرين و من علم الكائنات ما لا يعلمه إلا
الله تعالى و هو أمي و الدليل عليه قوله تعالى وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ
قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ
.
و روي عنه : نحن أمة أمية لا نقرأ و لا نكتب .
و قد روي غير ذلك .
و من أسمائه : يا أيها المزمل ; يا أيها المدثر : و
معناهما واحد يقال زمله في ثوبه أي لفه و تزمل بثيابه أي تدثر و الكريم في قوله
تعالى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ و سماه نورا في قوله تعالى قَدْ جاءَكُمْ
مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ .
و من أسمائه : نعمة في قوله يَعْرِفُونَ
نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها و عبدا في قوله تعالى نَزَّلَ الْفُرْقانَ
عَلى عَبْدِهِ .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تدعني إلا بياعبده لأنه أشرف أسمائي .
و رءوفا و رحيما في قوله تعالى بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ و
سماه عبد الله في قوله تعالى وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ و
سماه طه و يس و منذرا في قوله تعالى إِنَّما أَنْتَ
[13]
مُنْذِرٌ و مذكر في قوله إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ و نبي التوبة .
و روى البيهقي في
كتاب دلائل النبوة بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله خلق الخلق
[الخلائق] قسمين فجعلني في خيرهما قسما و ذلك قوله تعالى وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ
وَ أَصْحابُ الشِّمالِ فأنا من أصحاب اليمين و أنا من خير أصحاب اليمين ثم جعل
القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما
أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ
السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ فأنا من السابقين و أنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث
قبائل فجعلني في خيرها قبيلة و ذلك قوله تعالى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ
قَبائِلَ لِتَعارَفُوا فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على الله و لا فخر ثم جعل
القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا و ذلك قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فأنا
و أهل بيتي مطهرون من الذنوب و قد رواه ابن الأخضر الجنابذي و ذكره في كتابه معالم
العترة النبوية .
و قال عمه أبو طالب رضي الله عنه :
شعر :
و شق له من اسمه كي يجله *** فذو العرش محمود و هذا محمد
و قيل إنه لحسان من قصيدة أولها :
أ لم تر أن الله أرسل عبده *** و برهانه و الله أعلى و أمجد
و من صفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) التي وردت في الحديث راكب الجمل و محرم الميتة و خاتم
النبوة و حامل الهراوة و هي العصا الضخمة و الجمع الهراوى بفتح الواو مثال المطايا
و رسول الرحمة و قيل إن اسمه في التوراة بمادماد و صاحب الملحمة و كنيته أبو
الأرامل و اسمه في الإنجيل الفارقليط .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا الأول و الآخر .
الأول لأنه أول في النبوة و آخر في البعثة و كنيته أبو القاسم و روى
أنس أنه لما ولد
[14]
له إبراهيم من مارية القبطية أتاه جبرئيل (عليه السلام)
فقال السلام عليك أبا إبراهيم أو يا أبا إبراهيم (صلى الله عليه وآله وسلم) .