next page

fehrest page

back page

ذكر مدة حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)

عاش كما ذكرنا ثلاثا و ستين سنة منها مع أبيه سنتان و أربعة أشهر و مع جده عبد المطلب ثماني سنين ثم كفله عمه أبو طالب بعد وفاة عبد المطلب فكان يكرمه و يحميه و ينصره بيده و لسانه أيام حياته و قيل إن أباه مات و هو حمل و قيل مات و عمره سبعة أشهر و ماتت أمه و عمره ست سنين .

و روى مسلم في صحيحه أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي فزوروا القبور تذكركم الموت .

و تزوج خديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة و توفي عمه أبو طالب و عمره ست و أربعون سنة و ثمانية أشهر و أربعة و عشرون يوما و توفيت خديجة (عليه السلام) بعده بثلاثة أيام فسمي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك العام عام الحزن .

و روى هشام بن عروة عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما زالت قريش كاعة عني حتى مات أبو طالب .

يقال كع يكع كعوعا و حكى يونس يكع بالضم قال سيبويه و الكسر أجود فهو كع و كاع إذا كان جبانا ضعيفا.

و أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيام و قيل ستة أيام و دخل المدينة يوم الإثنين الحادي عشر من ربيع الأول و بقي بها عشر سنين ثم قبض لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة للهجرة .

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لما حضر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل يغمى عليه فقالت فاطمة وا كرباه لكربك يا أبتاه ففتح عينيه و قال لا كرب على أبيك بعد اليوم و قال (عليه السلام) و المسلمون مجتمعون حوله أيها الناس إنه لا نبي بعدي و لا سنة بعد سنتي فمن ادعى ذلك فدعواه و باغيه في النار أيها الناس أحيوا القصاص و أحيوا الحق لصاحب الحق و لا تفرقوا و أسلموا و سلموا كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز .

[17]

و من كتاب أبي إسحاق الثعلبي قال : دخل أبو بكر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو قد ثقل , فقال يا رسول الله متى الأجل ?

قال : قد حضر .

قال أبو بكر : الله المستعان على ذلك , فإلى ما المنقلب ?

قال : إلى السدرة المنتهى و جنة المأوى و إلى الرفيق الأعلى و الكأس الأوفى و العيش المهنا .

قال أبو بكر : فمن يلي غسلك ?

قال رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى .

قال : ففيم نكفنك ?

قال : في ثيابي [بثيابي] هذه التي علي ; أو في حلة يمانية خز ; أو في بياض مصر .

قال : كيف الصلاة عليك ? فارتجت الأرض بالبكاء .

فقال لهم النبي : مهلا عفا الله عنكم ; إذا غسلت و كفنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ; ثم اخرجوا عني ساعة فإن الله تبارك و تعالى أول من يصلي علي ; ثم يأذن للملائكة في الصلاة علي , فأول من ينزل جبرئيل ثم إسرافيل ثم ميكائيل ثم ملك الموت (عليه السلام) في جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها ; ثم ادخلوا علي زمرة زمرة فصلوا علي و سلموا تسليما و لا تؤذوني بتزكية و لا رنة ; و ليبدأ بالصلاة علي الأدنى فالأدنى من أهل بيتي ; ثم النساء ; ثم الصبيان زمرا .

قال أبو بكر : فمن يدخل قبرك ?

قال : الأدنى فالأدنى من أهل بيتي مع ملائكة لا ترونهم قوموا فأدوا عني إلى من ورائكم .

فقلت للحرث بن مرة : من حدثك بهذا الحديث ?

قال : عبد الله بن مسعود .

و عن علي (عليه السلام) قال : كان جبرئيل ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه في كل يوم و في كل ليلة فيقول السلام عليك إن ربك يقرئك السلام و يقول كيف تجدك و هو أعلم بك و لكنه أراد أن يزيدك كرامة و شرفا إلى ما أعطاك على الخلق و أراد أن تكون عيادة المريض سنة في أمتك فيقول له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كان وجعا يا جبرئيل أجدني وجعا فقال له جبرئيل (عليه السلام) اعلم يا محمد أن الله لم يشدد عليك و ما من أحد من خلقه أكرم عليه منك و لكنه أحب أن يسمع صوتك و دعاءك حتى تلقاه مستوجبا للدرجة و الثواب الذي أعد الله لك و الكرامة و

[18]

الفضيلة على الخلق و إن قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجدني مريحا في عافية قال له فاحمد الله على ذلك فإنه يحب أن تحمده و تشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيرا فإنه يحب أن يحمد و يزيد من شكره قال و إنه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسه فقال علي (عليه السلام) فخرج من كان في البيت غيري فقال له جبرئيل يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يسألك و هو أعلم بك كيف تجدك فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجدني ميتا قال له جبرئيل يا محمد أبشر فإن الله إنما أراد أن يبلغك بما تجد ما أعد لك من الكرامة قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن ملك الموت استأذن علي فأذنت له فدخل و استنظرته مجيئك فقال له جبرئيل يا محمد إن ربك إليك مشتاق فما استأذن ملك الموت على أحد قبلك و لا يستأذن على أحد بعدك فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تبرح يا جبرئيل حتى يعود ثم أذن للنساء فدخلن عليه فقال لابنته ادني مني يا فاطمة فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها و عيناها تهملان دموعا فقال لها ادني مني فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها و هي تضحك فتعجبنا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا أنه نعى إليها نفسه فبكت فقال لها يا بنية لا تجزعي فإني سألت الله أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقا بي فأخبرني أنه قد استجاب لي فضحكت قال ثم دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن و الحسين (عليهما السلام) فقبلهما و شمهما و جعل يترشفهما و عيناه تهملان .

و روي عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعوده فقال السلام عليك يا محمد هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدنيا .

وعن عطاء بن يسار : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما حضر أتاه جبرئيل فقال يا محمد الآن أصعد إلى السماء و لا أنزل إلى الأرض أبدا .

و عن أبي جعفر ع قال : لما حضرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة استأذن عليه رجل ; فخرج إليه علي (عليه السلام) فقال : ما حاجتك ?

قال : أريد الدخول على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال علي : لست تصل إليه ; فما حاجتك ?

فقال الرجل : إنه لابد

[19]

من الدخول عليه .

فدخل علي فاستأذن النبي (عليه السلام) ; فأذن له .

فدخل فجلس عند رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; ثم قال يا نبي الله : إني رسول الله إليك .

قال : و أي رسل الله أنت ?

قال : أنا ملك الموت , أرسلني إليك نخيرك بين لقائه و الرجوع إلى الدنيا .

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره .

و نزل جبرئيل فقال : يا رسول الله ; الآخرة خير لك من الأولى و لسوف يعطيك ربك فترضى لقاء الله خير لك .

فقال (عليه السلام) : لقاء ربي خير لي ; فامض لما أمرت به .

فقال جبرئيل لملك الموت : لا تعجل حتى أعرج إلى السماء [ربي] و أهبط .

قال ملك الموت (عليه السلام) : لقد صارت نفسه في موضع لا أقدر على تأخيرها .

فعند ذلك قال جبرئيل : يا محمد هذا آخر هبوطي إلى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي فيها .

و اختلف أهل بيته و أصحابه في دفنه .

فقال علي (عليه السلام) : إن الله لم يقبض روح نبيه إلا في أطهر البقاع و ينبغي أن يدفن حيث قبض فأخذوا بقوله .

و روى الجمهور موته : في الإثنين ثاني عشر ربيع الأول قالوا ولد يوم الإثنين و بعث يوم الإثنين و دخل المدينة يوم الإثنين و قبض يوم الإثنين كما ذكرناه آنفا و دفن يوم الأربعاء و دخل إليه العباس و علي و الفضل بن العباس و قيل و قثم أيضا و قالت بنو زهرة نحن أخواله فأدخلوا منا واحدا فأدخلوا عبد الرحمن بن عوف و يقال دخل أسامة بن زيد و قال المغيرة بن شعبة أنا أقربكم عهدا به و ذلك أنه ألقى خاتمه في القبر و نزل ليستخرجه و لحده أبو طلحة و ألقى القطيفة تحته شقران قال صاحب كتاب التنوير ذو النسبين بين دحية و الحسين لا شك أنه توفي يوم الإثنين و اختلف أصحاب السير و التواريخ فقال ابن إسحاق لاثنتي عشر ليلة و هذا باطل بيقين و أصول العلم المجمع عليها أهل الكتاب و السنة مخالف له لأنه قد ثبت أن الوقفة بعرفات في حجة الوداع كانت يوم الجمعة فيكون أول ذي الحجة الخميس فيكون أول المحرم الجمعة أو السبت فإن كان الجمعة فصفر إما السبت أو الأحد و إن كان السبت فصفر إما الأحد أو الإثنين فإن كان أول صفر السبت

[20]

فأول ربيع الأول الأحد أو الإثنين فإن كان الأحد فأول ربيع الأول إما الإثنين أو الثلاثاء فإن كان الإثنين فأول ربيع إما الثلاثاء أو الأربعاء و كيف ما دارت الحال على هذا الحساب لا يكون الإثنين ثاني عشر و ذكر القاضي أبو بكر في كتاب البرهان أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) توفي لليلتين خلتا من ربيع الأول و كذا ذكر الطبري عن ابن الكلبي و أبي مخنف و هذا لا يبعد أن كانت الأشهر الثلاثة التي قبله نواقص فتدبره و ذكر الخوارزمي أنه توفي (صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الإثنين أول ربيع الأول و هذا أقرب مما ذكره الطبري و الذي تلخص أنه يجوز أن يكون موته في أول الشهر أو ثانيه أو ثالث عشرة أو رابع عشرة أو خامس عشرة لإجماع المسلمين أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة انتهى كلام ذي النسبين .

next page

fehrest page

back page