صفته (عليه السلام)
قال الخطيب أبو المؤيد الخوارزمي عن أبي إسحاق قال : لقد رأيت عليا
أبيض الرأس و اللحية ضخم البطن ربعة من الرجال .
و ذكر ابن مندة : أنه (عليه السلام) كان شديد
الأدمة ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن و هو إلى القصر أقرب أبيض الرأس و اللحية .
و زاد محمد بن حبيب البغدادي صاحب المحبر الكبير في صفاته (عليه السلام) : أدم اللون حسن الوجه ضخم الكراديس.
[76]
الأدمة : السمرة كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس
نحو المنكبين و الركبتين و الوركين و الجمع كراديس.
و اشتهر (عليه السلام) بالأنزع البطين أما
في الصورة فيقال رجل أنزع بين النزع و هو انحسر الشعر عن جانبي جبهته و موضعه
النزعة و هما النزعتان و لا يقال لامرأة نزعاء و لكن زعراء و البطين الكبير البطن
و أما المعنى فإن نفسه نزعت يقال نزع إلى أهله ينزع نزاعا اشتاق و نزع عن الأمور
نزوعا انتهى عنها أي نزعت نفسه عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها و نزعت إلى اجتناب
السيئات فسد عليه مذهبها و نزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها و نزعت إلى
استصحاب الحسنات فارتدى بها و تجلببها و امتلأ علما فلقب بالبطين و أظهر بعضا و
أبطن بعضا حسب ما اقتضاه علمه الذي عرف به الحق اليقين.
أما ما ظهر من علومه فأشهر
من الصباح و أسير في الآفاق من سري الرياح و أما ما بطن فقد قال .
بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي
البعيدة .
اندمج : إذا دخل في الشيء و استتر فيه , و الأرشية : الحبال واحدها رشاء و الطوي البئر المطوية و قد نظم بعض الشعراء هذا
المعنى فقال :
من كان قد عزقته مدية دهره *** و مرت له أخلاف سم منقع
فليعتصم بعرى الدعاء و يبتهل *** بإمامة الهادي البطين الأنزع
نزعت عن الآثام طرا نفسه *** ورعا فمن كالأنزع المتورع
و حوى العلوم عن النبي وراثة *** فهو البطين لكل علم مودع
[77]
و مما ورد في صفته (عليه السلام) ما أورده صديقنا العز المحدث و
ذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل (رهـ) أن يخرج أحاديث صحاحا و
شيئا مما ورد في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) و صفاته و كتبت على الأنوار الشمع الاثني
عشر التي حملت إلى مشهده (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا رأيتها قال : كان ربعة من الرجال أدعج العينين حسن
الوجه كأنه القمر ليلة البدر حسنا ضخم البطن عريض المنكبين شتن الكفين أغيد , كأن
عنقه إبريق فضة , أصلع كث اللحية لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري لا يبين عضده من
ساعده و قد أدمجت إدماجا , إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس , شديد
الساعد و اليد , إذا مشى إلى الحرب هرول , ثبت الجنان قوي شجاع منصور على من لاقاه .
وقال معاوية لضرار بن ضمرة صف لي عليا .
قال : اعفني .
قال : لتصفنه .
قال : أما إذ لا بد : فإنه , و الله كان بعيد المدى , شديد القوى , يقول فصلا و يحكم عدلا , يتفجر العلم من جوانبه , وتنطق الحكمة من نواحيه , يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و وحشته , و كان
غزير الدمعة طويل الفكرة , يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما جشب , و كان فينا كأحدنا , مجيبنا إذا سألناه و يأتينا إذا دعوناه , و نحن و الله مع تقريبه إيانا
[78]
و قربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له , يعظم أهل الدين و يقرب
المساكين , لا يطمع القوي في باطله و لا ييئس الضعيف من عدله , فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم وهو اللذيع و يبكي بكاء الحزين و هو يقول :
يا دنيا غري غيري أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد بينتك ثلاثا لا
رجعة فيها فعمرك قصير و خطرك كبير و عيشك حقير آه من قلة الزاد للسفر و وحشة
الطريق .
فبكى معاوية و قال : رحم الله أبا الحسن كان و الله كذلك .
فكيف حزنك عليه يا ضرار ?
قال : حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها .