next page

fehrest page

back page

غزوة الخندق

لما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حفر الخندق أقبلت قريش بأحابيشها و أتباعها من كنانة و أهل تهامة في عشرة آلاف و أقبلت غطفان و من يتبعها من أهل نجد فنزلوا من فوق المسلمين و من أسفلهم كما قال الله تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين و هم ثلاثة آلاف و جعلوا الخندق بينهم و اتفق المشركون مع اليهود على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد ذكر الله هذه القصة في سورة الأحزاب و طمع المشركون بكثرتهم و موافقة اليهود لهم و اشتد الأمر على المسلمين و ركب فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود و كان من مشاهيرهم

[198]

و عكرمة بن أبي جهل و تواعدوا القتال و أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على أضيق مكان في الخندق ثم ضربوا خيلهم فاقتحمته و جالت بهم خيلهم في السبخة بين المسلمين و الخندق فخرج علي بن أبي طالب (عليه السلام) و معه نفر من المسلمين و أخذوا عليهم المضيق الذي اقتحموه فقصدوه و كان عمرو بن عبد ود قد جعل لنفسه علامة ليعرف مكانه و تظهر شهامته و لما وقف و معه ولده حسل و أصحابه فقال من يبارز فقال علي (عليه السلام) أنا فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه عمرو فسكت فقال عمرو هل من مبارز و جعل يؤنبهم و يقول أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها أ فلا يبرز إلي رجل فقال علي أنا له يا رسول الله فقال له إنه عمرو فسكت ثم نادى عمرو فقال :

و لقد بححت من النداء *** بجمعكم هل من مبارز

و وقفت إذ جبن المشجع *** موقف القرن المناجز

و كذاك أني لم أزل متسـ *** رعا قبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى *** و الجود من خير الغرائز

فقال علي (عليه السلام) أنا له يا رسول الله .

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنه عمرو .

فقال : و إن كان .

فأذن له فخرج إليه و قال (عليه السلام) :

لا تعجلن فقد أتاك *** مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية و بصيرة *** و الصدق منجى كل فائز

[199]

إني لأرجو أن أقيم *** عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى *** ذكرها عند الهزاهز

ثم قال له يا عمرو إنك قد عاهدت الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه .

قال له : أجل .

فقال له علي : فإني أدعوك إلى الله و رسوله و الإسلام .

قال : لا حاجة لي بذلك .

فقال : إني أدعوك إلى النزال .

قال : لم يا ابن أخي فو الله إني ما أحب أن أقتلك .

فقال له علي (عليه السلام) : و لكني و الله أحب أن أقتلك .

فحمى عمرو و نزل عن فرسه ثم جاول عليا ساعة فضربه علي (عليه السلام) ضربة فقتله بها و كر على ابنه حسل فقتله و خرجت خيلهم منهزمة و عظم على المشركين قتل عمرو و ابنه .

فقال علي (عليه السلام) :

أ علي تفتخر الفوارس هكذا *** عني و عنهم خبروا أصحابي

‏اليوم يمنعني الفرار حفيظتي *** و مصمم في الرأس ليس بناب

‏إلى ابن ود حين شد ألية *** و حلفت فاستمعوا إلى الكذاب

‏أن لا أصد و لا يولى فالتقى *** رجلان يضطربان كل ضراب

‏نصر الحجارة من سفاهة رأيه *** و نصرت رب محمد بصواب

‏فغدوت حين تركته متجدلا *** كالجذع بين دكادك و روابي

‏و عففت عن أثوابه و لو أنني *** كنت المجدل بزني أثوابي

‏لا تحسبن الله خاذل دينه *** و نبيه يا معشر الأحزاب

الدكداك من الرمل ما التبد الأرض و لم يرتفع و الجمع الدكادك و بزه ثوبه أي سلبه و منه المثل من عز بز و قيل لبعضهم ما معنى من عز بز فقال من غلب سلب.

و كان عكرمة بن أبي جهل معهما فلما قتلا ألقى رمحه و انهزم من علي (عليه السلام) ثم بعد أن قتل عمرو أرسل الله على قريش الريح و على غطفان و اضطربوا و اختلفوا

[200]

هم و اليهود فولوا راجعين فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا فكان هذا الفتح بإقدام علي (عليه السلام) و ثباته و قتل هذا الطاغية و ابنه بمنازلته و ثباته حتى ولى الجمع الكثيف المتزاحم و انجلى ذاك القتام المتراكم و تفرق المشركون عباديد بعد الالتيام متبددين بعد الانتظام و إذا أردت أن تعرف مكان منازلة علي لعمرو و محل عمرو من النجدة و البسالة فانظر إلى منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) من مبارزته حتى أذن له في الثالثة و حسن طاعة علي (عليه السلام) و سكوته مرة بعد مرة مع شدة حرصه على الجهاد و معرفته بما أعده الله فيه من الأجر و ميله إلى الذب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قوة باعثه على الشجاعة التي ينطوي عليها و في بعض هذه الدواعي ما تحف له حصاة الحليم و تدخل به الشبهة على الحكيم و لكنه (عليه السلام) الجبل الراسخ و الطود الشامخ الذي لا تزعزعه العواصف و لا تقلقله الرواجف و هو واقف عند أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه يصدر و عنه يرد و به يأخذ و عليه يعتمد.

ثم لما ذهب أبو سفيان بقريش خابيا و رجع إلى وجاره بجمعه هاربا قصد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني قريظة لموافقتهم الأحزاب و مظاهرتهم قريش و أولئك الأوشاب و سلم رايته إلى علي (عليه السلام) و تبعه الناس و جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و فتح الله حصونهم و أزال مصونهم و أباحه أبكارهم و عونهم و أنزلهم الله كما قص من صياصيهم و مكنه من دانيهم و قاصيهم و قذف الرعب في قلوبهم مطيعهم و عاصيهم و عمهم القتل و الإسار و استولى عليهم في الدنيا القتل و الأسر و لهم في الأخرى النار و أورث الله المؤمنين أرضهم و ديارهم و أطفأ نور الإسلام نارهم و أقرهم على الجزية و سلب قرارهم قال المفيد رحمه الله

[201]

next page

fehrest page

back page