فصل
و لما انهزم
الأحزاب و ولوا عن المسلمين عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قصد بني قريظة و أنفذ أمير
المؤمنين (عليه السلام) في ثلاثين من الخزرج و قال له انظر بني قريظة هل تركوا حصونهم فلما
شارفها سمع منهم الهجر فرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره فقال دعهم فإن الله سيمكن منهم إن
الذي أمكنك من عمرو لا يخذلك فقف حتى يجتمع الناس إليك و أبشر بنصر الله فإن الله
قد نصرني بالرعب بين يدي مسيرة شهر قال علي فاجتمع الناس إلي و سرت حتى دنوت من سورهم فأشرف علي شخص منهم و نادى
قد جاءكم قاتل عمرو و قال آخر كذلك و تصايحوا بها بينهم و ألقى الله الرعب في
قلوبهم و سمعت راجزا يرجز :
قتل علي عمرا *** صاد علي صقرا .
[208]
قصم علي ظهرا *** أبرم علي أمرا
هتك علي سترا
فقلت الحمد لله الذي أظهر الإسلام و قمع الشرك.
و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي
سر على بركة الله فإن الله قد وعدكم أرضهم و ديارهم فسرت متيقنا بنصر الله عز و جل
حتى ركزت الراية في أصل الحصن و استقبلوني يسبون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكرهت أن يسمعه رسول
الله فأردت أن أرجع إليه فإذا به قد طلع فناداهم يا إخوة القردة و الخنازير إنا
إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فقالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا و لا
سبابا فاستحيا (صلى الله عليه وآله وسلم) و رجع القهقرى قليلا ثم أمر فضربت خيمته بإزاء حصونهم و أقام
يحاصرهم خمسا و عشرين ليلة حتى سألوه النزول على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم سعد
بقتل الرجال و سبي الذراري و النساء و قسمة الأموال فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد حكمت فيهم يا سعد
بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة و أمر بإنزال الرجال و كانوا تسعمائة.
فجيء
بهم إلى المدينة و حبسوا في دار من دور بني النجار و خرج رسول الله
[209]
(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى موضع السوق اليوم و حضر معه المسلمون و أمر أن يخرجوا و تقدم إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) بضرب أعناقهم في الخندق فأخرجوا أرسالا و فيهم حي بن أخطب و كعب
بن أسد و هما رئيسا القوم فقالوا لكعب و هم يذهب بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تراه يصنع
بنا فقال في كل موطن لا تعقلون أ ما ترون الداعي لا ينزع أي لا ينتهي من الدعاء و
الطلب و من ذهب منكم لا يرجع هو و الله القتل و جيء بحي مجموعة يداه إلى عنقه
فلما نظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أما و الله ما لمت نفسي على عداوتك و لكن من يخذل
الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بد من أمر الله كتاب و قدر و
ملحمة كتبت إلى بني إسرائيل ثم أقيم بين يدي أمير المؤمنين و هو يقول قتلة شريفة
بيد شريف فقال علي (عليه السلام) إن الأخيار يقتلون الأشرار و الأشرار يقتلون الأخيار فويل لمن
قتله الأخيار و طوبى لمن قتله الأشرار و الكفار .
فقال : صدقت لا تسلبني حلتي .
قال : هي
أهون علي من ذاك .
قال : سترتني سترك الله و مد عنقه فضربها علي (عليه السلام) و لم يسلبه من
بينهم.
و سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي جاء به ما كان يقول حي و هو يقاد إلى الموت قال
كان يقول :
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه *** و لكنه من يخذل الله يخذل
فجاهد حتى بلغ النفس جهدها *** و حاول يبغي العز كل مغلغل
و كان الظفر بهم و الفتح على يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) .