فصل ثم كانت غزاة السلسلة
جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال إن قوما من العرب قد اجتمعوا بوادي
الرمل يريدون أن يبيتوك بالمدينة فأمر بالصلاة جامعة فاجتمعوا و عرفهم و قال من
لهم فانتدب جماعة من أهل الصفة عدتهم ثمانون
[231]
منهم و من
غيرهم فاستدعى أبا بكر و قال له خذ اللواء و امض إلى بني سليم فإنهم قريب من الحرة
فمضى و معه القوم حتى قارب أرضهم و كانت كثيرة الحجارة و الشجر و هم بالوادي و
المنحدر إليهم صعب فلما صار أبو بكر إلى الوادي و أراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه
و قتلوا من المسلمين جمعا فلما رجعوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد لعمر لواء و سيره إليهم
فكمنوا له تحت الحجارة و الشجر فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه فساء ذلك رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عمرو بن العاص ابعثني إليهم يا رسول الله فإن الحرب خدعة و لعلي
أخدعهم فأنفذه مع جماعة و وصاه فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه و قتلوا من أصحابه
جماعة.
و مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أياما يدعو عليهم ثم دعا أمير المؤمنين فعقد له ثم قال .
أرسلته كرارا غير فرار و رفع يديه إلى السماء و قال اللهم إن كنت تعلم أني
رسولك فاحفظني فيه و افعل به و افعل فدعا له ما شاء .
و خرج علي (عليه السلام) و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشيعه و بلغ معه مسجد الأحزاب فشيعه و
دعا له و أنفذ معه أبا بكر و عمر و عمرو بن العاص فسار بهم نحو العراق متنكبا عن
الطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم أخذ بهم على طريق غامضة و استقبل
الوادي من فمه و كان يسير الليل و يكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن
يخفوا حسهم و وقفهم مكانا و أقام أمامهم ناحية منهم و رأى عمرو بن العاص صنيعه فلم
يشك أن الفتح يكون له فأراد إفساد الحال و خوف أبا بكر و عمر من وحوش الوادي و
ذئابه و أن المصلحة أن تعلوا الوادي فكلما عليا (عليه السلام) في ذلك فلم يجبهما فقال عمر لا
نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلو الوادي فقال المسلمون إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرنا أن لا نخالف
عليا فكيف نخالفه و نسمع قولك فما زالوا حتى أحس علي الفجر فكبس القوم و هم غافلون
فأمكنه الله منهم و نزلت وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً ... إلى
آخرها.
[232]
فبشر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بالفتح و أمرهم باستقبال
علي فاستقبلوه و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدمهم فقاموا صفين فلما بصر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترجل عن فرسه .
فقال له : اركب فإن الله و رسوله عنك راضيان .
فبكى أمير المؤمنين فرحا .
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي , لو لا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في
المسيح عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك .