next page

fehrest page

back page

في ذكر تزويجه (عليه السلام) فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)

من مناقب الخوارزمي عن علي (عليه السلام) قال : خطبت فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت لي مولاة لي هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قلت لا قالت فقد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك فقلت و عندي شي‏ء أتزوج به قالت إنك إن جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجك فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جلالة و هيبة فلما قعدت بين يديه أفحمت فو الله ما استطعت أن أتكلم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جاء بك ألك حاجة فسكت فقال لعلك جئت تخطب فاطمة فقلت نعم فقال و هل عندك من شي‏ء فتستحلها به فقلت لا و الله يا رسول الله قال ما فعلت درع سلحتكها فو الذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما ثمنها إلا أربعمائة درهم فقلت عندي فقال قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها فإنها كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عنه عن أنس قال : كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فغشيه الوحي فلما أفاق قال لي يا أنس أ تدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش قال قلت الله و رسوله أعلم قال أمرني أن أزوج فاطمة من علي فانطلق فادع لي أبا بكر و عمر و عثمان و عليا و طلحة و الزبير و بعددهم من الأنصار قال فانطلقت فدعوتهم له فلما أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته

[349]

المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب إليه فيما عنده النافذ أمره في أرضه و سمائه الذي خلق الخلق بقدرته و ميزهم بأحكامه و أعزهم بدينه و أكرمهم بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم إن الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا و أمرا مفترضا و شبح بها الأرحام و ألزمها الأنام فقال تبارك اسمه و تعالى جده وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً فأمر الله يجري إلى قضائه و قضاؤه يجري إلى قدره فلكل قضاء قدر و لكل قدر أجل و لكل أجل كتاب يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ثم إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة إن رضي علي بذلك و كان غائبا قد بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا ثم قال انتهبوا فبينا نحن كذلك إذ أقبل علي فتبسم إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة و قد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة أ رضيت قال رضيت يا رسول الله ثم قام علي فخر لله ساجدا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل الله فيكما الكثير الطيب و بارك فيكما قال أنس و الله لقد أخرج منهما الكثير الطيب .

و من المناقب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا فاطمة زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين إنه لما أراد الله أن أملكك من علي أمر الله جبرئيل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفا ثم خطب عليهم فزوجك من علي ثم أمر الله شجر الجنان فحملت الحلي و الحلل ثم أمرها فنثرت على الملائكة فمن أخذ منها شيئا أكثر مما أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة .

[350]

و عنه عن ابن عباس قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يذكرها أحد إلا صد عنه حتى ييئسوا منها فلقي سعد بن معاذ عليا فقال إني و الله ما أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يحبسها إلا عليك فقال له علي فلم ترى ذلك فو الله ما أنا بواحد الرجلين ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي و قد علم ما لي صفراء و لا بيضاء و ما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه يعني يتألفه و إني لأول من أسلم قال سعد فإني أعزم عليك لتفرجها عني فإن لي في ذلك فرجا قال فأقول ما ذا قال تقول جئت خاطبا إلى الله و إلى رسوله فاطمة بنت محمد قال فانطلق علي فعرض للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ثقيل حصر فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لك حاجة يا علي قال أجل جئتك خاطبا إلى الله و إلى رسوله فاطمة بنت محمد فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرحبا كلمة ضعيفة فعاد إلى سعد فأخبره فقال أنكحك فو الذي بعثه بالحق إنه لا خلف الآن و لا كذب عنده أعزم عليك لتأتينه غدا و لتقولن يا نبي الله متى تبين لي قال علي هذا أشد علي من الأول أو لا أقول يا رسول الله حاجتي قال قل كما أمرتك فانطلق علي (عليه السلام) فقال يا رسول الله متى تبين لي قال الليلة إن شاء الله ثم دعا بلالا فقال يا بلال إني قد زوجت ابنتي من ابن عمي و أنا أحب أن تكون من سنة أمتي الطعام عند النكاح فأت الغنم فخذ شاة منها و أربعة أمداد أو خمسة فاجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين و الأنصار فإذا فرغت منها فأذني بها فانطلق ففعل ما أمر به ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رأسها ثم قال أدخل علي الناس زفة زفة و لا تغادر زفة

[351]

إلى غيرها يعني إذا فرغت زفة لم تعد ثانية قال فجعل الناس يزفون كلما فرغت زفة وردت أخرى حتى فرغ الناس ثم عمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى فضل ما فيها فتفل فيه و بارك و قال يا بلال احملها إلى أمهاتك و قل لهن كلن و أطعمن من غشيكن ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام حتى دخل على النساء فقال إني زوجت ابنتي ابن عمي و قد علمتن منزلتها مني و إني لدافعها إليه ألا فدونكن ابنتكن فقام النساء فغلقنها من طيبهن و حليهن و جعلن في بيتها فراشا حشوه ليف و وسادة و كساء خيبريا و مخضبا و اتخذت أم أيمن بوابة ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل فلما رآه النساء وثبن و بينهن و بين النبي ص سترة و تخلفت أسماء بنت عميس فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أنت على رسلك من أنت قالت أنا التي أحرس ابنتك إن الفتاة ليلة يبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريبة منها إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا أفضت بذلك إليها قال فإني أسأل الله أن يحرسك من بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك من الشيطان الرجيم ثم صرخ بفاطمة فأقبلت فلما رأت عليا جالسا إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حصرت و بكت فأشفق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون بكاؤها لأن عليا لا مال له فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك فو الله ما ألوتك في نفسي و لقد أصيب بك القدر فقد أصبت لك خير أهلي و ايم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين فلان منها و أمكنته من كفها فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أسماء ائتيني بالمخضب فملأته ماء فمج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

[352]

فيه و غسل قدميه و وجهه ثم دعا بفاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب به على رأسها و كفا بين يديها ثم رش جلده و جلدها ثم التزمها فقال اللهم إنها مني و أنا منها اللهم كما أذهب عني الرجس و طهرتني فطهرها ثم دعا بمخضب آخر ثم دعا عليا فصنع به كما صنع بها ثم دعا له كما دعا لها ثم قال لهما قوما إلى بيتكما جمع الله بينكما و بارك في نسلكما و أصلح بالكما ثم قام فأغلق عليه بابه .

قال ابن عباس فأخبرتني أسماء بنت عميس أنها : رمقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشركهما في دعائه أحدا حتى توارى في حجرته .

قال الخوارزمي و أنبأني أبو العلاء الحافظ الهمداني يرفعه إلى الحسين بن علي (عليه السلام) قال : بينا رسول الله ص في بيت أم سلمة إذ هبط عليه ملك له عشرون رأسا في كل رأس ألف لسان يسبح الله و يقدسه بلغة لا تشبه الأخرى راحته أوسع من سبع سماوات و سبع أرضين فحسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه جبرئيل (عليه السلام) فقال يا جبرئيل لم تأتني في مثل هذه الصورة قط قال ما أنا جبرئيل أنا صرصائيل بعثني الله إليك لتزوج النور من النور فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من من من قال ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب (عليه السلام) فزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة من علي بشهادة جبرئيل و ميكائيل و صرصائيل قال فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا بين كتفي صرصائيل لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب مقيم الحجة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا صرصائيل منذ كم هذا كتب بين كتفيك قال قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة .

و من كتاب المناقب عن بلال بن حمامة قال : طلع علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم و وجهه مشرق كدارة القمر فقام عبد الرحمن بن عوف فقال يا رسول الله ما هذا النور قال بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي و ابنتي و أن الله زوج عليا من فاطمة و أمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت وقاقا يعني صكاكا بعدد محبتي أهل بيتي و أنشأ من تحتها ملائكة من نور

[353]

في الناس فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار و دفع إلى كل ملك صكا فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة بأخي و ابن عمي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من أمتي من النار .

و من المناقب عن ابن عباس قال : لما أن كانت ليلة زفت فاطمة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدامها و جبرئيل عن يمينها و ميكائيل عن يسارها و سبعون ألف ملك من ورائها يسبحون الله و يقدسونه حتى طلع الفجر .

و من المناقب عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني ملك فقال يا محمد إن الله عز و جل يقرأ عليك السلام و يقول قد زوجت فاطمة من علي فزوجها منه و قد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدر و الياقوت و المرجان و إن أهل السماء قد فرحوا لذلك و سيولد منهما ولدان سيدا شباب أهل الجنة و بهما تزين الجنة فأبشر يا محمد فإنك خير الأولين و الآخرين .

و من المناقب عن أم سلمة و سلمان الفارسي و علي بن أبي طالب (عليه السلام) و كل قالوا : إنه لما أدركت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدرك النساء خطبها أكابر قريش من أهل الفضل و السابقة في الإسلام و الشرف و المال و كان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بوجهه حتى كان الرجل منهم يظن في نفسه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساخط عليه أو قد نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه وحي من السماء و لقد خطبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرها إلى ربها و خطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كمقالته لأبي بكر قال و إن أبا بكر و عمر رضي الله عنهما كانا ذات يوم جالسين في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معهما سعد بن معاذ الأنصاري ثم الأوسي فتذاكروا أمر فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أبو بكر قد خطبها الأشراف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوجها زوجها و إن علي بن أبي طالب لم يخطبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يذكرها له و لا أراه يمنعه

[354]

من ذلك إلا قلة ذات اليد و إنه ليقع في نفسي أن الله عز و جل و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يحبسانها عليه قال ثم أقبل أبو بكر على عمر بن الخطاب و على سعد بن معاذ رضي الله عنهم فقال هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى نذكر له هذا فإن منعه قلة ذات اليد واسيناه و أسعفناه فقال له سعد بن معاذ وفقك الله يا أبا بكر فما زلت موفقا قوموا بنا على بركة الله و بمنه قال سلمان الفارسي فخرجوا من المسجد و التمسوا عليا في منزله فلم يجدوه و كان ينضح ببعير كان له الماء على نخل رجل من الأنصار بأجرة فانطلقوا نحوه فلما نظر إليهم علي (عليه السلام) قال ما وراءكم و ما الذي جئتم له فقال أبو بكر يا أبا الحسن إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلا و لك فيها سابقة و فضل و أنت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمكان الذي قد عرفت من القرابة و الصحبة و السابقة و قد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة (عليها السلام) فردهم و قال إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوجها زوجها فما يمنعك أن تذكرها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و تخطبها منه فإني لأرجو أن يكون الله عز و جل و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يحبسانها عليك قال فتغرغرت عينا علي ع بالدموع و قال يا أبا بكر لقد هيجت مني ساكنا و أيقظتني لأمر كنت عنه غافلا و الله إن فاطمة لموضع رغبة و ما مثلي قعد عن مثلها غير أنه يمنعني من ذلك قلة ذات اليد فقال أبو بكر لا تقل هذا يا أبا الحسن فإن الدنيا و ما فيها عند الله تعالى و عند رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كهباء منثور قال ثم إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) حل عن ناضحه و أقبل يقوده إلى منزله فشده فيه و لبس نعله و أقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منزل زوجته أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة المخزومي فدق علي (عليه السلام) الباب فقالت

[355]

أم سلمة من في الباب فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل أن يقول علي أنا علي قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب و مريه بالدخول فهذا رجل يحبه الله و رسوله و يحبهما .

فقالت أم سلمة : فداك أبي و أمي و من هذا الذي تذكر فيه هذا و أنت لم تره ?

فقال : مه يا أم سلمة فهذا رجل ليس بالخرق و لا بالنزق هذا أخي و ابن عمي و أحب الخلق إلي .

قالت أم سلمة : فقمت مبادرة أكاد أن أعثر بمرطي ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) و و الله ما دخل حين فتحت حتى علم أني قد رجعت إلى خدري .

ثم إنه دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته .

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : و عليك السلام يا أبا الحسن اجلس .

قالت أم سلمة : فجلس علي بن أبي طالب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جعل ينظر إلى الأرض كأنه قصد لحاجة و هو يستحيي أن يبديها فهو مطرق إلى الأرض حياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقالت أم سلمة : فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علم ما في نفس علي (عليه السلام) .

فقال له يا أبا الحسن : إني أرى أنك أتيت لحاجة فقل ما حاجتك و أبد ما في نفسك فكل حاجة لك عندي مقضية .

قال علي (عليه السلام) : فقلت , فداك أبي و أمي إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب و من فاطمة بنت أسد و أنا صبي لا عقل لي فغذيتني بغذائك و أدبتني بأدبك فكنت لي أفضل من أبي طالب و من فاطمة بنت أسد في البر و الشفقة و أن الله تعالى هداني بك و على يديك و استنقذني مما كان عليه آبائي و أعمامي من الحيرة و الشرك و أنك و الله يا رسول الله ذخري و ذخيرتي في الدنيا و الآخرة يا رسول الله فقد أحببت

[356]

مع ما [قد] شد الله من عضدي بك [أن يكون لي بيت و] أن تكون لي زوجة أسكن إليها و قد أتيتك خاطبا راغبا أخطب إليك ابنتك فاطمة فهل أنت مزوجي يا رسول الله ?

قالت أم سلمة : فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتهلل فرحا و سرورا ; ثم تبسم في وجه علي (عليه السلام) , فقال : يا أبا الحسن فهل معك شي‏ء أزوجك به ?

فقال له علي : فداك أبي و أمي و الله ما يخفى عليك من أمري شي‏ء أملك سيفي و درعي و ناضحي و ما أملك شيئا غير هذا .

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل الله و تقاتل به أعداء الله و ناضحك تنضح به على نخلك و أهلك و تحمل عليه رحلك في سفرك و لكني قد زوجتك بالدرع و رضيت بها منك ; يا أبا الحسن أبشرك .

قال علي (عليه السلام) : فقلت , نعم فداك أبي و أمي بشرني فإنك لم تزل ميمون النقيبة مبارك الطائر رشيد الأمر صلى الله عليك .

فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أبشر يا أبا الحسن فإن الله عز و جل قد زوجكها من السماء من قبل أن أزوجكها من الأرض و لقد هبط علي في موضعي من قبل أن تأتيني ملك من السماء له وجوه شتى و أجنحة شتى لم أر قبله من الملائكة مثله فقال لي : السلام عليك و رحمة الله و بركاته ; أبشر يا محمد باجتماع الشمل و طهارة النسل .

فقلت و ما ذاك أيها الملك ?

فقال لي : يا محمد , أنا سيطائيل الملك الموكل بإحدى قوائم العرش

[357]

سألت ربي عز و جل أن يأذن لي في بشارتك و هذا جبرئيل على أثري يخبرك عن ربك عز و جل بكرامة الله عز و جل .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : فما استتم كلامه حتى هبط علي جبرئيل [الأمين] (عليه السلام) فقال السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته ; يا محمد ثم إنه وضع بين يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة و فيها سطران مكتوبان بالنور .

فقلت حبيبي جبرئيل : ما هذه الحريرة و ما هذه الخطوط ?

فقال جبرئيل (عليه السلام) : يا محمد إن الله عز و جل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه فانبعثك برسالاته ; ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخا و وزيرا و صاحبا و ختنا فزوجه ابنتك فاطمة رضي الله عنها .

فقلت : يا حبيبي جبرئيل ; من هذا الرجل ?

فقال لي : يا محمد , أخوك في الدنيا و ابن عمك في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) , و إن الله أوحى إلى الجنان أن تزخرفي فتزخرفت الجنان ; و إلى شجرة طوبى أن احملي الحلي و الحلل ; و تزينت الحور العين و أمر الله الملائكة أن يجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور فهبط من فوقها إليها و صعد من تحتها إليها ; و أمر الله عز و جل رضوان فنصب منبر الكرامة على باب بيت المعمور و هو الذي خطب عليه آدم يوم عرض الأسماء على الملائكة و هو منبر من نور فأوحى إلى ملك من ملائكة حجبه يقال له راحيل أن يعلو ذلك المنبر و أن يحمده بمحامده و يمجده بتمجيده و أن يثني عليه بما هو أهله و ليس في الملائكة أحسن منطقا منه و لا أحلى لغة من راحيل الملك ; فعلا المنبر و حمد ربه و مجده و قدسه و أثنى عليه بما هو أهله فارتجت السماوات فرحا و سرورا .

قال جبرئيل (عليه السلام) : ثم أوحى الله إلي أن أعقد عقدة النكاح فإني قد زوجت أمتي فاطمة بنت حبيبي محمد من عبدي علي بن أبي طالب .

فعقدت عقدة النكاح و أشهدت على ذلك الملائكة أجمعين و كتبت شهادتهم في هذه الحريرة ; و قد أمرني ربي

[358]

عز و جل أن أعرضها عليك و أن أختمها بخاتم مسك و أن أدفعها إلى رضوان .

و إن الله عز و جل لما أشهد الملائكة على تزويج علي من فاطمة , أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها من الحلي و الحلل فنثرت ما فيها و التقطه الملائكة و الحور العين ; و إن الحور ليتهادينه و يفخرن به إلى يوم القيامة .

يا محمد : إن الله عز و جل أمرني أن آمرك أن تزوج عليا في الأرض فاطمة (عليها السلام) و تبشرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين طيبين خيرين فاضلين في الدنيا و الآخرة ; يا أبا الحسن فو الله ما عرج الملك من عندي حتى دققت الباب ألا و إني منفذ فيك أمر ربي عز و جل ; امض يا أبا الحسن أمامي فإني خارج إلى المسجد و مزوجك على رءوس الناس و ذاكر من فضلك ما تقر به عينك و أعين محبيك في الدنيا و الآخرة .

قال علي : فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسرعا و أنا لا أعقل فرحا و سرورا فاستقبلني أبو بكر و عمر رضي الله عنهما , فقالا : ما وراءك ?

فقلت : زوجني رسول الله ابنته فاطمة , و أخبرني أن الله عز و جل زوجنيها من السماء و هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خارج في أثري ليظهر ذلك بحضرة الناس ; ففرحا بذلك فرحا شديدا و رجعا معي إلى المسجد فما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله و إن وجهه ليتهلل سرورا و فرحا ; فقال يا بلال , فأجابه فقال : لبيك يا رسول الله .

قال اجمع إلي المهاجرين و الأنصار فجمعهم , ثم رقى درجة من المنبر فحمد الله و أثنى عليه و قال :معاشر الناس إن جبرئيل أتاني آنفا فأخبرني عن ربي عز و جل أنه جمع ملائكة عند البيت المعمور و أنه أشهدهم جميعا أنه زوج أمته فاطمة ابنة رسول الله من عبده علي بن أبي طالب و أمرني أن أزوجه في الأرض و أشهدكم على ذلك .

ثم جلس , و قال لعلي (عليه السلام) : قم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك .

قال , فقام فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال : الحمد لله شكرا لأنعمه و أياديه و لا إله إلا الله شهادة تبلغه و ترضيه و صلى الله على محمد صلاة تزلفه و تخطيه و النكاح مما أمر الله عز و جل به و رضيه و مجلسنا هذا مما قضاه الله و أذن فيه و قد زوجني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة و جعل صداقها درعي هذا و قد رضيت بذلك فاسألوه ; و اشهدوا .

[359]

فقال المسلمون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : زوجته يا رسول الله ?

فقال : نعم .

فقالوا : بارك الله لهما و عليهما و جمع شملهما .

و انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أزواجه فأمرهن أن يدففن لفاطمة فضربن بالدفوف .

قال علي : فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ; يا أبا الحسن انطلق الآن فبع درعك و ائتني بثمنه حتى أهيئ لك و لابنتي فاطمة ما يصلحكما .

قال علي : فانطلقت و بعته بأربعمائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان رضي الله عنه .

فلما قبضت الدراهم منه و قبض الدرع مني ; قال يا أبا الحسن : أ لست أولى بالدرع منك و أنت أولى بالدراهم مني ?

فقلت : بلى .

قال : فإن الدرع هدية مني إليك .

فأخذت الدرع و الدراهم , و أقبلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فطرحت الدرع و الدراهم بين يديه و أخبرته بما كان من أمر عثمان .

فدعا له بخير , و قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبضة من الدراهم و دعا بأبي بكر فدفعها إليه و قال يا أبا بكر اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها و بعث معه سلمان الفارسي و بلالا ليعيناه على حمل ما يشتريه قال أبو بكر و كانت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة و ستين درهما فانطلقت و اشتريت فراشا من خيش مصر محشوا بالصوف و نطعا من أدم و وسادة من أدم حشوها من ليف النخل و عباءة خيبرية و قربة للماء و كيزانا و جرارا و مطهرة للماء و ستر صوف رقيقا و حملناه جميعا حتى وضعناه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما نظر إليه بكى و جرت دموعه ثم رفع رأسه إلى السماء و قال اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف قال علي و دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باقي ثمن الدرع إلى أم سلمة و قال اتركي هذه الدراهم عندك و مكثت بعد ذلك شهرا لا أعاود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر فاطمة (عليها السلام) بشي‏ء استحياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أني كنت إذا خلوت برسول الله يقول يا أبا الحسن

[360]

ما أحسن زوجتك و أجملها أبشر يا أبا الحسن فقد زوجتك سيدة نساء العالمين .

قال علي (عليه السلام) : فلما كان بعد شهر دخل علي أخي عقيل بن أبي طالب و قال ; يا أخي ما فرحت بشي‏ء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أخي فما بالك لا تسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخلها عليك فنقر عينا باجتماع شملكما .

قال علي (عليه السلام) : و الله يا أخي إني لأحب ذلك و ما يمنعني من مسألته إلا الحياء منه (صلى الله عليه وآله وسلم ) .

فقال : أقسمت عليك إلا قمت معي ; فقمنا نريد رسول الله فلقينا في طريقنا أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرنا ذلك لها .

فقالت لا تفعل , و دعنا نحن نكلمه فإن كلام النساء في هذا الأمر أحسن و أوقع بقلوب الرجال .

ثم انثنت راجعة فدخلت على أم سلمة فأعلمتها بذلك و أعلمت نساء النبي ص فاجتمعن عند رسول الله و كان في بيت عائشة فأحدقن به و قلن فديناك بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرت بذلك عينها .

قالت أم سلمة : فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال خديجة و أين مثل خديجة صدقتني حين كذبني الناس و آزرتني على دين الله و أعانتني عليه بمالها إن الله عز و جل أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد لا صخب فيه و لا نصب .

قالت أم سلمة : فقلنا , فديناك بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله إنك لم تذكر من خديجة أمرا إلا و قد كانت كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك و جمع بيننا و بينها في درجات جنته و رضوانه و رحمته ; يا رسول الله و هذا أخوك في الدنيا و ابن عمك في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمة (عليها السلام) و تجمع بها شمله .

فقال : يا أم سلمة فما بال علي لا يسألني ذلك ?

فقلت : يمنعه الحياء منك يا رسول الله .

قالت أم أيمن : فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; انطلقي إلى علي فأتيني به .

فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا علي ينتظرني ليسألني عن جواب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فلما رآني قال ما وراءك يا أم أيمن ?

قلت أجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[361]

قال : فدخلت عليه و قمن أزواجه فدخلن البيت و جلست بين يديه مطرقا نحو الأرض حياء منه .

فقال : أ تحب أن تدخل عليك زوجتك ?

فقلت و أنا مطرق : نعم فداك أبي و أمي .

فقال : نعم , و كرامة يا أبا الحسن أدخلها عليك في ليلتنا هذه أو في ليلة غد إن شاء الله .

فقمت فرحا مسرورا و أمر (صلى الله عليه وآله وسلم ) أزواجه أن يزين فاطمة (عليها السلام) و يطيبنها و يفرشن لها بيتا ليدخلنها على بعلها ففعلن ذلك .

و أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدراهم التي سلمها إلى أم سلمة عشرة دراهم فدفعها إلى علي (عليه السلام) و قال : اشتر سمنا و تمرا و أقطا فاشتريت و أقبلت به إلى رسول الله فحسر (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذراعيه و دعا بسفرة من أدم و جعل يشدخ التمر و السمن و يخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيسا ثم قال يا علي ادع من أحببت .

فخرجت إلى المسجد و أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متوافرون فقلت : أجيبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقاموا جميعا و أقبلوا نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فأخبرته أن القوم كثير , فجلل السفرة بمنديل و قال : أدخل علي عشرة بعد عشرة ففعلت ; و جعلوا يأكلون و يخرجون و لا ينقص الطعام حتى لقد أكل من ذلك الحيس سبعمائة رجل و امرأة ببركة يده (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قالت أم سلمة : ثم دعا بنته فاطمة (عليها السلام) و دعا بعلي (عليه السلام) فأخذ عليا بيمينه و فاطمة بشماله و جمعهما إلى صدره فقبل بين أعينهما و دفع فاطمة إلى علي و قال يا علي نعم الزوجة زوجتك ثم أقبل على فاطمة (عليها السلام) و قال يا فاطمة نعم البعل بعلك .

[362]

ثم قام معهما يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيئ لهما ; ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال طهركما الله و طهر نسلكما أنا سلم لمن سالمكما أنا حرب لمن حاربكما أستودعكما الله و أستخلفه عليكما.

قال علي : و مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك ثلاثا لا يدخل علينا ; فلما كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا ليدخل علينا فصادف في حجرتنا أسماء بنت عميس الخثعمية , فقال لها ما يقفك هاهنا و في الحجرة رجل ?

فقالت له : فداك أبي و أمي إن الفتاة إذا زفت إلى زوجها تحتاج إلى امرأة تتعاهدها و تقوم بحوائجها فأقمت هاهنا لأقضي حوائج فاطمة (عليها السلام) و أقوم بأمرها فتغرغر عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدموع و قال يا أسماء قضى الله لك حوائج الدنيا و الآخرة .

قال علي (عليه السلام) : و كانت غداة قرة و كنت أنا و فاطمة تحت العباء ; فلما سمعنا كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأسماء ذهبنا لنقوم , فقال : بحقي عليكما لا تفترقا حتى أدخل عليكما ; فرجعنا إلى حالنا و دخل (صلى الله عليه وآله وسلم) و جلس عند رءوسنا و أدخل رجليه فيما بيننا و أخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري و أخذت فاطمة (عليها السلام) رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها و جعلنا ندفئ رجليه من القر حتى إذا دفأتا ; قال يا علي : ائتني بكوز من ماء .

فأتيته , فتفل فيه ثلاثا و قرأ عليه آيات من كتاب الله تعالى ثم قال : يا علي اشربه و اترك فيه قليلا .

ففعلت ذلك ; فرش باقي الماء على رأسي و صدري , و قال أذهب الله عنك الرجس يا أبا الحسن و طهرك تطهيرا .

و قال ائتني بماء جديد , فأتيته به .

ففعل كما فعل و , سلمه إلى ابنته (عليها السلام) و قال لها اشربي و اتركي منه قليلا .

ففعلت , فرشه على رأسها و صدرها ; و قال :أذهب الله عنك الرجس و طهرك تطهيرا ; و أمرني بالخروج من البيت و خلا بابنته و قال كيف أنت يا بنية و كيف رأيت زوجك ?

قالت له : يا أبة خير زوج إلا أنه دخل علي نساء من قريش و قلن لي زوجك رسول الله من فقير لا مال له .

[363]

فقال لها : يا بنية ما أبوك بفقير و لا بعلك بفقير و لقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب و الفضة فاخترت ما عند الله ربي عز و جل ; يا بنية لو تعلمين ما علم أبوك لسمجت الدنيا في عينك و الله يا بنية ما ألوتك نصحا أن زوجتك أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما ; يابنية إن الله عز و جل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها رجلين فجعل أحدهما أباك و الآخر بعلك ; يا بنية نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمرا .

ثم صاح بي رسول الله :يا علي .

فقلت : لبيك يا رسول الله .

فقال : ادخل بيتك و الطف بزوجتك و ارفق بها فإن فاطمة بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها و يسرني ما يسرها أستودعكما الله و أستخلفه عليكما .

قال علي (عليه السلام) : فو الله ما أغضبتها و لا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز و جل إليه و لا أغضبتني و لا عصت لي أمرا و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان .

قال علي (عليه السلام) : ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينصرف فقالت له فاطمة يا أبة لا طاقة لي بخدمة البيت فأخدمني خادما يخدمني و يعينني على أمر البيت .

فقال لها : يا فاطمة أ و لا تريدين خيرا من الخادم ?

فقال علي : قولي بلى .

قالت : يا أبة خيرا من الخادم .

فقال : تسبحين الله عز و جل في كل يوم ثلاثا و ثلاثين مرة و تحمدينه ثلاثا و ثلاثين مرة و تكبرينه أربعا و ثلاثين مرة فذلك مائة باللسان و ألف حسنة في الميزان ; يا فاطمة إنك إن قلتها في صبيحة كل يوم كفاك الله ما أهمك من أمر الدنيا و الآخرة .

و نقلت من كتاب الذرية الطاهرة تصنيف أبي بشير محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري المعروف بالدولابي من نسخة بخط الشيخ ابن وضاح الحنبلي الشهراباني و أجاز لي أن أروي عنه كلما يرويه عن مشايخه و هو يروي كثيرا و أجاز لي

[364]

السيد جلال الدين بن عبد الحميد بن فخار الموسوي الحائري أدام الله شرفه أن أرويه عنه عن الشيخ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي المحدث إجازة في محرم سنة عشرة و ستمائة و عن الشيخ برهان الدين أبي الحسين أحمد بن علي الغزنوي إجازة في ربيع الأول سنة أربع عشرة و ستمائة كلاهما عن الشيخ الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي بإسناده و السيد أجاز لي قديما رواية كلما يرويه و بهذا الكتاب في ذي الحجة في سنة ست و سبعين و ستمائة عن علي (عليه السلام) قال :
خطب أبو بكر و عمر رضي الله عنهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهما فقال عمر أنت لها يا علي فقال ما لي من شي‏ء إلا درعي أرهنها فزوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فلما بلغ ذلك فاطمة رضي الله عنها بكت قال فدخل عليها رسول الله ص فقال ما لك تبكين يا فاطمة فو الله لقد أنكحتك أكثرهم علما و أفضلهم حلما و أولهم سلما .

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما في شهر رمضان و بنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة .

و عن مجاهد عن علي (عليه السلام) قال : خطبت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت مولاة لي هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قلت لا فقالت قد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيزوجك فقلت و هل عندي شي‏ء أتزوج به فقالت إنك إن جئت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجك فو الله ما زالت ترجئني حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كانت له جلالة و هيبة فلما قعدت بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم) أفحمت فو الله ما استطعت أن أتكلم فقال ما جاء بك أ لك حاجة فسكت فقال لعلك جئت أن تخطب فاطمة قلت نعم قال فهل عندك من شي‏ء تستحلها به قلت لا و الله يا رسول الله فقال ما فعلت الدرع التي سلحتكها فقلت عندي و الذي نفسي بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعمائة درهم قال قد

[365]

زوجتكها فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن عطاء بن أبي رباح قال : لما خطب علي رضي الله عنه فاطمة أتاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن عليا قد ذكرك فسكت فخرج فزوجها .

و عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب اخطب فاطمة فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلم عليه فقال له ما حاجة علي بن أبي طالب قال يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله ص فقال مرحبا و أهلا لم يزد عليها فخرج علي على أولئك الرهط من الأنصار و كانوا ينتظرونه قالوا ما وراءك قال ما أدري غير أنه قال مرحبا و أهلا قالوا يكفيك من رسول الله أحدهما أعطاك الأهل و الرحب فلما كان بعد ذلك قال يا علي إنه لا بد للعرس من وليمة فقال سعد عندي كبش و جمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة فلما كان ليلة البناء قال لعلي لا تحدثن شيئا حتى تلقاني فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي و قال اللهم بارك فيهما و بارك عليهما و بارك لهما في شبليهما و قال ابن ناصر في نسليهما .

و عن أسماء بنت عميس قالت : كنت في زفاف فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أصبحنا جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الباب فقال يا أم أيمن ادعي لي أخي قالت هو أخوك و تنكحه ابنتك قال نعم يا أم أيمن قالت و سمع النساء صوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتنحين و اختبأت أنا في ناحية فجاء علي رضي الله عنه فنضح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه من الماء و دعا له ثم قال ادعي لي فاطمة فجاءت خرقة من

[366]

الحياء فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اسكني لقد أنكحتك أحب أهل بيتي إلي ثم نضح عليها من الماء و دعا لها قالت ثم رجع (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأى سوادا بين يديه فقال من هذا فقلت أنا أسماء بنت عميس قال جئت في زفاف فاطمة تكرمينها قلت نعم قالت فدعا لي .

قال علي بن عيسى عفا الله عنه و حدثني السيد جلال الدين بن عبد الحميد بن فخار الموسوي بما هذا معناه و ربما اختلفت الألفاظ قال : قالت أسماء بنت عميس هذه ; حضرت وفاة خديجة (عليها السلام) فبكت فقلت أتبكين و أنت سيدة نساء العالمين و أنت زوجة النبي ص و مبشرة على لسانه بالجنة فقالت ما لهذا بكيت و لكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها و تستعين بها على حوائجها و فاطمة حديثة عهد بصبى و أخاف أن لا يكون لها من يتولى أمورها حينئذ فقلت يا سيدتي لك علي عهد الله أني إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر فلما كانت تلك الليلة و جاء النبي ص أمر النساء فخرجن و بقيت فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال من أنت فقلت [أنا] أسماء بنت عميس فقال أ لم آمرك أن تخرجي فقلت بلى يا رسول الله فداك أبي و أمي و ما قصدت خلافك و لكني أعطيت خديجة رضي الله عنها عهدا و حدثته فبكى و قال تالله لهذا وقفت فقلت نعم و الله فدعا لي .

عدنا إلى ما أورده الدولابي و عن أسماء بنت عميس قالت : لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي بن أبي طالب و ما كان حشو فرشهما و وسائدهما إلا ليف و لقد أولم علي لفاطمة (عليها السلام) فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودي و كانت وليمته آصعا من شعير و تمر و حيس .

قال علي بن عيسى : قد تظاهرت الروايات كما ترى أن أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة و فعلت و أسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن

[367]

أبي طالب (عليه السلام) و لم تعد هي و لا زوجها إلا يوم فتح خيبر و ذلك في سنة ست من الهجرة و لم تشهد الزفاف لأنه كان في ذي الحجة من سنة اثنتين.

و التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أختها و هي زوجة حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) و لعل الأخبار عنها و كانت أسماء أشهر من أختها عند الرواة فرووا عنها أو سها راو واحد فتبعوه .

و من كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي عن أبي هريرة قال : قالت فاطمة يا رسول الله زوجتني علي بن أبي طالب و هو فقير لا مال له فقال يا فاطمة أ ما ترضين أن الله اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منها رجلين أحدهما أبوك و الآخر بعلك .

و عن جابر بن سمرةقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها الناس هذا علي بن أبي طالب و أنتم تزعمون أني زوجته ابنتي فاطمة و لقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرئيل (عليه السلام) ليلة أربع و عشرين من شهر رمضان فقال يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و قد جمع الروحانيين و الكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى و زوج فاطمة عليا و أمرني فكنت الخاطب و الله تعالى الولي و أمر شجرة طوبى فحملت الحلي و الحلل و الدر و الياقوت ثم نثرته و أمر الحور العين فاجتمعن فلقطن فهن يتهادينه إلى يوم القيامة و يقلن هذا نثار فاطمة .

و عن علقمة عن عبد الله قال : أصاب فاطمة (عليها السلام) صبيحة العرس رعدة فقال لها النبي ص زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين يا فاطمة إني لما أردت أن أملكك بعلي أمر الله شجر الجنان فحملت حليا و حللا و أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منه يومئذ شيئا أكثر مما أخذ منه صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة قالت أم سلمة فلقد كانت فاطمة تفتخر على

[368]

النساء لأن أول من خطب عليها جبرئيل .

قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا و فيه مناقب كثيرة لعلي بن أبي طالب ع منها : أن الله عز و جل زوجه من السماء و كان هو وليه .

و منها : أن جبرئيل (عليه السلام) خطب لعقدة نكاحه .

و منها : شهود الملائكة إملاكه .

و منها : تخصيصه بنثار شجر الجنة على عرسه.

و منها شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له بالسيادة في الدنيا و الآخرة و منها أنه في الآخرة لمن الصالحين و مع الصالحين و هم الأنبياء و المرسلون و قد دعا الأنبياء و المرسلون بمثل ذلك كما قال الله تعالى وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ .

و روي : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة (عليها السلام) ليلة عرسها بقدح من لبن فقال اشربي هذا فداك أبوك ثم قال لعلي (عليه السلام) اشرب فداك ابن عمك .

و روي : : أنه لما زفت فاطمة إلى علي (عليه السلام) نزل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و هم سبعون ألف ملك و قدمت بغلة رسول الله ص الدلدل و عليها فاطمة (عليها السلام) مشتملة قال فأمسك جبرئيل باللجام و أمسك إسرافيل بالركاب و أمسك ميكائيل بالثفر و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسوي عليها الثياب فكبر جبرئيل و كبر إسرافيل و كبر ميكائيل و كبرت الملائكة و جرت السنة بالتكبير في الزفاف إلى يوم القيامة .

و عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) : أن أبا بكر رضي الله عنه أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله زوجني فاطمة فأعرض عنه فأتاه عمر رضي الله عنه فقال مثل ذلك فأعرض عنه فأتيا عبد الرحمن بن عوف فقالا أنت أكثر قريش مالا فلو أتيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطبت إليه فاطمة زادك الله مالا إلى مالك و شرفا إلى شرفك فأتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له ذلك فأعرض عنه فأتاهما فقال قد نزل بي مثل الذي نزل بكما فأتيا علي بن أبي طالب و هو يسقي نخلا فقالا قد عرفنا قرابتك

[369]

من رسول الله و قدمتك في الإسلام فلو أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فخطبت إليه فاطمة لزادك الله فضلا إلى فضلك و شرفا إلى شرفك فقال لقد نبهتماني فانطلق فتوضأ ثم اغتسل و لبس كساء قطريا و صلى ركعتين ثم أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله زوجني فاطمة قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا زوجتكها فما تصدقها قال أصدقها سيفي و فرسي و درعي و ناضحي قال أما ناضحك و سيفك و فرسك فلا غناء بك عنهما تقاتل المشركين و أما درعك فشأنك بها فانطلق علي و باع درعه بأربعمائة و ثمانين درهما قطرية فصبها بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يسأله عن عددها و لا هو أخبره فأخذ منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبضة فدفعها إلى المقداد بن الأسود فقال ابتع من هذا ما تجهز به فاطمة و أكثر لها من الطيب فانطلق المقداد فاشترى لها رحى و قربة و وسادة من أدم و حصيرا قطريا فجاء به فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أسماء بنت عميس معه فقالت يا رسول الله خطب إليك ذوو الأسنان و الأموال من قريش و لم تزوجها فزوجتها هذا الغلام فقال يا أسماء أما إنك ستزوجين بهذا الغلام و تلدين له غلاما هذا مع ما روي أنها كانت بالحبشة غريب فإنها تزوجت بأمير المؤمنين (عليه السلام) و ولدت منه كما ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما كان الليل قال لسلمان ائتني ببغلتي الشهباء فأتاه بها فحمل عليها فاطمة (عليها السلام) فكان سلمان يقودها و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم بها فبينا هو كذلك إذ سمع حسا خلف ظهره فالتفت فإذا جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل في جمع كثير من الملائكة (عليه السلام) فقال يا جبرئيل ما أنزلكم قال نزلنا نزف فاطمة (عليها السلام) إلى زوجها فكبر جبرئيل ثم كبر ميكائيل ثم كبر إسرافيل ثم كبرت الملائكة ثم كبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم كبر سلمان الفارسي فصار التكبير خلف العرائس سنة من تلك الليلة فجاء بها فأدخلها على علي (عليه السلام) فأجلسها إلى جنبه على الحصير القطري ثم قال يا علي هذه بنتي فمن أكرمها فقد أكرمني

[370]

و من أهانها فقد أهانني ثم قال اللهم بارك لهما و عليهما و اجعل منهما ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ثم وثب فتعلقت به و بكت فقال لها ما يبكيك فلقد زوجتك أعظمهم حلما و أكثرهم علما .

و عن ابن عباس و قد كتبته قبل هذا و لكن اختلفت الروايات فحسن عندي إثباته و كتب الحديث لا تعرى من التكرار لاختلاف الطرق و الروايات و كلما كثرت رواتها و تشعبت طرقها كان أدل على صحتها و توفر الدواعي على قبولها .

قال : كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تذكر فلا يذكرها أحد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أعرض عنه فقال سعد بن معاذ الأنصاري لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إني و الله ما أرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد بها غيرك فقال علي أ ترى ذلك و ما أنا بواحد من الرجلين ما أنا بذي دنيا يلتمس ما عندي لقد علم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ما لي حمراء و لا بيضاء فقال سعد لتفرجنها عني أعزم عليك لتفعلن قال فقال له علي فأقول ما ذا قال تقول له جئتك خاطبا إلى الله تعالى و إلى رسوله فاطمة بنت محمد فإن لي في ذلك فرحا فانطلق علي حتى تعرض لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأن لك حاجة فقال أجل فقال هات قال جئتك خاطبا إلى الله و إلى رسوله فاطمة بنت محمد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرحبا و حبا و لم يزده على ذلك ثم تفرقا .

فلقي عليا سعد بن معاذ فقال له سعد ما صنعت قال قد فعلت الذي كلفتني فما زاد على أن رحب بي فقال له سعد ما أرفعه و أبركه لقد أنكحك و الذي بعثه بالحق إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخلف و لا يكذب أعزم عليك لتلقينه غدا و لتقولن له يا رسول الله متى تبين لي فقال له هذه أشد علي من الأولى أ و لا أقول حاجتي فقال له لا فانطلق حتى لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له يا رسول الله متى تبين لي فقال الليلة إن شاء الله تعالى ثم انصرف فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالا فقال إني قد زوجت فاطمة ابنتي بابن عمي و أنا أحب أن يكون من أخلاق أمتي الطعام عند النكاح اذهب يا بلال إلى الغنم و خذ شاة

[371]

و خمسة أمداد شعيرا و اجعل لي قصعة فلعلي أجمع عليها المهاجرين و الأنصار قال ففعل ذلك و أتاه بها حين فرغ فوضعها بين يديه قال فطعن في أعلاها ثم تفل فيها و برك ثم قال يا بلال ادع الناس إلى المسجد و لا تفارق رفقة إلى غيرها فجعلوا يردون عليه رفقة رفقة كلما وردت رفقة نهضت أخرى حتى تتابعوا ثم كفت و فضل منها فتفل عليه و برك ثم قال يا بلال احملها إلى أمهاتك فقل لهن كلن و أطعمن من غشيكن ففعل ذلك بلال ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على النساء فقال لهن إني قد زوجت ابنتي لابن عمي و قد علمتن منزلتها مني و إني دافعها إليه ألا فدونكن ابنتكن فقمن إلى الفتاة فعلقن عليها من حليهن و طيبنها و جعلن في بيتها فراشا حشوه ليف و وسادة و كساء خيبريا و مخضبا و هو المركن و اتخذت أم أيمن بوابة ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) جاء فهتف بفاطمة و هي في بعض البيوت فأقبلت فلما رأت زوجها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حصرت و بكت فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادني مني فدنت منه فأخذ بيدها و يد علي فلما أراد أن يجعل كفها في كف علي حصرت و دمعت عيناها فرفع رسول الله رأسه إلى علي و أشفق أن يكون بكاؤها من أجل أنه ليس له شي‏ء فقال لها ما ألوتك من نفسي و لقد أصبت بك القدر و زوجتك خير أهلي و ايم الله لقد زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين قال فلان منها و أمكنته من كفها فقال لهما اذهبا إلى بيتكما بارك الله لكما و أصلح بالكما فلا تهيجا شيئا حتى آتيكما فأقبلا حتى جلسا (عليه السلام) مجلسهما و عندهما أمهات المؤمنين و بينهن و بين علي حجاب و فاطمة مع النساء ثم أقبل النبي (عليه السلام) حتى دق الباب فقالت أم أيمن من هذا فقال أنا رسول الله ففتحت له الباب و هي تقول بأبي أنت و أمي فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ثم أخي يا أم أيمن فقلت له و من أخوك فقال علي بن أبي طالب فقالت يا رسول الله هو أخوك و زوجته ابنتك فقال نعم فقالت إنما نعرف الحلال و الحرام بك .

[372]

فدخل و خرج النساء مسرعات و بقيت أسماء بنت عميس فلما بصرت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقبلا تهيأت للخروج فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رسلك من أنت فقالت أنا أسماء بنت عميس بأبي أنت و أمي إن الفتاة ليلة بنائها لا غنى بها عن امرأة إن حدث لها حاجة أفضت بها إليها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أخرجك إلا ذلك فقالت إي و الذي بعثك بالحق ما أكذب و الروح الأمين يأتيك فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فأسأل إلهي أن يحرسك من فوقك و من تحتك و من بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك من الشيطان الرجيم ناوليني المخضب و املئيه ماء قال فنهضت أسماء فملأت المخضب ماء و أتته به ماء ثم مجه فيه ثم قال اللهم إنهما مني و أنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس و طهرتني تطهيرا فأذهب عنهما الرجس و طهرهما تطهيرا ثم دعا فاطمة فقامت إليه و عليها النقبة و إزارها فضرب كفا من ماء بين يديها و بأخرى على عاتقها و بأخرى على هامتها ثم نضح جلدها و جيده ثم التزمها و قال اللهم إنهما مني و أنا منهما اللهم فكما أذهبت عني الرجس و طهرتني تطهيرا فطهرهما ثم أمرها أن تشرب بقية الماء و تمضمض و تستنشق و تتوضأ ثم دعا بمخضب آخر فصنع به كما صنع بالأول و دعا عليا فصنع به كما صنع بصاحبته و دعا له كما دعا لها ثم أغلق عليهما الباب و انطلق فزعم عبد الله بن عباس عن أسماء بنت عميس أنه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى توارى في حجرته ما شرك معهما في دعائه أحدا .

قال محمد بن يوسف الكنجي هكذا رواه ابن بطة العكبري الحافظ و هو حسن عال : و ذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح لأن أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) و تزوجها بعده أبو بكر فولدت له محمدا و ذلك بذي الحليفة فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى مكة في حجة الوداع فلما مات أبو بكر رضي الله عنه تزوجها علي بن أبي طالب ع فولدت له و ما أرى نسبتها في هذا الحديث إلا غلطا وقع من بعض الرواة لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة (عليها السلام) إنما هي

[373]

أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري و أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة هاجر بهما الهجرة الثانية و قدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع .

و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أدري بأيهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر .

و كان زواج فاطمة (عليها السلام) بعد وقعة بدر بأيام يسيرة فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث إنما هي أسماء بنت يزيد و لها أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) روى عنها شهر بن حوشب و غيره من التابعين حقق ذلك محمد بن يوسف الكنجي في الوجهة قبل هذا .

و روى الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أخضر الجنابذي قال : لما كانت ليلة أهديت فاطمة إلى علي (عليه السلام) قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تحدث شيئا حتى آتيك فلم يلبث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن اتبعهما فقام على الباب فاستأذن فدخل فإذا علي منتبذ منها فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني قد علمت أنك تهاب الله و رسوله فدعا بماء فتمضمض به ثم أعاده في الإناء ثم نضح به صدرها و صدره .

قال و روي أن عليا (عليه السلام) قال : لما أردت أن أخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فقلت و الله ما عندي من شي‏ء ثم ذكرت وصلته فخطبتها إليه فقال لي عندك شي‏ء فقلت لا قال أين درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم بدر قال قلت هي عندي فزوجني عليها و قال لا تحدثن شيئا حتى آتيكما قال فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن نيام فقال مكانكما فقعد بيننا فدعا بماء فرشه علينا قال فقلت يا رسول الله أنا أحب إليك أم هي قال هي أحب إلي منك و أنت أعز علي منها .

و روى النجاد في أماليه : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة بعد ما بنى بها بأيام فصنعت كما تصنع الجارية إذا رأت بعض أهلها فبكت فقال لها ما يبكيك يا بنية لقد زوجتك خير من أعلم .

قال علي بن عيسى بن أبي الفتح عفا الله عنه : قد ثبت لعلي (عليه السلام) بما تقدم في هذا الكتاب من المزايا ما بذ به الأمثال و تقرر له من شرف السجايا ما فات به

[374]

الأصحاب و الآل و ظهر له من علو الشأن ما توحد به و تفرد و عرف له من سمو المكان ما ثبت به فضله و توطد و صرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يجب له على الأمة بما هو أشهر من النهار و كنى و عرض و أشار فما قبلوا ما أشار فقامت حجته (عليه السلام) بالدليل و دحض الله بما شاع من شرفه ما اختلق من الأباطيل و شهد بفضله النبي فحكم به حاكم التنزيل و أتم الله شرفه بفاطمة (عليها السلام) و ناهيك بهذا التمام و نظمت عقود فضائله فازدان العقد بالنظام فإنها العقيلة الكريمة و الدرة اليتيمة و الموهبة العظيمة و المنحة الجسيمة و العطية السنية و السيدة السرية و البضعة النبوية و الشمس المنيرة المضيئة و البتول الطاهرية المحمدية سيدة النساء المخصوصة بالثناء و السناء المؤيدة بعناية رب السماء أم أبيها صلى الله عليه و عليها و على بعلها و بنيها فإنها زادته شرفا إلى شرفه القديم و كسته حلة مجد أوجبت له مزية التقديم و رفعت له منار سؤدد ظاهر الترحيب و التعظيم و كانت هذه الكريمة صالحة لذلك الكريم :

أتاه المجد من هنا و هنا *** و كان له بمجتمع السيول

اتصل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة تزيد على اتصاله و اختص بسببها به اختصاصا رفعه على أصحابه و آله فلهذا جعل نفسه نفسه و نساءه نساءه و أبناءه أبناءه حين قدم النجرانيون لمباهلته و جداله و كفاك بها مناقب سمت على النجوم الظاهرة و مراتب يغبطها أهل الدنيا و الآخرة لا يدفعها إلا من يدفع الحق بعد ظهوره و لا ينكرها إلا من ادعى أن الليل يغلب النهار بنوره و سيظهر لك أيدك الله عند ذكرها ما تعرف به حقيقة أمرها و تستدل به على شرف قدرها .

[376]

next page

fehrest page

back page