next page

fehrest page

back page

فصل : في ذكر مناقب شتى و أحاديث متفرقة أوردها الرواة و المحدثون

في ذكر مناقب شتى و أحاديث متفرقة أوردها الرواة و المحدثون و أخبار و آثار دالة على ما نحن بصدده من ذكر فضله .

من كفاية الطالب عن وهب بن منبه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ما بعثت عليا في سرية إلا رأيت جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و السحابة تظله حتى يرزقه الله الظفر .

و من الكتاب المذكور عن الإمام علي بن موسى الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك إبراهيم خليل الرحمن و نعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و منه عن ابن أبي ليلى الغفاري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من آمن بي و أول من يصافحني يوم القيامة و هو معي في السماء العليا و هو الفاروق بين الحق و الباطل .

قال هذا حديث صحيح حسن عال .

رواه الحافظ في أماليه قال أبو علي الكوكبي عن أبي السمري عن عوانة بن الحكم عن أبي صالح قال :
ذكر علي

[377]

بن أبي طالب (عليه السلام) عند عائشة و ابن عباس حاضر فقالت عائشة كان من أكرم رجالنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ابن عباس و أي شي‏ء يمنعه عن ذاك اصطفاه الله بنصرة رسول الله و أرضاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأخوته و اختاره لكريمته و جعله أبا ذريته و وصيه من بعده فإن ابتغيت شرفا فهو في أكرم منبت و أورق عود و إن أردت إسلاما فأوفر بحظه و أجزل بنصيبه و إن أردت شجاعة فبهمة حرب و قاضية حتم يصافح السيوف أنسا لا يجد لموقعها حسا و لا ينهنه نعنعة و لا تقله الجموع الله ينجده و جبرئيل يرفده و دعوة الرسول تعضده أحد الناس لسانا و أظهرهم بيانا و أصدعهم بالثواب في أسرع جواب عظته أقل من عمله و عمله يعجز عنه أهل دهره فعليه رضوان الله و على مبغضيه لعائن الله .

و نقلت من أمالي الطوسي : أن عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين إني سائلك لآخذ عنك و لقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله أ لا تحدثنا عن أمرك هذا كان بعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو شي‏ء رأيته أنت فإنا قد أكثرنا فيك الأقاويل و أوثقه عندنا ما نقلناه عنك و سمعناه من فيك إنا كنا نقول لو رجعت إليكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينازعكم فيها أحد و الله ما أدري إذا سئلت ما أقول أ زعم أن القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك فإن قلت ذلك فعلام نصبك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد حجة الوداع فقال أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه و إن تك أولى منهم بما كانوا فيه فعلام نتولاهم ?

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يا عبد الرحمن إن الله تعالى قبض نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا يوم قبضه أولى بالناس مني بقميصي هذا و قد كان من نبي الله إلي عهد لو خزمتموني بأنفي لأقررت سمعا لله و طاعة و إن أول ما انتقصنا بعده إبطال حقنا في

[378]

الخمس فلما رق أمرنا طمعت ريعان من قريش فينا و قد كان لي على الناس حق لو ردوه إلي عفوا قبلته و قمت فيه إلى أجل معلوم و كنت كرجل له على الناس حق إلى أجل فإن عجلوا له ماله أخذه و حمدهم عليه و إن أخروه أخذه غير محمودين و كنت كرجل يأخذ السهولة و هو عند الناس محزن و إنما يعرف الهدى بقلة من يأخذه من الناس و إذا سكت فاعفوني فإنه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم فكفوا عني ما كففت عنكم فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين فأنت لعمرك كما قال الأول :

لعمري لقد أيقظت من كان نائما *** و أسمعت من كانت له أذنان

و عن الأصبغ بن نباتة قال : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب ذات يوم فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال أيها الناس اسمعوا مقالتي و عوا كلامي إن الخيلاء من التجبر و النخوة من التكبر و إن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابزوا و لا تخاذلوا فإن شرائع الدين واحدة و سبله قاصدة من أخذ بها لحق و من تركها مرق و من فارقها محق ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن و لا بالمخلف إذا وعد و لا بالكذوب إذا نطق نحن أهل بيت الرحمة و قولنا الحق و فعلنا القسط و منا خاتم النبيين و فينا قادة الإسلام و أمناء الكتاب ندعوكم إلى الله و رسوله و إلى جهاد عدوه و الشدة في أمره و ابتغاء رضوانه و إلى إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و توفير الفي‏ء لأهله ألا و إن أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي و عمرو بن العاص

[379]

السهمي يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما و إني و الله لم أخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قط و لم أعصه في أمر قط أقيه بنفسه في المواطن التي تنكص فيها الأبطال و ترعد منها الفرائص بقوة أكرمني الله بها فله الحمد و لقد قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و إن رأسه لفي حجري و لقد وليت غسله بيدي تقلبه الملائكة المقربون معي و ايم الله ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر باطلها على حقها إلا ما شاء الله .

و عن سعيد بن المسيب قال : سمعت رجلا سأل عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له ابن عباس إن عليا صلى القبلتين و بايع البيعتين و لم يعبد صنما و لا وثنا و لم يضرب على رأسه بزلم و لا قدح ولد على الفطرة و لم يشرك بالله طرفة عين فقال الرجل إني لم أسألك عن هذا إنما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفا ثم سار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ثم أتى النهروان و هم مسلمون فقتلهم عن آخرهم فقال له ابن عباس أ علي أعلم عندك أم أنا فقال لو كان علي أعلم عندي منك ما سألتك قال فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال ثكلتك أمك علي علمني و كان علمه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و رسول الله علمه من الله من فوق عرشه فعلم النبي من الله و علم علي من النبي و علمي من علم علي و علم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر .

و عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قبض الله نبيا حتى أمره أن يوصي إلى أفضل عشيرته من عصبته و أمرني أن أوصي فقلت إلى من يا رب فقال أوص يا محمد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب فإني

[380]

قد أثبته في الكتب السابقة و كتبت فيها أنه وصيك و على ذلك أخذت ميثاق الخلائق و مواثيق أنبيائي و رسلي أخذت مواثيقهم لي بالربوبية و لك يا محمد بالنبوة و لعلي بن أبي طالب بالولاية .

و من أمالي الطوسي عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أعطاني الله تبارك و تعالى خمسا و أعطى عليا خمسا أعطاني جوامع الكلم و أعطى عليا جوامع العلم ; و جعلني نبيا و جعله وصيا ; و أعطاني الكوثر و أعطاه السلسبيل ; و أعطاني الوحي و أعطاه الإلهام ; و أسرى بي إليه و فتح له أبواب السماء و الحجب حتى نظر إلي و نظرت إليه .

ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فقلت : ما يبكيك فداك أبي و أمي ?

فقال : يا ابن عباس , إن أول ما كلمني به أن قال يا محمد انظر تحتك فنظرت إلى الحجب قد انخرقت و إلى أبواب السماء قد فتحت و نظرت إلى علي و هو رافع رأسه إلي فكلمني و كلمته و كلمني ربي عز و جل .

فقلت : يا رسول الله , بم كلمك ربك ?

قال : قال لي يا محمد إني جعلت عليا وصيك و وزيرك و خليفتك من بعدك فأعلمه بها فها هو يسمع كلامك فأعلمته و أنا بين يدي ربي عز و جل .

فقال لي : قد قبلت و أطعت .

فأمر الله الملائكة أن تسلم عليه ; ففعلت فرد عليهم السلام .

و رأيت الملائكة يتباشرون به , وما مررت بملإ منهم إلا هنئوني و قالوا يا محمد و الذي بعثك بالحق لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله عز و جل لك ابن عمك .

و رأيت حملة العرش و قد نكسوا رءوسهم فسألت جبرئيل (عليه السلام) فقال إنهم استأذنوا الله في النظر إليه فأذن لهم فلما هبطت الأرض جعلت أخبره بذلك و هو يخبرني فعلمت أني لم أطأ موطئا إلا و قد كشف لعلي عنه .

قال ابن عباس , فقلت : يا رسول الله أوصني .

فقال : عليك بحب علي بن أبي طالب .

قلت : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصني .

قال :عليك بمودة علي بن أبي طالب ; و الذي بعثني بالحق نبيا إن الله لا يقبل من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب و هو تعالى أعلم فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان فيه و إن لم يأته بولايته لم يسأله عن شي‏ء و أمر به إلى النار ; يا ابن عباس و الذي بعثني بالحق نبيا إن النار لأشد غضبا على مبغض علي منها على من

[381]

زعم أن لله ولدا ; يا ابن عباس لو أن الملائكة المقربين و الأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه و لن يفعلوا لعذبهم الله بالنار .

قلت : يا رسول الله و هل يبغضه أحد ?

فقال : يا ابن عباس نعم يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيبا ; يا ابن عباس إن من علامة بغضهم له تفضيل من هو دونه عليه ; و الذي بعثني بالحق نبيا ما خلق الله نبيا أكرم عليه مني و لا وصيا أكرم عليه من وصيي علي .

قال ابن عباس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و وصاني بمودته و إنه لأكبر عملي عندي .

قال ابن عباس : ثم مضى من الزمان ما مضى و حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة و حضرته , فقلت له : فداك أبي و أمي يا رسول الله قد دنا أجلك فما تأمرني ?

فقال : يا ابن عباس خالف من خالف عليا , و لا تكونن لهم ظهيرا و لا وليا .

قلت : يا رسول الله فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته ?

قال : فبكى (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أغمي عليه , وثم قال : يا ابن عباس سبق الكتاب فيهم و علم ربي و الذي بعثني بالحق نبيا لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا و أنكر حقه حتى يغير الله ما به من نعمة ; يا ابن عباس إذا أردت أن تلقى الله و هو عنك راض فاسلك طريقة علي بن أبي طالب و مل معه حيث ما مال و ارض به إماما و عاد من عاداه و وال من والاه يا ابن عباس احذر أن يدخلك شك فيه فإن الشك في علي كفر بالله .

و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطن قديد قال لعلي (عليه السلام) يا علي إني سألت الله عز و جل أن يوالي بيني و بينك ففعل و سألته أن يؤاخي بيني و بينك ففعل و سألته أن يجعلك وصيي ففعل فقال رجل من القوم و الله لصاع من تمر في شن بال خير مما سأل محمد ربه هلا سأله ملكا يعضده أو كنزا يستعين به على فاقته فأنزل الله تعالى فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ

[382]

عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ .

و عن حبش بن المعتمر قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته كيف أمسيت قال أمسيت محبا لمحبنا و مبغضا لمبغضنا و أمسى محبنا مغتبطا برحمة من الله كان ينتظرها و أمسى و عدونا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار فكان قد أنهار به في نار جهنم و كان أبواب الرحمة قد فتحت لأهلها فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم و التعس لأهل النار و النار لهم يا حبش من سره أن يعلم أ محب هو لنا أم مبغض فليمتحن قلبه فإن كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا و إن كان يبغض ولينا فليس بمحب لنا إن الله أخذ الميثاق لمحبنا بمودتنا و كتب في الذكر الحكيم اسم مبغضنا نحن النجباء و أفراطنا أفراط الأنبياء .

الأفراط السابقون إلى الماء و في الحديث أنا فرطكم إلى الحوض أي سابقكم و منه يقال للطفل الميت اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا .

و عن المنهال بن عمرو قال أخبرني رجل من تميم قال : كنا مع علي (عليه السلام) بذي قار و نحن نرى أنا سنتخطف في يومنا فسمعته يقول و الله لنظهرن على هذه الفرقة و لنقتلن هذين الرجلين يعني طلحة و الزبير و لنستبيحن عسكرهما .

قال التميمي فأتيت عبد الله بن العباس فقلت أ ما ترى إلى ابن عمك و ما يقول ?

فقال : لا تعجل حتى تنظر ما يكون فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت لا أرى ابن عمك إلا قد صدق فقال ويحك إنا كنا نتحدث أصحاب النبي ص أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليه ثمانين عهدا لم يعهد شيئا منها إلى أحد غيره فلعل هذا مما عهد إليه .

[383]

و عن وائلة الكناني قال : سمعت أمير المؤمنين ع يقول ; إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل و اتباع الهوى فأما طول الأمل فينسي الآخرة و أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ألا و إن الدنيا قد ولت مدبرة و الآخرة قد أقبلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل و لا حساب و الآخرة حساب و لا عمل .

و عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن جبرئيل (عليه السلام) نزل علي و قال إن الله يأمرك أن تقوم بتفضيل علي بن أبي طالب خطيبا على أصحابك ليبلغوا من بعدهم ذلك و يأمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره و الله يوحي إليك يا محمد أن من خالفك في أمره فله النار و من أطاعك فله الجنة فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس و خرج حتى علا المنبر فكان أول ما تكلم به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال أيها الناس أنا البشير و أنا النذير و أنا النبي الأمي إني مبلغكم عن الله عز و جل في أمر رجل لحمه من لحمي و دمه من دمي و هو عيبة العلم و هو الذي انتجبه الله من هذه الأمة و اصطفاه و هداه و تولاه و خلقني و إياه و فضلني بالرسالة و فضله بالتبليغ عني و جعلني مدينة العلم و جعله الباب و جعله خازن العلم و المقتبس منه الأحكام و خصه بالوصية و أبان أمره و خوف من عداوته و أزلف من والاه و غفر لشيعته و أمر الناس جميعا بطاعته و إنه عز و جل يقول من عاداه فقد عاداني و من والاه فقد والاني و من ناصبه ناصبني و من خالفه خالفني و من عصاه عصاني و من آذاه آذاني و من أبغضه أبغضني و من أحبه أحبني و من أراده أرادني و من كاده كادني و من نصره نصرني يا أيها الناس اسمعوا لما أمركم به و أطيعوه فإني أخوفكم عقاب الله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال معاشر الناس هذا مولى المؤمنين و

[384]

حجة الله على الخلق أجمعين و المجاهد للكافرين اللهم إني قد بلغت و هم عبادك و أنت قادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا أرحم الراحمين أستغفر الله لي و لكم و نزل .

فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال إن الله يقرئك السلام و يقول جزاك الله خيرا عن تبليغك فقد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و أرضيت المؤمنين و أرغمت الكافرين يا محمد إن ابن عمك مبتلى و مبتلى به يا محمد قل في كل أوقاتك الحمد لله رب العالمين و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

و عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال : كان لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر لم يعطاهن أحد قبلي قال لي يا علي أنت أخي في الدنيا و معي في الآخرة و أنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة و منزلي و منزلك في الجنة متواجهان كمنزل الأخوين و أنت الوصي و أنت الولي و أنت الوزير عدوك عدوي و عدوي عدو الله و وليك وليي و وليي ولي الله .

عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم (عليه السلام) فرحوا و استبشروا و إذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم و الذي نفس محمد بيده لو أن عبدا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي و ولاية أهل بيتي .

و عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال : أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الحسن بن علي (عليه السلام) و قال فيما أوصى به إليه :

يا بني لا فقر أشد من الجهل و لا عدم أعدم من عدم العقل و لا وحشة أوحش من العجب و لا حسب كحسن الخلق و لا ورع كالكف عن محارم الله و لا عبادة كالتفكر في صنعة الله يا بني العقل خليل المرء و الحلم وزيره و الرفق والده و الصبر من خير جنوده يا بني إنه لا بد للعاقل أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه و ليعرف أهل زمانه

[385]

يا بني إن من البلاء الفاقة و أشد من ذلك مرض البدن و أشد من ذلك مرض القلب و إن من النعم سعة المال و أفضل من ذلك صحة البدن و أفضل من ذلك تقوى القلوب يا بني للمؤمن ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يخلي فيها بين نفسه و لذتها فيما يحل و يحمل و ليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلاث مرمة لمعاش أو خطوة لمعاد أو لذة في غير محرم .

و عن ميثم التمار رحمه الله و قد تقدم مثله و كان هذا الحديث أبسط فذكرته قال : تمسينا ليلة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لنا ليس من عبد امتحن الله قلبه للإيمان إلا أصبح يجد مودتنا على قلبه و لا أصبح عبد ممن سخط الله عليه إلا يجد بغضنا على قلبه و أصبحنا نفرح بحب المحب لنا و نعرف بغض المبغض لنا و أصبح محبنا مغتبطا بحبنا برحمة من الله ينتظرها كل يوم و أصبح مبغضنا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار فكان ذلك الشفا قد أنهار به في نار جهنم و كان أبواب الرحمة قد فتحت لأهل الرحمة فهنيئا لهم رحمتهم و تعسا لأهل النار و مثواهم إن عبدا لن يقصر في حبنا لخير جعله الله في قلبه و لن يحبنا من يحب مبغضنا إن ذلك لا يجتمع في قلب واحد و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه يحب بهذا قوما و يحب بالآخر عدوهم و الذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب الذي لا غش فيه نحن النجباء و أفراطنا أفراط الأنبياء و أنا وصي الأوصياء و أنا حزب الله و رسوله و الفئة الباغية حزب الشيطان فمن أحب أن يمتحن حاله في حبنا فليمتحن قلبه فإن وجد فيه حب من ألب علينا فليعلم أن الله عدوه و جبرئيل و ميكائيل و الله عدو للكافرين .

و عن أبي سخيلة قال : حججت أنا و سلمان فمررنا بالربذة و جلسنا إلى أبي

[386]

ذر الغفاري رحمه الله فقال لنا أما إنه سيكون بعدي فتنة و لا بد منها فعليكم بكتاب الله و الشيخ علي بن أبي طالب فالزموهما فإني أشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني سمعته و هو يقول علي أول من آمن بي و أول من صدقني و أول من يصافحني يوم القيامة و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق و الباطل و هو يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين .

و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطن قديد قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يا علي إني سألت الله عز و جل أن يوالي بيني و بينك ففعل و سألته أن يؤاخي بيني و بينك ففعل و سألته أن يجعلك وصيي ففعل فقال رجل من القوم و الله لصاع من تمر في شن بال خير مما قد سأل محمد ربه هلا سأله ملكا يعضده على عدوه أو كنزا يستعين به على فاقته فأنزل الله تعالى فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ .

و عن المنهال بن عمرو قال : أخبرني رجل من تميم قال كنا مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) بذي قار و نحن نرى أنا سنخطف في يومنا فسمعته يقول و الله لنظهرن على هذه الفرقة و لنقتلن هذين الرجلين يعني طلحة و الزبير و لنستبيحن عسكرهما قال التميمي فأتيت ابن عباس فقلت أ لا ترى إلى ابن عمك و ما يقول فقال لا تعجل حتى تنظر ما يكون فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت لا أرى ابن عمك إلا قد صدق قال ويحك إنا كنا نتحدث أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليه ثمانين عهدا لم يعهد شيئا منها إلى أحد غيره فلعل هذا مما عهد إليه .

و عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن جبرئيل نزل علي و قال إن الله يأمرك أن تقوم الساعة بتفضيل علي بن أبي طالب (عليه السلام) خطيبا على أصحابك ليبلغوا من بعدهم ذلك عنك و يأمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره و الله يوحي إليك يا محمد أن من خالفك

[387]

في أمره فله النار و من أطاعك فله الجنة فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا فنادى بالصلاة جامعة فاجتمع الناس و خرج حتى علا المنبر فكان أول ما تكلم به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال يا أيها الناس أنا البشير و أنا النذير و أنا النبي الأمي إني مبلغكم عن الله عز و جل في أمر رجل لحمه من لحمي و دمه من دمي و هو عيبة العلم و هو الذي انتجبه الله من هذه الأمة و اصطفاه و هداه و تولاه و خلقني و إياه و فضلني بالرسالة و فضله بالتبليغ عني و جعلني مدينة العلم و جعله الباب و جعله خازن العلم و المقتبس منه الأحكام و خصه بالوصية و أبان أمره و خوف من عداوته و أزلف من والاه و غفر لشيعته و أمر الناس جميعا بطاعته و إنه عز و جل يقول من عاداه عاداني و من والاه والاني و من ناصبه ناصبني و من خالفه خالفني و من عصاه عصاني و من آذاه آذاني و من أبغضه أبغضني و من أحبه أحبني و من أراده أرادني و من كاده كادني و من نصره نصرني يا أيها الناس اسمعوا لما أمركم به و أطيعوا فإني أخوفكم عقاب الله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال معاشر الناس هذا مولى المؤمنين و حجة الله على الخلق أجمعين و المجاهد للكافرين اللهم إني قد بلغت و هم عبادك و أنت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا أرحم الراحمين أستغفر الله لي و لكم ثم نزل عن المنبر فأتاه جبرئيل ع فقال يا محمد إن الله يقرئك السلام و يقول جزاك الله عن تبليغك خيرا فقد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و أرضيت المؤمنين و أرغمت الكافرين يا محمد إن ابن عمك مبتلى و مبتلى به يا محمد قل في كل أوقاتك الحمد لله رب العالمين و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

و قد تقدمت الرواية آنفا .

و عن عياض بن عياض عن أبيه قال : مر علي بن أبي طالب (عليه السلام) بملإ فيهم

[388]

سلمان رحمة الله عليه فقال لهم سلمان قوموا فخذوا بحجزة هذا فو الله لا يخبركم بسر نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم ) أحد غيره .

و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) : ما ثبت الله حب علي بن أبي طالب في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبتت له قدم أخرى .

و عن زاذان قال : سمعت سلمان رحمه الله يقول لا أزال أحب عليا (عليه السلام) فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضرب فخذه و يقول محبك لي محب و مبغضك لي مبغض و مبغضي لله تعالى مبغض الحديث ذو شجون .

قيل لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ما أكثر ما تذكر سلمان الفارسي فقال لا تقولوا الفارسي و قولوا المحمدي إن ذكري له لثلاث خصال أحدها إيثاره هوى أمير المؤمنين على هوى نفسه و الثانية حبه للفقراء و اختياره إياهم على أهل الثروة و العدد و الثالثة حبه للعلم و العلماء إن سلمان كان عبدا صالحا حنيفا مسلما و ما كان من المشركين .

و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : جلس جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتسبون و يفتخرون و فيهم سلمان رحمه الله فقال له عمر ما نسبك أنت يا سلمان و ما فضلك فقال أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد (عليه السلام) و كنت عائلا فأغناني الله بمحمد و كنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (عليه السلام) فهذا حسبي و نسبي يا عمر ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر له سلمان ما قال عمر و ما أجابه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معشر قريش إن حسب المرء دينه و مروته خلقه و فضله عقله قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ثم أقبل على سلمان رحمه الله فقال له يا سلمان إنه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز و جل فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه .

[389]

أقول إن فضل سلمان مشهور معلوم و مكانه من علو المكانة و الزهادة مفهوم و لو لا الخروج عن عرض هذا الكتاب لذكرت من فضله ما يشهد بنبله و لأمللت من مناقبه ما يؤذن باعتلاء مراتبه التي أغنته عن مناصبه و أنت لو فكرت لعلمت و رأيت أنه يكفيه نسبا .

قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : سلمان منا أهل البيت .

و إن مد الله في الأجل و فسح في رقعة المهل فسوف أفرد كتابا في فضل أصحاب علي (عليه السلام) من فضل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنبه فيه على شرف محلهم المرفوع و أبين أنه لا بد من مشابهة ما بين التابع و المتبوع .

و عن سلمان رحمه الله قال : بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على النصح للمسلمين و الائتمام بعلي بن أبي طالب و الموالاة له .

و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) : أن الله تعالى ضمن للمؤمن ضمانا قال قلت و ما هو قال ضمن له أن أقر لله بالربوبية و لمحمد (عليه السلام) بالنبوة و لعلي (عليه السلام) بالإمامة و أدى ما افترض الله عليه أن يسكنه في جواره قال قلت هذه و الله هي الكرامة التي لا تشبهها كرامة الآدميين ثم قال أبو عبد الله اعملوا قليلا تنعموا كثيرا .

و عنه (عليه السلام) في قول الله عز و جل وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال النجم هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و العلامات الأئمة من بعده (عليه السلام) .

و عن علي الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي و قاتلهم و على المعترض عليهم و الساب لهم أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم .

و عن علي (عليه السلام) قال : و الله لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعداءنا و ليردنه أحباؤنا .

و عنه (عليه السلام) قال من أحبني رآني يوم القيامة حيث يحب و من أبغضني رآني يوم القيامة حيث يكره .

[390]

و عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أعطاني الله خمسا و أعطى عليا خمسا أعطاني جوامع الكلم و أعطى عليا جوامع العلم و جعلني نبيا و جعله وصيا و أعطاني الكوثر و أعطى عليا السلسبيل و أعطاني الوحي و أعطى عليا الإلهام و أسرى بي إليه و فتح له أبواب السماء حتى رأى ما رأيت و نظر إلى ما نظرت ثم قال يا ابن عباس من خالف عليا فلا تكونن ظهيرا له و لا وليا فو الذي بعثني بالحق نبيا ما يخالفه أحد إلا غير الله ما به من نعمة و شوه خلقه قبل إدخاله النار يا ابن عباس لا تشك في علي فإن الشك فيه كفر يخرج عن الإيمان و يوجب الخلود في النار .

و عن جابر بن عبد الله قال : أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله من وصيك قال فأمسك عني عشرا لا يجيبني ثم قال يا جابر أ لا أخبرك عما سألتني فقلت بأبي أنت و أمي أما و الله لقد سكت عني حتى ظننت أنك وجدت علي فقال ما وجدت عليك يا جابر و لكني كنت أنتظر ما يأتيني من السماء فأتاني جبرئيل (عليه السلام) فقال يا محمد إن ربك يقول لك إن علي بن أبي طالب وصيك و خليفتك على أهلك و أمتك و الذائد عن حوضك و هو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنة فقلت يا نبي الله أ رأيت من لا يؤمن بهذا أقتله قال نعم يا جابر ما وضع هذا الموضع إلا ليتابع عليه فمن تابعه كان معي غدا و من خالفه لم يرد علي الحوض أبدا .

و عن أبي ذر قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد ضرب على كتف علي بن أبي طالب ع بيده و قال يا علي من أحبنا فهو العربي و من أبغضنا فهو العلج و شيعتنا هم أهل البيوتات و المعادن و الشرف و من كان مولده صحيحا و ما على ملة إبراهيم إلا نحن و شيعتنا و سائر الناس منها براء و إن لله ملائكة يهدمون سيئات شيعتنا كما يهدم القوم البنيان .

[391]

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري بي إلى السماء و انتهيت إلى السدرة المنتهى نوديت يا محمد استوص بعلي خيرا فإنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين يوم القيامة .

و عنه عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة أيها الناس إنه كان لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عشر خصال لهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي أنت أخي في الدنيا و الآخرة و أنت أقرب الخلائق إلي يوم القيامة في الموقف بين يدي الجبار و منزلك في الجنة مواجه منزلي كما يتواجه منازل الإخوان في الله عز و جل و أنت الوارث مني و أنت الوصي من بعدي في عداتي و أسرتي و أنت الحافظ لي في أهلي عند غيبتي و أنت الإمام لأمتي و القائم بالقسط في رعيتي و أنت وليي و وليي ولي الله و عدوك عدوي و عدوي عدو الله .

و عن الأصبغ بن نباتة قال : جاء رجل إلى علي (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الذين تقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصلاة واحدة و الحج واحد فبم نسميهم قال سمهم بما سماهم الله تعالى في كتابه فقال ما كل ما في الكتاب أعلمه قال أ ما سمعت الله يقول في كتابه تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله عز و جل و بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بالكتاب و بالحق فنحن الذين آمنوا و هم الذين كفروا و شاء الله قتالهم بمشيئته و إرادته .

و قد أحسن السيد الحميري رحمه الله في قوله :

أقسم بالله و آلائه *** و المرء عما قال مسئول

‏إن علي بن أبي طالب *** على التقى و البر مجبول

[392]

و إنه كان الإمام الذي *** له على الأمة تفضيل

‏يقول بالحق و يعني *** به و لا تلهيه الأباطيل

‏كان إذا الحرب مرتها القنا *** و أحجمت عنها البهاليل

‏يمشي إلى القرن و في كفه *** أبيض ماضي الحد مصقول

‏مشي العفرنى بين أشباله *** أبرزه للقنص الغيل

‏ذاك الذي سلم في ليلة *** عليه ميكال و جبريل

‏ميكال في ألف و جبريل *** في ألف و يتلوهم سرافيل

‏ليلة بدر مددا أنزلوا *** كأنهم طير أبابيل

‏فسلموا لما أتوا نحوه *** و ذاك إعظام و تبجيل

يقال مرت الريح السحاب إذا استدرته يريد أن القنا تستدر الحرب و البهلول الضحاك و لعله لشجاعته و بسالته لا يكترث بالحرب فيتبسم في الحالة التي تقطب فيها الرجال لخوف الحرب كما قال أبو الطيب :

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة *** و وجهك وضاح و ثغرك باسم

و العفرنى الأسد و هو فعلني و الغيل بالكسر الأجمة و بيت الأسد مثل الخميس و الجمع غيول و قال الأصمعي الغيل الشجر الملتف و أبابيل جماعات متفرقة و يجي‏ء بمعنى التكثير و هو من الجمع الذي لا واحد له و قال بعضهم واحده أبول مثل عجول و قيل أبيل قال و لم أجد العرب تعرف له واحدا .

[393]

و عن علي بن الحسين عن آبائه (عليهم السلام) قال : لما رجع علي (عليه السلام) من وقعة الجمل اجتاز بالزوراء فقال للناس إنها الزوراء فسيروا و جنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة .

فلما أتى موضعا من أرضها قال ما هذه الأرض قيل أرض بحرا فقال أرض سباخ جنبوا و يمنوا .

فلما أتى يمنة السواد إذا هو براهب في صومعة له ; فقال له : يا راهب , أنزل هاهنا ?

فقال له الراهب : لا تنزل بجيشك هذه الأرض .

قال :و لم ?

قال : لأنه لا ينزلها إلا نبي أو وصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله عز و جل , هكذا نجد في كتبنا .

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : فأنا وصي سيد الأنبياء و سيد الأوصياء ?

فقال له الراهب : فأنت إذا أصلع قريش وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنا ذلك .

فنزل الراهب إليه , فقال : خذ علي شرائع الإسلام ; إني وجدت في الإنجيل نعتك فإنك تنزل أرض براثا بيت مريم , و أرض عيسى (عليه السلام) .

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : قف و لا تخبرنا بشي‏ء .

ثم أتى موضعا فقال الكزوا هذا ; فلكزه (عليه السلام) فانبجست برجله عين خرارة , فقال : هذه عين مريم التي أنبعت لها .

ثم قال اكشفوا هاهنا , على سبعة عشرة ذراعا .

فكشف , و إذا بصخرة بيضاء .

فقال (عليه السلام) : على هذه الصخرة وضعت مريم عيسى من عاتقها , و صلت هاهنا .

فنصب أمير المؤمنين (عليه السلام) الصخرة و صلى عليها و أقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة و جعل الحرم في خيمة من

[394]

الموضع ثم قال : أرض براثا هذا بيت مريم (عليها السلام) ; هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء .

قال أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) : و لقد وجدنا أنه صلى فيه إبراهيم قبل عيسى (عليه السلام) .

قلت : أرض براثا هذه عند باب محول على قدر ميل أو أكثر من ذلك من بغداد و جامع براثا هناك و هو خراب و حيطانه باقية إلا شي‏ء منها دخلت و صليت فيه و تبركت به .

و عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إن الله تبارك و تعالى أمرني أن أتخذك أخا و وصيا فأنت أخي و وصيي و خليفتي على أهلي في حياتي و بعد موتي من تبعك فقد تبعني و من تخلف عنك فقد تخلف عني و من كفر بك فقد كفر بي و من ظلمك فقد ظلمني يا علي أنا منك و أنت مني يا علي لو لا أنت ما قوتل أهل النهر قال فقلت يا رسول الله و من أهل النهر قال قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .

و عن سويد بن غفلة قال : سمعت عليا (عليه السلام) يقول و الله لو صببت الدنيا على المنافق صبا ما أحبني و لو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبني و ذلك أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : يا علي لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق .

و عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطيت في علي تسعا ثلاثا في الدنيا و ثلاثا في الآخرة و اثنتين أرجوهما له و واحدة أخافها عليه فأما الثلاثة التي في الدنيا فساتر عورتي و القائم بأمر أهلي و وصيي فيهم و أما الثلاثة التي في الآخرة فإني أعطى لواء الحمد يوم القيامة فأدفعه إليه فيحمله عني و أعتمد عليه في مقام الشفاعة و يعينني على حمل مفاتيح الجنة و أما اللتان أرجوهما له فإنه لا يرجع من بعدي

[395]

ضالا و لا كافرا و أما التي أخافها عليه فغدر قريش به من بعدي .

و عن أبي عبد الله العنزي قال : إنا لجلوس مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الجمل إذ جاءه الناس يهتفون به يا أمير المؤمنين و قالوا لقد نالنا النبل و النشاب فتنكر ثم جاء آخرون فذكروا مثل ذلك و قالوا قد جرحنا فقال (عليه السلام) يا قوم من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال و لم تنزل بعد الملائكة فقال إنا لجلوس ما نرى ريحا و لا نحسسها إذ هبت ريح طيبة من خلفنا و الله لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع و الثياب فلما هبت صب أمير المؤمنين ع درعه ثم قام إلى القوم فما رأيت فتحا كان أسرع منه .

و عن جابر بن عبد الله قال : سمعت عليا (عليه السلام) ينشد و رسول الله يسمع :

أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي *** معه ربيت و سبطاه هما ولدي

‏جدي و جد رسول الله منفرد *** و فاطم زوجتي لا قول ذي فند

فالحمد لله شكرا لا شريك له *** البر بالعبد و الباقي بلا أمد

قال فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال : صدقت يا علي .

و على أمثال هذا روي عن أبي عبد الله قال من زار أمير المؤمنين (عليه السلام) عارفا بحقه غير متجبر و لا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد و غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و بعث من الآمنين و هون عليه الحساب و استقبلته الملائكة فإذا انصرف شيعته إلى منزله فإن مرض عادوه و إن مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره .

و عن زيد بن أرقم قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بغدير خم إن الصدقة لا تحل لي و لا لأهل بيتي لعن الله من ادعى إلى غير أبيه لعن الله من تولى غير

[396]

مواليه الولد لصاحب الفراش و للعاهر الحجر و ليس لوارث وصية ألا و قد سمعتم مني و رأيتموني ألا من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ألا و إني فرط لكم على الحوض و مكاثر بكم الأمم يوم القيامة فلا تسودوا وجهي ألا لأستنقذن رجالا من النار و ليستنقذن من يدي أقوام إن الله مولاي و إني مولى كل مؤمن و مؤمنة ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه .

و قال السيد الحميري :

إن امرأ خصمه أبو حسن *** لعازب الرأي داحض الحجج‏

لا يقبل الله منه معذرة *** و لا يلقيه حجة الفلج

و سئل أنس بن مالك : من كان آثر الناس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رأيت قال ما رأيت أحدا بمنزلة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن كان يبعث في جوف الليل إليه فيستخلي به حتى يصبح هذا كان له عنده حتى فارق الدنيا .

قال : و لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يقول يا أنس تحب عليا قلت و الله يا رسول الله إني لأحبه لحبك إياه فقال أما إنك إن أحببته أحبك الله و إن أبغضته أبغضك الله و إن أبغضك الله أولجك النار .

و عن أبي جعفر ع قال عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عهد إلي عهدا فقلت يا رب بينه لي قال اسمع قلت سمعت قال يا محمد إن عليا راية الهدى بعدك و إمام أوليائي و نور من أطاعني و هو الكلمة التي ألزمها الله المتقين فمن أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني فبشره بذلك .

و عن ميثم التمار رحمه الله قال : سمعت عليا (عليه السلام) و هو يجود بنفسه يقول يا حسن فقال الحسن لبيك يا أبتاه فقال إن الله أخذ ميثاق أبيك على بغض كل منافق و فاسق و أخذ ميثاق كل منافق و فاسق على بغض أبيك .

[397]

و من أخبار ابن مهدي رواية أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رضي الله عنه عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من زعم أنه آمن بي و بما جئت به و هو مبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن .

و عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ثم قال إنه أولكم إيمانا معي و أوفاكم بعهد الله و أقومكم بأمر الله و أعدلكم في الرعية و أقسمكم بالسوية و أعظمكم عند الله مزية قال فنزل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ و قال و كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل علي قالوا قد جاء خير البرية .

و من أخبار أبي محمد الفحام رواية الطوسي عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا كان يوم القيامة و نصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلا من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب و ذلك قوله تعالى وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ يعني

[398]

عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و عنه عن سعيد بن حذيفة عن أبيه حذيفة قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ما من عبد و لا أمة يموت و في قلبه مثقال حبة من خردل من حب علي إلا أدخله الله عز و جل الجنة .

و عنه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي دفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية يوم خيبر إلى علي (عليه السلام) ففتح الله عليه و وقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن و مؤمنة و قال أنت مني و أنا منك و قال تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل و قال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى و قال له أنا سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت و قال له أنت العروة الوثقى و قال له أنت تبين لهم ما اشتبه عليهم بعدي و قال له أنت إمام كل مؤمن و مؤمنة بعدي و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي و قال أنت الذي أنزل الله فيه وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ و قال له أنت الآخذ بسنتي و الذاب عن ملتي و قال له أنت أول من تنشق الأرض عنه و أنت معي و قال له أنا عند الحوض و أنت معي و قال له أنا أول من يدخل الجنة و أنت معي تدخلها و الحسن و الحسين و فاطمة و قال له إن الله أوحى إلي بأن أقوم بفضلك فقمت به في الناس و بلغتهم ما أمرني الله بتبليغه و قال له اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون ثم بكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل مم تبكي يا رسول الله فقال أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده و يظلمونهم بعده و أخبرني جبرئيل عن الله عز و جل أن ذلك يزول إذا قام قائمها و علت كلمتهم و اجتمعت الأمة على محبتهم و كان الشانئ لهم قليلا و الكاره لهم ذليلا و كثر المادح لهم و ذلك حين تغير البلاد و ضعف العباد و الإياس من الفرج فعند ذلك يظهر القائم فيهم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اسمه كاسمي و اسم أبيه كاسم أبي هو من ولد ابنتي

[399]

يظهر الله الحق بهم و يخمد الباطل بأسيافهم و يتبعهم الناس بين راغب إليهم و خائف لهم قال و سكن البكاء عن رسول الله فقال معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج فإن وعد الله لا يخلف و قضاؤه لا يرد و هو الحكيم الخبير و إن فتح الله قريب اللهم فإنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا اللهم اكلأهم و ارعهم و كن لهم و انصرهم و أعنهم و أعزهم و لا تذلهم و اخلفني فيهم إنك على كل شي‏ء قدير .

و عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ قال : الصدق ولايتنا أهل البيت .

و عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة المكرم لذريتي من بعدي و القاضي لهم حوائجهم و الساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه و المحب لهم بقلبه و لسانه .

و عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال : أتى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سوق القميص فساوم شيخا منهم فقال يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم فقال حبا و كرامة فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين و أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم قال الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس و أؤدي فيه فريضتي و أستر به عورتي فقال له رجل أ عنك تروي هذا أو شي‏ء سمعته قال بل شي‏ء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوله عند الكسوة .

و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أراد التوسل إلي و أن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي و يدخل السرور عليهم .

[400]

و نقلت من أمالي الطوسي رحمه الله و قد تقدم قريب منه قال : بلغ أم سلمة أن عبدا لها ينتقص عليا (عليه السلام) و يتناوله فأحضرته و قالت يا بني سمعت عنك كذا و كذا فقال نعم فقالت اجلس ثكلتك أمك حتى أحدثك بحديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم اختر لنفسك إنه كانت ليلتي و يومي من رسول الله فأتيت الباب فقلت أدخل يا رسول الله فقال لا فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردني من سخطه أو نزل في شي‏ء من السماء ثم جئت ثانية فجرى ما جرى في الأولى فأتيت الثالثة فأذن لي فقال ادخلي فدخلت و علي (عليه السلام) جاث بين يديه و هو يقول فداك أبي و أمي يا رسول الله إذا كان كذا و كذا فما تأمرني قال آمرك بالصبر فأعاد القول ثانية و هو يأمره بالصبر فأعاد الثالثة فقال يا علي إذا كان ذلك منهم فسل سيفك و ضعه على عاتقك و اضرب قدما قدما حتى تلقاني و سيفك شاهر يقطر من دمائهم ثم التفت (عليه السلام) إلي فقال ما هذه الكآبة يا أم سلمة قلت لما كان من ردك إياي يا رسول الله فقال و الله ما رددتك عن موجدة و إنك لعلى خير من الله و رسوله و لكن أتيتني و جبرئيل عن يميني و علي عن يساري و جبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي و أمرني أن أوصي بذلك عليا يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا و أخي في الآخرة يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا و وزيري في الآخرة يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا و الآخرة و حامل لواء الحمد في الآخرة يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيي و خليفتي من بعدي و قاضي عداتي و الذائد عن حوضي يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين .

[401]

قلت يا رسول الله من الناكثون قال الذين يبايعونه بالمدينة و ينكثون بالبصرة قلت من القاسطون قال معاوية و أصحابه من أهل الشام قلت من المارقون قال أصحاب النهروان فقال مولى أم سلمة فرجت عني فرج الله عنك و الله لا سببت عليا أبدا .

قلت : أبعد الله هذا العبد و أبعد داره و لا قرب منزله و لا أدنى جواره لأنه حين كان مبغضا لأمير المؤمنين (عليه السلام) كان ذا عقيدة ذميمة و طريقة غير مستقيمة فلما عرف الصواب تاب عن سبه و لم يمل إلى صحبته و لا قال أعتقد ما يجب منه حبه و أكون معه و من حزبه و هل يرضى بذلك إلا من غطى الله على عينه و قلبه.

و رضي الله عن أم المؤمنين أم سلمة فلقد أدت الأمانة في مقالها و قدمت هذه الشهادة أمام ارتحالها عن الدنيا و انتقالها و ستجني رحمها الله و رضي عنها ثمرة أعمالها عند مآلها .

و عن القاسم بن أبي سعيد قال : أتت فاطمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت عنده ضعف الحال فقال أ ما تدرين ما منزلة علي عندي كفاني أمري و هو ابن اثنتي عشرة سنة و ضرب بين يدي بالسيف و هو ابن ست عشرة سنة و قتل الأبطال و هو ابن تسع عشرة سنة و فرج همومي و هو ابن عشرين سنة و رفع باب خيبر و هو ابن اثنتين و عشرين سنة و كان لا يرفعه خمسون رجلا قال فأشرق لون فاطمة و لم تقر قدماها على الأرض حتى أتت عليا (عليه السلام) فأخبرته فقال كيف و لو حدثك بفضل الله كله علي .

و عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما مقبلا على علي بن أبي طالب و هو يتلو وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً فقال يا علي إن ربي عز و جل ملكني الشفاعة في أهل التوحيد من أمتي و حظر ذلك على من ناصبك أو ناصب ولدك من بعدك .

و عن علي (عليه السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أبا ذر من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم قال يا رسول الله و ما أول النعم قال طيب

[402]

الولادة إنه لا يحبنا أهل البيت إلا من طاب مولده .

عن ثابت مولى أبي ذر رحمه الله قال : شهدت مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الجمل فلما رأيت عائشة واقفة دخلني من الشك بعض ما يدخل الناس فلما زالت الشمس كشف الله ذلك عني فقاتلت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم أتيت بعد ذلك أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و رضي عنها فقصصت عليها قصتي فقالت كيف صنعت حيث طارت القلوب مطائرها قال قلت إلى أحسن ذلك و الحمد لله كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس فقاتلت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) قتالا شديدا فقالت أحسنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي مع القرآن و القرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض .

و عن عمار بن ياسر رضي الله عنه و أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو عبيدة و حدثنيه سنان بن أبي سنان أن هند بن هند بن أبي هالة الأسيدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمه خديجة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أخته لأمه فاطمة ص قال أبو عبيدة : و كان هؤلاء الثلاثة هند بن أبي هالة و أبو رافع و عمار بن ياسر يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة و مبيته من قبل ذلك على فراشه .

قال و صدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة و اقتصاصه عن الثلاثة و قد دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : كان الله عز و جل مما يمنع نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعمه أبي طالب فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغيتها و أصابته بعظيم من أذى حتى تركته لقى .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أسرع ما وجدنا فقدك يا عم و صلتك رحم و جزيت خيرا يا عم .

ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر و اجتمع بذلك على رسول الله حزنان حتى عرف ذلك فيه.

قلت و سمي تلك السنة عام الحزن.

[403]

قال هند ثم انطلق ذوو الطول و الشرف من قريش إلى دار الندوة ليرتئوا و يأتمروا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أسروا ذلك بينهم و قالوا نبني له برجا نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة إليه أحد ثم لا يزال في رنق من العيش حتى يأتيه المنون و أشار بذلك العاص بن وائل و أمية و أبي ابنا خلف فقال قائل كلا ما هذا لكم برأي و لئن صنعتم ذلك ليتمنون له الحدب و الحميم و المولى و الحليف ثم ليأتين المواسم في الأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أنشوطتكم قولوا قولكم.

فقال عتبة و شيبة و شركهما أبو سفيان قالوا فإنا نرى أن نرحل له بعيرا صعبا و نوثق محمدا عليه كتافا و شدا ثم نخز البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إربا إربا فقال صاحب رأيهم إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا أ رأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم بسحره و بيانه و طلاقة لسانه فصبا القوم إليه و استجابت له القبائل و سار إليكم فأهلككم قولوا قولكم.

فقال أبو جهل لكن أرى أن تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا و تبيتون ابن أبي كبشة فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع قومه محاربة الناس فيرضون حينئذ بالعقل فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم.

قلت و قد ورد أن هذا الرأي أشار به إبليس عليهم و جاءهم في زي رجل من نجد.

[404]

قال فأوحى الله إلى نبيه بما كان من كيدهم و تلا عليه جبرئيل (عليه السلام) وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية و أمره بالهجرة فدعا عليا (عليه السلام) لوقته فأخبره بما أوحي إليه و ما أمر به و أنه أمرني أن آمرك بالمبيت على فراشي أو على مضجعي ليخفى بمبيتك عليه أمري فما أنت قائل و صانع .

فقال علي (عليه السلام) أ و تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله قال نعم فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكا و أهوى إلى الأرض ساجدا شكرا لما أنبأه به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من سلامته و كان أول من سجد شكرا و أول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم رفع رأسه و قال امض لما أمرت به فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي و مرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع منه بحيث مرادك و إن توفيقي إلا بالله قال إني أخبرك يا علي أن الله يختبر أولياءه على قدر إيمانهم و منازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل و قد امتحنك الله يا ابن أم و امتحنني فيك بمثل ما امتحن الله به خليله إبراهيم و الذبيح إسماعيل فصبرا صبرا فإن رحمة الله قريب من المحسنين ثم ضمه النبي (عليه السلام) إلى صدره و بكى وجدا به و بكى علي (عليه السلام) حزنا لفراق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و استتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر بن أبي قحافة و هند بن أبي هالة و أمرهما أن ينتظراه بمكان عينه لهما من طريقه إلى الغار و لبث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكانه يوصي عليا و يأمره بالصبر و خرج في فحمة العشاء و الرصد من قريش قد طافوا بالدار ينتظرون أن ينتصف الليل و تنام الأعين فخرج و هو يقرأ وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا الآية و رماهم بقبضة من تراب فما شعروا به و مضى حتى انتهى إلى صاحبيه فنهضا معه و وصلوا إلى الغار و رجع هند إلى مكة بما أمره به النبي (عليه السلام) و دخل هو و أبو بكر إلى الغار.

[405]

فلما نامت الأعين أقبل القوم إلى علي قذفا بالحجارة و لا يشكون أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذا برق الفجر و أشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على علي (عليه السلام) و كانت دور مكة يومئذ بغير أبواب فلما بصر بهم علي قد انتضوا السيوف و أقبلوا يقدمهم خالد بن الوليد وثب به علي فختله و همز يده و أخذ سيفه و شد عليهم فأجفلوا فعرفوه و قالوا إنا لم نردك فما فعل صاحبك فقال لا علم لي فأذكت قريش عليه العيون و ركبت في طلبه الصعب و الذلول.

و لما اعتم علي انطلق هو و هند إلى الغار و أمر رسول الله هندا أن يبتاع له و لصاحبه بعيرين فقال أبو بكر قد كنت أعددت لي و لك يا رسول الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب فقال لا آخذهما إلا بالثمن قال هي لك يا رسول الله بذلك فأمر عليا فأقبضه الثمن و وصاه بحفظ ذمته و أداء أمانته و كانت قريش تدعو النبي (عليه السلام) في الجاهلية الأمين و تودعه أموالها و بعث و الحال كذلك .

فأمر عليا أن يقيم صارخا بالأبطح يهتف غدوة و عشيا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤد إليه أمانته و قال له النبي (عليه السلام) لن يصلوا إليك من الآن بأمر تكرهه حتى تقدم علي فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ثم إني أستخلفك على فاطمة ابنتي و مستخلف ربي عليكما و أمره أن يبتاع رواحل له و للفواطم و من يهاجر معه من بني هاشم و قال لعلي إذا أبرمت ما أمرتك به فكن على أهبة الهجرة إلى الله و رسوله و سر إلي لقدوم كتابي عليك .

و انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤم المدينة و أقام في الغار ثلاثا و مبيت علي على فراشه أول ليلة .

و قال علي (عليه السلام) في ذلك :

[406]

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى *** و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر

محمد لما خاف أن يمكروا به *** فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

و بت أراعيهم متى يأسرونني *** و قد وطنت نفسي على القتل و الأسر

و بات رسول الله في الغار آمنا هناك و في حفظ الإله و في ستر

أقام ثلاثا ثم زمنت قلائص *** قلائص يفرين الفلا أينما يفري

و لما ورد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا و أرادوه على الدخول إلى المدينة فقال ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي و ابنتي يعني عليا و فاطمة (عليها السلام) .

قال أبو اليقظان و حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن بقبا عما أرادت قريش من المكر به و مبيت علي على فراشه و قال : أوحى الله عز و جل إلى جبرئيل و ميكائيل (عليه السلام) أني قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه .

الحديث بتمامه و قد ذكرته قبل هذا .

و نقلت من الكشاف للزمخشري قال : و كتب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي يأمره بالتوجه إليه فلما وصله الكتاب تهيأ للخروج و الهجرة و خرج بالفواطم فاطمة بنت محمد (عليه السلام) و فاطمة بنت أسد أمه و فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنهما و خرج معه أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جماعة من ضعفاء المؤمنين و لحقهم جماعة من قريش فقتل (عليه السلام) منهم فارسا و عادوا عنه فانطلق حتى نزل ضجنان فأقام بها قدر يومه و لحق به نفر من مستضعفي المؤمنين و فيهم أم أيمن مولاة رسول الله (عليه السلام) فصلى ليلته تلك هو و الفواطم و باتوا يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم فما زالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر و سار و هم يصنعون ذلك منزلا فمنزلا يعبدون الله عز و جل و يرغبون إليه حتى قدم المدينة و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ

[407]

عَلى جُنُوبِهِمْ
إلى قوله فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فالذكر علي و الأنثى فاطمة و فاطمة و فاطمة بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يقول علي من فاطمة و الفواطم من علي فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي ... الآية قال .

و قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله و رسوله و أولهم هجرة إلى الله و رسوله و آخرهم عهدا برسوله لا يحبك و الذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان و لا يبغضك إلا منافق أو كافر .

أقول : خبر الغار أوردته في أول هذا الكتاب من طريق آخر و أوردته هنا لما فيه من زيادات تتعلق بأمير المؤمنين (عليه السلام) و كان طويلا فاختصرت بعض ألفاظه و فيه ألفاظ أنبه عليها كما شرطت.

شرح : اللقى الشي‏ء الملقى لهوانه و الجمع ألقاء الندي على فعيل مجلس القوم و متحدثهم و كذلك الندوة و النادي و المستندي فإن تفرق القوم فليس بندي و منه سميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي لأنهم كانوا يندون فيها أي يجتمعون للمشاورة و الصباة إليه المائلون إلى دينه من صبا يصبو أو من صبأ الرجل صبؤا خرج من دين إلى دين قال أبو عبيدة صبأ من دينه إلى دين آخر كما تصبأ النجوم أي تخرج من مطالعها و هو أنسب و الأول صحيح المعنى و صبأ أيضا أي صار صابئا و الصابئون جنس من أهل الكتاب و ليس من قبيل ما نحن بصدده ماء رنق بالتسكين كدر و عيش رنق بالكسر كذلك و يقال حدب عليه و حدب أي عطف عليه و حميمك قريبك الذي تهتم لأمره و الأنشوطة عقدة يسهل انحلالها مثل عقدة التكة و الصعب نقيض الذلول و الوخز الطعن بالرمح و نحوه لا يكون نافذا يقال وخزه بالخنجر الدكداك من الرمل ما التبد منه بالأرض و الجمع الدكادك و الفرقة الطائفة من الناس و الفريق أكثر منهم و في الحديث أفاريق العرب و هو جمع أفراق و أفراق جمع فرقة و البيات معروف و العقل

[408]

الدية قال الأصمعي و سميت بذلك لأن الإبل كانت تعقل في فناء ولي المقتول ثم كثر استعمالهم هذا الحرف حتى قالوا عقلت المقتول إذا أعطيت ديته دراهم أو دنانير و الكيد المكر كاده يكيده كيدا و مكيدة و كذلك المكايدة و ربما سميت الحرب كيدا و امتحنه اختبره و فحمة العشاء ظلمته يقال أفحموا من الليل أي لا يستروا في أول فحمته الراصد للشي‏ء الراقب له يقال رصده يرصده رصدا و رصدا و الترصد الترقب و القذف بالحجارة الرمي بها و ختله و خاتله خادعه و الهمز مثل الغمز و الضغط و أذكيت عليه العيون إذا أرسلت عليه الطلائع و هتف به هتافا أي صاح و القلوص من النوق الشابة و هي بمنزلة الجارية من النساء و الجمع قلص و قلائص و جمع القلص قلاص قال العدوي القلوص أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني فإذا أثنت فهي ناقة و القعود أول ما يركب من ذكور الإبل فإذا أثنى فهو جمل و ضجنان جبل بناحية مكة .

قال أبو ثابت مولى أبي ذر رحمه الله يقول : سمعت أم سلمة رضي الله عنها تقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه يقول و قد امتلأت الحجرة من أصحابه أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا و إني مخلف فيكم كتاب الله ربي عز و جل و عترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها فقال هذا علي مع القرآن و القرآن مع علي خليفتان نصيران لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسألها ما ذا خلفت فيهما .

و عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول و هو آخذ بكف علي (عليه السلام) الحق بعدي مع علي يدور معه حيث ما دار .

و عن رافع مولى أبي ذر رضي الله عنه قال : صعد أبو ذر على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب ثم أسند ظهره إليه و قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله ص يقول إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تركها هلك .

[409]

و سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد و مكان العينين من الرأس فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس و لا يهتدي الرأس إلا بالعينين .

و عن علي (عليه السلام) قال : كنا جلوسا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو نائم و رأسه في حجري فتذاكرنا الدجال فاستيقظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محمرا وجهه فقال لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال الأئمة المضلون و سفك دماء عترتي من بعدي أنا حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم .

و عن عمر و سلمة ابني أبي سلمة ربيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالا : سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول في حجته علي يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين علي أخي و مولى المؤمنين من بعدي و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أن الله ختم النبوة فلا نبي بعدي و هو الخليفة في الأهل و المؤمنين بعدي .

و عن علي قال : كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه فكان رأسه في حجري و العباس يذب عن وجهه فأغمي عليه .

ثم فتح عينه فقال : يا عباس يا عم رسول الله اقبل وصيتي و اضمن ديني و عداتي .

فقال العباس : يا رسول الله أنت أجود من الريح المرسلة و ليس في مالي وفاء لدينك و عداتك .

فقال ذلك ثلاثا ; و العباس يجيب بما قال أولا .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لأقولنها لمن يقبلها و لا يقول مثل مقالتك يا عباس .

و قال : يا علي اقبل وصيتي و اضمن ديني و عداتي .

فخنقتني العبرة و ارتج جسدي و نظرت إلى رأسه (عليه السلام) يذهب و يجي‏ء في حجري فقطرت دموعي على وجهه و لم أقدر أن أجيبه ; ثم ثنى , فقال : يا علي اقبل وصيتي و اضمن ديني و عداتي .

فقلت : نعم بأبي أنت و أمي .

قال : أجلسني .

فأجلسته , فكان ظهره في صدري ; فقال : يا علي أنت أخي في الدنيا و الآخرة و وصيي و خليفتي في أهلي .

ثم قال : يا بلال هلم سيفي و درعي و بغلتي و سرجها و لجامها و منطقتي التي أشدها على درعي .

[410]

فجاء بلال بهذه الأشياء ; فوقف البغلة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال : يا علي قم فاقبض .

قال : فقمت و قام العباس فجلس في مكاني , و قبضت ذلك .

قال : فانطلق به إلى منزلك .

فانطلقت به .

ثم جئت فقمت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما , فنظر إلي ثم عمد إلى خاتمه فنزعه ; ثم دفعه إلي , فقال هاك يا علي هذا لك في الدنيا و الآخرة - و البيت غاص من بني هاشم و المسلمين - فقال : يابني هاشم , يا معشر المسلمين , لا تخالفوا عليا فتضلوا و لا تحسدوه فتكفروا .

و من تمامه من حديث آخر في معناه ; فقال : يا بلال ائتني بولدي الحسن و الحسين .

فانطلق فجاء بهما .

فأسندهما إلى صدره , فجعل يشمهما .

قال علي (عليه السلام) : فظننت أنهما قد غماه - أي أكرباه - فذهبت لأؤخرهما عنه , فقال : دعهما يا علي يشماني و أشمهما و يتزودا مني و أتزود منهما ; فسيلقيان من بعدي زلزالا و أمرا عضالا فلعن الله من يحيفهما ; اللهم إني أستودعكهما و صالح المؤمنين .

و قيل سمع عامر بن عبد الله بن الزبير و كان من عقلاء قريش ابنا له ينتقص عليا فقال : يا بني لا تنتقص عليا فإن الدين لم يبن شيئا فاستطاعت الدنيا أن تهدمه و إن الدنيا لم تبن شيئا إلا و هدمه الدين ; يا بني إن بني أمية لهجوا بسب علي بن أبي طالب في مجالسهم و لعنوا على منابرهم فكأنما يأخذون و الله بضبعه إلى السماء مدا ; و إنهم لهجوا بتقريظ ذويهم و أوائلهم فكأنما يكشفون عن أنتن من بطون الجيف فأنهاك عن سبه .

يقال التقريظ بالظاء و الضاد المدح بحق أو باطل و اللهج بالشي‏ء الولوغ به و لهج بالكسر بالشي‏ء يلهج لهجا إذا أغري به فثابر عليه .

و سأل معاوية خالد بن معمر : على ما أحببت عليا?

قال : على ثلاث خصال ; على حلمه إذا غضب و على صدقه إذا قال و على عدله إذا ولي .

قلت رحمه الله خالد بن معمر فقد وصف عليا (عليه السلام) ببعض ما فيه و نفى

[411]

عن معاوية بعض ما فيه.

و عن يونس بن حبيب النحوي و كان عثمانيا قال : قلت للخليل بن أحمد أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها علي .

فقال : قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال , فتكتمه أنت أيضا .

قال : قلت نعم , أيام حياتك .

قال : سل .

قلت : ما بال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و رحمهم كأنهم كلهم بنو أم واحدة ; و علي بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة ?

فقال : إن عليا يقدمهم إسلاما ; و فاقهم علما ; و بذهم شرفا ; و رجحهم زهدا ; و طالهم جهادا ; و الناس إلى أشكالهم و أشباههم أميل منهم إلى من بان منهم ; فافهم .

قيل دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر من الشيعة قال الأصبغ بن نباتة و كنت فيمن دخل : فجعل الحرث يتأود في مشيته و يخبط الأرض بمحجنه و كان مريضا فأقبل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و كانت له منه منزلة ; فقال كيف تجدك يا حار ?

قال : نال الدهر مني يا أمير المؤمنين , و زادني أوارا و غليلا اختصام أصحابك ببابك .

قال : و فيم خصومتهم ?

قال : في شأنك , و البلية من قبلك , فمن مفرط غال و مبغض قال و من متردد مرتاب لا يدري أ يقدم أم يحجم .

قال : فحسبك يا أخا همدان ; أي كفاك هذا القول , ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي و بهم يلحق التالي .

[412]

قال : لو كشفت فداك أبي و أمي الرين عن قلوبنا و جعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا .

قال : قدك فإنك امرؤ ملبوس عليك إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق و الآية العلامة فاعرف الحق تعرف أهله , يا حار إن الحق أحسن الحديث و الصادع مجاهد و بالحق أخبرك فأرعني سمعك , ثم خبر به من كانت له حصاة من أصحابك ; ألا إني عبد الله و أخو رسوله و صديقه الأول صدقته و آدم بين الروح و الجسد ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا فنحن الأولون و نحن الآخرون ; ألا و أنا خاصته يا حار و خالصته و صنوه و وصيه و وليه و صاحب نجواه و سره أوتيت فهم الكتاب و فصل الخطاب و علم القرون و الأسباب و استودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد و أيدت أو قال أمددت بليلة القدر نفلا و إن ذلك ليجري لي و من استحفظ من ذريتي ما جرى الليل و النهار حتى يرث الله الأرض و من عليها ; و أبشرك يا حار ليعرفني و الذي فلق الحبة و برأ النسمة وليي و عدوي في مواطن شتى ; ليعرفني عند الممات , و عند الصراط , و عند المقاسمة .

قال : و ما المقاسمة يا مولاي ?

فقال لي : مقاسمة النار أقسمها قسمة صحاحا

[413]

أقول هذا وليي و هذا عدوي ; ثم أخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) بيد الحارث و قال : ياحارث أخذت بيدك كما أخذ بيدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي و اشتكيت إليه حسدة قريش و المنافقين لي إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل أو حجزة يعني عصمة من ذي العرش تعالى و أخذت أنت يا علي بحجزتي و أخذ ذريتك بحجزتك و أخذ شيعتكم بحجزكم فما ذا يصنع الله بنبيه و ما يصنع نبيه بوصيه و ما يصنع وصيه بأهل بيته و ما يصنع أهل بيته بشيعتهم ; خذها إليك حار قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت و لك ما احتسبت أو قال ما اكتسبت , قالها ثلاثا .

فقال الحارث : و قام يجر رداءه جذلا ; ما أبالي و ربي بعد هذا أ لقيت الموت أو لقيني .

قال جميل بن صالح فأنشدني السيد بن محمد في كلمة له :

قول علي لحارث عجب كم ثم أعجوبة له جملا

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه بنعته *** و اسمه و ما فعلا

و أنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمإ *** تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين تعرض للعرض *** دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه إن له حبلا *** بحبل الوصي متصلا

قلت السيد الحميري (رهـ) كان كيسانيا يقول برجعة أبي القاسم محمد بن الحنفية (عليه السلام) فلما عرفه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الحق و القول بمذهب الإمامية الاثني عشرية ترك ما كان عليه و رجع إلى الحق و قال به و شعره رحمه الله في مذهبه مشهور لا حاجة إلى ذكره لاشتهاره و كان نظاما للوقائع مجيدا و هو كثير الشعر و لا يوجد من شعره إلا القليل .

و روي : أنه وجد حمال و هو يمشي بحمل ثقيل فقيل ما معك قال ميميات

[414]

السيد و غلب هذا الاسم عليه فلم يكن علويا فإنه بطريق تسميته السيد يتوهم ذلك و على ذكره.

حدث الحسين بن عون قال : دخلت على السيد بن محمد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به و وجدت عنده جماعة من جيرانه و كانوا عثمانية و كان السيد جميل الوجه رحب الجبهة عريض ما بين السالفين فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثم لم تزل تنمي و تزيد حتى طبقت وجهه بسوادها فاغتم لذلك من حضره من الشيعة و ظهر من الناصبة سرور و شماتة فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا و تنمي حتى اصفر وجهه و أشرق و افتر السيد ضاحكا و قال :

كذب الزاعمون أن عليا لم *** ينجي محبه من هنات

‏قد و ربي دخلت جنة عدن *** و عفا لي الإله عن سيئاتي

‏فأبشروا اليوم أولياء علي *** و تولوا علي حتى الممات‏

ثم من بعده تولوا بنيه *** واحدا بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا ; أشهد أن محمدا رسول الله حقا حقا ; أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا حقا ; أشهد أن لا إله إلا الله .

ثم أغمض عينه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طفئت أو حصاة سقطت .

قال علي بن الحسين قال لي أبي الحسين بن عون و كان أذينة حاضرا فقال الله أكبر ما من شهد كمن لم يشهد أخبرني و إلا صمتا الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر و جعفر الصادق (عليه السلام) أنهما قالا : حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة محمدا و عليا و فاطمة و حسنا و حسينا بحيث تقر عينها أو تسخن عينها .

فانتشر هذا الحديث في الناس فشهد جنازته و الله الموافق و المفارق .

[415]

عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال حدثني أبو ذر و كان صفوه و انقطاعه إلى علي و أهل هذا البيت قال : قلت يا نبي الله إني أحب أقواما ما أبلغ أعمالهم قال فقال يا أبا ذر المرء مع من أحب و له ما اكتسب قلت فإني أحب الله و رسوله و أهل بيت نبيه قال فإنك مع من أحببت و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ملإ من أصحابه فقال رجال منهم فإنا نحب الله و رسوله و لم يذكروا أهل بيته فغضب (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال أيها الناس أحبوا الله عز و جل لما يغدوكم به من نعمه و أحبوني بحب ربي و أحبوا أهل بيتي بحبي فو الذي نفسي بيده لو أن رجلا صفن بين الركن و المقام صائما و راكعا و ساجدا ثم لقي الله عز و جل غير محب لأهل بيتي لم ينفعه ذلك قالوا و من أهل بيتك يا رسول الله أو أي أهل بيتك هؤلاء قال من أجاب منهم دعوتي و استقبل قبلتي و من خلقه الله مني و من لحمي و دمي فقالوا نحن نحب الله و رسوله و أهل بيت رسوله فقال بخ بخ فأنتم إذا منهم أنتم إذا منهم و المرء مع من أحب و له ما اكتسب .

و الصافن من الخيل القائم على ثلاث قوائم و قد أقام الرابع على طرف الحافر يقال صفن يصفن صفونا و الصافن الذي يصف قدميه و في الحديث كنا إذا صلينا خلفه فرفع رأسه من الركوع قمنا خلفه صفوفا .

و عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنه كان ذات يوم جالسا بالرحبة و الناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله عز و جل به و أبوك يعذب بالنار فقال مه فض الله فاك و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق لو شفع أبي في كل مذنب على

[416]

وجه الأرض لشفعه الله فيهم أ أبي يعذب بالنار و ابنه قسيم الجنة و النار ثم قال و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار نور محمد و نوري و نور فاطمة و نور الحسن و الحسين و من ولدته من الأئمة لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى من قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام .

و عن زيد بن علي عن أبيه : أن الحسين بن علي (عليه السلام) أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هو على المنبر يوم الجمعة فقال له انزل عن منبر أبي فبكى عمر ثم قال صدقت يا بني منبر أبيك لا منبر أبي فقال علي (عليه السلام) ما هو و الله عن رأيي فقال صدقت و الله ما أتهمك يا أبا الحسن ثم نزل من المنبر فأخذه فأجلسه إلى جانبه على المنبر فخطب الناس و هو جالس على المنبر معه ثم قال أيها الناس سمعت نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول احفظوني في عترتي و ذريتي فمن حفظني فيهم حفظه الله ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ثلاثا .

قال أفقر عباد الله تعالى علي بن عيسى بن أبي الفتح عفا الله عنه : قد كنت طالعت كتاب الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري فرأيت فيها أخبارا ما كنت أظنه يروي مثلها لموضع مذهبه و لمن جمع له الكتاب و سماه باسم نسبه إليه و هو الأمير الموفق أبو أحمد طلحة بن المتوكل أخو المعتمد و ولي عهده و كان يخطب له بلقبين اللهم أصلح الأمير الناصر لدين الله أبا أحمد طلحة الموفق بالله و ولي عهد المسلمين و أخا أمير المؤمنين و مات في ثاني رجب سنة ثمان و سبعين و مائتين لقب بالناصر حين فرغ من أمر محمد بن علي صاحب الزنج و هو متولي حروبه و كان هو و أبوه و بنو أبيه في انحرافهم عن أهل البيت في أبعد الغاية لا سيما الموفق و المتوكل و حربه لصاحب الزنج و إن كان محافظة على الملك و إنما قوى هممهم على مطاولته و اتصال الحروب بينهم ما أظهره ذلك الخائن من انتسابه إلى أهل البيت و أنه علوي و كان مدعيا لم يصحح النسابون نسبه و حكى العمري النسابة (رهـ) أنه كان دعيا و كان من قرية اسمها ورزنين من قرى الري فلم يزالوا على حربه و منازلته جرى من قتله و تفرقة جموعه ما جرى و كان انتماؤه إلى هذا البيت الشريف أقوى

[417]

الموجبات لاستئصاله هذا حال من عمل الكتاب من أجله.

فأما جامعه فقد حكى ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء كلاما هذا مختصره الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام يكنى أبا عبد الله الكثير العلم الغزير الفهم أعلم الناس قاطبة بأخبار قريش و أنسابها و مآثرها و أشعارها ولد و نشأ بالحجاز و مات بمكة في ذي القعدة سنة ست و خمسين و مائتين عن أربع و ثمانين سنة و كان أبوه على قضاء مكة و ولاه المتوكل القضاء بها بعد أبيه و مات و هو قاضيها و دخل بغداد عدة دفعات آخرها سنة ثلاث و خمسين و مائتين و كان فتى في شعره و مروته و بطالته مع سنه و عفافه و مثل هذا على صدقه عندهم إذا روى شيئا يكون صحيحا قطعا لأن الزمان قديم و المخبر صدوق و المصنف له متعنت و كيف يقدم على تصنيف كتابه باسمه و فيه ما يناقض مذهبه و يخالف عقيدته و يجبهه برده عليه ما قد عقد عليه خنصره و جعله دينه الذي يرجو به الفوز في آخرته.

حدث الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب قال : تقدم وكيل المونسة إلى شريك بن عبد الله القاضي مع خصم له فإذا الوكيل مدل بموضعه من مونسة فجعل يسطو على خصمه و يغلظ له فقال له شريك كف لا أم لك فقال أ و تقول لي هذا و أنا قهرمان مونسة فقال يا غلام اصفعه فصفعه عشر صفعات فانصرف بخزي فدخل على مونسة فشكا إليها ما صنع به فكتبت رقعة إلى المهدي تشكو شريكا و ما صنع بوكيلها فعزله و كان قبل هذا قد دخل إليه فأغلظ له الكلام و قال له ما مثلك من يولي أحكام المسلمين .

قال : و لم يا أمير المؤمنين ?

قال : لخلافك الجماعة و لقولك بالإمامة ?

قال : ما أعرف دينا إلا عن الجماعة فكيف أخالفها ? و عنها أخذت ديني و أما الإمامة فما أعرف إماما إلا كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فهما إماماي و عليهما عقدي فأما ما ذكر

[418]

أمير المؤمنين أن ما مثلي يولي أحكام المسلمين فذاك شي‏ء أنتم فعلتموه فإن كان خطأ وجب عليكم الاستغفار منه و إن كان صوابا وجب عليكم الإمساك عنه .

قال : ما تقول في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ?

قال : ما قال فيه جدك العباس و عبد الله .

قال : و ما قالا فيه ?

قال : أما العباس فمات و هو عنده أفضل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و قد شاهد كبراء الصحابة و المهاجرين يحتاجون إليه في الحوادث و لم يحتج إلى أحد منهم حتى خرج من الدنيا .

و أما عبد الله بن عباس رحمه الله فضارب معه بسيفين و شهد حروبه و كان فيها رأسا متبعا و قائدا مطاعا فلو كانت إمامته جورا كان أول من يقعد عنه أبوك لعلمه بدين الله و فقهه في أحكام الله .

فسكت المهدي و خرج شريك فما كان بين عزله و بين هذا المجلس إلا جمعة أو نحوها.

و عن الزبير عن رجاله عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة ابتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة و استخلافه ابنه يزيد من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير و يضرب بالطنابير و ادعاؤه زيادا .

و قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الولد للفراش و للعاهر الحجر .

و قتله حجر بن عدي و أصحابه فيا ويله من حجر و أصحاب حجر.

قلت : هذا الخبر و إن لم يكن من غرض هذا الكتاب لكن ساق إليه ما بينهما من أمر ما و ابتزاؤه توثبه و بزه يبز بزا سلبه و ابتزها سلبها و العهر و العهر الزنا و عهر فهو عاهر و الاسم العهر بالكسر.

و على هذا حدث الزبير عن رجاله قال : قال مطرف بن المغيرة بن شعبة وفدت مع أبي المغيرة على معاوية و كان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية و يذكر عقله و يعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء و رأيته مغتما منذ الليلة فانتظرته ساعة و ظننت أنه لشي‏ء قد حدث فينا و في علمنا فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عند أخبث الناس قلت و ما ذاك قال قلت له و قد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو

[419]

أظهرت عدلا و بسطت خيرا فإنك قد كبرت و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شي‏ء تخافه فقال هيهات هيهات ملك أخو تيم فعدل و فعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر ثم ملك أخو بني عدي فاجتهد و شعر عشر سنين فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر ثم ملك عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه و فعل ما فعل و عمل به ما عمل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره و ذكر ما فعل به و إن أخا بني هاشم يصاح به في كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك لا و الله إلا دفنا دفنا.

فانظر أيدك الله إلى قول معاوية في النبي (عليه السلام) و عقيدته فيه يهن عندك فعله مع علي (عليه السلام) كما قدمنا أن حب علي فرع على حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و الإقرار بنبوته و تصديقه :

و إن الجرح ينفر بعد حين *** إذا كان البناء على فساد

حدث الزبير عن رجاله قال : إن ابن الزبير قال لابن عباس قاتلت أم المؤمنين و حواري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أفتيت بتزويج المتعة .

قال : أنت أخرجتها و أبوك و خالك , و بنا سميت أم المؤمنين و كنا لها خير بنين فتجاوز الله عنها ; و قاتلت أنت و أبوك عليا فإن كان علي مؤمنا فقد ظللتم بقتالكم المؤمنين و إن كان كافرا فقد بؤتم بسخط من الله بفراركم من الزحف .

و أما المتعة : فإنا نحلها ; سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلها و يرخص فيها فأفتيت فيها ... و ذكر الحديث .

و حدث الزبير عن رجاله عن ابن عباس قال : إني لأماشي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سكة من سكك المدينة إذ قال لي يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما قلت في نفسي و الله لا يسبقني بها فقلت يا أمير المؤمنين فاردد ظلامته فانتزع يده من يدي و مضى و هو يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال يا ابن عباس ما أظنهم منعهم منه إلا استصغروه فقلت في نفسي هذه و الله شر من الأولى فقلت و الله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك قال فأعرض عني .

[420]

قال علي بن عيسى عفا الله عنه قد ذكرت بهذا الحديث حديثا يشابهه نقلت من كتاب عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد في تفسير نهج البلاغة قال نقلت من كتاب تاريخ بغداد لأحمد بن أبي طاهر بسنده عن ابن عباس قال : دخلت على عمر رضي الله عنه في أول خلافته و قد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني للأكل فأكلت تمرة واحدة و أقبل يأكل حتى أتى عليه ثم شرب من جر كان عنده و استلقى على مرفقة له و طفق يحمد الله يكرر ذلك , ثم قال : من أين جئت يا عبد الله ?

قلت : من المسجد .

قال : كيف خلفت بني عمك ?

فظننته يعني عبد الله بن جعفر , فقلت : خلفته يلعب مع أترابه .

قال : لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت .

قلت : خلفته يمتح بالغرب على نخلات له و هو يقرأ القرآن .

فقال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها , أ بقي في نفسه شي‏ء من أمر الخلافة ?

قلت : نعم .

قال : أ يزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها له ?

قلت : نعم ; و أزيدك سألت أبي عما يدعيه , قال : صدق .

فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذرو من قول , لا يثبت حجة و لا يقطع عذرا , و قد كان يزيغ في أمره وقتا ما و لقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا و حفيظة على الإسلام ; لا و رب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا , و لو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك و أبى الله إلا إمضاء ما حتم .

قلت : يشير إلى اليوم الذي قال فيه ائتوني بدواة و كتف الحديث فقال عمر رضي الله عنه إن الرجل ليهجر , الخصفة بالتحريك الجلة من الخوص تعمل للتمر و جمعها خصف و خصاف و الصاع أربعة أمداد و المد مكيال أيضا و هو رطل و ثلاث عند أهل الحجاز و رطلان عند أهل العراق و المرفقة بالكسر المخدة و قد تمرفق إذا أخذها و الماتح المستقي و كذلك المتوح تقول متح الماء يمتحه متحا إذا نزعه و الغرب الدلو العظيمة و ذرو من قول أي طرف منه و لم يتكامل و أزاغ يزيغ إذا طلب و أراد .

[421]

حدث الزبير عن رجاله قال : دخل محفن بن أبي محفن الضبي على معاوية فقال يا أمير المؤمنين جئتك من عند ألأم العرب و أبخل العرب و أعيا العرب و أجبن العرب قال و من هو يا أخا بني تميم قال علي بن أبي طالب قال معاوية اسمعوا يا أهل الشام ما يقول أخوكم العراقي فابتدروه أيهم ينزله عليه و يكرمه فلما تصدع الناس عنه قال له كيف قلت فأعاد عليه فقال له ويحك يا جاهل كيف يكون ألأم العرب و أبوه أبو طالب و جده عبد المطلب و امرأته فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنى يكون أبخل العرب فو الله لو كان له بيتان بيت تبن و بيت تبر لأنفد تبره قبل تبنه و أنى يكون أجبن العرب فو الله ما التقت فئتان قط إلا ما كان فارسهم غير مدافع و أنى يكون أعيا العرب فو الله ما سن البلاغة لقريش غيره و لما قامت أم محفن عنه ألأم و أبخل و أجبن و أعيا لبظر أمه فو الله لو لا ما تعلم لضربت الذي فيه عيناك فإياك عليك لعنة الله و العود إلى مثل هذا قال و الله أنت أظلم مني فعلى أي شي‏ء قاتلته و هذا محله قال على خاتمي هذا حتى يجوز به أمري قال فحسبك ذلك عوضا من سخط الله و أليم عذابه قال لا يا ابن محفن و لكني أعرف من الله ما جهلت حيث يقول وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ .

قلت : قد شهد معاوية من فضل علي (عليه السلام) بما كان يعرف أضعافه و رأى مع ذلك عصيانه و منابذته و خلافه و ناصبه العداوة حتى قتل بينهما ألوف متعددة و استمر على سبه على المنابر بهمة لا وانية في ذلك و لا مترددة و أوصى على الاستمرار عليها بنيه و بني أبيه و اتخذها سنة جرى على بدعته هو و من يقتفيه إلى أن أجرى الله رفعها على يد عمر بن عبد العزيز رحمه الله فوفقه الله لصوابها و هداه إلى ثوابها و

[422]

أنجاه من أليم عذابها و وبيل عقابها.

ثم إن معاوية يجعل عذره فيما صنع و اعتماده في الفتنة التي خب فيها و وضع و عصره في الدماء التي أراقها و ملاذه في النار التي وراها و قوى إحراقها الاعتماد على رحمة الله و لعمري إنها قريبة من المحسنين فأين إحسانه و حاصله لصالحي المؤمنين فأين صلاحه و إيمانه و شفاعة نبيه معدة للمذنبين أ فيشفع له و هذا شأنه هيهات إنها من أماني النفوس الكاذبة و تعللاتها الباطلة الخائبة .

حملوها يوم السقيفة أوزارا *** تخف الجبال و هي ثقال

‏ثم جاءوا من بعدها يستقيلون *** و هيهات عثرة لا تقال

و حدث الزبير عن رجاله قال : قدم ابن عباس على معاوية و كان يلبس أدنى ثيابه و يخفض من شأنه لمعرفته أن معاوية كان يكره إظهاره لشأنه و جاء الخبر إلى معاوية بموت الحسن بن علي (عليه السلام) فسجد شكرا لله تعالى و بان السرور في وجهه في حديث طويل ذكره الزبير و ذكرت منه موضع الحاجة إليه و أذن للناس و أذن لابن عباس بعدهم فدخل فاستدناه و كان قد عرف بسجدته فقال له أ تدري ما حدث بأهلك قال لا قال فإن أبا محمد (عليه السلام) توفي رحمه الله فعظم الله لك الأجر فقال إنا لله و إنا إليه راجعون عند الله نحتسب المصيبة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عند الله نحتسب مصيبتنا بالحسن بن علي رحمه الله إنه قد بلغتني سجدتك فلا أظن ذلك إلا لوفاته و الله لا يسد جسده حفرتك و لا يزيد انقضاء أجله في عمرك و لطال ما رزينا بأعظم من الحسن ثم جبر الله قال معاوية كم كان أتى له من العمر قال شأنه أعظم من أن يجهل مولده قال أحسبه ترك صبية صغارا قال كلنا كان صغيرا فكبر قال

[423]

أصبحت سيد أهلك قال أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن علي فلا ثم قام و عينه تدمع فقال معاوية لله دره لا و الله ما هيجناه قط إلا وجدناه سيدا و دخل على معاوية بعد انقضاء العزاء فقال يا ابن العباس أ ما تدري ما حدث في أهلك قال لا قال هلك أسامة بن زيد فعظم الله لك الأجر قال إنا لله و إنا إليه راجعون رحم الله أسامة و خرج و أتاه بعد أيام و قد عزم على محاقته فصلى في الجامع يوم الجمعة و اجتمع الناس عليه يسألونه عن الحلال و الحرام و الفقه و التفسير و أحوال الإسلام و الجاهلية و هو يجيب و افتقد معاوية الناس فقيل إنهم مشغولون بابن عباس و لو شاء أن يضربوا معه بمائة ألف سيف قبل الليل لفعل فقال نحن أظلم منه حبسناه عن أهله و منعناه حاجته و نعينا إليه أحبته انطلقوا فادعوه فأتاه الحاجب فدعاه فقال إنا بني عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى نصلي أصلي إن شاء الله و آتيه فرجع و صلى العصر و أتاه فقال حاجتك فما سأله حاجة إلا قضاها و قال أقسمت عليك لما دخلت بيت المال فأخذت حاجتك و إنما أراد أن يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده فقال إن ذلك ليس لي و لا لك فإن أذنت أن أعطي كل ذي حق حقه فعلت قال أقسمت عليك إلا دخلت فأخذت حاجتك فدخل فأخذ برنس خز أحمر يقال إنه كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم خرج فقال يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة فقال ما هي قال علي بن أبي طالب قد عرفت فضله و سابقته و قرابته و قد كفاكه الموت أحب أن لا يشتم على منابركم قال هيهات يا ابن عباس هذا أمر دين أ ليس أ ليس و فعل و فعل فعدد ما بينه و بين علي كرم الله وجهه فقال ابن عباس أولى لك يا معاوية و الموعد القيامة و لكل نبإ مستقر و سوف تعلمون و توجه إلى المدينة .

قلت : أولى لك قال الجوهري تهدد و وعيد و قال الأصمعي أي قاربه ما

[424]

يهلكه أي نزل به قال ثعلب لم يقل أحد في أولى أحسن مما قال الأصمعي.

فأما إقدام معاوية و طغيانه و استمراره على ما سول له شيطانه و إعلانه على رءوس الأشهاد بما نطق به لسانه و جعله سب أمير المؤمنين (عليه السلام) من أمور الدين فاغرا بذلك فاه بين المسلمين منتهكا بذلك ما وجب له (عليه السلام) من الحرمة غير مراقب في ذلك إلا و لا ذمة خارجا على الإمام واثبا على الأمة فمما يقضي منه العجب لفرط تمرده و تتحير الخواطر من جريه في حلبات عصيانه في أمسه و يومه و غده و تذهل الألباب من ادعائه الإسلام مع جناية يده و إن كان قد جعله سترا دون أفعاله و وقاية لجاهه و ماله و نظرا لدنياه مع غفلة عن ماله نعوذ بالله من الفتنة في الأديان و التورط في حبالات الشيطان .

و حدث الزبير عن رجاله عن ابن عباس : أن معاوية أقبل عليه و على بني هاشم فقال إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحققتم النبوة و لا يجتمعان لأحد حجتكم في الخلافة شبهة على الناس تقولون نحن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فما بال خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غيرنا و هذه شبهة لأنها تشبه الحق فأما الخلافة فتنقلب في أحياء قريش برضا العامة و شورى الخاصة فلم يقل الناس ليت بني هاشم ولونا و لو أن بني هاشم ولونا لكان خيرا لنا في دنيانا و آخرتنا فلا هم حيث اجتمعوا على غيركم تمنوكم و لو زهدتم فيها أمس لم يقاتلوا عليها اليوم و أما ما زعمتم أن لكم ملكا هاشميا و مهديا قائما فالمهدي عيسى ابن مريم (عليه السلام) و هذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه و لعمري لئن ملكتمونا ما رائحة عاد و صاعقة ثمود بأهلك اليوم منكم لنا ثم سكت فقال له عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أما قولك إنا نستحق الخلافة بالنبوة فنعم فإذا لم نستحقها بها فبم تستحقها و أما قولك إن النبوة و الخلافة لا يجتمعان لأحد فأين قول الله تعالى فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فالكتاب

[425]

النبوة و الحكمة السنة و الملك الخلافة و نحن آل إبراهيم أمر الله فينا و فيهم و السنة لنا و لهم جارية و أما قولك إن حجتنا مشتبهة فو الله لهي أضوأ من الشمس و أنور من نور القمر و إنك لتعلم ذلك و لكن شي‏ء عطفك و صعرك قتلنا أخاك و جدك و أخاه و خالك فلا تبك على أعظم حائلة و أرواح أهل النار و لا تغضبن لدماء أحلها الشرك و وضعها فأما ترك الناس أن يجتمعوا علينا فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم و أما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكا مهديا فالزعم في كتاب الله تعالى شرك قال تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا و كل يشهد أن لنا ملكا و لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله لأمره منا من يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما لا تملكون يوما واحدا إلا ملكنا يومين و لا شهرا إلا ملكنا شهرين و لا حولا إلا ملكنا حولين و أما قولك إن المهدي عيسى ابن مريم فإنما ينزل عيسى على الدجال فإذا رآه يذوب كما تذوب الشحمة و الإمام منا رجل يصلي خلفه عيسى ابن مريم و لو شئت سميته و أما ريح عاد و صاعقة ثمود فإنهما كانا عذابا و ملكنا و الحمد لله رحمة .

حدث الزبير قال : حج معاوية فجلس إلى ابن عباس فأعرض عنه ابن عباس فقال معاوية لم تعرض عني فو الله إنك لتعلم أني أحق بالخلافة من ابن عمك قال ابن عباس لم ذاك لأنه كان مسلما و كنت كافرا قال لا و لكن ابن عمي عثمان قتل مظلوما قال ابن عباس و عمر رحمه الله قتل مظلوما قال إن عمر قتله كافر و إن عثمان قتله المسلمون قال ابن عباس ذاك أدحض لحجتك فأسكت معاوية .

[426]

و حدث الزبير عن رجاله عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصي من آمن بالله و صدقني بولاية علي بن أبي طالب من تولاه فقد تولاني و من تولاني فقد تولى الله و من أحبه فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله .

أقول : لا ريب أن القلم استحلى المناقب فجرى سعيا على رأسه و وجد مجالا فسيحا فأعنق في حلبة قرطاسه و رأى مكان القول ذا سعة فقال و اعتقلته الأيام مدة فألان حين ألقى العقال و لو لا كف غربه لاستمر على غلوائه فإن طلبه حصر ما لا يتناهى معدود من ضعف رأيه و من أين يحصر مناقب الإمام (عليه السلام) و هي تتجاوز حد الإكثار و كيف يمكن عد مفاخره و بيته بيت الشرف و الفخار إليه تنتهي مكارم الأخلاق و عنه يحدث بزكاء الأعراق و هو الحجة على العباد و المحجة المسلوكة ليوم المعاد و نور الله الذي من استضاء به اهتدى و عروته التي من اعتلق بها فما راح عن الحق و لا اعتدى و بابه الذي منه الدخول إلى طاعته و رضوانه و سبيله الذي يؤدي إلى الفوز بعالي جنانه و عصمته التي من اعتلق بحبالها اعتصم و ميثاقه الذي من التزم به فقد التزم و إذا كانت الإطالة لا تبلغ وصف كماله و الإطناب لا يحيط بنعت فضله و إفضاله فالأولى أن يقتصر على ما ذكرناه من شرفه و جلاله فحاله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشهر من أن يحتاج إلى التنبيه على حاله.

و هذه الأخبار التي أوردتها و نسبتها إلى ناقليها ربما قال قائل هذه أخبار آحاد لا يعول عليها و لا يستند في إثبات المطلوب إليها.

فالجواب عن ذلك إنا معاشر الشيعة ننقل ما ننقله في فضائله من طرق أصحابنا و إجماعهم و فيهم الإمام المعصوم فلا حاجة هنا إلى آحادكم و لا متواتركم و أنتم تعملون بأخبار الآحاد فدونكم إلى العمل بها ثم إن هذه الأخبار قد

[427]

يحصل المجموع ما جاءوا به معنى التواتر كما إنه إذا سمعنا أن إنسانا ما بلغ من الملك مكانة جليلة ثم بلغنا أن الملك يتزيد في الإحسان إليه و إنا في كل يوم نسمع من جهات مختلفة بتخصيصه إياه بضروب من إنعامه فإنا نستفيد من جملة ذلك أن مكانته منه مكينة و أن محله منه عظيم فكذاك الحال في هذا و حيث ملنا إلى الاقتصار على هذا القدر فلنشرع في ذكر قتله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كيف جرت الحال فيه و نختم هذا المجلد الأول بذلك و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب .

next page

fehrest page

back page