next page

fehrest page

back page

في ذكر قتله و مدة خلافته و ذكر عدد أولاده (صلى الله عليه وآله وسلم)

قال أبو المؤيد الخوارزمي رحمه الله في كتاب المناقب يرفعه إلى أبي سنان الدؤلي : أنه عاد عليا في شكوى اشتكاها قال فقلت له لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه فقال لكني و الله ما تخوفت على نفسي لأني سمعت رسول الله الصادق المصدق (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إنك ستضرب ضربة هاهنا و أشار إلى صدغيه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك و يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود .

قلت : الضمير في أشقاها يعود إلى الأمة و إن لم يجر لها ذكر كما قال تعالى حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و كما قال حتى إذا ألقت يدا

[428]

في كافر و يدل عليه أشقى ثمود.

و من المناقب مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد قال : كان من حديث ابن ملجم لعنه الله و أصحابه أن عبد الرحمن بن ملجم و البرك بن عبد الله التميمي و عمرو بن بكر التميمي اجتمعوا بمكة فذكروا أمر الناس و عابوا على ولاتهم ثم ذكروا أهل النهروان فترحموا عليهم و قالوا و الله ما نصنع بالحياة بعدهم شيئا و قالوا إخواننا الذين كانوا دعاة الناس إلى عبادة ربهم الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد و ثأرنا بهم إخواننا فقال ابن ملجم أنا أكفيكم أمر علي بن أبي طالب و كان من أهل مصر و قال البرك بن عبد الله أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان و قال عمرو بن بكر التميمي أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا و توافقوا الله لا ينكل الرجل عن صاحبه الذي وجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم فسموها و اتعدوا لتسع عشرة ليلة من رمضان يثب كل واحد منهم إلى صاحبه الذي توجه إليه فأقبل كل واحد إلى المصر الذي فيه صاحبه.

فأما ابن ملجم المرادي فخرج فلقي أصحابه بالكوفة فكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا من أمره فرأى ذات يوم أصحابا له من تيم الرباب و كان علي (عليه السلام) قتل منهم يوم النهروان عددا فذكروا قتلاهم و لقي من يومه ذلك امرأة منهم يقال لها قطام و كان علي قتل أباها و أخاها و كانت فائقة الجمال فلما رآها التبس عقله

[429]

فنسي حاجته التي جاء لها فخطبها فقالت لا أتزوجك حتى تشتفي لي قال و ما تشاءين قالت ثلاثة آلاف و عبدا و قينة و قتل علي بن أبي طالب قال هو مهرك فأما قتل علي فلا أراك تدركينه و لكن أضربه ضربة قالت فالتمس غرته فإن أصبته انتفعت بنفسك و نفسي و إن هلكت فما عند الله خير و أبقى لك من الدنيا و زبرج أهلها فقال و الله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب قالت فإذا أدركت ذلك فإني أطلب لك من يشد ظهرك و يساعدك على أمرك فبعثت إلى رجل من أهلها من تيم الرباب يقال له وردان فكلمته فأجابها و جاء ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له هل لك في شرف الدنيا و الآخرة قال و ما ذاك قال قتل علي بن أبي طالب قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا كيف تقدر على ذلك قال أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه فإن نجونا شفيت أنفسنا و أدركنا ثأرنا و إن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا فقال له ويحك لو كان غير علي كان أهون علي قد عرفت بلاؤه في الإسلام و سابقته مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما أجدني أنشرح لهذا قال أ لم تعلم أنه قتل أهل النهروان العباد المصلين قال بلى قال فنقتله بمن قتل من إخواننا.

فأجابه فجاءوا حتى دخلوا على قطام و هي في المسجد الأعظم معتكفة فيه فقالوا لها قد أجمع رأينا على قتل علي بن أبي طالب قالت فإذا أردتم ذلك فأتوني ثم عادوا ليلة الجمعة التي قتل علي في صبيحتها سنة أربعين فقال هذه الليلة التي وعدت فيها صاحبي أن يقتل كل واحد منا صاحبه فأخذوا أسيافهم و جلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي فلما خرج شد عليه شبيب فضربه بالسيف

[430]

فوقع سيفه بعضادة الباب أو بالطاق و ضربه ابن ملجم بالسيف و هرب وردان فدخل منزله و دخل عليه رجل من بني أمية و رأى سيفه فسأله فعرفه فقتله و خرج شبيب نحو أبواب كندة فلقيه رجل من حضرموت و في يد شبيب السيف فقبض عليه الحضرمي و أخذ سيفه فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه و سيف شبيب في يده خاف على نفسه فتركه فنجا في غمار الناس فشدوا على ابن ملجم فأخذوه و شد عليه رجل من همدان فضرب رجله فصرعه .

و تحامل علي (عليه السلام) فصلى بالناس الغداة و قال علي بالرجل فأدخل عليه فقال أي عدو الله أ لم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا قال شحذته أربعين صباحا و سألت الله أن يقتل به شر خلقه قال علي فلا أراك إلا مقتولا به و ما أراك إلا من شر خلق الله عز و جل .

فذكروا أن محمد بن حنيف قال و الله إني لأصلي تلك الليلة في رجال كثير من المصر قريبا من السدة من أول الليل إلى آخره إذ خرج علي لصلاة الغداة فجعل ينادي أيها الناس الصلاة الصلاة فنظرت إلى بريق السيوف و سمعت قائلا يقول الحكم لله لا لك يا علي و لا لأصحابك فرأيت سيفا ثم رأيت ثانيا و سمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل و شد عليه الناس من كل جانب فلم أبرح حتى أخذ و أدخل على علي فدخلت فسمعت عليا يقول النفس بالنفس فإن هلكت فاقتلوه كما قتلني فإن بقيت رأيت فيه رأيي و دخل الناس على الحسن فزعين و ابن ملجم مكتوف بين يديه فنادت أم كلثوم بنت علي أي عدو الله إنه لا بأس على أمير المؤمنين و الله مخزيك فقال لعنه الله على ما تبكين إذا و الله لقد اشتريته بألف و سممته بألف و لو كانت هذه الضربة بجميع

[431]

أهل المصر ما بقي منهم أحد .

قال و دعا علي حسنا و حسينا عليهما السلام فقال : أوصيكما بتقوى الله و لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما و لا تبكيا على شي‏ء زوي عنكما و قولا بالحق و ارحما اليتيم و أعينا الضائع و اصنعا للأخرى و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصرا اعملا بما في كتاب الله و لا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله و أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك فلا توثق أمرا دونهما ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما و ابن أبيكما و قد علمتما أن أباكما كان يحبه و قال للحسن أوصيك يا بني بتقوى الله و إقام الصلاة لوقتها و إيتاء الزكاة عند محلها فإنه لا صلاة إلا بطهور و لا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة و أوصيك بعفو الذنب و كظم الغيظ و صلة الرحم و الحلم عن الجاهل و التفقه في الدين و التثبت في الأمور و التعاهد للقرآن و حسن الجوار و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اجتناب الفواحش فلما حضرته الوفاة أوصى فكانت وصيته (عليه السلام) بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون ثم إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ثم أوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهلي و من يبلغه كتابي بتقوى الله ربكم و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن صلوح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام

[432]

فانظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب و الله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم و لا يضيعن بحضرتكم و الله الله في جيرانكم فإنه وصية نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم و الله الله في القرآن فلا يسبقكم بالعمل به غيركم و الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم و الله الله في بيت ربكم فلا تخلون به ما بقيتم فإنه إن يترك لن تناظروا و الله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار و الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم و الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب و الله الله في ذرية نبيكم فلا تظلموا بين ظهرانيكم و الله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى بهم و الله الله في الفقراء و المساكين فأشركوهم في معاشكم و الله الله فيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم و ما ملكت أيمانكم الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفيكم من أرادكم و بغى عليكم و قولوا للناس حسنا كما أمركم الله و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيتولى الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل و التباذل و إياكم و التدابر و التقاطع و التفرق و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت و حفظ فيكم نبيكم أستودعكم الله و أقرأ عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .

و لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض (صلى الله عليه وآله وسلم) في شهر رمضان سنة أربعين و غسله الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص و كبر عليه الحسن تسع تكبيرات .

و كان (عليه السلام) نهى الحسن عن المثلة فقال يا بني عبد المطلب لا

[433]

ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة و لا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور .

فلما قبض (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث الحسن (عليه السلام) إلى ابن ملجم فقتله و لفه الناس في البواري و أحرقوه و كان أنفذ إلى الحسن يقول إني و الله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به إني عاهدت الله أن أقتل عليا و معاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني و بينه و لك الله علي أن أقتله فإن قتلته و بقيت لآتينك حتى أضع يدي في يدك فقال أما و الله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله .

و ذكر أبو المؤيد في مناقبه يرفعه : أن عليا (عليه السلام) قال لأم كلثوم يا بنية ما أراني إلا قل ما أصحبكم قالت و لم يا أبة قال رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البارحة في المنام و هو يمسح الغبار عن وجهي و يقول لي يا علي لا عليك قضيت ما عليك .

و عنه قال لما ضرب علي (عليه السلام) تلك الضربة قال فما فعل ضاربي أطعموه من طعامي و اسقوه من شرابي فإن عشت فأنا أولى بحقي و إن مت فاضربوه ضربة و لا تزيدوه عليها ثم أوصى الحسن فقال لا تغال في كفني فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا تغالوا في الكفن و امشوا بين المشيتين فإن كان خيرا عجلتموني و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم .

و بالإسناد عن الزهري قال : قال عبد الملك بن مروان أي واحد أنت إن حدثتني ما كانت علامة يوم قتل علي (عليه السلام) قال يا أمير المؤمنين ما رفعت حصاة ببيت المقدس إلا كانت تحتها دم عبيط فقال إني و إياك غريبان في هذا الحديث .

[434]

و عنه قال أبو القاسم الحسن بن محمد المعروف بابن الرفاء بالكوفة قال : كنت بالمسجد الحرام فرأيت الناس مجتمعون حول مقام إبراهيم فقلت ما هذا قالوا راهب أسلم فأشرفت عليه فإذا شيخ كبير عليه جبة صوف و قلنسوة صوف عظيم الخلق و هو قاعد بحذاء مقام إبراهيم فسمعته يقول كنت قاعدا في صومعتي فأشرفت منها فإذا طائر كالنسر قد سقط على صخرة على شاطئ البحر فتقيأ فرمى بربع إنسان ثم طار فتفقدته فعاد فتقيأ فرمى بربع إنسان كذا إلى أن تقيأ باقيه ثم طار فدنت الأرباع فقام رجلا فهو قائم و أنا أتعجب حتى انحدر الطير فضربه و أخذ ربعه و طار و فعل به في الثلاثة الأرباع كذلك فبقيت أتفكر و أتحسر أ لا أكون سألته من هو فبقيت أتفقد الصخرة حتى رأيت الطير فأقبل و فعل كما فعل فالتأمت الأرباع و صار رجلا فنزلت و قمت بإزائه و دنوت منه و سألته من أنت فسكت عني فقلت بحق من خلقك من أنت فقال أنا ابن ملجم فقلت و ما فعلت قال قتلت علي بن أبي طالب فوكل الله بي هذا الطائر يقتلني كل يوم قتلة فهذا خبري و انقض الطائر فأخذ ربعه و طار فسألت عن علي فقالوا ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلمت .

قلت : قد اختصرت بعض ألفاظ هذه القصة لما فيها من تكرار فأثبت معناها و هي تناسب .

قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين سأله (عليه السلام) من أشقى الناس قال عاقر الناقة و ضاربك على يافوخك هذا .

و عنه عن عثمان بن المغيرة قال : لما أن دخل رمضان كان علي يتعشى ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عند ابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم يقول يأتيني أمر الله و أنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب من الليل .

يقال فلان خميص الحشا أي ضامر البطن.

و بإسناده عن أبي بكر بن أبي شيبة قال : ولي علي بن أبي طالب خمس سنين و قتل سنة أربعين من مهاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ابن ثلاث و ستين سنة قتل يوم

[435]

الجمعة الحادي و العشرين من شهر رمضان و مات يوم الأحد و دفن بالكوفة.

و بإسناده عن جابر قال : إني لشاهد لعلي و قد أتاه المرادي يستحمله فحمله ثم قال :

عذيري من خليلي من مراد *** أريد حباءه و يريد قتلي

كذا أورده فخر خوارزم و الذي نعرفه :

أريد حباءه و يريد قتلي عذيري ......... ... ... .

البيت ... ثم قال هذا و الله قاتلي .

قالوا : يا أمير المؤمنين أ فلا تقتله ?

قال : لا ; فمن يقتلني إذا , ثم قال :

اشدد حيازيمك للموت *** فإن الموت لاقيك‏

و لا تجزع من الموت *** إذا حل بناديك

لفظ اشدد زيادة على عروض البيت الحيزوم وسط الصدر و ما يشد عليه الحزام و الحزيم مثله.

و بإسناده قال إسماعيل بن عبد الرحمن : كان عبد الرحمن بن ملجم المرادي عشق امرأة من الخوارج من تيم الرباب يقال لها قطام فنكحها و أصدقها ثلاثة آلاف درهم و قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ففي ذلك قال الفرزدق :

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة *** كمهر قطام من فصيح و أعجم

‏ثلاثة آلاف و عبد و قينة *** و ضرب علي بالحسام المصمم

‏فلا مهر أغلى من علي و إن غلا *** و لا قتل إلا دون قتل ابن ملجم

و ذكرت بهذه الأبيات قول القائل :

فلا غرو للأشراف قد عبثت بها *** ذئاب الأعادي من فصيح و أعجم

[436]

فحربة وحشي سقت حمزة الردى *** و حتف علي من حسام ابن ملجم

و ذكر الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه الله في كتاب مناقبه قال : قد تقدم القول في ولادته و بيان وقتها و إذا كان مبدأ عمره مضبوطا و هو الطرف الأول و كان آخر عمره مضبوطا و هو الطرف الثاني يستلزم ذلك ظهور مقدار مدة عمره و قد صح النقل أنه (عليه السلام) ضربه عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة لكن قيل لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان و قيل لتسعة عشر ليلة و قد نقله جماعة و قيل ليلة الحادي و العشرين من شهر رمضان و قيل ليلة الثالث و العشرين منه و مات ليلة الأحد ثالث ليلة ضرب من سنة أربعين للهجرة فيكون عمره خمسا و ستين سنة و قيل بل كان ثلاثا و ستين و قيل بل ثمان و خمسين سنة و قيل بل كان سبعا و خمسين سنة و أصح هذه الأقوال هو القول الأول فإنه يعضده ما نقل .

عن معروف رضي الله عنه قال : سمعت من أبي جعفر محمد بن علي الرضا س يقول قتل علي بن أبي طالب و له خمس و ستون سنة .

فهذه مدة عمره.

و أما تفصيل قتله : فقد نقل أنه (عليه السلام) لما فرغ من قتل الخوارج و أخذ في الرجوع إلى الكوفة سبقه عبد الرحمن بن ملجم إلى الكوفة يبشر أهلها بهلاك الشراة الخوارج فمر بدار من دور الكوفة فيها جمع فخرج منها نسوة فرأى فيهن امرأة يقال لها قطام بنت الأصبغ التميمي بها مسحة من حسن فأحبها و ساق كمال الدين حديث قتله قريبا مما أورده فخر خوارزم.

و قال فخرج في تلك الليلة و في داره إوز فلما صار في صحن الدار تصايح

[437]

في وجهه فقال (عليه السلام) : صوائح تتبعها نوائح و قيل صوارخ .

فقال ابنه الحسن (عليه السلام) : ما هذه الطيرة ?

فقال : يا بني لم أتطير و لكن قلبي يشهد أني مقتول .

و قال إنه ضربه و قد استفتح و قرأ و سجد سجدة فضربه على رأسه فوقعت الضربة على ضربة عمرو بن ود يوم الخندق بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال ابن طلحة فلما مات (عليه السلام) غسله الحسن و الحسين و محمد يصب الماء ثم كفن و حنط و حمل و دفن في جوف الليل بالغري و قيل بين منزله و الجامع الأعظم و الله أعلم .

قال : و إذا كانت مدة عمره (عليه السلام) خمسا و ستين سنة على ما ظهر فاعلم منحك الله بألطاف تأييده أنه (عليه السلام) كان بمكة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أول عمره خمسا و عشرين سنة فمنها بعد المبعث و النبوة ثلاث عشرة سنة و قبلها اثنتي عشرة سنة ثم هاجر و أقام مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة إلى أن توفي عشر سنين ثم بقي بعد رسول الله إلى أن قتل ثلاثين سنة فذلك خمس و ستون سنة ... آخر كلامه .

و قال الشيخ المفيد رضي الله عنه قريبا مما ذكره ابن طلحة رحمه الله و الخوارزمي و زاد على ما أورده : أنهم كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم

[438]

من العزيمة على قتل أمير المؤمنين و واطأهم عليه و حضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه و كان حجر بن عدي رحمه الله في تلك الليلة بائتا في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم النجا النجا بحاجتك فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الأشعث فقال له قتلته يا أعور و خرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين ليخبره الخبر و يحذره القوم فخالفه أمير المؤمنين (عليه السلام) فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم لعنه الله فضربه بالسيف و أقبل حجر و الناس يقولون قتل أمير المؤمنين.

و قال المفيد رحمه الله : و هرب القوم نحو أبواب المسجد و تبادر الناس لأخذهم فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل و صرعه و جلس على صدره و أخذ السيف من يده ليقتله فرأى الناس يقصدون نحوه فخشي أن يعجلوا عليه و لا يسمعوا منه فوثب عن صدره و خلاه و طرح السيف عن يده و مضى شبيب هاربا حتى دخل منزله .

و دخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره , فقال له : ما هذا ! لعلك قتلت أمير المؤمنين ?

فأراد أن يقول لا ; فقال نعم .

فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.

و أما ابن ملجم لعنه الله فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في

[439]

يده ثم صرعه و أخذ السيف من يده و جاء به إلى أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) و أفلت الثالث فانسل بين الناس .

و لما دخل ابن ملجم لعنه الله على أمير المؤمنين (عليه السلام) نظر إليه ثم قال النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني و إن سلمت رأيت فيه رأيي .

فقال ابن ملجم لعنه الله : و الله لقد ابتعته بألف و سممته بألف فإن خانني فأبعده الله .

قال و نادته أم كلثوم : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين .

قال : إنما قتلت أباك .

قالت : يا عدو الله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس .

فقال لها : فأراك إنما تبكين علي إذا و الله لقد ضربته ضربة لو قسمت على أهل المصر لأهلكتهم .

فأخرج من بين يدي أمير المؤمنين و إن الناس لينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع و هم يقولون يا عدو الله ما ذا فعلت ? أهلكت أمة محمد و قتلت خير الناس ; و إنه لصامت ما ينطق .

و جاء الناس إلى أمير المؤمنين فقالوا مرنا بأمرك في عدو الله فقد أهلك الأمة و أفسد الملة .

فقال لهم : إن عشت رأيت فيه رأيي و إن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي ; اقتلوه .

ثم حرقوه بعد ذلك بالنار .

و روى أحمد بن حنبل في مسنده قال : لما ضرب ابن ملجم لعنه الله عليا ع الضربة قال علي افعلوا به كما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفعل برجل أراد قتله فقال اقتلوه ثم حرقوه فلما قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) نحبه و فرغ أهله من دفنه جلس الحسن (عليه السلام) و أمر أن يؤتى بابن ملجم فجي‏ء به فلما وقف بين يديه قال يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين و أعظمت الفساد في الدين ثم أمر به فضربت عنقه .

و استوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه لتتولى إحراقها ; فوهبها لها فأحرقتها بالنار .

و أما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية و عمرو بن العاص فإن أحدهما ضرب معاوية و هو راكع فوقعت ضربته في أليته و نجا منها و أخذ فقتل من وقته و أما الآخر فإنه وافى عمرو بن العاص في تلك الليلة و قد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري فضربه

[440]

بسيفه و هو يظن أنه عمرو بن العاص فأخذ و أتي به عمرا فقتله و مات خارجة في اليوم الثاني.

قلت هذا موضع بيت ابن زيدون و قد تقدم :

فليتها إذ فدت عمرا بخارجة *** فدت عليا بمن شاءت من البشر

هذا آخر ما ذكره المفيد رحمه الله في حديث مقتله و إنما أوردته ليعلم موضع نقل أصحابنا و أصحابهم فيه فما الخلاف فيه بطائل.

و قد ورد في موضع مدفنه بالغري من جهة أصحابنا ما هو كاف شاف و ليس ذكر ذلك مما يتعلق به غرض و الخلاف فيه ظاهر كل الشيعة متفقون على أنه دفن بالغري حيث هو معروف الآن يزار بأخبار يروونها عن السلف و فيهم الإمام المعصوم و الجمهور يذكرون مواضع أحدها هذا الموضع و هذا لا يضرنا فيه خلاف من خالف و ليكن هذا القدر كافيا و الله المستعان .

next page

fehrest page

back page