ذكر الإمام السادس جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
قال كمال الدين محمد بن طلحة رحمه الله : هو من عظماء أهل البيت و ساداتهم (عليه السلام) ذو علوم جمة و عبادة موفورة و أوراد متواصلة و زهادة بينة و تلاوة كثيرة
يتتبع معاني القرآن الكريم و يستخرج من بحره جواهره و يستنتج عجائبه و يقسم أوقاته
على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه رؤيته تذكر بالآخرة و استماع كلامه يزهد
في الدنيا و الاقتداء بهداه يورث الجنة نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة و
طهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة نقل عنه الحديث و استفاد منه العلم جماعة
من أعيان الأئمة و أعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري و ابن جريج و مالك بن أنس و
الثوري و ابن عيينة و
[155]
أبي حنيفة و شعبة و أيوب السختياني و
غيرهم و عدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها و فضيلة اكتسبوها .
أما ولادته.
فبالمدينة سنة ثمانين من الهجرة و قيل سنة ثلاث و ثمانين و الأول أصح .
و أما نسبه أبا و أما .
فأبوه أبو جعفر محمد الباقر و قد تقدم بسط نسبه و أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي
الله عنه .
و أما اسمه .
فجعفر و كنيته أبو عبد الله و قيل أبو إسماعيل و له ألقاب أشهرها
الصادق و منها الصابر و الفاضل و الطاهر .
و أما مناقبه و صفاته.
فتكاد تفوق عدد الحاصر و يحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتى أن من
كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها و
العلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تضاف إليه و تروى عنه و قد قيل إن
كتاب الجفر الذي بالمغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه (عليه السلام) و إن في هذا
المنقبة سنية و درجة في مقام الفضائل علية.
قلت كتاب الجفر مشهور و فيه أسرارهم و
علومهم و قد ذكره مصرحا
[156]
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حين
عهد إليه عبد الله المأمون رحمه الله فقال (عليه السلام) و الجفر و الجامعة يدلان على خلاف ذلك
و سأذكر العهد عند ذكره (عليه السلام) .
و قال كمال الدين رحمه الله : و هذه نبذة يسيرة مما نقل
عنه (عليه السلام) .
قال مالك بن أنس قال جعفر يوما لسفيان الثوري : يا سفيان إذا أنعم الله عليك
بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد و الشكر عليها فإن الله عز و جل قال في كتابه
العزيز لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و إذا استبطأت الرزق فأكثر من
الاستغفار فإن الله عز و جل يقول في كتابه اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ
غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ
بَنِينَ يعني في الدنيا وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ في الآخرة يا سفيان إذا حزنك
أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج و
كنز من كنوز الجنة .
و قال ابن أبي حازم : كنت عند جعفر بن محمد (عليه السلام) إذ دخل آذنه
[157]
فقال سفيان الثوري بالباب فقال ائذن له فدخل فقال له جعفر يا سفيان إنك رجل
يطلبك السلطان و أنا أتقي السلطان قم فاخرج غير مطرود فقال سفيان حدثني حتى أسمع و
أقوم فقال جعفر حدثني أبي عن جدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من أنعم الله عليه نعمة
فليحمد الله و من استبطأ الرزق فليستغفر الله و من حزنه أمر فليقل لا حول و لا قوة
إلا بالله فلما قام سفيان قال جعفر خذها يا سفيان ثلاثا و أي ثلاث و قال سفيان
دخلت على جعفر بن محمد و عليه جبة خز دكناء و كساء خز فجعلت أنظر إليه تعجبا فقال
لي يا ثوري ما لك تنظر إلينا لعلك تعجب مما ترى فقلت له يا ابن رسول الله ليس هذا
من لباسك و لا لباس آبائك قال يا ثوري كان ذلك زمان إقتار و افتقار و كانوا يعملون
على قدر إقتاره و افتقاره و هذا زمان قد أسبل كل شيء عز إليه ثم حسر ردن جبته
فإذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل و الردن عن الردن و قال يا ثوري
لبسنا هذا لله تعالى و هذا لكم فما كان لله أخفيناه و ما كان لكم أبديناه .
و قال الهياج بن بسطام : كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء و
كان يقول (عليه السلام) لا يتم المعروف إلا بثلاثة تعجيله و تصغيره و ستره .
و سئل (عليه السلام) لم حرم
الله الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف .
و ذكر بعض أصحابه
قال : دخلت على جعفر و موسى ولده بين يديه و هو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منه
أن قال يا بني احفظ وصيتي و احفظ مقالتي فإنك
[158]
إن حفظتها
تعش سعيدا و تمت حميدا يا بني إنه من قنع بما قسم له استغنى و من مد عينه إلى ما
في يده غيره مات فقيرا و من لم يرض بما قسم الله له عز و جل اتهم الله تعالى في
قضائه و من استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره و من استعظم زلة نفسه استصغر زلة غيره
يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه و من سل سيف البغي قتل به و من حفر به
لأخيه بئرا سقط فيها و من داخل السفهاء حقر و من خالط العلماء وقر و من دخل مداخل
السوء اتهم يا بني قل الحق لك و عليك و إياك و النميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب
الرجال يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه فإن للجود معادن و للمعادن أصولا و
للأصول فروعا و للفروع ثمرا و لا يطيب ثمر إلا بفرع و لا فرع إلا بأصل و لا أصل
إلا بمعدن طيب يا بني إذا زرت فزر الأخيار و لا تزر الفجار فإنهم صخرة لا ينفجر
ماؤها و شجرة لا يخضر ورقها و أرض لا يظهر عشبها قال علي بن موسى (عليه السلام) فما ترك أبي
هذه الوصية إلى أن مات .
و قال حمد بن عمرو بن المقدام الرازي : وقع الذباب على المنصور فذبه عنه
فعاد فذبه عنه حتى أضجره فدخل عليه جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال له المنصور يا با عبد الله
لم خلق الله تعالى الذباب فقال ليذل به الجبابرة .
و نقل : أنه كان رجل من أهل السواد يلزم جعفرا ففقده فسأل عنه فقال له رجل
يريد أن يستنقص به أنه نبطي فقال جعفر (عليه السلام) أصل الرجل عقله و حسبه دينه و كرمه تقواه
و الناس في آدم مستوون فاستحى ذلك القائل .
و قال سفيان الثوري
: سمعت جعفر الصادق (عليه السلام) يقول عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها فإن تكن في شيء فيوشك أن
تكون في الخمول فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت فإن طلبت في
الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في التخلي فإن طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن
تكون في كلام السلف الصالح و السعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها .
و حدث عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه قال : حج المنصور سنة سبع و
[159]
أربعين و مائة فقدم المدينة و قال للربيع ابعث إلى جعفر بن
محمد من يأتينا به متعبا قتلني الله إن لم أقتله فتغافل الربيع عنه لينساه ثم أعاد
ذكره للربيع و قال ابعث من يأتينا به متعبا فتغافل عنه ثم أرسل إلى الربيع رسالة
قبيحة أغلظ فيها و أمره أن يبعث من يحضر جعفرا ففعل فلما أتاه قال له الربيع يا با
عبد الله اذكر الله فإنه قد أرسل إليك بما لا دافع له غير الله فقال جعفر لا حول و لا قوة إلا بالله ثم إن
الربيع أعلم المنصور بحضوره فلما دخل جعفر عليه أوعده و أغلظ له و قال أي عدو الله
اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم و تلحد في سلطاني و تبغيه الغوائل
قتلني الله إن لم أقتلك فقال له يا أمير المؤمنين إن سليمان (عليه السلام) أعطي فشكر و إن أيوب
ابتلي فصبر و إن يوسف ظلم فغفر و أنت من ذلك السنخ فلما سمع ذلك المنصور منه قال
له إلي و عندي يا أبا عبد الله أنت البريء الساحة السليم الناحية القليل الغائلة
جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم ثم تناول يده فأجلسه معه
على فراشه ثم قال علي بالطيب فأتي بالغالية فجعل يغلف لحية جعفر بيده حتى تركها
تقطر ثم قال قم في حفظ الله و كلاءته ثم قال يا ربيع ألحق أبا عبد الله جائزته و
كسوته انصرف أبا عبد الله في حفظه و كنفه فانصرف قال الربيع و لحقته فقلت له إني
قد رأيت قبلك ما لم تره و رأيت بعدك ما لا رأيته فما قلت يا با عبد الله حين دخلت قال قلت اللهم احرسني بعينك التي لا تنام و اكنفني بركنك الذي لا يرام و اغفر لي
بقدرتك علي و لا أهلك و أنت رجائي اللهم أنت أكبر و أجل مما أخاف و أحذر اللهم بك
أدفع في نحره و أستعيذ بك من شره ففعل الله بي ما رأيت .
قلت هذه القضية له (عليه السلام) مع أبي جعفر المنصور مشهورة قد نقلها الرواة و
الدعاء الذي دعا به (عليه السلام) ذكروه بروايات مختلفة لو لا خوف الإطالة لأوردتها و لكني
اكتفيت بما ذكره كمال الدين و لعله يرد في موضع آخر من أخباره .
[160]
وقال : قال الليث بن سعد حججت سنة ثلاث عشرة و مائة فأتيت مكة فلما صليت
العصر رقيت أبا قبيس و إذا أنا برجل جالس و هو يدعو فقال يا رب يا رب حتى انقطع
نفسه ثم قال رب رب حتى انقطع نفسه ثم قال يا الله يا الله حتى انقطع نفسه ثم قال
يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال يا رحيم يا رحيم حتى انقطع نفسه ثم قال يا أرحم
الراحمين حتى انقطع نفسه سبع مرات ثم قال اللهم إني أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه
اللهم و إن بردي قد أخلقا قال الليث فو الله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة
مملوءة عنبا و ليس على الأرض يومئذ عنب و بردين جديدين موضوعين فأراد أن يأكل فقلت
له أنا شريكك فقال لي و لم فقلت لأنك كنت تدعو و أنا أؤمن فقال لي تقدم فكل و لا
تخبئ شيئا فتقدمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط و إذا عنب لا عجم له فأكلت حتى شبعت و
السلة لم ينقص ثم قال لي خذ أحد البردين إليك فقلت أما البردان فإني غني عنهما
فقال لي توار عني حتى ألبسهما فتواريت عنه فاتزر بالواحد و ارتدى بالآخر ثم أخذ
البردين اللذين كانا عليه فجعلهما على يده و نزل فاتبعته حتى إذا كان بالمسعى لقيه
رجل فقال اكسني كساك الله فدفعهما إليه فلحقت الرجل فقلت من هذا قال هذا جعفر بن
محمد قال الليث فطلبته لأسمع منه فلم أجده .
فيا لهذه الكرامة ما أسناها و يا لهذه المنقبة ما أعظم صورتها و
معناها.
قال أفقر عباد الله إلى رحمته علي بن عيسى وفقه الله لمراضيه حديث الليث
مشهور و قد ذكره جماعة من الرواة و نقلة الحديث و أول ما رأيته في كتاب المستغيثين
تأليف الفقيه العالم أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكواك و هذا الكتاب
قرأته على الشيخ العدل رشيد الدين أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن عمر بن أبي
القاسم و هو قرأه على الشيخ العالم محيي الدين أستاد دار الخلافة أبي محمد يوسف بن
الشيخ أبي الفرج بن الجوزي و هو يرويه عن مؤلفه إجازة و كانت قراءتي في شعبان من
سنة ست و ثمانين و ستمائة بداري المطلة على دجلة ببغداد
[161]
عمرها الله تعالى و قد أورد هذا الحديث جماعة من الأعيان و ذكره الشيخ الحافظ
أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه صفوة الصفوة و كلهم يرويه عن الليث و كان
ثقة معتبرا.
و قال كمال الدين : و أما أولاده :
فكانوا سبعة ستة ذكور و بنت واحدة و
قيل أكثر من ذلك و أسماء أولاده موسى و هو الكاظم و إسماعيل و محمد و علي و عبد
الله و إسحاق و أم فروة.
و أما عمره :
فإنه مات في سنة ثمان و أربعين و مائة في
خلافة أبي جعفر المنصور و قد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمانين فيكون عمره ثمان و
ستين سنة هذا هو الأظهر و قيل غير ذلك.
و قبره بالمدينة بالبقيع و هو القبر الذي
فيه أبوه الباقر و جده زين العابدين و عمه الحسن بن علي (عليه السلام) فلله دره من قبر ما
أكرمه و أشرفه و أعلى قدره عند الله تعالى انتهى كلامه.
و قال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي رحمه الله : أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب (عليه السلام) الصادق و أمه أم فروة و اسمها قريبة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه و أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق و لذلك قال
جعفر (عليه السلام) و لقد ولدني أبو بكر مرتين ولد عام الجحاف سنة ثمانين و مات سنة ثمان و
أربعين و مائة.
ولد جعفر بن محمد (عليه السلام) إسماعيل الأعرج و عبد الله و أم فروة و أمهم
فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و موسى بن جعفر الإمام و
أمه حميدة أم ولد و إسحاق و محمد و فاطمة تزوجها محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي
بن عبد الله بن العباس فماتت عنده و أمهم أم ولد و يحيى و العباس و أسماء
[162]
و فاطمة الصغرى و هم لأمهات أولاد شتى.
و قال محمد بن سعيد
: لما خرج محمد بن عبد الله بن حسن هرب جعفر إلى ماله بالفرع فلم يزل هناك مقيما حتى
قتل محمد فلما قتل محمد و اطمأن الناس و أمنوا رجع إلى المدينة فلم يزل بها حتى
مات سنة ثمان و أربعين و مائة في خلافة أبي جعفر و هو يومئذ ابن إحدى و سبعين سنة.
و قال غيره ولد جعفر عام الجحاف سنة ثمانين و مات سنة ثمان و أربعين و مائة .
و عن أبي عمرو بن المقدام قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من
سلالة النبوة .
و قال البرذون بن
سيف [شبيب] النهدي و اسمه جعفرقال : سمعت جعفر بن محمد يقول احفظوا فينا ما حفظ
العبد الصالح في اليتيمين قال وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً .
و قال إبراهيم بن
مسعود قال : كان رجل من التجار يختلف إلى جعفر بن محمد يخالطه و يعرفه بحسن حال
فتغيرت حاله فجعل يشكو إلى جعفر (عليه السلام) فقال له :
فلا تجزع و إن أعسرت يوما *** فقد أيسرت في زمن طويل
فلا تيأس فإن اليأس كفر *** لعل الله يغني عن قليل
و لا تظنن بربك ظن سوء *** فإن الله أولى بالجميل
و روي عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) : أنه قال لمولاه نافذ إذا كتبت رقعة أو
كتابا في حاجة فأردت أن تنجح حاجتك التي تريد فاكتب رأس الرقعة بقلم غير مديد بسم
الله الرحمن الرحيم إن الله وعد الصابرين المخرج مما يكرهون و الرزق من حيث لا
يحتسبون جعلنا الله و إياكم من الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون قال نافذ فكنت
أفعل ذلك فتنجح حوائجي .
و عن صالح بن
الأسود قال : سمعت جعفر بن محمد يقول سلوني قبل أن تفقدوني
[163]
فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي .
و عنه (عليه السلام) : اتَّقُوا
اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ قال : محمد و علي .
و عن عبد الله بن أبي يعفور عن جعفر بن محمد قال : بني الإنسان على خصال
فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة و الكذب .
و روى معاوية بن
عمار عن جعفر بن محمد قال : من صلى على محمد و أهل بيته مائة مرة قضى الله تعالى له
مائة حاجة .
و عن جعفر بن محمد
عن عكرمة عن ابن عباسقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قال جزى الله عنا محمدا ما هو أهله
أتعب سبعين كاتبا ألف صباح .
و روى محمد بن محبب
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليه السلام) و رفعه قال : ما من مؤمن أدخل على قوم سرورا إلا
خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله و يوحده و يمجده فإذا صار المؤمن في قبره
أتاه السرور الذي أدخله عليه فيقول أ ما تعرفني فيقول و من أنت فيقول أنا السرور
الذي أدخلتني على فلان أنا اليوم الذي أونس وحشتك و ألقنك حجتك و أثبتك بالقول
الثابت و أشهد بك مشاهد القيامة و أشفع لك إلى ربك و أريك منزلتك من الجنة .
و عن سليمان بن بلال قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال : سمعت جابر بن عبد
الله يقول كانت خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجمعة يحمد الله و يثنى عليه ثم يقول على
أثر ذلك و قد علا صوته و اشتد غضبه و احمرت وجنتاه كأنه منذر جيش صبحكم أو مساكم
ثم يقول بعثت و الساعة كهاتين و أشار بالسبابة و الوسطى التي تلي الإبهام ثم يقول
إن أفضل الحديث كتاب الله عز و جل و خير الهدي هدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و شر الأمور محدثاتها و
كل بدعة ضلالة فمن ترك مالا فلأهله و من ترك دينا أو ضياعا فالي .
و وقع بين جعفر بن محمد و عبد الله بن حسن كلام في صدر يوم فأغلظ له في
القول عبد الله بن حسن ثم افترقا و راحا إلى المسجد فالتقيا على باب المسجد فقال
أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن حسن كيف أمسيت يا أبا محمد قال بخير كما
يقول المغضب فقال يا با محمد أ ما علمت أن صلة الرحم يخفف الحساب فقال
[164]
لا تزال تجيء بالشيء لا نعرفه فقال إني أتلو عليك به قرآنا قال و ذلك
أيضا قال نعم قال فهاته قال قول الله عز و جل وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ
قال فلا تراني بعدها قاطعا رحما .
و عن جميل بن دراج قال : كنت عند أبي عبد الله فدخل عليه بكير بن أعين و هو
أرمد فقال له أبو عبد الله الظريف يرمد فقال و كيف يصنع قال إذا غسل يده من الغمر
مسحها على عينيه قال ففعلت ذلك فلم أرمد .
و عن سعيد بن سليمان
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول إن الله عز و جل
مع المديون حتى يقضي دينه ما لم يكن في معصية أو فيما يكره الله عز و جل .
و عنه عن أبيه عن جابرقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمهاجرين و الأنصار عليكم
بالقرآن فاتخذوه إماما فإنه كلام رب العالمين الذي منه بدأ و إليه يعود .
و عن مالك بن أنس
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قال في
كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين كان له أمان من الفقر و أمن من
وحشة القبر و استجلب الغنى و فتحت له أبواب الجنة .
و عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن جذاذ الليل و حصاده
قال جعفر بن محمد إنما كره ذلك لأنه لا يحضره الفقراء و المساكين و بالإسناد قال
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن الله تعالى يطفئه .
و عنه (عليه السلام) قال : من لم
يكن لأخيه كما يكن لنفسه لم يعط الأخوة حقها أ لا ترى كيف حكى الله تعالى في كتابه
أنه يفر المرء من أبيه و الأخ من أخيه ثم ذكر في ذلك الموقف شفقة الأصدقاء يقول
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ .
[165]
و عنه (عليه السلام) قال : لما دفعت إلى أبي جعفر المنصور انتهرني و كلمني بكلام غليظ ثم
قال لي يا جعفر قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي تسمونه النفس الزكية و ما نزل
به و إنما أنتظر الآن أن يتحرك منكم أحد فألحق الكبير بالصغير قال فقلت يا أمير
المؤمنين حدثني محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي
طالب (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن الرجل ليصل رحمه و قد بقي من عمره ثلاث سنين فيمدها الله
إلى ثلاث و ثلاثين سنة و إن الرجل ليقطع رحمه و قد بقي من عمره ثلاث و ثلاثون سنة
فيبترها الله تعالى إلى ثلاث سنين قال فقال لي و الله لقد سمعت هذا من أبيك قلت نعم
حتى رددها علي ثلاثا ثم قال انصرف .
و عن جابر بن عون قال : قال رجل لجعفر بن محمد إنه وقع بيني و بين قوم
منازعة في أمر و إني أريد أن أتركه فيقال لي إن تركك له ذل فقال له جعفر بن محمد
إن الذليل هو الظالم .
ذكر من روى من أولاده (عليه السلام)
موسى بن جعفر عن
أبيه جعفر بن محمد عن جده محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال : أخذ
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد حسن و حسين فقال من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في
درجتي يوم القيامة .
محمد بن جعفر عن
أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن جابر : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبى بحجة و عمرة معا .
إسماعيل بن جعفر بن
محمد عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
إسحاق بن جعفر بن محمد عن أبيه جعفر بن محمد حدث أبو الحسين يحيى بن الحسن
بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كتب إلي
عباد بن يعقوب يخبرني عن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخل جعفر بن
محمد على أبي جعفر المنصور فتكلم فلما خرج من عنده أرسل إلى جعفر بن محمد فرده
فلما رجع حرك شفتيه بشيء فقيل له ما قلت قال قلت
[166]
اللهم إنك تكفي من كل شيء و لا يكفى منك
شيء فاكفنيه فقال له ما يقرك عندي فقال له أبو عبد الله قد بلغت أشياء لم يبلغها
أحد من آبائي في الإسلام و ما أراني أصحبك إلا قليلا ما أرى هذه السنة تتم لي قال
فإن بقيت قال ما أراني أبقي قال فقال أبو جعفر احسبوا له فحسبوا فمات في شوال آخر
كلامه .
و قال الشيخ المفيد رحمه الله باب ذكر الإمام القائم بعد أبي جعفر
محمد بن علي (عليه السلام) من ولده و تاريخ مولده و دلائل إمامته و مبلغ سنه و مدة خلافته و
وقت وفاته و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره.
و كان الصادق جعفر بن محمد
بن علي بن الحسين (عليه السلام) من بين إخوته خليفة أبيه و وصيه و القائم بالإمامة من بعده و
برز على جماعتهم بالفضل و كان أنبههم ذكرا و أعظمهم قدرا و أجلهم في العامة و
الخاصة و نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلدان و
لم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه و لا لقي أحد منهم من أهل الآثار و
نقلة الأخبار و لا نقلوا عنهم ما نقلوا عن أبي عبد الله (عليه السلام) فإن أصحاب الحديث قد
جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء و المقالات فكانوا أربعة
آلاف رجل و كان له (عليه السلام) من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت العقول و أخرست المخالف
عن الطعن فيها بالشبهات.
و كان مولده : بالمدينة سنة ثلاث و ثمانين و مضى (عليه السلام) : في شوال
من سنة ثمان و أربعين و مائة و له خمس و ستون سنة و دفن : في البقيع مع أبيه و جده و
عمه الحسن (عليه السلام) و أمه : أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر و كانت إمامته (عليه السلام) : أربعا و
ثلاثين سنة و وصى إليه أبو جعفر (عليه السلام) وصية ظاهرة و نص عليه بالإمامة نصا جليا .
فروى محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لما حضرت أبي الوفاة قال يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا قلت جعلت فداك و الله
لأدعنهم و الرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا .
[167]
و روى أبان بن عثمان عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر إلى ابنه أبي عبد الله (عليه السلام) و قال أ ترى هذا من الذين قال الله تعالى وَ
نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ
نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ .
و روى هشام بن سالم
عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سئل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) عن القائم بعده فضرب يده على
أبي عبد الله (عليه السلام) فقال هذا و الله بعدي قائم آل محمد .
و روى علي بن الحكم
عن طاهر صاحب أبي جعفرقال : كنت عنده فأقبل جعفر (عليه السلام) فقال أبو جعفر هذا خير البرية .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن أبي (عليه السلام) استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال
ادع لي شهودا فدعوت له أربعة من قريش منهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال اكتب
هذا ما أوصى به يعقوب بنيه يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و أوصى محمد بن علي إلى أبي عبد الله
جعفر بن محمد و أمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة و أن يعممه بعمامة
و أن يربع قبره و يرفعه أربع أصابع و أن يحل أطماره عنه عند دفنه ثم قال للشهود
انصرفوا رحمكم الله قلت له يا أبة ما كان في هذا بأن يشهد عليه فقال يا بني كرهت
أن تغلب و أن يقال لم يوص إليه فأردت أن تكون لك الحجة .
و أشباه هذا الحديث في معناه كثير.
و قد جاءت الرواية التي قدمنا
ذكرها في خبر اللوح بالنص عليه من الله تعالى بالإمامة ثم الذي قدمناه من دلائل
العقول أن الإمام لا يكون إلا الأفضل يدل على إمامته (عليه السلام) لظهور فضله في العلم و
الزهد و العمل على إخوته و بني عمه و سائر الناس من أهل عصره ثم الذي يدل على فساد
إمامة من ليس بمعصوم كعصمة الأنبياء (عليهم السلام) و ليس بكامل في العلم و تعري من سواه ممن
ادعى له الإمامة في وقته
[168]
عن العصمة و قصورهم عن الكمال في
علم الدين يدل على إمامته (عليه السلام) إذ لا بد من إمامة معصوم في كل زمان حسب ما قدمناه و
وصفناه.
و قد روى الناس من آيات الله جل اسمه الظاهرة على يده (عليه السلام) ما يدل على إمامته
و حقه و بطلان مقال من ادعى الإمامة لغيره.
فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار : من خبره (عليه السلام) مع المنصور لما أمر الربيع بإحضاره فأحضره .
فلما بصر به المنصور قال قتلني الله إن لم أقتلك أ تلحد في سلطاني و
تبغيني الغوائل .
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : و الله ما فعلت و لا أردت فإن كان بلغك فمن
كاذب ; و إن كنت فعلت فقد ظلم يوسف فغفر و ابتلي أيوب فصبر و أعطي سليمان فشكر فهؤلاء أنبياء
الله و إليهم يرجع نسبك .
فقال له المنصور : أجل ارتفع هاهنا .
فارتفع .
فقال : إن فلان بن
فلان أخبرني عنك بما ذكرت .
فقال : أحضروه يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك .
فأحضر الرجل المذكور ; فقال له المنصور أنت سمعت ما حكيت عن جعفر ?
فقال : نعم .
فقال له أبو عبد
الله (عليه السلام) : فاستحلفه على ذلك .
فقال له المنصور : أ تحلف ?
قال : نعم ; و ابتدأ باليمين .
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : دعني يا أمير المؤمنين أحلفه أنا .
فقال له : افعل .
فقال أبو عبد الله للساعي : قل ; برئت من حول الله و قوته و التجأت إلى حولي و قوتي لقد فعل كذا و كذا جعفر , و قال كذا و كذا جعفر .
فامتنع هنيهة ; ثم حلف بها .
فما برح حتى ضرب برجله .
فقال أبو جعفر جروه برجله و أخرجوه لعنه الله .
قال الربيع : و كنت رأيت جعفر بن محمد (عليه السلام) حين
دخل على المنصور يحرك شفتيه و كلما حركهما سكن غضب المنصور حتى أدناه منه و رضي
عنه .
فلما خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من عند أبي جعفر اتبعته فقلت إن هذا الرجل كان من أشد
الناس غضبا عليك فلما دخلت عليه كنت تحرك شفتيك و كلما حركتهما سكن غضبه فبأي شيء
كنت تحركهما ?
قال : بدعاء جدي الحسين بن علي (عليه السلام) .
قلت : جعلت فداك , و ما هذا الدعاء ?
قال : يا عدتي عند شدتي و يا غوثي عند كربتي احرسني بعينك التي لا تنام و اكنفني بركنك الذي
لا يرام .
قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء ; فما نزلت بي شدة قط إلا دعوت
[169]
به ففرج عني .
قال : و قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) لم منعت الساعي أن
يحلف بالله ?
قال : كرهت أن يراه الله يوحده و يمجده فيحلم عنه و يؤخر عقوبته
فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله تعالى أخذة رابية .
و روي : أن داود بن علي بن عبد الله بن العباس قتل المعلى بن خنيس مولى جعفر
بن محمد (عليه السلام) و أخذ ماله فدخل عليه جعفر و هو يجر ردائه فقال له قتلت مولاي و أخذت
ماله أ ما علمت أن الرجل ينام على الثكل و لا ينام على الحرب أ ما و الله لأدعون
الله عليك فقال له داود بن علي أ تهددنا بدعائك كالمستهزئ بقوله فرجع أبو عبد الله (عليه السلام) إلى داره فلم يزل ليله كله قائما و قاعدا حتى إذا كان السحر سمع و هو يقول في
مناجاته يا ذا القوة القوية و يا ذا المحال الشديد و يا ذا العزة التي كل خلقك لها
ذليل اكفني هذه الطاغية و انتقم لي منه فما كانت إلا ساعة حتى ارتفعت الأصوات
بالصياح و قيل مات داود بن علي .
و روى أبو بصير قال : دخلت المدينة و كانت معي جويرية لي فأصبت منها ثم خرجت
إلى الحمام فلقيت أصحابنا الشيعة و هم متوجهون إلى أبي عبد الله جعفر (عليه السلام) فخشيت أن
يسبقوني و يفوتني الدخول إليه فمشيت معهم حتى دخلت الدار فلما مثلت بين يدي أبي
عبد الله نظر إلي ثم قال يا أبا بصير أ ما علمت أن بيوت الأنبياء و أولاد الأنبياء
لا يدخلها الجنب فاستحييت و قلت يا ابن رسول الله إني لقيت أصحابنا فخشيت أن
يفوتني الدخول معهم و لن أعود مثلها و خرجت .
و جاءت الرواية مستفيضة بمثل ما ذكرناه من الآيات و الأخبار بالغيوب
مما يطول تعداده .
و كان يقول (عليه السلام) علمنا
غابر و مزبور و نكت في القلوب و نقر في الأسماع
[170]
و إن عندنا
الجفر الأحمر و الجفر الأبيض و مصحف فاطمة (عليها السلام) و إن عندنا الجامعة فيها جميع ما
يحتاج الناس إليه .
فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال : أما الغابر فالعلم بما يكون و أما
المزبور فالعلم بما كان و أما النكت في القلوب فهو الإلهام و أما النقر في الأسماع
فهو حديث الملائكة (عليه السلام) نسمع كلامهم و لا نرى أشخاصهم و أما الجفر الأحمر فوعاء فيه
سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت و أما الجفر الأبيض فوعاء
فيه توراة موسى و إنجيل عيسى و زبور داود و كتب الله الأولى و أما مصحف فاطمة (عليه السلام) ففيه ما يكون من حادث و أسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة و أما الجامعة فهو
كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فلق فيه و خط علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده
فيه و الله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى أن فيه أرش الخدش و
الجلدة و نصف الجلدة .
و كان (عليه السلام) يقول : حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث علي بن
أبي طالب أمير المؤمنين و حديث علي حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و حديث رسول الله قول الله عز
و جل .
و روى أبو حمزة
الثمالي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : سمعته يقول ألواح موسى (عليه السلام) عندنا و عصى
موسى عندنا و نحن ورثة النبيين .
و روى معاوية بن
وهب عن سعيد السمان قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) إذ دخل عليه رجلان من
الزيدية فقالا أ فيكم إمام مفترض الطاعة قال فقال لا قال فقالا قد أخبرنا عنك
الثقات أنك تقول به و سموا قوما و قالوا هم أصحاب ورع و تشمير و هم ممن لا يكذب
فغضب أبو عبد الله و قال ما أمرتهم بهذا فلما رأى الغضب في وجهه خرجا .
فقال لي : أ تعرف هذين ?
قلت : نعم ; و هما من أهل سوقنا و هما من الزيدية و هما يزعمان أن سيف رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند عبد الله بن الحسن .
فقال : كذبا لعنهما الله و الله ما رآه عبد الله بن
الحسن بعينيه و لا بواحدة من عينيه و لا رآه أبوه اللهم إلا أن يكون رآه عند علي
بن الحسين
[171]
(عليه السلام) فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه و ما أثر
في موضع مضربه ; فإن عندي لسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إن عندي لراية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و درعه و
لامته و مغفره فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; و إن عندي لراية رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المغلبة و إن عندي ألواح موسى و عصاه ; و إن عندي لخاتم سليمان ; و إن عندي
الطست التي كان يقرب موسى فيها القربان ; و إن عندي الاسم الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا
وضعه بين المسلمين و المشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ; و إن عندي
لمثل الذي جاءت به الملائكة و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كان أي
بيت وجد فيه التابوت على بابهم أوتوا النبوة و من صار السلاح إليه منا أوتي
الإمامة و لقد لبس أبي درع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطت عليه الأرض خطيطا و لبستها أنا فكانت
و كانت و قائمنا إذا لبسها ملأها إن شاء الله تعالى .
و روى عمرو بن أبان قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يتحدث الناس أنه دفع إلى
أم سلمة رحمة الله عليها صحيفة مختومة فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قبض ورث أمير
المؤمنين علي (عليه السلام) علمه و سلاحه و ما هناك ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين (عليه السلام) قال
فقلت ثم صار إلى علي بن الحسين ثم إلى ابنه ثم انتهى إليك قال نعم .
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أثبتناه منها كفاية في الغرض
الذي نؤمه إن شاء الله.
و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى باب ذكر طرف من أخبار
أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و كلامه : قيل إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا
بالأبواء و فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس و أبو جعفر المنصور و
صالح بن علي و عبد الله بن الحسن و ابناه محمد و إبراهيم و محمد بن عبد الله بن
عمرو بن
[172]
عثمان فقال صالح بن علي قد علمتم أنكم الذين يمد
الناس إليهم أعينهم و قد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا لرجل منكم بيعة تعطونه
إياها من أنفسكم و تواثقوا على ذلك حتى يفتح الله و هو خير الفاتحين فحمد الله عبد
الله بن الحسن و أثنى عليه ثم قال قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلم فلنبايعه و
قال أبو جعفر لأي شيء يخدعون أنفسكم و الله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور
أعناقا و لا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى يريد محمد بن عبد الله قالوا قد و الله
صدقت إن هذا الذي نعلم فبايعوا محمدا جميعا و مسحوا على يده قال عيسى بن عبد الله
بن محمد و جاء رسول عبد الله بن حسن إلى أبي أن ائتنا فإنا مجتمعون لأمر و أرسل
بذلك إلى جعفر بن محمد (عليه السلام) و قال غير عيسى إن عبد الله بن الحسن قال لمن حضر لا
تريدوا جعفرا فإنا نخاف أن يفسد عليكم أمركم قال عيسى بن عبد الله بن محمد فأرسلني
أبي أنظر ما اجتمعوا له فجئتهم و محمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رحل مثنية فقلت لهم
أرسلني أبي إليكم أسألكم لأي شيء اجتمعتم فقال عبد الله اجتمعنا لنبايع المهدي
محمد بن عبد الله قال و جاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن حسن إلى جنبه فتكلم
بمثل كلامه فقال جعفر بن محمد لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد إن كنت ترى أن
ابنك هذا هو المهدي فليس به و لا هذا أوانه و إن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا لله
تعالى و ليأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فإنا و الله لا ندعك و أنت شيخنا و نبايع
ابنك في هذا الأمر فغضب عبد الله و قال لقد علمت خلاف ما تقول و و الله ما أطلعك
الله على غيبه و لكنك يحملك على هذا الحسد لابني فقال و الله ما ذلك يحملني و لكن
هذا و إخوته و أبناءهم دونكم و ضرب بيده على ظهر أبي العباس ثم ضرب بيده على كتف
عبد الله بن حسن و قال إيها و الله ما هي إليك و لا إلى ابنك و لكنها لهم و إن
ابنيك لمقتولان ثم نهض و توكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري و قال أ رأيت
صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر فقال له نعم فقال
[173]
إنا و
الله نجده يقتله فقال له عبد العزيز أ يقتل محمدا قال نعم قال فقلت في نفسي حسده و
رب الكعبة قال ثم و الله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما قال فلما قال جعفر
ذلك و نهض القوم و افترقوا تبعه عبد الصمد و أبو جعفر فقالا يا أبا عبد الله تقول
هذا قال نعم أقوله و الله و أعلمه .
و عن بجاد العابد قال : كان جعفر بن محمد (عليه السلام) إذا رأى محمد بن عبد الله بن حسن
تغرغرت عيناه ثم يقول بنفسي هو إن الناس ليقولون فيه و إنه لمقتول ليس هو في كتاب علي من خلفاء هذه الأمة .
فصل :
و هذا حديث مشهور كالذي قبله لا يختلف العلماء بالأخبار في
صحتهما و هما مما يدلان على إمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و أن
المعجزات كانت تظهر على يده لإخباره بالغائبات و الكائنات قبل كونها كما كان يخبر
الأنبياء (عليه السلام) فيكون ذلك من آياتهم و علامات نبوتهم و صدقهم على ربهم عز و جل .
و عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال له إني رجل صاحب كلام
و فقه و فرائض و قد جئت لمناظرة أصحابك .
فقال له أبو عبد الله : كلامك هذا من كلام
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من عندك ?
فقال : من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعضه و من عندي بعضه .
فقال له أبو عبد
الله (عليه السلام) : فأنت إذا شريك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ?
قال : لا .
قال : فسمعت الوحي عن الله ?
قال : لا .
قال : فتجب
طاعتك كما تجب طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ?
قال : لا .
فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) إلي و قال , يا يونس
بن يعقوب : هذا رجل قد خصم نفسه قبل أن يتكلم .
ثم قال , يا يونس لو كنت تحسن الكلام
كلمته .
قال يونس : فيا لها من حسرة ; فقلت جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام و تقول ويل
لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد و هذا
[174]
لا ينقاد و هذا
ينساق و هذا لا ينساق و هذا نعقله و هذا لا نعقله .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنما قلت
ويل لقوم تركوا قولي و ذهبوا إلى ما يريدون ; ثم قال اخرج إلى الباب فانظر من ترى من
المتكلمين فأدخله .
قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين و كان يحسن الكلام و محمد بن
النعمان الأحول و كان متكلما و هشام بن سالم و قيس الماصر و كانوا متكلمين
فأدخلتهم عليه ; فلما استقر بنا المجلس و كنا في خيمة لأبي عبد الله (عليه السلام) على طرف جبل
بالحرم و ذلك قبل أيام الحج بأيام أخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير
يخب .
فقال هشام : و رب الكعبة قال فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة
لأبي عبد الله (عليه السلام) فإذا هشام بن الحكم قد ورد و هو أول ما اختطت لحيته و ليس فينا
إلا من هو أكبر سنا منه .
قال فوسع له أبو عبد الله (عليه السلام) و قال : ناصرنا بقلبه و لسانه و
يده ; ثم قال لحمران كلم الرجل - يعني الشامي - فكلمه حمران فظهر عليه .
ثم قال , يا طاقي : كلمه .
فكلمه , فظهر عليه محمد بن النعمان .
ثم قال , يا هشام بن سالم كلمه .
فتعارفا .
ثم قال لقيس الماصر : كلمه .
فكلمه , و أقبل أبو عبد الله (عليه السلام) يتبسم من كلامهما و قد استخذل
الشامي في يده ; ثم قال للشامي كلم هذا الغلام - يعني هشام بن الحكم - فقال له نعم .
ثم قال الشامي لهشام : يا غلام سلني في إمامة هذا - يعني أبا عبد الله (عليه السلام) - .
فغضب هشام حتى
أرعد ثم قال , يا هذا : ربك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ?
فقال الشامي : بل ربي أنظر لخلقه .
قال : ففعل لهم بنظره في دينهم ما ذا ?
قال : كلفهم , و أقام لهم حجة و دليلا على ما كلفهم
و أزاح في ذلك عللهم .
فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ?
قال الشامي : هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال له هشام : فبعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ?
قال : الكتاب و السنة .
فقال له هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنة فيما اختلفنا فيه حتى رفعا عنا الاختلاف و مكننا من
الاتفاق ?
قال الشامي : نعم .
قال له هشام : فلم اختلفنا نحن و أنت و جئتنا من الشام
تخالفنا و تزعم أن الرأي
[175]
طريق الدين و أنت مقر بأن الرأي لا يجمع على القول
الواحد المختلفين ?
فسكت الشامي كالمفكر ; فقال له أبو عبد الله : ما لك لا تتكلم ?
قال : إن قلت إنا ما اختلفنا كابرت و إن قلت إن الكتاب و السنة ترفعان بيننا الاختلاف أبطلت ; لأنهما يحتملان الوجوه و لكن لي عليه مثل ذلك .
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : سله تجده
مليا .
فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم .
قال هشام : بل ربهم أنظر لهم .
فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم و يرفع اختلافهم و يبين لهم حقهم من باطلهم ?
قال هشام : نعم .
قال : من هو ?
قال هشام : أما في ابتداء الشريعة فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما
بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فغيره .
قال الشامي : و من هو غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القائم مقامه في حجته ?
قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ?
قال الشامي : بل في وقتنا هذا .
قال هشام : هذا الجالس - يعني أبا
عبد الله (عليه السلام) - الذي تشد إليه الرحال و يخبرنا بأخبار السماء وراثه عن أب عن جد .
قال الشامي : و كيف لي بعلم ذلك ?
قال له هشام : سله عما بدا لك .
قال الشامي : قطعت عذري فعلي
السؤال .
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : أنا أكفيك المسألة يا شامي ; أخبرك عن مسيرك و سفرك .
خرجت يوم كذا , و كان مسيرك على طريقك كذا , و مر بك كذا , و مررت على كذا , فأقبل الشامي
و كلما وصف له شيئا من أمره يقول له صدقت و الله .
ثم قال : أسلمت لله الساعة .
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : بل آمنت بالله الساعة ; لأن الإسلام قبل الإيمان و عليه يتوارثون و
يتناكحون و الإيمان عليه يثابون .
قال الشامي : صدقت ; فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا
الله و أن محمدا رسول الله و أنك وصي الأوصياء .
و هذا الخبر مع ما فيه من إثبات حجة النظر و دلالة الإمامة يتضمن من
المعجز لأبي عبد الله (عليه السلام) بالخبر عن الغائب مثل الذي يتضمنه الخبران المتقدمان و
يوافقهما في معنى البرهان .
و روى : أنه اجتمع
نفر من الزنادقة فيهم ابن أبي العوجاء و ابن طالوت و ابن الأعمى و ابن المقفع و
أصحابهم كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام و أبو
[176]
عبد
الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فيه إذ ذاك يفتي الناس و يفسر لهم القرآن و يجيب عن
المسائل بالحجج و البينات فقال القوم لابن أبي العوجاء هل لك في تغليط هذا الجالس
و سؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به و هو علامة زمانه .
فقال لهم ابن أبي العوجاء : نعم , ثم تقدم ففرق الناس و قال : يا أبا عبد الله إن
المجالس أمانات و لا بد لكل من كان به سعال أن يسعل أ فتأذن في السؤال ?
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : سل إن شئت .
فقال له ابن أبي العوجاء : إلى كم تدوسون هذا البيدر و تلوذون
بهذا الحجر و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطين و المدر و تهرولون حوله هرولة
البعير إذا نفر ; من فكر في هذا و قدر علم أنه فعل غير حكيم و لا ذي نظر ; فقل إنك رأس هذا الأمر و سنامه , و أبوك أسه و نظامه .
فقال له الصادق (عليه السلام) : إن من أضله الله و أعمى
قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه و صار الشيطان وليه و ربه يورده مناهل الهلكة ; و هذا
بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه و زيارته و جعله قبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه , و طريق يؤدي إلى غفرانه , منصوب على استواء
الكمال و مجمع العظمة و الجلال ; خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع
كما أمر و انتهى عما زجر الله المنشئ للأرواح و الصور .
فقال ابن أبي العوجاء ذكرت
أبا عبد الله فأحلت على غائب .
فقال الصادق (عليه السلام) : كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه
شاهد و شهيد و إليهم أقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم و يعلم أسرارهم و لا يخلو منه
مكان و لا يشتغل به مكان و لا يكون من مكان أقرب من مكان تشهد له بذلك آثاره و تدل
عليه أفعاله و الذي بعثه بالآيات المحكمة و البراهين الواضحة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءنا بهذه
العبادة فإن شككت في شيء من أمره فاسأل عنه أوضحه لك .
قال : فأبلس ابن أبي العوجاء و
لم يدر ما يقول , فانصرف من بين يديه فقال لأصحابه : سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة .
فقالوا له : اسكت فو الله لقد فضحتنا بحيرتك و انقطاعك و ما
رأينا أحقر منك اليوم في
[177]
مجلسه .
فقال : أ لي تقولون هذا إنه
ابن من حلق رءوس من ترون , و أومأ بيده إلى أهل الموسم .
و روي : أن أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم على مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له
إنك لأحد النجوم الزواهر و كان آباؤك بدورا بواهر و أمهاتك عقيلات عباهر و عنصرك
من أكرم العناصر و إذا ذكر العلماء فعليك تثني الخناصر فخبرنا أيها البحر الزاخر
ما الدليل على حدوث العالم ?
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : إن أقرب الدليل على ذلك ما
أذكره لك ; ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته , و قال : هذا حصن ملموم داخله غرقئ رقيق يطيف
به كالفضة السائلة و الذهبة المائعة أ تشك في ذلك ?
قال أبو شاكر : لا شك فيه .
قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ثم إنه ينفلق عن صورة كالطاوس أ دخله شيء غير ما عرفت ?
قال : لا .
قال فهذا الدليل على حدث العالم .
فقال أبو شاكر : دللت أبا عبد الله فأوضحت ; و قلت فأحسنت و
ذكرت فأوجزت و قد علمت إنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا و سمعناه بآذاننا أو
ذقناه بأفواهنا أو شممناه بأنوفنا أو لمسناه ببشرنا .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ذكرت
الحواس الخمس و هي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح .
يريد (عليه السلام) أن الحواس بغير عقل لا توصل إلى معرفة الغائبات و أن الذي
أراه من حدوث الصورة معقول بني العلم به على محسوس.
و مما حفظ عنه (عليه السلام) في وجوب
المعرفة بالله عز و جل و بدينه.
قوله وجدت علم
الناس كلهم في أربع أولها أن تعرف ربك و الثاني أن تعرف ما صنع بك و الثالث أن
تعرف ما أراد منك و الرابع أن تعرف ما يخرجك عن دينك .
و هذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف لأنه أول ما يجب على العبد
معرفة
ربه جل جلاله فإذا علم أن له
إلها وجب أن يعرف صنعه إليه فإذا عرف صنعه عرف به نعمته
[178]
فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده
ليطيعه بفعله فإذا وجبت طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليجتنبه فتخلص لربه
طاعته و شكر إنعامه.
و مما حفظ عنه (عليه السلام) في التوحيد و نفي التشبيه .
قوله لهشام بن
الحكم : إن الله لا يشبه شيئا و لا يشبهه شيء و كل ما وقع في الوهم فهو بخلافه .
و مما حفظ عنه (عليه السلام) من موجز القول في العدل .
قوله لزرارة بن أعين : يا زرارة أعطيك جملة في القضاء و القدر قال نعم جعلت فداك قال إنه إذا كان
يوم القيامة و جمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم و لم يسألهم عما قضى عليهم .
و مما حفظ عنه (عليه السلام) في الحكمة و الموعظة .
قوله : ما كل من نوى
شيئا قدر عليه ; و لا كل من قدر على شيء وفق له ; و لا كل من وفق أصاب له موضعا ; فإذا
اجتمعت النية و القدرة و التوفيق و الإصابة فهنالك تمت السعادة .
و مما حفظ (عليه السلام) في الحث على النظر في دين الله عز و جل و المعرفة
لأولياء الله عز و جل .
قوله (عليه السلام) : أحسنوا
النظر فيما لا يسعكم جهله و انصحوا لأنفسكم و جاهدوها في طلب معرفة ما لا عذر لكم
في جهله فإن لدين الله أركانا لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته و
لا يضر من عرفها فدان بها حسن اقتصاده و لا سبيل لأحد إلى ذلك إلا بعون من الله
تعالى .
و مما حفظ عنه (عليه السلام) في الحث على التوبة .
قوله (عليه السلام) : تأخير
التوبة اغترار و طول التسويف حيرة و الاعتلال على الله هلكة و الإصرار على الدنيا
أمن لمكر الله و لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
و الأخبار فيما حفظ عنه (عليه السلام) من العلم و الحكمة و البيان و الحجة و
الزهد و الموعظة و فنون العلم كله أكثر من أن يحصى بالخطاب أو يحوى بالكتاب و فيما
أثبتناه منه كفاية في الغرض الذي قصدناه و الله الموفق للصواب.
و فيه (عليه السلام) يقول السيد ابن محمد الحميري رضي الله عنه و قد
رجع عن قوله بمذهب الكيسانية لما بلغه إنكار أبي عبد الله مقاله و دعاؤه له إلى
القول بنظام الإمامة .
[179]
أيا راكبا نحو المدينة جسرة *** عذافرة تطوي له كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفرا *** فقل لولي الله و ابن المهذب
ألا يا ولي الله و ابن وليه *** أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الذنب الذي كنت مطنبا *** أجاهد فيه دائبا كل معرب
و ما كان قولي في ابن خولة دائبا *** معاندة مني لنسل المطيب
و لكن روينا عن وصي محمد *** و لم يك فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الله يفقد لا يرى *** سنين كفعل الخائف المترقب
فتقسم أموال الفقيد كأنما *** تغيبه بين الصفيح المنصب
فإذ قلت لا فالحق قولك *** و الذي تقول فحتم غير ما متعصب
بأن ولي الله و القائم الذي *** تطلع نفسي نحوه و تطربي
له غيبة لا بد أن سيغيبها *** فصلى عليه الله من متغيب
و في هذا الشعر دليل على رجوع السيد رحمه الله عن مذهب الكيسانية و
قوله بإمامة الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) و وجود الدعوة ظاهر من الشيعة في أيام أبي عبد
الله (عليه السلام) إلى إمامته و القول بإمامة صاحب الزمان و غيبته (عليه السلام) و أنها إsحدى علاماته و هو
صريح قول الإمامية الاثني عشرية.
قلت رجوع السيد عن كيسانيتة بقول الصادق (عليه السلام) أمر
مشهور و بالسنة الرواة و نقلة الآثار مذكور في ديوان شعره مثبت مسطور و في صحائف
الدهر مرقوم مزبور و كفى قوله شاهدا على صحة هذه الدعوى :
تجعفرت باسم الله و الله أكبر *** ... ... ... ...
و هي مشهور منقولة.
[180]
و قال المفيد رحمه الله
باب ذكر أولاد أبي عبد الله (عليه السلام) و عددهم و أسمائهم و طرف من أخبارهم : و كان لأبي عبد
الله (عليه السلام) عشرة أولاد إسماعيل و عبد الله و أم فروة و أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و موسى (عليه السلام) و إسحاق و محمد لأم ولد و العباس و علي و
أسماء و فاطمة لأمهات أولاد شتى.
و كان إسماعيل أكبر إخوته و كان أبوه (عليه السلام) شديد
المحبة له و البرية و الإشفاق عليه و كان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه
و الخليفة له من بعد إذ كان أكبر إخوته سنا و لميل أبيه إليه و إكرامه له فمات في
حياة أبيه (عليه السلام) بالعريض و حمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع و
روي أن أبا عبد الله (عليه السلام) جزع عليه جزعا شديدا و حزن عليه حزنا عظيما و تقدم سريره
بغير حذاء و لا رداء و أمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مرارا كثيرة و كان يكشف
عن وجهه و ينظر إليه يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده و
إزالة الشبهة عنهم في حياته.
و لما مات إسماعيل رحمه الله انصرف عن القول بإمامته
بعد أبيه من كان يظن ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه (عليه السلام) و قام على حياته شرذمة لم تكن من
خاصة أبيه و لا من الرواة عنه و كانوا من الأباعد و الأطراف.
فلما مات الصادق (عليه السلام) انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى (عليه السلام) بعد أبيه و افترق الباقون فرقتين فريق
منهم رجعوا عن حياة إسماعيل و قالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنهم أن الإمامة
كانت في أبيه و أن الابن أحق بمقام الإمامة من الأخ و فريق ثبتوا على حياة إسماعيل
و هم اليوم شذاذ لا يعرف اليوم منهم أحد يومأ إليه و هذان الفريقان يسميان
الإسماعيلية و المعروف منهم الآن يقولون إن الإمامة في إسماعيل و من بعده في ولده
و ولد ولده إلى آخر الزمان.
و كان عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل و لم
تكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام و كان متهما بالخلاف على أبيه
في الاعتقاد
[181]
و يقال إنه كان يخالط الحوشية و يميل إلى
المرجئة و ادعى بعد أبيه الإمامة و احتج بأنه أكبر إخوته الباقين فاتبعه على قوله
جماعة من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) ثم رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه موسى (عليه السلام) لما تبينوا ضعف دعواه و قوة أمر أبي الحسن (عليه السلام) و دلائل حقه و براهين إمامته و أقام
نفر يسير منهم على أمرهم و دانوا بإمامة عبد الله و هم الفطحية و إنما لزمهم هذا
اللقب لقولهم بإمامة عبد الله و كان أفطح الرجلين أي عريضهما و يقال إنهم إنما
لقبوا بذلك لأن داعيتهم إلى إمامة عبد الله كان يقال له عبد الله بن أفطح و كان
إسحاق بن جعفر من أهل الفضل و الصلاح و الورع و الاجتهاد .
و روى عنه الناس الحديث
و الآثار و كان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول : حدثني ثقة الرضي إسحاق بن جعفر و كان
إسحاق رضي الله عنه يقول بإمامة أخيه موسى (عليه السلام) و روى عن أبيه النص بالإمامة على أخيه
موسى (عليه السلام) و كان محمد بن جعفر سخيا شجاعا و كان يصوم يوما و يفطر يوما و رأى رأي
الزيدية في الخروج بالسيف.
و روي عن زوجته خديجة بنت عبد الله بن الحسين أنها قالت : ما خرج من عندنا محمد قط في ثوب حتى يكسوه و كان يذبح في كل يوم كبشا لأضيافه.
و
خرج على المأمون في سنة تسع و تسعين و مائة بمكة و تبعه الزيدية الجارودية فخرج
لقتاله عيسى الجلودي ففرق جمعه و أخذه فأنفذه إلى المأمون فلما وصل إليه أكرمه
المأمون و أدنى مجلسه منه و وصله و أحسن جائزته و كان مقيما معه بخراسان يركب إليه
في موكب من بني عمه و كان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمله السلطان من رعيته.
و روي
: أن المأمون أنكر ركوبه إليه في جماعة من الطالبيين الذين خرجوا على المأمون في سنة
المائتين فآمنهم فخرج التوقيع إليهم لا تركبوا مع محمد بن جعفر و اركبوا مع عبيد
الله بن الحسين فأبوا أن يركبوا و لزموا منازلهم فخرج التوقيع أن اركبوا مع من
أحببتم فكانوا يركبون مع محمد بن جعفر إذا ركب إلى المأمون و ينصرفون بانصرافه .
[182]
و ذكر عن موسى بن سلمة أنه قال أتي إلى محمد بن
جعفر فقيل له إن غلمان ذي الرئاستين قد ضربوا غلمانك على حطب اشتروه فخرج متزرا
ببردتين و معه هراوة و هو يرتجز و يقول :
الموت خير لك من عيش بذل *** ... ... ... ...
و تبعه الناس حتى ضرب غلمان ذي الرئاستين و أخذ الحطب منهم فرفع
الخبر إلى المأمون فبعث إلى ذي الرئاستين فقال له ائت محمد بن جعفر و اعتذر إليه و
حكمه في غلمانك قال فخرج ذو الرئاستين إلى محمد بن جعفر قال موسى بن سملة فكنت عند
محمد بن جعفر جالسا حين أتي فقيل له هذا ذو الرئاستين فقال لا يجلس إلا على الأرض
و تناول بساطا كان في البيت فرمى به هو و من معه ناحية و لم يبق في البيت إلا
وسادة جلس عليها محمد بن جعفر فلما دخل عليه ذو الرئاستين وسع له محمد على الوسادة
فأبى أن يجلس عليها و جلس على الأرض فاعتذر إليه و حكمه في غلمانه.
و توفي محمد بن
جعفر بخراسان مع المأمون فركب المأمون ليشهده فلقيهم و قد خرجوا به فلما نظر إلى
السرير ترجل و مشى حتى دخل بين العمودين و لم يزل بينهما حتى وضع فتقدم فصلى عليه
ثم حمله حتى بلغ به إلى القبر ثم دخل قبره فلم يزل فيه حتى بني عليه ثم خرج فقام
على القبر حتى دفن فقال له عبد الله بن الحسين و دعا له يا أمير المؤمنين إنك قد
تبعت فلو ركبت فقال له المأمون إن هذه رحم قد قطعت من مائتي سنة .
و روي عن إسماعيل
بن محمد بن جعفر أنه قال قلت لأخي و هو إلى جنبي و المأمون قائم على القبر لو
كلمناه في دين الشيخ فلا نجده أقرب منه في وقته هذا فابتدأنا المأمون فقال كم ترك
أبو جعفر من الدين فقلت خمسة و عشرين ألف دينار فقال قد قضى الله عنه دينه إلى من
أوصى قلنا إلى ابن له يقال له يحيى بالمدينة فقال ليس هو بالمدينة هو بمصر و قد
علمنا بكونه فيها و لكن كرهنا أن نعلمه بخروجه من المدينة لئلا يسوءه ذلك لعلمه
بكراهتنا لخروجهم عنا.
[183]
و كان علي بن جعفر رضي الله عنه
راوية للحديث سديد الطريق شديد الورع كثير الفضل و لزم أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) و روى
عنه شيئا كثيرا.
و كان العباس بن جعفر رحمه الله فاضلا نبيلا و كان موسى بن جعفر
أجل ولد أبي عبد الله (عليه السلام) قدرا و أعظمهم محلا و أبعدهم في الناس صيتا و لم ير في
الناس و في زمانه أسخى منه و لا أكرم نفسا و عشرة و كان أعبد أهل زمانه و أورعهم و
أفقههم و أعلمهم و اجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته و التعظيم لحقه و
التسليم لأمره .
و رووا عن أبيه الصادق (عليه السلام) نصوصا عليه بالإمامة و إشارات إليه
بالخلافة و أخذوا عنه معالم دينهم و رووا عنه من الآيات و المعجزات ما يقطع بها
على حجته و صواب القول بإمامته انتهى كلام الشيخ المفيد رضي الله عنه.
و قال
الحافظ أبو نعيم رحمه الله : و منهم الإمام الناطق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أقبل على العبادة و الخضوع و أثر العزلة و الخشوع ولها عن الرئاسة و الجموع .
و قيل إن التصوف انتفاع بالنسب و ارتفاع بالسبب .
عن عمرو بن أبي المقدام قال : كنت إذا
نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين .
و روى عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد (عليه السلام) : أن سفيان الثوري دخل عليه و سأله
الحديث فقال جعفر أحدثك و ما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان إذا أنعم الله عليك
بنعمة فأحببت بقائها و دوامها فأكثر من الحمد و الشكر الحديث إلى قوله (عليه السلام) ثلاث و أي ثلاث .
و عن محمد بن بشير
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) : أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني و أتعبي من خدمك .
و عنه (عليه السلام) إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال : للمتفرسين و كان
[184]
يقول كيف أعتذر و قد احتججت و كيف أحتج و قد علمت .
و كان (عليه السلام) : يطعم حتى
لا يبقى لعياله شيء .
و سئل لم حرم الله
الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف .
و قال : بني الإنسان
على خصال فمهما بني عليه فإنه لا يبني على الخيانة و الكذب .
و قال (عليه السلام) : الفقهاء
أمناء الرسل فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم .
و عن الأصمعي قال قال جعفر بن محمد (عليه السلام) : الصلاة قربان كل تقي و الحج جهاد كل ضعيف و زكاة البدن الصيام
و الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر و استنزلوا الرزق بالصدقة و حصنوا أموالكم
بالزكاة و ما عال امرئ اقتصد و التقدير نصف العيش و التودد نصف العقل و قلة العيال
إحدى اليسارين و من حزن والديه فقد عقهما و من ضرب بيده على فخذه عند المصيبة فقد
حبط أجره و الصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين و الله عز و جل ينزل
الصبر على قدر المصيبة و ينزل الرزق على قدر المئونة و من قدر معيشته رزقه الله و
من بذر معيشته حرمه الله .
و عن بعض أصحاب جعفر (عليه السلام) قال : دخلت عليه و موسى (عليه السلام) بين يديه و هو يوصيه بهذه
الوصية فكان مما حفظت منها أن قال يا بني اقبل وصيتي و احفظ مقالتي فإنك إن حفظتها
تعش سعيدا و تمت حميدا يا بني من قنع بما قسم له استغنى و من مد عينه إلى ما في يد
غيره مات فقيرا و من لم يرض بما قسم الله له اتهم الله في قضائه و من استصغر زلة
غيره استعظم زلة نفسه و من استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره يا بني من كشف عن حجاب
غيره تكشفت عورات بيته و من سل سيف البغي قتل به و من احتفر لأخيه بئرا سقط فيها و
من داخل السفهاء حقر و من خالط العلماء وقر و من دخل مداخل السوء اتهم يا بني إياك
أن تزري بالرجال فيزرى بك و إياك و الدخول فيما لا يعنيك فتزل يا بني قل الحق لك و
عليك تستشار من بين
[185]
أقرانك يا بني كن لكتاب الله تاليا و
للإسلام فاشيا و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا و لمن قطعك واصلا و لمن سكت عنك
مبتدئا و لمن سألك معطيا و إياك و النميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال و
إياك و التعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف يا بني إذا
طلبت الجود فعليك بمعادنه فإن للجود معادن و للمعادن أصولا و للأصول فروعا و
للفروع ثمرا و لا يطيب ثمر إلا بفرع و لا فرع إلا بأصل و لا أصل ثابت إلا بمعدن
طيب يا بني إذا زرت فزر الأخيار و لا تزر الفجار فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها و شجرة
لا يخضر ورقها و أرض لا تظهر عشبها قال علي بن موسى (عليه السلام) فما ترك أبي هذه الوصية إلى
أن توفي .
قلت قد نقلت هذه الوصية آنفا و نقلتها الآن لزيادة في هذه الرواية .
و قال جعفر بن محمد (عليه السلام) : لا زاد أفضل من التقوى و لا شيء أحسن من الصمت و لا عدو أضر من الجهل و لا داء
أدوى من الكذب .
و عن شيخ من أهل
المدينة : كان من دعاء جعفر بن محمد (عليه السلام) : اللهم اعمرني بطاعتك و لا تخزني بمعصيتك اللهم
ارزقني مواساة من قترت عليه رزقك بما وسعت علي من فضلك قال غسان فحدثت بهذا سعيد
بن مسلم فقال هذا دعاء الأشراف .
و عن نضر بن كثير قال : دخلت أنا و سفيان على جعفر بن محمد (عليه السلام) فقلت إني أريد
البيت الحرام فعلمني ما أدعو به فقال إذا بلغت الحرم فضع يدك على الحائط و قل يا
سابق الفوت يا سامع الصوت يا كاسي العظام لحما بعد الموت ثم ادع بما شئت فقال له
سفيان شيئا لم أفهمه فقال له يا سفيان إذا جاءك ما تحب فأكثر من الحمد لله و إذا
جاءك ما تكره فأكثر من لا حول و لا قوة إلا بالله و إذا استبطأت الرزق فأكثر من
الاستغفار .
و عن عبد الله بن شبرمة قال : دخلت أنا و أبو حنيفة على جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال
لابن أبي ليلى من هذا معك فقال هذا رجل له بصر و نفاذ في أمر الدين
[186]
قال لعله الذي يقيس الدين برأيه قال نعم إلى آخرها .
و إنما لم أذكرها لأن الصادق (عليه السلام) كان أعلى شأنا و أشرف مكانا و أعظم
بيانا و أقوى دليلا و برهانا من أن يسأل مثل أبي حنيفة مع دقة نظره و فرط ذكائه و
قوة عارضته و شدة استخراجه عن هذه المسائل الواضحة ثم إن المسائل الأولى إنما ينظر
فيها و يعللها الطبيب و ليست من تكليف الفقيه و العهدة على الناقل و أنا أستغفر
الله .
و عن عنبسة الخثعمي و كان من الأخيار قال : سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول إياكم
و الخصومة في الدين فإنها تشغل القلب و تورث النفاق.
و قال (عليه السلام) : إذا بلغك
عن أخيك شيء يسوؤك فلا تغتم فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت و إن كانت على
غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها .
قال و قال موسى (عليه السلام) : يا رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير ; قال ما فعلت ذلك لنفسي .
قال الحافظ أبو
نعيم : أسند جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه و عن عطاء بن أبي رباح و عكرمة و عبيد الله بن
أبي رافع و عبد الرحمن بن القاسم و غيرهم ; و روى عن جعفر عدة من التابعين منهم
يحيى بن سعيد الأنصاري و أيوب السختياني و أبان بن تغلب و أبو عمر بن العلا و يزيد
بن عبد الله بن الهاد و حدث عنه من الأئمة الأعلام مالك بن أنس و شعبة بن الحجاج و
سفيان الثوري و ابن جريح و عبيد الله بن عمرو و روح بن القاسم و سفيان بن عيينة و
سليمان بن بلال و إسماعيل بن جعفر و حاتم بن إسماعيل و عبد العزيز بن المختار و
وهب بن خالد و إبراهيم بن طهمان ; و أخرج عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه محتجا بحديثه
عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في حديث أسماء بنت عميس حين نفست
بذي
حليفة أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أبا بكر رضي الله عنه يأمرها أن تغتسل و تهل حديث ثابت أخرجه مسلم
في صحيحه عن أبي غسان محمد بن عمرو عن حريز و يحيى بن سعيد هو الأنصاري من تابعي
أهل المدينة .
إلى هنا نقلت مما ذكره الحافظ أبو نعيم رحمه الله.
[187]
قال ابن الخشاب رحمه الله ذكر أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد الباقر بن
علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلى الله عليه و آله أجمعين و
بالإسناد الأول عن محمد بن سنان : مضى أبو عبد الله و هو ابن خمس و ستين سنة و يقال
ثمان و ستين سنة في سنة مائة و ثمان و أربعين و كان مولده سنة ثلاث و ثمانين من
الهجرة في إحدى الروايتين و في الرواية الثانية كان مولده سنة ثمانين من الهجرة و
كان مقامه مع جده علي بن الحسين اثنتي عشرة سنة و أياما و في الرواية الثانية كان
مقامه مع جده خمس عشرة سنة و كان مقامه مع أبيه بعد مضي جده أربع عشرة سنة و توفي
أبو جعفر (عليه السلام) و لأبي عبد الله أربع و ثلاثون سنة في إحدى الروايتين و أقام بعد أبيه
أربعا و ثلاثين سنة و كان عمره في إحدى الروايتين خمسا و ستين سنة و في الرواية
الأخرى ثمان و ستين سنة قال لنا الذارع و الأولى هي الصحيحة و أمه أم فروة بنت
القاسم بن محمد بن أبي بكر يعني الصديق رضي الله عنه و كان له ست بنين و ابنة
واحدة إسماعيل و موسى الإمام و محمد و علي و عبد الله و إسحاق و أم فروة و هي التي
زوجها من ابن عمه الخارج مع زيد بن علي بن الحسين لقبه الصادق و الصابر و الفاضل و
الطاهر قبره بالمدينة بالبقيع يكنى بأبي عبد الله و بأبي إسماعيل انتهى كلامه .
و نقلت من كتاب الدلائل عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله في قوله تعالى
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ قال أبو عبد الله : أما و الله لربما
وسدنا لهم الوسائد في منازلنا .
و عن الحسين بن أبي العلا القلانسي قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا حسين و ضرب
بيده إلى مساور في البيت فقال مساور طالما و الله اتكأت عليها الملائكة و
[188]
ربما التقطنا من زغبها .
و عن عبد الله
النجاشي قال : كنت في حلقة عبد الله بن الحسن فقال يا ابن النجاشي اتقوا الله ما
عندنا إلا ما عند الناس قال فدخلت على أبي عبد الله فأخبرته بقوله فقال و الله إن
فينا من ينكت في قلبه و ينقر في أذنه و تصافحه الملائكة فقلت اليوم أو كان قبل
اليوم فقال اليوم و الله يا ابن النجاشي .
و عن جرير بن مرازم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أريد العمرة فأوصني فقال اتق الله و لا تعجل فقلت
أوصني فلم يزدني على هذا فخرجت من عنده من المدينة فلقيني رجل شامي يريد مكة
فصحبني و كان معي سفرة فأخرجتها و أخرج سفرته و جعلنا نأكل فذكر أهل البصرة فشتمهم
ثم ذكر أهل الكوفة فشتمهم ثم ذكر الصادق (عليه السلام) فوقع فيه فأردت أن أرفع يدي فأهشم أنفه
و أحدث نفسي بقتله أحيانا فجعلت أتذاكر قوله اتق الله و لا تعجل و أنا أسمع شتمه
فلم أعد ما أمرني .
و عن أبي بصير : دخلت
على أبي عبد الله (عليه السلام) و أنا أريد أن يعطيني من دلالة الإمامة مثل ما أعطاني أبو جعفر (عليه السلام) فلما دخلت و كنت جنبا قال يا أبا محمد أ ما كان لك فيما كنت فيه شغل تدخل علي و
أنت جنب فقلت ما عملته إلا عمدا فقال أ و لم تؤمن قلت بلى و لكن ليطمئن قلبي قال
نعم يا أبا محمد قم فاغتسل فقمت و اغتسلت و صرت إلى مجلسي و قلت عند ذلك إنه إمام .
و عن عبد الله بن
يحيى الكاهلي قال : قال لي أبو عبد الله إذا لقيت السبع ما تقول له قلت ما أدري قال
إذا لقيته فاقرأ في وجهه آية الكرسي و قل عزمت عليك بعزيمة الله و عزيمة محمد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عزيمة سليمان بن داود و عزيمة علي أمير المؤمنين و الأئمة من بعده فإنه
ينصرف عنك قال عبد الله الكاهلي فقدمت إلى الكوفة فخرجت مع ابن عم لي إلى قرية
فإذا سبع قد اعترض لنا في الطريق فقرأت في وجهه آية الكرسي و قلت عزمت عليك بعزيمة
الله و عزيمة محمد رسول الله و عزيمة سليمان بن داود و عزيمة أمير المؤمنين و
الأئمة من بعده إلا تنحيت
[189]
عن طريقنا و لم تؤذنا فإنا لا
نؤذيك فنظرت إليه و قد طأطأ رأسه و أدخل ذنبه بين رجليه و تنكب الطريق راجعا من
حيث جاء فقال ابن عمي ما سمعت كلاما قط أحسن من كلام سمعته منك فقلت إن هذا الكلام
سمعته من جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال أشهد أنه إمام مفترض الطاعة و ما كان ابن عمي يعرف
قليلا و لا كثيرا فدخلت على أبي عبد الله من قابل فأخبرته الخبر و ما كنا فيه فقال
أ تراني لم أشهدكم بئس ما رأيت إن لي مع كل ولي أذنا سامعة و عينا ناظرة و لسانا
ناطقا ثم قال لي يا عبد الله بن يحيى أنا و الله صرفته عنكما و علامة ذلك أنكما
كنتما في البداءة على شاطئ النهر و أن ابن عمك أثبت عندنا و ما كان الله يميته حتى
يعرفه هذا الأمر فرجعت إلى الكوفة فأخبرت ابن عمي بمقالة أبي عبد الله ففرح و سر
به سرورا شديدا و ما زال مستبصرا بذلك إلى أن مات .
قال علي بن عيسى أثابه الله انظر بعين الاعتبار إلى شرف هؤلاء القوم
و محلهم و مكانتهم من المعارف الإلهية و فضلهم و ارتفاعهم في درجات العرفان و
نبلهم فإن تعريفه (عليه السلام) إياه بما يقوله إذا لقي السبع فيه إشعار بأنه يلقى السبع و إلا
لم يكن في الحديث إلا تعليمه ما يقوله متى لقيه و ليس في ذلك كثير طائل .
و عن شعيب
العقرقوفي قال : دخلت أنا و علي بن أبي حمزة و أبو بصير على أبي عبد الله (عليه السلام) و معي
ثلاثمائة دينار فصببتها قدامه فأخذ منها أبو عبد الله قبضة لنفسه و رد الباقي علي
و قال يا شعيب رد هذه المائة دينار إلى موضعها الذي أخذتها منه قال شعيب فقضينا
حوائجنا جميعا فقال لي أبو بصير يا شعيب ما حال هذه الدنانير التي ردها عليك أبو
عبد الله قلت أخذتها من عروة أخي سرا منه و هو لا يعلمها فقال لي أبو بصير يا شعيب
أعطاك أبو عبد الله و الله علامة الإمامة ثم قال لي أبو بصير و علي بن أبي حمزة يا
شعيب عد الدنانير فعددتها فإذا هي مائة دينار و لا تزيد دينارا و لا تنقص دينارا .
و عن سماعة بن مهران قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي مبتدئا يا سماعة
ما هذا الذي كان بينك و بين جمالك في الطريق إياك أن تكون فحاشا أو
[190]
صخابا أو لعانا فقلت و الله لقد كان ذلك و ذلك أنه كان يظلمني فقال لئن
كان ظلمك لقد أربيت عليه إن هذا ليس من فعالي و لا آمر به شيعتي ثم قال أبو عبد
الله استغفر ربك يا سماعة مما كان و إياك أن تعود فقلت إني أستغفر الله مما كان و
لا أعود .
و عن أبي بصيرقال : كنت عند أبي عبد الله ذات يوم جالسا إذ قال يا أبا محمد
هل تعرف إمامك قلت إي و الله الذي لا إله إلا هو و أنت هو و وضعت يدي على ركبته أو
فخذه فقال صدقت قد عرفت فاستمسك به قلت أريد أن تعطيني علامة الإمام قال يا أبا
محمد ليس بعد
المعرفة
علامة قلت أزداد إيمانا و يقينا قال يا أبا محمد ترجع إلى الكوفة و قد ولد لك عيسى
و من بعد عيسى محمد و من بعدهما ابنتان و اعلم أن ابنيك مكتوبان عندنا في الصحيفة
الجامعة مع أسماء شيعتنا و أسماء آبائهم و أمهاتهم و أجدادهم و أنسابهم و ما يلدون
إلى يوم القيامة و أخرجها فإذا هي صفراء مدرجة .
و عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله قال لي يا أبا محمد ما فعل أبو حمزة الثمالي قلت خلفته
صالحا قال فإذا رجعت فاقرأه مني السلام و أعلمه أنه يموت في شهر كذا في يوم كذا
قال أبو بصير لقد كان فيه أنس و كان لكم شيعة قال صدقت يا أبا محمد و ما عندنا خير
له قلت شيعتكم معكم قال نعم إذا هو خاف الله و راقب الله و توقى الذنوب كان معنا
في درجتنا قال أبو بصير فرجعنا تلك السنة فما لبث أبو حمزة الثمالي إلا يسيرا حتى
مات .
و عن زيد الشحام قال : قال لي أبو عبد الله يا زيد كم أتى لك سنة قلت كذا و
كذا قال يا أبا أسامة أبشر فأنت معنا و أنت من شيعتنا أ ما ترضى أن تكون معنا قلت
بلى يا سيدي و كيف لي أن أكون معكم فقال يا زيد إن الصراط إلينا و إن الميزان
إلينا و حساب شيعتنا إلينا و الله يا زيد إني أرحم بكم من أنفسكم و الله لكأني
أنظر إليك و إلى الحارث بن المغيرة النضري في الجنة في درجة واحدة .
و عن عبد الحميد بن أبي العلا و كان صديقا لمحمد بن عبد الله بن
الحسين
[191]
و كان به خاصا فأخذه أبو جعفر فحبسه في المضيق
زمانا ثم إنه وافى الموسم فلما كان يوم عرفة لقيه أبو عبد الله في الموقف فقال يا
أبا محمد ما فعل صديقك عبد الحميد فقال أخذه أبو جعفر فحبسه في المضيق زمانا فرفع
أبو عبد الله يده ساعة ثم التفت إلى محمد بن عبد الله فقال يا محمد قد و الله خلى
سبيل صاحبك قال محمد فسألت عبد الحميد أي ساعة أخرجك أبو جعفر قال أخرجني يوم عرفة
بعد العصر .
و عن رزام بن مسلم مولى خالد بن عبد الله القسري قال : إن المنصور قال
لحاجبه إذا دخل علي جعفر بن محمد فاقتله قبل أن يصل إلي فدخل أبو عبد الله فجلس
فأرسل إلى الحاجب فدعاه فنظر إليه و جعفر قاعد عنده قال ثم قال له عد إلى مكانك
قال و أقبل يضرب يده على يده فلما قام أبو عبد الله و خرج دعا حاجبه فقال بأي شيء
أمرتك قال لا و الله ما رأيته حين دخل و لا حين خرج و لا رأيته إلا و هو قاعد عندك .
و عن عبد العزيز
القزازقال : كنت أقول فيهم بالربوبية فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي يا عبد
العزيز ضع لي ماء أتوضأ ففعلت فلما دخل قلت في نفسي هذا الذي قلت فيه ما قلت يتوضأ
فلما خرج قال يا عبد العزيز لا تحمل على البناء فوق ما يطيق فينهدم أنا عبيد
مخلوقون .
و عن جابر عن أبي جعفر و سعيد أبي عمر الجلاب عن أبي عبد الله كلاهما رويا
عنهما معا : أن اسم الله الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا و إنما كان عند آصف منها حرف
واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه و بين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت
الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين و عندنا نحن من الاسم الأعظم اثنان و سبعون حرفا
و حرف عند الله استأثر به في علم الغيب .
و قيل : أراد عبد
الله بن محمد الخروج مع زيد فنهاه أبو عبد الله و عظم عليه فأبى إلا الخروج مع زيد
فقال له لكأني و الله بك بعد زيد و قد خمرت كما يخمر النساء و حملت في هودج و صنع
بك ما يصنع بالنساء فلما كان من أمر زيد ما كان
[192]
جمع
أصحابنا لعبد الله بن محمد دنانير و تكاروا له و أخذوه حتى إذا صاروا به إلى
الصحراء و شيعوه فتبسم فقالوا له ما الذي أضحكك فقال و الله تعجبت من صاحبكم أني
ذكرت و قد نهاني عن الخروج فلم أطعه و أخبرني بهذا الأمر الذي أنا فيه و قال لكأني
بك و قد خمرت كما تخمر النساء فجعلت في هودج فعجبت .
و عن مالك الجهني قال : إني يوما عند أبي عبد الله جالس و أنا أحدث نفسي
بفضل الأئمة من أهل البيت إذ أقبل علي أبو عبد الله (عليه السلام) فقال يا مالك أنتم و الله
شيعتنا حقا لا ترى أنك أفرطت في القول في فضلنا يا مالك إنه ليس يقدر على صفة الله
و كنه قدرته و عظمته و لله المثل الأعلى و كذلك لا يقدر أحد أن يصف حق المؤمن و
يقوم به كما أوجب الله له على أخيه المؤمن يا مالك إن المؤمنين ليلتقيان فيصافح كل
واحد منهما صاحبه فلا يزال الله ينظر إليهما بالمحبة و المغفرة و إن الذنوب لتتحات
عن وجوههما حتى يفترقا فمن يقدر على صفة من هو هكذا عند الله تعالى .
و عن رفاعة بن موسى قال : كنت عند أبي عبد الله ذات يوم جالسا فأقبل أبو
الحسن إلينا فأخذته فوضعته في حجري و قبلت رأسه و ضممته إلي فقال لي أبو عبد الله
يا رفاعة أما إنه سيصير في يد آل العباس و يتخلص منهم ثم يأخذونه ثانية فيعطب في
أيديهم .
عن عائذ الأحمسي
قال : دخلت على أبي عبد الله و أنا أريد أن أسأله عن الصلاة فقلت السلام عليك يا ابن
رسول الله فقال و عليك السلام و الله إنا لولده و ما نحن بذوي قرابته حتى قالها
ثلاثا ثم قال من غير أن أسأله إذا لقيت الله بالصلوات المفروضات لم يسألك عما سوى
ذلك .
و عن أبي حمزة
الثمالي قال : كنت مع أبي عبد الله بين مكة و المدينة إذ التفت عن يساره فرأى كلبا
أسود فقال ما لك قبحك الله ما أشد مسارعتك فإذا هو شبيه الطائر فقال هذا عثم بريد
الجن مات هشام الساعة و هو يطير ينعاه في كل بلد .
و عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : اشتريت من مكة بردة و آليت على نفسي ألا
[193]
تخرج عن ملكي حتى تكون كفني فخرجت فيها إلى عرفة فوقفت
فيها الموقف ثم انصرفت إلى جمع فقمت إليها في وقت الصلاة فرفعتها و طويتها شفقة
مني عليها و قمت لأتوضأ ثم عدت فلم أرها فاغتممت لذلك غما شديدا فلما أصبحت و قمت لأتوضأ أفضت مع الناس إلى
منى فإني و الله لفي مسجد الخيف إذ أتاني رسول أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي يقول لك أبو
عبد الله أقبل إلينا الساعة فقمت مسرعا حتى دخلت إليه و هو في فسطاط فسلمت و جلست
فالتفت إلي أو رفع رأسه إلي فقال يا إبراهيم أ تحب أن نعطيك بردة تكون كفنك قال
قلت و الذي يحلف به إبراهيم لقد ضاعت بردتي قال فنادى غلامه فأتى ببردة فإذا هي و
الله بردتي بعينها و طيي بيدي و الله قال فقال خذها يا إبراهيم و احمد الله .
و عن شعيب
العقرقوفي : أنه بعث معه رجل بألف درهم فقلت إني أريد أن أعرف فضل أبي عبد الله
فأخذت خمسة دراهم ستوقة فجعلتها في الألف درهم و أخذت عوضها خمسة فصيرتها في لبنة
قميصي ثم أتيت أبا عبد الله فأخذها و نثرها و أخذ الخمسة منها و قال هات خمستك و
هات خمستنا .
و عن بكر بن أبي بكر الحضرمي قال : حبس أبو جعفر أبي فخرجت إلى أبي عبد الله
فأعلمته ذلك فقال إني مشغول بابني إسماعيل و لكن سأدعو له قال فمكث أياما بالمدينة
فأرسل إلي أن أرحل فإن الله قد كفاك أمر أبيك فأما إسماعيل فقد أبى الله إلا قبضه
قال فرحلت فأتيت مدينة ابن هبيرة فصادفت أبا جعفر راكبا فصحت إليه أبي أبو بكر
الحضرمي شيخ كبير فقال إن ابنه لا يحفظ لسانه خلوا سبيله .
و عن مرازم قال : قال لي أبو عبد الله و هو بمكة يا مرازم لو سمعت رجلا
يسبني ما كنت صانعا قال : قلت كنت أقتله قال يا مرازم إن سمعت من يسبني فلا تصنع به
شيئا قال فخرجت من مكة عند الزوال في يوم حار فألجأني الحر أن
[194]
صرت إلى بعض القباب و فيها قوم فنزلت معهم فسمعت بعضهم يسب أبا عبد الله فذكرت
قوله فلم أقل شيئا و لو لا ذلك لقتلته .
قال أبو بصير : كان
لي جار يتبع السلطان فأصاب مالا فاتخذ قيانا و كان يجمع الجموع و يشرب المسكر و
يؤذيني فشكوته إلى نفسه غير مرة فلم ينته فلما ألححت عليه قال يا هذا أنا رجل مبتلى و أنت رجل
معافى فلو عرفتني لصاحبك رجوت أن يستنقذني الله بك فوقع ذلك في قلبي فلما صرت إلى
أبي عبد الله ذكرت له حاله فقال لي إذا رجعت إلى الكوفة فإنه سيأتيك فقل له يقول
لك جعفر بن محمد دع ما أنت عليه و أضمن لك على الله الجنة قال فلما رجعت إلى
الكوفة أتاني فيمن أتى فاحتبسته حتى خلا منزلي فقلت يا هذا إني ذكرتك لأبي عبد
الله فقال أقرئه السلام و قل له يترك ما هو عليه و أضمن له على الله الجنة فبكى ثم
قال الله أ قال لك جعفر هذا قال فحلفت له إنه قال لي ما قلت لك فقال لي حسبك و مضى
فلما كان بعد أيام بعث إلي و دعاني فإذا هو خلف باب داره عريان فقال لي يا أبا
بصير ما بقي في منزلي شيء إلا و قد أخرجته و أنا كما ترى فمشيت إلى إخواننا فجمعت
له ما كسوته به ثم لم يأت عليه إلا أيام يسيرة حتى بعث إلي أني عليل فأتني فجعلت
أختلف إليه و أعالجه حتى نزل به الموت فكنت عنده جالسا و هو يجود بنفسه ثم غشي
عليه غشية ثم أفاق فقال يا أبا بصير قد وفى صاحبك لنا ثم مات فحججت فأتيت أبا عبد
الله (عليه السلام) فاستأذنت عليه فلما دخلت قال لي ابتداء من داخل البيت و إحدى رجلي في الصحن
و أخرى في دهليز داره يا أبا بصير قد وفينا لصاحبك .
و عن عمر بن يزيد قال : اشتكى أبو عبد الله شكاة شديدة خفت عليه قلت في نفسي
أسأله عن الإمام بعده قال لي مبتدئا ليس علي من وجعي هذا بأس .
و عنه قال : دخلت على أبي عبد الله و هو متكئ على فراشه و وجهه إلى الحائط و
ظهره إلى الباب فقال من هذا فقلت عمر بن يزيد فقال غمز رجلي
[195]
فقلت في نفسي أسأله عن الإمام بعده أ عبد الله أم موسى فرفع رأسه إلي و قال إذا
و الله لا أجيبك .
و عن هشام بن أحمر
قال : كتب أبو عبد الله رقعة في حوائج لأشتريها و كتب إذا قرأت الرقعة خرقها فاشتريت
الحوائج و أخذت الرقعة فأدخلتها في زنفيلجتي و قلت أتبرك بها قال و قدمت عليه فقال
يا هشام اشتريت الحوائج قلت نعم قال و خرقت الرقعة قلت أدخلتها زنفيلجتي و أقفلت
عليها الباب أطلب البركة و هو ذا المفتاح في تكتي قال فرفع جانب مصلاه و طرحها إلي
و قال خرقها فخرقتها و رجعت ففتشت الزنفيلجة فلم أجد فيها شيئا .
و عن عبد الله بن أبي ليلى قال : كنت بالربذة مع المنصور و كان قد وجه إلى
أبي عبد الله فأتي به و بعث إلى المنصور فدعاني فلما انتهيت إلى الباب سمعته يقول
عجلوا علي به قتلني الله إن لم أقتله سقى الله الأرض من دمي إن لم أسق الأرض من
دمه فسألت الحاجب من يعني قال جعفر بن محمد فإذا هو قد أتي به مع عدة جلاوزة فلما
انتهى إلى الباب قبل أن يرفع الستر رأيته قد تململت شفتاه عند رفع الستر فدخل فلما
نظر إليه المنصور قال مرحبا يا ابن عم مرحبا يا ابن رسول الله فما زال يرفعه حتى
أجلسه على وسادته ثم دعا بالطعام فرفعت رأسي و أقبلت أنظر عليه و يلقنه جدبا باردا
و قضى حوائجه و أمره بالانصراف فلما خرج قلت له قد عرفت موالاتي لك و ما قد ابتليت
به في دخولي عليهم و قد سمعت كلام الرجل و ما كان يقول فلما صرت إلى الباب رأيتك
قد تململت شفتاك و ما أشك أنه شيء قلته و رأيت ما صنع بك فإن رأيت أن تعلمني ذلك
فأقوله إذا دخلت عليه قال نعم قلت ما شاء الله ما شاء الله لا يأتي بالخير إلا
الله ما شاء الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما شاء الله كل
نعمة فمن الله
[196]
ما شاء الله ما شاء الله لا حول و لا قوة
إلا بالله .
و عن المفضل بن عمر قال : كنا جماعة على باب أبي عبد الله (عليه السلام) فتكلمنا في
الربوبية فخرج إلينا أبو عبد الله بلا حذاء و لا رداء و هو ينتفض و هو يقول لا يا
خالد لا يا مفضل لا يا سليمان لا يا نجم بل عبيد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم
بأمره يعملون فقلت لا و الله لا قلت فيك بعد اليوم إلا ما قلت في نفسك .
و عن صفوان الجمال قال : كنت عند أبي عبد الله بالحيرة إذ أقبل الربيع فقال أجب أمير المؤمنين فلم يلبث
أن عاد فقلت دعاك فأسرعت الانصراف فقال إنه سألني عن شيء فالق الربيع فاسأله عنه
كيف صار الأمر الذي سألني عنه قال صفوان و كان بيني و بين الربيع لطيف فخرجت فأتيت
الربيع فسألته عما دعا المنصور أبا عبد الله لأجله فقال الربيع أخبرك بالعجب إن
الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البدو خلقا ملقى فأتوني به فأدخلته على
المنصور لأعجبه منه فوضعته بين يديه فلما رآه قال نحه و ادع لي جعفر بن محمد فدعوته
فقال يا أبا عبد الله أخبرني عن الهواء ما فيه فقال في الهواء موج مكفوف فقال فيه
سكان قال نعم قال و ما سكانه قال خلق أبدانهم خلق الحيتان رءوسهم رءوس الطير و لهم
أعراف كأعراف الديكة و نغانغ كنغانغ الديكة و أجنحة كأجنحة الطير في ألوان أشد
بياضا من الفضة المجلوة فقال المنصور هلم الطست قال فجئت بها و فيها ذلك الخلق
فإذا هو و الله كما وصف جعفر بن محمد فلما نظر إليه جعفر قال هذا هو الخلق الذي
يسكن الموج المكفوف فأذن له بالانصراف فلما خرج قال ويلك يا ربيع هذا الشجا
المعترض في حلقي من أعلم الناس .
و عن عبد الأعلى و عبيد بن بشير قالا : قال أبو عبد الله ابتداء منه و الله
إني لأعلم ما في السماوات و ما في الأرض و ما في الجنة و ما في النار و ما كان و
ما يكون إلى
[197]
أن تقوم الساعة ثم سكت ثم قال أعلمه من كتاب
الله أنظر إليه هكذا ثم بسط كفه و قال إن الله يقول فيه تبيان كل شيء .
و عن إسماعيل بن
جابر عن أبي عبد الله : أن الله بعث محمدا نبيا فلا نبي بعده أنزل عليه الكتاب فختم
به الكتب فلا كتاب بعده أحل فيه حلاله و حرم فيه حرامه فحلاله حلال إلى يوم
القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة فيه نبأ ما قبلكم و خبر ما بعدكم و فصل ما
بينكم ثم أومأ بيده إلى صدره و قال نحن نعلمه .
و عن يونس بن أبي يعفور عن أخيه عبد الله عن أبي عبد الله قال : مروان خاتم
بني مروان و إن خرج محمد بن عبد الله قتل .
و عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله إن لنا أموالا و نحن نعامل الناس و أخاف إن حدث حدث أن
تتفرق أموالنا فقال له اجمع مالك في شهر ربيع الأول قال علي بن إسماعيل فمات إسحاق
في شهر ربيع .
و عن إسحاق بن عمار
الصيرفي قال : دخلت على أبي عبد الله و كنت تركت التسليم على أصحابنا في مسجد الكوفة
و ذلك لتقية علينا فيها شديدة فقال لي أبو عبد الله يا إسحاق متى أحدثت هذا الجفاء
لإخوانك تمر بهم فلا تسلم عليهم فقلت له ذلك لتقية كنت فيها فقال ليس عليك في
التقية ترك السلام و إنما عليك في التقية الإذاعة إن المؤمن ليمر بالمؤمنين فيسلم
عليهم فترد الملائكة سلام عليك و رحمة الله و بركاته أبدا .
عن مالك الجهني قال : كنا بالمدينة حين أجلبت الشيعة و صاروا فرقا فتنحينا
عن المدينة ناحية ثم خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم و ما قالت الشيعة إلى أن خطر
ببالنا الربوبية فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي عبد الله واقف على حمار فلم ندر من
أين جاء فقال يا مالك و يا خالد متى أحدثتما الكلام في الربوبية فقلنا ما خطر
ببالنا إلا الساعة فقال اعلما أن لنا ربا يكلئنا بالليل و النهار نعبده يا مالك و
يا خالد قولوا فينا ما شئتم و اجعلونا مخلوقين فكررها علينا مرارا و هو واقف على حماره .
[198]
قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته جامع هذا الكتاب أثابه الله : في
هذا الكلام و أمثاله من أقوال الغلاة و إن كانت باطلة دلالة على علو شأن الأئمة (عليه السلام) و إتيانهم بالخوارق للعادات و إخبارهم بالأمور المغيبات و تفننهم في إبراز
الكرامات و المعجزات فإنهم يرونها منهم مشاهدة و عيانا مرة بعد أخرى و يصادف ذلك أذهانهم و فيها قصور في النظر و ضعف في
التمييز فيعتقدون هذا الاعتقاد الفاسد المذموم نعوذ بالله تعالى كما جرى للنصارى
فإنهم نظروا إلى المسيح عليه أفضل الصلاة و السلام و ما يجيء به من الخوارق
كإحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص و إطعام الجمع الكثير الطعام القليل و غير
ذلك من معجزاته (عليه السلام) فاعتقدوه ربا و اتخذوه إلها تعالى الله و تقدس فنظروا جانبا و
أهملوا النظر في جانب لضعف تمييزهم فإنهم لو فكروا في أنه ولد من امرأة و أنه كان
صغيرا فتنقل في أطوار الخلقة و أنه كان يأكل و يشرب و يبول و يغوط و ينام و يسهر و
يصح و يسقم و يخاف و يحذر و أنه صلب على زعمهم و أنه كان يصلي و يصوم و يجتهد في
العبادة و الخضوع لعلموا أن هذه الصفات منافية لصفات الملك فضلا عن الله رب
العالمين الذي لا تأخذه سنة و لا نوم الذي يطعم و لا يطعم تعالى الله عما يقول الظالمون
و الجاحدون علوا كبيرا و المعبود كيف يعبد و الموجود كيف يجحد و لنفي هذا الاحتمال
قال الله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لئلا تحملهم ما يرونه من
معجزاته و آياته على مثل ما يتخيله النصارى نعوذ بالله تعالى و نسأله العصمة و حسن
الخاتمة بمنه و رحمته .
و عن أبي حمزة قال : دخلت على أبي عبد الله و هو متخل فدخلت فقعدت في جانب
البيت فقال لي إن نفسك لتحدثك بشيء و تقول لك إنك مفرط في حبنا أهل البيت و ليس
هو كما تقول إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فيقبل الله عليهما بوجهه و تتحات الذنوب
عنهما حتى يفترقا .
و عن أبي بكر
الحضرمي قال : ذكرنا أمر زيد و خروجه عند أبي عبد الله
[199]
فقال
عمي مقتول إن خرج قتل فقروا في بيوتكم فو الله ما عليكم بأس فقال رجل من القوم إن
شاء الله .
و عن داود بن أعين
قال : تفكرت في قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ قلت خلقوا للعبادة و يعصون و يعبدون غيره و الله لأسألن جعفرا عن
هذه الآية فأتيت الباب فجلست أريد الدخول عليه إذ رفع صوته فقرأ وَ ما خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ثم قرأ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ
يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فعرفت أنها منسوخة .
عن عمار السجستاني عن أبي عبد الله قال : كنت أجيء فأستأذن عليه فجئت ذات
ليلة فجلست في فسطاطه بمنى فاستؤذن لشباب كأنهم رجال زط و خرج علي عيسى شلقان
فذكرني له فأذن لي فقال يا عمار متى جئت قلت قبل أولئك الشباب الذين دخلوا عليك و
ما رأيتهم خرجوا قال أولئك قوم من الجن سألوا عن مسائل ثم ذهبوا .
هذا آخر ما أردت إثباته من كتاب الدلائل للحميري.
قال الراوندي :
الباب السابع في معجزات جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
روي عن المفضل بن
عمر قال : كنت أمشي مع أبي عبد الله بمكة أو بمنى إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة
ميتة و هي مع صبية لها يبكون فقال ما شأنك قالت كنت و صبياني نعيش من لبن هذه
البقرة و قد ماتت فتحيرت في أمري قال أ فتحبين أن يحييها الله لك فقالت أ و تسخر
مني مع مصيبتي قال كلا ما أردت ذلك ثم دعا بدعاء و ركضها برجله و صاح بها فقامت
البقرة مسرعة سوية فقالت عيسى ابن مريم و رب الكعبة فدخل الصادق (عليه السلام) بين جمع من
الناس فلم تعرفه المرأة .
قال علي بن أبي حمزة : حججت مع الصادق (عليه السلام) فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة
يابسة فحرك شفتيه بدعاء لم أفهمه ثم قال يا نخلة أطعمينا مما جعل الله فيك من رزق
عباده فنظرت إلى النخلة و قد تمايلت نحو الصادق و عليها أعذاقها و فيها الرطب فقال
ادن و سم و كل فأكلنا منها رطبا أعذب رطب
[200]
و أطيبه و إذا
نحن بأعرابي يقول ما رأيت كاليوم أعظم سحرا من هذا فقال الصادق نحن ورثة الأنبياء
ليس فينا ساحر و لا كاهن بل ندعو الله فيجيب و إن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلبا
فتهتدي إلى منزلك فتدخل عليهم فتبصبص لأهلك فعلت قال الأعرابي بجهله نعم فدعا الله
فصار كلبا في الوقت و مضى على وجهه فقال لي الصادق اتبعه فاتبعته حتى صار إلى حيه
فدخل إلى منزله فجعل يبصبص لأهله و ولده فأخذوا له العصا حتى أخرجوه فانصرفت إلى
الصادق فأخبرته بما كان فبينا نحن في هذا الحديث إذ أقبل حتى وقف بين يدي الصادق و
جعلت دموعه تسيل و أقبل يتمرغ في التراب و يعوي فرحمه فدعا له فصار أعرابيا فقال
له الصادق هل آمنت يا أعرابي قال نعم ألفا و ألفا .
و منها ما روي عن يونس بن ظبيان قال : كنت عند الصادق (عليه السلام) مع جماعة قلت قول الله لإبراهيم فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أ كانت أربعة من أجناس مختلفة أو
من جنس واحد قال أ تحبون أن أريكم مثله قلت نعم قال يا طاوس فإذا طاوس طار إلى
حضرته فقال يا غراب فإذا غراب بين يديه ثم قال يا بازي فإذا باز بين يديه ثم قال
يا حمامة فإذا حمامة بين يديه ثم أمر بذبحها كلها و تقطيعها و نتف ريشها و أن يخلط
ذلك كله بعضه ببعض ثم أخذ برأس الطاوس فقال يا طاوس فرأينا لحمه و عظامه و ريشه
يتميز من غيره حتى التزق ذلك برأسه و قام الطاوس بين يديه حيا ثم صاح بالغراب فقام
حيا و بالبازي و الحمامة فقامتا كذلك حتى قامت كلها أحياء بين يديه .
و منها ما روى هشام بن الحكم : أن رجلا من أهل الجبل أتى أبا عبد الله و معه
عشرة آلاف درهم و قال اشتر لي بها دارا أنزلها إذا قدمت و عيالي بعدي ثم مضى إلى
مكة فلما حج و انصرف أنزله الصادق إلى داره و قال اشتريت لك دارا في الفردوس
الأعلى حدها الأول إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الثاني إلى علي و الثالث إلى الحسن و الرابع
إلى الحسين و كتبت الصك به فلما سمع الرجل ذلك قال رضيت
[201]
ففرق الصادق تلك الدنانير على أولاد الحسن و الحسين و انصرف الرجل فلما وصل إلى
منزله اعتل علة الموت فلما حضرته الوفاة جمع أهل بيته و حلفهم أن يجعلوا الصك معه
في قبره ففعلوا ذلك فلما أصبحوا و غدوا إلى قبره وجدوا الصك على ظهر القبر و على
ظهره وفى لي ولي الله جعفر بن محمد بما وعدني .
و منها : أن حماد بن عيسى سأل الصادق أن يدعو له ليرزقه الله ما يحج به
كثيرا و يرزقه ضياعا حسنة و دارا حسنة و زوجة حسنة من أهل البيوتات و أولادا
أبرارا فقال (عليه السلام) اللهم ارزق حماد بن عيسى ما يحج به خمسين حجة و ارزقه ضياعا حسنة و
دارا حسناء و زوجة صالحة من قوم كرام و أولادا أبرارا قال بعض من حضره دخلت بعض
السنين على حماد بن عيسى في داره بالبصرة فقال أ تذكر دعاء الصادق لي قلت نعم قال
هذا داري و ليس في البلد مثلها و ضياعي أحسن الضياع و زوجتي أخذتها من قوم كرام و
أولادي من تعرفهم و قد حججت ثمانيا و أربعين حجة قال فحج حجتين بعد ذلك فلما خرج
في الحجة الحادية و الخمسين و وصل إلى الجحفة و أراد أن يحرم دخل واديا ليغتسل
فأخذه السيل و مر به فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميتا فسمي حماد غريق الجحفة .
هذا آخر ما أردت نقله من كتاب الراوندي.
قال الشيخ جمال الدين أبو
الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه صفة الصفوة : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين يكنى أبا عبد الله أمه أم
فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم و كان مشغولا بالعبادة عن حب الرئاسة .
و عن عمرو بن أبي
المقدام قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين .
و روى حديث سفيان
الثوري حين قال له : إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها و دوامها فأكثر من
الحمد و الشكر إلى آخره و قد تقدم .
و عن سفيان أيضا : و
قد قال له أنت رجل يطلبك السلطان إلى آخره و قد تقدم .
و عنه : لا يتم
المعروف إلا بثلاثة بتعجيله و تصغيره و ستره .
[202]
و عن الهياج بن بسطام قال : كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء و
سئل لم حرم الله الربا قال لئلا يتمانع الناس بالمعروف .
و روى وصيته لابنه موسى (عليه السلام) و كل هذه أوردتها فيما مضى من الأخبار و
إنما أعيدها في بعض الأوقات ليعلم من ينكرها أو يشك فيها أنها قد وردت من طرق
متعددة و روى حديث المنصور و الذباب .
و عن الحسن بن سعيد
اللخمي عن جعفر بن محمد قال : من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة.
و قال (عليه السلام) : أصل الرجل
عقله و حسبه دينه و كرمه تقواه و الناس في آدم مستوون .
و روى حديث سفيان و
قول
الصادق (عليه السلام) له عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها إلى آخره و ما أحسن قوله (عليه السلام) في
آخر الحديث : و السعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها .
و روى حديث المنصور حين أمر الربيع بإحضاره (عليه السلام) متعبا .
و روى حديث
الليث بن سعد و العنب و البردين و قد تقدم ذكره.
قال : أسند جعفر بن محمد عن أبيه و
عن عطاء بن أبي رباح و عكرمة في آخرين .
و روى عنه من التابعين جماعة منهم : أيوب
السختياني و من الأئمة مالك و الثوري و شعبة في آخرين و توفي بالمدينة سنة ثمان و
أربعين و مائة .
و قال الآبي سئل
جعفر بن محمد (عليه السلام) : لم صار الناس يكلبون في أيام الغلاء على الطعام و يزيد جوعهم على
العادة في الرخص قال لأنهم بنو الأرض فإذا قحطت قحطوا و إذا أخصبت أخصبوا .
و شكا إليه رجل جاره فقال اصبر عليه فقال ينسبني الناس إلى الذل فقال إنما
الذليل من ظلم .
و قال : أربعة أشياء
القليل منها كثير النار و العداوة و الفقر و المرض .
[203]
و قال و قد سئل لم سمى البيت العتيق فقال لأن الله أعتقه من الطوفان .
و قال له أبو جعفر
المنصور إني قد عزمت على أن أخرب المدينة و لا أدع بها نافخ ضرمة فقال : يا أمير
المؤمنين لا أجد بدا من النصاحة لك فاقبلها إن شئت أو لا قال قل قال إنه قد مضى لك ثلاثة
أسلاف أيوب ابتلي فصبر و سليمان أعطي فشكر و يوسف قدر فغفر فاقتد بأيهم شئت قال قد
عفوت .
قلت قد تقدم هذا بغير ذكر المدينة.
و قال (عليه السلام) : و قد قيل
بحضرته جاور ملكا أو بحرا فقال هذا كلام محال و الصواب لا تجاور ملكا و لا بحرا
لأن الملك يؤذيك و البحر لا يرويك .
و سئل عن فضيلة
لأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يشركه فيها غيره قال : فضل الأقربين بالسبق و سبق الأبعدين
بالقرابة .
و عنه (عليه السلام) قال : بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تيجان العرب و قال صحبة عشرين يوما قرابة .
وقف أهل مكة و أهل
المدينة بباب المنصور فأذن الربيع لأهل مكة قبل أهل المدينة فقال جعفر (عليه السلام) أ تأذن
لأهل مكة قبل أهل المدينة فقال الربيع مكة العش فقال جعفر عش و الله طار خياره و
بقي شراره .
و قيل له إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ صارت الخلافة إليه إلا الخشن و
لا يأكل إلا الجشب فقال يا ويحه مع ما قد مكن الله له من السلطان و جبي إليه من
الأموال فقيل له إنما يفعل ذلك بخلا و جمعا للأموال فقال الحمد لله الذي حرمه من
دنياه ما له ترك دينه .
و لما قال الحكم بن عباس الكلبي :
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة *** و لم أر مهديا على الجذع يصلب
و قستم بعثمان عليا سفاهة و *** عثمان خير من علي و أطيب
فبلغ قوله أبا عبد الله ; فرفع يديه إلى السماء و هما ترعشان , فقال
: اللهم إن
[204]
كان عبدك كاذبا فسلط عليه كلبك .
فبعثه بنو أمية
إلى الكوفة فافترسه الأسد ; و اتصل خبره بالصادق (عليه السلام) , فخر ساجدا و قال ; الحمد لله الذي
أنجزنا ما وعدنا .
قلت هذا الحكم أبعده الله جار في حكمه و نادى على نفسه بكذبه و ظلمه
و الأمر بخلاف ما قال على رغمه و بيان ذلك أن زيدا رضي الله عنه لم يكن مهديا و لو
كان لم يكن ذلك مانعا من صلبه فإن الأنبياء (عليهم السلام) قد نيل منهم أمور عظيمة و كفى أمر
يحيى و زكريا (عليه السلام) و في قتلات جرجيس (عليه السلام) المتعددة كفاية و قتل الأنبياء و الأوصياء و صلبهم و إحراقهم إنما يكون طعنا فيهم
لو كان من قبل الله تعالى فأما إذا كان من الناس فلا بأس فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شج جبينه و كسرت
رباعيته و مات بأكلة خيبر مسموما فليكن ذلك قدحا في نبوته (عليه السلام) و أما قوله :
و قستم بعثمان عليا ... *** .. ... ... .
فهذا كذب بحت و زور صريح فإنا لم نقسه به ساعة قط و أما قوله :
... ... ... ... *** و عثمان خير من علي و أطيب
فإنا لا نزاحمه في اعتقاده و يكفيه ذلك ذخيرة لمعاده فهو أدري بما
اختاره من مذهبه و قد جنى معجلا ثمرة كذبه و الله يتولى مجازاته يوم منقلبه .
فدام لي و لهم ما بي و ما بهم *** و مات أكثرنا غيظا بما يجد
و إذا كان القتل و الصلب و أمثالهما عنده موجبا للنقيصة و قادحا في
الإمامة فكيف اختار عثمان و قال بإمامته و قد كان من قتله ما كان و بالله المستعان
على أمثال هذه الهذيان فقد ظهر لك أيدك الله ميل الحكم و بعده من الرشد حين حكم و
تعديه الحق في النظم الذي نظم فليته كالصغاني حين وصل إلى بكم .
و قال لأبي ولاد
الكاهلي : أ رأيت عمي زيدا ?
قال نعم رأيته مصلوبا و رأيت الناس بين شامت خنق و بين
محزون محترق فقال أما الباكي فمعه في الجنة و أما الشامت فشريك في دمه .
و قال : إذا أقبلت
الدنيا على امرئ أعطته محاسن غيره و إذا أعرضت عنه سلبته محاسن نفسه .
[205]
و مر به رجل و هو يتغدى فلم يسلم فدعاه إلى الطعام فقيل له السنة أن يسلم ثم
يدعى و قد ترك السلام على عمد فقال هذا فقه عراقي فيه بخل .
و قال : القرآن ظاهره
أنيق و باطنه عميق .
و قال : من أنصف من
نفسه رضي حكما لغيره .
و قال : أكرموا الخبز
فإن الله أنزل له كرامة قيل له و ما كرامته قال أن لا يقطع و لا يوطأ و إذا حضر لم
ينتظر به سواه .
و قال : حفظ الرجل
أخاه بعد وفاته في تركته كرم .
و قال : ما من شيء
أسر إلي من يد أتبعتها الأخرى لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل .
و قال (عليه السلام) : إني لأملق
أحيانا فأتاجر الله بالصدقة .
و قال : لا يزال العز
قلقا حتى يأتي دارا قد استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها .
و قال : إذا دخلت على
أخيك منزله فاقبل الكرامة كلها ما خلا الجلوس في الصدر .
و قال : كفارة عمل
السلطان الإحسان إلى الإخوان .
و اشتكى مرة فقال
: اللهم اجعله أدبا لا غضبا .
و قال (عليه السلام) : البنات
حسنات و البنون نعم و الحسنات يثاب عليها و النعم مسئول عنها .
و قال : إياك و سقطة
الاسترسال فإنها لا تستقال .
و قيل له ما طعم
الماء فقال : طعم الحياة .
و قال (عليه السلام) : من لم
يستحي من العيب و يرعوي عند الشيب و يخشى الله بظهر الغيب فلا خير فيه .
[206]
و قال : إن خير العباد من يجتمع فيه خمس خصال إذا
حسن استبشر و إذا أساء استغفر و إذا أعطي شكر و إذا ابتلي صبر و إذا ظلم غفر .
و قال : و إياكم و
ملاحاة الشعراء فإنهم يضنون بالمدح و يجودون بالهجاء .
و قال : إني لأسارع
إلى حاجة عدوى خوفا أن أرده فيستغني عني .
و كان يقول : اللهم
إنك بما أنت له أهل من العفو أولى مني بما أنا له أهل من العقوبة .
و قال : من أكرمك
فأكرمه و من استخف بك فأكرم نفسك عنه .
و أتاه أعرابي و
قيل بل أتى أباه الباقر (عليه السلام) فقال : أ رأيت الله حين عبدته ?
فقال : ما كنت لأعبد شيئا لم
أره .
قال : كيف رأيته ?
قال : لم تره الأبصار بمشاهدة العيان و لكن رأته القلوب بحقائق
الإيمان لا يدرك بالحواس و لا يقاس بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات هو الله
الذي لا إله إلا هو فقال الأعرابي الله أعلم حيث يجعل رسالاته .
و قال : يهلك الله
ستا بست الأمراء بالجور و العرب بالعصبية و الدهاقين بالكبر و التجار بالخيانة و
أهل الرستاق بالجهل و الفقهاء بالحسد .
و قال : منع الجود
سوء الظن بالمعبود .
و قال : صلة الأرحام
منسأة في الأعمار و حسن الجوار عمارة للديار و صدقة السر مثراة للمال و قال له أبو
جعفر يا با عبد الله أ لا تعذرني من عبد الله بن حسن و ولده يبثون الدعاة و يريدون
الفتنة قال قد عرفت الأمر بيني و بينهم فإن أقنعتك مني آية من كتاب الله تلوتها
عليك قال هات قال لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا
لا يَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا
يُنْصَرُونَ قال كفاني و قبل بين عينيه .
و قال : لرجل أحدث سفرا يحدث الله لك رزقا و ألزم ما عودت منه الخير .
[207]
و قال دعا الله الناس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا و في الآخرة بأعمالهم
ليجازوا فقال يا أيها الذين آمنوا يا أيها الذين كفروا و قال من أيقظ فتنة فهو
أكلها .
و قال : إن عيال المرء أسراؤه فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على أسرائه
فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة .
و كان يقول : السريرة
إذا صلحت قويت العلانية .
و قال : ما يصنع
العبد أن يظهر حسنا و يسر شيئا أ ليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ليس كذلك و الله عز و
جل يقول بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ .
و قال له أبو حنيفة
يا با عبد الله ما أصبرك على الصلاة ?
فقال : ويحك يا نعمان أ ما علمت أن الصلاة قربان
كل تقي و أن الحج جهاد كل ضعيف و لكل شيء زكاة و زكاة البدن الصيام و أفضل
الأعمال انتظار الفرج من الله و الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر فاحفظ هذه الكلمات
يا نعمان استنزلوا الرزق بالصدقة و حصنوا المال بالزكاة و ما عال امرؤ اقتصد و
التقدير نصف العيش و التودد نصف العقل و الهم نصف الهرم و قلة العيال أحد اليسارين
و من أحزن والديه فقد عقهما و من ضرب يده على فخذه عند المصيبة فقد حبط أجره و
الصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين و الله ينزل الرزق على قدر المئونة و
ينزل الصبر على قدر المصيبة و من أيقن بالخلف جاد بالعطية و لو أراد الله بالنملة
خيرا لما أنبت لها جناحا .
زاد ابن حمدون في روايته و من قدر معيشته رزقه الله و من بذر معيشته حرمه
الله و لم يورد و لو أراد الله بالنملة خيرا و قد تقدم عن الأصمعي نحوا من هذه
الألفاظ .
و قيل له (عليه السلام) ما بلغ
بك من حبك ابنك موسى قال وددت أن ليس لي ولد غيره حتى لا يشركه في حبي له أحد .
و قال : ثلاثة أقسم
بالله أنها الحق ما نقص مال من صدقة و لا زكاة و لا ظلم أحد بظلامة فقدر أن يكافئ
بها فكظمها إلا أبدله الله مكانها عزا و لا فتح عبد على نفسه
[208]
باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر .
و قال : ثلاثة لا يزيد الله بها المرء المسلم إلا عزا الصفح عمن ظلمه و
الإعطاء لمن حرمه و الصلة لمن قطعه .
و قال : من اليقين أن
لا ترضى الناس بما يسخط الله و لا تذمهم على ما لم يؤتك الله و لا تحمدهم على رزق
الله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص و لا يصرفه كره كاره و لو أن أحدكم فر من رزقه
كما يفر من الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت .
و قال : مروءة الرجل
في نفسه نسب لعقبه و قبيلته .
و قال : من صدق لسانه
زكى عمله و من حسنت نيته زيد في رزقه و من حسن بره في أهل بيته زيد في عمره .
و قال : خذ من حسن
الظن بطرف تروح به قلبك و يرخ به أمرك .
و قال : المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق و إذا رضي لم يدخله رضاه في
باطل و الذي إذا قدر لم يأخذ أكثر مما له .
و من تذكرة ابن
حمدون قال الصادق (عليه السلام) : تأخير التوبة اغترار و طول التسويف حيرة و الاعتلال على الله
عز و جل هلكة و الإصرار أمن و لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
و قال : و ما كل من
أراد شيئا قدر عليه و لا كل من قدر على شيء وفق له و لا كل من وفق له أصاب له
موضعا فإذا اجتمع النية و القدرة و التوفيق و الإصابة فهناك تجب السعادة .
و قال : صلة الرحم
تهون الحساب يوم القيامة قال الله تعالى وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ
بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ .
و قال ابن حمدون : كتب المنصور إلى جعفر بن محمد لم لا تغشانا كما يغشانا
سائر الناس ?
فأجابه : ليس لنا ما نخافك من أجله و لا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له
و لا أنت في نعمة فنهنيك و لا تراها نقمة فنعزيك بها فما نصنع عندك ?
قال فكتب إليه
[209]
تصحبنا لتنصحنا ?
فأجابه (عليه السلام) : من أراد الدنيا لا ينصحك و من
أراد الآخرة لا يصحبك .
فقال المنصور : و الله لقد ميز عندي منازل الناس من يريد
الدنيا ممن يريد الآخرة و أنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا .
قال : أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته عبد الله علي بن عيسى عفا الله
عنه مناقب الصادق (عليه السلام) فاضلة و صفاته في الشرف كاملة و مننه لأوليائه شاملة و
بأغراضهم الأخروية كافلة و غرر شرفه و فضله على جبهات الأيام سائلة و الجنة
لمواليه و محبيه حاصلة و أندية المجد و العز بمفاخره و مآثره آهلة صاحب الإمرة و
الزعامة مركز دائرة الرسالة و الإمامة له إلى جهة الآباء محمد المصطفى و إلى جهة
الأبناء المهدي و كفى به خلفا فذاك موضح المحجة و هذا الخلف الحجة و حسبك به شرفا
فهو الواسطة بين المحمدين العالم بأسرار النشأتين المنعوت بالكريم الطرفين جرى على
سنن آبائه الكرام و أخذ بهداهم عليه و عليهم السلام و وقف نفسه الشريفة على
العبادة و حبسها على الطاعة و الزهادة و اشتغل بأوراده و تهجده و صلاته و تعبده لو
طاوله الفلك لتزحزح عن مكانه و عاقه شيء عن دورانه و لو جاراه البحر لنطقت بقصوره
ألسنة حيتانه و لو فاخره الملك لأذعن لعلو شأنه و سمو مكانه ابن سيد ولد آدم و ابن
سيد العرب الماجد الذي يملأ الدلو إلى عقد الكرب الجواد الذي صابت راحتاه بالنضار
و الغرب السيد بن السادة الأطهار الإمام أبو الأئمة الأخيار الخليفة و كلهم خلفاء
أبرار كشاف أسرار العلوم الهادي إلى معرفة الحي القيوم صاحب المقام و المقال فارس
الجلاد و الجدال الفارق بين الحلال و الحرام المتصدق حتى بقوت العيال السابق في
حلبات الفضل و الإفضال الجاري على منهاج إله فنعم الجاري و نعم الآل الكاشف لحقائق
التنزيل الواقف على دقائق التأويل العارف لله تعالى بالبرهان و الدليل الصائم في
النهار الشامس القائم في الليل الطويل بحر الحكم و مصباح الظلم الأشهر من نار على
علم البالغ الغاية في كرم الأخلاق و الشيم الناظر إلى الغيب من وراء ستر المخاطب
في باطنه بما كان من سر الملقى في روعة ما تجدد من أمر وارث آبائه الكرام و مورث
أبنائه عليهم أفضل السلام سلسلة
[210]
ذهب و لا كرامة للذهب و
سبب و نسب متصلان فنعم السبب و النسب إليهم الحوض و الشفاعة و لهم منا السمع و
الطاعة بموالاتهم نرجو النجاة في العقبى و هم أحد السببين و أولو القربى الأجواد
الأمجاد الأنجاد الأئمة الأبدال الأوتاد زندهم في الشرف وار و صيتهم في المجد سار
و ليس لهم في فضائلهم ممار إلا من كان في الآخرة على شفا جرف هار فالله بكرمه
يبلغهم عنا أفضل الصلاة و التسليم و إياه سبحانه نحمد على أن هدانا من موالاتهم
إلى النهج القويم و الصراط المستقيم أنه جواد كريم.
و قد مدحت مولانا الصادق (عليه السلام) و
مدائحه مذكورة بلسان عدوه و وليه و مربية على قطر السحاب و وسميه و وبليه بشعر
يقصر عن مداه و لا ينهض بأدنى ما يجب من وصف علاه فما قدر نظمي و نثري و مبلغ
كلامي و شعري عند من تعجز الفصحاء عن عد مفاخره و حد مآثره و لكني أتبع العادة على
كل تقدير و لي ثواب النية و على عهده التقصير و الله نعم المولى و نعم النصير .
مناقب الصادق مشهورة *** ينقلها عن صادق صادق
سما إلى نيل العلى وادعا *** و كل عن إدراكه اللاحق
جرى إلى المجد كآبائه *** كما جرى في الحلبة السابق
و فاق أهل الأرض في عصره *** و هو على حالاته فائق
سماؤه بالجود هطالة و *** سيبة هامى الحيا دافق
و كل ذي فضل بإفضاله *** و فضله معترف ناطق
له مكان في العلى شامخ *** و طود مجد صاعد شاهق
من دوحة العز التي فرعها *** سام على أوج السها سامق
[211]
نائله صوب حيا مسبل *** و بشره في صوبه بارق
صواب رأي إن عدا جاهل *** و صوب غيث إن عرا طارق
كأنما طلعته ما بدا *** لناظريه القمر الشارق
له من الإفضال حاد على البذل و من أخلاقه سائق
يروقه بذل الندى و اللهى *** و هو لهم أجمعهم رائق
خلائق طابت و طالت على *** أبدع في إيجادها الخالق
شاد المعالي و سعى للعلى *** فهي له و هو لها عاشق
إن أعضل الأمر فلا يهتدى *** إليه فهو الفاتق الراتق
يشوقه المجد و لا غرو أن *** يشوقه و هو له شائق
مولاي إني فيكم مخلص *** إن شاب بالحب لكم ماذق
لكم موال و إلى بابكم *** أنضى المطايا و بكم واثق
أرجو بكم نيل الأماني إذا *** نجا مطيع و هوى مارق
[212]