ذكر الإمام الخامس أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
قال كمال الدين : هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه و متفوق
دره و راضعه و منمق دره و واضعه صفا قلبه و زكا عمله و طهرت نفسه و شرفت أخلاقه و
عمرت بطاعة الله أوقاته و رسخت في مقام التقوى قدمه و ظهرت عليه سمات الازدلاف و
طهارة الاجتباء فالمناقب تسبق إليه و الصفات تشرف به .
فأما ولادته (عليه السلام) .
فبالمدينة في ثالث صفر سنة سبع و خمسين للهجرة قبل قتل جده الحسين
بثلاث سنين و قيل غير ذلك.
فأما نسبه أبا و أما.
فأبوه زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) و أمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن
أبي طالب و تدعى أم الحسن و قيل أم عبد الله .
و أما اسمه .
فمحمد و كنيته أبو جعفر و له ثلاث ألقاب باقر العلم و الشاكر و
الهادي و أشهرها الباقر و سمي بذلك لتبقره في العلم و هو توسعه فيه .
و أما مناقبه الحميدة و صفاته الجميلة فكثيرة .
منها قال أفلح مولى
أبي جعفر قال خرجت مع محمد بن علي حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى
علا صوته فقلت بأبي أنت و أمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا فقال لي
ويحك يا أفلح و لم لا أبكي لعل الله تعالى أن ينظر إلي منه برحمة فأفوز بها عنده
غدا قال ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع
سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه و كان إذا ضحك قال اللهم لا تمقتني .
و قال : عبد الله بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي
[118]
جعفر و لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم .
و روى عنه ولده
جعفر (عليه السلام) قال : كان أبي يقول في جوف الليل في تضرعه أمرتني فلم آتمر و نهيتني فلم
أنزجر فها أنا عبدك بين يديك و لا أعتذر .
و قال جعفر : فقد أبي
بغلة له فقال لئن ردها الله تعالى لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتي بها
بسرجها
و لجامها فلما استوى عليها و ضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال
الحمد لله فلم يزد ثم قال ما تركت و لا بقيت شيئا جعلت كل أنواع المحامد لله عز و
جل فما من حمد إلا و هو داخل فيما قلت .
أقول صدق و بر (عليه السلام) فإن الألف و اللام في قوله الحمد لله يستغرق الجنس و
تفرده تعالى بالحمد .
و نقل عنه (عليه السلام) أنه
قال : ما من عبادة أفضل من عفة بطن و فرج و ما من شيء أحب إلى الله من أن يسأل و لا
يدفع القضاء إلا الدعاء و أن أسرع الخير ثوابا البر و أسرع الشر عقوبة البغي و كفى
بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه و أن يأمر الناس بما لا يفعله و
أن ينهى الناس عما لا يستطيع التحول عنه و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه .
و قال : عبد الله بن الوليد قال لنا أبو جعفر يوما أ يدخل أحدكم يده كم
صاحبه فيأخذ ما يريد قلنا لا قال فلستم إخوانا كما تزعمون .
و قالت سلمى مولاة
أبي جعفر : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب و
يكسوهم الثياب الحسنة و يهب لهم الدراهم فأقول له في ذلك ليقل منه فيقول : يا سلمى
ما حسنة الدنيا إلا صلة الإخوان و المعارف .
[119]
و كان (عليه السلام) يجيز بخمسمائة و الستمائة إلى الألف و كان لا يمل من مجالسة إخوانه .
و قال : الأسود بن كثير شكوت إلى أبي جعفر الحاجة و جفاء الإخوان فقال بئس
الأخ أخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم فقال
استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني .
و قال : أعرف المودة
لك في قلب أخيك بما له في قلبك .
و نقل عن ابن
الزبير محمد بن مسلم المكي أنه قال : كنا عند جابر بن عبد الله فأتاه علي بن الحسين
و معه ابنه محمد و هو صبي فقال علي لابنه قبل رأس عمك فدنا محمد بن علي من جابر
فقبل رأسه فقال جابر من هذا و كان قد كف بصره فقال له علي هذا ابني محمد فضمه جابر
إليه و قال يا محمد محمد رسول الله يقرأ عليك السلام فقالوا لجابر كيف ذلك يا با
عبد الله فقال كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحسين في حجره و هو يلاعبه فقال يا جابر يولد
لابني الحسين ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين
فيقوم علي بن الحسين و يولد لعلي ابن يقال له محمد يا جابر إن رأيته فاقرأه مني
السلام و اعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير .
فلم يعش جابر بعد ذلك إلا قليلا و مات و هذه و إن كانت منقبة واحدة
فهي عظيمة تعادل جملا من المناقب .
و أما أولاده.
فكان له ثلاثة من الذكور و بنت واحدة و أسماء أولاده جعفر و هو الصادق و عبد الله و إبراهيم و أم سلمة و قيل
كان أولاده أكثر من ذلك .
و نقل الثعلبي في
تفسيره : و أن الباقر (عليه السلام) كان قد نقش على خاتمه هذه ظني بالله حسن و بالنبي المؤتمن و
بالوصي ذي المنن و بالحسين و الحسن رواها في تفسيره بسنده متصلا إلى ابنه الصادق (عليه السلام) .
و أما عمره .
فإنه مات في سنة سبع عشرة و مائة و قيل غير ذلك و قد نيف على الستين
و قيل غير ذلك أقام مع أبيه زين العابدين (عليه السلام) بضعا و ثلاثين سنة من عمره و قبره
بالمدينة بالبقيع بالقبر الذي فيه أبوه و عم أبيه الحسن
[120]
بالقبة التي فيها العباس رضي الله عنه و قد تقدم ذكر ذلك آخر كلام كمال الدين
رحمه الله.
و قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الباقر و أمه أم عبد الله بنت حسن بن علي
بن أبي طالب و أمها أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه و
كان كثير العلم .
و عن جعفر بن محمد قال : سمعت محمد بن علي يذاكر فاطمة بنت الحسين شيئا من
صدقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال هذه توفي لي ثمان و خمسين سنة و مات فيها .
و قال محمد بن عمرو أما في روايتنا فإنه مات سنة سبع عشرة و مائة و
هو ابن ثمان و سبعين سنة و قال غيره توفي سنة ثمان عشرة و مائة.
و قال أبو نعيم
الفضل بن دكين : توفي بالمدينة سنة أربع عشرة و مائة .
و قال محمد بن سعيد عن ليث عن أبي جعفر قال : لا تجالسوا أصحاب الخصومات
فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول أنت ابن خير البرية و جدك سيد شباب أهل الجنة و
جدتك سيدة نساء العالمين .
و عن أبي جعفر محمد
بن علي (عليه السلام) قال : دخل على جابر و أنا في الكتاب فقال لي اكشف عن بطنك فكشفت له فألصق
بطنه ببطني و قال أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أقرأك السلام .
و عن سفيان بن
عيينة عن جعفر
بن محمد عن أبيه قال : قتل علي (عليه السلام) و هو ابن ثمان و خمسين سنة و قتل الحسين و
هو ابن ثمان و خمسين سنة و مات
[121]
علي بن الحسين و هو ابن
ثمان و خمسين سنة و أنا اليوم ابن ثمان و خمسين سنة .
و عن عمرو بن خالد
قال حدثني زيد بن علي و هو آخذ بشعره عن علي بن الحسين و هو آخذ بشعره عن الحسين
بن علي و هو آخذ بشعره قال : من آذى شعرة مني فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و
من آذى الله تعالى لعنه الله ملء السماوات و الأرض .
و عن الحكم بن
عيينة في قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال : كان و الله محمد بن
علي منهم .
و عن سلمى مولاة
أبي جعفر قالت : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب و
يلبسهم الثياب الحسنة و يهب لهم الدراهم قالت فأقول له في بعض ما يصنع فيقول يا
سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف و الإخوان .
و عن الأسود بن
كثير و قد تقدمت و فيه : فإذا نفذت فأعلمني .
و عن الحجاج بن
أرطاةقال : قال أبو جعفر يا حجاج كيف تواسيكم قلت صالح يا با جعفر قال يدخل أحدكم
يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إليه قلت أما هذا فلا فقال أما لو فعلتم ما
احتجتم .
عن أبي حمزة
الثمالي قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال : لا تصحبن خمسة و لا تحادثهم و لا
تصاحبهم في طريق و قد سبق ذكره في أخبار أبيه (عليه السلام) .
و عن حسين بن حسن قال : كان محمد بن علي يقول سلاح اللئام قبيح الكلام .
و عن جابر الجعفي قال : قال لي محمد بن علي يا جابر إني لمحزون و إني لمشتغل القلب قلت و ما حزنك و ما
شغل قلبك قال يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه يا جابر
ما الدنيا و ما عسى أن يكون إن هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها يا
جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم
و لم يصمهم عن ذكر الله ما
[122]
سمعوا بآذانهم من الفتنة و لم
يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة ففازوا بثواب الأبرار و إن أهل
التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة و أكثرهم لك معونة إن نسيت ذكروك و إن ذكرت أعانوك
قوالين بحق الله عز و جل قوامين بأمر الله قطعوا محبتهم لمحبة ربهم و نظروا إلى
الله و إلى محبته بقلوبهم و توحشوا من الدنيا بطاعة مليكهم و علموا أن ذلك منظور
إليه من شأنهم فأنزل الدنيا بمنزل نزلت به و ارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك
فاستيقظت و ليس معك منه شيء احفظ الله ما استرعاك من دينه و حكمته .
قلت قوله (عليه السلام) فأنزل الدنيا هو معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ما لي و للدنيا
إنما مثلي و مثل الدنيا كراكب قال تحت شجرة ساعة ثم فارقها و مضى .
و منبع الكلامين واحد و هذا الولد من ذلك الوالد .
و روى عن أبي جعفر
بسند رفعه إليه قال : إذا أردت أن تلقي الحب في الأرض فخذ قبضة من ذلك البذر ثم
استقبل القبلة ثم قل أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ
أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ثم تقول لا بل الله الزارع لا فلان و تسمي باسم صاحبه
ثم قل اللهم صل على محمد و آل محمد و اجعله مباركا و ارزقه السلامة و السرور و
العافية و الغبطة ثم ابذر البذر الذي بيدك و سائر البذر .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول كان فيما أعطى
الله عز و جل موسى (عليه السلام) في الألواح الأول اشكر لي و لوالديك أقيك المتألف و أنسئ لك
في عمرك و أحيك حياة طيبة و أقلبك إلى خير منها .
آخر كلامه الذي أوردته.
قال الشيخ المفيد رحمه الله في إرشاده باب
ذكر الإمام القائم بعد علي بن الحسين (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و مبلغ سنه و
مدة خلافته و وقت وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره : و كان
الباقر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) و القائم
بالإمامة
[123]
من بعده و برز على جماعتهم بالفضل في العلم و
الزهد و السؤدد و كان أنبههم ذكرا و أجلهم في العامة و الخاصة و أعظمهم قدرا و لم
يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين (عليه السلام) من علم الدين و الآثار و السنن و علم القرآن
و السيرة و فنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر (عليه السلام) .
و روي عنه معالم الدين دون بقايا
الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين و صار بالفضل علما لأهله تضرب به
الأمثال و تسير بوصفه الآثار و الأشعار و فيه يقول القرطي :
يا باقر العلم لأهل التقى *** و خير من لبى على الأجبل
و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه (عليه السلام) من قصيدة :
إذا طلب الناس علم القرآن *** كانت قريش عليه عيالا
و إن قيل أين ابن بنت النبي *** نلت بذاك فروعا طوالا
نجوم تهلل للمدلجين *** جبال تورث علما جبالا
و ولد (عليه السلام) :
بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة و قبض (عليه السلام) بها سنة أربع
عشرة و مائة و سنة يومئذ سبع و خمسون سنة و هو هاشمي من هاشميين علوي من علويين و
قبره بالبقيع من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و روى ميمون القداح
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبيه (عليه السلام) قال : دخلت على جابر بن عبد الله رحمة الله عليه
فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال لي من أنت و ذلك بعد ما كف بصره فقلت محمد بن
علي فقال يا بني ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوى إلى رجلي ليقبلها فتنحيت عنه
فقال لي إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرؤك السلام فقلت و على رسول الله السلام و رحمة الله و
بركاته و كيف ذلك يا جابر فقال كنت معه ذات يوم فقال لي يا جابر لعلك أن تبقى إلى
أن تلقى رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور و الحكمة فاقرأه مني السلام .
[124]
و كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ولده ذكر محمد بن علي و الوصاة به
و سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عرفه بباقر العلم على ما رواه أصحاب الآثار .
و مما روي عن جابر بن عبد الله في حديث مجرد أنه قال : قال لي رسول الله ص
يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا من الحسين يقال له محمد يبقر علم الدين بقرا فإذا
لقيته فاقرأه مني السلام .
و روت الشيعة في خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من
الجنة و أعطاه فاطمة (عليها السلام) و فيه أسماء الأئمة من بعده فكان فيه : محمد بن علي الإمام
بعد أبيه .
و روت فيه أيضا :
أن الله عز و جل أنزل إلى نبيه كتابا مختوما باثني عشر خاتما و أمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و يأمره أن يفض أول خاتم فيه و يعمل بما تحته ثم يدفعه بعد وفاته
إلى ابنه الحسن (عليه السلام) و يأمره بفض الخاتم الثاني و العمل بما تحته ثم يدفعه عند حضور
وفاته إلى أخيه الحسين (عليه السلام) و يأمره أن يفض الخاتم الثالث و يعمل بما تحته ثم يدفعه
الحسين عند وفاته إلى ابنه علي بن الحسين (عليه السلام) و يأمره بمثل ذلك و يدفعه علي بن
الحسين عند وفاته إلى ابنه محمد بن علي الأكبر و يأمره بمثل ذلك ثم يدفعه محمد إلى
ولده حتى ينتهي إلى آخر الأئمة عليهم السلام أجمعين .
و رووا أيضا نصوصا كثيرة عليه بالإمامة بعد أبيه (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) و عن الحسن و الحسين و علي بن الحسين (عليه السلام) .
و قد روى الناس من فضائله
و مناقبه ما يكثر به الخطاب إن أثبتناه و فيما نذكره منه كفاية فيما نقصده في
معناه إن شاء الله .
عن عطاء المكي قال : ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين و لقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين
يديه كأنه صبي بين يدي معلمة و قد تقدم مع خلاف في العبارة.
[125]
و كان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي (عليه السلام) شيئا قال حدثني وصي
الأوصياء و وارث علم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) .
و روى مخول بن إبراهيم عن قيس بن الربيع قال : سألت أبا إسحاق عن المسح على
الخفين قال أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن
علي بن الحسين فسأله عن المسح فنهاني عنه و قال لم يكن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يمسح و
كان يقول سبق الكتاب المسح على الخفين قال أبو إسحاق فما مسحت منذ نهاني عنه قال
قيس بن الربيع و ما مسحت أنا منذ سمعت أبا إسحاق .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أن محمد بن المنكدر كان يقول ما كنت أرى أن مثل علي
بن الحسين يدع خلفا لفضل علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمد بن علي (عليه السلام) فأردت أن أعظه
فوعظني فقال له أصحابه بأي شيء وعظك قال خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة
فلقيت محمد بن علي و كان رجلا بدينا و هو متكئ على غلامين له أسودين أو موليين له
فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا أشهد
لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فسلم علي بنهر و قد تصبب عرقا فقلت أصلحك الله شيخ من
أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لو جاءك الموت و أنت على
هذه الحال قال فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند و قال لو جاءني و الله الموت و
أنا في هذه الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك و عن الناس
و إنما كنت أخاف الموت لو جاءني و أنا على معصية من معاصي الله فقلت يرحمك الله
أردت أن أعظك فوعظتني .
[126]
و عن معاوية بن عمار الدهني عن محمد بن علي بن
الحسين (عليه السلام) في قوله جل اسمه فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ قال : نحن أهل الذكر .
و قد روى أبو جعفر (عليه السلام) : أخبار المبتدأ و أخبار الأنبياء و كتب الناس عنه
المغازي و آثروا عنه السير و السنن و اعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و كتبوا عنه تفسير القرآن و روت عنه الخاصة و العامة الأخبار و ناظر من
كان يرد عليه من أهل الآراء و حفظه عن الناس كثيرا من علم الكلام .
و روى الزهري قال : حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئا على يد
سالم مولاه و محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) في المسجد فقال له سالم يا أمير المؤمنين
هذا محمد بن علي بن الحسين قال المفتون به أهل العراق قال نعم قال اذهب إليه فقال
له يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل الناس و يشربون إلى أن يفصل بينهم يوم
القيامة فقال له أبو جعفر (عليه السلام) يحشر الناس على أرض مثل قرص نقي فيها أنهار متفرقة
يأكلون و يشربون حتى يفرغ من الحساب قال فرأى هشام أنه قد ظفر به فقال الله أكبر
اذهب إليه فقل له ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ فقال له أبو جعفر (عليه السلام) هي في النار أشغل و لم يشتغلوا
عن أن قالوا أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ فسكت
هشام لا يرجع كلاما .
و روى العلماء : أن
عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)
[127]
ليمتحنه
بالسؤال فقال له جعلت فداك ما معنى قوله تعالى أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ما هذا الرتق و
الفتق ?
فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : كانت السماء رتقا لا تنزل القطر و كانت الأرض رتقا لا
تخرج النبات
فانقطع عمرو و لم يجد اعتراضا و مضى .
ثم عاد إليه فقال له أخبرني جعلت فداك
عن قوله تعالى وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ما غضب الله تعالى ?
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : غضب الله عقابه يا عمرو من ظن أن الله يغيره شيء فقد كفر .
و كان مع ما وصفناه به من الفضل في العلم و السؤدد و الرئاسة و
الإمامة ظاهر الجود في الخاصة و العامة مشهور الكرم في الكافة معروفا بالفضل و
الإحسان مع كثرة عياله و توسط حاله.
يروى عن الحسن بن
كثير قال : شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) الحاجة و جفاء الإخوان فقال بئس الأخ أخ
يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم و قال استنفق
هذه فإذا نفدت فأعلمني .
و عن عمرو بن دينار و عبد الله بن عبيد بن عمير أنهما قالا : ما لقينا أبا
جعفر محمد بن علي (عليه السلام) إلا و حمل إلينا النفقة و الصلة و الكسوة و يقول هذه معدة لكم
قبل أن تلقوني .
و عن سليمان بن قرم
قال : كان أبو جعفر محمد بن علي يجيزنا بالخمسمائة درهم إلى الستمائة درهم إلى الألف
درهم و كان لا يمل من صلة إخوانه و قاصديه و مؤمليه و راجيه .
و روي عن آبائه (عليهم السلام) : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول أشد الأعمال ثلاثة مواساة الإخوان في المال و انصاف الناس
من نفسك و ذكر الله تعالى على كل حال .
[128]
قال الحسن بن صالح : سمعت أبا جعفر محمد بن علي
يقول ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم .
و روي عنه (عليه السلام) أنه
سئل عن الحديث يرسله و لا يسنده فقال : إذا حدثتكم بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي
عن جدي عن أبيه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل عن الله تعالى .
و كان (عليه السلام) يقول : بلية
الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا و إن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا .
و كان (عليه السلام) يقول : ما
ينقم الناس منا أهل بيت الرحمة و شجرة النبوة و معدن الحكمة و موضع الملائكة و
مهبط الوحي .
و توفي (عليه السلام) :
و خلف من الولد سبعة أولاد و
كان لكل واحد من إخوته فضل و إن لم يبلغ فضله (عليه السلام) لمكانه من الإمامة و رتبته عند
الله في الولاية و محله من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخلافة و كانت مدة إمامته و قيامه مقام
أبيه في خلافة الله تعالى على العباد تسع عشر سنة.
ذكر طرف من أخبارهم (عليهم السلام)
و كان عبد
الله بن علي بن الحسين أخو أبي جعفر (عليه السلام) يلي صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صدقات أمير
المؤمنين (عليه السلام) و كان فاضلا فقيها و روي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبارا كثيرة و حدث
الناس عنه و حملوا عنه الآثار.
فمن ذلك ما هو مرفوع إلى عمارة بن غزيه عن عبد الله
بن علي بن الحسين أنه قال .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن البخيل كل البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و عن عبد الله بن
سمعان قال : لقيت عبد الله بن علي بن الحسين فحدثني عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يقطع يد السارق اليمنى في أول سرقته فإن سرق ثانية قطع رجله اليسرى فإن
سرق ثالثة خلده السجن .
و كان عمر بن علي بن الحسين فاضلا جليلا و ولى صدقات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و صدقات
أمير المؤمنين (عليه السلام) و كان ورعا سخيا.
[129]
روى الحسين بن زيد قال : رأيت عمي عمر بن علي بن الحسين يشترط على من ابتاع
صدقات علي (عليه السلام) أن يثلم في الحائط كذا و كذا ثلمة و لا يمنع من دخله أن يأكل منه .
و عن عبيد الله بن حرير القطان قال : سمعت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب يقول المفرط في حبنا كالمفرط في بغضنا لنا حق بقرابتنا من نبينا (عليه السلام) و حق
جعله الله لنا فمن تركه ترك عظيما أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا الله به و لا
تقولوا فينا ما ليس فينا إن يعذبنا الله فبذنوبنا و إن يرحمنا فبرحمته و فضله .
و كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر (عليه السلام) و أفضلهم و كان
عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا فظهر بالسيف يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يطلب
بثارات الحسين (عليه السلام) .
عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال : قدمت المدينة فجعلت كلما سألت
عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن .
و روى هشام قال : سألت خالد بن صفوان عن زيد
بن علي و كان يحدثنا عنه فقلت أين لقيته فقال بالرصافة فقلت أي رجل كان فقال كان
ما علمت يبكي من خشية الله حتى تختلط دموعه بمخاطه.
و اعتقد كثير من الشيعة فيه
الإمامة و كان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنوه
يريد بذلك نفسه و لم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه الإمامة من قبله و وصيته
عند وفاته إلى أبي عبد الله (عليه السلام) و كان سبب خروج أبي الحسين زيد بن علي رضي الله عنه
بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين (عليه السلام) أنه دخل على هشام بن عبد الملك و
قد جمع له هشام أهل الشام و أمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى
قربه فقال له زيد إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصي بتقوى الله و لا من عباده
أحد دون أن يوصي
[130]
بتقوى الله و أنا أوصيك بتقوى الله يا
أمير المؤمنين فاتقه فقال له هشام أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها و ما أنت و
ذاك لا أم لك و إنما أنت ابن أمة فقال له زيد إني لا أعلم أحدا أعظم عند الله
منزلة من نبي بعثه الله و هو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث و هو
إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) فالنبوة أعظم أم الخلافة يا هشام و بعد فما يقصر برجل أبوه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ابن علي بن أبي طالب أن يكون ابن أمة.
فوثب هشام عن مجلسه و دعا
قهرمانه و قال لا يبيتن هذا في عسكري فخرج زيد و هو يقول لم يكره قوم قط حر السيوف
إلا ذلوا فلما وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم
نقضوا بيعته و أسلموه فقتل رحمة الله عليه.
و صلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد
منهم و لا يغير بيد و لا لسان و لما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) كل مبلغ
و حزن له حزنا عظيما حتى بان عليه و فرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه
ألف دينار.
روى ذلك أبو خالد الواسطي قال سلم لي أبو عبد الله (عليه السلام) ألف دينار و أمرني
أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الريان
منها أربعة دنانير و كان مقتله يوم الإثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين و مائة
و كان سنه يوم قتل اثنتين و أربعين سنة.
و كان الحسين بن علي بن الحسين ورعا فاضلا
و روى حديثا كثيرا عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) و عمته فاطمة بنت الحسين و أخيه أبي
جعفر (عليه السلام) .
و روى أحمد بن عيسى قال حدثنا أبي قال : كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو فكنت أقول لا يضع
يده حتى يستجاب له في الخلق جميعا .
و روى حرب الطحان
قال حدثني سعيد صاحب الحسن بن صالح قال : لم أر أحدا أخوف من الحسن بن صالح لله
تعالى حتى قدمت المدينة فرأيت الحسين بن علي بن الحسين (عليه السلام) فلم أر أحدا أشد خوفا منه
كأنما أدخل النار ثم أخرج منها لشدة خوفه .
[131]
و عن الحسين بن علي بن الحسين قال : كان إبراهيم بن هشام المخزومي واليا على
المدينة و كان يجمعنا يوم الجمعة قريبا من المنبر ثم يقع في أمير المؤمنين علي (عليه السلام) و
يشتمه قال فحضرت يوما و قد امتلأ ذلك المكان فلصقت بالمنبر فأغفيت فرأيت القبر و
قد انفرج و خرج منه رجل عليه ثياب بياض فقال لي يا با عبد الله أ لا يحزنك ما يقول
هذا قلت بلى و الله قال افتح عينيك فانظر ما يصنع الله به فإذا هو قد ذكر عليا (عليه السلام) فرمي من فوق المنبر فمات لعنه الله .
باب ذكر ولد أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) و عددهم و أسمائهم
قد ذكرنا فيما سلف أن ولد أبي جعفر (عليه السلام) سبعة نفر أبو عبد الله جعفر بن
محمد (عليه السلام) و كان يكنى به و عبد الله بن محمد أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي
بكر و إبراهيم و عبيد الله درجا أمهما أم حكيم بنت أسد بن المغيرة الثقفية و علي و زينب لأم ولد و أم سلمة لأم ولد و لم يعتقد في
أحد من ولد أبي جعفر الإمامة إلا في أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) خاصة و كان أخوه
عبد الله رضي الله عنه يشار إليه بالفضل و الصلاح و روي أنه دخل على بعض بني أمية
فأراد قتله فقال له عبد الله رحمة الله عليه لا تقتلني فأكون لله عليك عونا و لكن
لك على الله عونا يريد بذلك أنه ممن يشفع إلى الله بذلك فيشفعه فلم يقبل ذلك منه و
قال له الأموي لست هناك و سقاه السم فقتله رضي الله عنه آخر قول الشيخ المفيد رحمه
الله في هذا الباب.
قال الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء : و منهم الإمام
الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر و كان من سلالة النبوة و
جمع حسب الدين و الأبوة تكلم (عليه السلام) في العوارض و الخطرات و سفح الدموع و العبرات و نهى
المراء و الخصومات و قيل إن التصوف التعزز بالحضرة و التميز للخطرة .
عن خلف بن حوشب عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال : الإيمان ثابت في القلب و
اليقين خطرات فيمر اليقين بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد و يخرج منه فيصير كأنه
خرقة بالية .
[132]
و عنه (عليه السلام) أنه قال : ما دخل قلب أحد شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله
من ذلك قل ذلك أو كثر .
و عن سفيان الثوريقال : سمعت منصورا يقول سمعت محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) يقول الغناء و العز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أوطناه .
و عن زياد بن خثيمة
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الصواعق تصيب المؤمن و غير المؤمن و لا تصيب الذاكر .
و عن ثابت عن محمد
بن علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا
قال : الغرفة الجنة بما صبروا على الفقر في دار الدنيا .
و عن أبي حمزة
الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً قال : بما صبروا على
الفقر و مصائب الدنيا .
و عن جابر يعني
الجعفي قال : قال لي محمد بن علي يا جابر إني لمحزون و إني لمشتغل القلب و قد تقدمت
قبل .
و عن سعد الإسكاف
عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال : عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد .
و عنه : عن أبي جعفر (عليه السلام) قال و الله لموت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا .
و عن يونس بن يعقوب
عن أخيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : شيعتنا ثلاثة أصناف صنف يأكلون الناس بنا و صنف كالزجاج
يتهشم و صنف كالذهب الأحمر كلما أدخل النار ازداد جوده .
و عن الأصمعي قال
: قال محمد بن علي لابنه يا بني إياك و الكسل و الضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن
كسلت لم تؤد حقا و إن ضجرت لم تصبر على حق .
[133]
و عن حجاج عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أشد الأعمال ثلاثة
ذكر الله على كل حال و إنصافك من نفسك و مواساة الأخ في المال .
و عن جابر عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال : إن الله عز و جل يلقي في قلوب شيعتنا الرعب فإذا قام قائمنا و ظهر
مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث و أمضى من سنان .
و عن جابر عن أبي
جعفر قال : شيعتنا من أطاع الله .
و عن جعفر عن أبيه
محمد (عليه السلام) قال : إياكم و الخصومة فإنها تفسد القلب و تورث النفاق .
قلت قد صدق (عليه السلام) و بر و مثله من زاد على الناس و أبر و هذه الخصومة يريد
بها (عليه السلام) الخصومة في المذاهب و الجدل في الاعتقادات فإن المتخاصمين في هذا إما أن
يتساووا في القوة فتفسد قلوبهم و يتحاربون دائما و إما أن يضعف قوم عن قوم
فيحتاجون إلى النفاق ليكف القوي بما يراه من إظهار الضعف من التودد إليه و لو قيل
في كل الخصومات الواقعة بين الناس جاز لاحتمال المعنى لها و الله أعلم .
و عن الحكم عن أبي جعفر قال : الذين يخوضون في آيات الله هم أصحاب الخصومات .
و قال (عليه السلام) : كان نقش
خاتم أبي القوة لله جميعا .
و عن أحمد بن بجير قال : قال محمد بن علي (عليه السلام) كان لي أخ في عيني عظيم و كان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا
في عينه .
قلت هذا الكلام طويل و هو منسوب إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) و هو من
محاسن الكلام و مختاره و قد أورده السيد الشريف الرضي الموسوي رضي الله عنه في نهج
البلاغة .
و عن ابن المبارك قال : قال محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) من أعطي الخلق و الرفق فقد أعطي الخير و الراحة و
حسن حاله في دنياه و آخرته و من حرم الخلق و الرفق كان ذلك سبيلا إلى كل شر و بلية
إلا من عصمه الله .
و أسند أبو جعفر
محمد بن علي (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري
[134]
و روى عن ابن
عباس و أبي هريرة و أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك و عن الحسن و الحسين (عليه السلام) و أسند
عن سعيد بن المسيب و عبد الله بن أبي رافع و روى عنه من التابعين عمرو بن دينار و
عطاء بن أبي رباح و جابر الجعفي و أبان بن تغلب و روى عنه من الأئمة الأعلام ابن
جريج و ليث بن أبي سليم و حجاج بن أرطاة في آخرين عن سفيان بن سعيد الثوري حدثنا
جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر النفساء أن تحرم و تفيض
الماء عليها و عن الثوري أمر أسماء بنت عميس .
و بالإسناد قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في خطبته نحمد الله عز و جل و نثني
عليه بما هو له أهل ثم يقول من يهده الله فلا مضل له و من يضلل الله فلا هادي له
إن أصدق الحديث كتاب الله و أحسن الهدى محمد و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة
و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار ثم يقول بعثت أنا و الساعة كهاتين و كان إذا
ذكر الساعة احمرت وجنتاه و علا صوته و اشتد غضبه كأنه نذير جيش صبحتكم و مستكم ثم
قال من ترك مالا فلأهله من ترك ضياعا أو دينا فإلي أو علي أنا ولي المؤمنين صحيح
ثابت من حديث محمد بن علي رواه وكيع و غيره عن الثوري .
و بالإسناد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف أنعم و صاحب القرن قد التقمه صاحب
الحوت و حنا جبهته و أصغى بسمعه و ينتظر متى يؤمر فينفح قالوا يا رسول الله فما
تأمرنا قال قولوا حسبنا الله و نعم الوكيل غريب من حديث الثوري عن جعفر تفرد به
الرملي عن القرباني و مشهورة ما رواه أبو نعيم و غيره عن الثوري عن الأعمش عن عطية
عن أبي سعيد الخدري .
و عن جابر عن جعفر بن محمد قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إن ابن آدم لفي غفلة
عما خلقه الله له إن الله لا إله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه و أثره و
أجله و اكتب شقيا أو سعيدا ثم يرتفع ذلك الملك و يبعث إليه ملك
[135]
فيحفظه حتى يدرك ثم يبعث إليه ملكين يكتبان حسناته و سيئاته فإذا جاءه الموت
ارتفع ذانك الملكان ثم جاءه ملك الموت يقبض روحه فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده
ثم يرتفع ملك الموت ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة انحط
عليه ملك الحسنات و ملك السيئات و انتشطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد
سائق و الأخرى شهيد ثم قال الله تعالى لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا
فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قول الله تعالى لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ قال:
حالا بعد حال ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) عن
جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان حسن الصورة في حسب لا يشينه متواضعا
كان من خالص الله عز و جل يوم القيامة .
و عن أبي عبد الله
عن أبيه أبي جعفر عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من نقله الله عز و جل من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا
مال و أعزه بلا عشيرة و آنسه بلا أنيس و من خاف الله أخاف الله منه كل شيء و من
لم يخف الله أخافه الله من كل شيء و من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله
منه باليسير من العمل و من لم يستحي من طلب المعيشة خفت مئونته و رخي باله و نعم
عياله و من زهد في الدنيا ثبت الله الحكمة في قلبه و أنطق بها لسانه و أخرجه من
الدنيا سالما إلى دار القرار .
غريب لم يروه مسندا مرفوعا إلا العترة الطاهرة خلفها عن سلفها .
و عن أبي الصلت عبد
السلام بن صالح الهروي حدثني علي بن موسى الرضا حدثني أبي موسى بن جعفر حدثني أبي
جعفر بن محمد حدثني أبي محمد بن علي حدثني أبي علي بن الحسين حدثني أبي الحسين بن
علي حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)
[136]
قال حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن
جبرئيل ع قال : قال الله عز و جل من قائل إني أنا الله الذي لا إله إلا أنا فاعبدوني
من جاءني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل في حصني و من دخل في حصني
أمن من عذابي ثابت مشهور بهذا الإسناد برواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين و كان
بعض سلفنا من المحدثين إذا روى بهذا الإسناد حديثا قال لو قرئ هذا الإسناد على
مجنون لأفاق قال الأنصاري و قال لي أحمد بن رزين سألت الرضا عن الإخلاص فقال طاعة
الله .
قلت قد نقلت الحديث المذكور عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) من طريق آخر و أنا
أذكره إن شاء الله عند بلوغي إلى ذكره (عليه السلام) هذا آخر ما أردت نقله من كتاب حلية
الأولياء.
قال الشيخ العالم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب
رحمه الله ذكر محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
و
بالإسناد الأول عن محمد بن سنان : ولد محمد (عليه السلام) قبل مضي الحسين بن علي بثلاث سنين و
توفي و هو ابن سبع و خمسين سنة سنة مائة و أربع عشرة من الهجرة و أقام مع أبيه علي
بن الحسين خمسا و ثلاثين سنة إلا شهرين و أقام بعد مضي أبيه تسع عشرة سنة و كان
عمره سبعا و خمسين سنة و في رواية أخرى قام أبو جعفر و هو ابن ثمان و ثلاثين سنة و
كان مولده سنة ست و خمسين و قد أدركه جابر بن عبد الله الأنصاري و هو صغير في
الكتاب و أقرأه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السلام و قال هكذا أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
رواه أبو الزبير قال : كنا عند جابر بن عبد الله فأتاه علي بن الحسين و معه
ابنه محمد بن علي فقال علي لمحمد قبل رأس عمك فدنا محمد من جابر فقبل رأسه فقال
جابر من هذا فقال ابني محمد فضمه جابر إليه و قال يا محمد محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ
عليك السلام فقيل لجابر و كيف ذاك فقال كنت مع رسول الله و الحسين في حجره و هو
يلاعبه فقال يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامة نادى
مناد ليقم سيد العابدين فيقوم
[137]
علي بن الحسين و يولد لعلي ابن يقال له محمد يا جابر فإن
رأيته فاقرأه مني السلام و اعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير فما أتى على جابر أيام
يسيرة حتى مات .
قال علي بن عيسى أثابه الله : هذه فضيلة من فضائلهم (عليه السلام) و دليل من
دلائلهم باق على مر الأيام و منقبة من مناقبهم المروية على لسان الخاص و العام و
عجيبة من عجائبهم التي يشهد بها كل الأقوام .
قال فيه البليغ ما قال ذو *** العي فكل بفضله منطيق
و كذاك العدو لم يعد أن قال *** جميلا كما يقول الصديق
قال حدثنا بذلك صدقة بن موسى بن تميم بن ربيعة بن ضمرة ثم قال حدثنا
أبي عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر بذلك .
أم محمد فاطمة أم الحسن بنت الحسن بن علي
لقبه باقر العلم و الهادي و الشاكر ولد له ثلاث بنين و ابنة أسماء بنيه (عليه السلام) جعفر
الإمام الصادق و عبد الله و إبراهيم و أم سلمة فقط قبره بالبقيع يكنى بأبي جعفر
آخر كلامه .
و من كتاب الدلائل للحميري عن يزيد بن أبي حازم قال : كنت عند أبي جعفر
فمررنا بدار هشام بن عبد الملك و هي تبنى فقال أما و الله لتهدمن أما و الله
لينقلن ترابها من مهدمتها أما و الله لتبدون أحجار الزيت و أنه لموضع النفس الزكية
فتعجبت و قلت دار هشام من يهدمها فسمعت أذني هذا من أبي جعفر قال فرأيتها بعد ما
مات هشام و قد كتب الوليد في أن تستهدم و ينقل ترابها فنقل حتى بدت الأحجار و
رأيتها .
و بالإسناد قال : كنت مع أبي جعفر فمر بنا زيد بن علي فقال أبو جعفر أما و
الله ليخرجن بالكوفة و ليقتلن و ليطافن برأسه ثم أتى به فنصب في ذلك الموضع على
قصبة فتعجبنا من القصبة و ليس في المدينة قصب أتوا بها معهم .
و عن أبي بصير قال
: قال أبو جعفر كان فيما أوصى أبي إلي أن قال يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي أحد
غيرك فإن الإمام لا يغسله إلا إمام و اعلم أن عبد الله أخاك سيدعو
[138]
الناس إلى نفسه فدعه فإن عمره قصير فلما مضى أبي و غسلته كما أمرني و ادعى
عبد الله الإمامة مكانه فكان كما قال أبي و ما لبث عبد الله إلا يسيرا حتى مات و
كانت هذه من دلالته يبشر بالشيء قبل أن يكون فيكون و بها يعرف الإمام .
و عن فيض بن مطر قال : دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و أنا أريد أن أسأله عن صلاة
الليل في المحمل قال فابتدأني فقال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي على راحلته حيث توجهت به .
عن سعد الإسكاف قال
: طلبت الإذن على أبي جعفر فقيل لي لا تعجل إن عنده قوما من إخوانكم فما لبثت أن خرج
علي اثنا عشر رجلا يشبهون الزط و عليهم أقبية ضيقات و خفاف فسلموا و مروا فدخلت
على أبي جعفر فقلت له ما عرفت هؤلاء الذين خرجوا من عندك من هم قال هؤلاء قوم من
إخوانكم الجن قال قلت و يظهرون لكم فقال نعم يغدون علينا في حلالهم و حرامهم كما
تغدون .
و عن أبي عبد الله قال : سمعت أبي يقول ذات يوم إنما بقي من أجلي خمس سنين
فحسبت ذلك فما زاد و لا نقص .
و عن محمد بن مسلم
قال : سرت مع أبي جعفر ما بين مكة و المدينة و هو على بغلة و أنا على حمار له إذ
أقبل ذئب يهوي من رأس الجبل حتى دنا من أبي جعفر فحبس البغلة و دنا الذئب حتى وضع
يده على قربوس سرجه و تطاول بخطمه إليه و أصغى إليه أبو جعفر بإذنه مليا ثم قال
اذهب فقد فعلت فرجع الذئب و هو يهرول فقال لي تدري ما قال فقلت الله و رسوله و ابن
رسوله أعلم قال إنه قال لي يا ابن رسول الله إن زوجتي في ذلك الجبل و قد عسر عليها
ولادتها فادع الله أن يخلصها و لا يسلط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم قلت قد
فعلت .
[139]
و عن عبد الله بن عطاء المكي قال : اشتقت إلى أبي
جعفر و أنا بمكة فقدمت المدينة ما قدمتها إلا شوقا إليه فأصابني تلك الليلة مطر و
برد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل فقلت أطرقه الساعة أو أنتظره حتى يصبح فإني
لأفكر في ذلك إذ سمعته يقول يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه في هذه
الليلة بردا و أذى قال فجاءت ففتحت الباب و دخلت .
و عن أبي عبد الله قال : كنت عند أبي محمد بن علي في اليوم الذي قبض فيه
فأوصاني بأشياء في غسله و كفنه و في دخوله قبره قال فقلت يا أبة و الله ما رأيتك
مذ اشتكيت أحسن هيئة منك اليوم ما أرى عليك أثر الموت فقال يا بني أ ما سمعت علي
بن الحسين ينادي من وراء الجدار يا محمد تعال عجل .
و عن حمزة بن محمد
الطيار قال : أتيت باب أبي جعفر أستأذن عليه فلم يأذن لي و أذن لغيري فرجعت إلى
منزلي و أنا مغموم فطرحت نفسي على سرير في الدار فذهب عني النوم فجعلت أفكر و أقول
إلى من إلى المرجئة يقول كذا و القدرية تقول كذا و الحرورية تقول كذا و الزيدية
تقول كذا فيفسد عليهم قولهم
[140]
فأنا أفكر في هذا حتى نادى
المنادي فإذا الباب يدق فقلت من هذا فقال رسول أبي جعفر فخرجت إليه فقال أجب فأخذت
ثيابي علي و مضيت فلما دخلت إليه قال يا ابن محمد لا إلى المرجئة و لا القدرية و
لا إلى الزيدية و لا إلى الحرورية و لكن إلينا إنما حجبتك لكذا و كذا ففعلت و قلت
به .
و عن مالك الجهني قال : كنت قاعدا عند أبي جعفر فنظرت إليه و جعلت أفكر في نفسي و أقول لقد عظمك الله و
كرمك و جعلك حجة على خلقه فالتفت إلي و قال يا مالك الأمر أعظم مما تذهب إليه .
و عن جابر قال : سمعت
أبا جعفر يقول لا يخرج على هشام أحد إلا قتله فقلنا لزيد هذه المقالة فقال إني
شهدت هشاما و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسب عنده فلم ينكر ذلك و لم يغيره فو الله لو لم يكن إلا
أنا و آخر لخرجت عليه .
و عن أبي الهذيل قال : قال لي أبو جعفر يا أبا الهذيل إنه لا تخفى علينا ليلة القدر إن الملائكة
يطيفون بنا فيها .
و عن أبي عبد الله
قال : كان في دار أبي جعفر فاختة فسمعها و هي تصيح فقال تدرون ما تقول هذه الفاختة قالوا
لا قال تقول فقدتكم فقدتكم نفقدها قبل أن تفقدنا ثم أمر بذبحها .
آخر ما أردت إثباته من كتاب الدلائل
[141]
و نقلت من كتاب جمعه الوزير السعيد مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن
محمد بن علي بن العلقمي رحمه الله تعالى قال ذكر الأجل أبو الفتح يحيى بن محمد بن
حياء الكاتب قال حدث بعضهم قال : كنت بين مكة و المدينة فإذا أنا بشبح يلوح من
البرية يظهر تارة و يغيب أخرى حتى قرب مني فتأملته فإذا هو غلام سباعي أو ثماني
فسلم علي فرددت عليه السلام و قلت من أين قال من الله فقلت و إلى أين قال إلى الله
قال فقلت فعلى م فقال على الله فقلت فما زادك قال التقوى فقلت ممن أنت قال أنا رجل
عربي فقلت أبن لي قل أنا رجل قرشي فقلت أبن لي فقال أنا رجل هاشمي فقلت أبن لي قال
أنا رجل علوي ثم أنشد :
فنحن على الحوض ذواده *** نذود و يسعد وراده
فما فاز من فاز إلا بنا *** و ما خاب من حبنا زاده
فمن سرنا نال منا السرور *** و من ساءنا ساء ميلاده
و من كان غاصبنا حقنا *** فيوم القيامة ميعاده
ثم قال أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثم التفت فلم
أره فلا أعلم أ هل صعد إلى السماء أم نزل في الأرض .
و وقع إلي عند الانتهاء إلى أخبار مولانا أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) كتاب جمعه الإمام قطب الدين أبو الحسين سعيد بن
هبة الله بن الحسن الراوندي رحمه الله و سماه كتاب الخرائج و الجرائح في معجزات
النبي و الأئمة (عليهم السلام) و لعلي مع مشية الله اختار منه ما أراه في أخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي و
الحسن و الحسين و علي بن الحسين عليهم السلام و آتيت كلا في بابه.
قال الباب السادس في معجزات
محمد الباقر (عليه السلام) .
عن عباد بن كثير
البصري قال : قلت للباقر ما حق المؤمن على الله فصرف وجهه فسألته عنه ثلاثا فقال من
حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت فنظرت و الله إلى النخلة
التي كانت هناك قد تحركت مقبلة فأشار إليها قري فلم أعنك .
و منها ما روي عن أبي الصباح الكناني قال : صرت يوما إلى باب محمد الباقر
فقرعت
[142]
الباب فخرجت إلي وصيفة ناهد فضربت بيدي إلى رأس
ثديها و قلت لها قولي لمولاك إني بالباب فصاح من داخل الدار ادخل لا أم لك فدخلت
فقلت يا مولاي ما قصدت ريبة و لا أردت إلا زيادة ما في نفسي فقال صدقت لئن ظننتم
أن هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذن فلا فرق بيننا و بينكم فإياك أن
تعاود إلى مثلها.
و منها : أن حبابة
الوالبية دخلت على الباقر (عليه السلام) فقال الباقر لها ما الذي أبطأ بك عني فقالت بياض عرض
في مفرق رأسي شغل قلبي قال أرنيه فوضع الباقر يده عليه فإذا هو أسود ثم قال هاتوا
لها المرآة فنظرت و قد اسود ذلك الشعر .
و منها : ما روي عن أبي بصيرقال : كنت مع الباقر (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قاعدا
حدثان ما مات علي بن الحسين (عليه السلام) إذ دخل المنصور و داود بن سليمان قبل أن أفضي الملك
إلى ولد العباس و ما قعد إلا داود إلى الباقر فقال ما منع الدوانقي أن يأتي قال
فيه جفاة قال الباقر لا تذهب الأيام حتى يلي أمر هذا الخلق فيطأ أعناق الرجال و
يملك شرقها و غربها و يطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجتمع لأحد
قبله فقام داود و أخبر الدوانقي بذلك فأقبل إليه الدوانقي و قال ما منعني من
الجلوس إليك إلا إجلالك فما الذي أخبرني به داود قال هو كائن قال و ملكنا قبل
ملككم قال نعم قال و يملك بعدي أحد من ولدي قال نعم قال فمدة بني أمية أكثر أم
مدتنا قال مدتكم أطول و ليتلقفن هذا الملك صبيانكم و يلعبون به كما يلعبون بالكرة
هذا ما عهده إلي أبي فلما ملك الدوانقي تعجب من قول الباقر .
و منها : ما روي عن أبي بصير قال : قلت يوما للباقر أنتم ذرية رسول الله قال
نعم قلت و رسول الله وارث الأنبياء كلهم قال نعم ورث جميع علومهم قلت و أنتم ورثتم
جميع علم رسول الله قال نعم قلت و أنتم تقدرون أن تحيوا الموتى و تبرءوا الأكمه و
الأبرص و تخبروا الناس بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم قال
[143]
نعم بإذن الله ثم قال ادن مني يا با بصير فدنوت منه فمسح بيده على وجهي فأبصرت
السهل و الجبل و السماء و الأرض ثم مسح بيده على وجهي فعدت كما كنت لا أبصر شيئا
قال أبو بصير فقال لي الباقر إن أحببت أن تكون هكذا كما أبصرت و حسابك على الله و
إن كنت تحب كما كنت و ثوابك الجنة فقلت أكون كما كنت و الجنة أحب إلي .
و منها : ما قال جابر كنا عند الباقر (عليه السلام) نحو من خمسين رجلا إذ دخل عليه كثير
النواء و كان من المعامرة فسلم و جلس ثم قال إن المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة
يزعم أن معك ملكا يعرفك الكافر من المؤمن و شيعتك من أعدائك قال ما حرفتك قال أبيع
الحنطة قال كذبت قال و ربما أبيع الشعير قال ليس كما قلت بل تبيع النوى قال من
أخبرك بهذا قال الملك الرباني يعرفني شيعتي من عدوي و لست تموت إلا تائها قال جابر
فلما انصرفت إلى الكوفة ذهبت في جماعة نسأل عن كثير فدللنا على عجوز فقالت مات
تائها منذ ثلاثة أيام .
[144]
و منها و قد اختصرت ألفاظها : قال عاصم بن أبي حمزة
ركب الباقر (عليه السلام) يوما إلى حائط له و أنا معه و سليمان بن خالد فسرنا قليلا فلقينا
رجلان فقال (عليه السلام) هما سارقان خذوهما فأخذهما عبيده فقال استوثقوا منهما و قال لسليمان
انطلق إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام و اصعد رأسه تجد في أعلاه كهفا فادخله و استخرج
ما فيه و حمله الغلام فهو قد سرق من رجلين فمضى و أحضر عيبتين فقال صاحباهما حاضر
ثم قال (عليه السلام) و عيبة أخرى أيضا في الجبل و صاحبها غائب سيحضر و استخرج عيبة أخرى من
موضع آخر في الكهف و عاد إلى المدينة فدخل صاحب العيبتين و قد كان ادعى على جماعة
أراد الوالي يعاقبهم فقال الباقر (عليه السلام) لا تعاقبهم و ردهما إلى الرجل و قطع السارقين
فقال أحدهما لقد قطعنا بحق فالحمد لله الذي أجرى قطعي و توبتي على يدي ابن رسول
الله فقال لقد سبقتك يدك التي قطعت إلى الجنة بعشرين سنة فعاش بعد قطعها عشرين سنة
و بعد ثلاثة أيام حضر صاحب العيبة الأخرى فقال له الباقر (عليه السلام) أخبرك بما في عيبتك
فيها ألف دينار لك و ألف دينار لغيرك و فيها من الثياب كذا و كذا فقال إن أخبرتني
بصاحب الألف و ما اسمه و أين هو علمت أنك الإمام المفترض الطاعة قال هو محمد بن
عبد الرحمن و هو صالح كثير الصدقة و الصلاة و هو الآن على الباب ينتظرك فقال الرجل
و هو بربري نصراني آمنت بالله الذي لا إله إلا هو و أن محمدا عبده و رسوله و أسلم .
و منها : ما روى الحسين بن راشد قال ذكرت زيد بن علي فتنقصته عند أبي عبد
الله فقال لا تفعل رحم الله عمي زيدا فإنه أتى أبي الباقر فقال إني أريد الخروج
على هذا الطاغية فقال لا تفعل يا زيد فإني أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر
الكوفة أ ما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل
خروج السفياني إلا قتل ثم قال له يا حسين إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها
على النار و فيهم نزل ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ
عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ
بِالْخَيْراتِ فالظالم لنفسه الذي لا يعرف
[145]
الإمام و
المقتصد العارف بحق الإمام و السابق بالخيرات هو الإمام ثم قال يا حسين إنا أهل
بيت لا نخرج من الدنيا حتى نقر لكل ذي فضل بفضله .
و منها : ما روى أبو بصير عن أبي جعفر أنه قال إني لأعرف رجلا لو قام بشاطئ
البحر لعرف دواب البحر بأمهاتها و عماتها و خالاتها.
و منها : أن جماعة
استأذنوا على أبي جعفر قالوا فلما صرنا في الدهليز سمعنا إذا قراءة سريانية بصوت
حسن يقرأ و يبكي حتى أبكى بعضنا و ما نفهم مما يقول شيئا فظننا أن عنده بعض أهل
الكتاب استقرأه فلما انقطع الصوت دخلنا عليه فلم نر عنده أحدا فقلنا له قد سمعنا
قراءة سريانية بصوت حزين قال ذكرت مناجاة إليا النبي فأبكتني .
و منها : ما روي عن عيسى بن عبد الرحمن عن أبيه قال دخل ابن عكاشة بن محصن
الأسدي على أبي جعفر و كان أبو عبد الله قائما عنده فقدم إليه عنبا فقال حبة حبة
يأكله الشيخ الكبير و الصبي الصغير و ثلاثة و أربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع فكله
حبتين حبتين فإنه يستحب فقال لأبي جعفر لأي شيء لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرك
للتزويج و بين يديه صرة مختومة فقال سيجيء نخاس من بربر ينزل دار ميمون فأتى لذلك
ما أتى فدخلنا على أبي جعفر فقال أ لا أخبركم عن ذلك النخاس الذي ذكرته لكم
فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة جارية فأتينا النخاس فقال قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين
أحدهما أمثل من الأخرى قلنا فأخرجهما حتى ننظر
[146]
إليهما
فأخرجهما فقلنا بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال بسبعين دينارا قلنا أحسن قال لا انقص
من سبعين دينارا فقلنا نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت و ما ندري ما فيها و كان
عنده رجل أبيض الرأس و اللحية فقال فكوا الخاتم و زنوا فقال النخاس لا تفكوا فإنها
إن نقصت حبة من السبعين لا أبايعكم قال الشيخ زنوا ففكنا و وزنا الدنانير فإذا هي
سبعون لا تزيد و لا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر و جعفر قائم عنده
فأخبرنا أبا جعفر بما كان فحمد الله ثم قال لها ما اسمك قالت حميدة قال حميدة في
الدنيا محمودة في الآخرة أخبريني عنك أ بكر أم ثيب قالت بكر قال فكيف و لا يقع في
أيدي النخاسين شيء إلا أفسدوه قالت كان يجيء النخاس فيقعد مني فيسلط الله عليه
رجلا أبيض الرأس و اللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ففعل بي مرارا و فعل الشيخ
مرارا فقال يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر (عليه السلام) .
و منها : ما روى أبو بصير عن الصادق (عليه السلام) قال كان أبي في مجلس له ذات يوم إذ
أطرق رأسه في الأرض ثم رفع رأسه فقال يا قوم كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم
مدينتكم هذه في أربعة آلاف حتى يستعرضكم بالسيف ثلاثة أيام فيقتل مقاتلتكم و تلقون
منه بلاء لا تقدرون أن تدفعوه و ذلك من قابل فخذوا حذركم و اعلموا أن الذي قلت لكم
هو كائن لا بد منه فلم يلتفت أهل المدينة إلى كلامه و قالوا لا يكون هذه أبدا فلم
يأخذوا حذرهم إلا نفر يسير و بنو هاشم خاصة و ذلك أنهم علموا أن كلامه هو الحق
فلما كان من قابل تحمل أبو جعفر (عليه السلام) بعياله و بنو هاشم و خرجوا من المدينة و جاء
نافع بن الأزرق حتى كبس المدينة فقتل مقاتلتهم و فضح نساءهم فقال أهل المدينة لا
نرد على أبي جعفر شيئا نسمعه منه أبدا بعد ما سمعنا و رأينا أهل بيت النبوة ينطقون
بالحق .
آخر ما نقلته من كتاب قطب الدين الراوندي رحمه الله تعالى.
و قال
الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله في كتابه
[147]
صفوة الصفوة : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب (عليه السلام) أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب و اسم ولده جعفر و عبد الله
و أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه و إبراهيم و
علي و زينب و أم سلمة .
و عن سفيان الثوري قال : سمعت منصورا يقول سمعت محمد بن علي يقول الغناء و
العز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أوطناه و قال ما دخل قلب
امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل أو كثر .
و عن خالد بن أبي
الهيثم عن محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله وجه
صاحبها على النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة و ما من شيء إلا
له جزاء إلا الدمعة فإن الله يكفر بها بحور الخطايا و لو أن باكيا بكى في أمة لحرم
الله تلك الأمة على النار .
و عنه (عليه السلام) : أنه قال لابنه يا بني إياك و الكسل و الضجر فإنهما مفتاح كل شر
إنك إن كسلت لم تؤد حقا و إن ضجرت لم تصبر على حق .
و عن عروة بن عبد
الله قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) عن حلية السيوف فقال لا بأس به قد حلي أبو
بكر الصديق رضي الله عنه سيفه قلت فتقول الصديق قال فوثب وثبة و استقبل القبلة و
قال نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا
في الدنيا و لا في الآخرة .
[148]
و عن أفلح مولاه قال : خرجت مع محمد بن علي (عليه السلام) حاجا
فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت بأبي أنت و أمي إن الناس
ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا قال ويحك يا أفلح و لم لا أبكي لعل الله أن ينظر
إلي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا ثم قال طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام
فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه .
و عن أبي حمزة عن
أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال : ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج و ما من شيء أحب
إلى الله عز و جل من أن يسأل و ما يدفع القضاء إلا الدعاء و إن أسرع الخير ثوابا البر
و إن أسرع الشر عقوبة البغي و كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من
نفسه و أن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه .
قال المصنف أسند أبو جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله و أبي سعيد الخدري و
أبي هريرة و ابن عباس و أنس و الحسن و الحسين و روى عن سعيد بن المسيب و غيره من
التابعين : و مات في سنة سبع عشرة و مائة و قيل ثماني عشرة و قيل أربع عشرة و هو ابن
ثلاث و سبعين و قيل ثمان و خمسين و أوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه آخر
كلام ابن الجوزي في هذا الباب .
و قال الآبي رحمه الله في كتابه نثر الدر : محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال يوما
لأصحابه أ يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير قالوا لا قال فلستم
إذا بإخوان .
و قال لابنه جعفر (عليه السلام) : إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة
شيئا فلعل رضاه فيه و خبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه
و خبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي و اجتمع عنده ناس من بني هاشم
و غيرهم فقال اتقوا الله شيعة آل محمد و كونوا
[149]
النمرقة
الوسطى يرجع إليكم الغالي و يلحق بكم التالي قالوا له و ما الغالي قال الذي يقول
فينا ما لا نقوله في أنفسنا قالوا فما التالي قال الذي يطلب الخير فيريد به خيرا و
الله ما بيننا و بين الله قرابة و لا لنا على الله من حجة و لا نتقرب إليه إلا
بالطاعة فمن كان منكم مطيعا لله يعمل بطاعته نفعته ولايتنا أهل البيت و من كان
منكم عاصيا لله يعمل بمعاصيه لم تنفعه ويحكم لا تغتروا ثلاثا .
و روي : أن عبد الله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر (عليه السلام) بلغني أنك تفتي في
المتعة فقال أحلها الله في كتابه و سنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عمل بها أصحابه فقال عبد الله فقد نهى
عنها عمر قال فأنت على قول صاحبك و أنا على قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عبد الله فيسرك أن
نساءك فعلن ذلك قال أبو جعفر و ما ذكر النساء هاهنا يا أنوك إن الذي أحلها في
كتابه و أباحها لعباده أغير منك و ممن نهى عنها تكلفا بل يسرك أن بعض حرمك تحت
حائك من حاكة يثرب نكاحا قال لا قال فلم تحرم ما أحل الله قال لا أحرم و لكن
الحائك ما هو لي بكفء قال فإن الله ارتضى عمله و رغب فيه و زوجه حوراء أ فترغب
عمن رغب الله فيه و تستنكف ممن هو كفء لحور الجنان كبرا و عتوا قال فضحك عبد الله
و قال ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم فصار لكم ثمره و للناس ورقه .
و سئل لم فرض الله الصوم على عباده قال ليجد الغني مس الجوع فيحنو
[150]
على الفقير.
و قال إن قوما
عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد و
إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار .
و قال أبو عثمان
الجاحظ ; جمع محمد صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال : صلاح شأن المعاش و
التعاشر ملء مكيال ثلثان فطنة و ثلث تغافل .
و هنأ رجلا بمولود
فقال : أسأل الله أن يجعله خلفا معك و خلفا بعدك فإن الرجل يخلف أباه في حياته و موته .
قال الحكم بن عيينة
: مررنا بامرأة محرمة قد أسبلت ثوبها قلت لها اسفري عن وجهك قالت أفتاني بذلك زوجي
محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) .
و كان إذا رأى
مبتلى أخفى الاستعاذة .
و كان لا يسمع من
داره يا سائل بورك فيك و لا يا سائل خذ هذا و كان يقول سموهم بأحسن أسمائهم .
و كان يقول اللهم
أعني على الدنيا بالغنى و على الآخرة بالعفو .
و قال لابنه : يا بني
إذا أنعم الله عليك بنعمة فقل الحمد لله و إذا حزنك أمر فقل لا حول و لا قوة إلا
بالله و إذا أبطأ عنك الرزق فقل أستغفر الله .
و قال : أدب الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أحسن الأدب فقال خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ
الْجاهِلِينَ فلما وعى قال وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ
عَنْهُ فَانْتَهُوا .
قال أحمد بن حمدون في تذكرته : قال محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)
[151]
ندعو الله فيما نحب فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله فيما أحب .
و قال : توقي الصرعة
خير من سؤال الرجعة .
و قيل له من أعظم
الناس قدرا قال من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا و أورد أشياء أخر قد ذكرتها قبل هذا و
ما أريد بتكرار ما أورده مكررا إلا ليعلم أنه قد نقل عن غير واحد حتى كاد يبلغ
التواتر فيذعن المنكر و يعترف الجاحد و بالله المستعان .
قال الفقير إلى رحمة ربه تبارك و تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى
: قد أوردت من أخبار سيدنا و مولانا الإمام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب (عليه السلام) و صفاته و ذكرت من علائم شرفه و سماته و رقمت من دلائله و علاماته و
نبهت بجهدي على ما خص به من شرف قبيله و شرف ذاته فتلوت قوله تعالى اللَّهُ
أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ففيما شرحته و بينته و أوضحته غنية لمن طلب
الحق و أراده و تبينه لمن أراد الله إسعاده فإن مناقبه (عليه السلام) أكثر من أن يأتي الحصر
عليها و مزاياه أعلى من أن تتوجه الإحاطة بها إليها و مفاخره إذا عددت خرت المفاخر
و المحامد لديها لأن شرفه (عليه السلام) تجاوز الحد و بلغ النهاية و جلال قدره استولى على
الأمد و أدرك الغاية و محله من العلم و العمل رفع له ألف راية و كم له (عليه السلام) من علامات
سؤدد و سيماء رئاسة و آية سماحة و حماسة و شرف منصب و علو نسب و فخر حسب و طهارة
أم و أب و الأخذ من الكرم و الطهارة بأقوى سبب لو طاول السماء لطالها أو رام
الكواكب في أوجها لنالها أو حاكمت سيادته عند موفق لقضي لها إذا اقتسمت قداح المجد
كان له معلاها أو قسمت غنائم السمو و الرفعة كان له مرباعها و صفاياها أو أجريت
جياد السيادة كان له سابقها أو جوريت مناقبه قصر طالبها و وني لاحقها يقصر لسان
البليغ في مضمار مآثره و يظهر عجز الجليد عن عد مفاخره الأصل طاهر كما عرفت و
الفرع زاهر كما وصفت و فوق ما وصفت ولده من بعده (عليه السلام) مشكاة الأنوار و مصابيح الظلام
و عصر الأنام و منتجع العافين إذا أجدب العام و العروة الوثقى
[152]
لذوي الاعتصام و الملجأ إذا نبذ العهد و خفر الذمام و الموئل الذين بولايتهم و
محبتهم يصح الإسلام و الملاذ إذا عرم الزمان و تنكر الأقوام و الوزر الذين تحط بهم
الأوزار و تغفر الآثام اللهم صل عليهم صلاة تزيدهم بها شرفا و مجدا و توليهم بها
فوق رفدك رفدا و تثبت لهم في كل قلب ودا و على كل مكلف عهدا فإنهم (عليهم السلام) عبادك الذين
اقتفوا آثار نبيك و انتهجوا و سلكوا سبيلك الذي أمرتهم به فما عرجوا و طاب لهم
السرى في ليل طاعتك و عبادتك فأدلجوا لا يأخذهم فيما أمرتهم به فتور و لا يعتريهم
كلال و لا قصور نهارهم صيام و ليلهم قيام و جودهم وافر كثير و برهم زائد غزير و
فضلهم شائع شهير لا يجاريهم مجار و لا يلحق عفو سعيهم سار و لا يماري في سؤددهم
ممار اللهم إلا من سلبه الله هداية التوفيق و أضله عن سواء الطريق اللهم فانفعنا
بحبهم و اجعلنا من صحبهم و احسبنا من حزبهم و اجعل كسبنا في الدنيا و الآخرة من
كسبهم و نعمنا بسلمهم كما أشقيت آخرين بحربهم و لا تخلنا في الدنيا من موالاتهم و
في الآخرة من قربهم فبهم (عليهم السلام) اهتدينا إليك و هم أدلتنا عليك و بحبك أحببناهم و
بإرشادك عرفناهم إنك عظيم الآلاء سميع الدعاء.
و قد جريت على عادتي و مدحت مولانا
الباقر (عليه السلام) بهذه الأبيات و إن كانت قاصرة عن شريف قدره غير محيطة بما يجب من حمده و
شكره و عد مناقب مجده و فخره و لكن إذا جرى القلم بكشف أمر فلا حيلة في ستره و ما
قدر مدحي في مدح من يتطامن كل شرف لشرفه و تقر الأوائل و الأواخر بعلو قدره و قدر
سلفه و يجري مجراه و مجرى أوليته شريف خلقه فمن فكر في هذه العترة الصالحة و هداه
الله بالتجارة الرابحة و كان له نظر صائب و فكر ثاقب قال ما أشبه الليلة بالبارحة
و الأبيات هذه :
يا راكبا يقطع جوز الفلا *** على أمون جسرة ضامر
[153]
كالحرف إلا أنها في السرى *** تسبق رجع النظر الباصر
أسرع في الإرقال من خاضب *** أعجله الركض و من طائر
آنسه بالوخد لكنها *** في سيرها كالنقنق الناقر
عرج على طيبة و انزل بها *** و قف مقام الضارع الصاغر
و قبل الأرض و سف تربها *** و اسجد على ذاك الثرى الطاهر
و أبلغ رسول الله خير الورى *** عني في الماضي و في الغابر
سلام عبد خالص حبه *** باطنه في الصدق كالظاهر
و عج على أرض البقيع الذي *** ترابه يجلو قذى الناظر
و بلغن عني سكانه *** تحية كالمثل السائر
قوم هم الغاية في فضلهم *** فالأول السابق كالآخر
هم الأولى شادوا بناء العلى *** بالأسمر الذابل و الباتر
و أشرقت في المجد أحسابهم *** إشراق نور القمر الباهر
و بخلوا الغيث و يوم الوغا *** راعوا جنان الأسد الخادر
بدا بهم نور الهدى مشرقا *** و ميز البر من الفاجر
فحبهم وقف على مؤمن *** و بغضهم حتم على كافر
كم لي مديح فيهم شائع *** و هذه تختص بالباقر
إمام حق فاق في فضله *** العالم من باد و من حاضر
أخلاقه الغر رياض فما *** الروض غداة الصيب الماطر
[154]
ما ضر قوما غصبوا حقه *** و الظلم من شنشنة الجائر
لو حكموه فقضى بينهم *** أبلج مثل القمر الزاهر
فرع زكا أصلا و أصل سما *** فرعا علاء الفلك الدائر
جرى على سنة آبائه *** جرى الجواد السابق الضامر
و جاء من بعد بنوه على *** آثاره الوارد كالصادر
فخارة ينقله منجد *** مصدق في النقل عن غابر
قد كثرت في الفضل أوصافه *** و إنما العزة للكاثر
لو صافحت راحته ميتا *** عاش و لم ينقل إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا *** يا عجبا للميت الناشر
محمد الخير استمع شاعرا *** لولاكم ما كان بالشاعر
قد قصر المدح على مجدكم *** و ليس في ذلك بالقاصر
يود لو ساعده دهره *** تقبيل ذاك المقبر الفاخر