next page

fehrest page

back page

ذكر الإمام الرابع أبي الحسن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

قال كمال الدين رحمه الله : هذا زين العابدين قدوة الزاهدين و سيد المتقين و إمام المؤمنين شيمته تشهد أنه من سلالة رسول الله و سمته يثبت مقام قربة من الله زلفا و ثفناته تسجل بكثرة صلاته و تهجده و إعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها درت له أخلاف التقوى فتفوقها و أشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدى بها و ألفته أوراد العبادة فأنس بصحبتها و حالفته وظائف الطاعة فتحلو بحليتها طال ما اتخذ سهره مطية ركبها لقطع طريق الآخرة و ظمأ الهواجر دليلا استرشد به في مسافة المسافرة و له من الخوارق و الكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة و ثبت بالآثار المتواترة و شهد له أنه من ملوك الآخرة .

فأما ولادته.

فبالمدينة في الخميس الخامس من شعبان سنة ثمان و ثلاثين

[74]

من الهجرة في أيام جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قبل وفاته بسنتين .

و أما نسبه أبا و أما.

فوالده الحسين بن علي و قد تقدم بسط ذلك.

فأما أمه أم ولد اسمها غزالة و قيل بل كان اسمها شاه زنان بنت يزدجرد و قيل غير ذلك .

و أما اسمه.

فعلي و كان للحسين (عليه السلام) ولد آخر أكبر من هذا فقتل بين يدي والده و قد تقدم ذكره و ولد طفل صغير فجاءه سهم فقتله و قد تقدم ذكر ذلك و كان كل واحد منهم يسمى عليا .

فأما كنيته.

فالمشهور أبو الحسن و يقال أبو محمد و قيل أبو بكر .

و أما لقبه.

فكان له ألقاب كثيرة كلها تطلق عليه أشهرها زين العابدين و سيد العابدين و الزكي و الأمين و ذو الثفنات و قيل كان سبب لقبه بزين العابدين أنه كان ليلة في محرابه قائما في تهجده فتمثل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه فجاء إلى إبهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه فألمه فلم يقطع صلاته فلما فرغ منها و قد كشف الله له فعلم أنه شيطان فسبه و لطمه و قال له اخسأ يا ملعون فذهب و قام إلى إتمام ورده فسمع صوت لا يرى قائله و هو يقول أنت زين العابدين حقا ثلاثا فظهرت هذه الكلمة و اشتهرت لقبا له (عليه السلام) .

و أما مناقبه و مزاياه و صفاته .

فكثيرة فمنها أنه كان إذا توضأ للصلاة يصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء فيقول أ تدرون بين يدي من أريد أن أقوم و منها أنه كان إذا مشى لا يجاوز يده فخذه و لا يخطر بيده و عليه السكينة و الخشوع و إذا قام إلى الصلاة أخذته الرعدة فيقول لمن يسأله أريد أن أقوم بين يدي ربي و أناجيه فلهذا تأخذني الرعدة.

و وقع الحريق و النار في البيت الذي هو فيه و كان ساجدا في صلاته فجعلوا يقولون له يا ابن رسول الله يا ابن رسول الله النار النار فما رفع رأسه من سجود حتى

[75]

أطفئت فقيل له ما الذي ألهاك عنها فقال نار الآخرة .

و منها ما نقله سفيان قال : جاء رجل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال له إن فلانا قد وقع فيك و أذاك قال فانطلق بنا إليه فانطلق معه و هو يرى أنه سينتصر لنفسه فلما أتاه قال له يا هذا إن كان ما قلت في حقا فالله تعالى يغفره لي و إن كان ما قلت في باطلا فالله يغفر لك .

و كان بينه و بين ابن عمه حسن بن الحسن شي‏ء من المنافرة فجاء حسن إلى علي و هو في المسجد مع أصحابه فما ترك شيئا إلا قاله له من الأذى و هو ساكت ثم انصرف حسن فلما كان الليل أتاه في منزله فقرع عليه الباب فخرج حسن إليه فقال له علي يا أخي إن كنت صادقا فيما قلت فغفر الله لي و إن كنت كاذبا فيه فغفر الله لك و السلام عليك و رحمة الله و بركاته ثم ولى فاتبعه حسن و التزمه من خلفه و بكى حتى رق له ثم قال له و الله لا عدت إلى أمر تكرهه فقال له علي و أنت في حل مما قلته .

و كان يقول (عليه السلام) فقد الأحبة غربة .

و كان يقول اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامح العيون علانيتي و تقبح عندك سريرتي اللهم كما أسأت و أحسنت إلي فإذا عدت فعد علي .

و كان يقول إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد و آخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار .

و منها أنه كان (عليه السلام) لا يحب أن يعينه على طهوره أحد و كان يستقي الماء لطهوره و يخمره قبل أن ينام فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلات .

و كان يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار في الليل و يقول يا بني ليس هذا عليكم بواجب و لكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم عليها .

[76]

و كان لا يدع صلاة الليل في السفر و الحضر .

و كان من كلامه (عليه السلام) : عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة و هو غدا جيفة و عجبت كل العجب لمن شك في الله و هو يرى خلقه و عجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى و هو يرى النشأة الأولى و عجبت كل العجب لمن عمل لدار الفنا و ترك العمل لدار البقاء و كان إذا أتاه السائل يقول مرحبا بمن يحمل لي زادي إلى الآخرة .

و منها ما نقل عن ابن شهاب الزهري أنه قال : شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا و وكل به حفاظا في عدة و جمع فاستأذنتهم في التسليم عليه و التوديع له فأذنوا لي فدخلت عليه و هو في قبة و الأقياد في رجليه و الغل في يديه فبكيت و قلت وددت أني في مكانك و أنت سالم فقال لي يا زهري أ و تظن هذا مما ترى علي و في عنقي مما يكربني أما لو شئت ما كان و أنه إن بلغ بك و بأمثالك غمر ليذكر عذاب الله ثم أخرج يده من الغل و رجليه من القيد ثم قال يا زهري لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه من المدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه فقال لي بعضهم إنا نراه متبوعا أنه لنازل و نحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديدة قال الزهري فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته فقال لي إنه جاءني في يوم فقده الأعوان فدخل علي فقال ما أنا و أنت فقلت أقم عندي فقال لا أحب ثم خرج فو الله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة قال الزهري فقلت يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين (عليه السلام) حيث تظن أنه مشغول بربه فقال حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به .

و كان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكي و يقول زين العابدين .

و قال أبو حمزة الثمالي : أتيت باب علي بن الحسين فكرهت أن أصوت فقعدت حتى خرج فسلمت عليه و دعوت له فرد علي ثم انتهى إلى حائط فقال

[77]

يا أبا حمزة أ لا ترى هذا الحائط فقلت بلى يا ابن رسول الله قال فإني اتكأت عليه يوما و أنا حزين و إذا رجل حسن الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي ثم قال يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا أ على الدنيا فهو رزق حاضر يأكل منها البر و الفاجر فقلت ما عليها أحزن و أنه لكما تقول فقال أ على الآخرة فإنه وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر قال : قلت ما على هذا أحزن و أنه لكما تقول فقال و ما حزنك يا علي فقلت ما أتخوف من فتنة ابن الزبير فقال لي يا علي هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه قلت لا قال فخاف الله فلم يكفه قلت لا فغاب عني فقيل لي يا علي بن الحسين هذا الخضر (عليه السلام) ناجاك .

و قال سفيان : قال لي علي بن الحسين ما أحب لي بنصيبي من الذل حمر النعم .

و قال أبو حمزة الثمالي : كنت يوما عند علي بن الحسين (عليه السلام) فإذا عصافير يطرن حوله و يصرخن فقال لي يا أبا حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير قلت لا قال فإنها تقدس ربها و تسأله قوت يومها .

و منها : أنه لما مات علي بن الحسين (عليه السلام) وجدوه يقوت مائة بيت من أهل المدينة كان يحمل إليهم ما يحتاجون إليه.

و قال محمد بن إسحاق : كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم فلما مات علي بن الحسين (عليه السلام) فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل .

و قال أبو حمزة الثمالي : كان زين العابدين (عليه السلام) يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به و يقول إن صدقة السر تطفئ غضب الرب و لما مات (عليه السلام) و غسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار في ظهره فقالوا ما هذا قيل كان يحمل جرب الدقيق على ظهره ليلا و يوصلها إلى فقراء المدينة سرا .

[78]

و قال ابن عائشة : سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين (عليه السلام) .

و قال سفيان : أراد علي بن الحسين الخروج إلى الحج فاتخذت له سكينة بنت الحسين أخته زادا أنفقت عليه ألف درهم فلما كان يظهر الحرة سيرت ذلك إليه فلم يزل يفرقه على المساكين .

و قال سعيد بن مرجانة : كنت يوما عند علي بن الحسين فقلت سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله تعالى بكل إرب منها إربا منه من النار حتى أنه ليعتق باليد اليد و بالرجل الرجل و بالفرج الفرج فقال علي (عليه السلام) أنت سمعت هذه من أبي هريرة فقال سعيد نعم فقال لغلام له أفره غلمانه و كان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه أنت حر لوجه الله تعالى .

و قدم عليه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم فلما فرغوا من كلامهم قال لهم أ لا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ .

قالوا : لا .

قال : فأنتم الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ .

قالوا : لا .

قال : أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين و أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا أخرجوا عني فعل الله بكم .

و قال : نافع بن جبير يوما لعلي بن الحسين (عليه السلام) أنت سيد الناس

[79]

و أفضلهم فتذهب إلى هذا العبد فتجلس عنده يعني زيد بن أسلم فقال له ينبغي للعلم أن يتبع حيث ما كان .

و لما حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يمكنه و جاء علي بن الحسين (عليه السلام) فتوقف له الناس و تنحوا حتى استلم فقالوا جماعة هشام لهشام من هذا فقال لا أعرفه فسمعه الفرزدق فقال لكني أعرفه هذا علي بن الحسين زين العابدين و أنشد هشاما من الأبيات التي قالها في أبيه الحسين (عليه السلام) و قد تقدم ذكرها :

هذا ابن خير عباد الله كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم

‏هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** و البيت يعرفه و الحل و الحرم

‏يكاد يمسكه عرفان راحته ركن *** الحطيم إذا ما جاء يستلم

‏إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

‏إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

‏هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجده أنبياء الله قد ختموا

و ليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من أنكرت و العجم

‏أي الخلائق ليست في رقابهم *** لأولية هذا أو له نعم

‏من يعرف الله يعرف أولية *** ذا الدين من بيت هذا قاله الأمم

[80]

فزاد فيها هذه الأبيات لمخاطبته هشاما بذلك فحبسه هشام فقال و قد أدخل الحبس .

أ يحبسني بين المدينة و التي *** إليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيدي *** و عينا له حولاء باد عيوبها

فأخرجه من الحبس فوجه إليه علي بن الحسين (عليه السلام) عشرة ألف درهم و قال اعذرنا يا با فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به فردها الفرزدق و قال ما قلت ما كان إلا لله و لا أرزأ عليه شيئا فقال له علي (عليه السلام) قد رأى الله مكانك فشكرك و لكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه و أقسم عليه فقبلها. و قال رجل لسعيد بن المسيب ما رأيت رجلا أورع من فلان لرجل سماه فقال له سعيد أ ما رأيت علي بن الحسين فقال لا فقال ما رأيت أورع منه و قال الزهري لم أر هاشميا أفضل من علي بن الحسين (عليه السلام) .

و قال أبو حازم كذلك أيضا : ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين و ما رأيت أحدا كان أفقر منه .

و قال طاوس : رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) ساجدا في الحجر فقلت رجل صالح من أهل بيت طيب لأسمعن ما يقول فأصغيت إليه فسمعته يقول : عبدك بفنائك مسكينك بفنائك سائلك بفنائك فقيرك بفنائك .

فو الله ما دعوت بهن في كرب إلا كشف عني .

[81]

و كان يصلي في كل يوم و ليلة ألف ركعة فإذا أصبح سقط مغشيا عليه و كانت الريح تميله كالسنبلة و كان يوما خارجا فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد و الموالي فقال لهم علي مهلا كفوا ثم أقبل على ذلك الرجل فقال له ما ستر عنك من أمرنا أكثر أ لك حاجة يغنيك عليها فاستحيا الرجل فألقى إليه علي خميصة كانت عليه و أمر له بألف درهم فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول أشهد أنك من أولاد الرسل.

الخميصة : كساء أسود مربع له علمان فإن لم يكن معلما فليس بخميصة و كان عنده (عليه السلام) قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فأقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس بني لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام و قد تحير الغلام و اضطرب أنت حر فإنك لم تعتمده و أخذ في جهاز ابنه و دفنه .

و منها : أنه (عليه السلام) دخل على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي فقال له علي (عليه السلام) ما شأنك فقال علي دين فقال له كم هو فقال خمسة عشر ألف دينار فقال علي بن الحسين هو علي فالتزمه عنه .

و قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) : أوصاني أبي فقال يا بني لا تصحبن خمسة و لا تحادثهم و لا ترافقهم في طريق فقلت جعلت فداك يا أبة من هؤلاء الخمسة قال لا تصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكلة فما دونها فقلت يا أبة و ما دونها قال يطمع فيها ثم لا ينالها قال : قلت يا أبة و من الثاني قال لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه قال فقلت و من الثالث قال لا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب و يقرب منك البعيد قال فقلت و من الرابع قال لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك قال : قلت يا أبة من الخامس قال

[82]

لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع .

و أما أولاده (عليه السلام) .

فقيل كان له تسعة أولاد ذكور و لم تكن له أنثى و أسماء أولاده محمد الباقر و زيد الشهيد بالكوفة و عبد الله و عبيد الله و الحسن و الحسين و علي و عمر .

و أما عمره.

فإنه مات في ثامن عشر المحرم من سنة أربع و تسعين و قيل خمس و تسعين و قد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمان و ثلاثين فيكون عمره سبعا و خمسين سنة و كان منها مع جده سنتين و مع عمه الحسن عشر سنين و أقام مع أبيه بعد عمه الحسن عشر سنين و بقي بعد قتل أبيه تتمة ذلك و قبره بالبقيع بمدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القبر الذي فيه عمه الحسن في القبة التي فيها العباس بن عبد المطلب (عليه السلام) آخر كلام كمال الدين.

قلت إن كمال الدين رحمه الله شرع في الاختصار منذ ذكر الإمام زين العابدين (عليه السلام) و الأخبار التي أوردها في أوصافه (عليه السلام) نقلها من كتاب حلية الأولياء للحافظ

[83]

أبي نعيم رحمه الله و لم ينقل من غيره إلا ذكر أولاده (عليه السلام) و قال إنهم تسعة و ذكر ثمانية و لعله سهو من الناسخ.

قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى باب ذكر الإمام بعد الحسين بن علي (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و مبلغ سنه و مدة خلافته و وقت وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره : و الإمام بعد الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابنه أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان يكنى أيضا أبا الحسن و أمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى و يقال إن اسمها كان شهر بانويه و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ولى حريث بن جابر الجعفي جانبا من المشرق فبعث إليه ببنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى فنحل ابنه الحسين (عليه السلام) شاه زنان فأولدها زين العابدين (عليه السلام) و نحل الأخرى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر فهما ابنا خاله و كان مولد علي بن الحسين (عليه السلام) بالمدينة سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة فبقي مع جده أمير المؤمنين سنتين و مع عمه الحسن (عليه السلام) اثنتي عشرة سنة و مع أبيه الحسين (عليه السلام) ثلاثا و عشرين سنة و بعد أبيه أربعا و ثلاثين سنة و توفي بالمدينة سنة خمس و تسعين سنة للهجرة و له يومئذ سبع و خمسون سنة و كانت إمامته عشرين سنة و دفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي (عليه السلام) .

و ثبتت له الإمامة من وجوه .

أحدها أنه كان أفضل خلق الله بعد أبيه علما و عملا فالإمامة للأفضل دون المفضول بدلائل العقول .

و منها : أنه كان (عليه السلام) أولى بأبيه الحسين (عليه السلام) و أحقهم بمقامه من بعده بالفضل و النسب و الأولى بالإمام الماضي أحق بمقامه من غيره لدلالة آية ذوي الأرحام و قصة زكريا (عليه السلام) .

و منها : وجوب الإمامة عقلا في كل زمان و فساد دعوى كل مدع للإمامة في أيام علي بن الحسين (عليه السلام) أو مدعي له سواه فثبت فيه لاستحالة خلو الزمان من الإمام.

[84]

و منها : ثبوت الإمامة أيضا في العترة خاصة بالنص و بالخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و فساد قول من ادعاها لمحمد بن الحنفية رضي الله عنه بتعريه من النص عليه بها فثبت أنها في علي بن الحسين (عليه السلام) إذ لا مدعي له الإمامة من العترة سوى محمد رضي الله عنه و خروجه عنها بما ذكرناه .

و منها : نص رسول الله ص بالإمامة عليه فيما روي من حديث اللوح الذي رواه جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و رواه محمد بن علي الباقر (عليه السلام) عن أبيه عن جده عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و نص جده أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياة أبيه الحسين بما ضمن ذلك من الأخبار و وصية أبيه الحسين (عليه السلام) إليه و إيداعه أم سلمة رضي الله عنها ماء قبضه على من بعده و قد كان جعل التماسه من أم سلمة علامة على إمامة الطالب له من الأنام و هذا باب يعرفه من تصفح الأخبار و لم نقصد في هذا الكتاب القول في معناه فنستقصيه على التمام.

قلت رحم الله شيخنا المفيد كان يجب أن يورد النص عليه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و من جده و أبيه (عليه السلام) مقدما على غيره فإن إمامته (عليه السلام) إذا كانت ثابتة بالنص كفتنا المئونة و حطت عنا أعباء المشقة و لم نحتج إلى إثباتها من طرق أخرى و قال باب ذكر طرف من أخبار علي بن الحسين (عليه السلام) .

حدثنا عبد الله بن موسى عن أبيه عن جده قال : كانت أي فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) تأمرني أن أجلس إلى خالي علي بن الحسين (عليه السلام) فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد استفدته إما خشية الله تعالى تحدث في قلبي لما أرى من خشيته الله أو علم قد استفدته منه .

[85]

و عن ابن شهاب الزهري قال حدثنا علي بن الحسين و كان أفضل هاشمي أدركناه قال أحبونا حب الإسلام فما زال حبكم لنا حتى صار شينا علينا .

و عن سعيد بن كلثوم قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأطراه و مدحه بما هو أهله ثم قال و الله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله و ما عرض له أمران قط هما لله رضى إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه و ما نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نازلة قط إلا دعاه ثقة به و ما أطاق أحد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الأمة غيره و إن كان ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة و النار يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه و لقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله عز و جل و النجاة من النار مما كد بيديه و رشح منه جبينه و أنه كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة و ما كان لباسه إلا الكرابيس إذا فضل شي‏ء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه و لا أشبهه من ولده و لا من أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه و فقهه من علي بن الحسين (عليه السلام) و لقد دخل ابنه أبو جعفر (عليه السلام) عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد فرآه قد اصفر لونه من السهر و رمضت عيناه من البكاء و دبرت جبهته و انخرم أنفه من السجود و ورمت ساقاه و قدماه من القيام في الصلاة قال أبو جعفر (عليه السلام) فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء فبكيت رحمة له و إذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي و قال يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعطيته فقرا فيها شيئا يسيرا ثم تركها من يده تضجرا و قال من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

[86]

و عن عبد الله بن محمد القرشي قال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا توضأ يصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يغشاك فيقول أ تدرون من أتأهب للقيام بين يديه .

و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة .

و روى سفيان الثوري عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب قال : ذكر لعلي بن الحسين فضله فقال حسبنا أن نكون من صالحي قومنا .

و عن طاوس قال : دخلت الحجر في الليل فإذا علي بن الحسين (عليه السلام) قد دخل فقام يصلي فصلى ما شاء الله ثم سجد فقلت رجل صالح من أهل بيت النبوة و ساق الحديث المقدم ذكره و قال عبيدك بفنائك إلى آخرهن .

و عن إبراهيم بن علي عن أبيه قال : حججت مع علي بن الحسين (عليه السلام) فالتاثت الناقة عليه في مسيرها فأشار إليها بالقضيب ثم قال أوه أوه لو لا القصاص و رد يده عنها .

و بهذا الإسناد قال : حج علي بن الحسين (عليه السلام) ماشيا فسار عشرين يوما و ليلة من المدينة إلى مكة .

و عن زرارة بن أعين قال : سمع قائل في جوف الليل و هو يقول أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته و لا يرى شخصه ذاك علي بن الحسين (عليه السلام) .

و عن الزهري قال : لم أدرك أحدا من أهل هذا البيت يعني بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل من علي بن الحسين (عليه السلام) .

و جلس إلى سعيد بن المسيب فتى من قريش فطلع علي بن الحسين (عليه السلام) فقال القرشي لابن المسيب من هذا يا أبا محمد فقال هذا سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

[87]

و سكبت عليه الماء جارية ليتوضأ للصلاة فنعست فسقط الإبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية إن الله عز و جل يقول وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال قد كظمت غيظي قالت وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال لها عفا الله عنك قالت وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى .

و روي : أنه (عليه السلام) دعا مملوكه مرتين فلم يجبه و أجابه في الثالثة فقال له يا بني أ ما سمعت صوتي قال بلى قال فما لك لم تجبني قال أمنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني .

و عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط و ساق ما أورده كمال الدين و قد ذكره الحافظ أبو نعيم في الحلية و فيه أ على الدنيا حزنك فرزق حاضر للبر و الفاجر قال فقلت ما على هذا أحزن و أنه لكما تقول فقال على الآخرة فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر قال : قلت و لا على هذا أحزن و أنه لكما تقول قال فعلى م حزنك قال فقلت أتخوف من فتنة ابن الزبير قال فضحك ثم قال يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا قط توكل على الله فلم يكفه قلت لا قال يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا قط خاف الله فلم ينجه قلت لا قال يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا قط سأل الله فلم يعطه قلت لا ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد .

و عن ابن إسحاق قال : كان بالمدينة كذا و كذا أهل بيت يأتيهم رزقهم و ما يحتاجون إليه و لا يدرون من أين يأتيهم فلما مات علي بن الحسين (عليه السلام) فقدوا ذلك .

و عن عمرو بن دينار و ساق حديث محمد بن أسامة بن زيد و بكائه عند موته بسبب الدين و هو خمسة عشر ألف دينار فقال (عليه السلام) : لا تبك فهي علي و أنت منها بري‏ء و قضاها عنه .

حدث عبد الملك بن عبد العزيز قال : لما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة

[88]

رد إلى علي بن الحسين (عليه السلام) صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي بن أبي طالب (عليه السلام) و كانتا مضمونتين فخرج عمر بن علي إلى عبد الملك يتظلم إليه من نفسه فقال عبد الملك أقول كما قال ابن أبي الحقيق :

إنا إذا مالت دواعي الهوى *** و أنصت السامع للقائل‏

و اصطرع الناس بألبابهم *** نقضي بحكم عادل فاضل‏

لا نجعل الباطل حقا و لا *** نلط دون الحق بالباطل

‏نخاف أن تسفه أحلامنا *** فتحمل الدهر مع الخامل

حدثنا الحسين بن زيد عن عمه عمر بن علي عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) أنه كان يقول : لم أر مثل التقدم في الدعاء فإن العبد ليس تحضره الإجابة في كل وقت .

و كان مما حفظ عنه (عليه السلام) من الدعاء حين بلغه توجه مسرف بن عقبة

[89]

إلى المدينة :

رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري و كم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني و يا من قل عند بلائه صبري فلم يخذلني يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا و يا ذا النعماء التي لا تحصى عددا صل على محمد و آل محمد و ادفع عني شره فإني أدرأ بك في نحره و أستعيذ بك من شره فقدم مسرف بن عقبة المدينة و كان يقال لا يريد غير علي بن الحسين (عليه السلام) فسلم منه و أكرمه و حباه و وصله .

و جاء الحديث من غير وجه أن مسرف بن عقبة لما قدم إلى المدينة أرسل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فأتاه فلما صار إليه قربه و أكرمه و قال له وصاني أمير المؤمنين ببرك و تمييزك من غيرك فجزاه خيرا ثم قال أسرجوا له بغلتي و قال له انصرف إلى أهلك فإني أرى أن قد أفزعناهم و أتعبناك بمشيك إلينا و لو كان بأيدينا ما نقوى به على صلتك بقدر حقك لوصلناك فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) ما أعذرني للأمير و ركب فقال مسرف لجلسائه هذا الخير الذي لا شر فيه مع موضعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و مكانته منه.

فهذا طرف مما ورد من الحديث في فضائل زين العابدين (عليه السلام) .

و جاءت الرواية : أن علي بن الحسين كان في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم إذ سمع قوما يشبهون الله بخلقه ففزع لذلك و ارتاع له و نهض حتى أتى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوقف عنده فرفع صوته يناجي ربه فقال في مناجاته له إلهي بدت قدرتك و لم تبد هيئة فجهلوك و قدروك بالتقدير على غير ما أنت به شبهوك و أنا بري‏ء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس مثلك شي‏ء إلهي و لم يدركوك و ظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك في خلقك يا إلهي مندوحة أن يتأولوك بل سووك بخلقك فمن ثم لم يعرفوك و اتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك فتعاليت يا إلهي عما به المشبهون نعتوك .

و قد روى فقهاء العامة عنه من العلوم ما لا يحصى كثرة و حفظ عنه

[90]

من المواعظ و الأدعية و فضائل القرآن و الحلال و الحرام و المغازي و الأيام ما هو مشهور بين العلماء و لو قصدنا إلى شرح ذلك لطال الخطاب و تقضي به الزمان.

و قد روت الشيعة له آيات و معجزات و براهين واضحات لم يتسع إيرادها في هذا المكان و وجودها في كتبهم المصنفة تنوب مناب إيرادها في هذا الكتاب و الله الموفق للصواب باب ذكر ولد علي بن الحسين (عليه السلام) ولد علي بن الحسين (عليه السلام) خمسة عشر ولدا محمد المكنى أبا جعفر الباقر (عليه السلام) أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و زيد و عمر أمهما أم ولد و عبد الله و الحسن و الحسين أمهم أم ولد و الحسين الأصغر و عبد الرحمن و سليمان لأم ولد و علي و كان أصغر ولد علي بن الحسين (عليه السلام) و خديجة أمهما أم ولد و محمد الأصغر أمه أم ولد و فاطمة و علية و أم كلثوم أمهن أم ولد انتهى كلام المفيد رحمه الله.

و قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي أبو الحسن : و يقال أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن مناف بن قصي ; سمع جماعة من الصحابة من الرجال و النساء منهم عمه الحسن (عليه السلام) و أبوه (عليه السلام) و عبد الله بن جعفر و عبد الله بن العباس و جابر بن عبد الله و عبد الله بن الزبير و المسور بن مخزمة و أبو سعيد الساعدي و الحارث بن هشام و أسامة بن زيد و بريدة بن الخصيب و سواهم.

و من النساء فاطمة و عائشة و أم سلمة و أم أيمن و الربيع بنت مسعود بن عفرا و درة بنت أبي لهب و غيرهن .

و روى بسنده عن العيزار بن حريث قال : كنت عند ابن عباس فأتاه علي بن الحسين فقال مرحبا بالحبيب بن الحبيب.

و قال ابن سعد : كان علي بن الحسين (عليه السلام) مع أبيه و هو ابن ثلاث و عشرين سنة

[91]

و كان مريضا نائما على فراشه فلما قتل الحسين (عليه السلام) قال شمر بن ذي الجوشن اقتلوا هذا فقال رجل من أصحابه يا سبحان الله أ تقتل فتى مريضا حدثا لم يقاتل .

قال ابن سعد أخبرنا عبد الرحمن بن يونس عن سفيان عن جعفر بن محمد قال : مات علي بن الحسين و هو ابن ثمان و خمسين سنة قال ابن عمر فهذا يدلك على أن علي بن الحسين كان مع أبيه و هو ابن ثلاث أو أربع و عشرين سنة و ليس قول من قال إنه كان صغيرا بشي‏ء و لكنه كان مريضا و لم يقاتل و كيف يكون صغيرا و قد ولد له أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) و قد لقي أبو جعفر جابر بن عبد الله و روى عنه و مات جابر بن عبد الله سنة ثمان و تسعين.

و عن أبي فروة قال : مات علي بن الحسين بالمدينة و دفن بالبقيع سنة أربع و تسعين و كان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها منهم.

حدثني حسين بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : مات أبي علي بن الحسين سنة أربع و تسعين و صلينا عليه بالبقيع .

و قال غيره : مولده سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة و مات سنة خمس و تسعين و أمه أم ولد اسمها غزالة.

قال محمد بن سعيد : و لعلي بن الحسين العقب من ولد الحسين و أخوه علي قتل مع أبيه بكربلاء و لم يولد له فولد علي بن الحسين عبد الله و الحسن و الحسن بن علي درج و الحسين الأكبر درج أيضا و محمد أبو جعفر الفقيه و عبد الله أمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب و عمر و زيد المقتول بالكوفة قتله يوسف بن عمرو الثقفي في خلافة هشام بن عبد الملك و صلبه و علي بن علي و خديجة و أمهم أم ولد و كلثوم بنت علي و سليمان لا عقب له و مليكة لأمهات أولاد و القاسم و أم الحسن و هي حسنة و أم الحسين و فاطمة لأمهات أولاد .

و بإسناده يرفعه إلى الكلبي قال : ولى علي بن أبي طالب (عليه السلام) حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق فبعث بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى فقال علي لابنه الحسين (عليه السلام) دونكها فأولدها علي بن الحسين .

و في حديث آخر : أنه

[92]

أنفذ ببنتي يزدجرد بن شهريار فأعطى الحسين واحدة و أعطى محمد بن أبي بكر الأخرى فأولداهما .

و قد تقدم ذكر ذلك .

و عن أبي حمزة قال : كان علي بن الحسين يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة .

و عن عبد الله بن علي بن الحسين قال : كان أبي يصلي الليل حتى يزحف إلى فراشه .

و عن أبي عبد الله قال : كان علي بن الحسين يعول سبعين بيتا من أهل المدينة و هم لا يعلمون فلما مات فقدوا أثره .

و عن الزهري قال : ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين .

و قد سبق ذكره و روى بسنده حديث حج هشام و قصيدة الفرزدق .

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** هذا ابن خير عباد الله كلهم

‏إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا انتهى الكرم

‏ينمي إلى ذروة العز التي قصرت *** عن نيلها عرب الإسلام و العجم

‏يكاد يمسكه...

يغضى حياء ...

من جده دان فضل الأنبياء له *** و فضل أمته دانت له الأمم

‏ينشق نور الدجى إن كنت جاهله *** مشقة من رسول الله نبعته

...

...

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** الله فضله قدما و شرفه

‏جرى بذاك له في لوحه القلم .

فليس قولك من هذا بضائره *** ... ... ...

كلتا يديه غياث عم نفعهما *** تستو كفان و لا يعروهما العدم

‏سهل الخليقة لا يخشى بوادره *** يزينه اثنان حسن الخلق و الشيم

[93]

حمال أثقال أقوام إذا فدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم

‏لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفناء أريب حين يعترم

‏عم البرية بالإحسان فانقشعت *** عنه الغيابة و الإملاق و العدم

‏من معشر حبهم دين و بغضهم *** كفر و قربهم منجى و معتصم

‏إن عد أهل التقى *** ... ... ...

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** ... ... ...

‏هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت *** و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم

‏لا يقبض العسر بسطا من أكفهم *** سيان ذلك إن أثروا و إن عدموا

يستدفع السوء و البلوى بحبهم *** مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

...يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم *** خيم كريم و أيد بالندى هضم

‏أي الخلائق ليست في رقابهم *** ... ... ...

من يعرف الله يعرف أولية *** ... ... ...

قال : فغضب هشام و أمر بحبس الفرزدق القصة إلى آخرها.

و ذكر أنه بعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم و أن الفرزدق قال ما قلت ذلك إلا غضبا لله عز و جل و لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال شكر الله لك ذلك .

و كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول عند النظر إلى الهلال أيها الخلق المنير الدائب السريع المتقلب في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير آمنت بالذي نور بك

[94]

الظلم و أوضح بك البهم و جعلك آية من آيات ملكه و علامة مع علامات سلطانه فامتهنك بالزيادة و النقصان و الطلوع و الأفول و الإنارة و الخسوف سبحانه ما ألطف ما دبر في أمرك و أحسن ما صنع في شأنك جعلك الله هلال شهر حادث لأمر الحادث جعلك الله هلال بركة لا تمحقها الأيام و طهارة لا تدنسها الآثام هلال أمن من الآفات و سلامة من السيئات اللهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه و أزكى من نظر إليه و وفقنا فيه للتوبة و أعصمنا فيه بالمنة إنك أنت المنان بالجزيل آمين رب العالمين قال ثم تدعو بما شئت .

و عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا تلا هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يقول اللهم ادفعني في أعلى درجات هذه الندبة و أعني بعزم الإرادة و هبني حسن المستعقب من نفسي و خذني منها حتى تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي من برد خشيتي منك و ارزقني قلبا و لسانا يتجاريان في ذم الدنيا و حسن التجافي منها حتى لا أقول إلا صدقت و أرني مصاديق إجابتك بحسن توفيقك حتى أكون في كل حال حيث أردت .

فقد قرعت بي باب فضلك فاقة *** بحد سنان نال قلبي فتوقها

[95]

و حتى متى أصف محن الدنيا و مقام الصديقين و انتحل عزما من إرادة مقيم بمدرجة الخطايا أشتكي ذل ملكة الدنيا و سوء أحكامها علي فقد رأيت و سمعت لو كنت أسمع في أداة فهم أو أنظر بنور يقظة .

و كلا ألاقي نكبة و فجيعة *** و كأس مرادات ذعافا أذوقها

و حتى متى أتعلل بالأماني و أسكن إلى الغرور و أعبد نفسي للدنيا على غضاضة سوء الاعتداد من ملكاتها و أنا أعرض لنكبات الدهر علي أتربص اشتمال البقاء و قوارع الموت تختلف حكمي في نفسي و يعتدل حكم الدنيا .

و هن المنايا أي واد سلكته *** عليها طريقي أو علي طريقها

و حتى متى تعدني الدنيا فتخلف و أئتمنها فتخون لا تحدث جدة إلا بخلوق جدة و لا تجمع شملا إلا بتفريق شمل حتى كأنها غيرى محجبة ضنا تغار علي الألفة و تحسد أهل النعم .

فقد آذنتني بانقطاع و فرقة *** و أومض لي من كل أفق بروقها

و من أقطع عذرا من مغذ سير أ يسكن إلى معرس غفلة بأدواء نبوة الدنيا و مرارة العيش و طيب نسيم الغرور قد أمرت تلك الحلاوة على القرون الخالية و حال دون ذلك النسيم هبوات و حسرات و كانت حركات فسكنت و ذهب كل عالم بما فيه فما عيشة إلا تزيد مرارة و لا ضيقة إلا و يزداد ضيقها فكيف يرقأ دمع

[96]

لبيب أو يهدأ طرف متوسم على سوء أحكام الدنيا و ما تفجأ به أهلها من تصرف الحالات و سكون الحركات و كيف يسكن إليها من يعرفها و هي تفجع الآباء بالأبناء و تلهى الأبناء عن الآباء تعدمهم أشجان قلوبهم و تسلبهم قرة عيونهم .

و ترمي قساوات القلوب بأسهم *** و جمر فراق لا يبوخ حريقها

و ما عسيت أن أصف من محن الدنيا و أبلغ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب و لست أذكر منها إلا قليلا أ فتنة أو مغيب ضريح تجافت عنه فاعتبر أيها السامع بهلكات الأمم و زوال النعم و فظاعة ما تسمع و ترى من سوء آثارها في الديار الخالية و الرسوم الفانية و الربوع الصموت .

و كم عالم أفنت فلم تبك شجوه *** و لا بد أن تفنى سريعا لحوقها

فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ و تأمل معاقل الملوك و مصانع الجبارين و كيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء و جاهرتهم بالمنكرات و سحبت عليهم أذيال البوار و طحنتهم طحن الرحى للحب و استودعتهم هوج الرياح تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الأرض .

فتلك مغانيهم و هذي قبورهم *** توارثها أعصارها و حريقها

أيها المجتهد في آثار من مضى من قبلك من الأمم السالفة توقف و تفهم و انظر أي عز ملك أو نعيم أنس أو بشاشة ألف إلا نغصت أهله قرة أعينهم و فرقتهم

[97]

أيدي المنون و ألحقتهم بتجافيف التراب فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون و في بطون الهلكات عظاما و رفاتا و صلصالا في الأرض هامدون .

و آليت لا تبقى الليالي بشاشة *** و لا جدة إلا سريعا خلوقها

و في مطالع أهل البرزخ و خمود تلك الرقدة و طول تلك الإقامة طفيت مصابيح النظر و اضمحلت غوامض الفكر و ذم الغفول أهل العقول و كم بقيت متلذذا في طوامس هوامد تلك الغرفات فنوهت بأسماء الملوك و هتفت بالجبارين و دعوت الأطباء و الحكماء و ناديت معادن الرسالة و الأنبياء أتململ تململ السليم و أبكي بكاء الحزين و أنادي و لات حين مناص .

سوى أنهم كانوا فبانوا و أنني *** على جدد قصد سريعا لحوقها

و تذكرت مراتب الفهم و غضاضة فطن العقول بتذكر قلب جريح فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة و من عجب كيف يسكن إليها من يعرفها و قد استذهلت عقله بسكونها و تزين المعاذير و خسأت أبصارهم عن عيب التدبير و كلما تراءت الآيات و نشرها من طي الدهر عن القرون الخالية الماضية و حالهم و ما بهم و كيف كانوا و ما الدنيا و غرور الأيام .

و هل هي إلا لوعة من ورائها *** جوى قاتل أو حتف نفس يسوقها

و قد أغرق في ذم الدنيا الأدلاء على طرق النجاة من كل عالم فبكت العيون شجن القلوب فيها دما ثم درست تلك المعالم فتنكرت الآثار و جعلت في برهة من محن الدنيا و تفرقت ورثة الحكمة و بقيت فردا كقرن الأعضب وحيدا أقول فلا أجد سميعا و أتوجع فلا أجد مشتكى.

و إن أبكهم أحرض و كيف تجلدي *** و في القلب مني لوعة لا أطيقها

[98]

و حتى متى أتذكر حلاوة مذاق الدنيا و عذوبة مشارب أيامها و أقتفي آثار المريدين و أتنسم أرواح الماضين مع سبقهم إلى الغل و الفساد و تخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعا من الأخلاء فزادني جليل الخطب لفقدهم جوى و خانني الصبر حتى كأني أول ممتحن أتذكر معارف الدنيا و فراق الأحبة .

فلو رجعت تلك الليالي كعهدها *** رأت أهلها في صورة لا تروقها

فمن أخص بمعاتبتي و من أرشد بندبتي و من أبكى و من أدع أ شجوا بهلكة الأموات أم بسوء خلف الأحياء و كل يبعث حزني و يستأثر بعبراتي و من يسعدني فأبكى و قد سلبت القلوب لبها و رقا الدمع و حق للداء أن يذوب على طول مجانبة الأطباء و كيف بهم و قد خالفوا الأمرين و سبقهم زمان الهادين و وكلوا إلى أنفسهم يتنكسون في الضلالات في دياجير الظلمات .

حيارى و ليل القوم داج نجومه *** طوامس لا تجري بطي‏ء خفوقها

قلت هذا الفصل من كلامه (عليه السلام) قد نظمه بعض الشعراء و أجاد في قوله .

قد كنت أبكي على ما فات من زمني *** و أهل ودي جميع غير أشتات‏

و اليوم إذ فرقت بيني و بينهم *** نوى بكيت على أهل المروءات

‏و ما حياة امرئ أضحت مدامعه *** مقسومة بين أحياء و أموات

قال (عليه السلام) : و قد انتحلت طوائف من هذه الأمة بعد مفارقتها أئمة الدين و الشجرة النبوية إخلاص الديانة و أخذوا أنفسهم في مخائل الرهبانية و تغالوا في العلوم و وصفوا الإسلام بأحسن صفاتهم و تحلوا بأحسن السنة حتى إذا طال عليهم الأمد و بعدت عليهم الشقة و امتحنوا بمحن الصادقين رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى و علم النجاة يتفسحون تحت أعباء الديانة تفسح حاشية الإبل تحت

[99]

أوراق البزل .

و لا تحرز السبق الرزايا و إن جرت *** و لا يبلغ الغايات إلا سبوقها

و ذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا و احتجوا بمتشابه القرآن فتأولوه بآرائهم و اتهموا مأثور الخبر مما استحسنوا يقتحمون في أغمار الشبهات و دياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب و لا أثرة علم من مظان العلم بتحذير مثبطين زعموا أنهم على الرشد من غيهم و إلى من يفزع خلف هذه الأمة و قد درست أعلام الملة و دانت الأمة بالفرقة و الاختلاف يكفر بعضهم بعضا و الله تعالى يقول وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة و تأويل الحكمة إلا أهل الكتاب و أبناء أئمة الهدى و مصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده و لم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة و بقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و براهم من الآفات و افترض مودتهم في الكتاب .

هم العروة الوثقى و هم معدن التقى *** و خير حبال العالمين وثيقها

و عن يوسف بن أسباط قال حدثني أبي قال : دخلت مسجد الكوفة فإذا شاب يناجي ربه و هو يقول في سجوده سجد وجهي متعفرا في التراب لخالقي و حق له فقمت إليه فإذا هو علي بن الحسين فلما انفجر الفجر نهضت إليه فقلت له يا ابن رسول الله تعذب نفسك و قد فضلك الله بما فضلك فبكى ثم قال حدثني عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل عين باكية يوم القيامة إلا أربعة أعين عين بكت من خشية الله و عين فقئت في سبيل الله و عين غضت عن محارم الله و عين باتت ساهرة ساجدة يباهي بها الله الملائكة يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي و جسده في طاعتي قد جافى بدنه عن المضاجع يدعوني خوفا من عذابي و طمعا في

[100]

رحمتي اشهدوا أني قد غفرت له .

قلت هكذا أورده الحافظ في مسجد الكوفة و علي بن الحسين فيما أظنه لم يصل إلى العراق إلا مع أبيه (عليه السلام) حين قتل و لما وصل هو إلى الكوفة لم يكن باختياره و لا متصرفا في نفسه فيمشي إلى الجامع و يصلي فيه و للتحقيق حكم و قال كان علي بن الحسين (عليه السلام) يبخل فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت .

و روى : دخول علي بن الحسين (عليه السلام) على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه و تقبله بالخمسة عشر ألف دينار عنه إلا أنه قال محمد بن أسامة بن زيد .

و عن سفيان : كان علي بن الحسين (عليه السلام) يحمل معه جرابا فيه خبز فيتصدق به و يقول إن الصدقة تطفئ غضب الرب .

و عنه قال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم .

و قيل : كان هشام بن إسماعيل أسب شي‏ء لعلي و لأهل بيته (عليه السلام) فعزل و أقيم على الغرائر فجاء علي بن الحسين (عليه السلام) فقال له يا ابن عم عافاك الله لقد ساءني ما صنع بك فادعنا إلى ما أحببت فقال الله أعلم حيث يجعل رسالته .

[101]

قال و كان علي بن الحسين (عليه السلام) خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد و الموالي فقال علي بن الحسين مهلا عن الرجل ثم أقبل عليه فقال ما ستر عنك من أمرنا أكثر أ لك حاجة نعينك عليها فاستحيا الرجل و رجع إلى نفسه فألقى عليه خميصة كانت عليه و أمر له بألف درهم قال فكان الرجل يقول بعد ذلك أشهد أنك من أولاد الرسل .

و عن عبد الله بن عطاء قال : أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنبا استحق به العقوبة فأخذ له السوط ليضربه و قال قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ فقال الغلام و ما أنا كذلك إني لأرجو رحمة الله و أخاف عذابه فألقى السوط و قال أنت عتيق .

و استطال رجل على علي بن الحسين (عليه السلام) فتغافل عنه فقال له الرجل إياك أعني فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) و عنك أغضي .

و قال أهل المدينة ما فقدنا صدقة السر حتى فقدنا علي بن الحسين.

و قال (عليه السلام) : إنما التوبة العمل و الرجوع عن الأمر و ليست التوبة بالكلام .

و عنه (عليه السلام) قال : من قال سبحان الله العظيم و بحمده من غير تعجب كتب الله تعالى له مائة ألف حسنة و محا عنه ثلاثة آلاف سيئة و رفع له ثلاثة آلاف درجة .

و روي عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انتظار الفرج عبادة و من رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل .

و عن الزهري قال : حدثت علي بن الحسين بحديث فلما فرغت قال أحسنت بارك الله فيك هكذا سمعناه قال فقلت لا أراني حدثت حديثا أنت أعلم به مني قال لا تفعل ذلك فليس من العلم ما لم يعرف إنما معنى العلم ما عرف .

قال : و علي بن الحسين أمه يقال لها سلامة و يكنى أبا محمد.

و قال أبو نعيم : أصيب سنة اثنتين و تسعين و قال بعض أهله سنة أربع و تسعين.

[102]

و قال إبراهيم بن إسحاق الحربي أمه غزالة أم ولد و قيل علي يكنى أبا الحسن كناه محمد بن إسحاق بن الحرث و كان علي بن المدائني ينكر أن يكون علي بن الحسين أفلت يوم كربلاء صغيرا و قال :

قد روي عن جابر و ابن الحنفية و بإسناده عن رجل من أهل الكوفة و كان صدوقا قال : كان علي بن الحسين يقول في دعائه اللهم من أنا حتى تغضب علي فو عزتك ما يزين ملكك إحساني و لا يقبحه إساءتي و لا ينقص من خزانتك غنائي و لا يزيد فيها فقري .

آخر كلامه و قد أسقطت من إيراده بعض ما تكرر من أخباره (عليه السلام) .

قال الحافظ أبو نعيم في كتاب الحلية و كان الجماعة منه نقلوا و على ما أورده عولوا و أنا أذكر منه ما أظنهم أهملوه فأما ما ذكروه فلا فائدة في إعادته قال : ذكر طبقة من تابعي المدينة فمن هذه الطبقة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) زين العابدين و منار القانتين و كان عابدا وفيا و جوادا حفيا و قيل إن التصوف حفظ الوفاء.

قال كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة .

و قال (عليه السلام) : من ضحك ضحكة مج من عقله مجة علم .

و قال : إن الجسد إذا لم يمرض أشر و لا خير في جسد يأشر .

و قال (عليه السلام) : فقد الأحبة غربة.

و قال (عليه السلام) : من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس .

و كان إذ ناول السائل الصدقة قبله ثم ناوله .

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه قال لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه و لم يعلم أنه مات و قد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي في غداة واحدة قتلي فترون حزنهم يذهب من قلبي .

و سمع واعية في بيته و عنده جماعة فنهض إلى منزله ثم رجع فقيل له أ من

[103]

حدث كانت الواعية قال نعم فعزوه و تعجبوا من صبره فقال إنا أهل بيت نطيع الله فيما يحب و نحمده فيما نكره .

و عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل فيقوم ناس من الناس فيقال انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة قالوا قبل الحساب قالوا نعم قالوا و من أنتم قالوا أهل الفضل قالوا و ما كان فضلكم قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا و إذا ظلمنا صبرنا و إذا أسي‏ء إلينا غفرنا قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ثم يقول مناد ينادي ليقم أهل الصبر فيقوم ناس من الناس فيقال لهم ادخلوا الجنة فتلقاهم الملائكة فيقال لهم مثل ذلك فيقولون أهل الصبر قالوا و ما كان صبركم قالوا صبرنا أنفسنا على طاعة الله و صبرناها عن معصية الله قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ثم ينادي مناد ليقم جيران الله في داره فيقوم ناس من الناس و هم قليل فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقال لهم مثل ذلك قالوا و بما جاورتم الله في داره قالوا كنا نتزاور في الله و نتجالس في الله و نتباذل في الله قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .

و عن علي بن الحسين قال : التارك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي تقاة قلت و ما تقاته قال يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى.

و قال (عليه السلام) : من كتم علما أحدا أو أخذ عليه صفدا فلا نفعه أبدا .

و عن الزهري قال : دخلت على علي بن الحسين (عليه السلام) فقال يا زهري فيم كنتم قال تذاكرنا الصوم فأجمع رأيي و رأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شي‏ء واجب إلا صوم شهر رمضان فقال يا زهري ليس كما قلتم الصوم على أربعين وجها منها عشرة واجبة كوجوب شهر رمضان و عشر خصال منها حرام و أربع عشر خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر فصوم النذر واجب و صوم الاعتكاف

[104]

واجب قال قلت فسرهن لي يا ابن رسول الله قال (عليه السلام) أما الواجب فصوم شهر رمضان و صيام شهرين متتابعين في قتل الخطإ لمن لم يجد العتق قال الله تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً الآية و صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام قال الله تعالى ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ الآية و صيام حلق الرأس قال الله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ الآية و صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا و صوم دم المتعة لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ الآية و صوم جزاء الصيد قال الله تعالى وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً الآية و إنما يقوم الصيد قيمة ثم يفض ذلك الثمن على الحنطة و أما الذي صاحبه بالخيار فصوم الإثنين و الخميس و ستة أيام عن شوال بعد رمضان و يوم عرفه و يوم عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر و أما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها و كذلك العبد و الأمة و أما صوم الحرام فصوم الفطر و يوم الأضحى و أيام التشريق و يوم الشك نهينا أن نصومه لرمضان و صوم الصمت حرام و صوم نذر المعصية حرام و صوم الدهر حرام و الضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم و يؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأديبا ليس بفرض و كذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالإمساك و ذلك تأديب الله ليس بفرض و كذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أمر بالإمساك

[105]

و أما صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا بغير تعمد فقد أبيح له ذلك و أجزأه عن صومه و أما صوم المريض و صوم المسافر فإن العامة اختلف فيه فقال قوم يصوم و قال قوم لا يصوم و قال قوم إن شاء صام و إن شاء أفطر و أما نحن فنقول يفطر في الحالين جميعا فإن صام في السفر و المرض فعليه القضاء قال الله تعالى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ آخر كلامه .

و قال في كتاب مواليد أهل البيت رواية ابن الخشاب النحوي ذكر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد العابدين .

و بالإسناد الذي قبله عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : ولد علي بن الحسين في سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة قبل وفاة علي بن أبي طالب بسنتين و أقام مع أمير المؤمنين سنتين و مع أبي محمد الحسن عشر سنين و أقام مع أبي عبد الله الحسين عشر سنين و كان عمره سبعا و خمسين سنة .

و في رواية أخرى أنه ولد سنة سبع و ثلاثين و قبض و هو ابن سبع و خمسين سنة في سنة أربع و تسعين و كان بقاؤه بعد أبي عبد الله ثلاثا و ثلاثين سنة و يقال في سنة خمس و تسعين أمه خولة بنت يزدجرد ملك فارس و هي التي سماها أمير المؤمنين شاه‏زنان و يقال بل كان اسمها برة بنت النوشجان و يقال كان اسمها شهربانو بنت يزدجرد كنيته أبو بكر و أبو محمد و أبو الحسن قبره بالمدينة بالبقيع لقبه الزكي و زين العابدين و ذو الثفنات و الأمين ولد له ثمان بنين و لم يكن له أنثى أسماء ولده محمد الباقر و زيد الشهيد بالكوفة و عبد الله و عبيد الله و الحسن و الحسين و علي و عمر آخر كلامه و قال أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت في اللغة قال قالت الشيعة إنما سمي علي بن الحسين سيد العابدين لأن الزهري رأى في منامه كأن يده مخضوبة غمسة قال فعبرها فقيل له إنك تبتلى بدم خطإ قال و كان عاملا لبني أمية فعاقب

[106]

رجلا فمات في العقوبة فخرج هاربا و توحش و دخل إلى غار و طال شعره قال و حج علي بن الحسين (عليه السلام) فقيل له هل لك في الزهري قال إن لي فيه قال أبو العباس هكذا كلام العرب إن لي فيه لا يقال غيره قال فدخل عليه فقال له إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك فابعث بدية مسلمة إلى أهله و اخرج إلى أهلك و معالم دينك قال فقال له فرجت عني يا سيدي و الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

و كان الزهري بعد ذلك يقول ينادي مناد في القيامة ليقم سيد العابدين في زمانه فيقوم علي بن الحسين (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قال : أبو سيعد منصور بن الحسن الآبي في كتاب نثر الدرر علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) نظر إلى سائل يبكي فقال لو إن الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي .

و سئل (عليه السلام) لم أوتم النبي من أبويه فقال لئلا يوجب عليه حق لمخلوق .

و قال لابنه : يا بني إياك و معاداة الرجال فإنه لم يعدمك مكر حليم أو مفاجاة لئيم .

و سقط له ابن في بئر فتفزع أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه و كان قائما

[107]

يصلي فما زال عن محرابه فقيل له في ذلك فقال ما شعرت إني كنت أناجي ربا عظيما.

و كان له ابن عم يأتيه بالليل متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير فيقول لكن علي بن الحسين لا يواصلني لا جزاه الله عني خيرا فيسمع ذلك و يتحمله و يصبر عليه و لا يعرفه بنفسه فلما مات علي بن الحسين (عليه السلام) فقدها فحينئذ علم أنه هو كان فجاء إلى قبره و بكى عليه.

و كان يقال له ابن الخيرتين لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن لله من عباده خيرتين فخيرته من العرب قريش و من العجم فارس و كانت أمه بنت كسرى و بلغه (عليه السلام) قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال كان يسكته الحلم و ينطقه العلم فقال كذب بل كان يسكته الحصر و ينطقه البتر .

و قيل له من أعظم الناس خطرا قال من لم ير الدنيا خطرا لنفسه .

قال و روى لنا الصاحب رحمه الله عن أبي محمد الجعفري عن أبيه عن عمه عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال : قال رجل لعلي بن الحسين ما أشد بغض قريش لأبيك قال لأنه أورد أولهم النار و ألزم آخرهم العار .

قال : ثم جرى ذكر المعاصي فقال : عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته و لا يحتمي من الذنب لمعرته .

و قيل له يوما كيف أصبحت قال أصبحنا خائفين برسول الله و أصبح جميع أهل الإسلام آمنين به .

و قال ابن الأعرابي لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين (عليه السلام) إلى نفسه أربعمائة منافية يعولهن إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة و قد حكي عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز.

[108]

و قال (عليه السلام) : و قد قيل له ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة فقال أكره أن آخذ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لا أعطي مثله .

و قال رجل لرجل من آل الزبير كلاما أقذع فيه فأعرض الزبيري عنه ثم دار الكلام فسب الزبيري علي بن الحسين فأعرض عنه و لم يجبه فقال له الزبيري ما يمنعك من جوابي قال (عليه السلام) ما يمنعك من جواب الرجل .

و مات له ابن فلم ير منه جزع فسئل عن ذلك فقال أمر كنا نتوقعه فلما وقع لم ننكره .

قال طاوس : رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو و يبكي في دعائه فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت له يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا و لك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف أحدها أنك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الثاني شفاعة جدك و الثالث رحمة الله فقال يا طاوس أما أني ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يؤمنني و قد سمعت الله تعالى يقول فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ و أما شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى و أما رحمة الله فإن الله تعالى يقول إنها قريبة من المحسنين و لا أعلم أني محسن .

و سمع (عليه السلام) رجلا كان يغشاه يذكر رجلا بسوء فقال إياك و الغيبة فإنها إدام كلاب النار .

و مما أورده محمد بن الحسن بن حمدون في كتاب التذكرة من كلامه (عليه السلام) قال : لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سعة رحمة الله عز و جل خف الله عز و جل لقدرته عليك و استح منه لقربه منك و إذا صليت فصل صلاة مودع و إياك و ما تعتذر منه و خف الله خوفا ليس بالتعذر .

و قال (عليه السلام) : إياك و الابتهاج بالذنب فإن الابتهاج به أعظم من ركوبه .

[109]

و وقع إلى كتاب دلائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري فنقلت منه قال : دلائل أبي محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : كان علي بن الحسين في سفر و كان يتغذى و عنده رجل فأقبل غزال في ناحية يتقمم و كانوا يأكلون على سفرة في ذلك الموضع فقال له علي بن الحسين ادن فكل فأنت آمن فدنى الغزال فأقبل يتقمم من السفرة فقام الرجل الذي كان يأكل معه بحصاة فقذف بها ظهره فنفر الغزال و مضى فقال له علي بن الحسين أخفرت ذمتي لا كلمتك كلمة أبدا.

و عن أبي جعفر قال : إن أبي خرج إلى ماله و معنا ناس من مواليه و غيرهم فوضعت المائدة لنتغذى و جاء ظبي و كان منه قريبا فقال له يا ظبي أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و أمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هلم إلى هذا الغذاء فجاء الظبي حتى أكل معهم ما شاء الله أن يأكل ثم تنحى الظبي فقال له بعض غلمانه رد علينا فقال لهم لا تخفروا ذمتي قالوا لا فقال له يا ظبي أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و أمي فاطمة بنت رسول الله هلم إلى هذا الغذاء و أنت آمن في ذمتي فجاء الظبي في الحال حتى قام على المائدة يأكل معهم فوضع رجل من جلسائه يده على ظهره فنفر الظبي فقال علي بن الحسين أخفرت ذمتي لا كلمتك كلمة أبدا .

و تلكأت عليه ناقته بين جبال رضوى فأناخها ثم أراها السوط و القضيب ثم قال لتنطلقن أو لأفعلن فانطلقت و ما تلكأت بعدها .

و بإسناده قال : بينا علي بن الحسين جالسا مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت بحذاه و ضربت بذنبها و حمحمت فقال بعض القوم يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية قال تزعم أن فلان بن فلان القرشي أخذ خشفها بالأمس و أنها لم ترضعه منذ أمس شيئا فوقع في قلب رجل من القوم شي‏ء فأرسل علي بن الحسين

[110]

إلى القرشي فأتاه فقال له ما لهذه الظبية تشكوك قال و ما تقول قال تقول إنك أخذت خشفها بالأمس في وقت كذا و كذا و أنها لم ترضعه شيئا منذ أخذته و سألتني أن أبعث إليك فأسألك أن تبعث به إليها لترضعه و ترده إليك فقال الرجل و الذي بعث محمدا بالحق لقد صدقت علي قال له فأرسل إلى الخشف فجي‏ء به قال فلما جاء به أرسله إليها فلما رأته حمحمت و ضربت بذنبها ثم رضع منها فقال علي بن الحسين للرجل بحقي عليك إلا وهبته لي فوهبه له و وهبه علي بن الحسين لها و كلمها بكلامها فحمحمت و ضربت بذنبها و انطلقت و انطلق الخشف معها فقالوا يا ابن رسول الله ما الذي قالت قال دعت لكم و جزتكم خيرا .

و عن أبي عبد الله قال : لما كان في الليلة التي وعد فيها علي بن الحسين قال لمحمد يا بني ابغني وضوءا قال فقمت فجئته بماء قال لا تبغ هذا فإن فيه شيئا ميتا قال فخرجت و جئت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة فجئته بوضوء غيره فقال يا بني هذه الليلة التي وعدتها فأوصى بناقته أن يحط عليها خطاما و أن يقام لها علف فجعلت فيه فلم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها و رغت و هملت عيناها فأتى محمد بن علي فقيل له إن الناقة قد خرجت فجاءها فقال قومي بارك الله فيك فلم تفعل فقال دعوها فإنها مودعة فلم تمكث إلا ثلاثا حتى نفقت قال و كان يخرج عليها إلى مكة فيعلق السوط بالرحل فما يفرعها حتى يدخل المدينة.

و عن أبي جعفر قال : لما قتل الحسين بن علي جاء محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فقال له يا ابن أخي أنا عمك و صنو أبيك و أنا أسن منك فأنا أحق بالإمامة و الوصية فادفع إلي سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي بن الحسين يا عم اتق الله و لا تدع ما ليس لك فإني أخاف عليك نقص العمر و شتات الأمر فقال له محمد بن الحنفية أنا أحق بهذا الأمر منك فقال له علي بن الحسين يا عم فهل لك إلى حاكم نحتكم إليه فقال

[111]

من هو قال الحجر الأسود قال فتحاكما إليه فلما وقفا عنده قال له يا عم تكلم فأنت المطالب قال فتكلم محمد بن الحنفية فلم يجبه قال فتقدم علي بن الحسين فوضع يده عليه و قال اللهم إني أسألك باسمك المكتوب في سرادق البهاء و أسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة و أسألك باسمك المكتوب في سرادق القوة و أسألك باسمك المكتوب في سرادق الجلال و أسألك باسمك المكتوب في سرادق السلطان و أسألك باسمك المكتوب في سرادق السرائر و أسألك باسمك المكتوب في سرادق المجد و أسألك باسمك الفائق الخبير البصير رب الملائكة الثمانية و رب جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و رب محمد خاتم النبيين لما أنطقت هذا الحجر بلسان عربي فصيح يخبر لمن الإمامة و الوصية بعد الحسين بن علي قال ثم أقبل علي بن الحسين على الحجر فقال أسألك بالذي جعل فيك مواثيق العباد و الشهادة لمن وافاك إلا أخبرت لمن الإمامة و الوصية بعد الحسين بن علي قال فتزعزع الحجر حتى كاد أن يزول من موضعه و تكلم بلسان عربي مبين فصيح يقول يا محمد سلم سلم إن الإمامة و الوصية بعد الحسين بن علي لعلي بن الحسين قال أبو جعفر فرجع محمد بن الحنفية و هو يقول بأبي علي .

و روي عن أبي عبد الله : أنه التزقت يد رجل و امرأة على الحجر في الطواف فجهد كل واحد منهما أن ينزع يده فلم يقدرا عليه و قال الناس اقطعوهما قال فبينا هما كذلك إذ دخل علي بن الحسين فأفرجوا له فلما عرف أمرهما تقدم فوضع يده عليهما فانحلا و تفرقا .

[112]

و عن أبي عبد الله قال : لما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة كتب إلى الحجاج بن يوسف بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف أما بعد فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها و اجتنبها فإني رأيت آل أبي سفيان لما ولغوا فيها لم يلبثوا إلا قليلا و السلام قال و بعث بالكتاب سرا و ورد الخبر على علي بن الحسين ساعة كتب الكتاب و بعث به إلى الحجاج فقيل له إن عبد الملك قد كتب إلى الحجاج كذا و كذا و إن الله قد شكر له ذلك و ثبت ملكه و زاده برهة قال فكتب علي بن الحسين بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من علي بن الحسين أما بعد فإنك كتبت يوم كذا و كذا من ساعة كذا و كذا من شهر كذا و كذا بكذا و كذا و أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنبأني و خبرني و أن الله قد شكر لك ذلك و ثبت ملكك و زادك فيه برهة و طوى الكتاب و ختمه و أرسل به مع غلام له على بعيره و أمره أن يوصله إلى عبد الملك ساعة يقدم عليه فلما قدم الغلام أوصل الكتاب إلى عبد الملك فلما نظر في تاريخ الكتاب وجده موافقا لتلك الساعة التي كتب فيها إلى الحجاج فلم يشك في صدق علي بن الحسين و فرح فرحا شديدا و بعث إلى علي بن الحسين بوقر راحلته دراهم ثوابا لما سره من الكتاب .

و عن المنهال بن عمرو قال : حججت فدخلت على علي بن الحسين فقال لي يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي قلت تركته حيا بالكوفة قال فرفع يديه ثم قال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار قال فانصرفت إلى الكوفة و قد خرج بها المختار بن أبي عبيدة و كان لي صديقا فركبت لأسلم عليه فوجدته قد دعا بدابته فركبها و ركبت معه حتى أتى الكناسة فوقف وقوف منتظر لشي‏ء

[113]

و كان قد وجه في طلب حرملة بن كاهل فأحضر فقال الحمد لله الذي مكنني منك ثم دعا بالجزار فقال اقطعوا يديه فقطعتا ثم قال اقطعوا رجليه فقطعتا ثم قال النار النار فأتي بطن قصب ثم جعل فيها ثم ألهب فيه النار حتى احترق فقلت سبحان الله سبحان الله فالتفت إلي المختار فقال مم سبحت فقلت له دخلت على علي بن الحسين فسألني عن حرملة فأخبرته أني تركته بالكوفة حيا فرفع يديه و قال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار فقال المختار الله الله أ سمعت علي بن الحسين يقول هذا قلت الله الله لقد سمعته يقول هذا فنزل مختار فصلى ركعتين ثم أطال ثم سجد و أطال ثم رفع رأسه و ذهب و مضيت معه حتى انتهى إلى باب داري فقلت له إن رأيت أن تكرمني بأن تنزل و تتغذى عندي فقال يا منهال تخبرني أن علي بن الحسين دعا الله بثلاث دعوات فأجابه الله فيها على يدي ثم تسألني الأكل عندك هذا يوم صوم شكرا لله على ما وفقني له .

و سئل علي بن الحسين (عليه السلام) بأي حكم تحكمون ? قال : بحكم آل داود فإن عيينا عن شي‏ء تلقانا به روح القدس.

و قال (عليه السلام) : هلك من ليس له حكيم يرشده و ذل من ليس له سفيه يعضده .

قال أفقر عباد الله إلى رحمته و شفاعة نبيه و أئمته علي بن عيسى أغاثه الله في الدنيا و الآخرة و جعل تجارته رابحة يوم يكون بعض التجارات خاسرة: مناقب الإمام علي بن الحسين تكثر النجوم عددا و يجري واصفها إلى حيث لا مدى و تلوح في سماء المناقب كالنجوم لمن اهتدى و كيف لا و هو يفوق العالمين إذا عد عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و محمدا و هذا تقديم لسجع في الطبع فلا تكن مترددا و متى أعطيت الفكر حقه وجدت ما شئت فخارا و سؤددا فإنه (عليه السلام) الإمام الرباني و الهيكل النوراني بدل الأبدال و زاهد الزهاد و قطب الأقطاب و عابد العباد و نور مشكاة الرسالة و نقطة دائرة الإمامة

[114]

و ابن الخيرتين و الكريم الطرفين قرار القلب و قرة العين علي بن الحسين و ما أدراك ما علي بن الحسين الأواه الأواب العامل بالسنة و الكتاب الناطق بالصواب ملازم المحراب المؤثر على نفسه المرتفع في درجات المعارف فيومه يفوق على أمسه المتفرد بمعارفه الذي فضل الخلائق بتليده و طارفه و حكم في الشرف فتسنم ذروته و خطر في مطارفه و أعجز بما حواه من طيب المولد و كرم المحتد و زكاء الأرومة و طهارة الجرثومة عجز عنه لسان واصفه و تفرد في خلواته بمناجاته فتعجب الملائكة من مواقفه و أجرى مدامعه خوف ربه فأربى على هامي الصوب و واكفه فانظر أيدك الله في أخباره و المح بعين الاعتبار عجائب آثاره و فكر في زهده و تعبده و خشوعه و تهجده و دءوبه في صلاته و أدعيته في أوقات مناجاته و استمراره على ملازمة عباداته و إيثاره و صدقاته و عطاياه و صلاته و توسلاته التي تدل مع فصاحته و بلاغته على خشوعه لربه و ضراعته و وقوفه موقف العصاة مع شدة طاعته و اعترافه بالذنوب على براءة ساحته و بكائه و نحيبه و خفوق قلبه من خشية الله و وجيبه و انتصابه و قد أرخى الليل سدوله و جر على الأرض ذيوله مناجيا ربه تقدست أسماؤه مخاطبا له تعالى ملازما بابه عز و جل مصورا نفسه بين يديه معرضا عن كل شي‏ء مقبلا عليه قد انسلخ من الدنيا الدنية و تعرى من الجثة البشرية فجسمه ساجد في الثرى و روحه متعلقة بالملإ الأعلى يتملل إذا مرت به آية من آيات الوعيد حتى كأنه المقصود بها و هو عنها بعيد تجد أمورا عجيبة و أحوالا غريبة و نفسا من الله سبحانه و تعالى قريبة و تعلم يقينا لا شك فيه و لا ارتياب و تعرف معرفة من قد كشف له الحجاب و فتحت له الأبواب أن هذه الثمرة من تلك الشجرة كما أن الواحد جزء العشرة و أن هذه النطفة العذبة من ذلك المعين الكريم و أن هذا الحديث من ذلك القديم و أن هذه الدرة من ذلك البحر الزاخر و أن هذا النجم من ذلك القمر الباهر و أن هذا الفرع النابت من ذلك الأصل الثابت و أن هذه النتيجة من هذه المقدمة و أنه (عليه السلام) خليفة محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة المكرمة المعظمة هذا أصله الطاهر.

[115]

و أما فرعه فما أشبه الأول بالآخر فهم (عليه السلام) مشكاة الأنوار و سادة الأخيار و الأمناء الأبرار و الأتقياء الأطهار كل واحد منهم في زمانه علم يهتدي به من وفقه الله و سدده و أمده بعنايته و عضده و هداه إلى سبيله و أرشده و أنجده بلطفه و أيده و علي بن الحسين (عليه السلام) دوحتهم التي منها تتشعب أغصانهم و إرم بني الحسين فمنه بسقت أفنانهم و لساني يقصر في هذا المقام عن عد مفاخره و وصف فضله و عبارتي تعجز عن النهوض بما يكون كفاء لشرفه و نبله و كيف لمثلي أن يقوم بواجب نعت مثله و أين الثريا و الثرى و إنما يقدر على وصفه من كان يرى ما يرى لكني أقول على قدر علمي لا على قدره و نيتي أبلغ من قولي عند ذكره و قد قلت أبياتا في مدحه و لا لائمة على من قال بعد إيضاح عذره .

مديح علي بن الحسين فريضة *** علي لأني من أقل عبيده

‏إمام هدى فاق البرية كلها *** بأبنائه خير الورى و جدوده

‏فطارفه في فضله و علائه *** و سؤدده من مجده كتليده

‏له شرف فوق النجوم محله *** أقر به حتى لسان حسوده

‏و نعمى يد لو قيس بالغيث بعضها *** تبينت بخلا في السحاب و جوده

‏و أصل كريم طاب فرعا فأصبحت *** تحار العقول من نضارة عوده

‏و نفس برأها الله من نور قدسه *** فأدركت المكنون قبل وجوده

‏جرى فونى عن جريه كل سابق *** و قصر عن هادي الفعال رشيده

‏و أحرز أشتات العلى بمآثر *** بدا مجدها في وعده و وعيده

‏من القوم لو جاراهم الغيث لانثنى *** حسيرا فلم تسمع زئير رعوده

‏هم النفر العز الكرام الذي بهم *** ورى زند دين الله بعد صلوده

[116]

أقاموا عمود الحق فاتضح الهدى *** و لولاهم أعشى قيام عموده

‏بهم وضحت سبل المعالي فسل بهم *** تجد كل بان للعلاء مشيده‏

سمت بهم حال إلى مرتقى علا *** تقاصرت الشهب العلى عن صعوده

‏بهم تدفع اللأواء عند حلولها *** و ينهل صوب الغيث بعد جموده

‏أ مولاي زين العابدين إصاخة *** إلى ذي ولاء أنت بيت قصيده

‏مقيم على دين الولاء محافظ *** يناديك من نأى المحل بعيده

‏يحبك حبا صادقا فهو لا يني *** إليك مع الأيام لافت جيده

‏يود بأن يسعى إليك مبادرا *** إلى جوب أغوار الفلا و نجوده

‏يقبل إجلالا مكانا حللته *** و يكحل عينيه بترب صعيده

[117]

next page

fehrest page

back page