next page

fehrest page

كشف الغمة في معرفة الأئمة / الجزء الثالث

علي بن عيسى الإربلي

[212]

ذكر الإمام السابع أبي الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)

قال كمال الدين أثابه الله : هو الإمام الكبير القدر العظيم الشأن الكثير التهجد الجاد في الاجتهاد و المشهود له بالكرامات المشهور بالعبادة المواظب على الطاعات يبيت الليل ساجدا و قائما و يقطع النهار متصدقا و صائما و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما كان يجازي المسي‏ء بإحسانه إليه و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه و لكثرة عباداته كان يسمى بالعبد الصالح و يعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله لنجح المتوسلين إلى الله تعالى به كراماته تحار منها العقول و تقضي بأن له عند الله قدم صدق و لا يزول .

أما ولادته.

فبالأبواء سنة ثمان و عشرين و مائة من الهجرة و قيل تسع و عشرين و مائة .

و أما نسبه أبا و أما .

فأبوه جعفر الصادق بن محمد الباقر و قد تقدم القول فيه و أمه أم ولد يسمى حميدة البربرية و قيل غير ذلك .

و أما اسمه .

فموسى و كنيته أبو الحسن و قيل أبو إسماعيل و كان له ألقاب متعددة الكاظم و هو أشهرها و الصابر و الصالح و الأمين .

و أما مناقبه.

فكثيرة و لو لم يكن منها إلا العناية الإلهية لكفاه ذلك منقبة

[213]

و لقد نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر ففي بعض الليالي رأى المهدي في منامه علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو يقول له يا محمد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ قال الربيع فأرسل إلي ليلا فراعني و خفت من ذلك و جئت إليه و إذا هو يقرأ هذه الآية و كان أحسن الناس صوتا فقال علي الآن بموسى بن جعفر فجئته به فعانقه و أجلسه إلى جانبه و قال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النوم فقرأ علي كذا فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي فقال و الله لا فعلت ذلك و لا هو من شأني قال صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار و رده إلى أهله إلى المدينة قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا و هو في الطريق خوف العوائق.

و رواه الجنابذي و ذكر أنه وصله بعشرة آلاف دينار و قال خشنام بن حاتم الأصم قال ; قال لي أبو حاتم قال ; قال لي شقيق البلخي رضي الله عنهم : خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان و قد جلس منفردا فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم و الله لأمضين إليه و لأوبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ثم تركني و مضى فقلت في نفسي إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي و نطق بإثمي و ما هذا إلا عبد صالح لألحقنه و لأسألنه أن يحالني فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب عن عيني فلما نزلنا واقصة و إذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب و دموعه تجري فقلت هذا صاحبي أمضي إليه و أستحله فصبرت حتى جلس و أقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق اتل وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ثم تركني و مضى فقلت إن هذا الفتى لمن الأبدال لقد تكلم على سري مرتين

[214]

فلما نزلنا زبالة إذا بالفتى قائم على البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر و أنا أنظر إليه فرأيته و قد رمق السماء و سمعته يقول :

أنت ريي إذا ظمئت إلى الماء *** و قوتي إذا أردت الطعاما

اللهم سيدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها قال شقيق فو الله لقد رأيت البئر و قد ارتفع ماءها فمد يده و أخذ الركوة و ملأها ماء فتوضأ و صلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده و يطرحه في الركوة و يحركه و يشرب فأقبلت إليه و سلمت عليه فرد علي السلام فقلت أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك فقال يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة و باطنة فأحسن ظنك بربك ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق و سكر فو الله ما شربت قط ألذ منه و لا أطيب ريحا فشبعت و رويت و بقيت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا ثم إني لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نفس الليل قائما يصلي بخشوع و أنين و بكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى الغداة و طاف بالبيت أسبوعا فخرج فتبعته و إذا له غاشية و موال و هو على خلاف ما رأيته في الطريق و دار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه من هذا الفتى فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد.

و لقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال :

سل شقيق البلخي عنه و ما عاين *** منه و ما الذي كان أبصر

قال لما حججت عاينت شخصا *** شاحب اللون ناحل الجسم أسمر .

[215]

سائرا وحده و ليس له زاد *** فما زلت دائما أتفكر

و توهمت أنه يسأل الناس *** و لم أدر أنه الحج الأكبر

ثم عاينته و نحن نزول *** دون فيد على الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الإناء و *** يشربه , فناديته و عقلي محير

اسقني شربة فناولني منه *** فعاينته سويقا و سكر

فسألت الحجيج من يك هذا *** قيل هذا الإمام موسى بن جعفر

فهذه الكرامات العالية المقدار الخارقة للعوائد هي على التحقيق حلية المناقب و زينة المزايا و غرر الصفات و لا يؤتاها إلا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد و مرت له أخلاق التوفيق و أزلفته من مقام التقديس و التطهير و ما يلقيها إلا الذين صبروا و ما يلقيها إلا ذو حظ عظيم.

و لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسى (عليه السلام) أشرف منقبته و شهدت له بعلو مقامه عند الله تعالى و زلفى منزلته لديه و ظهرت بها كراماته بعد وفاته و لا شك أن ظهور الكرامة بعد الموت أكثر منها دلالة حال الحياة.

و هي : أن من عظماء الخلفاء مجدهم الله تعالى من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان و كان في ولاية عامة طالت فيها مدته و كان ذا سطوة و جبروت فلما انتقل إلى الله تعالى اقتضت عناية الخليفة له أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالمشهد المطهر و كان بالمشهد المطهر نقيب معروف و مشهود له بالصلاح كثير التودد و الملازمة للضريح و الخدمة له قائم بوظائفها فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن هذا المتوفى في ذلك القبر بات بالمشهد الشريف فرأى في منامه أن القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه و قد انتشر منه دخان و رائحة قتار ذلك المدفون فيه إلى أن ملأت المشهد و أن الإمام موسى (عليه السلام) واقف فصاح لهذا النقيب

[216]

باسمه و قال له تقول للخليفة يا فلان و سماه باسمه لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم و قال كلاما خشنا فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرعد فرقا و خوفا و لم يلبث أن كتب ورقة و سيرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها فلما جن الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهر بنفسه و استدعى النقيب و دخلوا إلى الضريح و أمر بكشف ذلك القبر و نقل ذلك المدفون إلى موضع آخر خارج المشهد فلما كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق و لم يجدوا للميت أثرا و في هذه القضية زيادة استغناء عن تعداد بقية مناقبه و اكتفاء عن بسط القول فيها.

وأما أولاده :

فقيل ولد له عشرون ابنا و ثمان عشر بنتا و أسماء بنيه (عليه السلام) علي الرضا زيد إبراهيم عقيل هارون الحسن الحسين عبد الله إسماعيل عبيد الله عمر أحمد جعفر يحيى إسحاق العباس حمزة عبد الرحمن القاسم جعفر الأصغر و يقال موضع عمر محمد.

و أسماء بناته خديجة أم فروة أسماء علية فاطمة فاطمة أم كلثوم أم كلثوم آمنة زينب أم عبد الله زينب الصغرى أم القاسم حكيمة أسماء الصغرى محمودة أمامة ميمونة و قيل غير ذلك.

و أما عمره :

فإنه مات لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة للهجرة و قد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمان و عشرين و قيل تسع و عشرين فيكون عمره على القول الأول خمسا و خمسين سنة و على القول الثاني أربعا و خمسين سنة و قبره بالمشهد المعروف بباب التين من بغداد المحروسة انتهى كلام كمال الدين.

قلت القصة التي أوردها عن شقيق البلخي قد أوردها جماعة من أرباب التأليف و المحدثين ذكرها الشيخ ابن الجوزي رحمه الله في كتابيه إثارة العزم الساكن إلى أشرف الأماكن و كتاب صفة الصفوة و ذكرها الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي و حكى إلى بعض الأصحاب أن القاضي بن خلاد الرامهرمزي ذكرها في كتابه كرامات الأولياء

[217]

.

و قال الجنابذي : أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمه أم ولد ولد له علي الرضا و زيد و عقيل و هارون و الحسن و الحسين و عبد الله و إسماعيل و عبيد الله و عمر و أحمد و جعفر و يحيى و إسحاق و العباس و حمزة و عبد الرحمن و القاسم و جعفر الأصغر و يقال موضع عمر محمد و أبو بكر.

و من البنات خديجة و أم فروة و أسماء و علية و فاطمة و فاطمة و أم كلثوم و أم كلثوم و آمنة و زينب و أم عبد الله و زينب الصغرى و أم القاسم و حكيمة و أسماء الصغرى و محمودة و أمامة و ميمونة عشرون ذكرا و ثمان عشرة أنثى.

و يقال كنيته أبو إبراهيم و اسم أمه حميدة الأندلسية مولده سنة ثمان و عشرين و مائة توفي سنة ثلاث و ثمانين و مائة فيكون عمره خمسا و خمسين سنة .

و روى إسحاق بن جعفر قال : سألت أخي موسى بن جعفر قلت أصلحك الله أ يكون المؤمن بخيلا قال نعم قلت أ يكون جبانا قال نعم قلت أ فيكون خائنا قال لا و لا يكون كذابا , ثم قال ; حدثني أبي جعفر بن محمد عن آبائه عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال ; سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : على كل خلة يطوي المؤمن ليس الخيانة و الكذب .

حدث عيسى بن محمد بن مغيث القرطي و بلغ تسعين سنة قال : زرعت بطيخا و قثاء و قرعا في موضع بالجوانية على بئر يقال لها أم عظام فلما قرب الخير و استوى الزرع بيتني الجراد و أتى على الزرع كله و كنت عزمت على الزرع ثمن جملين و مائة و عشرين دينارا فبينا أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر بن محمد فسلم علي ثم قال أيش حالك ?

قلت أصبحت كالصريم بيتني الجراد فأكل زرعي .

قال : كم غرمت ?

قلت : مائة و عشرين دينارا مع ثمن الجملين .

قال , فقال يا عرفة : إن لأبي الغيث مائة و خمسين دينارا فربحك ثلاثون دينارا و الجملان فقلت يا مبارك ادع لي فيها بالبركة فدخل و دعا .

و حدثني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال تمسكوا ببقاء

[218]

المصائب ثم علقت عليه الجملين و سقيته فجعل الله فيه البركة و زكت فبعت منها بعشرة آلاف .

حدث أحمد بن إسماعيل قال : بعث موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون .

قال و ذكر الخطيب قال : ولد موسى بن جعفر بالمدينة في سنة ثمان و عشرين و قيل تسع و عشرين و مائة و أقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى أيام الرشيد فقدم الرشيد بالمدينة فحمله معه و حبسه ببغداد إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة .

إسماعيل عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر الولد إلى والديه حبا لهما عبادة .

و روي : أن موسى بن جعفر أحضر ولده يوما فقال لهم يا بني إني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها أن أتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروها ثم تحول إلى الأذن اليسرى فاعتذر و قال لم أقل شيئا فاقبلوا عذره .

و عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال الحسين : جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسعى بقوم فأمرني أن دعوت له قنبرا فقال له علي (عليه السلام) اخرج إلى هذا الساعي فقل له قد أسمعتنا ما كره الله تعالى فانصرف في غير حفظ الله تعالى آخر كلام الجنابذي رحمه الله تعالى .

و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى باب ذكر الإمام القائم بعد أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) من ولده و تاريخ مولده و دلائل إمامته و مبلغ سنه و مدة خلافته و وقت وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره.

[219]

و كان الإمام كما قدمناه بعد أبي عبد الله (عليه السلام) ابنه أبا الحسن موسى بن جعفر العبد الصالح (عليه السلام) لاجتماع خلال الفضل فيه و الكمال و لنص أبيه بالإمامة عليه و إشارته بها إليه و كان مولده (عليه السلام) بالأبواء سنة ثمان و عشرين و مائة و قبض (عليه السلام) ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة و له يومئذ خمس و خمسون سنة و أمه أم ولد و يقال لها حميدة البربرية و كانت مدة خلافته و مقامه في الإمامة بعد أبيه (عليه السلام) خمسا و ثلاثين سنة و كان يكنى أبا إبراهيم و أبا الحسن و أبا علي و يعرف بالعبد الصالح و ينعت أيضا بالكاظم .

فصل في النص عليه عن أبيه (عليه السلام) ممن روى صريح النص بالإمامة

عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (عليه السلام) : من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) و خاصته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم المفضل بن عمر الجعفي و معاذ بن كثير و عبد الرحمن بن الحجاج و الفيض بن المختار و يعقوب السراج و سليمان بن خالد و صفوان الجمال و غيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب.

و قد روى ذلك من إخوته إسحاق و علي ابنا جعفر و كانا من الفضل و الورع على ما لا يختلف فيه اثنان .

فروى موسى الصيقل عن المفضل بن عمر الجعفي رحمه الله قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل أبو إبراهيم موسى (عليه السلام) و هو غلام فقال أبو عبد الله (عليه السلام) استوص به و ضع أمره عند من تثق به من أصحابك .

و روى ثبيت عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت أسأل الله

[220]

الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها قال قد فعل الله ذلك فقلت من هو جعلت فداك فأشار إلى العبد الصالح و هو راقد فقال هذا الراقد و هو يومئذ غلام .

و روى أبو علي الأرجاني عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : دخلت على جعفر بن محمد (عليه السلام) في منزله فإذا هو في بيت كذا من داره في مسجد له و هو يدعو و على يمينه موسى بن جعفر (عليه السلام) يؤمن على دعائه فقلت له جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي إليك و خدمتي لك فمن ولي الأمر بعدك قال يا عبد الرحمن إن موسى قد لبس الدرع و استوت عليه فقلت له لا أحتاج بعد هذا إلى شي‏ء .

و روى عبد الأعلى عن الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) خذ بيدي من النار من لنا بعدك فدخل أبو إبراهيم و هو يومئذ غلام فقال هذا صاحبكم فتمسك به .

و روى ابن أبي نجران عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بأبي أنت و أمي إن الأنفس يغدى عليها و يراح فإذا كان ذلك فمن فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا كان ذلك فهو صاحبكم و ضرب على منكب أبي الحسن الأيمن و هو فيما أعلم يومئذ خماسي و عبد الله بن جعفر جالس معنا .

و روى ابن أبي نجران عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت له إن كان كون و لا أراني الله ذلك فبمن أئتم قال فأومأ إلى ابنه موسى قلت فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتم قال بولده قلت فإن حدث بولده حدث و ترك أخا كبيرا و ابنا صغيرا قال بولده ثم هكذا أبدا .

و روى المفضل عن طاهر بن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : رأيته يلوم عبد الله ابنه و يعظه و يقول له ما منعك أن تكون مثل أخيك فو الله إني لأعرف النور في وجهه فقال عبد الله و كيف أ ليس أبي و أبوه واحدا و أصلي و أصله واحدا فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) إنه من نفسي و أنت ابني .

[221]

و روى محمد بن سنان عن يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) و هو واقف على رأس أبي الحسن موسى و هو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال ادن إلى مولاك فسلم عليه فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح ثم قال لي اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فإنه اسم يبغضه الله تعالى و كانت ولدت لي بنت فسميتها فقال أبو عبد الله انته إلى أمره ترشد فغيرت اسمها .

و روى ابن مسكان عن سليمان بن خالد قال : دعا أبو عبد الله (عليه السلام) أبا الحسن يوما و نحن عنده فقال لنا عليكم بهذا بعدي فهو و الله صاحبكم .

و روى الوشاء عن علي بن الحسين عن صفوان الجمال قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر فقال إن صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب فأقبل أبو الحسن موسى (عليه السلام) و هو صغير و معه عناق مكية و هو يقول اسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) و ضمه إليه و قال بأبي و أمي من لا يلهو و يلعب .

و روى يعقوب بن جعفر الجعفري قال حدثني إسحاق بن جعفر الصادق (عليه السلام) قال : كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال جعلت فداك إلى من نفزع و يفزع الناس بعدك فقال إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين و العذيرتين و هو الطالع عليك من الباب فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحا و دخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) و هو صبي و عليه ثوبان أصفران .

و روى محمد بن الوليد قال : سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته و أصحابه استوصوا بابني موسى خيرا فإنه أفضل ولدي و من أخلف بعدي و هو القائم مقامي و الحجة لله عز و جل على

[222]

كافة خلقه من بعدي .

و كان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسى و الانقطاع إليه و التوفر على أخذ معالم دينه عنه و له مسائل مشهور عنه و جوابات رواها سماعا منه و الأخبار فيما ذكرناه أكثر من أن يحصى على ما بيناه و وصفناه .

باب ذكر طرف من دلائل أبي الحسن موسى (عليه السلام) و آياته و معجزاته و علاماته

عن هشام بن سالم قال : كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) و أنا و محمد بن النعمان صاحب الطاق و الناس و مجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صاحب الأمر بعد أبيه فدخلنا عليه و الناس عنده فسألناه عن الزكاة في كم تجب فقال في مائتي درهم خمسة دراهم فقلنا له ففي مائة فقال درهمان و نصف قلنا و الله ما تقول المرجئة هذا فقال و الله ما أدري ما تقول المرجئة قال فخرجنا ضلالا ما ندري إلى أين نتوجه أنا و أبو جعفر الأحول فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين لا ندري إلى أين نتوجه و إلى من نقصد نقول إلى المرجئة إلى القدرية إلى المعتزلة إلى الزيدية فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه يومئ إلي بيده فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور و ذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس على من يجتمع بعد جعفر من الناس فيؤخذ فتضرب عنقه فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول فإني خائف على نفسي و عليك و إنما يريدني ليس يريدك فتنح عني لا تهلك فتعين على نفسك فتنحى عنه بعيدا و تبعت الشيخ و ذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه فما زلت أتبعه و قد عرضت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى (عليه السلام) ثم خلاني و مضى فإذا خادم بالباب فقال لي ادخل رحمك الله فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فقال لي ابتداء منه إلي إلي لا إلى المرجئة و لا إلى القدرية و لا إلى المعتزلة و لا إلى الزيدية و لا إلى الخوارج قلت جعلت فداك مضى أبوك قال

[223]

نعم قلت مضى موتا قال نعم قلت فمن لنا بعده قال إن شاء الله أن يهديك هداك قلت جعلت فداك إن أخاك عبد الله يزعم أنه الإمام من بعد أبيه فقال عبد الله يريد أن لا يعبد الله قال قلت جعلت فداك فمن لنا من بعده فقال إن شاء الله أن يهديك هداك قلت جعلت فداك فأنت هو قال لا أقول ذلك قال فقلت في نفسي إني لم أصب طريق المسألة ثم قلت له جعلت فداك أ عليك إمام قال لا قال فدخلني شي‏ء لا يعلمه إلا الله تعالى إعظاما له و هيبة ثم قلت له جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك قال سل تخبر و لا تذع فإن أذعت فهو الذبح قال فسألته فإذا هو بحر لا ينزف قلت جعلت فداك شيعة أبيك ضلال فألقي إليهم هذا الأمر و ادعوهم إليك فقد أخذت على الكتمان قال من آنست منه رشدا فألق إليه و خذ عليه الكتمان فإن أذاع فهو الذبح و أشار بيده إلى حلقه قال فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي ما وراءك قلت الهدى و حدثته بالقصة قال ثم لقينا زرارة و أبا بصير فدخلا عليه و سمعا كلامه و ساءلاه و قطعا عليه ثم لقينا الناس أفواجا فكل من دخل عليه قطع بالإمامة إلا طائفة عمار الساباطي و بقي عبد الله لا يدخل عليه من الناس إلا القليل .

و عن الرافعي قال : كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبد الله و كان زاهدا و كان من أعبد أهل زمانه و كان السلطان يتقيه لجده في الدين و اجتهاده و ربما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بما يغضبه فيحتمل ذلك لصلاحه فلم تزل هذه حاله حتى دخل يوما المسجد و فيه أبو الحسن موسى (عليه السلام) فأومأ إليه فأتاه فقال له يا با علي ما أحب إلي ما أنت فيه و أسرني به إلا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة فقال له جعلت فداك و ما المعرفة قال اذهب تفقه و اطلب الحديث قال عن من قال عن فقهاء المدينة ثم أعرض علي الحديث قال فذهب فكتب ثم جاء فقرأه عليه فأسقط كله ثم قال اذهب فاعرف و كان الرجل معينا بدينه فلم يزل يترصد أبا الحسن حتى خرج إلى ضيعة له فلقيه

[224]

في الطريق فقال له جعلت فداك إني أحتج عليك بين يدي الله عز و جل فدلني على ما تجب علي معرفته قال فأخبره أبو الحسن عليه بأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) و حقه و ما يجب له و أمر الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم سكت فقال له جعلت فداك فمن الإمام اليوم قال إن أخبرتك تقبل قال نعم قال أنا هو قال فشي‏ء أستدل به قال اذهب إلى تلك الشجرة و أشار إلى بعض شجر أم غيلان و قل لها يقول لك موسى بن جعفر أقبلي قال فأتيتها فرأيتها و الله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ثم أشار إليها بالرجوع فرجعت قال فأقر به ثم لزم الصمت و العبادة و كان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك .

و روى عن أبي بصير قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) جعلت فداك بم يعرف الإمام قال بخصال أما أولهن فإنه بشي‏ء تقدم من أبيه و أشار به إليه ليكون حجة و يسأل فيجيب و إذا سكت عنه ابتدأ و يخبر بما في غد و يكلم الناس بكل لسان ثم قال يا با محمد أعطيك علامته قبل أن تقوم فلم يلبث أن دخل عليه رجل من خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن بالفارسية فقال له الخراساني و الله ما منعني أن أكلمك بالفارسية إلا أني ظننتك لا تحسنها فقال سبحان الله إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك فيما أستحق به الإمامة ثم قال يا با محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس و لا منطق الطير و لا كلام شي‏ء فيه روح .

و روى عبد الله بن إدريس عن ابن سنان قال : حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها و كان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) و أنفذ في جملتها تلك الدراعة و أضاف إليها مالا كان أعده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله فلما وصل ذلك إلى أبي الحسن (عليه السلام) قبل المال و الثياب و رد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين و كتب إليه

[225]

احتفظ بها و لا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه فارتاب علي بن يقطين بردها عليه و لم يدر ما سبب ذلك و احتفظ بالدراعة فلما كان بعد ذلك بأيام تغير علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته و كان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن (عليه السلام) و يقف على ما يحمله إليه في كل وقت من مال و ثياب و ألطاف و غير ذلك فسعى به الرشيد و قال إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر و يحمل إليه خمس ماله في كل سنة و قد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا و كذا فاستشاط الرشيد من ذلك و غضب غضبا شديدا و قال لأكشفن عن هذه القضية [الحال] فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه و أنفذ في الوقت و طلب علي بن يقطين فلما مثل بين يديه قال له ما فعلت الدراعة التي كسوتك بها قال هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب و قد احتفظت بها و قل ما أصبحت إلا و فتحت السفط و نظرت إليها تبركا بها و قبلتها و رددتها إلى موضعها و كلما أمسيت صنعت مثل ذلك فقال أحضرها الساعة قال نعم يا أمير المؤمنين فاستدعى بعض خدمه فقال له امض إلى البيت الفلاني من داري فخذ مفتاحه من جاريتي و افتحه و افتح الصندوق الفلاني فجئني بالسفط الذي فيه بختمه فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوما فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه و فتحه فلما فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها مطوية مدفونة في الطيب فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين ارددها إلى مكانها و انصرف راشدا فلن نصدق عليك بعدها ساعيا و أمر أن يتبع بجائزه سنية و تقدم بضرب الساعي ألف سوط فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك .

و روى عن محمد بن الفضل قال : اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين

[226]

في الوضوء هو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع فكتب ابن يقطين إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) جعلت فداك إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب بخطك بما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام) فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما و تغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك إلى غيره فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما جميع العصابة على خلافه ثم قال مولاي أعلم بما قال و أنا ممتثل أمره فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن (عليه السلام) و سعى بعلي بن يقطين و قيل إنه رافضي مخالف لك فقال الرشيد لبعض خاصته قد كثر عندي القول في علي بن يقطين و القرف له بخلافنا و ميله إلى الروافض و لست أرى في خدمته لي تقصيرا و قد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرب به و أحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيحترز مني فقيل له إن الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه و لا ترى غسل الرجلين فاستمحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه فقال أجل إن هذا الوجه يظهر به أمره ثم تركه مدة و ناطه بشي‏ء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة و كان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين و لا يراه هو فدعا بالماء للوضوء فتوضأ كما تقدم و الرشيد ينظر إليه فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة و صلحت حاله عنده و ورد عليه كتاب أبي الحسن (عليه السلام) ابتداء من الآن يا علي بن يقطين توضأ

[227]

كما أمر الله تعالى اغسل وجهك مرة فريضة و أخرى إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف عليك و السلام .

و روى علي بن أبي حمزة البطائني قال : خرج أبو الحسن موسى (عليه السلام) في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها فصحبته و كان (عليه السلام) راكبا بغلة و أنا على حمار لي فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت عنه خوفا و أقدم أبو الحسن (عليه السلام) غير مكترث به فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن و يهمهم فوقف له أبو الحسن (عليه السلام) كالمصغى إلى همهمته و وضع الأسد يده على كفل بغلته و قد همتني نفسي من ذلك و خفت خوفا عظيما ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق و حول أبو الحسن موسى (عليه السلام) وجهه إلى القبلة و جعل يدعو و يحرك شفتيه بما لم أفهمه ثم أومأ بيده إلى الأسد أن امض فهمهم الأسد همهمة طويلة و أبو الحسن (عليه السلام) يقول آمين آمين و انصرف الأسد حتى غاب عنا و مضى أبو الحسن (عليه السلام) لوجهه فلما بعدنا عن الموضع قلت له جعلت فداك ما شأن هذا الأسد فقد خفته و الله عليك و عجبت من شأنه معك فقال لي أبو الحسن (عليه السلام) إنه خرج يشكو إلى عسر الولادة على لبوته و سألني أن أسأل الله تعالى أن يفرج عنها ففعلت ذلك فألقي في روعي أنها تلد له ذكرا فخبرته بذلك فقال لي امض في حفظ الله فلا سلط الله عليك و لا على ذريتك و لا على أحد من شيعتك شيئا من السباع فقلت آمين .

قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى : و الأخبار في هذا الباب كثيرة و فيما أثبتناه منها كفاية على الرسم الذي تقدم و المنة لله و قال .

[228]

باب ذكر طرف من فضائله و مناقبه و خلاله التي بان بها في الفضل من غيره (عليه السلام)

و كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) أعبد أهل زمانه و أفقههم و أسخاهم كفا و أكرمهم نفسا و روي أنه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء و التحميد حتى يقرب زوال الشمس .

و كان يدعو كثيرا فيقول : اللهم إني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب و يكرر ذلك .

و كان من دعائه : عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك .

و كان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع و كان أوصل الناس لأهله و رحمه و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم العين و الورق و الدقيق و التمر فيوصل ذلك إليهم و لا يعلمون من أي جهة هو .

قال محمد بن عبد الله البكري : قدمت المدينة أطلب دينا فأعياني فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) فشكوت إليه فأتيته بنقمى في ضيعته فخرج إلي و معه غلام و معه نسف فيه قديد مجزع ليس معه غيره فأكل و أكلت معه و سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل و لم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه اذهب ثم مد يده إلي فدفع إلي صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي فانصرفت .

و روى : أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى (عليه السلام) و يسبه إذا رآه و يشتم عليا (عليه السلام) فقال له أصحابه دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عن ذلك و زجرهم أشد الزجر و سأل عن العمري فذكر أنه خرج إلى زرع له فخرج إليه و دخل المزرعة بحماره

[229]

فصاح به العمري لا توطئ زرعنا فتوطأه أبو الحسن (عليه السلام) بالحمار حتى وصل إليه فنزل و جلس عنده و باسطه و ضاحكه و قال كم غرمت على زرعك هذا فقال مائتي دينار قال فكم ترجو أن يحصل منه قال لست أعلم الغيب قال إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه قال أرتجي فيه مائتي دينار قال فأخرج له أبو الحسن (عليه السلام) صرة فيها ثلاثمائة دينار و قال هذا زرعك على حاله و الله يرزقك ما ترجو قال فقام العمري فقبل رأسه و سأله أن يصفح عن فارطه فتبسم إليه أبو الحسن (عليه السلام) و انصرف و راح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر إليه قال الله أعلم حيث يجعل رسالاته قال فوثب إليه أصحابه فقالوا ما قصتك قد كنت تقول غير هذا فقال لهم قد سمعتم ما قلت الآن و جعل يدعو لأبي الحسن (عليه السلام) فخاصموه و خاصمهم فلما رجع أبو الحسن (عليه السلام) إلى داره قال لأصحابه الذين أشاروا بقتل العمري كيف رأيتم أصلحت أمره و كفيت شره .

و ذكر جماعة من أهل العلم أن أبا الحسن (عليه السلام) كان يصل بالمائتي دينار إلى الثلاثمائة دينار و كانت صرار موسى (عليه السلام) مثلا .

و ذكر ابن عمار و غيره من الرواة : أنه لما خرج الرشيد إلى الحج و قرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسى بن جعفر (عليه السلام) على بغلة فقال له الربيع ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين و أنت إن طلبت عليها لم تدرك و إن طلبت عليها لم تفت فقال إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل و ارتفعت عن ذلة العير و خير الأمور أوسطها قالوا و لما دخل الرشيد المدينة توجه إلى زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و معه الناس فتقدم إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابن عم مفتخرا بذلك على غيره فتقدم موسى (عليه السلام) إلى القبر

[230]

و قال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبة فتغير وجه الرشيد و تبين الغيظ فيه .

و أخبر عبد الحميد قال سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى (عليه السلام) بمحضر من الرشيد و هم بمكة فقال أ يجوز للمحرم أن يظلل على محمله نفسه فقال له موسى لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال له محمد بن الحسن أ فيجوز له أن يمشي تحت الظلال مختارا فقال له نعم فتضاحك له محمد بن الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن موسى (عليه السلام) أ تعجب من سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تستهزئ بها أن رسول الله كشف ظلاله في إحرامه و مشى تحت الظلال و هو محرم إن أحكام الله يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها ببعض فقد ضل عن السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا .

و قد روى الناس عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) فأكثروا و كان أفقه أهل زمانه كما قدمناه و أحفظهم لكتاب الله عز و جل و أحسنهم صوتا بالقرآن و كان إذا قرأ يحزن و يبكي و يبكي السامعين و كان الناس بالمدينة يسمونه زين المتهجدين و سمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ و صبر عليه من فعل الظالمين به حتى مضى قتيلا في حبسهم و وثاقهم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قال :

باب ذكر السبب في وفاته و طرف من الخبر في ذلك

و كان السبب في قبض الرشيد على أبي الحسن (عليه السلام) و حبسه و قتله ما ذكره أحمد بن عبيد الله بن عمار عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه و أحمد بن محمد بن سعيد و أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى عن مشايخهم قالوا : كان السبب في أخذ موسى بن جعفر (عليه السلام) أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فحسده يحيى بن خالد بن برمك على ذلك و قال إن أفضت إليه الخلافة زالت دولتي و دولة ولدي فاحتال على جعفر بن محمد و كان يقول بالإمامة حتى داخله و آنس به و كان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره و يرفعه إلى الرشيد و يزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه ثم قال لبعض ثقاته تعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال

[231]

يعرفني ما أحتاج إليه فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيى بن خالد مالا و كان موسى (عليه السلام) يأنس بعلي بن إسماعيل و يصله و يبره ثم أنفذ إليه يحيى بن خالد يرغبه في قصد الرشيد و يعده بالإحسان إليه فعمل على ذلك فأحس به موسى (عليه السلام) فدعا به فقال إلى أين يا ابن أخي قال إلى بغداد قال و ما تصنع قال على دين و أنا مملق فقال له موسى (عليه السلام) أنا أقضي دينك و أفعل بك و أصنع فلم يلتفت إلى ذلك و عمل على الخروج فاستدعاه أبو الحسن (عليه السلام) فقال له أنت خارج قال نعم لا بد لي من ذلك فقال له انظر يا ابن أخي و اتق الله و لا تؤتم أطفالي و أمر له بثلاثمائة دينار و أربعة آلاف درهم فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن (عليه السلام) لمن حضره و الله ليسعين في دمي و يؤتمن أولادي فقالوا جعلني الله فداك و أنت تعلم هذا من حاله و تعطيه و تصله قال نعم .

حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله و أنني أردت أن أصله بعد قطعه حتى إذا قطعني قطعه الله .

قالوا فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر (عليه السلام) و رفعه إلى الرشيد فسأله عن عمه فسعى به إليه و قال إن الأموال تحمل إليه من المشرق و المغرب و إنه اشترى ضيعة سماه اليسيرية بثلاثين ألف دينار فقال له صاحبها و قد أحضره المال لا آخذ هذا النقد و لا آخذ إلا نقد كذا و كذا فأمر بذلك المال فرد و أعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه.

فسمع ذلك منه الرشيد و أمر له بمائتي ألف درهم تسبب على بعض النواحي فاختار بعض كور المشرق و مضت رسله لقبض المال و أقام ينتظرهم فدخل في بعض تلك الأيام إلى الخلاء فزحر زحرة خرجت منها حشوته كلها فسقط و

[232]

جهدوا في ردها فلم يقدروا فوقع لما به و جاءه المال و هو ينزع فقال ما أصنع به و أنا في الموت.

و خرج الرشيد في تلك السنة إلى الحج و بدا بالمدينة فقبض على أبي الحسن (عليه السلام) يقال إنه لما ورد المدينة استقبله موسى (عليه السلام) في جماعة من الأشراف و انصرفوا من استقباله فمضى أبو الحسن (عليه السلام) إلى المسجد على رسمه و أقام الرشيد إلى الليل و صار إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله إني أعتذر إليك من أمر أريد أن أفعله أريد أن أحبس موسى بن جعفر فإنه يريد التشتيت بين أمتك و سفك دمائهم ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده و استدعى قبتين فجعله في أحدهما على بغل و جعل القبة الأخرى على بغل آخر و خرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتان و مع كل واحدة منهما خيل فافترقت الخيل فمضى بعضها مع إحدى القبتين على طريق البصرة و الأخرى على طريق الكوفة و كان أبو الحسن (عليه السلام) في القبة التي مضى بها على طريق البصرة و إنما فعل الرشيد ذلك ليعمي على الناس الأمر في باب أبي الحسن و أمر القوم الذين كانوا مع قبة أبي الحسن أن يسلموه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور و كان على البصرة حينئذ فسلم إليه فحبسه عنده سنة و كتب إليه الرشيد في دمه فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خاصته و ثقاته فاستشارهم فيما كتب إليه الرشيد فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك و الاستعفاء منه فكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له قد طال أمر موسى بن جعفر و مقامه في حبسي و قد اختبرت حاله و وضعت عليه العيون طول هذه المدة فما وجدته يفتر عن العبادة و وضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه فما دعا عليك و لا علي و ما ذكرنا بسوء و ما يدعو إلا بالمغفرة و الرحمة لنفسه و إن أنت أنفذت إلى من يتسلمه مني و إلا خليت سبيله فإني متحرج من حبسه .

و روى : أن بعض عيون عيسى بن جعفر رفع إليه أنه سمعه كثيرا يقول في دعائه و هو محبوس عنده اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك

[233]

اللهم و قد فعلت فلك الحمد .

فوجه الرشيد من تسلمه عن عيسى بن جعفر و صير به إلى بغداد فسلم إلى الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة فأراده الرشيد على شي‏ء من أمره فأبى فكتب إليه بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه و جعله في بعض حجر دوره و وضع عليه الرصد و كان (عليه السلام) مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله صلاة و قراءة للقرآن و دعاء و اجتهادا و يصوم النهار في أكثر الأيام و لا يصرف وجهه عن المحراب فوسع عليه الفضل بن يحيى و أكرمه فاتصل ذلك بالرشيد و هو في الرقة فكتب إليه ينكر عليه توسيعه على موسى (عليه السلام) و يأمره بقتله فتوقف عن ذلك و لم يقدم عليه.

فاغتاظ الرشيد لذلك و دعا مسرور الخادم فقال له اخرج على البريد في هذا الوقت إلى بغداد و ادخل من فورك على موسى بن جعفر فإن وجدته في دعة و رفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمد و مره بامتثال ما فيه و سلم إليه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى بن جعفر فوجده على ما بلغ الرشيد فمضى من فوره إلى العباس بن محمد و السندي بن شاهك فأوصل الكتابين إليهما فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى فركب معه و خرج مشدوها دهشا حتى دخل على العباس فدعا العباس بسياط و عقابين و أمر بالفضل فجرد و ضربه السندي بين يديه مائة سوط و خرج متغير اللون خلاف ما دخل و جعل يسلم على الناس يمينا و شمالا.

و كتب مسرور بالخبر إلى الرشيد فأمر بتسليم موسى (عليه السلام) إلى السندي بن شاهك و جلس الرشيد مجلسا حافلا و قال أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني و خالف طاعتي و رأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت و الدار بلعنه و بلغ يحيى بن خالد الخبر فركب إلى الرشيد فدخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه و هو لا يشعر ثم

[234]

قال التفت يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعا فقال له إن الفضل حدث و أنا أكفيك ما تريد.

فانطلق وجهه و سر و أقبل على الناس و قال إن الفضل كان قد عصاني في شي‏ء فلعنته و قد تاب و أناب إلى طاعتي فتولوه فقالوا نحن أولياء من واليت و أعداء ما عاديت و قد توليناه ثم خرج يحيى بن خالد على البريد حتى وافى بغداد فهاج الناس و أرجفوا بكل شي‏ء و أظهر أنه ورد لتعديل السواد و النظر في أمور العمال و تشاغل ببعض ذلك أياما ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله و كان الذي تولى به السندي قتله (عليه السلام) سما جعله في طعامه قدمه إليه و يقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم و لبث بعده ثلاثا موعوكا منه ثم مات في اليوم الثالث.

و لما مات موسى (عليه السلام) أدخل السندي بن شاهك الفقهاء و وجوه أهل بغداد و فيهم الهيثم بن عدي و غيره فنظروا إليه و لا أثر به من جراح و لا خنق و أشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك و أخرج و وضع على الجسر ببغداد و نودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت (عليه السلام) .

و قد كان قوم زعموا في أيام موسى (عليه السلام) أنه هو القائم المنتظر و جعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم فأمر يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه فنظر الناس إليه ميتا ثم حمل و دفن في مقابر قريش من باب التين و كانت هذه المقبرة لبني هاشم. و روى أنه (عليه السلام) لما حضرته الوفاة سأل السندي أن يحضره مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله و تكفينه ففعل ذلك .

قال السندي بن شاهك : و كنت سألته في الإذن لي أن أكفنه و أبى و قال

[235]

إنا أهل بيت مهمور نسائنا و حج صرورتنا و أكفان موتانا من طاهر أموالنا و عندي كفن و أريد أن يتولى غسلي و جهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه .

قلت بعدا لهذه الأحلام الهافية و الأديان الواهية و العقائد المدخولة و النحل المجهولة و الأنفس الظالمة و الحركات الفاسدة و الأهواء الغالبة و الهمم القاصرة و السيرة القاسطة و الطبائع العادية و العقول الغائبة فلقد أتوها شنعاء شوهاء جذاء تبكي لها الأرض و السماء و أظلم منها النهار تجاوزت حدها الأقدار و لم يأت بمثلها الكفار هل عرفوا أي دم سفكوا و أي حرمة انتهكوا و بمن فتكوا حين فتكوا و كيف أساءوا حين ملكوا فما أبقى و لا تركوا لم يخافوا أن تميد بهم الأرض فتهلكهم بزلزالها و تحل بهم المنايا فتعركهم بثفالها أو تمطرهم السماء بالعذاب أو تسد عليهم أبواب الخير في الدنيا و لهم في الآخرة سوء الحساب أ لم يعلموا أنهم أراقوا دم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لم يخرقوا بفعلهم هذا حرمة الإسلام أ لم يعيدوها أموية أ لم ينصبوا جسد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما نصبه أولئك ذرية أ ما فعل الأواخر بموسى كما فعل الأوائل بالحسين (عليه السلام) أ ما جهدوا جميعا في تشتيت الكلمة و تفريق ذات البين ما أشبه الفعل الأول بالآخر و ما أقرب نسبه الخافي إلى الظاهر ويحهم ثم هلا قنعوا بحبسه و لم يقدموا على إزهاق نفسه و تكوير شمسه هل أنكروا مجده و شرفه أو جهلوا قديمه و سلفه كلا و الله بل عرفوه و أنكروه و أساءوا إليه بعد ما اختبروه فأقدموا منه على ما يوجب سخط الله العظيم و العدول عن النهج القويم و الصراط المستقيم و الخلود في العذاب الأليم أ ما علموا أن الله ادخر للظالمين جحيما أ ما قرءوا وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً أ تراهم لم يعرفوا إيمانه و مذهبه و لا تحققوا أصله و نسبه بلى و الله و لكن حب

[236]

الفانية أعمى القلوب و الأبصار و وطن الأنفس على دخول النار و لقد أذكرتني حاله (عليه السلام) بيتا أنشدنيه الصاحب الشهيد السعيد تاج الدين محمد بن نصر بن الصلايا الحسيني قدس الله روحه حين عد المماليك على الملك المعظم توران‏شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب فقتلوه بمصر في محرم سنة ثمان و أربعين و ستمائة و ساعدهم على قتله اثنان من عبيده اسم أحدهما محسن و الآخر رشيد و هو .

و من عجب الدنيا إساءة محسن *** و غي رشيد و امتهان معظم

و قال المفيد رحمه الله باب عدد أولاده و طرف من أخبارهم :

و كان لأبي الحسن (عليه السلام) سبعة و ثلاثون ولدا ذكرا و أنثى منهم الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و إبراهيم و العباس و القاسم لأمهات أولاد شتى و إسماعيل و جعفر و هارون و الحسن لأم ولد و أحمد و محمد و حمزة لأم ولد و عبد الله و إسحاق و عبيد الله و زيد و الحسن و الفضل و سليمان لأمهات أولاد و فاطمة الكبرى و فاطمة الصغرى و رقية و حكيمة و أم أبيها و رقية الصغرى و كلثوم و أم جعفر و لبابة و زينب و خديجة و علية و آمنة و حسنة و بريهة و عائشة و أم سلمة و ميمونة و أم كلثوم.

و كان أفضل ولد أبي الحسن موسى (عليه السلام) و أنبههم ذكرا و أعظمهم قدرا و أعلمهم و أجمعهم فضلا أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و كان أحمد بن موسى كريما جليلا ورعا و كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) يحبه و يقدمه و وهب له ضيعته المعروفة باليسيرية و يقال إن أحمد بن موسى رضي الله عنه أعتق ألف مملوك.

و روى أن محمد بن موسى صاحب وضوء و صلاة و كان ليله كله يتوضأ و يصلي فيسمع سكب الماء ثم يصلي ليلا ثم يهدأ ساعة فيرقد و يقوم فيسمع سكب الماء و الوضوء و يصلي ليلا ثم يرتد سويعة ثم يقول فيسمع سكب الماء و الوضوء فلا يزال

[237]

كذلك حتى يصبح.

قال الراوي و ما رأيته قط إلا ذكرت قوله تعالى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ.

و كان إبراهيم بن موسى شجاعا كريما و تقلد الأمر على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة و مضى إليها ففتحها و أقام مدة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان و أخذ له الأمان من المأمون.

و لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى (عليه السلام) فضل و منقبة مشهورة و كان الرضا (عليه السلام) المقدم عليهم في الفضل حسب ما ذكرناه آخر كلامه.

قال ابن الخشاب ذكر الأمين موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين و بالإسناد الأول عن محمد بن سنان : ولد موسى بن جعفر بالأبواء سنة ثمان و عشرين و مائة و قبض و هو ابن أربع و خمسين سنة في سنة مائة و ثلاث و ثمانين و يقال خمس و خمسين سنة و في رواية أخرى بل كان مولده سنة مائة و تسع و عشرين من الهجرة حدثني بذلك صدقة عن أبيه عن الحسن بن محبوب.

و كان مقامه مع أبيه أربع عشرة سنة و أقام بعد أبيه خمسا و ثلاثين سنة و في الرواية الأخرى بل أقام موسى مع أبيه جعفر عشرين سنة حدثني بذلك حرب عن أبيه عن الرضا.

و قبض موسى و هو ابن خمس و خمسين سنة سنة مائة و ثلاث و ثمانين أمه حميدة البربرية و يقال الأندلسية أم ولد و هي أم إسحاق و فاطمة ولد له عشرون ابنا و ثمانية عشر بنتا أسماء بنيه علي الرضا الإمام و زيد و إبراهيم و عقيل و هارون و الحسن و الحسين و عبد الله و إسماعيل و عبيد الله و عمر و أحمد و جعفر و يحيى و إسحاق و العباس و حمزة و عبد الرحمن و القاسم و جعفر الأصغر و يقال موضع عمر محمد.

[238]

و أسماء البنات خديجة و أم فروة و أسماء و علية و فاطمة و فاطمة و أم كلثوم و أم كلثوم و آمنة و زينب و أم عبد الله و زينب الصغرى و أم القاسم و حكيمة و أسماء الصغرى و محمودة و أمامة و ميمونة.

لقبه الكاظم و الصابر و الصالح و الأمين يكنى بأبي الحسن و أبي إسماعيل قبره ببغداد بمقابر قريش آخر كلام ابن الخشاب .

و من كتاب الدلائل قال : دلائل أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) روى أحمد بن محمد عن أبي قتادة القمي عن أبي خالد الزبالي قال : قدم أبو الحسن موسى زبالة و معه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في إشخاصه القدمة الأولى قال و أمرني بشراء حوائج له فنظر إلى و أنا مغموم فقال لي يا أبا خالد ما لي أراك مغموما قلت هو ذا تصير إلى هذا الطاغية و لا آمنه عليك فقال يا أبا خالد ليس علي منه بأس إذا كان شهر كذا و كذا في يوم كذا و كذا فانتظرني في أول الليل فإني أوافيك إن شاء الله فما كانت لي همة إلا إحصاء الشهور و الأيام حتى كان ذلك اليوم فغدوت إلى أول الليل في المصر الذي وعدني فلم أزل أنتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب و وسوس الشيطان في صدري فلم أر أحدا ثم تخوفت أن أشك و وقع في قلبي أمر عظيم فبينا أنا كذلك و إذا سواد قد أقبل من ناحية العراق فانتظرته فوافاني أبو الحسن إمام القطار على بغلة له فقال إيه أبا خالد قلت لبيك يا ابن رسول الله قال لا تشكن ود الشيطان أنك شككت قلت قد كان ذلك قال فسررت بتخليصه فقلت الحمد لله الذي خلصك من الطاغية فقال يا با خالد إن لهم إلي عودة لا أتخلص منها .

و عن علي بن أبي حمزة قال : دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) في السنة التي

[239]

قبض فيها أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) فقلت له كم أتى لك قال تسع عشرة سنة قال فقلت إن أباك أسر إلي سرا و حدثني بحديث فأخبرني به فقال لي قال لك كذا و كذا حتى نسق على جميع ما أخبرني به أبو عبد الله (عليه السلام) .

و عن مولى لأبي عبد الله (عليه السلام) قال : كنا مع أبي الحسن (عليه السلام) حين قدم به البصرة فلما أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة و خلفنا سفينة فيها امرأة تزف إلى زوجها و كانت لهم جلبة فقال ما هذه الجلبة قلنا عروس فما لبثنا أن سمعنا صيحة فقال ما هذا فقالوا ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع منها سوار من ذهب فصاحت فقال احبسوا و قولوا لملاحهم يحبس فجلسنا و حبس ملاحهم فاتكأ على السفينة و همس قليلا و قال قولوا لملاحهم يتزر بفوطة و ينزل فيتناول السوار فنظرنا فإذا السوار على وجه الأرض و إذا ماء قليل فنزل الملاح فأخذ السوار فقال أعطها و قل لها فلتحمد الله ربها ثم سرنا فقال له أخوه إسحاق جعلت فداك الدعاء الذي دعوت به علمنيه قال نعم و لا تعلمه من ليس له بأهل و لا تعلمه إلا من كان من شيعتنا ثم قال اكتب فأملأ علي إنشاء يا سابق كل فوت يا سامعا لكل صوت قوى أو خفي يا محيي النفوس بعد الموت لا تغشاك الظلمات الحندسية و لا تشابه عليك اللغات المختلفة و لا يشغلك شي‏ء عن شي‏ء يا من لا تشغله دعوة داع دعاه من الأرض عن دعوة داع دعاه من السماء يا من له عند كل شي‏ء من خلقه سمع سامع و بصر نافذ يا من لا تغلطه كثرة المسائل و لا يبرمه إلحاح الملحين يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه و بقائه يا من سكن العلى و احتجب عن خلقه بنوره

[240]

يا من أشرقت لنوره دجاء الظلم أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك كلها صل على محمد و أهل بيته ثم سل حاجتك .

و عن الوشاء قال حدثني محمد بن يحيى عن وصي علي بن السري قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إن علي بن السري توفي و أوصى إلي فقال رحمه الله فقلت و إن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له و أمرني أن أخرجه من الميراث فقال لي أخرجه و إن كان صادقا فسيصيبه خبل قال فرجعت فقدمني إلى أبي يوسف القاضي فقال له أصلحك الله أنا جعفر بن علي بن السري و هذا وصي أبي فمره أن يدفع إلي ميراثي من أبي فقال ما تقول قلت نعم هذا جعفر و أنا وصي أبيه قال فادفع إليه ماله فقلت له أريد أن أكلمك فقال ادنه فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت هذا وقع على أم ولد لأبيه فأمرني أبوه و أوصاني أن أخرجه من الميراث و لا أورثه شيئا فأتيت موسى بن جعفر (عليه السلام) بالمدينة فأخبرته و سألته فأمرني أن أخرجه من الميراث و لا أورثه شيئا قال فقال الله إن أبا الحسن أمرك بذلك قلت نعم فاستحلفني ثلاثا و قال أنفذ ما أمرك به فالقول قوله قال الوصي و أصابه الخبل بعد ذلك قال الحسن بن علي الوشاء رأيته على ذلك .

[241]

و عن عيسى المدائني قال : خرجت سنة إلى مكة فأقمت بها ثم قلت أقيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكة فهو أعظم لثوابي فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلى إلى جنب دار أبي ذر رضي الله عنه فجعلت أختلف إلى سيدي فأصابنا مطر شديد بالمدينة فأتينا أبا الحسن (عليه السلام) يوما فسلمنا عليه و أن السماء تهطل فلما دخلت ابتدأني فقال لي و عليك السلام يا عيسى ارجع فقد انهدم بيتك على متاعك فانصرفت فإذا البيت قد انهدم على المتاع فاكتريت قوما يكشفون عن متاعي فاستخرجته فما ذهب لي شي‏ء و لا افتقدته غير سطل كان لي فلما أتيته من الغد مسلما عليه قال هل فقدت شيئا من متاعك فندعو الله لك بالخلف فقلت ما فقدت شيئا غير سطل كان لي أتوضأ فيه فقدته فأطرق مليا ثم رفع رأسه إلي فقال لي قد ظننت أنك أنسيته فسل جارية رب الدار و قل لها أنت رفعت السطل فرديه فإنها سترده عليك فلما انصرفت أتيت جارية رب الدار فقلت لها إني أنسيت سطلا في الخلاء و دخلت فأخذتيه فرديه أتوضأ فيه قال فردته .

قال علي بن أبي حمزة : كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) جالسا إذ أتاه رجل من الري يقال له جندب فسلم عليه ثم جلس فسأل أبا الحسن فأكثر السؤال ثم قال له يا جندب ما فعل أخوك فقال الخير و هو يقرئك السلام فقال له أعظم الله أجرك في أخيك فقال له ورد إلي كتابه من الكوفة لثلاثة عشر يوما بالسلامة فقال له يا جندب و الله مات بعد كتابه إليك بيومين و دفع إلى امرأته مالا و قال لها ليكن هذا المال عندك فإذا قدم أخي فادفعيه إليه و قد أودعته في الأرض في البيت الذي كان يسكنه فإذا أنت أتيتها فتلطف لها و أطمعها في نفسك فإنها ستدفعه إليك قال علي و كان جندب رجلا جميلا قال علي فلقيت جندبا بعد ما فقد أبو الحسن (عليه السلام) فسألته

[242]

عما كان قال أبو الحسن فقال يا علي صدق و الله سيدي ما زاد و لا نقص لا في الكتاب و لا في المال .

و عن خالد قال : خرجت و أنا أريد أبا الحسن (عليه السلام) فدخلت عليه و هو في عرصة داره جالس فسلمت عليه و جلست و قد كنت أتيته لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل فالتفت إلي و قال ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمر يده عليه و يقول الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي و أتجمل به بين الناس و إذا أعجبه شي‏ء فلا يكثر ذكره فإن ذلك مما يهده و إذا كانت لأحدكم إلى أخيه حاجة أو وسيلة لا يمكنه قضاؤها فلا يذكره إلا بخير فإن الله يوقع ذلك في صدره فيقضي حاجته قال فرفعت رأسي و أنا أقول لا إله إلا الله فالتفت إلي و قال يا خالد اعمل ما أمرتك .

و عن إسحاق بن عمارقال : سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه فقلت في نفسي و إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته فالتفت إلي شبه المغضب فقال يا إسحاق قد كان رشيد الهجري و كان من المستضعفين يعلم علم المنايا

[243]

و البلايا فالإمام أولى بذلك يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فعمرك قد فنى و أنت تموت إلى سنتين و إخوتك و أهل بيتك لا يلبثون من بعد إلا يسيرا حتى تفترق كلمتهم و يخون بعضهم بعضا و يصيرون لإخوانهم و من يعرفهم رحمة حتى يشمت بهم عدوهم قال إسحاق فإني أستغفر الله مما عرض في صدري فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا سنتين حتى مات ثم ما ذهبت الأيام حتى قام بنو عمار بأموال الناس و أفلسوا أقبح إفلاس رآه الناس فجاء ما قال أبو الحسن (عليه السلام) فيهم ما غادر قليلا و لا كثيرا .

قال هشام بن الحكم أردت شراء جارية بمنى و كتبت إلى أبي الحسن أشاوره فلم يرد علي جوابا فلما كان في الطواف مر بي يرمى الجمار على حمار فنظر إلي و إلى الجارية من بين الجواري ثم أتاني كتابه : لا أرى بشرائها بأسا إن لم يكن في عمرها قلة قلت لا و الله ما قال لي هذا الحرف إلا و هاهنا شي‏ء لا و الله لا اشتريتها قال فما خرجت من مكة حتى دفنت .

و عن الوشاء قال حدثني الحسن بن علي قال : حججت أنا و خالي إسماعيل بن إلياس فكتبت إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام) و كتب خالي أن لي بنات و ليس لي ذكر و قد قتل رجالنا و قد خلفت امرأتي حاملا فادع الله أن يجعله غلاما و سمه فوقع في الكتاب قد قضى الله حاجتك فسمه محمدا فقدمنا إلى الكوفة و قد ولد له غلام قبل وصولنا إلى الكوفة بستة أيام و دخلنا يوم سابعه فقال أبو محمد هو و الله اليوم رجل و له أولاد .

حدث إسماعيل بن موسى قال : كنا مع أبي الحسن (عليه السلام) في عمرة فنزلنا بعض قصور الأمراء و أمر بالرحيل فشدت المحامل و ركب بعض الغلمان و كان أبو الحسن (عليه السلام) في بيت فخرج فقام على بابه فقال حطوا حطوا قال إسماعيل و هل ترى شيئا فقال إنه ستأتيكم ريح سوداء مظلمة ترمح بعض الإبل فحطوا و جاءت ريح سوداء

[244]

قال إسماعيل بن موسى فأشهد لقد رأيت جملا كان لي عليه كنيسة كنت أركب فيها أنا و أحمد أخي و لقد قام ثم سقط على جنبه بالكنيسة .

و عن زكريا بن آدم قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول كان أبي ممن تكلم في المهد .

و عن الأصبغ بن موسى قال : بعث معي رجل من أصحابنا إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) بمائة دينار و كانت معي بضاعة لنفسي و بضاعة له فلما دخلت المدينة صببت على الماء و غسلت بضاعتي و بضاعة الرجل و ذررت عليها مسكا ثم إني عددت بضاعة الرجل فوجدتها تسعة و تسعين دينارا فأعدت عدها و هي كذلك فأخذت دينارا آخر لي فغسلته و ذررت عليه المسك و أعدتها في صرة كما كانت و دخلت عليه في الليل فقلت له جعلت فداك إن معي شيئا أتقرب به إلى الله تعالى فقال هات فناولته دنانيري و قلت له جعلت فداك إن فلانا مولاك بعث إليك معي بشي‏ء فقال هات فناولته الصرة قال صبها فصببتها فنثرها بيده و أخرج ديناري منها ثم قال إنما بعث إلينا وزنا لا عددا .

و روى هشام بن أحمر : أنه ورد تاجر من المغرب و معه جوار فعرضهن على أبي الحسن (عليه السلام) فلم يختر منهن شيئا و قال أرنا فقال عندي أخرى و هي مريضة فقال ما عليك أن تعرضها فأبى فانصرف ثم إنه أرسلني من الغد إليه و قال قل له كم غايتك فيها قال ما أنقصها من كذا و كذا فقلت قد أخذتها و هو لك فقال و هي لك و لكن من الرجل فقلت رجل من بني هاشم فقال من أي بني هاشم فقلت ما عندي أكثر من هذا فقال أخبرك عن هذه الوصيفة إني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك فقلت اشتريتها لنفسي فقالت ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض و لا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما ما يولد بشرق الأرض و لا غربها مثله يدين له شرق الأرض و غربها قال فأتيته بها فلم تلبث إلا قليلا حتى ولدت عليا الرضا (عليه السلام) .

[245]

و عن أبي حمزةقال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لا و الله لا يرى أبو جعفر بيت الله أبدا فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا [بذلك] فلم يلبث أن خرج فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت لا و الله لا يرى بيت الله أبدا فلما صار في البستان اجتمعوا إلي أيضا و قالوا بقي بعد هذا شي‏ء فقلت لا و الله لا يرى بيت الله أبدا فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن (عليه السلام) فوجدته قد سجد و أطال السجود ثم رفع رأسه إلي فقال اخرج فانظر ما يقول الناس فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر فرجعت فأخبرته فقال الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبدا .

و عن عثمان بن عيسى قال : قال أبو الحسن (عليه السلام) لإبراهيم بن عبد الحميد و لقيه سحرا و إبراهيم ذاهب إلى قبا و أبو الحسن داخل المدينة قال يا إبراهيم قلت لبيك قال إلى أين قلت إلى قبا قال في أي شي‏ء قلت إنا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر فأردت أن آتي رجلا من الأنصار لأشترى من التمر قال و قد أمنتم الجراد ثم دخل و مضيت أنا فأخبرت أبا الأعز و قلت و الله لا أشتري العام نخلة فما مرت بنا خامسة حتى بعث الله جرادا فأكل عامة ما في النخيل .

و عن إبراهيم بن مفضل بن قيس قال : سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) و هو يحلف أنه لا يكلم محمد بن عبد الله الأرقط أبدا فقلت في نفسي هذا يأمر بالبر و الصلة و يحلف أن لا يكلم ابن عمه قال فقال هذا من بري به و هو لا يصبر أن يذكرني و يعيبني فإذا علم الناس أني لا أكلمه لا يقبلون منه أمسك عن ذكري و كان خيرا له .

و عن محمد بن سنان قال : قبض أبو الحسن (عليه السلام) و هو ابن خمس و خمسين سنة في عام ثلاث و ثمانين و مائة عاش بعد أبيه خمسا و ثلاثين سنة .

قال الراوندي رحمه الله تعالى الباب الثامن في معجزات موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : قال أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) لعلي بن

[246]

أبي حمزة مبتدئا إنك لتلقى رجلا من أهل المغرب يسألك عني فقل هو الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) فإذا سألك عن الحلال و الحرام فأجبه قال فما علامته قال (عليه السلام) رجل طويل جسيم اسمه يعقوب بن يزيد و هو رائد قومه و إن أراد الدخول إلي فأحضره عندي قال علي بن أبي حمزة فو الله إني لفي الطواف إذ أقبل رجل جسيم طويل فقال لي إني أريد أن أسألك عن صاحبك قلت عن أي الأصحاب قال عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قلت فما اسمك قال يعقوب بن يزيد قلت من أين أنت قال من المغرب قلت من أين عرفتني قال أتاني آت في منامي فقال لي الق علي بن أبي حمزة فسله عن جميع ما تحتاج إليه فسألت عنك فدللت عليك فقلت اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي و أعود إليك فطفت ثم أتيته فكلمته فرأيته رجلا عاقلا فطنا فالتمس مني الوصول إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) فأوصلته إليه فلما رآه قال يا يعقوب بن يزيد قدمت أمس و وقع بينك و بين أخيك خصومة في موضع كذا حتى تشاتمتما و ليس هذا من ديني و لا من دين آبائي فلا نأمر بهذا أحدا من شيعتنا فاتق الله فإنكما ستفترقان عن قريب بموت فأما أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل إلى أهله و تندم أنت على ما كان منك إليه فإنكما تقاطعتما و تدابرتما فقطع الله عليكما أعماركما فقال الرجل يا ابن رسول الله فأنا متى يكون أجلي قال كان قد حضر أجلك فوصلت عمتك بما وصلتها في منزل كذا و كذا فنسأ الله في أجلك عشرين حجة قال علي بن أبي حمزة فلقيت الرجل من قابل بمكة فأخبرني أن أخاه توفي و دفنه في الطريق قبل أن يصل إلى أهله .

و منها : أن المفضل بن عمر قال لما مضى الصادق كانت وصيته إلى موسى الكاظم (عليه السلام) فادعى أخوه عبد الله الإمامة و كان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك و هو المعروف بالأفطح فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره و أرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه فلما صار إليه و مع موسى جماعة من

[247]

الإمامية فلما جلس موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق و لا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا ثم قام موسى و جلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه و رجع إلى المجلس فقال لأخيه عبد الله إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس قالوا فرأينا عبد الله قد تغير لونه و قام يجر ردائه حتى خرج من دار موسى (عليه السلام) .

و منها : ما قال بدر مولى الرضا إن إسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر (عليه السلام) فجلس عنده إذا استأذن عليه رجل خراساني فكلمه بكلام لم يسمع مثله كأنه كلام الطير قال إسحاق فأجابه موسى بمثله و بلغته إلى أن قضى وطره من مساءلته و خرج من عنده فقلت ما سمعت بمثل هذا الكلام قال هذا كلام قوم من أهل الصين و ليس كل كلام أهل الصين مثله ثم قال أ تعجب من كلامي قلت هو موضع العجب قال أخبرك بما هو أعجب منه إن الإمام يعلم منطق الطير و نطق كل ذي روح خلقه الله و ما يخفى على الإمام شي‏ء .

و منها : ما قال علي بن أبي حمزة أخذ بيدي موسى بن جعفر يوما فخرجنا من المدينة إلى الصحراء فإذا نحن برجل مغربي على الطريق يبكي و بين يديه حمار ميت و رحله مطروح فقال له موسى ما شأنك قال كنت مع رفقائي نريد الحج فمات حماري هاهنا و بقيت و مضى أصحابي و قد بقيت متحيرا ليس لي شي‏ء أحمل عليه فقال له موسى لعله لم يمت قال أ ما ترحمني حتى تلهو بي قال إن عندي رقية جيدة قال الرجل ما يكفيني ما أنا فيه حتى تستهزئ بي فدنا موسى (عليه السلام) من الحمار و دعا بشي‏ء لم أسمعه و أخذ قضيبا كان مطروحا فنخسه به و صاح عليه فوثب قائما صحيحا سليما فقال يا مغربي ترى هاهنا شيئا من الاستهزاء الحق بأصحابك و مضينا و تركناه قال علي بن أبي حمزة فكنت واقفا يوما على زمزم و إذا

[248]

المغربي هناك فلما رآني عدا إلي و قبلني فرحا مسرورا فقلت ما حال حمارك فقال هو و الله صحيح سليم و لا أدري من أين من الله به علي فأحيا لي حماري بعد موته فقلت له قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته .

و منها : أن إسحاق بن عمار قال لما حبس هارون أبا الحسن (عليه السلام) دخل عليه أبو يوسف و محمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة فقال أحدهما للآخر نحن على أحد أمرين إما أن نساويه و إما أن نشككه فجلسا بين يديه فجاء رجل كان موكلا به من قبل السندي فقال إن نوبتي قد انقضت و أنا على الانصراف فإن كانت لك حاجة فأمرني حتى آتيك بها في الوقت التي تلحقني النوبة فقال ما لي حاجة فلما خرج قال لأبي يوسف و محمد بن الحسن ما أعجب هذا يسألني أن أكلفه حاجة ليرجع و هو ميت في هذه الليلة قال فغمز أبو يوسف محمد بن الحسن فقاما فقال أحدهما للآخر إنا جئنا لنسأله عن الفرض و السنة و هو الآن جاء بشي‏ء آخر كأنه من علم الغيب ثم بعثنا برجل مع الرجل فقالا اذهب حتى تلازمه و تنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة و تأتينا بخبره من الغد فمضى الرجل فنام في مسجد عند باب داره فلما أصبح سمع الواعية و رأى الناس يدخلون داره فقال ما هذا قالوا مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة فانصرف إليهما فأخبرهما فأتيا أبا الحسن (عليه السلام) فقالا قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل أنه يموت في هذه الليلة قال من الباب الذي كان أخبر بعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما ورد عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا .

و روي : أن هارون الرشيد بعث يوما إلى موسى (عليه السلام) على يدي ثقة له طبقا من السرقين الذي هو على هيئة التين و أراد استخفافه فلما رفع الإزار عنه فإذا هو من أحلى التين و أطيبه فأكل (عليه السلام) و أطعم الحامل منه و رد بعضه إلى هارون

[249]

فلما تناوله هارون صار سرقينا في فيه و كان في يده تينا جنيا .

قلت عندي في هذا الخبر نظر فإن الرشيد و إن كان يريد قتل أبي الحسن (عليه السلام) فإنه كان يعرف شرفه و لا يصل به إلى هذا القدر من الهوان و إن كان يخاف على الملك فلا يلزم من ذلك طلبه إهانته إلى هذه الغاية و موسى (عليه السلام) لم يكن يقابله بمثل فعله بإعادة الطبق إليه بحيث يجعله في فيه فيعود إلى حاله لا سيما و هو في حبسه و دينه التقية و هو مسمى بالكاظم و الله أعلم .

و منها : ما قال إسحاق بن عمار أيضا قال أقبل أبو بصير مع أبي الحسن موسى (عليه السلام) من المدينة يريد العراق فنزل زبالة فدعا بعلي بن أبي حمزة البطائني و كان تلميذا لأبي بصير فجعل يوصيه بحضرة أبي بصير و يقول يا علي إذا صرنا إلى الكوفة تقدم في كذا فغضب أبو بصير و خرج من عنده فقال لا و الله ما أرى هذا الرجل أنا أصحبه منذ حين ثم يتخطاني بحوائجه إلى بعض غلماني فلما كان من الغد حم أبو بصير بزبالة فدعا بعلي بن أبي حمزة فقال أستغفر الله مما حل في صدري من مولاي و من سوء ظني به كان قد علم أني ميت و أني لا ألحق بالكوفة فإذا أنا مت فافعل بي كذا و تقدم في كذا فمات أبو بصير بزبالة .

و منها : أن إسماعيل بن سالم قال بعث إلي علي بن يقطين و إسماعيل بن أحمد فقالا لي خذ هذه الدنانير فائت الكوفة فالق فلانا فاستصحبه و اشتريا راحلتين و امضيا بالكتب و ما معكما من مال فادفعاه إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) فسرنا حتى إذا كنا ببطن الرملة و قد اشترينا علفا و وضعناه بين الراحلتين و جلسنا نأكل فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا موسى بن جعفر على بغلة له أو بغل و خلفه شاكري فلما رأيناه وثبنا له و سلمنا عليه فقال هاتا ما معكما فأخرجناه و دفعناه إليه و أخرجنا الكتب و دفعناها إليه فأخرج كتبا من كمه فقال هذه جوابات كتبكم فانصرفوا في حفظ الله تعالى فقلنا قد فنى زادنا و قد قربنا من المدينة فلو أذنت لنا فزرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و تزودنا زادا فقال أ بقي معكما من زادكما شي‏ء فقلنا نعم

[250]

قال ائتوني به فأخرجناه إليه فقبضه بيده و قال هذه بلغتكم إلى الكوفة امضيا في حفظ الله فرجعنا و كفانا الزاد إلى الكوفة .

قال ابن الجوزي رحمه الله في صفة الصفوة : موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته و اجتهاده و قيامه بالليل و كان كريما حليما إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال .

و حدثني أحمد بن إسماعيل قال : بعث موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت أنه لن يقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون .

قال المصنف : ولد موسى بن جعفر بالمدينة في سنة ثمان و عشرين و قيل تسع و عشرين و مائة و أقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى أيام الرشيد فقدم الرشيد المدينة فحمله معه و حبسه ببغداد إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة آخر كلام ابن الجوزي بعد أن حذفت منه ما نقلته من كتب غيره كقصة شقيق البلخي رحمه الله و غيرها و الله حسبي و نعم الوكيل .

و قال : الآبي في كتابه نثر الدرر موسى بن جعفر ذكر له أن الهادي قد هم به فقال لأهل بيته بما تشيرون قالوا نرى أن تتباعد عنه و أن تغيب شخصك فإنه لا يؤمن شره فتبسم ثم قال :

زعمت سخينة أن ستغلب ربها *** و لتغلبن مغالب الغلاب

ثم رفع يده إلى السماء فقال إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته و داف لي قواتل سمومه و لم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن

[251]

احتمال الفوادح و عجزي عن ملمات الحوائج صرفت ذلك عني بحولك و قوتك لا بحولي و قوتي فألقيته في الحفيرة التي احتفر لي خائفا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد على قدر استحقاقك سيدي اللهم فخذه بعزتك و افلل حده عني بقدرتك و اجعل له شغلا فيما يليه و عجزا عمن يناويه اللهم و أعدني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفاء و من حقي عليه وفاء و صل اللهم دعائي بالإجابة و انظم شكايتي بالتغيير و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين و عرفني ما وعدت في إجابة المضطرين إنك ذو الفضل العظيم و المن الكريم ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى الهادي .

ففي ذلك يقول بعضهم في وصف دعائه :

و سارية لم تسر في الأرض تبتغي *** محلا و لم يقطع بها السير قاطع

و هي أبيات مليحة ما قيل في وصف الدعاء المستجاب أحسن منها .

و سأله الرشيد فقال : لم زعمتم أنكم أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منا ?

فقال (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ?

فقال : سبحان الله فكنت أفتخر بذلك على العرب و العجم .

فقال : لكنه لا يخطب إلي و لا أزوجه ; لأنه ولدنا و لم يلدكم .

و روي أنه قال : هل كان يجوز له أن يدخل على حرمك و هن متكشفات ?

فقال : لا .

فقال : و لكنه كان يدخل على حرمي كذلك و كان يجوز له .

و قيل إنه سأله أيضا لم قلتم إنا ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جوزتم أن ينسبوكم إليه فيقولوا يا بني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنتم بنو علي و إنما ينسب الرجل إلى أبيه دون جده فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ و ليس لعيسى أب و إنما ألحق بذرية

[252]

الأنبياء من قبل أمه و كذلك ألحقنا بذرية النبي (عليه السلام) من قبل أمنا فاطمة (عليها السلام) و أزيدك يا أمير المؤمنين قال الله تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ و لم يدع (عليه السلام) عند مباهلة النصارى غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين و هما الأبناء (عليه السلام) .

و مات في حبس الرشيد و قيل سعى به جماعة من أهل بيته منهم محمد بن جعفر بن محمد أخوه و محمد بن إسماعيل بن جعفر ابن أخيه و الله أعلم .

و سمع موسى (عليه السلام) رجلا يتمنى الموت فقال له هل بينك و بين الله قرابة يحابيك لها قال لا قال فهل لك حسنات قدمتها تزيد على سيئاتك قال لا قال فأنت إذا تتمني هلاك الأبد .

و قال : من استوى يوماه فهو مغبون و من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون و من لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان و من كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة .

و روي عنه أنه قال : اتخذوا القيان فإن لهن فطنا و عقولا ليست لكثير من النساء و كأنه أراد النجابة في أولادهن .

فائدة سنية : كنت أرى الدعاء الذي كان يقوله أبو الحسن موسى (عليه السلام) في سجدة الشكر و هو :

رب عصيتك بلساني و لو شئت و عزتك لأخرستني و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتك لأكمهتني و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزتك لأصممتني و

[253]

عصيتك بيدي و لو شئت و عزتك لكنعتني و عصيتك بفرجي و لو شئت و عزتك لأعقمتني و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي و لم يكن هذا جزاك مني .

بخط عميد الرؤساء : لعقمتني , و المعروف عقمت المرأة و عقمت و أعقمها الله فكنت أفكر في معناه و أقول كيف يتنزل على ما تعتقده الشيعة من القول بالعصمة و ما اتضح لي ما يدفع التردد الذي يوجبه فاجتمعت بالسيد السعيد النقيب رضي الدين أبي الحسن علي بن موسى بن طاوس العلوي الحسيني رحمه الله و ألحقه بسلفه الطاهر فذكرت له ذلك فقال إن الوزير السعيد مؤيد الدين العلقمي رحمه الله تعالى سألني عنه فقلت كان يقول هذا ليعلم الناس ثم إني فكرت بعد ذلك فقلت هذا كان يقوله في سجدته في الليل و ليس عنده من يعلمه.

ثم إنه سألني عنه السعيد الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي رحمه الله فأخبرته بالسؤال الأول و الذي قلت و الذي أوردته عليه و قلت ما بقي إلا أن يكون يقوله على سبيل التواضع و ما هذا معناه فلم تقع مني هذه الأقوال بموقع و لا حلت من قلبي في موضع و مات السيد رضي الدين رحمه الله فهداني الله إلى معناه و وفقني على فحواه فكان الوقوف عليه و العلم به و كشف حجابه بعد السنين المتطاولة و الأحوال المحرمة و الأدوار المكررة من كرامات الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) و معجزاته و لتصح نسبة العصمة إليه (عليه السلام) و تصدق على آبائه و أبنائه البررة الكرام و تزول الشبهة التي عرضت من ظاهر هذا الكلام.

و تقريره أن الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى و قلوبهم مملوة به و خواطرهم متعلقة بالملإ الأعلى و هم أبدا في المراقبة .

كما قال (عليه السلام) : اعبد الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك .

فهم أبدا متوجهون إليه و مقبلون بكلهم عليه فمتى انحطوا عن تلك الرتبة العالية و المنزلة الرفيعة إلى الإشتغال بالمأكل و المشرب و التفرغ إلى النكاح و غيره من المباحات عدوه ذنبا

[254]

و اعتقدوه خطيئة و استغفروا منه أ لا ترى أن بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد و أكل و شرب و نكح و هو يعلم أنه بمرأى من سيده و مسمع لكان ملوما عند الناس و مقصرا فيما يجب عليه من خدمة سيده و مالكه فما ظنك بسيد السادات و ملك الأملاك.

و إلى هذا أشار (عليه السلام) .

إنه ليران على قلبي و إني لأستغفر بالنهار سبعين مرة .

و لفظة السبعين إنما هي لعد الاستغفار لا إلى الرين و قوله :

حسنات الأبرار سيئات المقربين و نظيره إيضاحا من لفظة ليكون أبلغ من التأويل و يظهر من قوله أعقمتني و العقيم الذي لا يولد له و الذي يولد من السفاح لا يكون ولدا فقد بان بهذا أنه كان يعد اشتغاله في وقت ما بما هو ضرورة للأبدان معصية يستغفر الله منها و على هذا فقس البواقي و كلما يرد عليك من أمثالها.

[255]

و هذا معنى شريف يكشف بمدلوله حجاب الشبهة و يهدي به الله من حسر عن بصره و بصيرته رين العمى و العمة و ليت السيد كان حيا لأهدي هذه العقيلة إليه و أجلو عرائسها عليه فما أظن أن هذا المعنى اتضح من لفظ الدعاء لغيري و لا أن أحدا سار في إيضاح مشكله و فتح مقفله مثل سيري و قد ينتج الخاطر العقيم فيأتي بالعجائب و قديما ما قيل مع الخواطئ سهم صائب .

و قال ابن حمدون في تذكرته : قال موسى بن جعفر (عليه السلام) وجدت علم الناس في أربع أولها أن تعرف ربك و الثانية أن تعرف ما صنع بك و الثالثة أن

[256]

تعرف ما أراد منك و الرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك .

معنى هذه الأربع الأولى وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف الثانية معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر و العبادة الثالثة أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك و ندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب الرابع أن تعرف الشي‏ء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه.

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى غفر الله له ذنوبه بكرمه و أجراه على عوائد ألطافه و نعمه مناقب الكاظم (عليه السلام) و فضائله و معجزاته الظاهرة و دلائله و صفاته الباهرة و مخائله تشهد أنه افترع قبة الشرف و علاها و سما إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها و ذللت له كواهل السيادة فركبها و امتطاها و حكم في غنائم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها .

تركت و الحسن تأخذه *** تصطفي منه و تنتحب

‏فانتفت منه أحاسنه *** و استزادت فضل ما تحب

طالت أصوله فسمت إلى أعلى رتب الجلال و طابت فروعه فعلت إلى حيث لا تنال يأتيه المجد من كل أطرافه و يكاد الشرف يقطر من أعطافه .

أتاه المجد من هنا و هنا *** و كان له بمجتمع السيول

السحاب الماطر قطرة من كرمه و العباب الزاخر نغبة من نغبه و اللباب الفاخر من عد من عبيده و خدمه كأن الشعرى علقت في يمينه و لا كرامة للشعرى العبور و كأن الرياض أشبهت خلائقه و لا نعمى لعين الروض الممطور و هو (عليه السلام) غرة في وجه الزمان و ما الغرر و الحجول و هو أضوأ من الشمس و القمر و هذا جهد من يقول بل هو و الله أعلى مكانة من هذه الأوصاف و أسمى و أشرف عرقا من هذه النعوت و أنمى فكيف تبلغ المدائح كنه مقداره أو ترتقي همة البليغ إلى نعت فخاره أو تجري جياد الأقلام في جلباب صفاته أو يسري خيال الأوهام في ذكر حالاته.

كاظم الغيظ و صائم القيظ عنصره كريم و مجده حادث و قديم و خلق سؤدده وسيم و هو بكل ما يوصف به زعيم الآباء عظام و الأبناء كرام و الدين

[257]

متين و الحق ظاهر مبين و الكاظم في أمر الله قوي أمين و جوهر فضله عال ثمين و واصفه لا يكذب و لا يمين قد تلقى راية الإمامة باليمين فسما (عليه السلام) إلى الخيرات منقطع القرين و أنا أحلف على ذلك فيه و في آبائه و أبنائه (عليه السلام) باليمين.

كم له من فضيلة جليلة و منقبة بعلو شأنه كفيلة و هي و إن بلغت الغاية بالنسبة إليه قليلة و مهما عد من المزايا و المفاخر فهي فيهم صادقة و في غيرهم مستحيلة إليهم ينسب العظماء و عنهم يأخذ العلماء و منهم يتعلم الكرماء و هم الهداة إلى الله فبهداهم اقتده و هم الأدلاء على الله فلا تحل عنهم و لا تنشده و هم الأمناء على أسرار الغيب و هم المطهرون من الرجس و العيب و هم النجوم الزواهر في الظلام و هم الشموس المشرقة في الأيام و هم الذين أوضحوا شعار الإسلام و عرفوا الحلال من الحرام من تلق منهم تقل لاقيت سيدا و متى عددت منهم واحدا كان بكل الكمالات منفردا و من قصدت منهم حمدت قصدك مقصدا و رأيت من لا يمنعه جوده اليوم أن يجود غدا و متى عدت إليه عاد كما بدا المائدة و الأنعام يشهدان بحالهم و المائدة و الأنعام يخبران بنوالهم فلهم كرم الأبوة و البنوة و هم معادن الفتوة و المروءة و السماح في طبائعهم عزيزة و المكارم لهم شنشنة و نحيزة و الأقوال في مدحهم و إن طالت وجيزة بحور علم لا تنزف و أقمار عز لا يخسف و شموس مجد لا تكسف مدح أحدهم يصدق على الجميع و هم متعادلون في الفخار فكلهم شريف رفيع بذوا الأمثال بطريفهم و تالدهم و لا مثيل و نالوا النجوم بمفاخرهم و محامدهم فانقطع دون شأوهم العديل و لا عديل فمن الذي ينتهي في السير إلى أمدهم و قد سد دونه السبيل أمن لهم يوم كيومهم أو غد كغدهم و لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة نامية الأمداد باقية على الآباد مدخرة ليوم المعاد إنه كريم جواد.

و قد اتبعت العادة في مدحه (عليه السلام) و أنا معتذر كعذري في ما تقدم من الكلام فإن شرفه يعلو عن الأقوال و من نطق بمدحه الكتاب العزيز فما

[258]

عسى أن يقال و لكن اتباع العوائد يوسع المجال و من اعترف بتقصيره كان كمن بلغ الكمال و هذا الشعر :

مدائحي وقف على الكاظم *** فما على العاذل و اللائم

‏و كيف لا امدح مولى غدا *** في عصره خير بني آدم‏

و من كموسى أو كآبائه *** أو كعلي و إلى القائم

‏إمام حق يقتضي عدله *** لو سلم الحكم إلى الحاكم

‏إفاضة العدل و بذل الندى *** و الكف من عادية الظالم

‏يبسم للسائل مستبشرا *** أفديه من مستبشر باسم

‏ليث وغى في الحرب دامي الشبا *** و غيث جود كالحيا الساجم

‏مآثر يعجز عن وصفها *** بلاغة الناثر و الناظم

‏تعد إن قيست إلى جوده *** معايبا ما قيل عن حاتم

‏في الحلم بحر ذاخر مده *** و في الوغى أمضى من الصارم

‏يعفو عن الجاني و يولي الندى *** و يحمل الغرم عن الغارم

‏القائم الصائم أكرم به *** من قائم مجتهد صائم

‏من معشر سنوا الندى و القرى *** و أشرقوا في الزمن القائم

‏و أحرزوا خصل العلى فاغتدوا *** أشرف خلق الله في العالم

‏يروي المعالي عالم منهم *** مصدق في النقل عن عالم

‏قد استووا في شرف المرتقى *** كما تساوت حلقة الخاتم‏

من ذا يجاريهم إذا ما اعتزوا *** إلى علي و إلى فاطم‏

و من يناويهم إذا عددوا *** خير بني الدنيا أبا القاسم

‏صلى عليه الله من مرسل *** لما أتى من قبله خاتم

‏يا آل طه أنا عبد لكم *** باق على حبكم اللازم

‏أرجو بكم نيل الأماني غدا *** إذا استبانت حسرة النادم

‏معتصم منكم بود إذا *** ما ضل شانيكم بلا عاصم

‏وليكم في نعم خالد *** و ضدكم في نسب دائم

[259]

next page

fehrest page