next page

fehrest page

back page

ذكر الإمام الثامن أبي الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)

قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله الباب الثامن في أبي الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (عليه السلام) : قد تقدم القول في أمير المؤمنين علي و في زين العابدين علي و جاء هذا علي الرضا ثالثهما و من أمعن نظره و فكره وجده في الحقيقة وارثهما فيحكم أنه ثالث العليين نمى إيمانه و علا شانه و ارتفع مكانه و اتسع إمكانه و كثر أعوانه و ظهر برهانه حتى أحله الخليفة المأمون محل مهجته و شركه في مملكته و فوض إليه أمر خلافته و عقد له على رءوس الأشهاد عقد نكاح ابنته و كانت مناقبه علية و صفاته الشريفة سنية و مكارمه حاتمية و شنشنته أخزمية و أخلاقه عربية و نفسه الشريفة هاشمية و أرومته الكريمة نبوية فمهما عد من مزاياه كان (عليه السلام) أعظم منه و مهما فصل من مناقبه كان أعلى رتبه عنه .

أما ولادته (عليه السلام) .

ففي حادي عشر ذي الحجة سنة ثلاث و خمسين و مائة للهجرة بعد وفاة جده أبي عبد الله جعفر (عليه السلام) بخمس سنين .

و أما نسبه أبا و أما .

فأبوه أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (عليه السلام) و قد تقدم ذكر ذلك و أمه أم ولد تسمى الخيزران المرسية و قيل شقراء النوبية و اسمها أروى و شقراء لقب لها .

[260]

و أما اسمه .

فعلي و هو ثالث العليين أمير المؤمنين و زين العابدين .

و أما كنيته.

فأبو الحسن و أما ألقابه فالرضا و الصابر و الرضي و الوفي و أشهرها الرضا .

و أما مناقبه و صفاته.

فمنها ما خصه الله به و يشهد له بعلو قدره و سمو شأنه و هو أنه لما جعله الخليفة المأمون ولي عهده و أقامه خليفة من بعده و كان في حاشية المأمون أناس كرهوا ذلك و خافوا خروج الخلافة عن بني العباس و عودها إلى بني فاطمة على الجميع السلام فحصل عندهم من الرضا نفور و كان عادة الرضا (عليه السلام) إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه يبادر من الدهليز من الحاشية إلى السلام عليه و رفع الستر بين يديه ليدخل.

فلما حصلت لهم النفرة عنه تواصوا فيما بينهم و قالوا إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه و لا ترفعوا الستر له فاتفقوا على ذلك فبينا هم قعود إذ جاء الرضا (عليه السلام) على عادته فلم يملكوا أنفسهم أن سلموا عليه و رفعوا الستر على عادتهم فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا على ما اتفقوا عليه و قالوا النوبة الآتية إذا جاء لا نرفعه له.

فلما كان في ذلك اليوم جاء فقاموا و سلموا عليه و وقفوا و لم يبتدروا إلى رفع الستر فأرسل الله ريحا شديدة دخلت في الستر فرفعته أكثر مما كانوا يرفعونه فدخل فسكنت الريح فعاد إلى ما كان فلما خرج عادت الريح و دخلت في الستر فرفعته حتى خرج ثم سكنت فعاد الستر فلما ذهب أقبل بعضهم على بعض و قالوا هل رأيتم قالوا نعم فقال بعضهم لبعض يا قوم هذا رجل له عند الله منزلة و لله به عناية أ لم تروا أنكم لما لم ترفعوا له الستر أرسل الله الريح و سخرها له لرفع الستر كما سخرها لسليمان فارجعوا إلى خدمته فهو خير لكم فعادوا إلى ما كانوا عليه و زادت عقيدتهم فيه .

و منها : أنه كان بخراسان امرأة تسمى زينب فادعت أنها علوية من سلالة فاطمة (عليها السلام) و صارت تصول على أهل خراسان بنسبها فسمع بها علي الرضا

[261]

فلم يعرف نسبها فأحضرت إليه فرد نسبها و قال هذه كذابة فسفهت عليه و قالت كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك فأخذته الغيرة العلوية فقال (عليه السلام) لسلطان خراسان أنزل هذه إلى بركة السباع يتبين لك الأمر و كان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين يسمى ذلك الموضع ببركة السباع فأخذ الرضا (عليه السلام) بيد تلك المرأة فأحضرها عند ذلك السلطان و قال إن هذه كذابة على علي و فاطمة (عليها السلام) و ليست من نسلهما فإن من كان حقا بضعة من علي و فاطمة فإن لحمه حرام على السباع فألقوها في بركة السباع فإن كانت صادقة فإن السباع لا تقربها و إن كانت كاذبة فتفترسها السباع.

فلما سمعت ذلك منه قالت فانزل أنت إلى السباع فإن كنت صادقا فإنها لا تقربك و لا تفترسك فلم يكلمها و قام (عليه السلام) فقال له ذلك السلطان إلى أين قال إلى بركة السباع و الله لأنزلن إليها و قام السلطان و الناس و الحاشية و جاءوا و فتحوا باب البركة فنزل الرضا (عليه السلام) و الناس ينظرون من أعلى البركة فلما حصل بين السباع أقعت جميعها إلى الأرض على أذنابها و صار يأتي إلى واحد واحد و يمسح وجهه و رأسه و ظهره و السبع يبصبص له هكذا إلى أن أتى على الجميع ثم طلع و الناس ينظرون إليه فقال لذلك السلطان أنزل هذه الكذابة على علي و فاطمة (عليها السلام) ليتبين لك فامتنعت فألزمها ذلك السلطان و أمر أعوانه بإلقائها فمذ رآها السباع وثبوا إليها و افترسوها فاشتهر اسمها بخراسان بزينب الكذابة و حديثها هناك مشهور .

و منها : قصة دعبل بن علي الخزاعي الشاعر قال دعبل لما قلت مدارس آيات قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و هو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة فوصلت المدينة و حضرت عنده و أنشدته إياها فاستحسنها و قال لي لا تنشدها أحدا حتى آمرك و اتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني و ساءلني عن خبري ثم قال يا دعبل أنشدني :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ... ... ...

فقلت ما أعرفها يا أمير المؤمنين فقال يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن

[262]

موسى الرضا قال فلم تكن إلا ساعة حتى حضر فقال له يا أبا الحسن سألت دعبلا عن مدارس آيات فذكر أنه لا يعرفها فقال لي أبو الحسن يا دعبل أنشد أمير المؤمنين فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها و أمر لي بخمسين ألف درهم و أمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضا بقريب من ذلك فقلت يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني فقال نعم ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله و منشفة لطيفة و قال لي احفظ هذا تحرس به ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة و حملني على برذون أصفر خراساني و كنت أسايره في يوم مطير و عليه ممطر خز و برنس منه فأمر لي به و دعا بغيره جديد فلبسه و قال إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين. قال فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا و كان ذلك اليوم يوما مطيرا فبقيت في قميص خلق و ضر جديد و أنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص و المنشفة و متفكر في قول سيدي الرضا إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين و عليه الممطر و وقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه و هو ينشد :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ... ... ...

و يبكي فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع ثم طمعت في القميص و المنشفة فقلت يا سيدي لمن هذه القصيدة فقال و ما أنت و ذاك ويلك فقلت لي فيه سبب أخبرك به فقال هي أشهر بصاحبها إن تجهل فقلت من هو قال دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا فقلت له و الله يا سيدي أنا دعبل و هذه قصيدتي فقال ويلك ما تقول قلت الأمر أشهر من ذلك.

[263]

فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة و سألهم عني فقالوا بأسرهم هذا دعبل بن علي بن الخزاعي فقال قد أطلقت كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها كرامة لك ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم و رجع إلي جميع ما كان معي ثم بذرقنا إلى المأمن فحرست أنا و القافلة ببركة القميص و المنشفة.

فانظر إلى هذه المنقبة ما أشرفها و ما أعلاها و قد يقف على هذه القصة بعض الناس ممن يطالع هذا الكتاب و يقرؤه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة بمدارس آيات و يشتهي الوقوف عليها و ينسبني في إعراضي عن ذكرها إما إلى أنني لم أعرفها أو أنني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف عليها فأحببت أن أدخل راحة على بعض النفوس و أن أدفع عني هذا النقص المتطرق إلي ببعض الظنون فأوردت منها ما يناسب ذلك و هي :

ذكرت محل الربع من عرفات *** فأسبلت دمع العين بالعبرات‏

و قل عرى صبري و هاجت *** صبابتي رسوم ديار أقفرت و عرات

‏مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

‏لآل رسول الله بالخيف من منى *** و بالبيت و التعريف و الجمرات

‏ديار علي و الحسين و جعفر *** و حمزة و السجاد ذي الثفنات

[264]

ديار عفاها جور كل معاند *** و لم تعف بالأيام و السنوات

‏ديار لعبد الله و الفضل صنوه *** سليل رسول الله ذي الدعوات

‏منازل كانت للصلاة و للتقى *** و للصوم و التطهير و الحسنات

‏منازل جبريل الأمين يحلها *** من الله بالتسليم و الزكوات

‏منازل وحي الله معدن علمه *** سبيل رشاد واضح الطرقات

‏منازل وحي الله ينزل حولها *** على أحمد الروحات و الغدوات

‏فأين الأولى شطت بهم عزبة النوى *** أفانين في الأقطار مختلفات

‏هم آل ميراث النبي إذا انتموا *** و هم خير سادات و خير حمات

‏مطاعيم في الأعسار في كل مشهد *** لقد شرفوا بالفضل و البركات

‏إذا لم نناج الله في صلواتنا *** بذكرهم لم يقبل الصلوات

‏أئمة عدل يهتدي بهداهم *** و تؤمن منهم زلة العثرات

‏فيا رب زد قلبي هدى و بصيرة *** و زد حبهم يا رب في حسنات

‏ديار رسول الله أصبحن بلقعا *** و دار زياد أصبحت عمرات

‏و آل رسول الله هلب رقابهم *** و آل زياد غلظ القصرات‏

و آل رسول الله تدمى نحورهم *** و آل زياد زينوا الحجلات

[265]

و آل رسول الله يسبى حريمهم *** و آل زياد آمنوا السربات

‏و آل زياد في القصور مصونة *** و آل رسول الله في الفلوات

‏فيا وارثي علم النبي و آله *** عليهم سلام دائم النفحات

‏لقد آمنت نفسي بكم في حياتها *** و إني لأرجو الأمن عند مماتي

و مما تلقته الأسماع بالاستماع و نقلته الألسن في بقاع الأصقاع أن الخليفة المأمون وجد في يوم عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلا عن الخروج إلى الصلاة بالناس فقال لأبي الحسن علي الرضا (عليه السلام) يا أبا الحسن قم و صل بالناس .

فخرج الرضا (عليه السلام) و عليه قميص قصير أبيض و عمامة بيضاء لطيفة و هما من قطن و في يده قضيب فأقبل ماشيا يؤم المصلى و هو يقول : السلام على أبوي آدم و نوح ; السلام على أبوي إبراهيم و إسماعيل ; السلام على أبوي محمد و علي ; السلام على عباد الله الصالحين .

فلما رآه الناس أهرعوا إليه و انثالوا عليه لتقبيل يديه فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة المأمون فقال يا أمير المؤمنين تدارك الناس و اخرج و صل بهم و إلا خرجت الخلافة منك الآن .

فحمله على أن خرج بنفسه و جاء مسرعا و الرضا (عليه السلام) بعد من كثرة زحام الناس عليه لم يخلص إلى المصلى.

فتقدم المأمون و صلى بالناس فلما انقضى ذلك قال هرثمة بن أعين و كان في خدمة المأمون إلا أنه كان محبا لأهل البيت إلى الغاية يأخذ نفسه بأنه من شيعتهم و كان قائما بمصالح الرضا (عليه السلام) باذلا نفسه بين يديه متقربا إلى الله تعالى بخدمته قال طلبني سيدي الرضا (عليه السلام) و قال يا هرثمة إني مطلعك على حالة تكون عندك سرا لا تظهرها و أنا حي فإن أظهرتها حال حياتي كنت خصمك عند الله تعالى فعاهدته أني لا أعلم بها أحدا ما لم تأمرني

[266]

فقال اعلم أنني بعد أيام آكل عنبا و رمانا مفتوتا فأموت و يقصد الخليفة بأن يجعل قبري و مدفني خلف قبر أبيه الرشيد و إن الله لا يقدره على ذلك فإن الأرض تشتد عليهم فلا يستطيع أحد حفر شي‏ء منها فإنما قبري في بقعة كذا لموضع عينه فإذا أنا مت و جهزت فأعلمه بجميع ما قلت لك و قل له يتأن في الصلاة علي فإنه يأتي رجل عربي متلثم على بعير مسرع و عليه وعثاء السفر فينزل عن بعيره و يصلي علي فإذا صلى علي و خملت فاقصد المكان الذي عينته لك فاحفر شيئا يسيرا من وجه الأرض تجد قبرا معمولا في قعره ماء أبيض فإذا كشفته نضب الماء فهو مدفني فادفني فيه و الله الله أن تخبر بهذا قبل موتي قال هرثمة فو الله ما طالت الإناءة حتى أكل عنبا و رمانا كثيرا فمات فدخلت إلى الخليفة فوجدته يبكي عليه فقلت له يا أمير المؤمنين عاهدني الرضا (عليه السلام) على أمر أقوله لك و قصصت عليه تلك القصة التي قالها من أولها إلى آخرها و هو يعجب مما أقوله فأمر بتجهيزه فلما نجز تأنى بالصلاة عليه و إذا بالرجل قد أقبل على بعير من الصحراء مسرعا فلم يكلم أحدا ثم دخل إلى جنازته فوقف و صلى عليه و خرج فصلى الناس عليه و أمر الخليفة بطلب الرجل ففاتهم فلم يعلموا له خبرا ثم أمر الخليفة أن يحفر له قبر خلف قبر أبيه الرشيد فعجز الحافرون عن الحفر فذهب إلى موضع ضريحه الآن فبقدر ما كشف وجه الأرض ظهر قبر محفور كشفت عنه طوابيقه و إذا في قعره ماء أبيض كما قال فأعلمت الخليفة المأمون به فحضر و أبصره على الصورة التي ذكرها و نضب الماء فدفن فيه و لم يزل الخليفة المأمون يعجب من قوله و لم يزل عنه كلمة واحدة عما ذكر و ازداد تأسفه عليه و كلما خلوت في خدمته يقول يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن فأعيد عليه الحديث فيتلهف عليه .

[267]

فانظروا إلى هذه المنقبة العظيمة و الكرامة البالغة التي تنطق بعناية الله تعالى به و إزلاف مكانته عنده.

و أما أولاده :

فكانوا ستة خمسة ذكور و بنت واحدة و أسماء أولاده محمد القانع الحسن جعفر إبراهيم الحسن و عائشة.

و أما عمره :

فإنه مات في سنة مائتين و ثلاث و قيل مائتين و سنتين من الهجرة في خلافة المأمون و قد تقدم ذكر مولده في سنة ثلاث و خمسين و مائة فيكون عمره تسعا و أربعين سنة و قبره بطوس من خراسان بالمشهد المعروف به (عليه السلام) و كانت مدة بقائه مع أبيه موسى (عليه السلام) أربعا و عشرين سنة و أشهرا و بقائه بعد أبيه خمسا و عشرين سنة ... آخر كلامه.

قلت توهم الشيخ كمال الدين رحمه الله تعالى أنه إذا لم يذكر قصيدة دعبل بن علي ظن قوم فيه أنه لا يعرفها عجيب فإنه كان أعلى رتبة من أن يظن فيه مثل ذلك .

و قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله تعالى في كتابه :

أبو الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الرضا مولده ثلاث و خمسين و مائة توفي في خلافة المأمون بطوس و قبره هناك سنة مائتين و سنة أمه سكينة النوبية له من الولد خمسة رجال و ابنة واحدة هم محمد الإمام و أبو محمد الحسن و جعفر و إبراهيم و الحسين و عائشة و يقال ولد بالمدينة سنة ثمان و أربعين و مائة و قبض بطوس في صفر سنة ثلاث و مائتين و هو يومئذ ابن خمس و خمسين سنة و أمه أم ولد اسمها أم البنين و قبره بطوس.

روى عنه عبد السلام بن صالح الهروي و داود بن سليمان و عبد الله بن العباس القزويني و طبقتهم.

قال عبد الله بن محمد الجمال الرازي قال : كنت أنا و علي بن موسى بن بابويه

[268]

القمي وفد أهل الري فلما بلغنا نيسابور قلت لعلي بن موسى القمي هل لك في زيارة قبر الرضا (عليه السلام) بطوس فقال خرجنا إلى هذا الملك و نخاف أن يتصل به عدو لنا إلى زيارة القبر و لكنا إذا انصرفنا فلما رجعنا قلت له هل لك في الزيارة فقال لا يتحدث أهل الري إني خرجت من عندهم مرجئا و أرجع إليهم رافضيا قلت فتنتظرني في مكانك قال أفعل و خرجت فأتيت القبر عند غروب الشمس و أزمعت المبيت على القبر فسألت امرأة حضرت من بعض سدنة القبر هل من حذر بالليل قالت لا فاستدعيت منها سراجا و أمرتها بإغلاق الباب و نويت أن أختم القرآن على القبر فلما كان في بعض الليل سمعت قراءة فقدرت أنها قد أذنت لغيري فأتيت الباب فوجدته مغلقا و انطفا السراج فبقيت أسمع الصوت فوجدته من القبر و هو يقرأ سورة مريم يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا و يساق المجرمون إلى جهنم وردا و ما كنت سمعت هذه القراءة فلما قدمنا الري بدأت بأبي القاسم العباس بن الفضل بن شاذان فسألته هل قرأ أحد بذلك فقال نعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أخرج لي قراءته (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا هي كذلك .

روى داود بن سليمان القزويني عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي بن أبي طالب عقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان و لا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا و له جار يؤذيه .

و عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ; عدة المؤمن نذر لا كفارة [لها ] .

و عنه بإسناده قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإيمان إقرار باللسان و عمل بالأركان و يقين بالقلب .

و بإسناده قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجالسة العلماء عبادة و النظر إلى علي عبادة و النظر إلى البيت عبادة و النظر إلى المصحف عبادة و النظر

[269]

إلى الوالدين عبادة .

و بإسناده قال : قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) الحياء و الدين مع العقل حيث كان .

قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حدثني أبي موسى قال حدثني أبي جعفر قال حدثني أبي محمد قال حدثني أبي علي قال حدثني أبي الحسين قال حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول يا عدل يا حكيم احكم بيني و بين قاتل ولدي قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيحكم لابنتي و رب الكعبة .

و بإسناده عن آبائه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قول الله عز و جل يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال يدعى كل قوم بإمام زمانهم و كتاب ربهم و سنة نبيهم .

و عن أبي الحسن [الحسين] كاتب الفرائض عن أبيه قال : حضرنا مجلس الرضا (عليه السلام) فشكا إليه رجل أخاه فأنشأ الرضا (عليه السلام) يقول :

أعذر أخاك على ذنوبه *** و استر و غط على عيوبه

‏و اصبر على بهت السفيه *** و للزمان على خطوبه

‏و دع الجواب تفضلا و *** كل الظلوم إلى حسيبه

آخر كلام الجنابذي و قد حذفت منه أسماء الرجال الذين رووا عن الرضا (عليه السلام) و اقتصرت عليه و على آبائه عليهم السلام .

قال الشيخ المفيد رحمه الله باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و مبلغ سنه و مدة خلافته و وقت وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره.

و كان الإمام بعد أبي الحسن موسى (عليه السلام) ابنه أبا الحسن علي بن موسى

[270]

الرضا (عليه السلام) لفضله على جماعة إخوته و أهل بيته و ظهور علمه و حلمه و ورعه و اجتماع الخاصة و العامة على ذلك فيه و معرفتهم به منه و لنص أبيه على إمامته من بعده و إشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته و أهل بيته.

و كان مولده (عليه السلام) : بالمدينة سنة ثمان و أربعين و مائة و قبض بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث و مائتين و له يومئذ خمس و خمسون سنة و أمه أم ولد يقال لها أم البنين و كانت مدة إمامته و قيامه بعد أبيه في خلافته عشرين سنة.

فصل : النص على الرضا علي بن موسى (عليه السلام) بالإمامة

فممن روى النص على الرضا علي بن موسى (عليه السلام) بالإمامة عن أبيه و الإشارة منه بذلك إليه من خاصة و ثقاته و أهل الورع و العلم و الفقه من شيعته داود بن كثير الرقي و محمد بن إسحاق بن عمار و علي بن يقطين و نعيم القابوسي و الحسين بن المختار و زياد بن مروان و المخزومي داود بن سليمان و نصر بن قابوس و داود بن زربي و يزيد بن سليط و محمد بن سنان .

عن داود الرقي قال : قلت لأبي إبراهيم موسى (عليه السلام) جعلت فداك إني قد كبرت سني فخذ بيدي و أنقذني من النار من صاحبنا بعدك قال فأشار إلى ابنه أبي الحسن علي (عليه السلام) فقال هذا صاحبكم من بعدي .

و عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن الحسن بن أبي عمير عن محمد بن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام) أ لا تدلني على من آخذ عنه ديني فقال هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا بني إن الله جل اسمه قال إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و إن الله إذا قال قولا وفى به .

و عن علي بن يقطين قال : كنت عند العبد الصالح (عليه السلام) فقال لي يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أما إني قد نحلته كنيتي فضرب هشام براحته جبهته ثم قال ويحك كيف قلت فقال علي بن يقطين سمعته و الله منه كما قلت

[271]

فقال هشام إن الأمر فيه و الله من بعده .

و عن نعيم القابوسي عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : ابني علي أكبر ولدي و آثرهم عندي و أحبهم إلي و هو ينظر معي في الجفر و لم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي .

و عن الحسين بن المختار قال : خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن موسى (عليه السلام) و هو في الحبس عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا و يفعل كذا و فلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضى علي الموت .

و عن زياد بن مروان القندي قال : دخلت على أبي إبراهيم و عنده أبو الحسن ابنه (عليه السلام) فقال لي يا زياد هذا ابني فلان كتابه كتابي و كلامه كلامي و رسوله رسولي و ما قال فالقول قوله .

و عن المخزومي و كانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال : بعث إلينا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فجمعنا ثم قال أ تدرون لم جمعتكم فقلنا لا فقال اشهدوا بأن ابني هذا وصيي و القيم بأمري و خليفتي من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا و من كانت له عندي عدة فلينتجزها منه و من لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه .

و عن داود بن سليمان قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) إني أخاف أن يحدث حدث و لا ألقاك فأخبرني من الإمام بعدك فقال ابني فلان يعني أبا الحسن (عليه السلام) .

و عن نصر بن قابوس قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) إنني سألت أباك من الذي يكون بعدك فأخبرني أنك أنت هو فلما توفي أبو عبد الله (عليه السلام) ذهب الناس يمينا و شمالا و قلت بك أنا و أصحابي فأخبرني من الذي يكون بعدك من ولدك قال ابني فلان يعني عليا .

و عن داود بن زربي قال : جئت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) بمال فأخذ بعضه و ترك بعضه فقلت أصلحك الله لأي شي‏ء تركته عندي فقال إن صاحب هذا الأمر يطلبه

[272]

منك فلما جاء نعيه بعث إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فسألني ذلك المال فدفعته إليه .

و عن يزيد بن سليط في حديث طويل عن أبي إبراهيم (عليه السلام) أنه قال في السنة التي قبض (عليه السلام) فيها : إني أؤخذ في هذه السنة و الأمر إلى ابني علي سمي علي و علي فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب و أما علي الآخر فعلي بن الحسين أعطي فهم الأول و حلمه و نصره و وده و دينه و محنة الآخر و صبره على ما يكره في الحديث بطوله .

و عن ابن سنان قال : دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل أن يقدم العراق بسنة و علي ابنه جالس بين يديه فنظر إلي فقال يا محمد إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال فقلت و ما يكون جعلت فداك فقد أقلقتني قال أصير إلى هذا الطاغية أما إنه لا يبدأني منه سوء و من الذي بعده قال قلت و ما يكون جعلني الله فداك قال يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء قال قلت و ما ذا جعلت فداك قال من ظلم ابني هذا حقه و جحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمامته و جحده حقه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال قلت له و الله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه و لأقرن له بالإمامة قال صدقت يا محمد يمد الله في عمرك و تسلم له حقه و تقر له بإمامته و إمامة من يكون من بعده قال قلت و من ذاك قال ابنه محمد قال قلت له الرضا و التسليم .

باب ذكر طرف من دلائله و أخباره (عليه السلام)

عن هشام بن أحمر قال : قال لي أبو الحسن الأول (عليه السلام) هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم قلت لا قال بلى قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة فانطلق بنا إليه فركب و ركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا رجل من أهل المغرب و معه رقيق فقلت له اعرض علينا فعرض علينا سبع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن

[273]

لا حاجة لي فيها ثم قال اعرض علينا فقال ما عندي إلا جارية مريضة فقال ما عليك أن تعرضها فأبى عليه فانصرف ثم أرسلني من الغد فقال لي قل له كم كان غايتك فيها فإذا قال لك كذا و كذا فقل له قد أخذتها به فأتيته فقال ما أريد أن أنقصها من كذا و كذا فقلت قد أخذتها فقال هي لك و لكن أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس قلت رجل من بني هاشم قال من أي بني هاشم فقلت ما عندي أكثر من هذا فقال أخبرك أني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك قلت اشتريتها لنفسي فقالت ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد له غلاما لم يولد بشرق الأرض و لا غربها مثله قال فأتيته بها فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له عليا (عليه السلام) .

قلت قد تقدم ذكر هذه القصة .

و عن صفوان بن يحيى قال : لما مضى أبو إبراهيم (عليه السلام) و تكلم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) خفنا عليه من ذلك فقيل له إنك قد أظهرت أمرا عظيما و إنا نخاف عليك هذا الطاغية فقال ليجهد جهده فلا سبيل له علي .

و عن الغفاري قال : كان لرجل من آل أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقال له فلان له علي حق فتقاضاني و ألح علي فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم توجهت نحو الرضا (عليه السلام) و هو يومئذ بالعريض فلما قربت من بابه و إذا هو قد طلع على حمار و عليه قميص و رداء فلما نظرت إليه استحييت منه فلما لحقني وقف و نظر إلي فسلمت عليه و كان شهر رمضان فقلت جعلت فداك إن لمولاك فلان علي حقا و قد و الله شهرني و أنا أظن في نفسي أنه يأمره بالكف عني و و الله ما قلت له كم له علي و لا سميت له شيئا

[274]

فأمرني بالجلوس إلى رجوعه فلم أزل حتى صليت المغرب و أنا صائم فضاق صدري و أردت أن أنصرف.

فإذا هو قد طلع علي و حوله الناس و قد قعد له السؤال و هو يتصدق عليهم فمضى فدخل بيته ثم خرج و دعاني فقمت إليه و دخلت معه فجلس و جلست فجعلت أحدثه عن ابن المسيب و كان كثيرا ما أحدثه عنه فلما فرغت قال ما أظنك أفطرت بعد قلت لا فدعا لي بطعام فوضع بين يدي و أمر الغلام أن يأكل معي فأصبت و الغلام من الطعام فلما فرغنا قال ارفع الوسادة و خذ ما تحتها فرفعتها فإذا هي دنانير فأخذتها و وضعتها في كمي و أمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوني منزلي فقلت جعلت فداك إن طائف ابن المسيب يقعد و أكره أن يلقاني و معي عبيدك فقال لي أصبت أصاب الله بك الرشاد و أمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم فلما قربت من منزلي و آنست رددتهم و سرت إلى منزلي و دعوت السراج و نظرت إلى الدنانير و إذا هي ثمانية و أربعون دينارا و كان فيها دينار يلوح فأعجبني فأخذته و قربته من السراج فإذا عليه نقش واضح حق الرجل ثمانية و عشرون دينارا و ما بقي فهو لك و لا و الله ما كنت عرفت ما له علي بالتحديد .

و عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : أنه خرج من المدينة في السنة التي حج فيها هارون يريد الحج فانتهى إلى جبل عن يسار الطريق يقال له فارع فنظر إليه أبو الحسن (عليه السلام) ثم قال يا فارع و هادمه يقطع إربا إربا فلم ندر ما معنى ذلك فلما بلغ هارون ذلك الموضع نزله و صعد جعفر بن يحيى الجبل و أمر أن يبنى له فيه مجلس فلما رجع من مكة صعد إليه فأمر بهدمه فلما انصرف إلى العراق قطع جعفر بن يحيى إربا إربا .

و عن إبراهيم بن موسى قال : ألححت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في شي‏ء طلبته فكان يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة و كنت معه فجاء إلى قرب قصر فلان فنزل عنده تحت شجرات و نزلت معه و ليس معنا ثالث فقلت جعلت فداك هذا

[275]

العيد قد أظلنا و لا و الله ما أملك درهما فما سواه فحك بسوطه الأرض حكا شديدا ثم ضرب بيده فتناول منه سبيكة ذهب ثم قال استنفع بها و اكتم ما رأيت .

و عن مسافر قال : كنت مع أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بمنى فمر يحيى بن خالد فغطى وجهه من الغبار فقال الرضا (عليه السلام) مساكين لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة ثم قال و أعجب من هذا هارون و أنا كهاتين و ضم إصبعيه قال مسافر فو الله ما عرفت معنى حديثه حتى دفناه معه .

فصل

و كان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب يحملهم إليه من المدينة و فيهم الرضا علي بن موسى (عليه السلام) فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاءوه بهم و كان المتولي لإشخاصهم المعروف بالجلودي فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا و أنزل الرضا علي بن موسى (عليه السلام) دارا و أكرمه و عظم أمره ثم أنفذ إليه أني أريد أن أخلع نفسي من الخلافة و أقلدك إياها فما رأيك فأنكر الرضا (عليه السلام) هذا الأمر و قال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام و أن يسمع به أحد فرد عليه الرسالة فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي فأبى عليه الرضا (عليه السلام) إباء شديدا فاستدعاه و خلا به و معه الفضل بن سهل ذو الرئاستين ليس في المجلس غيرهم و قال له إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين و أفسخ ما في رقبتي و أضعه في رقبتك فقال له الرضا (عليه السلام) الله الله يا أمير المؤمنين إنه لا طاقة لي بذلك و لا قوة لي عليه فقال له فإني موليك العهد من بعدي فقال له اعفني يا أمير المؤمنين من ذلك فقال له المأمون كلاما فيه كالتهدد له على الامتناع عليه.

و قال في كلامه : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و شرط فيمن خالف منهم أن تضرب عنقه و لا بد من قبولك ما أريده منك فإني لا أجد محيصا عنه فقال له الرضا (عليه السلام) فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر و لا أنهى و لا أفتي و لا أقضي و لا أولي و لا أعزل و لا أغير شيئا مما هو قائم فأجابه المأمون إلى

[276]

ذلك كله أخبرني الشريف أبو محمد قال حدثنا جدي قال موسى بن سلمة قال كنت بخراسان مع محمد بن جعفر فسمعت أن ذا الرئاستين خرج ذات يوم و هو يقول وا عجباه و قد رأيت عجبا سلوني ما رأيت فقالوا ما رأيت أصلحك الله قال رأيت المأمون أمير المؤمنين يقول لعلي بن موسى قد رأيت أن أقلدك أمور المسلمين و افسخ ما في رقبتي و أجعله في رقبتك و رأيت علي بن موسى الرضا يقول يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بذلك و لا قوة فما رأيت خلافة قط أضيع منها إن أمير المؤمنين يتقصى منها و يعرضها على علي بن موسى و علي بن موسى يرفضها و يأبى.

و ذكر جماعة من أصحاب السيرة و رواه الأخبار من أيام الخلفاء : أن المأمون لما أراد العقد للرضا (عليه السلام) و حدث نفسه بذلك أحضر الفضل بن سهل فأعلمه بما عزم عليه و أمره بمشاورة أخيه الحسن و اجتمعا في حضرته و جعل الحسن يعظم ذلك عليه و يعرفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه فقال المأمون إني عاهدت الله أني إن ظفرت بالمخلوع سلمت الخلافة إلى أفضل بني طالب و هو أفضلهم فلما رأيا عزيمته أمسكا عن معارضته فأرسلهما إلى الرضا فعرضا ذلك عليه فامتنع و لم يزالا به حتى أجاب فرجعا إلى المأمون فعرفاه فسر و جلس للخاصة يوم خميس و خرج الفضل فأعلم الناس برأي المأمون في الرضا و أنه ولاه عهده و سماه الرضا و أمرهم بلبس الخضر و العود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا رزق سنة.

فلما كان ذلك اليوم ركب الولاة على طبقاتهم و جلس المأمون و وضع للرضا وسادتين عظيمتين فجلس الرضا (عليه السلام) في الخضرة و عليه عمامة و سيف ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بظهرها

[277]

وجه نفسه و ببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هكذا كان يبايع و بايعه الناس و يده فوق أيديهم و وضعت البدر و قام الخطباء و الشعراء و ذكروا ما كان من المأمون في أمره و ذكروا فضل الرضا ثم دعا أبو عباد بالعباس بن المأمون فوثب و قبل يد أبيه ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد فدنا من المأمون و لم يقبل يده فأمر بأخذ جائزته فناداه المأمون ارجع أبا جعفر إلى مجلسك فرجع ثم دعا أبو عباد بالعلويين و العباسيين فقبضوا جوائزهم حتى نفدت الأموال .

ثم قال المأمون للرضا (عليه السلام) اخطب الناس و تكلم : فحمد الله و أثنى عليه و قال إن لنا عليكم حقا برسول الله و لكم علينا حق به فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحكم لكم .

و لم يذكر عنه غير هذا في هذا المجلس و أمر المأمون فضربت الدراهم باسمه و زوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد و أمره فحج بالناس و خطب للرضا في كل بلد بولاية العهد و خطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة فقال في الدعاء له ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليه السلام) .

ستة آباء هم ما هم *** أفضل من يشرب صوب الغمام

و ذكر المدائني عن رجاله قال : لما جلس الرضا في الخلع و قام الشعراء و الخطباء و خفقت الألوية على رأسه قال بعض خواصه فنظر إلي و عندي فرح فأشار إلي فدنوت منه فقال لي سرا لا تشتغل قلبك بهذا الأمر و لا تستبشر به فإنه لا يتم.

و كان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل فقال إني قد قلت قصيدة و آليت أن لا يسمعها أحد قبلك فأمرني بالجلوس حتى خف الناس فأنشدته مدارس آيات

[278]

حتى أتى إلى آخرها فلما فرغ أمر له بستمائة دينار و قال استعن بها على سفرك فطلب شيئا من ثيابه فأعطاه جبة فخرج حتى وصل قم فأعطوه بالجبة ألف دينار فأبى أن يبيعها و قال لا و الله و لا خرقة منها بألف دينار فاخرجوا من قطع عليه الطريق فأخذوها فرجع إلى قم و كلمهم فيها فقالوا ليس إليها سبيل و أعطوه ألف دينار و خرقة منها.

قلت هذه غير الرواية الأولى و تلك نرويها بأخبرنا و حدثنا .

و روى عن ياسر الخادم و الريان بن الصلت : أن المأمون لما عقد للرضا (عليه السلام) بولاية العهد أمره بالركوب إلى صلاة العيد فامتنع و قال قد علمت بما كان بيني و بينك من الشروط في دخول الأمر فاعفني من الصلاة فقال المأمون إنما أريد بذلك أن يعرفك الناس و يشتهر فضلك و ترددت الرسل بينهم فلما ألح المأمون عليه قال إن أعفيتني كان أحب إلي و إن أبيت فإني أخرج كما كان يخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي (عليه السلام) فقال المأمون اخرج كيف شئت و أمر القواد و الجند و الناس يبكروا بالركوب إلى باب الرضا (عليه السلام) .

فقعد الناس لأبي الحسن (عليه السلام) في الطرقات و السطوح و اجتمع النساء و الصبيان ينتظرون خروجه و صار القواد و الجند إلى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل و لبس ثيابه و تعمم بعمامة قطن بيضاء و ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه و مس طيبا و أخذ عكازا و قال لمواليه افعلوا كما فعلت فخرجوا بين يديه و هو حاف و قد شمر سراويله إلى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة فمشى قليلا و رفع رأسه إلى السماء و كبر و كبر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب.

فلما رآه القواد و الجند على تلك الصورة سقطوا إلى الأرض و كان أحسنهم

[279]

حالا من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته و نزعها و تحفى و كبر الرضا (عليه السلام) و كبر الناس معه فخيل إلينا أن السماء و الحيطان تجاوبه و تزعزعت مرو بالبكاء و الضجيج لما رأوا و سمعوا تكبيره و بلغ المأمون ذلك فقال له الفضل إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس و خفنا على دمائنا فبعث إليه المأمون قد كلفناك شططا و أتعبناك و لا نحب أن تلحقك مشقة فارجع و ليصل بالناس من كان يصلي بهم فدعا بخفه فلبسه و ركب و رجع و اختلف الناس في ذلك اليوم و لم ينتظم أمر صلاتهم.

و عن ياسر قال : لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى العراق خرج معه الفضل و خرجنا مع الرضا (عليه السلام) فورد على الفضل كتاب من أخيه الحسن و نحن في بعض المنازل أني نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه أنك تذوق في شهر كذا و كذا يوم الأربعاء حر الحديد و حر النار و أرى أن تدخل أنت و أمير المؤمنين و الرضا (عليه السلام) في ذلك اليوم الحمام و تحتجم فيه و تصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه فكتب الفضل إلى المأمون بذلك و سأله أن يسأل الرضا (عليه السلام) ذلك فكتب المأمون إلى الرضا (عليه السلام) فأجابه لست داخلا الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب الرضا (عليه السلام) لست داخلا الحمام غدا فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الليلة فقال لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فلا أرى لك يا أمير المؤمنين و لا للفضل أن تدخلا الحمام غدا فكتب المأمون صدقت يا أبا الحسن و صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لست بداخل الحمام غدا و الفضل أعلم.

قال ياسر فلما أمسانا و غابت الشمس قال لنا الرضا (عليه السلام) قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فلم نزل نقول ذلك فلما صلى الصبح قال لي اصعد إلى السطح فاستمع فلما صعدت سمعت ضجة و كثرت و زادت و إذا المأمون قد

[280]

دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار الرضا (عليه السلام) فقال يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فإنه دخل الحمام و دخل عليه قوم فقتلوه و أخذ منهم ثلاثة أحدهم ابن خاله و اجتمع الجند و القواد و من كان من رجال الفضل على باب المأمون فقالوا هو اغتاله و شغبوا و طلبوا بدمه و جاءوا بالنيران ليحرقوا الباب فقال المأمون لأبي الحسن (عليه السلام) يا سيدي ترى أن تخرج إليهم و ترفق بهم حتى يتفرقوا قال نعم و ركب أبو الحسن (عليه السلام) و قال لي يا ياسر اركب فركبت فلما خرجنا من باب الدار نظر إلى الناس و قد ازدحموا عليه فقال لهم بيده تفرقوا فقال ياسر فأقبل و الله بعضهم يقع على بعض و ما أشار إلى أحد إلا ركض و مشى على وجهه.

و عن مسافر قال : لما أراد هارون بن المسيب أن يواقع محمد بن جعفر قال لي الرضا اذهب إليه و قل له لا تخرج غدا فإنك إن خرجت غدا هزمت و قتل أصحابك فإن قال لك من أين علمت فقل له رأيت في النوم فقال نام العبد و لم يغسل استه ثم خرج فانهزم و قتل أصحابه.

هذه القصص اختصرت ألفاظها اختصارا لا يخل بمعناها فلا تظنن أني تركتها ناسيا .

باب ذكر وفاة الرضا علي بن موسى (عليه السلام) و سببها و طرف من الأخبار في ذلك

و كان الرضا (عليه السلام) يكثر وعظ المأمون إذا خلا به و يخوفه بالله و تقبح له ما يرتكبه من خلافه و كان المأمون يظهر قبول ذلك و يبطن كراهته و استثقاله و دخل الرضا (عليه السلام) يوما و هو يتوضأ للصلاة و الغلام يصب على يده الماء فقال لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام و تولى

[281]

تمام الوضوء بنفسه و زاد ذلك في غيظه و وجده عليه.

و كان (عليه السلام) يزري على الحسن و الفضل ابني سهل عند المأمون إذا ذكرهما و يصف له مساويهما و ينهاه عن الإصغاء إلى قولهما و عرفا ذلك منه فجعلا يخطيان عليه عند المأمون و يذكران له عنه ما يبعده منه و يخوفانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه و عمل على قتله فاتفق أنه أكل هو و المأمون طعاما فاعتل منه الرضا (عليه السلام) و أظهر المأمون تمارضا.

فذكر محمد بن علي بن حمزة بن منصور بن بشير عن أخيه عبد الله بن بشير قال أمرني المأمون أن أطول أظفاري على العادة و لا أظهر لأحد ذلك ثم استدعاني فأخرج لي شيئا يشبه التمر الهندي و قال لي اعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام و تركني و دخل على الرضا (عليه السلام) فقال ما خبرك قال له أرجو أن أكون صالحا قال له و أنا اليوم بحمد الله صالح فهل جاءك أحد من المترفين في هذا اليوم قال لا فغضب المأمون و صاح على غلمانه قال فخذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغني عنه ثم دعاني فقال ايتنا برمان فأتيته به فقال لي اعتصره بيديك ففعلت و سقاه المأمون للرضا (عليه السلام) بيده فكان ذلك سبب وفاته و لم يلبث إلا يومين حتى مات (عليه السلام) .

و ذكر عن أبي الصلت الهروي قال : دخلت على الرضا (عليه السلام) و قد خرج المأمون من عنده فقال لي يا أبا الصلت قد فعلوها و جعل يوحد الله و يمجده.

و روي عن محمد بن الجهم أنه قال : كان الرضا (عليه السلام) يعجبه العنب فأخذ له منه

[282]

شي‏ء فجعل في مواضع أقماعه الإبر أياما ثم نزعت منه و جي‏ء به إليه فأكل منه و هو في علته التي ذكرناها فقتله و ذكر أن ذلك من ألطف السموم.

و فلما توفي الرضا (عليه السلام) كتم المأمون موته يوما و ليلة ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق (عليه السلام) و جماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم و بكى و أظهر حزنا شديدا و توجعا و أراهم إياه صحيح الجسم و قال يعز علي أن أراك يا أخي في هذه الحال و قد كنت آمل أن أقدم قبلك فأبى الله إلا ما أراد ثم أمر بغسله و تكفينه و تحنيطه و خرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه و الموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سناباذ على دعوة من نوقان بأرض طوس و فيها قبر هارون الرشيد و قبر أبي الحسن (عليه السلام) بين يديه في قبلته.

و مضى الرضا (عليه السلام) و لم يترك ولدا نعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) و كان سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين و أشهرا آخر كلام الشيخ المفيد رحمه الله تعالى.

قال العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى جامع هذا الكتاب أثابه الله تعالى بلغني ممن أثق به أن السيد رضي الدين علي بن الطاوس رحمه الله كان لا يوافق على أن المأمون سقى عليا (عليه السلام) و لا يعتقده و كان رحمه الله كثير المطالعة و التنقيب و التفتيش على مثل ذلك و الذي كان يظهر من المأمون من حنوه عليه و ميله إليه و اختياره له دون أهله و أولاده مما يؤيد ذلك و يقرره و قد ذكر المفيد رحمه الله شيئا ما يقبله نقدى و لعلي واهم و هو أن الإمام (عليه السلام) كان يعيب ابني سهل عند المأمون و يقبح ذكرهما إلى غير ذلك و ما كان أشغله بأمور دينه و آخرته .

[283]

و اشتغاله بالله عن مثل ذلك و على رأي المفيد رحمه الله أن الدولة المذكورة من أصلها فاسدة و على غير قاعدة مرضية فاهتمامه (عليه السلام) بالوقيعة فيهما حتى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه فيه ما فيه.

ثم إن نصيحته للمأمون و إشارته عليه بما ينفعه في دينه لا يوجب أن يكون سببا لقتله و موجبا لركوب هذا الأمر العظيم منه و قد كان يكفي في هذا الأمر أن يمنعه عن الدخول عليه أو يكفه عن وعظه.

ثم إنا لا نعرف أن الإبر إذا غرست في العنب صار العنب مسموما و لا يشهد به القياس الطبي و الله تعالى أعلم بحال الجميع و إليه المصير و عند الله تجتمع الخصوم.

[284]

و رأيت في كتاب يعرف بكتاب النديم لم يحضرني عند جمع هذا الكتاب أن جماعة من بني العباس كتبوا إلى المأمون يسفهون رأيه في توليه الرضا (عليه السلام) العهد بعده و إخراجه عنهم إلى بني علي (عليه السلام) و يبالغون في تخطئته و سوء رأيه فكتب إليهم جوابا غليظا سبهم فيه و نال من أعراضهم و قال فيهم القبائح و قال من جملة ما قال و بقي على خاطري أنتم نطف السكارى في أرحام القيان إلى غير ذلك و ذكر الرضا (عليه السلام) و نبه على فضله و شرفه و شرف نفسه و بيته و هذا و أمثاله مما ينفي عن المأمون الإقدام على إزهاق تلك النفس الطاهرة و السعي فيما يوجب خسران الدنيا و الآخرة و الله أعلم.

قال ابن الخشاب رحمه الله :ذكر أبي الحسن الرضا علي بن موسى الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.

و بهذا الإسناد عن محمد بن سنان :
توفي و له تسع و أربعون سنة و أشهر في سنة مائتي سنة و ستة من الهجرة و كان مولده سنة مائة و ثلاث و خمسين من الهجرة بعد مضي أبي عبد الله بخمس سنين و أقام مع أبيه خمسا و عشرين سنة إلا شهرين فكان عمره تسعا و أربعين سنة و أشهرا و قبره بطوس بمدينة خراسان أمه الخيزران المرسية أم ولد و يقال شقراء النوبية و تسمى أروى أم البنين يكنى بأبي الحسن ولد له خمس بنين و ابنة واحدة أسماء بنيه محمد الإمام أبو جعفر الثاني أبو محمد الحسن و جعفر و إبراهيم و الحسن و عائشة فقط.

لقبه الرضا و الصابر و الرضي و الوفي .

و نقلت من عيون أخبار الرضا (عليه السلام) تصنيف الشيخ عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي جزاه الله خيرا عن ياسر الخادمقال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول من شبه الله بخلقه فهو مشرك و من نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر .

و عنه : عن آبائه (عليهم السلام) قال قال الله تعالى ما آمن بي من فسر كلامي

[285]

برأيه و ما عرفني من شبهني بخلقي و ما على ديني من استعمل القياس في ديني .

و عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول في دعائه سبحان من خلق الخلق بقدرته و أتقن ما صنع بحكمته و وضع كل شي‏ء منه موضعه بعلمه سبحان من يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و ليس كمثله شي‏ء و هو السميع البصير .

و عنه (عليه السلام) و قد سئل عن قوله تعالى وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ فقال : إن الله تبارك و تعالى لا يوصف في الشرك كما يوصف خلقه و لكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر و الضلال منعهم المعاونة و اللطف و خلى بينهم و بين اختيارهم .

و عنه عن آبائه (عليهم السلام) قال : من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته و لا تقبلوا شهادته و لا تصلوا وراءه و لا تعطوه من الزكاة شيئا .

و عن إبراهيم بن محمود قال : قلت للرضا (عليه السلام) يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إن الله تبارك و تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فقال (عليه السلام) لعن الله المحرفين للكلم عن مواضعه و الله ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك إنما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله تعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير و ليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه هل مستغفر فأغفر له يا طالب الخير أقبل يا طالب الشر اقصر فلا يزال ينادي بذلك حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء ; حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عنه عن آبائه عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أن موسى ابن عمران لما ناجى ربه عز و جل قال يا رب أ بعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك فأوحى الله جل جلاله إليه أنا جليس من ذكرني فقال موسى يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى اذكرني على كل حال .

[286]

و سئل (عليه السلام) عن أدنى المعرفة فقال الإقرار بأنه لا إله غيره و لا شبه له و لا نظير له و أنه قديم مثبت موجود غير فقيد و أنه ليس كمثله شي‏ء .

و عن عبد العزيز بن المهتدي قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد قال كل من قرأ قل هو الله أحد و آمن بها فقد عرف التوحيد فقلت كيف يقرأها قال كما يقرأها الناس و زاد فيها كذلك الله ربي كذلك الله ربي .

و عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) : أنه دخل عليه رجل فقال له يا ابن رسول الله ما الدليل على حدث العالم قال أنت لم تكن ثم كنت و قد علمت أنك لم تكون نفسك و لا كونك من هو مثلك .

و عنه عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي ثم قال إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل .

قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عز و جل وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى قال يعني من ارتضى الله دينه .

و عن جماعة عنه عن آبائه (عليهم السلام) قال دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال أخبرنا عن خروجنا إلى : أهل الشام أ بقضاء من الله و قدره فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله و قدره فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما و قدرا لازما لو كان كذلك

[287]

لبطل الثواب و العقاب و الأمر و النهي و الزجر و لسقط معنى الوعد و الوعيد و لم يكن على المسي‏ء لائمة و لا للمحسن محمدة و لكان المحسن أولى باللائمة من المذنب و المذنب أولى بالإحسان من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان و خصماء الرحمن و قدرية هذه الأمة و مجوسها يا شيخ إن الله عز و جل كلف تخييرا و نهى تحذيرا و أعطى على القليل كثيرا و لم يعص مغلوبا و لم يطع مكرها و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار

[288]

قال فنهض الشيخ و هو يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته *** يوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا *** جزاك ربك عنا فيه إحسانا

فليس معذرة في فعل فاحشة *** قد كنت راكبها فسقا و عصيانا

لا لا و لا قائلا ناهيه أوقعه *** فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا

و لا أحب و لا شاء الفسوق و لا *** قتل الولي له ظلما و عدوانا

إني محب و قد صحت عزيمته *** ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا

و عنه عن آبائه عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : قال الله تعالى من لم يرض بقضائي و لم يؤمن بقدري فليلتمس إلها غيري .

و قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل قضاء لله عز و جل خيرة للمؤمنين .

قال إبراهيم بن العباس سمعت الرضا (عليه السلام) و قد سأله رجل : أ يكلف الله العباد ما لا يطيقون فقال هو أعدل من ذلك قال أ فيقدرون على كل ما أرادوه قال هم أعجز من ذلك .

و عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : الأعمال على ثلاثة أحوال فرائض و فضائل و معاص فأما الفرائض فبأمر الله و برضى الله و بفضل الله و بقضاء الله و تقديره و مشيته و علمه و أما الفضائل فليست بأمر الله و لكن برضى الله و بقضاء الله و بقدر الله

[289]

و بمشيئة الله و بعلم الله و أما المعاصي فليست بأمر الله و لكن لقدر الله و بعلمه ثم يعاقب عليها .

و عن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : سألت فقلت الله فوض الأمر إلى عباده قال الله أعز من ذلك قلت فأجبرهم على المعاصي قال الله أعدل و أحكم من ذلك ثم قال قال الله عز و جل يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيئاتك مني عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك .

و سأله رجل و هو في الطواف أخبرني عن الجواد فقال إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد هو الذي يؤدي ما افترض الله عليه و إن تكن تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى و هو الجواد إن منع إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له و إن منع منع ما ليس له .

و عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئا و لا تقبلوا له شهادة فإن الله تبارك و تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها و لا يحملها فوق طاقتها و لا تكسب كل نفس إلا عليها و لا تزر وزارة وزر أخرى.

و قال (عليه السلام) : و قد ذكر عنده الجبر و التفويض فقال أ لا أعطيكم في هذه أصلا لا تختلفون فيه و لا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه قلنا إن رأيت ذلك فقال إن الله عز و جل لم يطع بإكراه و لم يعص بغلبة و لم يهمل العباد في ملكه و هو المالك لما ملكهم و القادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بالطاعة لم يكن الله عنها صادا و لا منها مانعا و إن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل فإن لم يحل و فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيها ثم قال (عليه السلام) من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه .

[290]

و قال (عليه السلام) للإمام علامات يكون أعلم الناس و أحكم الناس و أتقى الناس و أحلم الناس و أشجع الناس و أسخى الناس و أعبد الناس و يولد مختونا و يكون مطهرا و يرى من خلفه كما يرى من بين يديه و لا يكون له ظل و إذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين و لا يحتلم و تنام عينه و لا تنام قلبه و يكون محدثا و يستوي عليه درع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا يرى له بول و لا غائط لأن الله عز و جل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه و يكون رائحته أطيب من رائحة المسك و يكون أولى بالناس منهم بأنفسهم و أشفق عليهم من آبائهم و أمهاتهم و يكون أشد الناس تواضعا لله تعالى و يكون آخذ الناس بما يأمر به و أكف الناس عما ينهى عنه و يكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين و يكون سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنده و سيفه ذو الفقار عنده و تكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة و صحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة و تكون عنده الجامعة و هي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم و يكون عنده الجفر الأكبر و الجفر الأصغر إهاب ماعز و إهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى عرش الخدش و حتى

[291]

الجلدة و نصف الجلدة و ثلث الجلدة و يكون عنده مصحف فاطمة (عليه السلام) .

و في حديث آخر إن الإمام مؤيد بروح القدس و بينه و بين الله عمود من نور يرى فيه أعمال العباد و كلما احتاج إليه للدلالة اطلع عليه و يبسط له فيعلم و يقبض عنه فلا يعلم و الإمام يولد و يلد و يصح و يمرض و يأكل و يشرب و يبول و يتغوط ينكح و ينام و ينسى و يسهو و يفرح و يحزن و يضحك و يبكي و يحيا و يموت و يقبر و يزار و يحشر و يوقف و يعرض و يسأل و يثاب و يكرم و يشفع و دلالته في خصلتين في العلم و استجابة الدعوة و كلما أخبر به من الحوادث التي تحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توارثه عن آبائه (عليهم السلام) و يكون ذلك مما عهده إليه جبرئيل عن علام الغيوب عز و جل .

و عنه (عليه السلام) في أوصاف الإمامة في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) أشياء عجيبة و مقاصد غريبة هي لأغراض الصواب مصيبة و كلما اشتمل عليه هذا الكتاب أو أكثره نكت و عيون و منه جملة من أصول الدين ينحدر بتدبرها لثام الشك عن وجه اليقين و يهتدي بها إلى الحق المبين .

و قال أبو الصلت الهروي حدثني علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و كان و الله رضا كما سمي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإيمان قول و عمل فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل ما هذا الإسناد فقال له أبي هذا سعوط المجانين إذا سعط به المجنون أفاق .

و عن عياش مولى الرضا (عليه السلام) قال : سمعته يقول من قال حين يسمع أذان

[292]

الصبح اللهم إني أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلاتك و أصوات دعاتك أن تتوب علي اللهم إني أسألك بأنك التواب الرحيم و قال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو من ليلته كان تائبا .

و عنه عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة المكرم لذريتي من بعدي و القاضي لهم حوائجهم و الساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه و المحب لهم بقلبه و لسانه و في رواية عنه (عليه السلام) و الدافع عنهم بيده .

و عنه عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما متعلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها فقلت لها كم بينك و بينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أبا .

و قال (عليه السلام) : من صام من شعبان يوما واحدا ابتغاء ثواب الله دخل الجنة و من استغفر الله في كل يوم من شعبان سبعين مرة حشر يوم القيامة في زمرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و وجبت له من الله الكرامة و من تصدق في شعبان بصدقة و لو بشق تمرة حرم الله جسده على النار و من صام ثلاثة أيام من شعبان و وصلها بصيام شهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين.

و قال (عليه السلام) : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال سنة من ربه و سنة من نبيه و سنة من وليه فالسنة من ربه كتمان سره قال الله عز و جل عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ و أما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز و جل أمر نبيه بمداراة الناس فقال خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ و أما السنة من وليه فالصبر على البأساء و الضراء فإن الله عز و جل يقول وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ .

[293]

و عنه : عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعلموا من الغراب خصالا ثلاثا استتاره بالسفاد و بكوره في طلب الرزق و حذره .

و عن ياسر الخادم قال : سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد و يخرج من بطن أمه فيرى الدنيا و يوم يموت فيعاين الآخرة بأهلها و يوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا و قد سلم الله عز و جل على يحيى في هذه الثلاثة المواطن و أمن روعته فقال وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا و قد سلم عيسى ابن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا .

و عنه (عليه السلام) : إن الله عز و جل أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى أمر بالصلاة و الزكاة فمن صلى و لم يزك لم تقبل منه صلاته و أمر بالشكر له و الوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله و أمر باتقاء الله و صلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز و جل .

و قال (عليه السلام) : من علامات الفقه الحلم و العلم و الصمت إن الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير.

و قال (عليه السلام) : صديق كل امرئ عقله و عدوه جهله .

و سئل (عليه السلام) أ تكون الأرض و لا إمام فيها فقال إذا لساخت بأهلها .

و عنه عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الشيب في مقدم الرأس يمن و في العارضين سخاء و في الذوائب شجاعة و في القفاء شوم .

[294]

و قال (عليه السلام) لا يجتمع المال إلا بخصال خمس ببخل شديد و أمل طويل و حرص غالب و قطيعة الرحم و إيثار الدنيا على الآخرة .

و قال (عليه السلام) : إذا نام العبد و هو ساجد قال الله تبارك و تعالى عبدي قبضت روحه و هو في طاعتي .

و عنه عن آبائه (عليهم السلام) أنه قال : إن الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم و العلم كله حجة إلا ما عمل به و العمل كله رياء إلا ما كان مخلصا و الإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له .

و عنه (عليه السلام) قال : خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق فاستقبله موسى (عليه السلام) فقال يا غلام ممن المعصية قال لا تخلو من ثلاث إما أن تكون من الله عز و جل و ليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه و إما أن تكون من الله عز و جل و من العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف و إما أن تكون من العبد و هي منه فإن عاقبه الله فبذنبه و إن عفا عنه فبكرمه و جوده .

و عنه (عليه السلام) قال : لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر عليه فيوم و يوم لا فإن لم يقدر ففي كل جمعة و لا يدع ذلك .

و سئل (عليه السلام) ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها قال لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره .

و عنه (عليه السلام) قال : لا يزال العبد يسرق حتى إذا استوفى ثمن يده أظهر الله عليه .

و جاء قوم بخراسان إليه (عليه السلام) فقالوا إن قوما من أهل بيتك يتعاطون أمورا قبيحة فلو نهيتهم عنها قال لا أفعل فقيل و لم ? قال سمعت أبي (عليه السلام) يقول النصيحة خشنة .

و قال (عليه السلام) : من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ثم قال (عليه السلام) إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن و محكما كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها و لا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا .

[295]

و قال (عليه السلام) : من صام أول يوم من رجب رغبة في ثواب الله عز و جل وجبت له الجنة و من صام يوما في وسطه شفع في مثل ربيعة و مضر و من صام يوما في آخره جعله الله عز و جل من أملاك الجنة و شفعه الله في أبيه و أمه و ابنه و ابنته و أخيه و أخته و عمه و عمته و خاله و خالته و معارفه و جيرانه و إن كان فيهم مستوجب للنار .

و عنه عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه يا عبد الله أجب في الله و أبغض في الله و وال في الله و عاد في الله فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك .

و قال علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال : سمعت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول من استغفر الله تبارك و تعالى في شعبان سبعين مرة غفر الله له ذنوبه و لو كانت مثل عدد النجوم .

و عنه عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب أن يركب سفينة النجاة و يستمسك بالعروة الوثقى و يعتصم بحبل الله المتين فليوال عليا بعدي و ليعاد عدوه و ليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي و أوصيائي و حجج الله على الخلق بعدي و سادات أمتي و قادة الأنبياء إلى الجنة حزبهم حزبي و حزبي حزب الله و حزب أعدائهم حزب الشيطان .

و عنه عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات و يمحو الله فيه السيئات و يرفع فيه الدرجات من تصدق في هذا الشهر بصدقة غفر الله له و من أحسن فيه إلى ما ملكت يمينه غفر الله له و من حسن فيه خلقه غفر الله له و من كظم فيه غيظه غفر الله له و من وصل فيه رحمه غفر الله له ثم قال (عليه السلام) شهركم هذا ليس كالشهور إذا أقبل إليكم أقبل بالبركة و الرحمة و إذا أدبر عنكم أدبر بغفران الذنوب هذا شهر الحسنات فيه مضاعفة و أعمال الخير فيه مقبولة و من صلى منكم في هذا الشهر لله عز و جل ركعتين بتطوع فيهما غفر الله له ثم قال (عليه السلام) إن الشقي حق الشقي من

[296]

خرج عنه هذا الشهر و لم تغفر له ذنوبه و يخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم .

قلت فوائد هذا الكتاب كثيرة و عيون أخباره غزيرة و حاله يقتضي إثبات كل ما فيه فكله فوائد و كله صلات و عوائد و لكن كتابي هذا لا يحتمل الإكثار و هو مبني على الإيجاز و الاختصار لأن مناقبهم (عليه السلام) لا يأتي الحصر عليها و لا تقوم العبارة بتأدية بعضها و الإشارة إليها.

و قال ابن بابويه رحمه الله تعالى : قيل لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك (عليه السلام) إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية العهد فقال (عليه السلام) كذبوا و الله و فجروا بل الله تبارك و تعالى سماه الرضا لأنه كان رضي لله عز و جل في سمائه و رضي لرسوله و الأئمة من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) في أرضه قال فقلت أ لم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليه السلام) رضي لله عز و جل و لرسوله و الأئمة من بعده (عليه السلام) فقال بلى قلت فلم سمي أبوك من بينهم الرضا قال لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه و لم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام) فلذلك سمي من بينهم الرضا (عليه السلام) .

و عن سليمان بن جعفر المروزي قال : كان موسى بن جعفر (عليه السلام) سمى ولده عليا (عليه السلام) الرضا فكان يقول ادعو لي ولدي الرضا و قلت لولدي الرضا و قال ولدي الرضا و إذا خاطبه قال يا أبا الحسن .

قلت الاعتماد على ما قاله الجواد (عليه السلام) من أن المأمون لم يسمه بذلك ابتداء فأما ما رواه سليمان المروزي فإن الكاظم موسى (عليه السلام) يكون قد عرف أنه يسمى بذلك فسماه بما سوف يسمى به فيما بعد فيكون ذلك من دلائله (عليه السلام) و من نصوصه فيه (عليه السلام) .

[297]

باب مولد الرضا (عليه السلام) من كتاب عيون أخباره

ولد بالمدينة يوم [ليلة] الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث و خمسين و مائة من الهجرة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) بخمس سنين و توفي بطوس في قرية يقال لها سناباذ من رستاق نوقان و دفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة و ذلك في شهر رمضان لسبع بقين منه يوم الجمعة سنة ثلاث و مائتين و قد تم عمره تسعا و أربعين سنة و ستة أشهر منها مع أبيه موسى (عليه السلام) تسعا و عشرين سنة و شهرين و بعد أبيه بأيام إمامته عشرين سنة و أربعة أشهر و كان في أيام إمامته بقية ملك الرشيد و ملك الأمين محمد بن زبيدة و ملك المأمون فأخذ البيعة لعلي (عليه السلام) بغير رضاه و ذلك بعد أن تهدده بالقتل و ألح عليه مرة بعد أخرى في كلها يأبى عليه حتى أشرف من بأسه على الهلاك.

و قال (عليه السلام) : اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة و قد أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده و قد أكرهت و اضطررت كما اضطر يوسف و دانيال (عليه السلام) إذ قبل كل واحد منهما الولاية لطاغية زمانه اللهم لا عهد لي إلا عهدك و لا ولاية لي إلا من قبلك فوفقني لإقامة دينك و إحياء سنة نبيك فإنك أنت المولى و النصير نعم المولى أنت و نعم النصير .

ثم قبل ولاية العهد من المأمون على أن لا يولي أحدا و لا يعزل أحدا و لا يغير سنة و لا رسما و أن يكون في الأمر مشيرا من بعيد فأخذ له المأمون البيعة على الخاص و العام.

و كان إذا ظهر للمأمون من الرضا (عليه السلام) فضل و علم و حسن تدبير حسده على ذلك و حقده عليه حتى ضاق صدره منه فغدر به فقتله بالسم و مضى إلى رضوان الله و كرامته .

و عن علي بن ميثم عن أبيه قال : سمعت أمي تقول سمعت نجمة أم الرضا (عليه السلام) تقول لما حملت بابني لم أشعر بثقل الحمل و كنت أسمع في منامي تسبيحا و تهليلا و تحميدا من بطني فيفزعني ذلك فإذا انتبهت لم أسمع شيئا فلما وضعته

[298]

وقع إلى الأرض واضعا يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى و أقام في اليسرى و دعا بماء الفرات و حنكه به ثم رده إلي فقال خذيه فإنه بقية الله في أرضه .

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله بكرمه قال أبو جعفر القمي المذكور رحمه الله تعالى : إن الرضا (عليه السلام) ولد بالمدينة و كذا قال غيره و قال دعا بماء الفرات من ساعته و حنكه به و لعله أراد بماء فرات أو بالماء الفرات أو كان عندهم ماء الفرات لهذا الأمر و أمثاله أو أتي بماء الفرات من ساعته فهو سهل بالنسبة إلى معجزاتهم و كراماتهم و دلائلهم و آياتهم (عليه السلام) .

و قال باب في النص عليه من أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام) محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) و قد اشتكى شكاة شديدة فقلت له إن كان ما أسأل الله أن لا يريناه فإلى من قال إلى ابني علي فكتابه كتابي و هو وصيي و خليفتي من بعدي .

و عن علي بن يقطين قال : كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) و عنده علي ابنه (عليه السلام) فقال يا علي هذا ابني سيد ولدي و قد نحلته كنيتي فضرب هشام بن سالم يده على جبهته و قال إنا لله نعى و الله إليك نفسه .

و عن علي بن يقطين قال : كنت عند العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) فدخل عليه ابنه الرضا (عليه السلام) و قال مثله فقال له هشام ويحك كيف قال فقال سمعت منه كما قلت لك قال هشام أخبرك أن الأمر فيه من بعده .

و عن نعيم بن قابوس قال : قال أبو الحسن (عليه السلام) علي ابني أكبر ولدي و أسمعهم لقولي و أطوعهم لأمري ينظر في كتاب الجفر و الجامعة و لا ينظر فيهما إلا نبي أو وصي نبي .

و عدد نصوصا كثيرة عن أبيه (عليه السلام) و قد كان يكفيني هذا الكتاب فيما أريده من أخبار الرضا (عليه السلام) و يغنيني عما سواه و لكني اتبعت عادتي في النقل

[299]

من كتب متعددة و عن رواة مختلفة ليكون أدعى إلى قبوله و هذا كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) قد اشتمل على فرائد و أوائد أحسن من العقود القلائد في لبات الخرائد فمن أراد أن يسرح طرفه في رياضيه و يروى ظمأه من نمير حياضه و يعجب من غرائبه و فنونه و حدائقه و عيونه فقد دللته عليه و أهديت عقيلته إليه فما عليه مزيد في معناه و قد أجاد ما شاء جامعه رحمه الله .

و قال صاحب كتاب الدلائل عن جعفر بن محمد بن يونس قال : كتب رجل إلى الرضا (عليه السلام) يسأله مسائل و أراد أن يسأله عن الثوب الملحم يلبسه المحرم و عن سلاح رسول الله ص فنسي ذلك و تلهف عليه فجاء جواب المسائل و فيه لا بأس بالإحرام في الثوب الملحم و اعلم أن سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل يدور مع كل عالم حيث دار .

و عن معمر بن خلاد قال : قال لي الريان بن الصلت بمرو و قد كان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان فقال لي أحب أن أستأذن على أبي الحسن فأسلم عليه و أودعه و أحب أن يكسوني من ثيابه و أن يهب لي من دراهمه التي ضربت باسمه قال معمر فدخلت على أبي الحسن فقال لي مبتدئا الريان يحب أن يدخل علي و أن أكسوه من ثيابي و أعطيه من دراهمي فقلت سبحان الله قد و الله سألني ذلك و أن أسألك له فقال يا معمر إن المؤمن موفق قل له فليجئ قال فأمرته فدخل عليه و سلم عليه فدعا له بثوبين من ثيابه فدفعهما إليه فلما قام رأيته قد وضع في يده شيئا فلما خرج قلت له كم أعطاك فإذا في يده ثلاثون درهما .

و عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : قال لي الرضا (عليه السلام) اشتر لي جارية من صفتها كذا و كذا فأصبت له جارية عند رجل من أهل المدينة كما وصف فاشتريتها و دفعت الثمن إلى مولاها و جئت بها إليه فأعجبته و وقعت منه فمكثت أياما ثم لقيني مولاها و هو يبكي فقال الله الله في لست أتهنأ العيش و ليس

[300]

لي قرار و لا نوم فكلم أبا الحسن يرد علي الجارية و يأخذ الثمن فقلت أ مجنون أنت أنا أجترئ أن أقول له يردها عليك فدخلت على أبي الحسن فقال لي مبتدئا يا سليمان صاحب الجارية يريد أن أردها عليه قلت إي و الله قد سألني أن أسألك قال فردها عليه و خذ الثمن ففعلت و مكثت أياما ثم لقيني مولاها فقال جعلت فداك سل أبا الحسن يقبل الجارية فإني لا أنتفع بها و لا أقدر أدنو منها قلت إني لا أقدر أن أبتدئه بهذا قال فدخلت على أبي الحسن فقال يا سليمان صاحب الجارية يريد أن أقبضها منه و أرد عليه الثمن قلت قد سألني ذلك قال فرد علي الجارية و خذ الثمن .

و عن الحسن بن أبي الحسن [الجيش] قال : اشتكى عمي محمد بن جعفر شكاة شديدة حتى خفنا عليه الموت فدخل عليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) و نحن حوله نبكي من بنيه و إخوتي و عمي إسحاق عند رأسه يبكي و هو في حالة شديدة فجاء فجلس في ناحية ينظر إلينا فلما خرج تبعته فقلت له جعلت فداك دخلت على عمك و هو في هذا الحال و نحن نبكي و إسحاق عمك يبكي فلم يكن منك شي‏ء فقال لي أ رأيت هذا الذي من مرضه و يقوم و يموت هذا الذي يبكي عليه فقام محمد بن جعفر من وجعه و اشتكى إسحاق و مات و بكى عليه محمد .

و لما خرج محمد بن جعفر بمكة و دعا لنفسه و يسمى بأمير المؤمنين و بويع له بالخلافة و دخل عليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فقال يا عم لا تكذب أباك و أخاك فإن هذا الأمر لا يتم قال الراوي فخرج و خرجت معه إلى المدينة فلم يلبث إلا قليلا حتى قدم الجلود فلقيه فهزمه و استأمن إليه محمد بن جعفر فلبس السواد و صعد المنبر فخلع نفسه و أكذب مقالته و قال إن هذا الأمر للمأمون و ليس لي فيه حق ثم خرج إلى خراسان فمات بمرو .

[301]

و عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : سمعته يقول الأئمة علماء حكماء مفهمون محدثون .

و عن الحسن بن علي الوشاء قال : كنت بخراسان فبعث إلي الرضا (عليه السلام) يوما فقال

[302]

ابعث لي بالحبرة فلم توجد عندي فقلت لرسوله ما عندي حبرة فرد إلي الرسول ابعث بالحبرة فطلبت في ثيابي فلم أجد شيئا فقلت لرسوله قد طلبت فلم أقع بها فرد إلي الرسول الثالث ابعث بالحبرة فقمت أطلب ذلك فلم يبق إلا صندوق فقمت إليه فوجدت فيه حبرة فأتيته بها و قلت أشهد أنك إمام مفترض الطاعة و كان سببي في دخولي هذا الأمر .

و قال عبد الله بن المغيرة : كنت واقفا و حججت على ذلك فلما صرت إلى مكة خلج في صدري شي‏ء فتعلقت بالملتزم و قلت اللهم قد علمت طلبتي و إرادتي فأرشدني إلى خير الأديان فوقع في نفسي أن آتي الرضا (عليه السلام) فأتيت المدينة فوقفت ببابه و قلت للغلام قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب فسمعت نداءه و هو يقول ادخل يا عبد الله بن المغيرة فدخلت فلما نظر إلي قال قد أجاب الله دعوتك و هداك لدينه فقلت أشهد أنك حجة الله و أمين الله على خلقه .

و عن الحسن بن علي الوشاء قال : قال فلان بن محرز بلغنا أن أبا عبد الله (عليه السلام) كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة و أحب أن تسأل أبا الحسن الثاني عن ذلك قال الوشاء فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا جامع و أراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة فخرجت إلى الرجل فقلت قد أجابني عن مسألتك من غير أن أسأله .

و عن حنان بن سدير قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أ يكون إمام ليس له عقب فقال أبو الحسن أما إنه لا يولد لي إلا واحد و لكن الله منشئ منه ذرية كثيرة قال أبو خداش سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة .

و عن الوشاء قال : سألني العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث أن أسأله أن يخرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في يدي غيره قال الوشاء فابتدأني بكتاب قبل أن أسأله أن يخرق كتبه أعلم صاحبك أني إذا قرأت كتبه خرقتها .

و عن ذروان المدائني : أنه دخل على أبي الحسن الثاني (عليه السلام) يريد أن يسأله عن

[303]

عبد الله بن جعفر فأخذ بيدي فوضعها على صدره قبل أن أذكر له شيئا مما أردت ثم قال يا محمد بن آدم إن عبد الله لم يكن إماما فأخبرني بما أردت قبل أن أسأله .

و عن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : قال لي ابتداء أن أبي كان عندي البارحة قلت أبوك قال أبي قلت أبوك قال أبي في المنام إن جعفرا كان يجي‏ء إلى أبي فيقول يا بني افعل كذا يا بني افعل كذا يا بني افعل كذا قال فدخلت عليه بعد ذلك فقال يا حسن إن منامنا و يقظتنا واحد .

و عن علي بن محمد القاشاني قال : أخبرني بعض أصحابنا أنه حمل إلى الرضا (عليه السلام) مالا له خطر فلم أره سر به فاغتممت لذلك و قلت في نفسي قد حملت مثل هذا المال و ما سر به فقال يا غلام الطست و الماء و قعد على كرسي و قال بيده للغلام صب علي الماء فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب ثم التفت إلي و قال من كان هكذا لا يبالي بالذي حمل إليه .

و عن محمد بن الفضل قال : لما كان في السنة التي بطش هارون بالبرامكة و قتل جعفر بن يحيى و حبس يحيى بن خالد و نزل بهم ما نزل كان أبو الحسن واقفا بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه فسئل عن ذلك فقال إني كنت أدعو الله على البرامكة قد فعلوا بأبي ما فعلوا فاستجاب الله لي فيهم اليوم فلما انصرف لم يلبث إلا يسيرا حتى بطش بجعفر و حبس يحيى و تغيرت حالهم .

و عن موسى بن عمران قال : رأيت علي بن موسى (عليه السلام) في مسجد المدينة و هارون يخطب فقال تروني و أباه تدفن في بيت واحد .

و قال هشام العباسي : طلبت بمكة ثوبين سعديين أهديهما لأبي فلم أصب بمكة منهما شيئا على ما أردت فمررت بالمدينة منصرفي فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فلما ودعته و أردت الخروج دعا بثوبين سعديين على عمل الوشي الذي كنت طلبت فدفعهما إلي و قال أقطعهما لأبيك .

و عن الحسن بن موسى قال : خرجنا مع أبي الحسن (عليه السلام) إلى بعض أمواله في يوم

[304]

لا سحاب فيه فلما برزنا قال حملتم معكم المماطر قلنا لا و ما حاجتنا إليها و ليس سحاب و لا نتخوف المطر فقال لكني قد حملت و ستمطرون فما مضينا إلا يسيرا حتى ارتفعت سحابة و مطرنا حتى أهمتنا أنفسنا فما بقي منا أحد إلا ابتل غيره .

و عن الحسن بن منصور عن أخيه قال : دخلت على الرضا في بيت داخل في جوف بيت ليلا فرفع يده فكانت كأن في البيت عشرة مصابيح فاستأذن عليه رجل فخلى يده ثم أذن له .

و عن موسى بن مهران قال : رأيت أبا الحسن علي بن موسى (عليه السلام) و نظر إلى هرثمة قال فكأني به قد حمل إلى مرو فضربت عنقه و كان كما قال .

هذا آخر ما أردت نقله من كتاب الدلائل .

و قال الراوندي في كتاب الخرائج روى إسماعيل بن أبي الحسن قال : كنت مع الرضا (عليه السلام) و قد قال بيده على الأرض كأنه يكشف شيئا فظهرت سبائك ذهب ثم مسح بيده عليها فغابت فقلت لو أعطيتني واحدة منها قال لا إن هذا الأمر لم يأن وقته .

و منها ما قال أبو إسماعيل السندي قال : سمعت بالسند أن لله حجة في العرب فخرجت منها في الطلب فدللت على الرضا فقصدته و دخلت عليه و أنا لا أعرف من العربية كلمة واحدة فسلمت بالسندية فرد علي بلغتي فجعلت أكلمه بالسندية و هو يجيبني بها فقلت إني سمعت بالسند أن لله حجة في العرب فخرجت في الطلب فقال قد بلغني ذلك نعم أنا هو ثم قال سل عما تريد فسألته عما أردته فلما أردت القيام من عنده قلت إني لا أحسن شيئا من العربية فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم بها مع أهلها فمسح يده على شفتي فتكلمت بالعربية من وقتي .

و منها : ما روي عن الحسن بن علي بن يحيى قال زودتني جارية لي ثوبين ملحمين و سألتني أن أحرم فيهما فأمرت الغلام بوضعهما في العيبة فلما انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوت بالثوبين لألبسهما ثم اختلج في صدري فقلت ما ينبغي

[305]

لي أن ألبس ملحما و أنا محرم فتركتهما و لبست غيرهما فلما صرت بمكة كتبت كتابا إلى أبي الحسن و بعثت إليه بأشياء كانت معي و نسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم أم لا فلم ألبث أن جاءني الجواب بكل ما سألته عنه و في أسفل الكتاب لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم .

و منها ما قال سليمان الجعفري قال : كنت مع الرضا (عليه السلام) في حائط له فأنا أحدثه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه و أخذ يصيح و يكثر الصياح و يضطرب فقال أ تدري ما يقول قلت الله و رسوله و ابن رسوله أعلم قال قد قال لي إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت فقم و خذ تلك النسعة و ادخل البيت و اقتل الحية قال فقمت و أخذت النسعة و دخلت البيت و إذا حية تحول في البيت فقتلتها.

و منها ما روي عن بكر بن صالح قال : أتيت الرضا (عليه السلام) فقلت امرأتي أخت محمد بن سنان بها حمل فادع الله أن يجعله ذكرا قال هما اثنان قلت في نفسي محمد و علي بعد انصرافي فدعاني بعد ذلك فقال سم واحدا عليا و الأخرى أم عمر فقدمت الكوفة و قد ولد لي غلام و جارية في بطن فسميت كما أمرني و قلت لأمي ما معنى أم عمر فقالت إن أمي كانت تدعى أم عمر .

و منها : ما روى الوشاء أن الرضا (عليه السلام) قال بخراسان إني حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع ثم فرقت فيهم اثني عشر ألفا ثم قال إني لا أرجع إلى عيالي أبدا .

و عن الوشاء قال : لذعتني عقرب فأقبلت أقول يا رسول الله يا رسول الله فأنكر السامع و تعجب من ذلك فقال له الرضا (صلى الله عليه وآله وسلم) مه فو الله لقد رأى رسول الله قال و قد كنت رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النوم و لا و الله ما كنت أخبرت به أحدا .

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى غفر الله له برحمته ذنوبه و ستر بعفوه

[306]

و تجاوزه عيوبه :
أن الحافظ أبا نعيم وصل معنا إلى أخبار أبي عبد جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و أضرب صفحا عمن سواه.

و أما ابن الجوزي فإنه ذكر العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) و ما تعداه و هما في كتابيهما يذكران من مجهولي العباد و من شذاذ العباد من لا يعرف اسمه و لا نسبه و لا يتحقق طريقه و لا مذهبه فيقولان مثلا عابد كان باليمن عابدة حبشية إلى أمثال هذا و لا يذكرون مثل موسى الكاظم و لا علي الرضا و لا محمد الجواد و أبنائهم فأما عبد العزيز الحافظ الجنابذي فإنه وصل إلى الحسن العسكري (عليه السلام) و وقف حين وصل إلى ذكر الإمام الخلف الصالح مولانا الحجة عليه و على آبائه أفضل الصلاة و السلام فأما كمال الدين بن طلحة رحمه الله فإنه ذكر السلف و الخلف و جرى في مضماره و ما وقف و إن أنكر غيره شيئا فقد أقر رحمه الله و اعترف و من أعجب الأمور أن أبا نعيم متهم بالتشيع و فعله هذا يرفعه عنه غاية الترفع عفا الله عنا و عنهم فكل قال على قدر اجتهاده و كل منا لسانه من خدم فؤاده فلا يقول إلا بمقتضى مراده .

و قال الآبي في نثر الدر : علي بن موسى الرضا (عليه السلام) سأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون فقال يا أبا الحسن الناس مجبرون فقال الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال الله أحكم من أن يهمل عبده و يكله إلى نفسه .

أتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية فلما رآه أسلم فغاظه ذلك و سأل الفقهاء فقالوا هدر الإسلام ما قبله فسأل الرضا (عليه السلام) فقال اقتله لأنه أسلم حين رأى البأس قال الله عز و جل فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ... إلى آخر السورة .

قال عمرو بن مسعدة : بعثني المأمون إلى علي (عليه السلام) لأعلمه بما أمرني به من كتاب في تقريظه فأعلمته ذلك فأطرق مليا و قال يا عمرو إن من أخذه برسول الله لحقيق أن يعطى به .

و سئل عن صفة الزاهد فقال متبلغ بدون قوته مستعد ليوم موته و متبرم بحياته

[307]

و سئل عن القناعة فقال القناعة تجتمع إلى صيانة النفس و عز القدر و طرح مؤن الاستكثار و التعبد لأهل الدنيا و لا يسلك طريق القناعة إلا رجلان إما متعلل يريد أجر الآخرة أو كريم متنزه عن لئام الناس .

امتنع عنده رجل من غسل اليد قبل الطعام فقال : اغسلها فالغسلة الأولى لنا و أما الثانية فلك فإن شئت فاتركها .

أدخل رجل إلى المأمون أراد ضرب رقبته و الرضا (عليه السلام) حاضر فقال المأمون ما تقول فيه يا أبا الحسن فقال أقول إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا فعفا عنه .

حدث أبو الصلت قال كنت مع علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و قد دخل نيسابور و هو راكب بغلة شهباء فغدا في طلبه علماء البلد أحمد بن حرب و ياسين بن النضر و يحيى بن يحيى و عدة من أهل العلم فتعلقوا بلجامه في المربعة فقالوا بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك .

قال حدثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) قال حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد قال حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي قال حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين قال حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي قال :
سمعت أبي سيد العرب علي بي أبي طالب قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الإيمان معرفة بالقلب و إقرار باللسان و عمل بالأركان .

قال و قال أحمد بن حنبل : لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرأ من جنونه .

و روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم مثل ذلك : يحكيه عن أبيه و أنه قرأه على مصروع فأفاق.

قال الفقير إلى الله تعالى جامع هذا الكتاب أثابه الله تعالى نقلت من كتاب لم يحضرني اسمه الآن ما صورته حدث المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن

[308]

أبي سعد بن عبد الكريم الوزان في محرم سنة ست و تسعين و خمسمائة قال أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه أن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاز فيها بفضيلة الشهادة كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة و محمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا أيها السيد بن السادة أيها الإمام و ابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين و أسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون و رويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به فاستوقف البغلة و رفع المظلة و أقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الناس على طبقاتهم قيام كلهم و كانوا بين صارخ و باك و ممزق ثوبه و متمرغ في التراب و مقبل حزام بغلته و مطول عنقه إلى مظلة المهد إلى أن انتصف النهار و جرت الدموع كالأنهار و سكنت الأصوات و صاحت الأئمة و القضاة معاشر الناس اسمعوا و عوا و لا تؤذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عترته و أنصتوا فأملى (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الحديث و عد من المحابر أربع و عشرون ألفا سوى الدوي و المستملي أبو زرعة الرازي و محمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء قال حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة قال حدثني أخي و ابن عمي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال حدثني جبرئيل (عليه السلام) قال سمعت رب العزة سبحانه و تعالى يقول : كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي .

صدق الله سبحانه و صدق جبرئيل و صدق رسوله و صدق الأئمة (عليهم السلام) .

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله إن هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب و أوصى أن يدفن معه فلما مات رئي

[309]

في المنام فقيل ما فعل الله بك فقال غفر الله لي بتلفظي بلا إله إلا الله و تصديقي محمدا رسول الله مخلصا و أنى كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما و احتراما.

رجع إلى ما ذكره الآبي في نثر دره .

لما عقد المأمون البيعة له بعده قال يا أمير المؤمنين إن النصح واجب لك و الغش لا ينبغي لمؤمن أن العامة تكره ما فعلت بي و أن الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل فالرأي لك إن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك .

و كان [أبو] إبراهيم بن العباس الصولي يقول هذا كان و الله السبب فيما آل الأمر إليه .

و روى عن بعض أصحابه قال : دخلت عليه بمرو فقلت يا ابن رسول الله روي لنا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لا جبر و لا تفويض أمر بين أمرين فما معناه قال من زعم أن الله فوض أمر الخلق و الرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض و القائل بالجبر كافر و القائل بالتفويض مشرك فقلت يا ابن رسول الله فما أمر بين أمرين قال وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به و ترك ما نهوا عنه .

و قال : ليس الحمية من الشي‏ء تركه و لكن الإقلال منه .

و قال في قول الله تعالى فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال : عفو بغير عتاب و في قوله خَوْفاً وَ طَمَعاً قال خوفا للمسافر و طمعا للمقيم .

و قال المأمون يا أبا الحسن أخبرني عن جدك علي بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة و النار ?

فقال (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين أ لم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول حب علي إيمان و بغضه كفر فقال بلى قال الرضا (عليه السلام) فقسمة الجنة و النار إليه فقال المأمون لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[310]

قال أبو الصلت الهروي فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته فقلت يا ابن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين فقال يا أبا الصلت أنا كلمته من حيث هو و لقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال ; قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي أنت قسيم الجنة و النار يوم القيامة تقول للنار هذا لي و هذا لك .

و دخل عليه بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له إن أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله تعالى من الأمر فرآكم أهل البيت أولى الناس بأن تأموا الناس و نظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك الأئمة تحتاج إلى من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يركب الحمار و يعود المريض قال و كان الرضا متكئا فاستوى جالسا ثم قال كان يوسف نبيا يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب و يجلس على متكئات آل فرعون و يحكم إنما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز إن الله لم يحرم لبوسا و لا مطعما و تلا قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ .

و من تذكرة ابن حمدون : قال علي بن موسى بن جعفر (عليه السلام) من رضي من الله عز و جل بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل .

و قال : لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة و لا يعدم تعجيل العقوبة مع إدراع البغي .

و قال : الناس ضربان بالغ لا يكتفي و طالب لا يجد .

و كان زيد بن موسى بن جعفر خرج بالبصرة و دعا إلى نفسه و أحرق دورا و عاث ثم ظفر به و حمل إلى المأمون قال زيد : لما دخلت إلى المأمون نظر إلي ثم قال اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى الرضا فتركني بين يديه ساعة واقفا ثم قال يا زيد سوأة لك ما أنت قائل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سفكت

[311]

الدماء و أخفت السبيل و أخذت المال من غير حله لعله غرك حديث حمقى أهل الكوفة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله ذريتها على النار إن هذا لمن خرج من بطنها و الحسن و الحسين فقط و الله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته إنك إذا لأكرم على الله منهم .

قلت ظفر المأمون بزيد و إنفاذه إياه إلى أخيه و ظفره قبل هذا بمحمد بن جعفر و عفوه عنه و قد خرجا و ادعيا الخلافة و فعلا ما فعلا من العيث في بلاده يقوي حجة من ادعى أن المأمون لم يغدر به (عليه السلام) و لا ركب منه ما اتهم به فإن محمدا و زيدا لا يقاربان الرضا (عليه السلام) في منزلته من الله سبحانه و تعالى و لا من المأمون و لم يكن له ذنب يقارب ذنوبهما بل لم يكن له ذنب أصلا فما وجه العفو هناك و الفتك هنا و الله أعلم.

و وقع إلى حيث انتهيت إلى هنا كتاب الطبرسي إعلام الورى و قد كانت لي نسخة فشذت قال الباب السابع في ذكر الإمام المرتضى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و هو ستة فصول الفصل الأول في تاريخ مولده و مبلغ سنه و وقت وفاته (عليه السلام) .

ولد بالمدينة سنة ثمان و أربعين و مائة من الهجرة و يقال إنه ولد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة يوم الجمعة سنة ثلاث و خمسين و مائة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) بخمسين سنين رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه و قيل يوم الخميس و أمه أم ولد يقال لها أم البنين و اسمها نجمة و يقال سكن النوبية و يقال تكتم .

و روى الصولي عن عون بن محمد قال : سمعت علي بن ميثم قال اشترت حميدة المصفاة و هي أم أبي الحسن موسى و كانت من أشراف العجم جارية مولدة و اسمها تكتم و كانت من أفضل النساء في عقلها و دينها و إعظامها لمولاتها حميدة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها فقالت لابنها موسى يا بني إن تكتم جارية

[312]

ما رأيت جارية قط أفضل منها و لست أشك أن الله سيطهر نسلها إن كان لها نسل و قد وهبتها لك فاستوص بها خيرا.

و مما يدل على أن اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا (عليه السلام) :

ألا إن خير الناس نفسا و والدا *** و رهطا و أجدادا علي المعظم

‏أتتنا به للعلم و الحلم ثامنا *** إماما يؤدي حجة الله تكتم

و في رواية أخرى عن علي بن ميثم عن أبيه قال : إن حميدة أم موسى بن جعفر (عليه السلام) لما اشترت نجمة رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لها يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيلد منها خير أهل الأرض فوهبتها له فلما ولدت له الرضا سماها الطاهرة.

و قبض (عليه السلام) في طوس بخراسان في قرية يقال لها سناباذ في آخر صفر و قيل إنه توفي (عليه السلام) في شهر رمضان بسبع بقين منه يوم الجمعة من سنة ثلاث و مائتين و له يومئذ خمس و خمسون سنة و كانت مدة إمامته و خلافته لأبيه عشرين سنة و كانت في أيام إمامته بقية ملك الرشيد و ملك محمد الأمين بعده ثلاث سنين و خمسة و عشرين يوما ثم خلع الأمين و أجلس عمه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوما ثم أخرج محمد ثانية و بويع له و بقي [بعد ذلك] سنة و سبعة أشهر و قتله طاهر بن الحسين ثم ملك المأمون عبد الله بن هارون بعده عشرين سنة و استشهد (عليه السلام) في أيام ملكه و إنما سمي الرضا لأنه كان رضي لله عز و جل في سمائه و رضي لرسوله و رضي للأئمة بعده في أرضه و قيل لأنه رضي به المخالف و الموافق.

و ذكر في الفصل الثاني النصوص الدالة على إمامته و قد تقدمت أو بعضها فيما ذكرته من أخباره و كلها نصوص من أبيه عليه دون أولاده.

ثم ذكر الفصل الثالث في ذكر دلالاته و معجزاته (عليه السلام) قال و قد نقلت الرواة من العامة و الخاصة كثيرا من دلالاته و آياته في حياته و بعد وفاته .

فمنها ما حدث به علي بن أحمد بن الوشاء الكوفي قال : خرجت من الكوفة إلى خراسان فقالت لي ابنتي يا أبة خذ هذه الحلة فبعها و اشتر لي بثمنها فيروزجا

[313]

قال فأخذتها و شددتها في بعض متاعي فلما قدمت مرو نزلت في بعض الفنادق فإذا غلمان علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قد جاءوني و قالوا نريد حلة نكفن بها بعض غلماننا فقلت ما عندي شي‏ء فمضوا ثم عادوا و قالوا مولانا يقرأ عليك السلام و يقول لك معك حلة في السفط الفلاني دفعتها إليك ابنتك و قالت اشتر لي بثمنها فيروزجا و هذا ثمنها فدفعتها إليهم و قلت و الله لأسألنه عن مسائل فإن أجابني عنها فهو هو فكتبتها و غدوت إلى بابه فلم أصل إليه لكثرة ازدحام الناس عليه فبينما أنا جالس إذ خرج إلي خادم فقال يا علي بن أحمد هذه جوابات مسائلك التي معك فأخذتها فإذا هي جواب مسائلي بعينها .

و منها : ما رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب النباجي قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام و قد وافى النباج و نزل في المسجد الذي ينزله الحجاج في كل سنة و كأني مضيت إليه و سلمت عليه و وقفت بين يديه فوجدت عنده طبقا من خوص المدينة فيه تمر صيحاني و كأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعددته فكان ثماني عشرة تمرة فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة فلما كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا (عليه السلام) من المدينة و نزوله في ذلك المسجد و رأيت الناس يسعون إليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تحته حصير مثل ما كان تحته و بين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فرد علي السلام و استدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعددته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت زدني يا ابن رسول الله فقال لو زادك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لزدناك .

[314]

و من ذلك ما أورده الحاكم أيضا و رواه بإسناده عن سعيد بن سعد عنه (عليه السلام) أنه نظر إلى رجل فقال يا عبد الله أوص بما تريد و استعد لما لا بد منه فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيام .

و عن الحسين بن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : كنا حول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) و نحن شبان من بني هاشم إذ مر علينا جعفر بن عمر العلوي و هو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض فضحكنا من هيئته فقال الرضا (عليه السلام) سترونه عن قريب كثير المال كثير التبع فما مضى إلا شهر أو نحوه حتى ولى المدينة و حسنت حاله و كان يمر بنا و معه الخصيان و الحشم .

و بإسناده عن الحسين بن بشارقال : قال لي الرضا (عليه السلام) إن عبد الله يقتل محمدا فقلت أ عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون قال نعم عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد فقتله .

حدث أبو أحمد عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني قال : خرجت قافلة خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق و أخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال فأقاموه في الثلج و ملئوا فاه منه فانفسد فمه و لسانه حتى لم يقدر على الكلام ثم انصرف إلى خراسان و سمع خبر الرضا (عليه السلام) و أنه بنيسابور فرأى فيما يرى النائم كان قائلا يقول له إن ابن رسول الله ورد خراسان فسله عن علتك ليعلمك دواء تنتفع به قال فرأيت كأني قد قصدته و شكوت إليه كما كنت دفعت إليه و أخبرته بعلتي فقال لي خذ من الكمون و السعتر و الملح و دقه و خذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فإنك تعافى فانتبه الرجل و لم يفكر في منامه حتى ورد نيسابور فقيل له إن الرضا (عليه السلام) ارتحل من نيسابور و هو في رباط سعد فوقع في نفسه أن يقصده و يصف له أمره فدخل إليه فقال له يا ابن رسول الله كان من أمري كيت و كيت و قد انفسد علي فمي و لساني حتى لا أقدر على الكلام إلا بجهد فعلمني دواء أنتفع به فقال (عليه السلام) أ لم أعلمك فاذهب و استعمل ما وصفته لك في منامك فقال الرجل يا ابن رسول

[315]

الله إن رأيت أن تعيده علي فقال تأخذ الكمون و السعتر و الملح فدقه و خذ منه في فمك مرة أو مرتين أو ثلاثا فإنك تعافى قال الرجل فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت قال الثعالبي سمعت الصفواني يقول رأيت هذا الرجل و سمعت منه هذه الحكاية .

و عن حمزة بن جعفر الأرجاني قال : خرج هارون من المسجد الحرام من باب و خرج الرضا (عليه السلام) من باب فقال الرضا (عليه السلام) و هو يعني هارون ما أبعد الدار و أقرب اللقاء يا طوس يا طوس ستجمعني و إياه و بإسناده عن صفوان بن يحيى قال لما مضى أبو الحسن موسى (عليه السلام) و تكلم الرضا (عليه السلام) خفنا عليه من ذلك و قلنا إنك قد أظهرت أمرا عظيما و إنا نخاف عليك هذا الطاغي قال ليجهد جهده فلا سبيل له علي قال صفوان فأخبرنا الثقة أن يحيى بن خالد قال للطاغي هذا علي ابنه قد قعد و ادعى الأمر لنفسه فقال ما يكفينا ما صنعنا بأبيه من قبل تريد أن نقتلهم جميعا .

و بإسناد عن علي بن جعفر عن أبي الحسن الطيب قال : لما توفي أبو الحسن موسى (عليه السلام) دخل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إلى السوق فاشترى كبشا و كلبا و ديكا فلما كتب صاحب الخير بذلك إلى هارون قال قد أمنا جانبه و كتب الزبيري أن علي بن موسى قد فتح بابه و دعا إلى نفسه فقال هارون وا عجبا إن علي بن موسى قد اشترى كلبا و كبشا و ديكا و يكتب فيه ما يكتب .

قال الطبرسي رحمه الله : و أسانيد هذه الأحاديث مذكورة في كتاب عيون الأخبار للشيخ أبي جعفر قدس الله روحه.

و أما ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده المقدس و علاماته و العجائب التي شاهدها الخلق فيه فأذعن الخاص و العام له و أقر المخالف و المؤالف به إلى يومنا هذا فكثير خارج عن حد الإحصاء و العد و لقد برأ فيه الأكمه و الأبرص و استجيبت الدعوات و قضيت ببركته الحاجات و كشف الملمات

[316]

و شهدنا كثيرا من ذلك و تيقناه و علمناه علما لا يتخالج الشك و الريب في معناه فلو ذهبنا نخوض في إيراد ذلك لخرجنا عن الغرض في هذا الكتاب.

و قال الفصل الرابع في ذكر طرف من خصائصه و مناقبه و أخلاقه الكريمة (عليه السلام) .

قال إبراهيم بن عباس :
ما رأيت الرضا (عليه السلام) سئل عن شي‏ء إلا علمه و لا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته و عصره و كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شي‏ء فيجيب عنه و كان كلامه كله و جوابه و تمثله انتزاعات من القرآن المجيد و كان يختمه في كل ثلاث .

و كان يقول لو أني أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت لكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها و في أي شي‏ء أنزلت .

و عنه قال : إني ما رأيت و لا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (عليه السلام) و شهدت منه ما لم أشاهد من أحد و ما رأيته جفا أحدا بكلام قط و لا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه و ما رد أحدا عن حاجة قدر عليها و لا مد رجليه بين يدي جليس له قط و لا اتكأ بين يديه جليس له قط و لا رأيته يشتم أحدا من مواليه و مماليكه و لا رأيته تفل قط و لا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم و كان إذا خلا و نصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه و مواليه حتى البواب و السائس و كان قليل النوم بالليل كثير الصوم و لا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر و يقول إن ذلك يعدل صيام الدهر و كان كثير المعروف و الصدقة في السر و أكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه.

و عن محمد بن أبي عباد قال : كان جلوس الرضا (عليه السلام) على حصير في الصيف و على مسح في الشتاء و لبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم.

و عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال : ما رأيت أعلم من علي

[317]

بن موسى الرضا (عليه السلام) و لا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي و لقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الأديان و فقهاء الشريعة و المتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلا أقر له بالفضل و أقر على نفسه بالقصور .

و لقد سمعته (عليه السلام) يقول كنت أجلس في الروضة و العلماء بالمدينة متوافرون فإذا عيي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم و بعثوا إلي المسائل فأجيب عنها .

قال أبو الصلت و لقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه أن موسى بن جعفر كان يقول لبنيه : هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم و احفظوا ما يقول لكم فإني سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول لي إن عالم آل محمد لفي صلبك و ليتني أدركته فإنه سمي أمير المؤمنين .

و عن محمد بن يحيى الفارسي قال : نظر أبو نواس إلى الرضا (عليه السلام) ذات يوم و قد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنا منه و سلم عليه و قال يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا و أحب أن تسمعها مني فقال هات فأنشأ يقول :

مطهرون نقيات ثيابهم *** تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخر

فأنتم الملأ الأعلى و عندكم *** علم الكتاب و ما جاءت به السور

فقال الرضا (عليه السلام) قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد يا غلام هل معك من نفقتنا شي‏ء فقال له ثلاثمائة دينار فقال أعطها إياه ثم قال لعله استقلها يا غلام سق إليه البغلة .

و لأبي نواس أيضا فيه حين عوتب على الإمساك عن مديحه فقال :

قيل لي أنت أوحد الناس طرا *** في فنون من الكلام النبيه

‏لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدر في يدي مجتنيه

[318]

فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** و الخصال التي تجمعن فيه

‏قلت لا أهتدي لمدح إمام *** كان جبريل خادما لأبيه

و قد أورد الطبرسي رحمه الله قصة دعبل بن علي على زيادات عما ذكرناه فذكرتها عن أبي الصلت الهروي قال دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا (عليه السلام) بمرو فقال له يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة و آليت على نفسي ألا أنشدها أحدا قبلك فقال الرضا (عليه السلام) هاتها يا دعبل فأنشد :

تجاوبن بالأرنان و الزفرات *** نوائح عجم اللفظ و النطقات

‏يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس *** أسارى هوى ماض و آخر آت

‏فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت *** صفوف الدجى بالفجر منهزمات

‏على العرصات الخاليات من المها *** سلام شج صب على العرصات

‏فعهدي بها خضر المعاهد مألفا *** من العطرات البيض و الخفرات

[319]

ليالي يعدين الوصال على القلى *** و يعدي تدانينا على الغربات

‏و إذ هن يلحظن العيون سوافرا *** و يسترن بالأيدي على الوجنات

‏و إذ كل يوم لي بلحظي نشوة *** يبيت بها قلبي على نشوات‏

فكم حسرات هاجها بمحسر *** وقوفي يوم الجمع من عرفات

‏أ لم تر للأيام ما جر جورها *** على الناس من نقص و طول شتات

‏و من دول المستهزءين و من غدا *** بهم طالبا للنور في الظلمات

‏فكيف و من أنى بطالب زلفة *** إلى الله بعد الصوم و الصلوات

‏سوى حب أبناء النبي و رهطه *** و بغض بني الزرقاء و العبلات

‏و هند و ما أدت سمية و ابنها *** أولو الكفر في الإسلام و الفجرات

‏هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه *** و محكمه بالزور و الشبهات‏

و لم تك إلا محنة كشفتهم *** بدعوى ضلال من هن و هنات

‏تراث بلا قربى و ملك بلا هدى *** و حكم بلا شورى بغير هدات

‏رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة *** وردت أجاجا طعم كل فرات

[320]

و ما سهلت تلك المذاهب فيهم *** على الناس إلا بيعة الفلتات

‏و ما قيل أصحاب السقيفة جهرة *** بدعوى تراث في الضلال بنات‏

و لو قلدوا الموصى إليه أمورها *** لزمت بمأمون على العثرات

‏أخي خاتم الرسل المصفى من القذى *** و مفترس الأبطال في الغمرات

‏فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** و بدر و أحد شامخ الهضبات‏

و آي من القرآن تتلى بفضله *** و إيثاره بالقوت في اللزبات‏

و عز خلال أدركته بسبقها *** مناقب كانت فيه مؤتنفات

‏مناقب لم تدرك بخير و لم تنل *** بشي‏ء سوى حد القنا الذربات

‏نجي لجبريل الأمين و أنتم *** عكوف على العزى معا و منات

‏بكيت لرسم الدار من عرفات *** و أجريت دمع العين بالعبرات‏

و بان عرا صبري و هاجت صابتي *** رسوم ديار قد عفت و عرات

‏مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

‏لآل رسول الله بالخيف من منى *** و بالبيت و التعريف و الجمرات

‏ديار لعبد الله بالخيف من منى *** و للسيد الداعي إلى الصلوات

‏ديار علي و الحسين و جعفر *** و حمزة و السجاد ذي الثفنات

‏ديار لعبد الله و الفضل صنوه *** نجي رسول الله في الخلوات

[321]

و سبطي رسول الله و ابني وصيه *** و وارث علم الله و الحسنات

‏منازل وحي الله ينزل بينها *** على أحمد المذكور في السورات

‏منازل قوم يهتدى بهداهم *** و تؤمن منهم زلة العثرات

‏منازل كانت للصلاة و للتقى *** و للصوم و التطهير و الحسنات

‏منازل لا تيم يحل بربعها *** و لا ابن صهاك فاتك الحرمات

‏ديار عفاها جور كل منابذ *** و لم تعف للأيام و السنوات

‏قفا نسأل الدار التي خف أهلها *** متى عهدها بالصوم و الصلوات

‏و أين الأولى شطت بهم غربة النوى *** أفانين في الأطراف مفترقات

‏هم أهل ميراث النبي إذا اعتروا *** و هم خير سادات و خير حمات

‏إذا لم نناج الله في صلواتنا *** بأسمائهم لم يقبل الصلوات

‏مطاعيم في الأقطار في كل مشهد *** لقد شرفوا بالفضل و البركات‏

و ما الناس إلا غاصب و مكذب *** و مضطغن ذو إحنة و ترات

[322]

إذا ذكروا قتلي ببدر و خيبر *** و يوم حنين أسبلوا العبرات

‏فكيف يحبون النبي و رهطه *** و هم تركوا أحشاءنا و غرات

‏لقد لا ينوه في المقال و أضمروا *** قلوبا على الأحقاد منطويات

‏فإن لم تكن إلا بقربي محمد *** فهاشم أولى من هن و هنات

‏سقى الله قبرا بالمدينة غيثه *** فقد حل فيه الأمن بالبركات

‏نبي الهدى صلى عليه ملكيه *** و بلغ عنا روحه التحفات

‏و صلى عليه الله ما ذر شارق *** و لاحت نجوم الليل مستدرات

‏أ فاطم لو خلت الحسين مجدلا *** و قد مات عطشانا بشط فرات

‏إذا للطمت الخد فاطم عنده *** و أجريت دمع العين في الوجنات‏

أ فاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي *** نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان و أخرى بطيبة *** و أخرى بفخ نالها صلوات

[323]

و أخرى بأرض الجوزجان محلها *** و قبر بباخمرى لدى الغربات‏

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمنها الرحمن في الغرفات

‏و قبر بطوس يا لها من مصيبة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات

‏إلى الحشر حتى يبعث الله قائما *** يفرج عنا الغم و الكربات

‏علي بن موسى أرشد الله أمره *** و صلى عليه أفضل الصلوات

‏فأما الممضات التي لست بالغا *** مبالغها مني بكنه صفات

‏قبور ببطن النهر من جنب كربلاء *** معرسهم منها بشط فرات

[324]

توفوا عطاشا بالفرات فليتني *** توفيت فيهم قبل حين وفاتي

‏إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم *** سقتني بكأس الذل و القصعات

‏أخاف بأن أزدادهم فتشوقني *** مصارعهم بالجزع و النخلات

‏تقسمهم ريب المنون فما ترى *** لهم عقرة مغشية الحجرات

‏خلا أن منهم بالمدينة عصبة *** مدينين أنضاء من اللزبات

‏قليلة زوار سوى أن زورا *** من الضبع و العقبان و الرخمات

‏لهم كل يوم تربة بمضاجع *** ثوب في نواحي الأرض مفترقات

‏تنكب لأواء السنين جوارهم *** و لا تصطليهم جمرة الجمرات‏

و قد كان منهم بالحجاز و أرضها *** مغاوير نحارون في الأزمات

‏حمى لم تزره المذبنات و أوجه *** تضي‏ء لدى الأستار و الظلمات

[325]

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا *** مساعير حرب أقحموا الغمرات

‏فإن فخروا يوما أتوا بمحمد *** و جبريل و الفرقان و السورات‏

و عدوا عليا ذا المناقب و العلى *** و فاطمة الزهراء خير بنات‏

و حمزة و العباس ذا الهدى و التقى *** وجعفرها الطيار في الحجبات

‏أولئك لا منتوج هند و حزبها *** سمية من نوكى و من قذرات

‏ستسأل تيم عنهم و عديها *** و بيعتهم من أفجر الفجرات

‏هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم *** و هم تركوا الأبناء رهن شتات

‏و هم عدلوها عن وصي محمد *** فبيعتهم جاءت على الغدرات

‏وليهم صنو النبي محمد *** أبو الحسن الفراج للغمرات

‏ملامك في آل النبي فإنهم *** أحباي ما داموا و أهل ثقاتي

‏تحيزتهم رشدا لنفسي و إنهم *** على كل حال خيرة الخيرات

‏نبذت إليهم بالمودة صادقا *** و سلمت نفسي طائعا لولاتي

‏فيا رب زدني في هواي بصيرة *** و زد حبهم يا رب في حسناتي

‏سأبكيهم ما حج لله راكب *** و ما ناح قمري على الشجرات‏

و إني لمولاهم و قال عدوهم *** و إني لمحزون بطول حياتي

‏بنفسي أنتم من كهول و فتية *** لفك عناة أو لحمل ديات‏

و للخيل لما قيد الموت خطوها *** فأطلقتهم منهن بالذربات

‏أحب قصي الرحم من أجل حبكم *** و أهجر فيكم زوجتي و بناتي

‏و أكتم حبيكم مخافة كاشح *** عنيد لأهل الحق غير موات

[326]

فيا عين بكيهم و جودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب و الهملات

‏لقد خفت في الدنيا و أيام سعيها *** و إني لأرجو الأمن عند وفاتي

‏أ لم تر أني مذ ثلاثون حجة *** أروح و أغدوا دائم الحسرات

‏أرى فيئهم في غيرهم متقسما *** و أيديهم من فيئهم صفرات‏

و كيف أداوي من جوى بي و الجوى *** أمية أهل الكفر و اللعنات‏

و آل زياد في الحرير مصونة *** و آل رسول الله منهتكات

‏سأبكيهم ما ذر في الأفق شارقا *** و نادى منادي الخير بالصلوات‏

و ما طلعت شمس و حان غروبها *** و بالليل أبكيهم و بالغدوات

‏ديار رسول الله أصبحن بلقعا *** و آل زياد تسكن الحجرات‏

و آل رسول الله تدمى نحورهم *** و آل زياد ربه الحجلات‏

و آل رسول الله تسبى حريمهم *** و آل زياد آمنوا السربات

‏و آل زياد في القصور مصونة *** و آل رسول الله في الفلوات

‏إذا وتروا مدوا إلى واتريهم *** أكفا عن الأوتار منقبضات

[327]

فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد *** تقطع نفسي أثرهم حسرات

‏خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله و البركات

‏يميز فينا كل حق و باطل *** و يجزي على النعماء و النقمات

‏فيا نفس طيبي ثم يا نفس فأبشري *** فغير بعيد كلما هو آت‏

و لا تجزعي من مدة الجور إنني *** أرى قوتي قد آذنت بثبات

‏فإن قرب الرحمن من تلك مدتي *** و أخر من عمري و وقت وفاتي

‏شفيت و لم أترك لنفسي غصة *** و رويت منهم منصلي و قناتي

‏فأني من الرحمن أرجو بحبهم *** حياة لدى الفردوس غير تبات

‏عسى الله أن يرتاح للخلق إنه *** إلى كل قوم دائم اللحظات

‏فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر *** و غطوا على التحقيق بالشبهات

‏تقاصر نفسي دائما عن جدالهم *** كفاني ما ألقى من العبرات

‏أحاول نقل الصم عن مستقرها *** و أسماء أحجار من الصلدات

‏فحسبي منهم أن أبوء بغصة *** تردد في صدري و في لهواتي

‏فمن عارف لم ينتفع و معاند *** تميل به الأهواء للشهوات

‏كأنك بالأضلاع قد ضاق ذرعها *** لما حملت من شدة الزفرات

فقال دعبل يا ابن رسول الله لمن هذا القبر بطوس فقال (عليه السلام) قبري و لا تنقضي الأيام و السنون حتى تصير طوس مختلف شيعتي فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له و نهض الرضا (عليه السلام) و قال لا تبرح و أنفذ إليه صرة فيها مائة دينار فردها و قال ما لهذا جئت و طلب شيئا من ثيابه فأعطاه جبة من خز و الصرة و قال للخادم قل له خذها فإنك ستحتاج إليها و لا تعاودني فأخذها و سار من مرو في قافلة فوقع عليهم اللصوص

[328]

و أخذوهم و جعلوا يقسمون ما أخذوا من أموالهم فتمثل رجل منهم بقوله :

أرى فيئهم في غيرهم متقسما *** ... ... ...

البيت ... فقال دعبل لمن هذا البيت ?

فقال : لرجل من خزاعة يقال له دعبل .

فقال : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة ; فحلوا كتافه و كتاف جميع من في القافلة و ردوا إليهم جميع ما أخذ منهم و سار دعبل حتى وصل إلى قم ; فأنشدهم القصيدة فوصلوه بمال كثير و سألوه أن يبيع الجبة منهم بألف دينار فأبى و سار عن قم فلحقه قوم من أحداثهم و أخذوا الجبة منه فرجع و سألهم ردها فقالوا لا سبيل إلى ذلك فخذ ثمنها ألف دينار فقال على أن تدفعوا إلي شيئا منها فأعطوه بعضها و ألف دينار و عاد إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما في منزله فباع المائة دينار التي وصله بها الرضا (عليه السلام) من الشيعة كل دينار بمائة درهم و تذكر قول الرضا (عليه السلام) إنك ستحتاج إليها .

و عن أبي الصلت الهروي قال : سمعت دعبلا قال لما أنشدت مولانا الرضا (عليه السلام) القصيدة و انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله بالبركات

‏يميز فينا كل حق و باطل *** و يجزي على النعماء و النقمات

بكى الرضا (عليه السلام) بكاء شديدا , ثم رفع رأسه إلي و قال : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام و متى يقوم ?

قلت : لا ; إلا أني سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلا .

فقال : يا دعبل ; الإمام بعدي محمد ابني ; و من بعد محمد ابنه علي ; و بعد علي ابنه الحسن ; و بعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته, المطاع في ظهوره , و لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا .

و عن إبراهيم بن العباس قال : كان الرضا (عليه السلام) ينشد كثيرا :

[329]

إذا كنت في خير فلا تغرر به *** و لكن قل اللهم سلم و تمم

و عن الريان بن الصلت قال أنشدني الرضا (عليه السلام) لعبد المطلب :

يعيب الناس كلهم الزمانا *** و ما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا و العيب فينا *** و لو نطق الزمان بنا هجانا

و ليس الذئب يأكل لحم ذئب *** و يأكل بعضنا بعضا عيانا

و شكا رجل في مجلسه رجلا فأنشأ (عليه السلام) يقول :

أعذر أخاك على ذنوبه *** و استر و غط على عيوبه

‏و اصبر على بهت السفيه *** و للزمان على خطوبه

‏و دع الجواب تفضلا *** و كل الظلوم إلى حسيبه

و قد سبق ذكرها .

و عن أبي الصلت الهروي قال : كان الرضا (عليه السلام) يكلم الناس بلغاتهم و كان و الله أفصح الناس و أعلمهم بكل لسان و لغة فقلت له يوما يا ابن رسول الله إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها فقال يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه و ما كان الله ليتخذ حجة على قوم و هو لا يعرف لغاتهم أ و ما بلغك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) أوتينا فصل الخطاب و هل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات .

و عن الرضا (عليه السلام) ; أنه قال له رجل من خراسان يا ابن رسول الله رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام كأنه يقول لي كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي و استحفظتم وديعتي و غيب في ثراكم نجمي فقال له الرضا : أنا المدفون في أرضكم و أنا بضعة من نبيكم و أنا الوديعة و النجم ألا فمن زارني و هو يعرف ما أوجب الله تعالى من حقي و طاعتي فأنا و آبائي شفعائه يوم القيامة و من كنا شفعاءه نجا و لو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن و الإنس .

و لقد حدثني

[330]

أبي عن جدي عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :
من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي و لا في صوره أحد من شيعتهم و إن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة .

و أما ما روي عنه (عليه السلام) من فنون العلم و أنواع الحكم و الأخبار المجموعة و المنثورة و المجالس مع أهل الملل و المناظرات المشهورة فأكثر من أن تحصى.

و قال :

الفصل الخامس في ذكر نبذ من أخباره (عليه السلام) مع المأمون

في ذكر نبذ من أخباره (عليه السلام) مع المأمون ثم ذكر ما قدمناه من أمر العقد له بولاية العهد على ما أوردناه و حديث خروجه (عليه السلام) إلى صلاة العيد و ما جرى فيه و عوده إلى داره دون إتمامها و قد سبق ذكر حديث كتاب الحسن إلى أخيه الفضل و التحويل و دخول الحمام و قتل الفضل.

الفصل السادس في ذكر وفاته (عليه السلام)

أورد في هذا الفصل ما قدمناه من الأسباب التي كان المأمون يأخذها عليه كما أورده الشيخ المفيد رحمه الله حذو النعل بالنعل و قال إن الرضا (عليه السلام) لما دخل إلى داره حين خرج من عند المأمون مغطى الرأس فلم أكلمه و كان قد أوصاني قبل ذلك أن يحفروا له في الموضع الذي عينه و أن يشق له ضريح فإن أبوا إلا اللحد فأمرهم أن يجعلوه ذراعين و شبرا فإن الله سيوسعه ما شاء و سترى نداوة فتكلم بما أعلمك به فإن الماء ينبع حتى يملأ اللحد و ترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه فإذا لم يبق منه شي‏ء خرجت حوتة كبيرة فالتقطت تلك الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شي‏ء فإذا غابت فضع يدك على فيك و تكلم بالكلام الذي علمتك فإنه ينضب الماء فلا يبقى منه شي‏ء و لا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.

ثم قال غدا أدخل إليه فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلم و إن خرجت مغطى الرأس فلا تكلمني فلم أتكلم حتى دخل الدار و أمر أن يغلق الباب ثم نام على فراشه فبينا أنا كذلك إذ دخل شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه و قلت من أين دخلت و الباب مغلق فقال الذي جاء بي من المدينة هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق

[331]

فقلت و من أنت قال أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ثم مضى نحو أبيه (عليه السلام) فدخل و أمرني بالدخول معه فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه و عانقه و ضمه إلى صدره و قبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه و أكب عليه محمد يقبله و يساره بشي‏ء لم أفهمه فرأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أشد بياضا من الثلج فرأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه و صدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر و مضى الرضا (عليه السلام) .

فقال أبو جعفر قم يا أبا الصلت و ائتني بالغسل و الماء من الخزانة فقلت ما في الخزانة مغسل و لا ماء فقال انته إلى ما أمرتك فدخلت إلى الخزانة فوجدت ذلك فأخرجته و شمرت ثيابي لأغسله معه فقال يا أبا الصلت إن معي من يعينني غيرك فغسله ثم قال لي أخرج من الخزانة السفط الذي فيه كفنه و حنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه و كفنه و صلى عليه.

ثم قال ائتني بالتابوت فقلت له أمضي إلى النجار حتى يصلح تابوتا قال قم فإن في الخزانة تابوتا فدخلت فوجدته فأتيته به فأخذه (عليه السلام) فوضعه في التابوت بعد ما صلى عليه و صف قدميه و صلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى ارتفع التابوت فانشق السقف فخرج منه و مضى فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا فما نصنع فقال لي اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت في المشرق و يموت وصيه في المغرب إلا جمع الله بين أرواحهما و أجسادهما فما أتم الحديث حتى انشق السقف و نزل التابوت فقام (عليه السلام) و استخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت و وضعه على فراشه كأنه لم يغسل و لم يكفن.

ثم قال قم يا أبا الصلت فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون و الغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه و لطم رأسه و هو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدي ثم دخل و جلس عند رأسه و قال خذوا في تجهيزه فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت أمرني أن أحفر له سبع مراقي و أن أشق له ضريحه فقال انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح و لكن يحفر له و يلحد فلما رأى ما

[332]

ظهر من النداوة و الحيتان و غير ذلك قال لم يزل الرضا يرينا العجائب في حياته حتى أراناها بعد وفاته فقال له قرين كان معه أ تدري ما أخبرك به الرضا (عليه السلام) قال لا قال أخبركم أن ملككم بني العباس مع كثرتكم و طول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم و انقطعت آثاركم و ذهبت دولتكم سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم قال له صدقت قلت ما أعجب هذا التأويل و لو جعل ذلك دليلا على ما جرى من زوال ملكهم كان أغرب.

ثم قال يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به قلت و الله لقد أنسيته من ساعتي و قد كنت صدقت فأمر بحبسي و ضاق علي الحبس و سألت الله أن يفرج عني بحق محمد و آله فلم أستتم الدعاء حتى دخل علي محمد بن علي (عليه السلام) و قال لي ضاق صدرك يا أبا الصلت فقلت إي و الله قال فقم و اخرج ثم ضرب بيده إلى القيود التي كانت علي ففكها و أخذ بيدي و أخرجني من الدار و الحرسة و الغلمة يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني و خرجت من باب الدار ثم قال امض في ودائع الله فإنك لن تصل إليه و لا يصل إليك أبدا قال أبو الصلت فلم ألتق المأمون حتى هذا الوقت .

و روى عن إبراهيم بن العباس قال : كانت البيعة للرضا (عليه السلام) لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى و مائتين و زوجه ابنته أم حبيب في أول سنة اثنتين و مائتين و توفي سنة ثلاث و مائتين و المأمون متوجه إلى العراق .

و في رواية هرثمة بن أعين عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال : يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله عز و جل و لحوقي بجدي و آبائي (عليه السلام) و قد بلغ الكتاب أجله فقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب و رمان مفتوت مفروك فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم و يجذبه بالخيط في العنب و أما الرمان فيطرح السم في كف بعض غلمانه و يفرك الرمان به ليطلخ الحب بذلك السم و أنه سيدعوني في اليوم المقبل و يقرب إلي الرمان و العنب و يسألني أن آكلهما فآكلهما ثم ينفذ الحكم .

ثم ساق الحديث بطوله قريبا من حديث أبي

[333]

الصلت الهروي في معناه و يزيد عليه بأشياء.

و كان للرضا (عليه السلام) من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) لا غير و لما توفي الرضا (عليه السلام) أنفذ المأمون إلى محمد بن جعفر الصادق (عليه السلام) و جماعة آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم و أظهر حزنا شديدا و توجعا و أراهم إياه صحيح الجسد و قال يا أخي يعز علي بأن أراك بهذه الحال و قد كنت آمل أن أقدم قبلك و لكن أبى الله إلا ما أراد آخر ما أورده الطبرسي و قد تقدم مثل هذا.

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله و في سنة سبعين و ستمائة وصل من مشهده الشريف (عليه السلام) أحد قوامه و معه العهد الذي كتبه المأمون بخط يده و بين سطوره و في ظهره بخط الإمام (عليه السلام) ما هو مسطور فقبلت مواقع أقلامه و سرحت طرفي في رياض كلامه و عددت الوقوف عليه من منن الله و إنعامه و نقلته حرفا فحرفا.

و ما هو بخط المأمون :

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده أما بعد فإن الله عز و جل اصطفى الإسلام دينا و اصطفى له من عباده رسلا دالين عليه و هادين إليه يبشر أولهم بآخرهم و يصدق تاليهم ماضيهم حتى انتهت نبوة الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على فترة من الرسل و دروس من العلم و انقطاع من الوحي و اقتراب من الساعة فختم الله به النبيين و جعله شاهدا لهم و مهيمنا عليهم و أنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد بما أحل و حرم و وعد و أوعد و حذر و أنذر و أمر به و نهى عنه لتكون له الحجة البالغة على خلقه ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حي عن بينة و أن الله لسميع عليم فبلغ عن الله رسالته و دعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن ثم بالجهاد و الغلظة حتى قبضه الله إليه و اختار له ما عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[334]

فلما انقضت النبوة و ختم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي و الرسالة جعل قوام الدين و نظام أمر المسلمين بالخلافة و إتمامها و عزها و القيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها يقام فرائض الله و حدوده و شرائع الإسلام و سننه و يجاهد بها عدوه فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم و استرعاهم من دينه و عباده و على المسلمين طاعة خلفائهم و معاونتهم على إقامة حق الله و عدله و أمن السبيل و حقن الدماء و صلاح ذات البين و جمع الألفة و في خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين و اختلالهم و اختلاف ملتهم و قهر دينهم و استعلاء عدوهم و تفرق الكلمة و خسران الدنيا و الآخرة.

فحق على من استخلفه الله في أرضه و ائتمنه على خلقه أن يجهد لله نفسه و يؤثر ما فيه رضا الله و طاعته و يعتد لما الله مواقفه عليه و مسائله عنه و يحكم بالحق و يعمل بالعدل فيما حمله الله و قلده فإن الله عز و جل يقول لنبيه داود (عليه السلام) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ و قال الله عز و جل فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ و بلغنا أن عمر بن الخطاب قال لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها و ايم الله أن المسئول عن خاصة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه و بين الله ليتعرض على أمر كبير و على خطر عظيم فكيف بالمسئول عن رعاية الأمة و بالله الثقة و إليه المفزع و الرغبة في التوفيق و العصمة و التشديد و الهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة و الفوز من الله بالرضوان و الرحمة.

و أنظر الأمة لنفسه و أنصحهم لله في دينه و عباده من خلائقه في أرضه من عمل بطاعة الله و كتابه و سنة نبيه (عليه السلام) في مدة أيامه و بعدها و أجهد رأيه و نظره فيمن يوليه عهده و يختاره لإمامه المسلمين و رعايتهم بعده و ينصبه علما لهم و مفزعا في جميع ألفتهم و لم شعثهم و حقن دمائهم و الأمن بإذن الله من فرقتهم و فساد ذات بينهم و اختلافهم و رفع نزع الشيطان و كيده عنهم فإن الله عز و جل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام و كماله و عزه و صلاح أهله و ألهم خلفائه من

[335]

توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة و شملت فيه العافية و نقض الله بذلك مكر أهل الشقاق و العداوة و السعي في الفرقة و التربص للفتنة.

و لم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها و ثقل محملها و شدة مؤنتها و يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله و مراقبته فيما حمله منها فأنصب بدنه و أشهر عينه و أطال فكره فيما فيه عز الدين و قمع المشركين و صلاح الأمة و نشر العدل و إقامة الكتاب و السنة و منعه ذلك من الخفض و الدعة و مهنإ العيش علما بما الله سائله عنه و محبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه و عباده و مختارا لولاية عهده و رعاية الأمة من بعده أفضل من يقدر عليه في ورعه و دينه و علمه و أرجاهم للقيام في أمر الله و حقه مناجيا لله تعالى بالاستخارة في ذلك و مسألته إلهامه ما فيه رضاه و طاعته في آناء ليله و نهاره معملا في طلبه و التماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس و علي بن أبي طالب فكره و نظره مقتصرا لمن علم حاله و مذهبه منهم على علمه و بالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده و طاقته حتى استقصى أمورهم معرفة و ابتلى أخبارهم مشاهدة و استبرأ أحوالهم معاينة و كشف ما عندهم مساءلة فكانت خيرته بعد استخارته لله و إجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده و بلاده في البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع و علمه الناصع و ورعه الظاهر و زهده الخالص و تخليه من الدنيا و تسلمه من الناس و قد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية و الألسن عليه متفقة و الكلمة فيه جامعة و لما لم يزل يعرفه به من الفضل نافعا و ناشئا و حدثا و مكتهلا فعقد له بالعهد و الخلافة من بعده واثقا بخيرة الله في ذلك إذ علم الله أنه فعله إيثارا له و للدين

[336]

و نظرا للإسلام و المسلمين و طلبا للسلامة و ثبات الحق و النجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.

و دعا أمير المؤمنين ولده و أهل بيته و خاصته و قواده و خدمه فبايعوا مسرعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده و غيرهم ممن هو أشبك منه رحما و أقرب قرابة و سماه الرضا إذ كان رضا عند أمير المؤمنين فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين و من بالمدينة المحروسة من قواده و جنده و عامة المسلمين لأمير المؤمنين و للرضا من بعده كتب بقلمه الشريف بعد قوله و للرضا من بعده بل آل من بعده علي بن موسى على اسم الله و بركته و حسن قضائه لدينه و عباده بيعة مبسوطة إليها أيديكم منشرحة لها صدوركم عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها و آثر طاعة الله و النظر لنفسه و لكم فيها شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم و حرصه على رشدكم و صلاحكم راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم و حقن دمائكم و لم شعثكم و سد ثغوركم و قوة دينكم و رغم عدوكم و استقامة أموركم و سارعوا إلى طاعة الله و طاعة أمير المؤمنين فإنه الأمن إن سارعتم إليه و حمدتم الله عليه عرفتم الحظ فيه إن شاء الله .

[337]

و كتب بيده يوم الإثنين بسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى و مائتين .

صورة ما كان على ظهر العهد بخط الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) :

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه و لا راد لقضائه يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و صلاته على نبيه محمد خاتم النبيين و آله الطيبين الطاهرين أقول و أنا علي بن موسى الرضا بن جعفر إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد و وفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قطعت و أمن نفوسا فزعت بل أحياها و قد تلفت و أغناها إذ افتقرت مبتغيا رضا رب العالمين لا يريد جزاء من غيره و سيجزي الله الشاكرين و لا يضيع أجر المحسنين و إنه جعل إلي عهده و الإمرة الكبرى إن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله بشدها و فصم عروة أحب الله إيثاقها فقد أباح حريمه و أحل محرمه إذ كان بذلك زاريا على الإمام منهتكا حرمة الإسلام بذلك جرى السالف فصبر عنه على الفلتات و لم يعترض بعدها على الغرمات خوفا من شتات الدين و اضطراب حبل المسلمين و لقرب أمر الجاهلية و رصد فرصة تنتهز و بائقة تبتدر و قد جعلت الله على نفسي إن استرعاني أمر المسلمين و قلدني خلافته العمل فيهم عامة و في بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته و طاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أن لا أسفك دما حراما و لا أبيح فرجا و لا مالا إلا ما سفكته حدود الله و أباحته فرائضه و أن أتخير الكفاة جهدي و طاقتي و جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه فإنه عز و جل يقول وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا و إن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للغير مستحقا و للنكال متعرضا و أعوذ بالله من سخطه و إليه أرغب في التوفيق لطاعته و الحول بيني و بين معصيته في عافية لي و للمسلمين.

و الجامعة و الجفر يدلان على ضد ذلك و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم إن الحكم

[338]

إلا لله يقضي بالحق و هو خير الفاصلين لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين و آثرت رضاه و الله يعصمني و إياه و أشهدت الله على نفسي بذلك و كفى بالله شهيدا و كتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه و الفضل بن سهل و سهل بن الفضل و يحيى بن أكثم و عبد الله بن طاهر و ثمامة بن أشرس و بشر بن المعتمر و حماد بن النعمان في شهر رمضان سنة إحدى و مائتين .

الشهود على جانب الأيمن شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب ظهره و بطنه و هو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين و كافة المسلمين ببركة هذا العهد و الميثاق و كتب بخطه في تاريخ المبين فيه عبد الله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته فيه بتاريخه شهد حماد بن النعمان بمضمونه ظهره و بطنه و كتب بيده في تاريخه بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك الشهود على الجانب الأيسر.

رسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق نرجو أن يجوز بها الصراط ظهرها و بطنها بحرم سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الروضة و المنبر على رءوس الأشهاد بمرأى و مسمع من وجوه بني هاشم و سائر الأولياء و الأجناد بعد استيفاء شروط البيعة عليهم بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين و لتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين و ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه .

و كتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتاريخ فيه .

[339]

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله : و رأيت خطه (عليه السلام) في واسط سنة سبع و سبعين و ستمائة جوابا عما كتبه إليه المأمون .

بسم الله الرحمن الرحيم وصل كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يذكر ما ثبت من الروايات و رسم أن أكتب له ما صح عندي من حال هذه الشعرة الواحدة و الخشبة التي لرحا المد لفاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليها و على أبيها و زوجها و بنيها فهذه الشعرة الواحدة شعرة من شعر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا شبهة و لا شك و هذه الخشبة المد المذكورة لفاطمة (عليها السلام) لا ريب و لا شبهة و أنا قد تفحصت و تحدبت و كتبت إليك فاقبل قولي فقد أعظم الله لك في هذا الفحص أجرا عظيما و بالله التوفيق و كتب علي بن موسى بن جعفر عليهما السلام و علي سنة إحدى و مائتين من هجره صاحب التنزيل جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن علي بن عيسى أثابه الله : مناقب الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) رضا في المناقب و أمداد فضله متوالية توالي المقانب و موالاته محمودة المبادئ مباركة العواقب و عجائب أوصافه من غرائب العجائب و شرفه و نبله قد حلا من الشرف في الذروة و الغارب و صيت سؤدده قد شاع و ذاع في المشارق و المغارب فلمواليه السعد الطالع و لشانيه النحس الغارب أما شرف الآباء فأشهر من الصباح المنير و أضوأ من عارض الشمس المستدير و أما أخلاقه و سماته و سيرته و صفاته و دلائله و علاماته و نفسه الشريفة و ذاته فناهيك من فخار و حسبك من علو منار و قدرك من سمو مقدار يجاري الهواء كرم أخلاق و يجاوز السماء طهارة أعراق لو ولج السماء شريف ولجها بشرفه أو طال الملائكة الكرام لطالهم بنفسه الزاكية و سلفه و فضلهم بولده و خلفه نور مشرق من أنوار

[340]

و سلالة طاهرة من أطهار و غصن فخر من سرحة فخار و ثمرة جنية من الدوحة الكريمة العليا و نبعة ناضرة قويمة من الشجرة التي أصلها ثابت و فرعها في السماء أخباره (عليه السلام) كلها عيون و سيرته السرية كاللؤلؤ الموضون و مقالاته و مقاماته قيد القلوب و جلاء الأسماع و نزهة العيون و معارفه الإلهية واحدة في العلم بما كان و ما يكون محدث في خاطره الشريف بالسر المكتوم و العلم المكنون ملهم بمعرفة الظاهر المشهور و الباطن المخزون مطلع على خفايا لا تتخيلها الأفكار و لا تخيلها الظنون جار من فضائله و فواضله على طريقة ورثها عن الآباء و ورثها عنه البنون فهم جميعا في كرم الأرومة و زكاء الجرثومة كأسنان المشط متعادلون فشرفا لهذا البيت العظيم الرتبة العلي المحلة السامي المكانة لقد طال السماء علاء و نبلا و سما على الثوابت منزلة و محلا و استوفى صفات الكمال فما يستثني في شي‏ء منه بغير و لا إلا انتظم هؤلاء الأئمة (عليه السلام) انتظام اللئالي و تناسبوا في الشرف فاستوى المقدم و التالي و نالوا مرتبة مجد هلك دونها المقصر و العالي و حين اقتسمت شمل مراتب السيادة كان لغيرهم السافل و لهم العالي كم اجتهد الأعداء في خفض منارهم و الله يرفعه و كم ركبوا الصعب و الذلول في تشتيت شمل عزهم و الله يجمعه و كم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله و لا يضيعه و مع كثرة عداتهم و تظاهر الناس عليهم و غلبة شناتهم و مدهم أيدي القهر إليهم لم يزدادوا على الاختبار إلا صبرا و احتسابا و على القتل و التشريد إلا إغراقا في الحمد و إطنابا و تحصيلا للأجر و اكتسابا و اعتزاء إلى أعلى منازل الطاعة و انتسابا حتى خلصوا خلوص الذهب من النار و سلموا في أعراضهم و أديانهم من العاب و العار فالولي و العدو يشهدان لهم بعلو المنصب و سمو المقدار .

قال فيه البليغ ما قال ذو العي *** فكل بفضله منطيق

‏و كذلك العدو لم يعد أن قال *** جميلا كما يقول الصديق

و هذا الإمام الرضا هو لله سبحانه رضا و قد قضى من شرفه و مجده بما قضى و نصبه دليلا لمن يأتي و على من مضى فظهر من فضائله و أخباره و اشتهر من

[341]

صفاته و آثاره ما كان أمضى من السيف المنتضى و أبى أن يكون هذا النعت الرضى إلا لذلك السيد المرتضى و لم أزل مذ كنت حدثا أهش لذكره و أطرب لما يبلغني من خلاله و سجاياه و سمو قدره فرزقني الله و له الحمد أن أثبت شيئا من مناقبه و شاهدت بعين الاعتبار جملة من عجائبه و أعجبتني نفسي حين عرفت اختيارها في حالة الشباب و سرني أن عددت من واصفي فضله و فضل آبائه و أبنائه في هذا الكتاب و المنة لله تعالى فهو الذي أمد بالتوفيق و هدى إلى الطريق و لا منة عليهم (عليه السلام) فإن الواجب على العبد مدح سيده و وصف فخاره و سؤدده و الذب عنه بلسانه و يده و قد سمح خاطري بشعر في مدحه موسوم و بشريف اسمه و اسمي مرقوم و أنا أعتذر إلى محله الشريف و مقامه العالي المنيف من التقصير عما يجب لقدره الخطير و لكن لا مرما جزع أنفه قصير فإني أحب أن أكون من شعراء مجدهم و إن كنت مقصرا عما يجب لعبدهم أو لأحد من أهل ودهم و الشعر :

أيها الراكب المجد قف العيش إذا *** ما حللت في أرض طوسا

لا تخف من كلالها و دع التأديب *** دون الوقوف و التعريسا

و الثم الأرض إن رأيت ثرى مشهد *** خير الورى علي بن موسى

‏و أبلغنه تحية و سلاما كشذي المسك *** من علي بن عيسى

‏قل سلام الإله في كل وقت *** يتلقى ذاك المحل النفيسا

منزل لم يزل به ذاكر الله *** يتلو التسبيح و التقديسا

دار عز ما انفك قاصدها *** يزجي إليها آماله و العيسا

بيت مجد ما زال وقفا عليه *** الحمد و المدح و الثناء حبيسا

ما عسى أن يقال في مدح قوم *** أسس الله مجدهم تأسيسا

ما عسى أن أقول في مدح قوم *** قدس الله ذكرهم تقديسا

هم هداة الورى و هم أكرم *** الناس أصولا شريفة و نفوسا

[342]

إن عرت أزمة تندوا غيوثا *** أو دجت شبهة تبدوا شموسا

شرفوا الخيل و المنابر لما *** افترعوها و الناقة العنتريسا

معشر حبهم يجلي هموما *** و مزاياهم تجلي طروسا

كرموا مولدا و طابوا أصولا *** و زكوا محتدا و طالوا غروسا

ليس يشقي بهم جليس و من *** كان ابن شورى إذا أرادوا جليسا

قمت في نصرهم بمدحي لما *** فاتني أن أجر فيه خميسا

ملئوا بالولاء قلبي رجاء و *** بمدحي لهم ملأت الطروسا

فتراني لهم مطيعا حنينا و *** على غيرهم أبيا شموسا

يا علي الرضا أبثك ودا *** غادر القلب بالغرام وطيسا

مذهبي فيك مذهبي و بقلبي *** لك حب أبقي جوي و رسيسا

لا أرى داءه بغيرك يشفي *** لا و لا جرحه بغيرك يوسى

‏أتمني لو زرت مشهدك العالي و قبلت ربعك المأنوسا

و إذا عز أن أزورك يقظان *** فزرني في النوم و اشف السيسا

أنا عبد لكم مطيع إذا ما *** كان غيري مطاوعا إبليسا

قد تمسكت منكم بولاء *** ليس يلقى القشيب منه دريسا

أترجي به النجاة إذا ما *** خاف غيري في الحشر ضرا و بؤسا

فأراني و الوجه مني طلق *** و أرى أوجه الشنأة عبوسا

لا أقيس الأنام منكم بشسع *** جل مقدار مجدكم أن أقيسا

من عددنا من الورى كان *** مرءوسا و منكم من عد كان رئيسا

فقد العاملون مثل الذنابى *** و غدوتم للعالين رءوسا

[343]

next page

fehrest page

back page