next page

fehrest page

back page

ذكر الإمام التاسع أبي جعفر القانع محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين

قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة رحمه الله تعالى الباب التاسع في ذكر أبي جعفر محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم (عليه السلام) : هذا أبو جعفر محمد الثاني فإنه تقدم في آبائه (عليهم السلام) أبو جعفر محمد و هو الباقر بن علي (عليه السلام) فجاء هذا باسمه و كنيته و اسم أبيه فعرف بأبي جعفر الثاني فهو و إن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر .

ف أما ولادته.

ففي ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان سنة مائة و خمس و تسعين للهجرة و قيل عاشر رجب منها .

و أما نسبه أبا و أما .

فأبوه أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم و قد تقدم ذلك مبسوطا و أمه أم ولد يقال لها سكينة المرسية و قيل الخيزران .

و أما اسمه .

فمحمد و أما كنيته فأبو جعفر بكنية جده محمد الباقر و له لقبان القانع و المرتضى .

و أما مناقبه.

فما اتسعت له حلبات مجالها و لا امتدت له أوقات آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها و إسجالها فقل في الدنيا مقامه و عجل القدوم عليه لزيارة حمامه فلم تطل بها مدته و لا امتدت فيها أيامه غير أن الله جل و علا خصه بمنقبة متألفه في مطالع التعظيم بارقة أنوارها مرتفعة في معارج التفضيل قيمة أقدارها بادية لأبصار ذوي البصائر بينة منارها هادئة لعقول أهل المعرفة آية آثارها و هي و إن كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة و صيغتها

[344]

و إن كانت صغيرة فدلالتها كبيرة و هي أن هذا أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) لما توفي والده علي الرضا و قدم الخليفة المأمون إلى بغداد بعد وفاته لسنة اتفق أنه خرج يوما إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه و الصبيان يلعبون و محمد واقف معهم و كان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين و وقف أبو جعفر محمد (عليه السلام) فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه و كان الله عز و علا قد ألقى عليه مسحة من قبول فوقف الخليفة و قال له يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان فقال له محمد مسرعا يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي و لم تكن لي جريمة فأخشاها و ظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت فأعجبه كلامه و وجهه فقال له ما اسمك قال محمد قال ابن من أنت قال يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا فترحم على أبيه و ساق إلى وجهته و كان معه بزاة فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو و في منقاره سمكة صغيرة و بها بقايا الحياة فتعجب الخليفة من ذلك غاية التعجب ثم أخذها في يده و عاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة و أبو جعفر لم ينصرف و وقف كما وقف أولا فلما دنا منه الخليفة قال يا محمد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال ما في يدي فألهمه الله عز و علا أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك و الخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوة فلما سمع المأمون كلامه عجب منه و جعل يطيل نظره إليه و قال أنت ابن الرضا حقا و ضاعف إحسانه إليه.

و في هذه الواقعة منقبة تكفيه عن غيرها و يستغنى بها عن سواها.

ولده أبو الحسن علي و سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

و أما عمره : فإنه مات في ذي الحجة من سنة مائتين و عشرين للهجرة في خلافة المعتصم و قد تقدم ذكر ولادته في سنة مائة و خمس و تسعين فيكون عمره خمسا .

[345]

و عشرين سنة و قبره ببغداد في مقابر قريش آخر كلام كمال الدين بن طلحة أقول إني رأيت في كتاب لم يحضرني الآن اسمه و لعلي أراه بعد هذا أن البزاة عادت و في أرجلها حيات خضر و أنه سأل بعض الأئمة (عليهم السلام) فقال قبل أن يفصح عن السؤال إن بين السماء و الأرض حيات خضراء تصيدها بزاة شهب يمتحن بها أولاد الأنبياء و ما هذا معناه و الله أعلم.

قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله : أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمه ريحانة و قيل الخيزران ولد سنة خمس و تسعين و مائة و يقال ولد بالمدينة في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة و قبض ببغداد في آخر ذي الحجة سنة عشرين و مائتين و هو يومئذ ابن خمس و عشرين سنة و أمه أم ولد يقال لها خيزران و كانت من أهل مارية القبطية و قبره ببغداد في مقابر قريش في ظهر جده موسى (عليه السلام) .

قال محمد بن سعيد سنة ست و عشرين و مائتين فيها توفي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ببغداد و كان قدمها فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة يعني سنة عشرين و مائتين مولده سنة خمس و تسعين و مائة فيكون عمره خمسا و عشرين سنة قتل في زمن الواثق بالله قبره عند جده موسى بن جعفر و ركب هارون بن إسحاق فصلى عليه عند منزله أول رحبة أسوار بن ميمون من ناحية قنطرة البردان و حمل و دفن في مقابر قريش يلقب بالجواد.

حدثنا أحمد بن علي بن ثابت قال : محمد بن علي بن موسى أبو جعفر بن الرضا قدم من المدينة إلى بغداد وافدا على أبي إسحاق المعتصم و معه امرأته أم الفضل بنت المأمون و توفي ببغداد و دفن في مقابر قريش عند قبر جده موسى بن جعفر و دخلت امرأته أم الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم و ذكر أخبارا رواها الجواد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) .

قال : بعثني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقال لي و هو يوصيني يا علي ما حار من استخار و

[346]

لا ندم من استشار يا علي عليك بالدلجة فإن الأرض تطوي في الليل ما لا تطوي بالنهار يا علي اغد باسم الله فإن الله بارك لأمتي في بكورها و قال (عليه السلام) من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة .

و عنه (عليه السلام) : و قد سئل عن حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن فاطمة أحسنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فقال خاص للحسن و الحسين .

و عنه : عن علي (عليه السلام) قال في كتاب علي بن أبي طالب (عليه السلام) إن ابن آدم أشبه شي‏ء بالمعيار إما راجح بعلم و قال مرة بعقل أو ناقص بجهل .

و عنه (عليه السلام) قال : علي (عليه السلام) لأبي ذر رضي الله عنه إنما غضبت لله عز و جل فارج من غضبت له إن القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك و الله لو كانت السماوات و الأرضون رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجا لا يؤنسنك إلا الحق و لا يوحشنك إلا الباطل .

و عنه : عن علي (عليه السلام) أنه قال لقيس بن سعد و قد قدم عليه من مصر يا قيس إن للمحن غايات لا بد أن ينتهي إليها فيجب على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها فإن كايدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها .

و عنه : عنه (عليه السلام) قال من وثق بالله أراه السرور و من توكل عليه كفاه الأمور و الثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا مؤمن أمين و التوكل على الله نجاة من كل سوء و حرز من كل عدو و الدين عز و العلم كنز و الصمت نور و غاية الزهد الورع و لا هدم للدين مثل البدع و لا أفسد للرجال من الطمع و بالراعي تصلح الرعية و بالدعاء تصرف البلية و من ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر و من عاب عيب و من شتم أجيب و من غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى.

و قال (عليه السلام) : أربع خصال تعين المرء على العمل الصحة و الغنى و العلم و التوفيق .

و قال (عليه السلام) : إن لله عبادا يخصهم بالنعم و يقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها

[347]

نزعها عنهم و حولها إلى غيرهم و قال ما عظمت نعمة الله على عبد إلا عظمت عليه مئونة الناس فمن لم يحتمل تلك المئونة فقد عرض النعمة للزوال .

و قال (عليه السلام) : أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه لأن لهم أجره و فخره و ذكره فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه فلا يطلبن شكر ما صنع إلى نفسه من غيره.

و قال (عليه السلام) : من أمل إنسانا فقدها به و من جهل شيئا عابه و الفرصة خلسة و من كثر همه سقم جسده و المؤمن لا يشتفي غيظه و عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه و قال في موضع آخر عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه.

و قال (عليه السلام) : من استغنى بالله افتقر الناس إليه و من اتقى الله أحبه الناس و إن كرهوا.

و قال (عليه السلام) : عليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة و البحث عنه نافلة و هو صلة بين الإخوان و دليل على المروءة و تحفة في المجالس و صاحب في السفر و أنس في الغربة .

و قال (عليه السلام) : العلم علمان مطبوع و مسموع و لا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع و من عرف الحكمة لم يصبر على الإزدياد منها الجمال في اللسان و الكمال في العقل .

و قال (عليه السلام) : العفاف زينة الفقر و الشكر زينة الغنى و الصبر زينة البلاء و التواضع زينة الحسب و الفصاحة زينة الكلام و العدل زينة الإيمان و السكينة زينة العبادة و الحفظ زينة الرواية و خفض الجناح زينة العلم و حسن الأدب زينة العقل و بسط الوجه زينة الحلم و الإيثار زينة الزهد و بذل المجهود زينة النفس و كثرة البكاء زينة الخوف و التقلل زينة القناعة و ترك المن زينة المعروف و الخشوع زينة الصلاة و ترك ما لا يعنى زينة الورع .

و قال (عليه السلام) : حسب المرء من كمال المروءة و تركه ما لا يحمل به و من حيائه

[348]

أن لا يلقي أحدا بما يكره و من عقله حسن رفقه و من أدبه أن لا يترك ما لا بد له منه و من عرفانه علمه بزمانه و من ورعه غض بصره و عفة بطنه و من حسن خلقه كفه أذاه و من سخائه بره بمن يجب حقه عليه و إخراجه حق الله من ماله و من إسلامه تركه ما لا يعنيه و تجنبه الجدال و المراء في دينه و من كرمه إيثاره على نفسه و من صبره قلة شكواه و من عقله إنصافه من نفسه و من حلمه تركه الغضب عند مخالفته و من إنصافه قبوله الحق إذا بان له و من نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه و من حفظه جوارك تركه توبيخك عند إساءتك مع علمه بعيوبك و من رفقه تركه عذلك عند غضبك بحضرة من تكره و من حسن صحبته لك إسقاطه عنك مئونة أذاك و من صداقته كثرة موافقته و قلة مخالفته و من صلاحه شدة خوفه من ذنوبه و من شكره معرفة إحسان من أحسن إليه و من تواضعه معرفته بقدره و من حكمته علمه بنفسه و من سلامته قلة حفظه لعيوب غيره و عنايته بإصلاح عيوبه .

و قال (عليه السلام) : لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته و لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

و قال (عليه السلام) : الفضائل أربعة أجناس أحدها الحكمة و قوامها في الفكرة و الثاني العفة و قوامها في الشهوة و الثالث القوة و قوامها في الغضب و الرابع العدل و قوامه في اعتدال قوى النفس .

و قال (عليه السلام) : العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء .

و قال (عليه السلام) : يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم .

و قال (عليه السلام) : اقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة و الجدل يورث الرياء و من أخطأ وجوه المطالب خذلته الجيل و الطامع في وثاق الذل و من أحب البقاء فليعد للبلاء قلبا صبورا .

[349]

و قال (عليه السلام) العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم .

و قال (عليه السلام) : الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها .

و قال (عليه السلام) : التوبة على أربع دعائم ندم بالقلب و استغفار باللسان و عمل بالجوارح و عزم أن لا يعود و ثلاث من عمل الأبرار إقامة الفرائض و اجتناب المحارم و احتراس من الغفلة في الدين و ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله كثرة الاستغفار و خفض الجانب و كثرة الصدقة و أربع من كن فيه استكمل الإيمان من أعطى لله و منع في الله و أحب لله و أبغض فيه و ثلاث من كن فيه لم يندم ترك العجلة و المشورة و التوكل عند العزم على الله عز و جل .

و قال (عليه السلام) : لو سكت الجاهل ما اختلف الناس.

و قال (عليه السلام) : مقتل الرجل بين لحييه و الرأي مع الأناة و بئس الظهير الرأي الفطير .

و قال (عليه السلام) : ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة الإنصاف في المعاشرة و المواساة في الشدة و الانطواع و الرجوع إلى قلب سليم .

و قال (عليه السلام) : فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء و صلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء و الخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته و الناس إخوان فمن كانت أخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة و ذلك قوله تعالى الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.

و قال (عليه السلام) : من استحسن قبيحا كان شريكا فيه .

و قال (عليه السلام) : كفر النعمة داعية المقت و من جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك

[350]

و قال لا يفسدك الظن على صديق و قد أصلحك اليقين له و من وعظ أخاه سرا فقد زانه و من وعظ علانية فقد شانه استصلاح الأخيار بإكرامهم و الأشرار بتأديبهم و المودة قرابة مستفادة و كفى بالأجل حرزا و لا يزال العقل و الحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه و ما أنعم الله عز و جل على عبد نعمة فعلم أنها من الله إلا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها و لا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه و إن شاء غفر له إلا غفر الله له قبل أن يستغفره .

و قال (عليه السلام) : الشريف كل الشريف من شرفه علمه و السؤدد حق السؤدد لمن اتقى الله ربه و الكريم [كل الكريم] من أكرم عن ذل النار وجهه .

و قال (عليه السلام) : من أمل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان.

و قال (عليه السلام) : اثنان عليلان أبدا صحيح محتم و عليل مخلط موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل و حياته بالبر أكثر من حياته بالعمر .

و قال (عليه السلام) : لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا و لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم و ارحموا ضعفاءكم و اطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم .

هذا آخر ما أردت نقله من كتاب الجنابذي رحمه الله تعالى و قد نقل أشياء رائقة و فوائد فائقة و آدابا نافعة و فقرا ناصعة من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) مما رواه الإمام محمد الجواد بن الإمام علي ابن الرضا عن آبائه عنه (عليه السلام) .

و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى باب ذكر الإمام بعد أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و طرف من أخباره و مدة إمامته و مبلغ سنه و ذكر وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره : و كان الإمام بعد الرضا علي بن موسى (عليه السلام) ابنه محمد بن علي المرتضى بالنص عليه و الإشارة إليه و تكامل الفضل فيه و كان مولده (عليه السلام) في شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة و قبض ببغداد في ذي القعدة سنة عشرين و مائتين و له يومئذ خمس و عشرون سنة و كانت مدة خلافته لأبيه و إمامته من بعده سبع عشرة سنة

[351]

و أمه أم ولد يقال لها سبيكة النوبية.

باب ذكر طرف من النص على أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بالإمامة

باب ذكر طرف من النص على أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بالإمامة و الإشارة إليه بها من أبيه إليه (عليه السلام) فممن روى النص عن أبي الحسن الرضا على ابنه أبي جعفر (عليه السلام) بالإمامة علي بن جعفر بن محمد الصادق و صفوان بن يحيى و معمر بن خلاد و الحسين بن بشار و ابن أبي نصر البزنطي و الحسن بن الجهم و أبو يحيى الصنعاني و الخيراني و يحيى بن حبيب الزيات في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب .

قال كان علي بن جعفر بن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال في حديثه : لقد نصر الله أبا الحسن الرضا لما بغى عليه إخوته و عمومته و ذكر حديثا طويلا حتى انتهى إلى قوله فقمت و قبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا و قلت له أشهد أنك إمام عند الله فبكى الرضا (عليه السلام) و قال يا عم أ لم تسمع أبي و هو يقول قال رسول الله ص بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه و جده صاحب الغيبة فيقال مات أو هلك و أي واد سلك فقلت صدقت جعلت فداك .

و عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا (عليه السلام) قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاما و قد وهبك الله و أقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من فأشار بيده إلى أبي جعفر و هو قائم بين يديه فقلت له جعلت فداك و هذا ابن ثلاث سنين قال و ما يضره من ذلك و قد قام عيسى بالحجة و هو ابن أقل من ثلاث سنين .

و عن معمر بن خلاد قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول و قد ذكر شيئا فقال و ما حاجتكم إلى ذلك هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي و صيرته مكاني و قال أنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة .

[352]

و كتب ابن قياما الواسطي إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) كتابا يقول فيه كيف تكون إماما و ليس لك ولد فأجابه أبو الحسن (عليه السلام) و ما علمك أن لا يكون لي ولد و الله لا تنقضي الأيام و الليالي حتى يرزقني الله ولدا يفرق بين الحق و الباطل .

و عن [ابن] أبي نصر البزنطي قال : قال لي ابن النجاشي من الإمام بعد صاحبك فأحب أن تسأله حتى أعلم فدخلت على الرضا (عليه السلام) فأخبرته فقال الإمام بعدي ابني ثم قال هل يجترئ أحد أن يقول ابني و ليس له ولد و لم يكن ولد أبو جعفر (عليه السلام) فلم تمض الأيام حتى ولد .

و عن ابن قياما الواسطي و كان واقفيا قال : دخلت على علي بن موسى فقلت له أ يكون إمامان في عصر قال لا إلا أن يكون أحدهما صامتا فقلت له هو ذا أنت ليس لك صامت فقال لي و الله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق و أهله و يمحق به الباطل و أهله و لم يكن في الوقت له ولد فولد له أبو جعفر (عليه السلام) بعد سنة .

و عن الحسن بن الجهم قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) جالسا فدعا بابنه و هو صغير فأجلسه في حجري و قال لي جرده و انزع قميصه فنزعته فقال لي انظر بين كتفيه قال فنظرت فإذا في إحدى كتفيه شبه الخاتم داخل في اللحم ثم قال لي أ ترى هذا مثله في هذا الموضع كان في أبي (عليه السلام) .

و عن أبي يحيى الصنعاني قال : كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) فجي‏ء بابنه

[353]

أبي جعفر و هو صغير فقال هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه .

عن الخيراني عن أبيه قال : كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بخراسان فقال قائل يا سيدي إن كان كون فإلى من قال إلى أبي جعفر ابني فكان القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن (عليه السلام) إن الله بعث عيسى ابن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (عليه السلام) .

و عن يحيى بن حبيب الزيات قال : أخبرني من كان عند أبي الحسن (عليه السلام) جالسا فلما نهض القوم قال لهم الرضا (عليه السلام) ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه و جددوا به عهدا فلما نهض القوم التفت إلي و قال رحم الله المفضل إنه كان ليقنع بدون هذا .

و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى : باب ذكر طرف من الأخبار عن مناقب أبي جعفر (عليه السلام) و دلائله و معجزاته : و كان المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لما رأى من فضله مع صغر سنه و بلوغه في الحكمة و العلم و الأدب و كمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان فزوجه ابنته أم الفضل و حملها معه إلى المدينة و كان متوفرا على إكرامه و تعظيمه و إجلال قدره .

عن الريان بن شبيب قال : لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ذلك و استنكروه و خافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا (عليه السلام) فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا له ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنا نخاف أن تخرج به عنا

[354]

أمرا قد ملكناه الله و تنزع عنا عزا قد ألبسناه الله و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا و اصرف رأيك عن ابن الرضا و اعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه و لو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم أعوذ بالله من ذلك و و الله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه من نفسي فأبى و كان أمر الله قدرا مقدورا.

و أما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه و الأعجوبة فيه بذلك و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه فقالوا إن هذا الصبي و إن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له و لا فقه فأمهله ليتأدب و يتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك فقال لهم ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم و إن هذا من أهل بيت علمهم من الله و مواده و إلهامه و لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يبين لكم ما وصفت من حاله قالوا له قد رضينا لك يا أمير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي‏ء من فقه الشريعة فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أمير المؤمنين و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب من ذلك في معناه فقال لهم المأمون شأنكم و ذلك متى أردتم

[355]

فخرجوا من عنده و أجمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم و هو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك و عادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للإجماع فأجابهم إلى ذلك و اجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه و حضر معهم يحيى بن أكثم و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست و يجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك و خرج أبو جعفر (عليه السلام) يومئذ و هو ابن تسع سنين و أشهر فجلس بين المسورتين و جلس يحيى بن أكثم بين يديه و قام الناس في مراتبهم و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (عليه السلام) فقال يحيى بن أكثم للمأمون أ تأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر فقال المأمون استأذنه في ذلك .

فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال تأذن لي جعلت فداك في مسألة فقال له أبو جعفر (عليه السلام) سل إن شئت قال يحيى ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا فقال له أبو جعفر (عليه السلام) قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أم جاهلا قتله عمدا أو خطأ حرا كان المحرم أم عبدا صغيرا كان أو كبيرا مبتدئا كان بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها من صغار الصيد كان أو من كباره مصرا على ما فعل أو نادما ليلا كان قتله الصيد أو نهارا محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما فتحير يحيى بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع و لجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره فقال المأمون الحمد لله على هذه النعمة و التوفيق لي في هذا الرأي .

ثم نظر إلى أهل بيته و قال لهم أ عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه .

ثم أقبل على أبي جعفر فقال له : اخطب يا با جعفر .

قال : نعم يا أمير المؤمنين .

فقال له المأمون : اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي و أنا مزوجك أم الفضل ابنتي و إن رغم قوم لذلك .

[356]

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : الحمد لله إقرارا بنعمته و لا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته و صلى الله على محمد سيد بريته و الأصفياء من عترته أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (عليه السلام) و هو خمس مائة درهم جيادا فهل زوجتنيها يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور فقال المأمون نعم قد زوجتك أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح قال أبو جعفر قد قبلت و رضيت به .

فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة و العامة قال الريان و أخرج الخدم مثل السفينة من فضة و فيها الغالية فتطيب الخاصة و العامة و وضعت الموائد فأكلوا و فرقت الجوائز على قدر المراتب و انصرف الناس و بقي من الخاصة من بقي .

قال المأمون لأبي جعفر ; إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه و نستفيده فقال أبو جعفر (عليه السلام) : نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا و إذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل قيمة الفرخ و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة و إن كان نعامة كان عليه بدنة و إن كان ظبيا فعليه شاة فإن قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه للحج نحره بمنى و إن كان إحرامه للعمرة نحره بمكة و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء و في العمد له المآثم و هو موضوع عنه في الخطإ و الكفارة على الحر في نفسه و على السيد في عبده و الصغير لا كفارة عليه و هي على الكبير واجبة و النادم يسقط عنه ندمه عقاب الآخرة و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة فقال له المأمون أحسنت

[357]

أبا جعفر أحسن الله إليك فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك فقال أبو جعفر (عليه السلام) ليحيى أسألك قال ذلك إليك جعلت فداك فإن عرفت جواب ما تسألني عنه و إلا استفدته منك .

فقال له أبو جعفر : خبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه فلما ارتفع النهار حلت له فلما زال الشمس حرمت عليه فلما كان وقت العصر حلت له فلما غربت الشمس حرمت عليه فلما دخل وقت عشاء الآخرة حلت عليه فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له ما حال هذه المرأة و بما ذا حلت و حرمت عليه ?

فقال له يحيى بن الأكثم لا و الله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال و لا أعرف الوجه فيه فإن رأيت أن تفيدناه .

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان الظهر أعتقها فحرمت عليه فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلما كان وقت عشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له .

قال فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب و يعرف القول فيما تقدم من السؤال ?

قالوا : لا و الله إن أمير المؤمنين أعلم بما رأى .

فقال لهم : ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من بين الخلق بما ترون من الفضل و إن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال ; أ ما علمتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو ابن عشر سنين و قبل منه الإسلام و حكم له به و لم يدع أحدا في سنه غيره و بايع الحسن و الحسين و هما أبناء دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما أ فلا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم و أنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم .

قالوا صدقت و الله يا أمير المؤمنين , ثم نهض القوم.

[358]

فلما كان من الغداء أحضر الناس و حضر أبو جعفر (عليه السلام) و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنئة المأمون و أبي جعفر فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة و فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق و قاع مكتوبة بأموال جزيلة و عطايا سنية و إقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فأطلق له و وضعت البدر فنثر ما فيها على القواد و غيرهم و انصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا و تقدم المأمون بالصدقة على كافة المسلمين و لم يزل مكرما لأبي جعفر (عليه السلام) معظما لقدره مدة حياته يؤثره على ولده و جماعة أهل بيته. و قد روى الناس أن أم الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر و تقول إنه يتسرى علي و يغيرني فكتب إليها المأمون يا بنية إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها.

و لما توجه أبو جعفر (عليه السلام) من بغداد منصرفا من عند المأمون و معه أم الفضل قاصدا بها المدينة صار إلى شارع باب الكوفة و معه الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس فنزل و دخل المسجد و كان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة و قام فصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى الحمد و إذ جاء نصر الله و الفتح و قرأ في الثانية الحمد و قل هو الله أحد و قنت قبل ركوعه فيها و صلى الثالثة و تشهد و سلم ثم جلس هنيئة يذكر الله تعالى و قام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات و عقب بعدها و سجد سجدتي الشكر فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا فتعجبوا من ذلك و أكلوا منها فوجدوه نبقا حلواء لا عجم له و ودعوه و مضى (عليه السلام) من وقته إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين و مائتين إلى بغداد فأقام بها حتى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة .

[359]

و دفن في ظهر جده أبي الحسن موسى (عليه السلام) .

و عن علي بن خالد قال : كنت بالعسكر فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من الشام مكبولا و قالوا إنه تنبأ قال فأتيت الباب و دفعت شيئا للبوابين حتى وصلت إليه فإذا رجل له فهم و عقل فقلت له يا هذا ما قضيتك قال إني كنت رجلا بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنه نصب فيه رأس الحسين (عليه السلام) فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله تعالى إذ رأيت شخصا بين يدي فنظرت إليه فقال لي قم فقمت معه فمشى بي قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي تعرف هذا المسجد فقلت نعم هذا مسجد الكوفة قال فصلى و صليت معه ثم انصرف و انصرفت معه و مشى قليلا فإذا نحن بمسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صلى و صليت معه ثم خرج و خرجت معه فمشى قليلا و إذا نحن بمكة فطاف بالبيت و طفت معه ثم خرج فمشى قليلا فإذا أنا بموضعي الذي كنت فيه أعبد الله بالشام و غاب الشخص عني فبقيت متعجبا حولا مما رأيت.

فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به فدعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الماضي فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له سألتك بالحق الذي أقدرك على ما رأيت منك إلا أخبرتني من أنت فقال أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر فحدثت من كان يصير إلي بخبره فرقي ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيات فبعث إلي من أخذني و كبلني في الحديد و حملني إلى العراق و حبست كما ترى و ادعي علي المحال فقلت له فأرفع عنك قصة إلى محمد بن عبد الملك

[360]

الزيات و شرحت أمره قال افعل فكتبت عنه قصة إلى محمد بن عبد الملك الزيات و شرحت أمره فيها و دفعتها إلى محمد فوقع في ظهرها قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة و منها إلى المدينة و منها إلى مكة و منها إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا قال علي بن خالد فغمني ذلك من أمره و رققت له و انصرفت محروما عليه فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال و آمره بالصبر و العزاء فوجدت الجند و أصحاب الحرس و صاحب السجن و خلقا عظيما من الناس يهرجون فسألت عن حالهم فقيل إن محمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة من الحبس فلا ندري أ خسفت الأرض أو اختطفته الطير و كان هذا الرجل أعني علي بن خالد زيديا فقال بالإمامة لما رأى ذلك و حسن اعتقاده .

و عن محمد بن علي الهاشمي قال : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) صبيحة عرسه ببنت المأمون و كنت تناولت من الليل دواء فأول من دخل عليه في صبيحته أنا و قد أصابني العطش و كرهت أن أدعو بالماء فنظر أبو جعفر (عليه السلام) في وجهي و قال أراك عطشان قلت أجل قال يا غلام اسقنا ماء فقلت في نفسي الساعة يأتونه بماء مسموم و اغتممت لذلك فأقبل الغلام و معه الماء فتبسم في وجهي ثم قال يا غلام ناولني الماء فتناول فشرب ثم ناولني و تبسم فشربت و أطلت عنده فعطشت فدعا بالماء ففعل كما فعل في المرة الأولى و شرب ثم ناولني و تبسم قال محمد بن حمزة فقال لي محمد بن علي الهاشمي و الله إني لأظن أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة .

و عن المطرفي قال : مضى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) و لي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري و غيره فأرسل إلي أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان في الغد فأتني فأتيته فقال لي مضى أبو الحسن و لك عليه أربعة آلاف درهم فقلت نعم فرفع المصلى فإذا تحته دنانير فدفعها إلي فكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم .

و عن معلى بن محمد قال : خرج علي أبو جعفر (عليه السلام) حدثان موت أبيه فنظرت

[361]

إلى قده لأصف قامته لأصحابنا فقعد ثم قال يا معلى إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .

و عن داود بن القاسم الجعفري قال : دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و معي ثلاث رقاع غير معنونة و اشتبهت علي فاغتممت فتناول أحدها و قال هذه رقعة ريان بن شبيب ثم تناول الثانية فقال هذه رقعة فلان فبهت أنظر إليه فتبسم و أخذ الثالثة فقال هذه رقعة فلان فقلت نعم جعلت فداك فأعطاني ثلاثمائة دينار و أمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه ثم قال أما إنه سيقول لك دلني على حريف يشتري لي بها متاعا فدله عليه قال فأتيته بالدنانير فقال لي يا أبا هاشم دلني على حريف يشتري لي بها متاعا فقلت نعم و كلمني في الطريق جمال سألني أن أخاطبه في إدخاله مع بعض أصحابه في أموره فدخلت عليه لأكلمه فوجدته يأكل و معه جماعة فلم أتمكن من كلامه فقال يا أبا هاشم كل و وضع بين يدي ما آكل منه ثم قال ابتداء من غير مسألة يا غلام انظر الجمال الذي أتانا به أبو هاشم فضمه إليك.

قال أبو هاشم و دخلت معه يوما بستانا فقلت له جعلت فداك إني مولع بأكل الطين فادع الله لي فسكت ثم قال لي بعد أيام ابتداء منه يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين قال أبو هاشم فما من شي‏ء أبغض إلي عنه اليوم .

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أثبتناه منها كفاية فيما قصدناه إن شاء الله .

باب ذكر وفاة أبي جعفر (عليه السلام) و موضع قبره و ذكر ولده

قد تقدم القول في مولد أبي جعفر (عليه السلام) و ذكرنا أنه ولد بالمدينة و أنه قبض ببغداد و كان سبب وروده إليها إشخاص المعتصم له من المدينة فورد ببغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين و مائتين و توفي بها في ذي القعدة من هذه السنة و قيل إنه مضى مسموما و لم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به.

و دفن في مقابر قريش في ظهر جده أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)

[362]

و كان له يوم قبض خمس و عشرين سنة و أشهر و كان منعوتا بالمنتجب و المرتضى و خلف بعده من الولد عليا ابنه الإمام من بعده و موسى و فاطمة و أمامة ابنتيه و لم يخلف ذكرا غير من سميناه آخر كلامه.

قال ابن الخشاب ذكر أبي جعفر المرتضى محمد بن علي الرضا بن موسى الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) و بهذا الإسناد عن محمد بن سنان قال : مضى المرتضى أبو جعفر الثاني محمد بن علي و هو ابن خمس و عشرين سنة و ثلاثة أشهر و اثني عشر يوما في سنة مائتين و عشرين من الهجرة و كان مولده سنة مائة و خمس و تسعين من الهجرة فكان مقامه مع أبيه سبع سنين و ثلاثة أشهر و قبض في يوم الثلاثاء لست ليال خلون من ذي الحجة سنة مائتين و عشرين و في رواية أخرى أقام مع أبيه تسع سنين و أشهرا.

ولد في رمضان ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت منه سنة خمس و تسعين و مائة و قبض في يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مائتين أمه أم ولد يقال لها سكينة مريسة و يقال لها حريان و الله أعلم لقبه المرتضى و القانع و قبره في بغداد بمقابر قريش يكنى بأبي جعفر.

قلت أخل الشيخ بذكر أولاده (عليه السلام) .

و من كتاب الدلائل عن أمية بن عليقال : كنت مع أبي الحسن بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار إلى خراسان و معه أبو جعفر و أبو الحسن يودع البيت فلما قضى طوافه عدل إلى المقام فصلى عنده فصار أبو جعفر على عنق موفق يطوف به فصار أبو جعفر إلى الحجر فجلس فيه فأطال فقال له موفق قم جعلت فداك فقال ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاء الله و استبان في وجهه الغم فأتى موفق أبا الحسن فقال له جعلت فداك قد جلس أبو جعفر

[363]

في الحجر و هو يأبى أن يقوم فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر فقال قم يا حبيبي فقال ما أريد أن أبرح من مكاني هذا قال بلى يا حبيبي ثم قال كيف أقوم و قد ودعت البيت وداعا لا ترجع إليه فقال له قم يا حبيبي فقام معه .

و عن ابن بزيع العطار قال : قال أبو جعفر الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا قال فنظرنا فمات بعد ثلاثين شهرا .

و عن معمر بن خلاد عن أبي جعفر أو عن رجل عن أبي جعفر الشك من أبي علي قال : قال أبو جعفر يا معمر اركب قلت إلى أين قال اركب كما يقال لك قال فركبت فانتهيت إلى واد أو إلى وهدة الشك من أبي علي فقال لي قف هاهنا قال فوقفت فأتاني فقلت له جعلت فداك أين كنت قال دفنت أبي الساعة و كان بخراسان قال القاسم بن عبد الرحمن و كان زيديا قال خرجت إلى بغداد فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون فقلت ما هذا فقالوا ابن الرضا فقلت و الله لأنظرن إليه فطلع على بغل أو بغلة فقلت لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا فعدل إلي و قال يا قاسم بن عبد الرحمن أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ فقلت في نفسي ساحر و الله فعدل إلي فقال أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ قال فانصرفت و قلت بالإمامة و شهدت أنه حجة الله على خلقه و اعتقدته .

و عن عمران بن محمد الأشعري قال : دخلت على أبي جعفر الثاني فقضيت حوائجي و قلت إن أم الحسن تقرؤك السلام و تسألك ثوبا من ثيابك أجعله كفنا لها فقال لي قد استغنت عن ذلك قال فخرجت لست أدري ما معنى ذلك فأتاني الخبر أنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما أو أربعة عشر يوما .

و عن دعبل بن علي : أنه دخل على الرضا (عليه السلام) فأمر له بشي‏ء فأخذه و لم يحمد الله فقال له لم لم تحمد الله قال ثم دخلت بعده على أبي جعفر فأمر له بشي‏ء فقلت الحمد لله فقال تأدبت .

[364]

و عن علي بن إبراهيم عن أبيه قال : استأذن على أبي جعفر قوم من أهل النواحي فأذن لهم فدخلوا و سألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب و له عشر سنين .

[365]

و عن محمد بن سنان قال : قبض أبو جعفر محمد بن علي و هو ابن خمس و عشرين سنة و ثلاثة أشهر و اثني عشر يوما توفي في يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مائتين عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة إلا خمسة و عشرين يوما .

و عن أمية بن علي القيسي قال : دخلت أنا و حماد بن عيسى على أبي جعفر بالمدينة لنودعه فقال لنا لا تخرجا اليوم و أقيما إلى غد فلما خرجنا من عنده قال لي حماد أنا أخرج فقد خرج ثقلي فقلت أما أنا فأقيم فخرج حماد فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه و قبره بسيالة .

آخر ما نقلت من كتاب الدلائل.

و قال الراوندي رحمه الله الباب العاشر في معجزات محمد التقي (عليه السلام) عن محمد بن ميمون : أنه كان مع الرضا بمكة قبل خروجه إلى خراسان قال فقلت له إني أريد أن أتقدم إلى المدينة فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر فتبسم و كتب و صرت إلى المدينة و كان قد ذهب بصري فأخرج الخادم أبا جعفر إلينا يحمله من المهد فناولته الكتاب فقال لموفق الخادم فضه و انشره ففضه و نشره بين يديه فنظر فيه ثم قال لي يا محمد ما حال بصرك فقلت يا ابن رسول الله اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى فمد يده فمسح بها على عيني فعاد إلي بصري كأصح ما كان فقبلت يده و رجله و انصرفت من عنده و أنا بصير.

و روي عن حكيمة بنت الرضا (عليه السلام) قالت : لما توفي أخي محمد بن الرضا صرت يوما إلى امرأته أم الفضل لسبب احتجت إليها فيه قالت فبينا نحن نتذاكر فضل محمد و كرمه و ما أعطاه الله من العلم و الحكمة إذ قالت امرأته أم الفضل أخبرك عن أبي جعفر بعجيبة لم يسمع مثلها قلت و ما ذاك قال إنه ربما كان أغارني مرة بجارية

[366]

و مرة بتزويج فكنت أشكوه إلى المأمون فيقول يا بنية احتملي فإنه ابن رسول الله فبينا أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة فقلت من أنت و كأنها قضيب بان أو غصن خيزران فقلت من أنت فقالت أنا زوجة أبي جعفر بن الرضا و أنا امرأة من ولد عمار بن ياسر قالت فدخل علي من الغيرة ما لم أملك نفسي فنهضت من ساعتي فدخلت إلى المأمون و كان ثملا من الشراب و قد مضى من الليل ساعات فأخبرته بحالي و قلت إنه يشتمك و يشتمني و يشتم العباس و ولده قالت و قلت ما لم يكن فغاظه ذلك فقام و تبعته و معه خادم و جاء إلى أبي جعفر و هو نائم فضربه بالسيف حتى قطعه إربا إربا و ذبحه و عاد فلما أصبح عرفناه ما كان بدا منه و أنفذ الخادم فوجد أبا جعفر قائما يصلي و لا أثر فيه فأخبره أنه سالم ففرح و أعطى الخادم ألف دينار و حمل إليه عشرة آلاف دينار و اجتمعا و اعتذر إليه بالسكر و أشار عليه بترك الشراب فقبل.

و هذه القصة عندي فيها نظر و أظنها موضوعة :

فإن أبا جعفر (عليه السلام) إنما كان يتزوج و يتسرى حيث كان بالمدينة و لم يكن المأمون بالمدينة فتشكو إليه ابنته فإن قلت إنه جاء حاجا قلت لم يكن ليشرب في تلك الحال و أبو جعفر (عليه السلام) مات ببغداد و زوجته معه فأخته أين رأتها بعد موته و كيف اجتمعتا و تلك بالمدينة و هذه ببغداد و تلك الامرأة التي من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه في المدينة تزوجها فكيف رأتها أم الفضل فقامت من فورها و شكت إلى أبيها كل هذا يجب أن ينظر فيه و الله أعلم .

و منها ما روي عن الشيخ أبي بكر بن إسماعيل قال : قلت لأبي جعفر بن الرضا إن لي جارية تشتكي من ريح بها قال ائتني بها فأتيته بها فقال لها ما تشكين يا جارية قالت ريحا في ركبتي فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب

[367]

فخرجت و ما اشتكت وجعا بعد ذلك.

و منها ما روي عن علي بن جريرقال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) جالسا و قد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه يقولون أنتم سرقتم الشاة فقال لهم أبو جعفر ويلكم خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم الشاة في دار فلان فأخرجوها من داره فخرجوا فوجدوها في داره فأخذوا الرجل و ضربوه و خرقوا ثيابه و هو يحلف إنه لم يسرق هذه الشاة إلى أن صاروا به إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال ويحكم ظلمتم الرجل فإن الشاة دخلت داره و هو لا يعلم ثم دعاه فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه و ضربه .

و منها ما روي عن محمد بن عمير بن واقد الرازي قال : دخلت على أبي جعفر بن الرضا و معي أخي و به بهر شديد فشكا إليه ذلك البهر فقال عافاك الله مما تشكو فخرجنا من عنده و قد عوفي فما عاد إليه ذلك البهر إلى أن مات قال محمد بن عمير كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع و يشتد ذلك بي أياما فسألته أن يدعو لي بزواله عني فقال و أنت فعافاك الله فما عاد إلى هذه الغاية .

و منها ما روي عن القاسم بن المحسن قال : كنت فيما بين مكة و المدينة فمر بي أعرابي ضعيف الحال فسألني شيئا فرحمته و أخرجت له رغيفا فناولته إياه فلما مضى عني هبت ريح شديدة زوبعة فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت و أين مرت فلما دخلت على أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) فقال لي يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق قلت نعم قال يا غلام أخرج إليه عمامته فأخرج إلي عمامتي بعينها قلت يا ابن رسول الله كيف صارت إليك قال تصدقت على الأعرابي فشكر الله لك و رد عمامتك و إن الله لا يضيع أجر المحسنين .

[368]

و منها ما روي عن إسماعيل بن عياش [عباس] الهاشمي قال : جئت إلى أبي جعفر يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش فرفع المصلى و أخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها فخرجت بها إلى السوق فكان فيها ستة عشرة مثقالا من ذهب .

هذا آخر ما نقلته من كتاب الراوندي رحمه الله و قال الآبي في نثر الدر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) .

نذر المتوكل في علة إن وهب الله له العافية أن يتصدق بمال كثير فعوفي فأحضر الفقهاء و استفتاهم فكل منهم قال شيئا إلى أن قال محمد إن كنت نويت الدنانير فتصدق بثمانين دينارا و إن كنت نويت الدراهم فتصدق بثمانين درهما فقال الفقهاء ما نعرف هذا في كتاب و لا سنة فقال بلى قال الله عز و جل لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ فعدوا وقائع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعلوا فإذا هي ثمانون .

و قال هذه القصة إن كانت وقعت للمتوكل فالجواب لعلي بن محمد فإن محمدا لم يلحق أيام المتوكل و يجوز أن يكون له مع غيره من الخلفاء.

و قال عبد الله علي بن عيسى أثابه الله تعالى : هذا لا أظنه يصح عن أحد من الأئمة (عليهم السلام) أن يجيب بهذا الجواب لأن كل شي‏ء له كثرة بحسبه فمواطن القتال إذا كانت ثمانين بل خمسين بل عشرين كانت كثيرة فكثيرا من الملوك العظماء لا يتفق لهم ذلك عشر مرات فأما المال فلا تستكثر للملك الألوف الكثيرة أ لا ترى لو أنا قلنا إن الملك له عشرون ألف فرس كانت تستكثر و لو قيل إن له خمسمائة ألف دينار لم يستعظم له ذلك و على هذا و أمثاله فقس .

و أتاه (عليه السلام) رجل : فقال له أعطني على قدر مروءتك فقال لا يسعني فقال على قدري قال أما ذا فنعم يا غلام أعطه مائة دينار .

و قال أحمد بن حمدون : قال محمد بن علي بن موسى كيف يضيع من الله كافله و كيف ينجو من الله طالبه و من انقطع إلى غير الله وكله الله إليه و من عمل على غير علم أفسد أكثر مما يصلح .

و قال : القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب

[369]

الجوارح بالأعمال .

قال الطبرسي رحمه الله في إعلامه الباب الثامن في ذكر الإمام التقي أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) و فيه أربعة فصول الفصل الأول في تاريخ مولده و مدة إمامته و وقت وفاته : ولد (عليه السلام) في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر و قيل للنصف منه ليلة الجمعة و في رواية ابن عياش ولد يوم الجمعة لعشر خلون من رجب و قبض (عليه السلام) ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين و مائتين و له يومئذ خمس و عشرون سنة و كانت مدة خلافته و ولايته سبع عشرة سنة و كانت في أيام إمامته بقية ملك المأمون و قبض في أول ملك المعتصم و أمه أم ولد يقال لها سبيكة و يقال درة ثم سماها الرضا خيزران و كانت نوبية.

و لقبه التقي و المنتجب و الجواد و المرتضى و يقال له أبو جعفر الثاني و دفن (عليه السلام) بمقابر قريش في ظهر جده موسى بن جعفر (عليه السلام) .

الفصل الثاني في ذكر النصوص الدالة على إمامته (عليه السلام) :

يدل على إمامته بعد طريقة الاعتبار و طريقة التواتر اللتين تقدم ذكرهما في إمامة آبائه (عليهم السلام) ما ثبت من إشارة أبيه إليه بالإمامة و رواية الثقات من أصحابه و أهل بيته مثل عمه علي بن جعفر الصادق (عليه السلام) و عدد الجماعة الذين ذكرهم الشيخ المفيد رحمه الله تعالى و النصوص التي رويت فيه عن أبيه (عليه السلام) .

الفصل الثالث في طرف من دلائله و معجزاته (عليه السلام)

و ذكر الطبرسي رحمه الله في هذا الفصل ما ذكره المفيد رحمه الله و زاد فيه ما أنا ذاكره .

عن أمية بن علي قال : كنت بالمدينة و كنت أختلف إلى أبي جعفر و أبو الحسن بخراسان و كان أهل بيته و عمومة أبيه يأتونه و يسلمون عليه فدعا يوما بجارية فقال لها قولي لهم يتهيئون للمأتم فلما تفرقوا قالوا هلا سألناه مأتم من فلما كان من الغد فعل مثل ذلك فقالوا مأتم من قال خير من على ظهرها فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات في ذلك اليوم .

[370]

قال محمد بن الفرج كتب إلي أبو جعفر احملوا إلي الخمس فإني لست آخذه منكم سوى عامي هذا فقبض (عليه السلام) في تلك السنة .

ذكر أن ذلك منقول من كتاب نوادر الحكمة.

الفصل الرابع في ذكر بعض مناقبه و فضائله (عليه السلام) :

كان (عليه السلام) قد بلغ في وقته من الفضل و العلم و الحكم و الآداب مع صغر سنه منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي الأسنان من السادات و غيرهم و لذلك كان المأمون مشعوفا به لما رأى من علو رتبته و عظيم منزلته في جميع الفضائل فزوجه ابنته أم الفضل و حملها معه إلى المدينة و كان متوفرا على إعظامه و توقيره و تبجيله و ذكر بعد هذا مناظرته بين يدي المأمون و سؤال يحيى بن أكثم له و أمورا ذكرتها آنفا و قال مضى (عليه السلام) إلى المدينة و لم يزل بها حتى أشخصه المعتصم إلى بغداد في أول سنة عشرين و مائتين فأقام بها حتى توفي في آخر ذي القعدة من السنة و قيل إنه مضى (عليه السلام) مسموما و خلف من الولد عليا ابنه الإمام و موسى و فاطمة و أمامة ابنتيه و لم يخلف غيرهم انتهى كلامه.

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى عفى الله عنه بمنه و كرمه الجواد (عليه السلام) في كل أحواله جواد و فيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة من أجواد فاق الناس بطهارة العنصر و زكاء الميلاد و افترع قلة العلاء فما قاربه أحد و لا كاد مجده عالي المراتب و مكانته الرفيعة تسمو على الكواكب و منصبه يشرف على المناصب إذا أنس الوفد نارا قالوا ليتها ناره لا نار غالب له إلى المعالي سمو و إلى الشرف رواح و غدو و في السيادة إغراق و علو و على هام السماك ارتفاع و علو و عن كل رذيلة بعد و إلى كل فضيلة دنو تتأرج المكارم من أعطافه و يقطر المجد من أطرافه و تروى أخبار السماح عنه و عن أبنائه و أسلافه فطوبى لمن سعى في ولائه و الويل لمن رغب في خلافه إذا اقتسمت غنائم المجد و المعالي و المفاخر كان له صفاياها و إذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها و أسماها يباري الغيث جوادا و عطية و يجاري الليث نجدة و حمية و يبذ السير سيرة رضية

[371]

مرضية سرية إذا عدد آباءه الكرام و أبناءه (عليه السلام) نظم اللآلئ الأفراد في عده و جاء بجماع المكارم في رسمه و حده و جمع أشتات المعالي فيه و في آبائه من قبله و في أبنائه من بعده فمن له أب كأبيه أو جد كجده فهو شريكهم في مجدهم و هم شركاؤه في مجده و كما ملئوا أيدي العفاة برفدهم ملأ أيديهم برفده .

بدور طوالع جبال فوارع *** غيوث هوامع سيول دوافع

‏بها ليل لو عاينت فيض أكفهم *** تيقنت أن الرزق في الأرض واسع

‏إذا خففت بالبذل أرواح جودهم *** حداها الندى و استنشقتها المطامع

بهم اتضحت سبل الهدى و بهم سلم من الردى و بحبهم ترجى النجاة و الفوز غدا و هم أهل المعروف و أولو الندى كل المدائح دون استحقاقهم و كل مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم و كل صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف و أعراقهم فالجنة في وصالهم و النار في فراقهم و هذه الصفات تصدق على الجمع و الواحد و تثبت للغائب منهم و الشاهد و تتنزل على الولد منهم و الوالد حبهم فريضة لازمة و دولتهم باقية دائمة و أسواق سؤددهم قائمة و ثغور محبيهم باسمة و كفاهم شرفا أن جدهم محمد و أبوهم علي و أمهم فاطمة فمن يجاريهم في الفخر أو من يسابقهم في علو القدر و ما تركوا غاية عز إلا انتهوا إليها سابقين و لا مرتبة سؤدد إلا ارتفقوها آمنين من اللاحقين و هذا حق اليقين بل عين اليقين الناس كلهم عيال عليهم و منتسبون انتساب العبودية إليهم عنهم أخذت المآثر و منهم تعلمت المفاخر و بشرفهم شرف الأول و الآخر و لو أطلت في صفاتهم لم آت بطائل و لو حاولت حصرها نادتني أين الثريا من يد المتناول و كيف تطيق حصر ما عجز عنه الأواخر و الأوائل و هذا مقام يلبس فيه سحبان وائل فهاهة باقل فكففت عنان القلم و كففت من

[372]

انثيال الكلم و اتبعت العادة في مدحه (عليه السلام) بشعر يزيد قدري و ينقص عن قدره و يخلد ذكري بخلود ذكره و هو :

حماد حماد للمثني حماد *** على آلاء مولانا الجواد

إمام هدى له شرف و مجد *** علا بهما على السبع الشداد

إمام هدى له شرف و مجد *** أقر به الموالي و المعادي

‏تصوب يداه بالجدوى فتغني *** عن الأنواء في السنة الجماد

يبخل جود كفيه إذا ما *** جرى في الجود منهل الغواد

بنى من صالح الأعمال بيتا *** بعيد الصيت مرتفع العماد

و شاد من المفاخر و المعالي *** بناء لم يشده قوم عاد

فواضله و أنعمه غزار *** عهدن أبر من سح العهاد

و يقدم في الوغى إقدام ليث *** و يجري في الندى جري الجواد

فمن يرجو اللحاق به إذا ما *** أتى بطريف فخر أو تلاد

من القوم الذين أقر طوعا *** بفضلهم الأصادق و الأعادي

‏أياديهم و فضلهم جميعا *** قلائد محكمات في الهوادي‏

بهم عرف الورى سبل المعالي *** و هم دلوا الأنام على الرشاد

و هم أهل المعالي و المعاني *** و هم أهل العطايا و الأيادي

‏سموا في الحلم قيسا و ابن قيس *** و إن قالوا فمن قس الأيادي

[373]

و هذا مذهب في الشعر جار *** و أين من الربا خفض الوهاد

لهم أيد جبلن على سماح *** و أفعال طبعن على سداد

و هم من غير ما شك و خلف *** إذا أنصفت سادات العباد

أيا مولاي دعوة ذي ولاء *** إليكم ينتمي و بكم ينادي

‏يقدم حبكم ذخرا و كنزا *** يعود إليه في يوم المعاد

جرى بمديح مجدكم لساني *** فأصبح ديدني فيكم و عادي

‏ففيكم رغبتي و على هواكم *** محافظتي و حبكم اعتقادي

‏إذا محض الوداد الناس قوما *** محضتكم و إن سخطوا ودادي‏

و كيف يجوز عن قصد لساني *** و قلبي رائح بهواك غادي

‏و مما كانت الحكماء قالت *** لسان المرء من خدم الفؤاد

و قد قدمتكم زادا لسيري *** إلى الأخرى و نعم الزاد زادي

‏فأنتم عدتي إن ناب دهر *** و أنتم إن عرى خطب عتادي

[374]

next page

fehrest page

back page