next page

fehrest page

back page

ذكر الإمام الحادي عشر أبي محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن الصادق جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين

قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة رحمه الله تعالى الباب الحادي عشر في أبي محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا (عليه السلام) .

مولده .

سنة إحدى و ثلاثين و مائتين للهجرة .

و أما نسبه أبا و أما .

فأبوه أبو الحسن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا و قد تقدم القول في ذلك و أمه أم ولد يقال لها سوسن .

و أما اسمه .

فالحسن و كنيته أبو محمد و لقبه الخالص .

و أما مناقبه.

فاعلم أن المنقبة العليا و المزية الكبرى التي خصه الله جل و علا بها فقلده فريدها و منحه تقليدها و جعلها صفة دائمة لا يبلى الدهر جديدها و لا تنسى الألسن تلاوتها و ترديدها أن المهدي من نسله المخلوق منه و ولده المنتسب إليه و بضعته المنفصلة عنه و سيأتي في الباب الذي يتلو هذا الباب شرح مناقبه و تفصيل أحواله إن شاء الله تعالى.

و كفى أبا محمد الحسن تشريفه من ربه أن جعل محمد المهدي من كسبه و أخرجه من صلبه و جعله معدودا من حزبه و لم يكن لأبي محمد ولد ذكر سواه و حسبه ذلك منقبة و كفاه لم تطل من الدنيا أيام مقامه و مثواه و لا امتد أمد حياته فيها ليظهر للناظرين مآثره و مزاياه.

و أما عمره .

فإنه توفي في الثامن من ربيع الأول من سنة ستين و مائتين للهجرة

[403]

في خلافة المعتمد و قد تقدم ذكر ولادته في سنة إحدى و ثلاثين و مائتين فيكون عمره تسعا و عشرين سنة كان مقامه مع أبيه ثلاثا و عشرين سنة و أشهرا و بقي بعد أبيه خمس سنين و شهورا و قبره بسر من رأ آخر كلام كمال الدين.

و أنا أعجب من كونه مع فضله و مكانه من العلم و ميله إلى تصنيف هذا الكتاب لم ينقب عن فضائلهم و لم يبالغ في إيضاح أخبارهم و دلائلهم فاقتصر على هذا القدر من ذكره و ذكر أبيه من قبله و اعتذر بقصر عمره عن عد فضله و لو طلب ذلك و اجتهد لحصل ما أراد و وجد و سعى إلى حيث لا أمد فإن مناقبهم (عليه السلام) لا تدخل تحت العدد و هي متزايدة مع الأبد واضحة الجدد.

و قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي رحمه الله تعالى : أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يلقب بالعسكري مولده سنة إحدى و ثلاثين و مائتين توفي سنة ستين و مائتين فيكون عمره تسعا و عشرين سنة في زمن المعتز و قبره بسامراء و قيل مولده سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين و قبض بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين و كان سنه يومئذ ثمان و عشرين سنة و أمه أم ولد يقال لها حربية و قبره إلى جانب قبر أبيه بسر من رأى .

و روى عن رجاله قال القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن هارون الضبي إملاء قال وجدت في كتاب والدي حدثنا جعفر بن محمد بن حمزة العلوي قال : كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا أسأله لم فرض الله تعالى الصوم فكتب إلي فرض الله تعالى الصوم ليجد الغني مس الجوع ليحنو على الفقير .

و روى عن رجاله عن الحافظ البلاذري حدثنا الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى إمام عصره عند الإمامية بمكة قال حدثني أبي علي بن محمد المفتي قال حدثني أبي محمد بن علي السيد المحجوب قال حدثني أبي علي بن موسى الرضا قال حدثني أبي موسى بن جعفر المرتضى قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين السجاد

[404]

زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة قال حدثني أبي علي بن أبي طالب سيد الأوصياء قال حدثني محمد بن عبد الله سيد الأنبياء قال حدثني جبرئيل سيد الملائكة قال :
قال الله عز و جل سيد السادات إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن أقر لي بالتوحيد دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي .

و قال الحاكم و لم نكتبه إلا عن هذا الشيخ تم كتاب معالم العترة و الحمد لله .

قال شيخنا المفيد رحمه الله تعالى في إرشاده باب ذكر القائم بعد أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و النص عليه من أبيه و مبلغ سنه و مدة خلافته و ذكر وفاته و موضع قبره و طرف من أخباره :

و كان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد ابنه أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) لاجتماع خلال الفضل فيه و تقدمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة و يقتضي له الرئاسة من العلم و الزهد و كمال العقل و العصمة و الشجاعة و الكرم و كثرة الأعمال المقربة إلى الله جل اسمه ثم لنص أبيه (عليه السلام) عليه و إشارته بالخلافة إليه و كان مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين و قبض يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين و له يومئذ ثمان و عشرون سنة و دفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه (عليه السلام) و أمه أم ولد يقال لها حديثة و كانت مدة خلافته ست سنين .

باب ذكر طرف من الخبر الوارد بالنص عليه من أبيه (عليه السلام) و الإشارة إليه بالإمامة من بعده

عن يحيى بن يسار العنبري قال : أوصى أبو الحسن علي بن محمد إلى ابنه الحسن (عليه السلام) قبل مضيه بأربعة أشهر و أشار إليه بالأمر من بعده و أشهدني على ذلك و جماعة من الموالي .

و عن علي بن عمرو النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك فقال لا صاحبكم

[405]

بعدي الحسن .

و عن عبد الله بن محمد الأصفهاني قال : قال أبو الحسن (عليه السلام) صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال و لم نعرف أبا محمد قبل ذلك قال فخرج أبو محمد بعد وفاته فصلى عليه .

و عن علي بن جعفر قال : كنت حاضرا أبا الحسن (عليه السلام) لما توفي ابنه محمد فقال للحسن يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا .

و عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن مروان قال : كنت حاضرا عند مضي أبي جعفر محمد بن علي فجاء أبو الحسن (عليه السلام) فوضع له كرسي فجلس عليه و حوله أهل بيته و أبو محمد (عليه السلام) قائم في ناحية فلما فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد (عليه السلام) فقال مثله .

و عن علي بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إن كان كون و أعوذ بالله فإلى من قال عهدي إلى الأكبر من ولدي يعني الحسن (عليه السلام) .

و عن علي بن عمرو العطار قال : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) و ابنه أبو جعفر بحياة و أنا أظن أنه الخلف من بعده فقلت له جعلت فداك من أخص من ولدك فقال لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر قال فكتب إلي في الأكبر من ولدي و كان أبو محمد (عليه السلام) أكبر من أبي جعفر .

و عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس : أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد في دار أبي الحسن (عليه السلام) و قد بسط له في صحن داره و الناس حوله جلوس فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب و بني العباس و قريش مائة و خمسون رجلا سوى مواليه و سائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي بعد ساعة من قيامه و قد جاء مشقوق الجيب وقف على يمينه و نحن لا نعرفه فقال له يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث الله فيك أمرا فبكى الحسن (عليه السلام) و استرجع فقال الحمد لله رب العالمين و إياه أسأل تمام نعمه علينا و إنا لله و إنا إليه راجعون فسألنا عنه فقيل لنا هذا الحسن بن علي ابنه و قدرنا له في ذلك الوقت عشرين

[406]

سنة و نحوها فيومئذ عرفناه و علمنا أنه أشار إليه بالإمامة و أقامه مقامه .

و عن محمد بن يحيى قال : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) بعد مضي أبي جعفر ابنه فعزيته عنه و أبو محمد جالس فبكى أبو محمد فأقبل عليه أبو الحسن (عليه السلام) فقال إن الله قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله .

و عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) بعد ما مضى ابنه أبو جعفر و أني لأفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني أبا جعفر و أبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى و إسماعيل ابني جعفر بن محمد (عليه السلام) و إن قصتهما كقصتهما فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه و معه آلة الإمامة .

و عن أبي بكر الفهفكي قال : كتب أبو الحسن (عليه السلام) إلي أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة و أوثقهم حجة و هو الأكبر من ولدي و هو خليفتي و إليه تنتهي عرى الإمامة و أحكامها فما كنت سائلي عنه فاسأله عنه فعنده ما تحتاج إليه .

و عن شاهويه بن عبد الله قال : كتب إلي أبو الحسن (عليه السلام) في كتاب أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر و قلقت لذلك فلا تقلق فإن الله لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون صاحبك أبو محمد و عنده ما تحتاجون إليه يقدم الله ما يشاء و يؤخر و ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها و في هذا بيان و إقناع لذي عقل يقظان .

و عن داود بن القاسم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت و لم جعلني الله فداك فقال إنكم لا ترون شخصه و لا يحل لكم ذكره باسمه فقلت فكيف نذكره قال قولوا الحجة من آل محمد (عليه السلام) .

و الأخبار في هذا الباب كثيرة يطول بها الكتاب .

[407]

باب ذكر طرف من أخبار أبي محمد (عليه السلام) و مناقبه و آياته و معجزاته

عن الحسن بن محمد الأشعري و محمد بن يحيى و غيرهما قالوا : كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع و الخراج بقم فجرى يوما في مجلسه ذكر العلوية و مذاهبهم و كان شديد النصب و الانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) فقال ما رأيت و لا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه و سكونه و عفافه و نبله و كبرته عند أهل بيته و بني هاشم كافة و تقديمهم إياه على ذوي السن منهم و الخطر و كذلك كانت حاله عند القواد و الوزراء و عامة الناس فأذكر إني كنت يوما قائما على رأس أبي و هو يوم مجلسه للناس إذ دخل حجابه فقالوا أبو محمد بن الرضا بالباب فقال بصوت عال ائذنوا له فعجبت مما سمعت منهم و من جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة أبي و لم يكن يكنى عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى عنده فدخل رجل أسمر اللون حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن له جلالة و هيبة حسنة.

فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطوات و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم و القواد فلما دنا منه عانقه و قبل وجهه و صدره و أخذ بيده و أجلسه على مصلاه الذي كان عليه و جلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه يكلمه و يفديه بنفسه و أنا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال الموفق قد جاء و كان الموفق إذا دخل على أبي يقدمه حجابه و خاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين إلى أن يدخل و يخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمانه الخاصة فقال حينئذ إذا شئت جعلني الله فداك ثم قال لحجابه خذوا به من خلف السماطين لا يراه هذا يعني الموفق فقام و قام أبي و عانقه و مضى فقلت لحجاب أبي و غلمانه ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي و فعل به هذا الفعل فقال هذا علوي يقال له الحسن بن علي يعرف .

[408]

بابن الرضا فازددت تعجبا و لم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره و أمر أبي و ما رأيته منه حتى كان الليل و كانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر ما يحتاج إليه من المؤامرات و ما يرفعه إلى السلطان.

فلما صلى و جلس جئت فجلست بين يديه و ليس عنده أحد فقال يا أحمد أ لك حاجة قلت نعم يا أبة فإن أذنت سألتك عنها قال قد أذنت قلت يا أبة من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال و الكرامة و التبجيل و فديته بنفسك و أبويك فقال يا بني ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ثم سكت ساعة و أنا ساكت ثم قال يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه و لو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا فازددت قلقا و غيظا و تفكرا على أبي و ما سمعت منه فيه و رأيته من فعله فلم تكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره و البحث عن أمره فما سألت أحدا من بني هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال و الإعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له على جميع أهل بيته و مشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا و لا عدوا إلا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه.

فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين فما خبر أخيه جعفر و كيف كان في المحل فقال و من جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن إلى الحسن جعفر معلن بالفسق فاجر شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال و أهتكهم لنفسه خفيف قليل في نفسه و لقد ورد على السلطان و أصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه و ما ظننت أنه يكون منه و ذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا و معه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته و خاصته و فيهم نحرير و أمرهم بلزوم دار الحسن و تعرف خبره و حاله و بعث إلى نفر من المتطببين و أمرهم بالاختلاف إليه و تعهده

[409]

صباحا و مساء فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف فركب حتى بكر إليه فأمر المتطببين بلزوم داره و بعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه و أمره أن يختار عشرة ممن يوثق به بدينه و ورعه و أمانته فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن و أمرهم بلزومه ليلا و نهارا فلم يزالوا هناك حتى توفي (عليه السلام) .

فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة و عطلت الأسواق و ركب بنو هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و المعدلون و سائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية و العباسية و القواد و الكتاب و القضاة و المعدلين و قال هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه و حضره من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان و من المتطببين فلان و فلان ثم غطى وجهه و صلى عليه و أمر بحمله.

و لما دفن جاء جعفر أخوه إلى أبي فقال له اجعل لي مرتبة أخي و أنا أوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار فزبره أبي و أسمعه ما كره و قال له يا أحمق السلطان أطال الله بقاءه جرد سيفه في الذين يزعمون أن أباك و أخاك أئمة ليردوهم عن ذلك فما تهيأ له ذلك فإن كنت عند شيعة أبيك و أخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم و لا غير سلطان و إن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لا تنالها بنا فاستقله أبي عند ذلك و استضعفه و أمر أن يحجب عنه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى مات أبي و خرجنا و هو على تلك الحال و السلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي اليوم و هو لا يجد إلى ذلك سبيلا و شيعته مقيمون على أنه مات و خلف ولدا يقوم مقامه بالإمامة .

[410]

و كتب أبو محمد (عليه السلام) إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوما : ألزم بيتك حتى يحدث الحادث فلما قتل تريخة كتب إليه قال حدث الحادث فما تأمرني فكتب إليه ليس هذا الحادث الحادث الآخر فكان من المعتز ما كان .

قال و كتب إلى رجل آخر يقتل محمد بن داود قبل قتله بعشرة أيام فلما كان في اليوم العاشر قتل .

و عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال : ضاق بنا الأمر فقال لي أبي امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعني أبا محمد فإنه قد وصف عنه سماحة فقلت تعرفه قال ما أعرفه و لا رأيته قط قال فقصدناه فقال أبي و هو في طريقه ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مأتي درهم للكسوة و مأتي درهم للدقيق و مائة درهم للنفقة و قلت في نفسي ليته أمر لي بثلاثة مائة درهم مائة أشتري بها حمارا و مائة للنفقة و مائة للكسوة فأخرج إلى الجبل قال فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه فقال يدخل علي بن إبراهيم و محمد ابنه فلما دخلنا عليه و سلمنا قال لأبي يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت قال يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة فيها دراهم و قال هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة و مائتان للدقيق و مائة للنفقة و أعطاني صرة و قال هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار و مائة للكسوة و مائة للنفقة و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سوراء قال فصار إلى سوراء و تزوج امرأة منها فدخله اليوم ألفا دينار و مع هذا يقول بالوقف. قال محمد بن إبراهيم الكردي فقلت له ويحك أ تريد أمرا أبين من هذا قال فقال صدقت و لكنا على أمر جرينا عليه.

قلت هذا هو التقليد الذي ذمه الله عز و علا في شريف كتابه.

فقال حكاية

[411]

عن الكفار إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ و لا شبهة أن عذاب هؤلاء الذين بلغتهم الدعوة و رأوا الأدلة و المعجزات أشد بأضعاف مضاعفة بل لا نسبة لهم إلى من لم تبلغه الدعوة و لا قامت عليه الحجة و هذا العلوي لو لم يرى أمارة و لا سمع دلالة كان أحسن حالا منه بعد ذلك و يهدي الله لنوره من يشاء.

حدث أحمد بن الحرث القزويني قال : كنت مع أبي بسر من رأى و كان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمد (عليه السلام) قال و كان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا و كبرا و كان يمنع ظهره و اللجام و كان قد جمع عليه الرواض فلم تكن لهم حيلة في ركوبه فقال له بعض ندمائه يا أمير المؤمنين أ لا تبعث إلى الحسن بن علي ابن الرضا حتى تجي‏ء فإما أن يركبه و إما أن يقتله قال فبعث إلى أبي محمد و مضى أبي معه فلما دخل أبو محمد الدار كنت مع أبي فنظر أبو محمد إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدا إليه فوضع يده على كفله قال فنظرت إلى البغل قد عرق حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم عليه فرحب به و قربه و قال يا با محمد ألجم هذا البغل فقال أبو محمد لأبي ألجمه يا غلام فقال له المستعين ألجمه أنت فوضع أبو محمد طيلسانه و قام فألجمه ثم رجع إلى مجلسه و جلس قال له يا با محمد أسرجه فقال لأبي يا غلام أسرجه فقال المستعين أسرجه أنت فقام ثانية فأسرجه و رجع إلى مجلسه فقال له ترى أن تركبه فقال أبو محمد نعم فركبه من غير أن يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على الهملجة فمشى أحسن مشى يكون ثم رجع فنزل فقال له المستعين كيف رأيته قال ما رأيت مثله حسنا و فراهة فقال له المستعين فإن أمير المؤمنين قد حملك عليه فقال أبو محمد لأبي يا غلام خذه فأخذه أبي فقاده .

[412]

و عن أبي هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) الحاجة فحك بسوط الأرض فأخرج منها سبيكة نحو الخمسمائة دينار و قال خذها يا أبا هاشم و أعذرنا .

و عن أبي علي المطهري : أنه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج و أنه يخاف العطش إن مضى فكتب (عليه السلام) امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله فمضى من بقي سالمين لم يجدوا عطشا .

و عن علي بن الحسين بن الفضل اليماني قال : نزل بالجعفري من آل جعفر خلق كثير لا قبل له بهم فكتب إلى أبي محمد (عليه السلام) يشكو ذلك فكتب إليه تكفونهم إن شاء الله قال فخرج إليهم في نفر يسير و القوم يزيدون على عشرين ألف نفس و هو في أقل من ألف فاستباحهم .

و عن محمد بن إسماعيل العلوي قال : حبس أبو محمد (عليه السلام) عند علي بن أوتامش و كان شديد العداوة لآل محمد عليهم السلام غليظا على آل أبي طالب و قيل له افعل به و افعل فما أقام إلا يوما حتى وضع خديه له و كان لا يرفع بصره إليه إجلالا و إعظاما و خرج من عنده و هو أحسن الناس بصيرة و أحسنهم قولا فيه .

حدث أبو هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد (عليه السلام) ضيق الحبس و كلب القيد فكتب إلي أنت تصلي الظهر اليوم في منزلك فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال و كان مضيقا فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت فلما صرت إلى منزلي وجه إلي مائة دينار و كتب إلي إذا كانت لك حاجة فلا تستحي و لا تحتشم و اطلبها فإنك على ما تحب إن شاء الله .

و عن أبي حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمد (عليه السلام) غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم و فيهم ترك و روم و صقلابية فتعجبت من ذلك و قلت هذا ولد بالمدينة و لم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن و لا رآه أحد فكيف هذا أحدث نفسي بذلك فأقبل علي و قال إن الله جل اسمه بين حجته من سائر خلقه و أعطاه معرفة كل

[413]

شي‏ء و هو يعرف اللغات و الأسباب و الحوادث و لو لا ذلك لم يكن بين الحجة و المحجوج فرق .

و قال الحسن بن طريف : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمد (عليه السلام) فكتبت إليه أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي و أين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس و أردت أن أسأله عن شي‏ء لحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى فجاء بالجواب سألت عن القائم فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود (عليه السلام) لا يسأل البينة و كنت أردت أن تسأل عن حمى الربع فأنسيت فاكتب في ورقة و علقه على المحموم يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فكتبت ذلك و علقته على محموم فبرأ و أفاق .

قال إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال : قعدت لأبي محمد (عليه السلام) على ظهر الطريق فلما مر بي شكوت إليه الحاجة و حلفت له أنه ليس عندي درهم واحد فما فوقه و لا غداء و لا عشاء قال فقال تحلف بالله كاذبا و قد دفنت مائتي دينار و ليس قولي هذا دفعا لك عن العطية أعطه يا غلام ما معك فأعطاني غلامه مائة دينار ثم أقبل علي فقال إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها و صدق (عليه السلام) و ذلك أني أنفقت ما وصلني به و اضطررت ضرورة شديدة إلى شي‏ء أنفقه و انغلقت علي أبواب الرزق فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فنظرت فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب فما قدرت منها على شي‏ء .

قال علي بن زيد بن علي بن الحسين : كان لي فرس و كنت به معجبا أكثر ذكره في المحافل فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) يوما فقال ما فعل فرسك فقلت ها هو على بابك الآن نزلت عنه فقال استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لا تؤخر ذلك و دخل علينا داخل فانقطع الكلام فقمت من مكاني مفكرا و مضيت إلى منزلي فأخبرت أخي قال لي ما أدري ما أقول في هذا و شححت به و نفست

[414]

على الناس ببيعه و أمسينا فلما صلينا العتمة جاءني السائس فقال نفق فرسك الساعة فاغتممت و علمت أنه عنى هذا بذلك القول ثم دخلت على أبي محمد بعد أيام و أنا أقول في نفسي ليته أخلف علي دابة فلما جلست قال قبل أن أحدث بشي‏ء نعم نخلف عليك يا غلام أعطه برذوني الكميت ثم قال هذا خير من فرسك و أوطأ و أطول عمرا .

قال أحمد بن محمد : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك و يقول و الله لأخلينهم عن جديد الأرض فوقع أبو محمد (عليه السلام) بخطه ذاك أقصر لعمره و عد من يومك هذا خمسة أيام و يقتل في اليوم السادس بعد هوان و استخفاف بموته فكان كما قال .

قال : دخل العباسيون على صالح بن وصيف عند ما حبس أبو محمد (عليه السلام) فقالوا له ضيق عليه و لا توسع فقال صالح ما أصنع به قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصيام إلى أمر عظيم ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل فقالا له ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا و أدخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خائبين.

و عن علي بن محمد عن جماعة من أصحابنا قالوا : سلم أبو محمد (عليه السلام) إلى نحرير و كان يضيق عليه و يؤذيه فقالت له امرأته اتق الله فإنك لا تدري من في بيتك و ذكرت له صلاحه و عبادته و قالت إني أخاف عليك منه فقال و الله لأرمينه للسباع ثم استأذن في ذلك فأذن له فرمى به إليها و لم يشكوا في أكلها له فنظروا

[415]

إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه (عليه السلام) قائما يصلي و هي حوله فأمر بإخراجه إلى داره و الروايات في هذا المعنى كثيرة و فيما أثبتناه منها كفاية فيما نحوناه إن شاء الله.

و قال باب ذكر وفاة أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) و موضع قبره و ذكر ولده .

و مرض أبو محمد (عليه السلام) في أول شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين و مات في يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر في السنة المذكورة و له يوم وفاته ثمان و عشرون سنة و دفن في البيت الذي دفن فيه أبوه من دارهما بسر من رأى و خلف ابنه المنتظر لدولة الحق و كان قد أخفى مولده و ستر أمره لصعوبة الوقت و شدة طلب سلطان الزمان له و اجتهاده في البحث عن أمره و لما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه و عرف انتظارهم له فلم يظهر ولده (عليه السلام) في حياته و لا عرفه الجمهور بعد وفاته.

و تولى جعفر بن علي أخو أبي محمد أخذ تركته و سعى في حبس جواري أبي محمد (عليه السلام) و اعتقال حلائله و شنع على أصحابه بانتظارهم و ولده و قطعهم بوجوده و القول بإمامته و أغرى بالقوم حتى أخافهم و شردهم و جرى على مخلفي أبي محمد (عليه السلام) بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال و حبس و تهديد و تصغير و استخفاف و ذل و لم يظفر السلطان منهم بطائل و حاز جعفر ظاهر تركه أبي محمد (عليه السلام) و اجتهد في القيام عند الشيعة مقامه و لم يقبل أحد منهم ذلك و لا اعتقده فيه فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه و بذل مالا جليلا و تقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به فلم ينتفع بشي‏ء من ذلك.

و لجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى رأيت الإضراب عن ذكرها لأسباب لا يحتمل الكتاب شرحها و هي مشهورة عند الإمامية و من عرف أخبار الناس من العامة و بالله التوفيق.

قال ابن الخشاب ولد أبو محمد الحسن بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي

[416]

الرضا بن موسى الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في سنة إحدى و ثلاثين و مائتين و توفي في يوم الجمعة و قال بعض الرواة في يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة مائتين و ستين فكان عمره تسعا و عشرين سنة منها بعد أبيه خمس سنين و ثمانية أشهر و ثلاثة عشر يوما قبره بسر من رأى أمه سوسن .

و من كتاب الدلائل الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) عن محمد بن عبد الله قال : لما أمر سعيد بحمل أبي محمد إلى الكوفة قد كتب إليه أبو الهيثم جعلت فداك بلغنا خبر قلقنا و بلغ منا فكتب بعد ثلاث يأتيكم الفرج فقتل المعتز يوم الثالث .

قال : و فقد له غلام صغير فلم يوجد فأخبر بذلك و قال اطلبوه من البركة فطلب فوجد في بركة الدار ميتا.

قال : و انتهبت خزانة أبي الحسن بعد ما مضى فأخبر بذلك فأمر بغلق الباب ثم دعا بحرمه و عياله فجعل يقول لواحد واحد رد كذا و كذا و يخبره بما أخذ فردوا حتى ما فقد شيئا.

حدث هارون بن مسلم قال : ولد لابني أحمد ابن فكتبت إلى أبي محمد و ذلك بالعسكر اليوم الثاني من ولادته أسأله أن يسميه و يكنيه و كان محبتي أن أسميه جعفرا و أكنيه بأبي عبد الله فوافاني رسوله في صبيحة اليوم السابع و معه كتاب سمه جعفرا و كنه بأبي عبد الله و دعا لي .

و حدثني القاسم الهروي قال : خرج توقيع من أبي محمد إلى بعض بني أسباط قال كتبت إليه أخبره عن اختلاف الموالي و أسأله إظهار دليل فكتب إلي و إنما خاطب الله عز و جل العاقل و ليس أحد يأتي بآية و يظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين و سيد المرسلين فقالوا ساحر و كاهن و كذاب و هدى الله من اهتدى و غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس و ذلك أن الله عز و جل يأذن لنا فنتكلم و يمنع فنصمت و لو أحب أن لا يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين و منذرين يصدعون بالحق في حال الضعف و القوة و ينطقون في أوقات ليقضي الله أمره و ينفذ حكمه

[417]

الناس في طبقات شتى المستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق متعلق بفرع أصل غير شاك و لا مرتاب لا يجد عنه ملجأ و طبقة لم تأخذ الحق من أهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه و يسكن عند سكونه و طبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد على أهل الحق و دفع الحق بالباطل حسدا من عند أنفسهم فدع من ذهب يذهب يمينا و شمالا فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي و ذكرت ما اختلف فيه موالي فإذا كانت الرفعة و الكبر فلا ريب و من جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم أحسن رعاية من استرعيت و إياك و الإذاعة و طلب الرئاسة فإنهما يدعوان إلى الهلكة ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار الله لك و تدخل مصر إن شاء الله آمنا و اقرأ من تثق به من موالي السلام و مرهم بتقوى الله العظيم و أداء الأمانة و أعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا قال فلما قرأت و تدخل مصر إن شاء الله آمنا لم أعرف معنى ذلك فقدمت بغداد و عزيمتي الخروج إلى فارس فلم يتهيأ ذلك فخرجت إلى مصر .

و عن علي بن محمد بن زياد : أنه خرج إليه توقيع أبي محمد فتنة تخصك فكن حلسا من أحلاس بيتك قال فنابتني نائبة فزعت منها فكتبت إليه أ هي هذه فكتب لا أشد من هذه فطلبت بسبب جعفر بن محمد و نودي على من أصابني فله مائة ألف درهم .

حدث محمد بن علي السمري قال : دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله و بين يديه رقعة أبي محمد (عليه السلام) فيها إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني الزبيري و هو أخذه بعد ثلاث فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل .

و عنه قال كتب إلي أبو محمد : فتنة تظلكم فكونوا على أهبة فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين بني هاشم و كانت لهم هنة لها شأن فكتبت إليه أ هي هذه قال لا و لكن غير هذه فاحترسوا فلما كان بعد أيام كان من أمر المعتز ما كان .

[418]

و عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمد إذ دخل عليه شاب حسن الوجه فقلت في نفسي من هذا فقال أبو محمد هذا ابن أم غانم صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي و قد جاءني أطبع فيها هات حصاتك فأخرج حصاة فإذا فيها موضع أملس فطبع فيها بخاتم معه فانطبع قال و اسم اليماني مهجع بن سفيان بن علم ابن أم غانم اليمانية .

قال : خرج أبو محمد في جنازة أبي الحسن و قميصه مشقوق فكتب إليه أبو عون قرابة نجاح بن سلمه من رأيت أو بلغك من الأئمة شق ثوبه في مثل هذا فكتب إليه أبو محمد يا أحمق و ما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون .

و عن جعفر بن محمد القلانسي قال : كتب محمد أخي إلى أبي محمد و امرأته حامل مقرب أن يدعو الله أن يخلصها و يرزقه ذكرا و يسميه فكتب يدعو الله بالصلاح و يقول رزقك الله ذكرا سويا و نعم الاسم محمد و عبد الرحمن فولدت اثنين في بطن أحدهما في رجله زوائد في أصابعه و الآخر سوى فسمى واحدا محمدا و الآخر صاحب الزوائد عبد الرحمن .

و عن جعفر بن محمد القلانسي قال : كتبت إلى أبي محمد مع محمد بن عبد الجبار و كان خادما يسأله عن مسائل كثيرة و يسأله الدعاء لأخ له خرج إلى أرمنية يجلب غنما فورد الجواب بما سأل و لم يذكر أخاه فيه بشي‏ء فورد الخبر بعد ذلك إن أخاه مات يوم كتب أبو محمد جواب المسائل فعلمنا أنه لم يذكر لأنه علم بموته .

و عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمد فقال إذا خرج القائم أمر بهدم المنار و المقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي لأي معنى هذا فأقبل علي و قال معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و لا حجة .

و عن داود بن القاسم الجعفري قال سألت أبا محمد عن قول الله عز و جل ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ قال : كلهم من آل محمد الظالم لنفسه الذي

[419]

لا يقر بالإمام قال فدمعت عيني و جعلت أفكر في نفسي في عظم ما أعطى الله آل محمد على محمد و آله السلام فنظر إلي أبو محمد فقال الأمر أعظم مما حدثتك نفسك من عظيم شأن آل محمد فاحمد الله فقد جعلت متمسكا بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم فأبشر يا أبا هاشم فإنك على خير .

و عن أبي هاشم قال سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ فقال أبو محمد : هل يمحو الله إلا ما كان و هل يثبت إلا ما لم يكن فقلت في نفسي هذا خلاف ما يقول هشام بن الحكم لا يعلم الشي‏ء حتى يكون فنظر إلي أبو محمد فقال تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل كونها الخالق إذ لا مخلوق و الرب إذ لا مربوب و القادر قبل المقدور عليه فقلت أشهد أنك ولي الله و حجته و القائم بقسطه و أنك على منهاج أمير المؤمنين و علمه .

و قال أبو هاشم ; كنت عند أبي محمد فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا قال أبو محمد : ثبتت المعرفة و نسوا ذلك الموقف و سيذكرونه و لو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه و لا من رازقه قال أبو هاشم

[420]

فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه و جزيل ما حمله فأقبل أبو محمد علي فقال الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم و أعظم ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله و من أنكرهم أنكر الله فلا مؤمن إلا و هو بهم مصدق و بمعرفتهم موقن .

و قال أبو هاشم : سمعت أبا محمد يقول من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أؤخذ إلا بهذا فقلت في نفسي إن هذا لهو الدقيق و قد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل شي‏ء فأقبل علي فقال صدقت يا أبا هاشم ألزم ما حدثتك نفسك فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفاء في الليلة الظلماء و من دبيب الذر على المسح الأسود .

و عن أبي هاشم قال : سمعت أبا محمد يقول إن في الجنة لبابا يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف فحمدت الله في نفسي و فرحت بما أتكلفه من حوائج الناس فنظر إلي أبو محمد قال نعم فدم على ما أنت عليه فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا أبا هاشم و رحمك .

و عنه قال : سمعت أبا محمد يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها .

و عنه قال : سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ فقال أبو محمد له الأمر من قبل أن يأمر به و له الأمر من بعد أن يأمر بما شاء فقلت في نفسي هذا قول الله أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال فنظر إلي و تبسم ثم قال أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ .

و عن أبي هاشم قال : سئل أبو محمد ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا و يأخذ الرجل سهمين فقال إن المرأة ليست عليها جهاد و لا نفقة

[421]

و لا عليها معقلة إنما ذلك على الرجل فقلت في نفسي قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب فأقبل أبو محمد علي فقال نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء و الجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا جرى لآخرنا ما جرى لأولنا و أولنا و آخرنا في العلم سواء و لرسول الله (عليه السلام) و لأمير المؤمنين فضلهما .

و عنه قال : كتب إليه بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاء فكتب إليه أن ادع بهذا الدعاء يا أسمع السامعين و يا أبصر المبصرين و يا عز الناظرين و يا أسرع الحاسبين و يا ارحم الراحمين و يا أحكم الحاكمين صل على محمد و آل محمد و أوسع لي في رزقي و مد لي في عمري و امنن علي برحمتك و اجعلني ممن تنتصر به لدينك و لا تستبدل بي غيري قال أبو هاشم فقلت في نفسي اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك فأقبل علي أبو محمد فقال أنت في حزبه و في زمرته إذ كنت بالله مؤمنا و لرسوله مصدقا و لأوليائه عارفا و لهم تابعا فأبشر ثم أبشر .

قال أبو هاشم : سمعت أبا محمد يقول إن لكلام الله فضلا على الكلام كفضل الله على خلقه و لكلامنا فضل على كلام الناس كفضلنا عليهم .

و عن محمد بن الحسن بن ميمون قال : كتبت إليه أشكو الفقر ثم قلت في نفسي أ ليس قد قال أبو عبد الله الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا فرجع الجواب إن الله عز و جل محص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر و قد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا و نحن كهف لمن التجأ إلينا و نور لمن استبصر بنا و عصمة لمن اعتصم بنا من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى و من انحرف عنا فإلى النار .

و عن أبي هاشم قال : دخلت على أبي محمد و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به فجلست و أنسيت ما جئت له ثم ودعته و نهضت فرمى إلي بخاتم فقال لي

[422]

أردت فضة فأعطيناك خاتما ربحت الفص و الكراء هناك الله يا أبا هاشم فقلت يا سيدي أشهد أنك ولي الله و إمامي الذي أدين الله بفضله و طاعته فقال يغفر الله لك يا أبا هاشم .

و عن علي بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن في صحن داره فمر علينا جعفر فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا قال لا صاحبكم الحسن .

و عن الحجاج بن سفيان العبدي قال : خلفت ابني بالبصرة عليلا و كتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فكتب رحم الله ابنك أنه كان مؤمنا قال حجاج فورد علي كتاب من البصرة أن ابني مات في اليوم الذي كتب إلي أبو محمد بموته و كان ابني شك في الإمامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة .

و عن محمد بن درياب الرقاشي قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله عن المشكاة و أن يدعو الله لامرأتي و كانت حاملا على رأس ولدها أن يرزقني الله ولدا ذكرا و سألته أن يسميه فرجع الجواب المشكاة قلب محمد (عليه السلام) و لم يجبني عن امرأتي بشي‏ء و كتب في آخر الكتاب عظم الله أجرك و أخلف عليك فولدت ولدا ميتا و حملت بعده فولدت غلاما .

قال عمر بن أبي مسلم : كان سميع المسمعي يؤذيني كثيرا و يبلغني عنه ما أكره و كان ملاصقا لداري فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء بالفرج منه فرجع الجواب أبشر بالفرج سريعا و أنت مالك داره فمات بعد شهر و اشتريت داره فوصلتها بداري ببركته .

عن محمد بن عبد العزيز البلخي قال : أصبحت يوما فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمد قد أقبل من منزله يريد دار العامة فقلت في نفسي ترى إن صحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه يقتلوني فلما دنا مني أومأ بإصبعه السبابة علي فيه أن اسكت

[423]

و رأيته تلك الليلة يقول إنما هو الكتمان أو القتل فاتق الله على نفسك .

و حدث محمد بن الأقرع قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله عن الإمام هل يحتلم و قلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب الاحتلام شيطنة و قد أعاذ الله أولياءه من ذلك فرد الجواب الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك .

و عن أبي بكر قال : عرض علي صديق أن أدخل معه في شراء ثمار من نواحي شتى فكتبت إلى أبي محمد أشاوره فكتب لا تدخل في شي‏ء من ذلك ما أغفلك عن الجراد و الحشف فوقع الجراد فأفسده و ما بقي منه تحشف و أعاذني الله من ذلك ببركته .

حدثني الحسن بن ظريف قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله ما معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) من كنت مولاه فهذا مولاه قال أراد بذلك أن يجعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة .

قال : و كتبت إلى أبي محمد و قد تركت التمتع منذ ثلاثين سنة و قد نشطت لذلك و كان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال فمال قلبي إليها و كانت عاهرا لا تمنع يد لامس فكرهتها ثم قلت قد قال تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال فكتبت إلى أبي محمد أشاوره في المتعة و قلت أ يجوز بعد هذه السنين أن أتمتع فكتب إنما تحيي سنة و تميت بدعة فلا بأس و إياك و جارتك المعروفة بالعهر و إن حدثتك نفسك أن آبائي قالوا تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال فهذه امرأة معروفة بالهتك و هي جارة و أخاف عليك استفاضة الخبر فيها فتركتها و لم أتمتع بها و تمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا و جيراننا فاشتهر بها حتى علا أمره و صار إلى السلطان و أغرم بسببها مالا نفيسا

[424]

و أعاذني الله من ذلك ببركة سيدي .

و عن سيف بن الليث قال : خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي منها و ابنا لي آخر شرا منه هو كان وصيي و قيمي على عيالي و في ضياعي فكتبت إلى أبي محمد و سألته الدعاء لابني العليل فكتب إلي قد عوفي الصغير و مات الكبير الذي هو وصيك و قيمك فاحمد الله و لا تجزع فيحبط أجرك فورد علي الكتاب بالخبر أن ابني الصغير عوفي من علته و مات ابني الكبير يوم ورد علي جواب أبي محمد (عليه السلام) .

و عن محمد بن حمزة السروري قال : كتبت على يد أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري و كان لي مواخيا إلى أبي محمد أسأله أن يدعو لي بالغنى و كنت قد أملقت فأوصلها و خرج الجواب على يده أبشر فقد أجلك الله تبارك و تعالى بالغنى مات ابن عمك يحيى بن حمزة و خلف مائة ألف درهم و هي واردة عليك فاشكر الله و عليك بالاقتصار و إياك و الإسراف فإنه من فعل الشيطنة فورد علي بعد ذلك قادم معه سفاتج من حران و إذا ابن عمي قد مات في اليوم الذي رجع إلي أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمد فاستغنيت و زال الفقر عني كما قال سيدي فأديت حق الله في مالي و بردت إخواني و تماسكت بعد ذلك و كنت رجلا مبذرا كما أمرني أبو محمد (عليه السلام) .

و عن محمد بن صالح الخثعمي قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله عن البطيخ و كنت به مشعوفا فكتب إلي لا تأكله على الريق فإنه يولد الفالج و كنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة فنسيت حتى نفذ كتابي إليه فوقع

[425]

صاحب الزنج ليس من أهل البيت .

محمد بن الربيع الشيباني قال : ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز ثم قدمت سر من رأى و قد علق بقلبي شي‏ء من مقالته فإني لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد من دار العامة يوم الموكب فنظر إلي و أشار بسبابته أحد أحد فوحده فسقطت مغشيا علي .

و عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال : دخلت على أبي محمد و إني لجالس عنده إذ ذكرت منديلا كان معي فيه خمسون دينارا فقلقت لها فقال أبو محمد (عليه السلام) لا بأس هي مع أخيك محفوظة إن شاء الله فأتيت منزلي فدفعها إلى أخي .

علي بن محمد بن الحسن قال : وافت جماعة من الأهواز من أصحابنا و خرج السلطان إلى صاحب البصرة فخرجنا نريد النظر إلى أبي محمد (عليه السلام) فنظرنا إليه ماضيا معه و قد قعدنا بين الحائطين بسر من رأى ننتظر رجوعه فرجع فلما حاذانا و قرب منا وقف و مد يده إلى قلنسوته فأخذها عن رأسه و أمسكها بيده و أمر يده الأخرى على رأسه و ضحك في وجه رجل منا فقال الرجل مبادرا أشهد أنك حجة الله و خيرته فقلنا يا هذا ما شأنك قال كنت شاكا فيه فقلت في نفسي إن رجع

[426]

و أخذ القلنسوة من رأسه قلت بإمامته .

و عن أبي سهل البلخي قال : كتب رجل إلى أبي محمد يسأله الدعاء لوالديه و كانت الأم غالية و الأب مؤمنا فوقع رحم الله والدك .

و كتب آخر يسأل الدعاء لوالديه و كانت الأم مؤمنة و الأب ثنويا ; فوقع : رحم الله والدتك ; و التاء منقوطة بنقطتين من فوق .

و عن جعفر بن محمد بن موسى قال : كنت قاعدا بالعشي فمر بي و هو راكب و كنت أشتهي الولد شهوة شديدة فقلت في نفسي ترى أرزق ولدا فقال برأسه أي نعم فقلت ذكرا فقال برأسه لا فولدت لي ابنة.

و حدث أبو يوسف الشاعر القصير شاعر المتوكل قال : ولد لي غلام و كنت مضيقا فكتبت رقاعا إلى جماعة استرفدهم فرجعت بالخيبة قال قلت أجي‏ء فأطوف حول الدار طوفة و صرت إلى الباب فخرج أبو حمزة و معه صرة سوداء فيها أربع مائة درهم فقال يقول لك سيدي أنفق هذه على المولود بارك الله لك فيه .

و عن بدل مولاة أبي محمد قال : رأيت عند رأس أبي محمد نورا ساطعا إلى السماء و هو نائم. حدث أبو القاسم كاتب راشد قال خرج رجل من العلويين من سر من رأى في أيام أبي محمد إلى الجبل يطلب الفضل فتلقاه رجل بحلوان فقال من أين أقبلت قال من سر من رأى قال هل تعرف درب كذا و موضع كذا قال نعم فقال عندك من أخبار الحسن بن علي شي‏ء قال لا قال فما أقدمك الجبل قال طلب الفضل قال فلك عندي خمسون دينارا فأقبضها و انصرف معي إلى سر من رأى حتى توصلني إلى الحسن بن علي فقال نعم فأعطاه خمسين دينارا و عاد العلوي معه فوصلا إلى سر من رأى فاستأذنا على أبي محمد فأذن لهما فدخلا و أبو محمد قاعد في صحن الدار فلما نظر إلى الجبلي قال له أنت فلان بن فلان قال نعم قال أوصى إليك أبوك و أوصى لنا بوصية فجئت تؤديها و معك أربعة آلاف دينار هاتها فقال الرجل نعم فدفع إليه المال ثم نظر إلى العلوي فقال خرجت إلى الجبل تطلب الفضل فأعطاك هذا الرجل خمسين دينارا فرجعت معه و نحن نعطيك خمسين دينارا فأعطاه.

[427]

و ولد أبو محمد الحسن بن علي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين و قبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين و هو ابن ثمان و عشرين سنة هذا ما أردت نقله من كتاب الدلائل.

قال قطب الدين الراوندي في كتابه .

روى أحمد بن محمد عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال : حججت سنة فدخلت على أبي محمد بسر من رأى و قد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال فأردت أن أسأله إلى من أدفعه فقال قبل أن قلت ذلك ادفع ما معك إلى المبارك خادمي ففعلت و قلت شيعتك بجرجان يقرءون عليك السلام قال أ و لست منصرفا بعد فراغك من الحج قلت بلى قال فإنك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة و تسعين يوما و تدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار فامض راشدا فإن الله سيسلمك و يسلم ما معك فتقدم على أهلك و ولدك و يولد لولدك الشريف ابن فسمه الصلت و سيبلغ و يكون من أوليائنا فقلت يا ابن رسول الله إن إبراهيم بن إسماعيل الجلختي و هو من شيعتك كثير المعروف إلى أوليائك يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم و هو أحد المبتلين في نعم الله بجرجان فقال شكرا لله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعه إلى شيعتنا و غفر له ذنوبه و رزقه ذكرا سويا قائلا بالحق فقل له يقول لك الحسن بن علي سم ابنك أحمد فانصرفت من عنده و حججت و سلمني الله حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة أول النهار لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر على ما ذكر (عليه السلام) و جاءني أصحابي يهنئوني فأعلمتهم أن الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم فتأهبوا لما تحتاجون إليه و أعدوا مسائلكم و حوائجكم كلها فلما صلوا الظهر و العصر اجتمعوا كلهم في داري فو الله ما شعرنا إلا و قد وافى أبو محمد (عليه السلام) فدخل و نحن مجتمعون فسلم هو أولا علينا فاستقبلناه و قبلنا يده ثم قال إني كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم آخر هذا اليوم فصليت الظهر و العصر بسر من رأى و صرت إليكم لأجدد بكم عهدا و ها أنا قد جئتكم الآن فاجمعوا مسائلكم و

[428]

حوائجكم كلها فأول من انتدب لمسألته النضر بن جابر فقال يا ابن رسول الله إن ابني جابرا أصيب ببصره فادع الله أن يرد عينيه قال فهاته فجاء به فمسح يده على عينيه فعاد بصره ثم تقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم فأجابهم إلى كل ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع و دعا لهم بخير و انصرف من يومه ذلك .

و منها ما روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين قال : صحبت أبا محمد في دار العامة إلى منزله فلما صار إلى داره و أردت الانصراف قال أمهل و دخل فأذن لي فدخلت فأعطاني مائة دينار و قال صيرها في ثمن جارية فإن جاريتك فلانة ماتت و كنت خرجت من المنزل و عهدي بها أنشط ما كانت فمضيت فقال الغلام ماتت جاريتك فلانة الساعة قلت ما حالها قال شربت ماء فشرقت فماتت .

و عن علي بن زيد قال : اعتل ابني أحمد فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فخرج توقيعه أ ما علم علي أن لكل أجل كتاب فمات الابن .

و منها ما روي عن المحمودي قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء أن أرزق ولدا فوقع رزقك الله ولدا و أجرا فولد لي ابن و مات .

و عن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله أن يدعو الله أن أرزق ولدا ذكرا من ابنة عمي فوقع رزقك الله ذكرانا فولد لي أربعة .

و منها ما روي عن عمر بن محمد بن زياد الصيمري قال : دخلت على أبي أحمد عبد الله بن طاهر و بين يديه رقعة أبي محمد (عليه السلام) و فيها إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين و هو آخذه بعد ثلاث فلما كان اليوم الثالث خلع و كان من أمره ما كان .

و منها ما قال يحيى بن المرزبان : التقيت رجلا من أهل السيب سيماه الخير و أخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة و القول في أبي محمد و غيره فقلت لا أقول به أو أرى علامة فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبو محمد فقلت في نفسي متعنتا إن مد يده إلى رأسه فكشفه ثم نظر إلي و رده قلت به فلما حاذاني مد يده

[429]

إلى رأسه فكشفه ثم برق عينيه في ثم ردها ثم قال يا يحيى ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة فقلت خلفته صالحا فقال لا تنازعه و مضى .

و منها ما روي عن أبي الفرات قال : كان لي على ابن عم لي عشرة آلاف درهم فطالبته بها مرارا فمنعنيها فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فكتب إلي أنه راد عليك مالك و هو ميت بعد جمعة قال فرد ابن عمي علي مالي فقلت له ما بدا لك في رده و قد منعتنيه قال رأيت أبا محمد في المنام فقال إن أجلك قد دنا فرد على ابن عمك ماله .

و منها ما روي عن علي بن الحسن بن سابور قال : قحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن الأخير فأمر المتوكل بالخروج إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون و يدعون فما سقوا فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء و معه النصارى و الرهبان فكان فيهم راهب فلما مد يده هطلت السماء بالمطر و خرجوا اليوم الثاني فهطلت السماء فشك أكثر الناس و تعجبوا و صبوا إلى دين النصرانية فأنفذ المتوكل إلى الحسن و كان محبوسا فأخرجه من حبسه و قال ألحق أمة جدك فقد هلكت فقال إني خارج من الغد و مزيل الشك إن شاء الله فخرج الجاثليق في اليوم الثالث و الرهبان معه و خرج الحسن (عليه السلام) في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب و قد مد يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى و يأخذ ما بين إصبعيه ففعل و أخذ منه عظما أسود فأخذه الحسن بيده و قال استسق الآن فاستسقى و كانت السماء مغيمة فتقشعت و طلعت الشمس بيضاء فقال المتوكل ما هذا العظم يا با محمد فقال (عليه السلام) هذا الرجل عبر بقبر نبي من أنبياء الله فوقع في يده هذا العظم و ما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر .

و منها ما روي عن أحمد بن محمد بن مطهر قال : كتب بعض أصحابنا من أهل الجبل إلى أبي محمد يسأله عمن وقف على أبي الحسن موسى أتولاهم أم أتبرأ منهم فكتب إليه لا تترحم على عمك لا رحم الله عمك و تبرأ منه أنا إلى الله منه بري‏ء

[430]

فلا تتولهم و لا تعد مرضاهم و لا تشهد جنائزهم و لا تصل على أحد منهم مات أبدا من جحد إماما من الله أو أزاد إماما ليست إمامته من الله كان كمن قال إن الله ثالث ثلاثة إن الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا و الزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا و كان السائل لا يعلم أن عمه منهم فأعلمه ذلك آخر ما نقلته من كتاب الراوندي .

و قال الطبرسي في كتابه إعلام الورى الباب العاشر في ذكر الإمام الزكي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) و فيه أربعة فصول.

الفصل الأول في تاريخ مولده و مبلغ سنه و وقت وفاته (عليه السلام) :
كان مولده بالمدينة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين و قبض بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين و له يومئذ ثمان و عشرون سنة و أمه أم ولد يقال لها حديث و كانت مدة خلافته ست سنين و لقبه الهادي و السراج و العسكري و كان هو (عليه السلام) و أبوه و جده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا و كانت في سني إمامته بقية ملك المعتز أشهر ثم ملك المهتدي أحد عشر شهرا و ثمانية و عشرين يوما ثم ملك أحمد المعتمد على الله ابن جعفر المتوكل عشرين سنة و أحد عشر شهرا و بعد مضي خمس سنين من ملكه قبض الله أبا محمد (عليه السلام) و دفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه (عليه السلام) و ذهب كثير من أصحابنا إلى أنه (عليه السلام) مضى مسموما و كذلك أبوه و جده و جميع الأئمة (عليهم السلام) خرجوا من الدنيا بالشهادة و استدلوا على ذلك :

بما روي عن الصادق (عليه السلام) : و الله ما منا إلا مقتول أو شهيد .

و الله أعلم بحقيقة ذلك.

قلت قد تقدم قبل هذا أنه (عليه السلام) كتب أني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين و الطبرسي لم يعد المستعين من الخلفاء الذين كانوا في زمانه (عليه السلام) و كان هذا و أمثاله من غلط الرواة و النساخ فإن المستعين بويع له في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان و أربعين و مائتين و كانت مدة ملكه ثلاث سنين و تسعة أشهر و قيل ثمانية أشهر فلا يكون ملكه في أيام إمامة أبي محمد (عليه السلام) فكيف ينازل الله فيه فإما أن يكون غير المستعين أو يكون المنازل أبو الحسن أبوه (عليه السلام) و للتحقيق حكم.

[431]

الفصل الثاني في ذكر النصوص الدالة على إمامته (عليه السلام)

يدل على إمامته بعد طريقي الاعتبار و التواتر اللذين ذكرناهما في إمامة من تقدمه من آبائه (عليه السلام) و ذكر النصوص التي تقدم ذكرها من تعيين أبيه عليه (عليه السلام) .

الفصل الثالث في ذكر طرف من آياته و معجزاته (عليه السلام)

قلت أذكر من هذا الفصل ما لم أكن ذكرته فيما تقدم .

فمن ذلك ما قال أبو هاشم الجعفري : كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فاستؤذن لرجل من أهل اليمن فدخل رجل جميل طويل جسيم فسلم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول و أمره بالجلوس فجلس إلى جنبي فقلت في نفسي ليت شعري من هذا فقال أبو محمد هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي فيها ثم قال هاتها فأخرج حصاة في جانب منها موضع أملس فأخذها و أخرج خاتمه و طبعها فانطبع و كأني أقرأ الخاتم الساعة الحسن بن علي فقلت لليماني ما رأيته قط قبل هذا فقال لا و الله و إني منذ دهر حريص على رؤيته حتى كان الساعة أتاني شاب لست أراه فقال قم فادخل فدخلت ثم نهض و هو يقول رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت ذرية بعضها من بعض أشهد أن حقك لواجب كوجوب حق أمير المؤمنين و الأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين و إليك انتهت الحكمة و الإمامة و أنك و الله لا عذر لأحد في الجهل به فسألت عن اسمه فقال اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم ابن أم غانم الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي ختم بها أمير المؤمنين .

و قال أبو هاشم الجعفري في ذلك :

بدرب الحصى مولى لنا يختم الحصى *** له الله أصفى بالدليل و أخلصا

و أعطاه آيات الإمامة كلها *** كموسى و فلق البحر و اليد و العصا

و ما قمص الله النبيين حجة *** ومعجزة إلا الوصيين قمصا

فمن كان مرتابا بذاك فقصره *** من الأمر أن يتلو الدليل و يفحصا

قال أبو عبد الله بن عياش : هذه أم غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة و هي أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية و الثالثة التي طبع فيها رسول الله

[432]

(صلى الله عليه وآله وسلم) و أمير المؤمنين (عليه السلام) فهي أم سليم و كانت وارثة الكتب و لكل واحدة منهم خبر قد رويته و لم أطل الكتاب بذكره.

قلت و إنما ذكرت هذه لأنه أتم مما تقدم .

و حدث أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : كنت في الحبس المعروف بحبس حسيس في الجوسق الأحمر أنا و الحسن بن محمد العقيقي و محمد بن إبراهيم العمري و فلان و فلان إذ دخل علينا أبو محمد الحسن و أخوه جعفر فخففنا له و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف و كان معنا في الحبس رجل جمحي يقول إنه علوي قال فالتفت أبو محمد فقال لو لا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم و أومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج فقال أبو محمد هذا ليس منكم فاحذروه فإن في ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره فيها بما تقولون فيه فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة و كان الحسن (عليه السلام) يصوم فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة و كنت أصوم معه فلما كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر على كعكة و ما شعر و الله به أحد ثم جئت فجلست معه فقال لغلامه أطعم أبا هاشم شيئا فإنه مفطر فتبسمت فقال ما يضحك يا أبا هاشم إذا أردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه فقلت صدق الله و رسوله و أنتم فقال لي أفطر ثلاثا فإن المنة لا ترجع إذا نهكها الصوم في أقل من ثلاث فلما كان في اليوم الذي أراد الله أن يفرج عنه

[433]

جاءه الغلام فقال يا سيدي أحمل فطورك فقال احمل و ما أحسب أنا نأكل منه فحمل الغلام الطعام للظهر و أطلق عنه عند العصر و هو صائم و قال كلوا هنأكم الله .

قال : و كان مرضه الذي توفي فيه في أول شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين و توفي (عليه السلام) يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر و خلف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحق و كان قد أخفى مولده لشدة طلب السلطان له و اجتهاده في البحث عنه و عن أمره فلم يره إلا الخواص من شيعته على ما نذكره بعد و تولى أخوه جعفر أخذ تركته و سعى إلى السلطان بمخلفيه كما تقدم فيما أورده الشيخ المفيد رحمه الله تعالى.

قلت مناقب سيدنا أبي محمد الحسن بن علي العسكري دالة على أنه السري بن السري فلا يشك في إمامته أحد و لا تمتري و اعلم أنه متى بيعت مكرمة أو اشتريت فسواه بايعها و هو المشتري يضرب في السورة و الفخار بالقداح الفائزة و إذا أجيز كريم للشرف و المجد فاز بالجائزة واحد زمانه غير مدافع و نسيج وحده غير منازع و سيد أهل عصره و إمام أهل دهره فالسعيد من وقف عند نهيه و أمره فله العلاء الذي علا على النجوم الزاهرة و المحتد الذي قرع العظماء عند المنافرة و المفاخرة و المنصب الذي ملك به معادتي الدنيا و الآخرة فمن الذي يرجو اللحاق بهذه الخلال الفاخرة و المزايا الظاهرة و الأخلاق الشريفة الطاهرة أقواله سديدة و أفعاله رشيدة و سيرته حميدة و عهوده في ذات الله وكيدة فالخيرات منه قريبة و الشرور عنه بعيدة إذا كان أفاضل زمنه قصيدة كان (عليه السلام) بيت القصيدة و إن انتظموا عقدا كان مكان الواسعة و الفريدة و هذه عادة قد سلكها الأوائل و جرى على منهاجها الأفاضل و إلا كيف تقاس النجوم بالجنادل و أين فصاحة قس من فهاهة باقل فارس العلوم الذي لا يجارى و مبين غامضها فلا يجادل و لا يماري كاشف الحقائق بنظره الصائب مطهر الدقائق بفكره الثاقب المطلع بتوقيف الله على أسرار الكائنات المخبر بتوفيق الله عن الغائبات المحدث في سره

[434]

بما مضى و بما هو آت الملهم في خاطره بالأمور الخفيات الكريم الأصل و النفس و الذات صاحب الدلائل و الآيات و المعجزات مالك أزمة الكشف و النظر مفسر الآيات مقرر الخبر وارث السادة الخير ابن الأئمة أبو المنتظر فانظر إلى الفرع و الأصل و جدد النظر و اقطع بأنهما (عليه السلام) أضوأ من الشمس و أبهى من القمر و إذا تبين زكاء الأغصان تبين طيب الثمر فأخبارهم و نعوتهم (عليه السلام) عيون التواريخ و عنوان السير .

شرف تتابع كابر عن كابر *** كالرمح أنبوبا على أنبوب

و و الله أقسم قسما برا أن من عد محمدا جدا و عليا أبا و فاطمة أما و الأئمة آباء و المهدي ولدا لجدير أن يطول السماء علاء و شرفا و الأملاك سلفا و ذاتا و خلفا و الذي ذكرته من صفاته دون مقداره فكيف لي باستقصاء نعوته و أخباره و لساني قصير و طرف بلاغتي حسير فلهذا يرجع عن شأو صفاته كليلا و يتضاءل لعجزه و قصوره و ما كان عاجزا و لا ضئيلا و ذنبه أنه وجد مكان القول ذا سعة فما كان قئولا و رأى سبيل الشرف واضحا و ما وجد إلى حقيقة مدحه سبيلا فقهقر و كان من شأنه الإقدام و أحجم مقرا بالقصور و ما عرف منه الإحجام و لكن قوي الإنسان لها مقادير تنتهي إليها و حدود تقف عندها و غايات لا تتعداها يفنى الزمان و لا يحيط بوصفهم أ يحيط ما يفنى بما لا ينفد و قد نظمت على العادة شعرا في مدحه غرضي فيه ما قدمته في مدح آبائه (عليهم السلام) و لأخلد لي ذكرا مع ذكرهم على بقايا الأيام و هو :

يا راكبا يسري على جسرة *** قد غبرت في أوجه الضمر

عرج بسامراء و الثم ثرى *** أرض الإمام الحسن العسكري

‏عرج على من جده صاعد *** و مجده عال على المشتري

‏على الإمام الطاهر المجتبى *** على الكريم الطيب العنصر

على ولي الله في عصره *** و ابن خيار الله في الأعصر

على كريم صوب معروفه *** يربى على صوب الحيا الممطر

على إمام عدل أحكامه *** يسلط العرف على المنكر

[435]

و بلغا عن عبد آلاءه *** تحية أزكى من العنبر

و قل سلام الله و قف على *** ذاك الجناب الممرع الأخضر

دار بحمد الله قد أسست *** على التقى و الشرف الأظهر

من جنة الخلد ثرى أرضها *** و ماؤها من نهر الكوثر

حل بها شخصان من دوحة *** أغصانها طيبة المكسر

العسكريان هما ما هما *** فطول التقريض أو قصر

غصنا علاء قمرا صدقة *** شمسا نهار فارسا منبر

من معشر فاقوا جميع الورى *** جلاله ناهيك من معشر

هم الأولى شادوا بناء العلى *** بالأبيض الباتر و الأسمر

هم الأولى لولاهم في الورى *** لم يعرف الحق و لم ينكر

هم الأولى لولاهم في الورى *** لم يؤمن العبد و لم يكفر

هم الأولى سنوا لنا منهجا *** بواضح من سعيهم نير

هم الأولى دلوا على مذهب *** مثل الصباح الواضح المسفر

فاتضح الحق لوراده و *** لاح قصد الطالب المبصر

أخلاقهم أنى أتى سائل *** مثل الربيع اليانع المزهر

يا سادتي إن ولائي لكم *** من خير ما قدمت للمحشر

أرجو بكم نيل الأماني غدا *** في مبعثي و الأمن في مقبري

‏فأنتم قصدي و حبي لكم *** تجارتي و الربح في متجري

‏و الحمد لله على أنه *** وفقني للفرض الأكبر

[436]

next page

fehrest page

back page