fehrest page

back page

ذكر الإمام الثاني عشر و هو مولانا الإمام المنتظر الخلف الحجة صاحب الزمان محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين

إذا ما وصل الجمع إلى أخبار مولانا *** فما أجدرنا بالشكر لله و أولانا

إمام نتولاه فطوبى لو تولانا *** رآنا الله في عطل و بالمهدي خلانا

و أولانا به لطفا و تأييدا و إحسانا *** و نرجو أننا نلقاه في الدنيا و يلقانا

عسى يروى به قلب به ما زال ظمآنا

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه الله الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا عليهم السلام و التحية :

فهذا الخلف الحجة قد أيده الله هداه منهج الحق و آتاه سجاياه‏و أعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه و آتاه حلي فضل عظيم فتحلاه‏و قد قال رسول الله قولا قد رويناه و ذوا العلم بما قال إذا أدرك معناه‏ترى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه و قد أبداه بالنسبة و الوصف و سماه‏و يكفي قوله مني لإشراق محياه و من بضعته الزهراء مجراه و مرساه‏و لن يبلغ ما أوتيه أمثال و أشباه فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا .

[437]

قد وقع من النبوة في أكناف عناصرها و وضع من الرسالة أخلاف أواصرها و نزع من القرابة بسجال معاصرها و برع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها و اقتنى من الأنساب شرف نصابها و اعتلى عند الانتساب على شرف أحسابها و اجتنى جنى الهداية من معادنها و أسبابها فهو من ولد الطهر البتول المجزوم بكونها بضعة من الرسول فالرسالة أصله و أنها لأشرف العناصر و الأصول .

فأما مولده.

بسر من رأى في ثالث عشرين من رمضان سنة ثمان و خمسين و مائتين للهجرة .

و أما نسبه أبا و أما .

فأبوه أبو محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين و قد تقدم ذكر ذلك مفصلا.

و أمه : أم ولد تسمى صقيل و قيل حكيمة و قيل غير ذلك.

و أما اسمه.

فمحمد و كنيته : أبو القاسم و لقبه : الحجة و الخلف الصالح و قيل المنتظر .

و أما ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المهدي من الأحاديث الصحيحة .

فمنها ما نقله الإمامان أبو داود و الترمذي رضي الله عنهما كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما و يملك سبع سنين.

و منها ما أخرجه أبو داود بسنده في صحيحه يرفعه إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي

[438]

يملأها عدلا كما ملئت جورا .

و منها ما رواه أيضا أبو داود رحمه الله يرفعه بسنده في صحيحه إلى أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و رضي عنها قالت ; سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة .

و منها ; ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رضي الله عنه في كتابه المسمى بشرح السنة و أخرجه الإمامان البخاري و مسلم رضي الله عنهما كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم.

و منها ما أخرجه أبو داود و الترمذي رضي الله عنهما بسندهما في صحيحيهما يرفعه كل واحد منهما بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا .

و في رواية أخرى : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يلي رجل من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي .

هذه الروايات عن أبي داود و الترمذي رضي الله عنهما .

و منها ما نقله الإمام أحمد بن إسحاق بن محمد الثعلبي رضي الله عنه في تفسيره يرفعه بسنده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن ولد عبد المطلب سادة الجنة أنا و حمزة و جعفر و علي و الحسن و الحسين و المهدي .

فإن قال معترض هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها المصرحة بجملتها و أفرادها متفق على صحة أسنادها و مجمع على نقلها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إيرادها و هي صحيحة صريحة في كون المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) و أنه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و من عترته و أهل بيته و أن اسمه يواطي اسمه و أنه يملأ الأرض قسطا و عدلا و أنه من ولد عبد المطلب و أنه من سادات الجنة و ذلك مما لا نزاع فيه غير

[439]

أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصفات و العلامات هو هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة الخلف الصالح (عليه السلام) فإن ولد فاطمة (عليها السلام) كثيرون و كل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة و أنه من العترة الطاهرة و أنه من أهل البيت (عليهم السلام) فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل يدل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم.

فجوابه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعددة من ذكر نسبه و اسمه و مرجعه إلى فاطمة (عليها السلام) و إلى عبد المطلب و أنه أجلى الجبهة أقنى الأنف و عدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفا و جعلها علامة و دلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي و يثبت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة و دلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له و أنه صاحبها و إلا فلو جاز وجود ما هو علامة و دليل و لا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة و دلالة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذلك ممتنع.

فإن قال المعترض لا يتم العمل بالدلالة و العلامة إلا بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره و تعيينه لها فأما إذا لم يعلم تخصصه و انفراده بها فلا يحكم له بالدلالة و نحن نسلم أنه من زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ولادة الخلف الصالح الحجة (عليه السلام) ما وجد من ولد فاطمة (عليها السلام) شخص جمع تلك الصفات التي هي الدلالة و العلامة لكن وقت بعثة المهدي و ظهوره و ولادته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال و نزول عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذلك سيأتي بعد مدة مديدة و من الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجددة و في العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (عليها السلام) كثيرة يتعاقبون و يتوالدون إلى ذلك الإبان فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة و العترة النبوية من يجمع تلك الصفات فيكون هو

[440]

المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة و مع هذا الاحتمال و الإمكان كيف يبقى دليلكم مختصا بالحجة المذكور (عليه السلام) .

فالجواب أنكم إذا اعترفتم أنه إلى وقت ولادة الخلف الصالح و إلى زماننا هذا لم يوجد من جمع تلك الصفات و العلامات بأسرها سواه فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملا بالدلالة الموجودة في حقه و ما ذكرتموه من احتمال أن يتجدد مستقبلا في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات لا يكون قادحا في أعمال الدلالة و لا مانعا من ترتب حكمها عليها فإن دلالة الدليل راجحة لظهورها و احتمال تجدد ما يعارضها مرجوح و لا يجوز ترك الراجح بالمرجوح فإنه لو جوزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام إذ ما من دليل إلا و احتمال تجدد ما يعارضه متطرق إليه و لم يمنع ذلك من العمل به وفاقا.

و الذي يوضح ذلك و يؤكده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أورده الإمام مسلم بن الحجاج رضي الله عنه في صحيحه .

يرفعه بسنده قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه :
يأتي عليك من أمداد أهل اليمن أويس بن عامر بن مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والده هو بها بر لو أقسم على الله لأبر قسمه فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل .

فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر اسمه و نسبه و صفته و جعل ذلك علامة و دلالة على أن المسمى بذلك الاسم المتصف بتلك الصفات لو أقسم على الله لأبر قسمه و أنه أهل لطلب الاستغفار منه و هذه منزلة عالية و مقام عند الله تعالى عظيم و لم يزل عمر رضي الله عنه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه يسأل أمداد أهل اليمن عن الموصوف بذلك حتى قدم وفد من اليمن فسألهم فأخبر بشخص متصف بذلك فلم يتوقف عمر رضي الله عنه في العمل بتلك العلامة و الدلالة التي ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل بادر إلى العمل بها و اجتمع به و سأله الاستغفار و جزم بأنه المشار إليه بالحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات فإن قبيلة مراد كثيرة و التولد فيها كثير و عين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود.

[441]

و كذلك قضية الخوارج الذين وصفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفات و رتب عليها حكمهم ثم بعد ذلك لما وجد علي (عليه السلام) تلك الصفات موجودة في أولئك في واقعة حرورا و النهروان جزم بأنهم هم المرادون بالحديث النبوي و قاتلهم و قتلهم فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم و أمثال هذه الدلالة و العمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة فعلم أن الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح نزيده بيانا و تقريرا فنقول بثبوت الحكم عند وجود العلامة و الدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعين العمل به و المصير إليه فمن تركه و قال بأن صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي و قد عدل عن النهج القويم و وقف نفسه موقف اللئيم و يدل على ذلك أن الله عز و علا لما أنزل في التوراة على موسى (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء و نعته بأوصافه و جعلها علامة و دلالة على إثبات حكم النبوة و صار قوم موسى (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكرونه بصفاته و يعلمون أنه يبعث فلما قرب زمان ظهوره و بعثه صاروا يهددون المشركين به و يقولون سيظهر الآن نبي نعته كذا و صفته كذا نستعين به على قتالكم فلما بعث (صلى الله عليه وآله وسلم) وجدوا العلامات و الصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه و قالوا ليس هو هذا بل هو غيره و سيأتي فلما جنحوا إلى الاحتمال و أعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة و جنحوا إلى الاحتمال.

و هذه القصة من أكبر الأدلة و أقوى الحجج على أنه يتعين العمل بالدلالة عند وجودها و إثبات الحكم لمن وجدت تلك الدلالة فيه فإذا كانت الصفات التي هي علامة و دلالة لثبوت تلك الأحكام المذكورة موجودة في الحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام) تعين إثبات كونه المهدي المشار إليه من غير جنوح إلى الاحتمال بتجدد غيره في الاستقبال.

فإذا قال المعترض نسلم لكم أن الصفات المجعولة علامة و دلالة إذا وجدت تعين العمل بها و لزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه لكن نمنع وجود تلك العلامة و الدلالة في الخلف الصالح محمد (عليه السلام) فإن من جملة الصفات المجعولة علامة و دلالة .

[442]

أن يكون اسم أبيه مواطئا لاسم أبي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هكذا صرح به الحديث النبوي على ما أوردتموه و هذه الصفة لم توجد فيه فإن اسم أبيه الحسن و اسم أب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الله و أين الحسن من عبد الله فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة و الدلالة فإذا لم يثبت جزء العلة فلا يثبت حكمها إذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلا لمن اجتمعت تلك الصفات كلها له التي جزءها مواطاة اسمي الأبوين في حقه و هذه لم تجتمع في الحجة الخلف الصالح فلا يثبت تلك الأحكام له و هذا إشكال قوي.

فالجواب لا بد قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبنى عليهما الغرض فالأول أنه سائغ شائع .

في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى و قد نطق القرآن الكريم بذلك فقال الله مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ و قال تعالى حكاية عن يوسف (عليه السلام) وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ و نطق (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و حكاه عن جبرئيل (عليه السلام) في حديث الأسراء أنه قال قلت من هذا قال أبوك إبراهيم فعلم أن لفظة أب تطلق على الجد و إن علا فهذا أحد الأمرين.

الأمر الثاني أن لفظة الاسم تطلق على الكنية و على الصفة و قد استعملها الفصحاء و دارت بها ألسنتهم و وردت في الأحاديث حتى ذكرها الإمامان البخاري و مسلم رضي الله عنهما كل واحد منهما يرفع ذلك بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه .

أنه قال عن علي (عليه السلام) و الله إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سماه بأبي تراب و لم يكن له اسم أحب إليه منه .

فأطلق لفظة الاسم على الكنية و مثل ذلك قول الشاعر :

أجل قدرك أن تسمى مؤننة *** و من كناك فقد سماك للعرب

و يروى و من يصفك فأطلق التسمية على الكناية أو الصفة و هذا شائع ذائع في

[443]

كلام العرب فإذا وضح ما ذكرنا من الأمرين فاعلم أيدك الله بتوفيقه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له سبطان أبو محمد الحسن و أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) و لما كان الحجة الخلف الصالح (عليه السلام) من ولد أبي عبد الله و كانت كنية الحسين أبا عبد الله فأطلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الكنية لفظة الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه و أطلق على الجد لفظة الأب فكأنه (عليه السلام) قال يواطئ اسمه اسمي فأنا محمد و هو محمد و كنية جده اسم أبي إذ هو أبو عبد الله و أبي عبد الله لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته و إعلام أنه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز فحينئذ تنتظم الصفات و توجد بأسرها مجتمعة للحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام) و هذا بيان شاف كاف في إزالة ذلك الإشكال فافهمه.

قلت رحم الله الشيخ كمال الدين و أثابه الجنة بحثه أولا مع قوم يشاهدون الإمام (عليه السلام) فينكرونه و يدفعون العلائم و الدلالات التي وصف بها و لا يحتاج إلى البحث مع هؤلاء فإنهم إذا رأوه و شاهدوه كان هو (عليه السلام) قيما بإثبات حجته دالا لهم على اقتفاء محجته و إنما البحث معهم في بقائه و وجوده (عليه السلام) فإنهم مجمعون أو أكثرهم على ظهوره و مختلفون في أنه ولد أو سيولد.

و جوابنا لمخالفينا إن القائلين بوجوده قائلون به فلا يحتاجون إلى دليل لما ثبت عندهم من نقل رجالهم عن أئمتهم (عليه السلام) و أما المنكرون لوجوده

[444]

فقائلون بإمكانه فقد ترجح جانب الوجود و عبارة كمال الدين فيها طول.

و قال : و أما ولده فلم يكن له ولد ليذكر و أما عمره ففي أيام المعتمد على الله خاف فاختفى إلى الآن فلم يمكن ذكر ذلك إذ من غاب و إن انقطع خبره لا توجب غيبته و انقطاع خبره الحكم بمقدار عمره و لا بانقضاء حياته و قدرة الله تعالى واسعة و حكمه و ألطافه بعباده عظيمة عامة و لو رام عظماء العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته و كنه قدره لم يجدوا إلى ذلك سبيلا و لا تقلب طرف تطلعهم إليه حسيرا و حده كليلا و أملى عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

و ليس ببدع و لا مستغرب تعمير بعض عباد الله الصالحين المخلصين و لا امتداد عمره إلى حين فقدمه الله أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه و أوليائه و من مطروديه و أعدائه فمن الأصفياء عيسى (عليه السلام) و منهم الخضر (عليه السلام) و خلق آخر من الأنبياء (عليهم السلام) طالت أعمارهم حتى جاز كل واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح (عليه السلام) و غيره.

و أما من الأعداء و المطرودين فإبليس و الدجال و من غيرهم كعاد الأولى و كان منهم من يقارب عمره الألف و كذلك لقمان صاحب لبد و كل هذا البيان اتساع القدرة الربانية في تعمير بعض خلقه فأي مانع يمنع من امتداد عمر الخلف الصالح إلى أن

[445]

يظهر فيعمل ما حكم الله تعالى له به.

و حيث وصل الكلام إلى هذا المقام و انتهى جريان القلم بما خطه من هذه الأقسام الوسام فلنختمه بالحمد لله رب العالمين فإنها كلمة مباركة جعلها الله سبحانه و تعالى آخر دعوى أهل جنانه و خصها بمن اختاره من خليفته فكساه ملابس رضوانه فهذا آخر ما حرره القلم من مناقبهم السنية و سطره من صفاتهم الزكية و نثره من مزاياهم العلية و إن ذلك و إن كثر لقليل في جنب شرفهم الشامخ و يسير فيما آتاهم الله من فضلهم الراسخ و أنا أرجو من كرم الله عز و علا أن يشملني ببركتهم و يدخلني في زمرتهم و يجعل هذا المؤلف مسطورا في صحيفة حسناتي المعدودة من حسنتهم فقد بذلت جهدي في جميع مزاياهم بذل المجد الطالب و لم آل جهدا في تأليفها و جمعها قضاء لحقهم اللازم اللاذب و لسان الحال يقرع باب الأسماع لإسماع كل شاهد و غائب :

رويدك إن أحببت نيل المطالب *** فلا تعد عن ترتيل آي المناقب

‏مناقب آل المصطفى قدوة الورى *** بهم يبتغى مطلوبة كل طالب

‏مناقب آل المصطفى المهتدى بهم *** إلى لقم التقوى و رعنا الرغائب

‏مناقب تجلى سافرات وجوهها *** و يجلو سناها مدلهم الغياهب

‏عليك بها سرا و جهرا فإنها *** تحلل عند الله أعلى المراتب‏

و جد عند ما يتلو لسانك آيها *** بدعوة قلب حاضر غير غائب

‏لمن قام في تأليفها و اعتنى به *** ليقضى من مفروضهم كل واجب

‏عسى دعوة تزكو بها حسناته *** فيخطئ من الحسنى بأسنى المواهب‏

فمن سأل الله الكريم أجابه *** و جاوره الإقبال من كل جانب

آخر كلام كمال الدين رحمه الله و كتابه و الحمد لله رب العالمين.

قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه الإرشاد باب ذكر الإمام بعد أبي محمد (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و ذكر طرف من أخباره و غيبته و سيرته عند قيامه و مدة دولته :

[446]

و كان الإمام بعد أبي محمد (عليه السلام) ابنه المسمى باسم رسول الله ص المكنى بكنيته و لم يخلف أبوه ولدا ظاهرا و لا باطنا غيره و خلفه أبوه غائبا مستترا على ما قدمنا ذكره.

و كان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين و أمه أم ولد يقال لها نرجس و كان سنه عند وفاة أبيه (عليه السلام) خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة و فصل الخطاب و جعله آية للعالمين و آتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيا و جعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى ابن مريم (عليه السلام) في المهد نبيا.

و قد سبق النص عليه في ملة الإسلام من نبي الهدى (عليه السلام) تم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و نص عليه الأئمة (عليه السلام) واحد بعد واحد إلى أبيه الحسن و نص أبوه عليه عند ثقاته و خاصة شيعته و كان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده و بدولته مستفيضا قبل غيبته و هو صاحب السيف من أئمة الهدى (عليه السلام) و القائم بالحق و المنتظر لدولة الإيمان و له قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار فأما القصرى فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه و بين شيعته و عدم السفراء بالوفاء و أما الطولى فهي بعد الأولى و في آخرها يقوم بالسيف قال الله عز و جل وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ و قال جل اسمه وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لم تنقضي الأيام و الليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم

[447]

حتى يبعث الله فيه رجلا من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا .

باب ذكر طرف من الدلائل على إمامته القائم بالحق ابن الحسن (عليه السلام)

فمن الدلائل على ذلك ما يقتضيه العقل و الاستدلال الصحيح من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام و العلوم في كل زمان لاستحالة خلو المكلفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح و أبعد من الفساد و حاجة الكل من ذوي النقصان إلى مؤدب للجناة مقوم للعصاة رادع للغواة معلم للجهال منبه للغافلين محذر من الضلال مقيم للحدود منفذ للأحكام فأصل بين أهل الاختلاف ناصب للأمراء ساد للثغور حافظ للأموال حام عن بيضة الإسلام جامع للناس في الجمعات و الأعياد و قيام الأدلة على أنه معصوم من الزلات لغناه بالاتفاق عن إمام و اقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب و وجوب النص على من هذه سبيله من الأنام و ظهور المعجز عليه لتمييزه عمن سواه و عدم هذه الصفات من كل أحد سوى من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن علي (عليه السلام) و هو ابنه المهدي على ما بيناه و هذا أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص و تعداد ما جاء فيها من الأخبار لقيامه بنفسه في قضية العقول و صحته بثابت الاستدلال.

ثم قد جاءت روايات في النص على ابن الحسن (عليه السلام) من طرق تنقطع بها الأعذار و أنا بمشية الله و عونه مورد طرفا منها على السبيل التي سلفت في الاختصار إن شاء الله .

باب ما جاء من النص على إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) في مجمل و مفسر على البيان

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن الله عز اسمه أرسل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الجن و الإنس و جعل من بعده اثني عشر وصيا منهم من سبق و منهم من بقي و كل وصي جرت به سنة فالاوصياء الذين من بعد محمد (عليه السلام) على سنة أوصياء عيسى (عليه السلام) و كانوا اثني عشر و كان أمير المؤمنين على سنة المسيح

[448]

(عليه السلام) .

و عن الحسن بن العباس عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آمنوا بليلة القدر فإنه ينزل فيها أمر السنة و إن لذلك الأمر ولاة من بعدي علي بن أبي طالب و أحد عشر من ولده .

و بهذا الإسناد قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عباس رضي الله عنه إن ليلة القدر في كل سنة و إنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة و لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له ابن عباس من هم قال أنا و أحد عشر من صلبي أئمة محدثون .

و عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء و الأئمة من ولدها فعددت اثني عشر اسما آخرهم القائم من ولد فاطمة ثلاثة منهم محمد و أربعة منهم علي .

و عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول الاثني عشر الأئمة كلهم من آل محمد كلهم محدث علي بن أبي طالب و أحد عشر من ولده و رسول الله و علي هما الوالدان .

و عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : يكون بعد الحسين (عليه السلام) تسعة أئمة تاسعهم قائمهم .

و عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول الأئمة اثنا عشر إماما منهم الحسن و الحسين ثم الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) .

و عن محمد بن علي بن بلال قال : خرج إلي من أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده .

[449]

و عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك فقال سل قلت يا سيدي هل لك ولد قال نعم قلت فإن حدث حدث فأين أسأل عنه قال بالمدينة .

و عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمد ابنه (عليه السلام) و قال هذا صاحبكم بعدي .

و عن العمري قال : مضى أبو محمد (عليه السلام) و خلف ولدا له .

و عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال : خرج عن أبي محمد (عليه السلام) حين قتل الزبيري لعنه الله هذا جزاء من اجترى على الله في أوليائه زعم أنه يقتلني و ليس لي عقب فكيف رأى قدرة الله فيه قال محمد بن عبد الله و ولد له ولد .

و عن داود بن القاسم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد (عليه السلام) يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف قلت لم جعلني الله فداك فقال لا ترون شخصه و لا يحل لكم ذكره باسمه فقلت فكيف نذكره قال قولوا الحجة من آل محمد (عليه السلام) .

و هذا طرف يسير مما جاء من النصوص على الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) و الروايات في ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة و أثبتوها في كتبهم فممن أثبتها على الشرح و التفصيل محمد بن إبراهيم المكنى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنفه في الغيبة فلا حاجة بنا مع ما ذكرناه إلى إثباتها على التفصيل في هذا المكان .

باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشر (عليه السلام) و طرف من دلائله و بيناته

عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر و كان أسن شيخ من ولد رسول الله ص بالعراق قال : رأيت ابن الحسن بن علي بن محمد بين المسجدين و هو غلام.

و عن حكيمة بنت محمد بن علي فهي عمة الحسن : أنها رأت القائم (عليه السلام) ليلة مولده و بعد ذلك.

و عن علي بن محمد بن همدان القلانسي قال : قلت لأبي عمرو العمري قد مضى

[450]

أبو محمد فقال لي قد مضى أبو محمد و لكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذه و أشار بيده.

و عن فتح مولى الزراري قال : سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه رآه و وصف له قده. و عن خادمة لإبراهيم بن عبيدة النيسابوري و كانت من الصالحات أنها قالت كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا فجاء صاحب الأمر (عليه السلام) حتى وقف معه و قبض على كتاب مناسكه و حدثه بأشياء.

و عن أبي عبد الله بن الصالح : أنه رآه بحذاء الحجر و الناس يتجاذبون عليه و هو يقول ما بهذا أمروا.

و عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس عن أبيه أنه قال : رأيته (عليه السلام) بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) حين أيفع و قبلت رأسه و يده.

و عن القشيري قال : جرى حديث جعفر بن علي فقال لي نقدمه فقلت فليس غيره قال بلى قلت فهل رأيته قال لم أره و لكن غيري رآه قلت من غيرك قال قد رآه جعفر مرتين.

و عن أبي نصر طريف الخادم : أنه رآه (عليه السلام) .

و أمثال هذه الأخبار في معنى ما ذكرناه كثيرة و الذي اختصرناه منها كاف فيما قصدناه إذ العمدة في وجوده و إمامته (عليه السلام) ما قدمناه و الذي يأتي من بعد ذلك زيادة في التأكيد و لو لم نورده لكان غير مخل بما شرحناه و المنة لله تعالى .

باب طرف من دلائل صاحب الزمان (عليه السلام) و بيناته و آياته

عن محمد بن إبراهيم بن مهران قال : شككت عند مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) و اجتمع عند أبي مال جليل قال فحمله و ركبت معه السفينة مشيعا له فوعك وعكا شديدا فقال

[451]

يا بني ردني فهو الموت و قال لي اتق الله في هذا المال و أوصى إلي و مات بعد ثلاثة أيام فقلت في نفسي لم يكن أبي ليوصي بشي‏ء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق و أكتري دارا على الشط و لا أخبر أحدا بشي‏ء فإن وضح لي كوضوحه في أيام أبي محمد أنفذته و إلا أنفقته في ملاذي و شهواتي فقدمت العراق و اكتريت دارا على الشط و بقيت أياما فإذا أنا برقعة مع رسول فيها يا محمد معك كذا و كذا حتى قص علي جميع ما معي و ذكر في جملته شيئا لم أحط به علما فسلمته إلى الرسول و بقيت أياما لا يرفع لي رأس فاغتممت فخرج إلي قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله .

و روى محمد بن أبي عبد الله السياري قال : أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب فقبلت و رد علي السوار و أمرت بكسره فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد و نحاس و صفر فأخرجته و أنفذت الذهب بعد ذلك فقبل.

و عن علي بن محمد قال : أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه و قيل له أخرج حق ولد عمك منه و هو أربع مائة درهم و كان الرجل في يده ضيعة لولد عمه فيها شركة قد حبسها عنهم فنظرنا فإذا الذي لابن عمه من ذلك المال أربعمائة درهم فأخرجها و أنفذ الباقي فقبل.

القاسم بن العلاء قال : ولد لي عدة بنين فكنت أكتب و أسأل الدعاء لهم فلا يكتب إلي شي‏ء في أمرهم فماتوا كلهم فلما ولد لي الحسين ابني كتبت أسأل الدعاء له فأجبت فبقي و الحمد لله.

و عن أبي عبد الله بن صالح قال : خرجت سنة من السنين إلى بغداد و استأذنت في الخروج فلم يؤذن لي فأقمت اثنين و عشرين يوما بعد خروج القافلة إلى النهروان فأذن لي بالخروج يوم الأربعاء و قيل لي اخرج فخرجت و أنا آيس من القافلة أن ألحقها فوافيت النهروان و القافلة مقيمة فما كان إلا أن علفت جملي حتى رحلت القافلة و رحلت و قد دعي لي بالسلامة فلم ألق سوءا و الحمد لله .

عن محمد بن يوسف الشاشي قال : خرج بي ناسور فأريته الأطباء و أنفقت

[452]

عليه مالا فلم يصنع الدواء فيه شيئا فكتبت رقعة أسأل الدعاء فوقع ألبسك الله العافية و جعلك الله معنا في الدنيا و الآخرة فما أتت علي جمعة إلا و قد عوفيت و صار الموضع مثل راحتي فدعوت طبيبا من أصحابنا و أريته إياه فقال ما عرفنا لهذا دواء و ما جاءتك العافية إلا من قبل الله بغير حساب .

عن علي بن الحسين اليماني قال : كنت ببغداد فتهيأت قافلة اليمانيين فأردت الخروج معهم فكتبت ألتمس الإذن في ذلك فخرج لا تخرج معهم فليس لك في الخروج معهم خيرة و أقم بالكوفة قال فأقمت و خرجت القافلة فخرج عليهم بنو حنظلة فاجتاحوهم قال و كتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر فعرفت أنه لم يسلم منها مركب خرج عليهم قوم يقال لهم البوازخ فقطعوا عليها.

علي بن الحسين قال : وردت العسكر فأتيت الدرب مع المغيب و لم أكلم أحدا و لم أتعرف إلى أحد فأنا أصلي في المسجد بعد فراغي من الزيارة فإذا الخادم قد جاءني فقال لي قم فقلت إلى أين فقال لي إلى المنزل قلت من أنا لعلك أرسلت إلى غيري فقال لا ما أرسلت إلا إليك أنت علي بن الحسين و كان معه غلام فساره فلم أدر ما قال حتى أتاني بجميع ما أحتاج إليه و جلست عنده ثلاثة أيام و استأذنته في الزيارة من داخل الدار فأذن لي فزرت ليلا.

الحسين بن الفضل الهماني قال : كتب أبي بخطه كتابا فورد جوابه ثم كتب بخطي فورد جوابه ثم كتب بخط رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه فنظرنا فإذا ذلك الرجل قد تحول قرمطيا.

و ذكر الحسين بن الفضل قال : وردت العراق و عملت أن لا أخرج إلا عن بينة من أمري و نجاح من حوائجي و لو احتجت أن أقيم بها حتى أتصدق قال و في خلال

[453]

ذلك يضيق صدري بالمقام و أخاف أن يفوتني الحج قال فجئت يوما إلى محمد بن أحمد و كان السفير يومئذ أتقاضاه فقال لي سر إلى مسجد كذا و كذا فإنه يلقاك رجل قال فصرت إليه فدخل علي رجل فلما نظر إلي ضحك و قال لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة و تنصرف إلى أهلك و ولدك سالما قال فاطمأننت و سكن قلبي و قلت هذا مصداق ذلك.

قال ثم وردت العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير و ثوب فاغتممت و قلت في نفسي جزائي عند القوم هذا و استعملت الجهل فرددتها و كتبت رقعة ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة و قلت في نفسي كفرت بردي على مولاي و كتبت رقعة أعتذر من فعلي و أبوء بالإثم و استغفرت من زللي و أنفذتها و قمت أتطهر للصلاة و أنا إذ ذاك أفكر في ذلك و أقول إن ردت علي الدنانير لم أحلل شدها و لم أحدث فيها شيئا حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني فخرج إلي الرسول الذي حمل الصرة و قال أسأت إذ لم تعلم الرجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا ابتداء و ربما سألونا ذلك يتبركون به و خرج إلي أخطأت في ردك برنا فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك و إذا كانت عزيمتك و عقد نيتك فيما حملناه إليك ألا تحدث فيه حدثا إذا رددناه عليك و لا تنتفع به في طريقك فقد صرفناه عنك فأما الثوب فخذه لتحرم فيه قال و كتبت في معنيين و أردت أن أكتب في الثالث فامتنعت مخافة أن يكره ذلك فورد جواب المعنيين و الثالث الذي طويت مفسرا و الحمد لله.

قال و كنت وافقت جعفر بن محمد النيسابوري بنيسابور على أن أركب معه إلى الحج و أزامله فلما وافيت بغداد بدا لي و ذهبت أطلب عديلا فلقيني ابن الوجناء و كنت قد صرت إليه و سألته أن يكتري لي فوجدته كارها فلما لقيني قال أنا في طلبك و قد قيل لي إنه يصحبك فأحسن عشرته و اطلب له عديلا و أكتر له.

و عن الحسن بن عبد الحميد قال : شككت في أمر حاجز فجمعت شيئا .

[454]

ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي ليس فينا شك و لا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا رد ما معك إلى حاجز بن يزيد.

و عن محمد بن صالح قال : لما مات أبي و صار الأمر إلي كان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم يعني صاحب الأمر (عليه السلام) قال الشيخ و هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها و يكون خطابها عليه للتقية قال و كتبت إليه أعلمه فكتب إلي طالبهم و استقض عليهم فقضاني الناس إلا رجل واحد كانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار فجئت إليه أطلبه فمطلني و استخف بي ابنه و سفه علي فشكوته إلى أبيه فقال و كان مارا فقبضت على لحيته و أخذت برجله فسحبته إلى وسط الدار فخرج ابنه مستغيثا بأهل بغداد و يقول قمي رافضي قد قتل والدي فاجتمع علي منهم خلق كثير فركبت دابتي و قلت أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم أنا رجل من أهل همدان من أهل السنة و هذا ينسبني إلى قم و يرميني بالرفض ليذهب بحقي و مالي قال فمالوا عليه و أرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتى سكنتهم و طلب إلي صاحب السفتجة أن آخذ مالي و حلف بالطلاق أنه يوفيني في الحال فاستوفيته منه.

و عن أحمد بن الحسن قال : وردت الجبل و أنا لا أقول بالإمامة و لا أحبهم جملة إلى أن مات يزيد بن عبد الله فاوصى في علته أن يدفع الشهري السمند و سيفه و منطقته إلى مولاه فخفت إن لم أدفع الشهري إلى أذكوتكين نالني منه استخفاف فقومت الدابة و السيف و المنطقة بسبعمائة دينار في نفسي و لم أطلع عليه أحدا و دفعت الشهري إلى أذكوتكين و إذا الكتاب قد ورد علي من العراق أن وجه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري و السيف و المنطقة.

[455]

علي بن محمد قال حدثني بعض أصحابنا قال : ولد لي ولد فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع فورد لا تفعل فمات يوم السابع أو الثامن ثم كتبت بموته فورد سيخلف غيره و غيره فسم الأول أحمد و من بعد أحمد جعفرا فجاء كما قال .

قال : و تهيأت للحج و ودعت الناس و كنت على الخروج فورد نحن لذلك كارهون و الأمر إليك .

قال : فضاق صدري و اغتممت و كتبت أني مقيم على السمع و الطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج .

فوقع : لا يضيقن صدرك فإنك ستحج قابلا إن شاء الله .

فلما كان من قابل كتبت فاستأذنت فورد الإذن و كتبت أني عادلت محمد بن العباس و أنا واثق بديانته و صيانته فورد الأسدي نعم العديل فإن قدم فلا تختر عليه أحدا فقدم الأسدي و عادلته.

و عن الحسن بن عيسى العريضي قال : لما مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر فاختلف عليه و قال بعض الناس إن أبا محمد قد مضى من غير خلف و قال آخرون الخلف من بعده جعفر و قال الآخرون الخلف من بعده ولده فبعث رجلا يكنى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن الأمر و صحته و معه كتاب فصار الرجل إلى جعفر و سأله عن برهان فقال له جعفر لا يتهيأ في هذا الوقت فصار الرجل إلى الباب و أنفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة فخرج إليه آجرك الله في صاحبك فقد مات و أوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يحب و أجيب عن كتابه و كان الأمر كما قيل له.

و عن علي بن محمد قال : حمل رجل من أهل آبة شيئا يوصله و نسي سيفا كان أراد حمله فلما وصل الشي‏ء كتب إليه بوصوله و قيل له في الكتاب ما خبر السيف الذي أنسيته .

[456]

و عن محمد بن شاذان النيسابوري قال : اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرين درهما فلم أحب أن أنفذها ناقصة فوزنت من عندي عشرين درهما و بعثت بها إلى الأسدي و لم أكتب مالي فيها فورد الجواب وصل خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهما.

الحسن بن محمد الأشعري قال : كان يرد كتاب أبي محمد (عليه السلام) في الإجراء على الجنيد قاتل فارس بن حاتم بن ماهويه و أبي الحسن و أخي فلما مضى أبو محمد (عليه السلام) ورد استئناف من الصاحب (عليه السلام) بالإجراء لأبي الحسن و صاحبه و لم يرد في أمر الجنيد شي‏ء قال فاغتممت لذلك فورد نعي الجنيد بعد ذلك.

قال : كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا فكتب إليه أنك تحتاج إليه في سنة ثمانين فمات في سنة ثمانين و بعث إليه بالكفن قبل موته.

و عن محمد بن هارون بن عمران الهمداني قال : كان للناحية علي خمسمائة دينار فضقت بها ذرعا ثم قلت في نفسي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار و ثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار و لم أنطق بذلك فكتب إلي محمد بن جعفر اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه.

و عن علي بن محمد قال : خرج نهي عن زيارة مقابر قريش و الحائر على ساكنيهما السلام فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني فقال له الق بني الفرات و البرسيين و قل لهم لا تزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه و الأحاديث في هذا المعنى كثيرة و هي موجودة في الكتب المصنفة المذكورة فيها أخبار القائم (عليه السلام) فإن ذهبت إلى إيراد جميعها طال بذلك الكتاب و فيما أثبتناه منها مقنع و المنة لله .

[457]

باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) و مدة أيام ظهوره و شرح سيرته و طريقة أحكامه و طرف مما يظهر في دولته

قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) و حوادث تكون أمام قيامه و آيات و دلالات فمنها خروج السفياني و قتل الحسني و اختلاف بني العباس في الملك و كسوف الشمس في النصف من رمضان و خسوف القمر في آخر الشهر على خلاف العادات و خسف بالبيداء و خسف بالمغرب و خسف بالمشرق و ركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر و طلوعها من المغرب و قتل نفس زكية تظهر في سبعين من الصالحين و ذبح رجل هاشمي بين الركن و المقام و هدم حائط مسجد الكوفة و إقبال رايات سود من قبل خراسان و خروج اليماني و ظهور المغربي بمصر و تملكه الشامات و نزول الترك الجزيرة و نزول الروم الرملة و طلوع نجم بالمشرق يضي‏ء كما يضي‏ء القمر ثم ينعطف حتى تكاد يلتقي طرفاه و حمرة تظهر في السماء و تلتبس في آفاقها و نار تظهر بالمشرق طولا و تبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام و خلع العرب أعنتها و تملكها البلاد و خروجها عن سلطان العجم و قتل أهل مصر أميرهم و خراب بالشام و اختلاف ثلاث رايات فيه و دخول رايات قيس و العرب إلى مصر و رايات كندة إلى خراسان و ورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة و إقبال رايات سود من المشرق نحوها و ثبق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة و خروج ستين كذابا كلهم يدعي النبوة و خروج اثنا عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه و إحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولا و خانقين و عقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد و ارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار و زلزلة حتى ينخسف كثير منها و خوف يشمل أهل العراق و موت ذريع فيه و نقص من الأنفس و الأموال و الثمرات و جراد يظهر في أوانه و في غير أوانه حتى يأتي على الزرع و الغلات و قلة ريع ما يزرعه الناس و اختلاف العجم و سفك دماء كثيرة فيما

[458]

بينهم و خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتلهم مواليهم و مسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة و خنازير و غلبة العبيد على بلاد السادات و نداء من السماء يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم و وجه و صدر يظهران للناس في عين الشمس و أموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها و يتزاورون ثم يختم ذلك بأربع و عشرين مطرة تتصل فتحيا الأرض بعد موتها و تعرف بركاتها و تزول بعد ذلك كل عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام) فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.

و من جملة هذه الأحداث محتومة و فيها مشترطه و الله أعلم بما يكون و إنما ذكرنا هنا على حسب ما ثبت في الأصول و تضمنها الأثر المنقول و بالله نستعين و إياه نسأل التوفيق.

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسى أثابه الله برحمته لا ريب أن هذه الحوادث فيها ما يحيله العقل و فيها ما يحيله المنجمون و لهذا اعتذر الشيخ المفيد رحمه الله في آخر إيراده لها و الذي أراه أنه إذا صحت طرقات نقلها و كانت منقولة عن النبي أو الإمام (عليه السلام) فحقها أن تتلقى بالقبول لأنها معجزات و المعجزات خوارق للعادات كانشقاق القمر و انقلاب العصا ثعبانا و الله أعلم.

و قال الشيخ المفيد رحمه الله أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي يرفعه إلى إسماعيل بن الصباح قال سمعت شيخا من أصحابنا يذكر عن سيف بن عميرة قال : كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداء يا سيف بن عميرة لا بد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب فقلت جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا فقال إي و الذي نفسي بيده لسماع أذني له فقلت يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا فقال يا سيف إنه لحق فإذا كان فنحن أول من يجيبه أما إن النداء إلى رجل من بني عمنا فقلت إلى رجل من ولد فاطمة فقال نعم يا سيف لو لا أنني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدثني به و حدثني به أهل الأرض

[459]

كلهم ما قبلته منهم و لكنه محمد بن علي .

و عن ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تقوم الساعة حتى يخرج القائم المهدي من ولدي و لا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذابا كلهم يقول أنا نبي .

و عن أبي حمزة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) خروج السفياني من المحتوم قال نعم و النداء من المحتوم و طلوع الشمس من مغربها محتوم و اختلاف بني العباس في الدولة محتوم و قتل النفس الزكية محتوم و خروج القائم من آل محمد محتوم قلت و كيف يكون النداء قال ينادي مناد من السماء في أول النهار ألا إن الحق مع علي و شيعته ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض ألا إن الحق مع عثمان و شيعته فعند ذلك يرتاب المبطلون قلت لا يرتاب إلا جاهل لأن منادي السماء أولى أن يقبل من منادي الأرض .

و عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه .

عن علي بن محمد الأزدي عن أبيه عن جده قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بين يدي القائم موت أحمر و موت أبيض و جراد في حينه و جراد في غير حينه كألوان الدم فأما الموت الأحمر فالسيف و أما الموت الأبيض فالطاعون .

و عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ألزم الأرض و لا تحرك يدا و لا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك و ما أراك تدرك ذلك اختلاف بني العباس و مناد ينادي من السماء و خسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية و نزول الترك الجزيرة و نزول الروم الرملة و اختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتى تخرب الشام و يكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها راية الأصحب و راية الأبقع و راية السفياني .

و عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في قوله عز اسمه سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قال : الفتن في آفاق الأرض و المسخ في أعداء الحق .

[460]

و عن أبي بصيرقال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله تعالى إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ قال سيفعل الله ذلك بهم قلت من هم قال بنو أمية و شيعتهم قلت و ما الآية قال ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر و خروج صدر و وجه في عين الشمس يعرف بحسبه و نسبه و ذلك في زمان السفياني و عنده يكون بواره و بوار قومه .

و عن سعيد بن جبير : أن السنة التي يقوم فيها القائم (عليه السلام) تمطر الأرض أربعا و عشرين مطرة و ترى آثارها و بركاتها .

عن ثعلبة الأزدي قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) آيتان تكونان قبل قيام القائم كسوف الشمس في النصف من رمضان و القمر في آخره قال , قلت يا ابن رسول الله : القمر في آخر الشهر و الشمس في النصف .

فقال أبو جعفر أنا أعلم بما قلت ; إنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (عليه السلام) .

و عن صالح بن ميثم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول ليس بين قيام القائم و قتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة .

قلت ينظر في هذا فإما أن يراد بالنفس الزكية غير محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و قتل في رمضان من سنة خمس و أربعين و مائة و إما أن يتطرق الطعن إلى هذا الخبر .

و عن جابر قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) متى يكون هذا الأمر فقال أنى يكون ذلك يا جابر و لما تكثر القتلى بين الحيرة و الكوفة .

عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد الله بن مسعود فعند ذلك زوال ملك القوم و عند زواله خروج القائم (عليه السلام) .

و عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : خروج الثلاثة السفياني و الخراساني و اليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد و ليس فيها راية أهدى من راية اليماني

[461]

لأنه يدعو إلى الحق .

و عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : لا يكون ما تمدون أعناقكم إليه حتى تميزوا و تمحصوا فلا يبقى منكم إلا القليل ثم قرأ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ ثم قال إن من علامات الفرج حدثا يكون بين المسجدين و يقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا من العرب .

و عن ميمون بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات .

و عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا يذهب ملك هؤلاء حتى يستعرضوا الناس بالكوفة في يوم الجمعة لكأني أنظر إلى رءوس تندر فيما بين باب الفيل و أصحاب الصابون .

و عن الحسن بن الجهم قال : سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج فقال تريد الإكثار أم أجمل لك فقال بل تجمل قال إذا ركزت رايات قيس بمصر و رايات كندة بخراسان .

و عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن لولد فلان عند مسجدكم يعني مسجد الكوفة لوقعة في يوم عروبة يقتل فيها أربعة آلاف من باب الفيل إلى أصحاب الصابون فإياكم و هذا الطريق فاجتنبوه و أحسنهم حالا من أخذ في درب الأنصار .

و عنه (عليه السلام) قال : إن قدام القائم (عليه السلام) لسنة غيداقة يفسد فيها الثمر في النخل فلا تشكوا في ذلك .

عن جعفر بن سعد عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سنة الفتح تنبثق الفرات حتى

[462]

تدخل أزقة الكوفة .

و في حديث محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن قدام القائم بلوى من الله قلت و ما هو جعلت فداك فقرأ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ ثم قال الخوف من ملوك بني فلان و الجوع من غلاء الأسعار و نقص الأموال من كساد التجارات و قلة الفضل فيها و نقص الأنفس بالموت الذريع و نقص الثمرات بقلة ريع الزرع و قلة بركة الثمار ثم قال وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام) .

و عن منذر الخوزي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول يزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر في السماء و حمرة تجلل السماء و خسف ببغداد و خسف ببلد البصرة و دماء تسفك بها و خراب دورها و فناء يقع في أهلها و شمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار .

فصل فأما السنة التي يقوم فيها القائم (عليه السلام) و اليوم بعينه فقد جاءت فيه آثار عن الصادقين (عليهم السلام)

عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا يخرج القائم (عليه السلام) إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع .

و عنه (عليه السلام) قال : ينادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث و عشرين و يقوم في يوم عاشوراء و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن و المقام جبرئيل على يمينه ينادي البيعة لله فيصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما .

فصل

و قد جاء الأثر بأنه (عليه السلام) يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على

[463]

نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار .

و عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة و قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و المؤمنون بين يديه و هو يفرق الجنود في البلاد .

و في رواية عمرو بن شمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ذكر المهدي فقال يدخل الكوفة و بها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفوا له و يدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة فيأمر أن يخط له مسجد على الغري و يصلي بهم هناك ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) نهرا يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء إلى النجف و يعمل على فوهته القناطر و الأرحاء فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء .

و في رواية صالح بن أبي الأسود عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ذكر مسجد السهلة فقال أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله .

و في رواية المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) بنى في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب و اتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء .

فصل آخر

و قد وردت الأخبار بمدة ملك القائم (عليه السلام) و أيامه و أحوال شيعته فيها و ما تكون عليه الأرض و من عليها من الناس .

روى عبد الكريم الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) كم يملك القائم (عليه السلام) قال سبع سنين تطول له الأيام و الليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه و إذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة و عشرة أيام من رجب مطرا لم ير الخلائق مثله فينبت الله به لحوم المؤمنين و أبدانهم في قبورهم فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل

[464]

جهينة ينفضون شعورهم من التراب .

و روى المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنوره و استغنى العباد عن ضوء الشمس و ذهبت الظلمة و يعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد له فيهم أنثى و تظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها و يطلب الرجل منكم من يصله بماله و يأخذ منه زكاته فلا يجد أحدا يقبل ذلك منه استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله .

فصل و قد جاء الأثر بصفة القائم و حليته (عليه السلام)

عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أخبرني عن المهدي ما اسمه فقال أما اسمه فإن حبيبي عهد إلي أن لا أحدث به حتى يبعثه الله قال فأخبرني عن صفته قال هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر يسيل شعره على منكبيه و يعلو نور وجهه سواد شعر لحيته و رأسه بأبي ابن خيرة الإماء .

فصل

فأما سيرته (عليه السلام) عند قيامه و طريقة و أحكامه و ما يبينه الله تعالى من آياته فقد جاءت الآثار به حسب ما قدمناه .

فروى المفضل بن عمر الجعفي قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول إذا أذن الله عز و جل للقائم في الخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه و ناشدهم الله و دعاهم إلى حقه و أن يسير فيهم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و يعمل فيهم بعمله فيبعث الله تعالى جبرئيل (عليه السلام) حتى يأتيه فينزل على الحطيم و يقول له إلى أي شي‏ء تدعو فيخبره القائم (عليه السلام) فيقول جبرئيل (عليه السلام) أنا أول من يبايعك ابسط يدك فيمسح على يده و قد وافاه ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا فيبايعونه و يقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف ثم يسير منها إلى المدينة .

و روى محمد بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديدا و هداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور و إنما سمي القائم

[465]

مهديا لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه و سمي بالقائم لقيامه بالحق .

و روى عبد الله بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا قام القائم من آل محمد (عليه السلام) أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ثم أقام خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات قلت و يبلغ عدد هؤلاء هذا قال نعم منهم و من مواليهم .

و روى أبو بصير قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه و حول المقام إلى الموضع الذي كان فيه و قطع أيدي بني شيبة و علقها بالكعبة و كتب عليها هؤلاء سراق الكعبة .

و روى عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل : أنه إذا قام القائم فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية عليهم السلاح فيقولون له ارجع من حيث جئت فلا حاجة بنا إلى بني فاطمة فيضع عليهم السيف حتى يأتي على آخرهم ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب و يهدم قصورها و يقتل مقاتلتها حتى يرضى الله عز و جل .

و روى أبو خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : إذا قام القائم (عليه السلام) جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بدو الإسلام إلى أمر جديد .

و روى علي بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل و ارتفع في أيامه الجور و أمنت به السبل و أخرجت الأرض بركاتها و رد كل حق إلى أهله و لم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام و يعترفوا بالإيمان أ ما سمعت الله عز و جل يقول وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ و حكم في الناس بحكم داود و حكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فحينئذ تظهر الأرض كنوزها و تبدي بركاتها فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته و لا لبره لشمول الغنى جميع المؤمنين ثم قال إن دولتنا آخر الدول و لم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا

[466]

لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء و هو قول الله عز و جل وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .

و روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال : إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة فيهدم بها أربعة مساجد و لم يبق على وجه الأرض مسجد له شرف إلا هدمها و جعلها جما و وسع الطريق الأعظم و كسر كل جناح خارج في الطريق و أبطل الكنف و المآزيب إلى الطرقات و لا يترك بدعة إلا أزالها و لا سنة إلا أقامها يفتح قسطنطنية و الصين و جبال الديلم فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه ثم يفعل الله ما يشاء .

قال قلت له جعلت فداك فكيف تطول السنون قال يأمر الله تعالى الفلك باللبوث و قلة الحركة فتطول الأيام لذلك و السنون .

قال قلت له إنهم يقولون إن الفلك إن تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك و قد شق الله القمر لنبيه (عليه السلام) و رد الشمس من قبله ليوشع بن نون و أخبر بطول يوم القيامة و أنه كألف سنة مما تعدون .

و روى جابر بن عبد عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزله الله جل جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه لأنه يخالف التأليف .

و روى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : يخرج القائم من ظهر الكوفة سبعة و عشرين رجلا خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق و به يعدلون و سبعة من أهل الكهف و يوشع بن نون و سلمان و أبا دجانة الأنصاري و المقداد و مالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا و حكاما .

و روى عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) حكم بين الناس بحكم داود و لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه و يخبر كل قوم بما استبطنوه و يعرف وليه من عدوه بالتوسم قال الله عز و جل

[467]

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ .

و قد روي : أن مدة دولة القائم (عليه السلام) تسع عشرة سنة تطول أيامها و شهورها على ما قدمناه .

و هذا أمر مغيب عنا و إنما ألقي إلينا منه ما يفعله الله جل اسمه بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جل اسمه فلسنا نقطع على أحد الأمرين و إن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر و أكثر و ليس بعد دولة القائم (عليه السلام) لأحد دولة إلا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك فلم يرد على القطع و البتات و أكثر الروايات أنه لن يمضي مهدي الأئمة (عليهم السلام) إلا قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج و المرج و علامة خروج الأموات و قيام الساعة للحساب و الجزاء و الله أعلم بما يكون و هو ولي التوفيق للصواب و إياه نسأل العصمة من الضلال و نستهدي به إلى سبيل الرشاد.

و قد أوردنا في كل باب من هذا الكتاب طرفا من الأخبار بحسب ما احتملته الحال و لم نستقص ما جاء في كل معنى منه كراهية الانتشار في القول و مخافة الإملال به و الإضجار و أثبتنا من أخبار القائم المهدي (عليه السلام) ما يشاكل المتقدم منها في الاختصار و أضربنا عن كثير من ذلك لمثل ما ذكرناه فلا ينبغي أن ينسبنا أحد فيما تركناه من ذلك إلى الإهمال و لا يحمله على عدم العلم منا به أو السهو عنه و الإغفال و فيما رسمناه من موجز الاحتجاج على إمامة الأئمة (عليهم السلام) و مختصر من أخبارهم كفاية فيما قصدناه و الله ولي التوفيق و هو حسبنا و نعم الوكيل هذا آخر كتابه رحمه الله تعالى و أثابه.

و وقع إلي أربعون حديثا جمعها الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله رحمه الله في أمر المهدي (عليه السلام) أوردتها سردا كما أوردها و اقتصرت على ذكر الراوي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الأول عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : يكون من أمتي المهدي إن قصر عمره فسبع سنين و إلا فثمان و إلا فتسع تتنعم أمتي في زمانه

[468]

نعيما لم يتنعموا مثله قط البر و الفاجر يرسل الله السماء عليهم مدرارا و لا تدخر الأرض شيئا من نباتها .

الثاني في ذكر المهدي و أنه من عترة الرسول (عليه السلام) .

و عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : تملأ الأرض ظلما و جورا فيقوم رجل من عترتي فيملأها قسطا و عدلا يملك سبعا أو تسعا .

الثالث و عنه قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تنقضي الساعة حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله جورا يملك سبع سنين .

الرابع في قوله لفاطمة (عليها السلام) : المهدي من ولدك .

عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه (عليه السلام) : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) المهدي من ولدك .

الخامس قوله (عليه السلام) : إن منهما مهدي هذه الأمة يعني الحسن و الحسين (عليهما السلام) .

عن علي بن هلال عن أبيه قال : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في الحالة التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها رأسه و قال حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك فقالت أخشي الضيعة من بعدك فقال يا حبيبتي أ ما علمت أن الله عز و جل اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك و أوحى إلى أن أنكحك إياه يا فاطمة و نحن أهل بيت قد أعطانا الله عز و جل سبع خصال لم يعط أحدا قبلنا و لا يعطي أحدا بعدنا أنا خاتم النبيين و أكرم النبيين على الله عز و جل و أحب المخلوقين إلى الله عز و جل و أنا أبوك و وصيي خير الأوصياء و أحبهم إلى الله عز و جل و هو بعلك و شهيدنا خير الشهداء و أحبهم إلى الله عز و جل و هو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك و عم بعلك و منا من له جناحان يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء و هو ابن عم أبيك و أخو بعلك و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن و الحسين و هما سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما و الذي بعثني بالحق خير منهما يا فاطمة و الذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا و مرجا و

[469]

تظاهرت الفتن و انقطعت السبل و أغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا و لا صغير يوقر كبيرا فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة و قلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في آخر الزمان و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يا فاطمة لا تحزني و لا تبكي فإن الله عز و جل أرحم بك و أرأف عليك مني و ذلك لمكانك مني و موقعك من قلبي قد زوجك الله زوجك و هو أعظمهم حسبا و أكرمهم منصبا و أرحمهم بالرعية و أعدلهم بالسوية و أبصرهم بالقضية و قد سألت ربي عز و جل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي .

قال علي (عليه السلام) : فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة و سبعين يوما حتى ألحقها الله به (عليه السلام) .

السادس في : أن المهدي هو الحسيني .

و بإسناده عن حذيفة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرنا ما هو كائن ثم قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عز و جل ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من ولدي اسمه اسمي فقام سلمان رضي الله عنه فقال يا رسول الله من أي ولدك هو قال من ولدي هذا و ضرب بيده على الحسين (عليه السلام) .

السابع في القرية التي يخرج منها المهدي .

و بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة .

الثامن في صفة وجه المهدي .

بإسناده عن حذيفة قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري .

التاسع في صفة لونه و جسمه .

بإسناده عن حذيفة قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي و جسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطير في الجو .

العاشر في صفة جبينه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي منا أجلى الجبين أقنى الأنف .

الحادي عشر في صفة أنفه.

بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :
المهدي منا أهل البيت رجل من أمتي أشم الأنف يملأ

[470]

الأرض عدلا كما ملئت جورا .

الثاني عشر في خاله على خده الأيمن .

و بإسناده عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينكم و بين الروم أربع هدن يوم الرابعة على يد رجل من آل هرقل يدوم سبع سنين فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان يا رسول الله من إمام الناس يومئذ قال المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال أسود عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل يستخرج الكنوز و يفتح مدائن الشرك .

الثالث عشر قوله (عليه السلام) المهدي أفرق الثنايا .

بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الأرض عدلا يفيض المال فيضا .

الرابع عشر في ذكر المهدي و هو إمام صالح .

بإسناده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :
خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذكر الدجال و قال فتنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد و يدعى ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك فأين العرب يومئذ يا رسول الله قال هم يومئذ قليل و جلهم ببيت المقدس إمامهم المهدي رجل صالح .

الخامس عشر في ذكر المهدي و أن الله يبعثه غياثا للناس .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثا للناس تنعم الأمة و تعيش الماشية و تخرج الأرض نباتها و يعطي المال صحاحا .

السادس عشر في قوله (عليه السلام) على رأسه غمامة .

و بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج المهدي و على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه .

[471]

السابع عشر في قوله (عليه السلام) على رأسه ملك .

و بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج المهدي و على رأسه ملك ينادي هذا المهدي فاتبعوه .

الثامن عشر في بشارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته بالمهدي .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس و زلازل فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض يقسم المال صحاحا فقال له رجل و ما صحاحا قال السوية بين الناس .

التاسع عشر في اسم المهدي.

و بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا .

العشرون في كنيته و بإسناده عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا اسمه اسمي و خلقه خلقي يكنى أبا عبد الله .

الحادي و العشرون في ذكر اسم أبيه .

و بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما .

الثاني و العشرون في ذكر عدله .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتملأن الأرض ظلما و عدوانا ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و عدوانا .

الثالث و العشرون في خلقه.

و بإسناده عن زر بن عبد الله قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و خلقه خلقي يملأها قسطا و عدلا .

[472]

الرابع و العشرون في عطائه .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون عند انقطاع من الزمان و ظهور من الفتن رجل يقال له المهدي يكون عطاؤه هنيئا .

الخامس و العشرون في ذكر المهدي و عمله بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج رجل من أهل بيتي و يعمل بسنتي و ينزل الله له البركة من السماء و تخرج له الأرض بركتها و تملأ به الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا و يعمل على هذه الأمة سبع سنين و ينزل بيت المقدس .

السادس و العشرون في مجيئه و راياته .

و بإسناده عن ثوبان أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها و لو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي .

السابع و العشرون في مجيئه من قبل المشرق .

و بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : بينا نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبلت فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اغرورقت عيناه و تغير لونه فقالوا يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا و إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق و معهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون و ينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلون حتى يدفعوه إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملئوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبوا على الثلج .

الثامن و العشرون في مجيئه و عود الإسلام به عزيزا .

و بإسناده عن حذيفة رضي الله عنه قال ; سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون و يخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه و يفر منهم بقلبه فإذا أراد الله عز و جل أن يعيد الإسلام عزيزا قصم كل جبار

[473]

عنيد و هو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها فقال (عليه السلام) يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه و يظهر الإسلام لا يخلف وعده و هو سريع الحساب .

التاسع و العشرون في تنعم الأمة في زمن المهدي (عليه السلام) .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط يرسل الله السماء عليهم مدرارا و لا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته .

الثلاثون في ذكر المهدي و هو سيد من سادات الجنة .

و بإسناده عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا و أخي علي و عمي حمزة و جعفر و الحسن و الحسين و المهدي .

الحادي و الثلاثون في ملكه .

و بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي .

الثاني و الثلاثون في خلافته .

بإسناده عن ثوبان قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تجي‏ء الرايات السود فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم ثم يجي‏ء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي .

الثالث و الثلاثون في قوله (عليه السلام) إذا سمعتم بالمهدي فأتوه فبايعوه .

و بإسناده عن ثوبان قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تجي‏ء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد فمن سمع بهم فليأتهم فبايعهم و لو حبوا على الثلج .

الرابع و الثلاثون في ذكر المهدي و به يؤلف الله بين قلوب العباد .

و بإسناده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قلت يا رسول الله أ منا آل محمد المهدي أم من غيرنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بل منا يختم الله به الدين كما فتح بنا و بنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك و بنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما ألف بينهم بعد عداوة الشرك و بنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم .

[474]

الخامس و الثلاثون في قوله (عليه السلام) لا خير في العيش بعد المهدي .

و بإسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و يقسم المال بالسوية و يجعل الله الغنى في قلوب هذه الأمة فيملك سبعا أو تسعا لا خير في عيش الحياة بعد المهدي .

السادس و الثلاثون في ذكر المهدي و بيده تفتح القسطنطنية .

و بإسناده عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطنية و جبل الديلم و لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها .

السابع و الثلاثون في ذكر المهدي و هو يجي‏ء بعد ملوك جبابرة .

و بإسناده عن قيس بن جابر عن أبيه عن جده ; أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : سيكون بعدي خلفاء و من بعد الخلفاء أمراء و من بعد الأمراء ملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا .

الثامن و الثلاثون في قوله (عليه السلام) منا الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه .

التاسع و الثلاثون و هو يكلم عيسى ابن مريم (عليه السلام) .

و بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينزل عيسى ابن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله عز و جل لهذه الأمة .

الأربعون في قوله (عليه السلام) في المهدي .

و بإسناده يرفعه إلى محمد بن إبراهيم الإمام حدثه أن أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين حدثه عن أبيه عن جده عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لن تهلك أمة أنا في أولها و عيسى

[475]

ابن مريم في آخرها و المهدي في وسطها تمت .

و قال ابن الخشاب رحمه الله تعالى ذكر الخلف الصالح (عليه السلام) .

حدثنا صدقة بن موسى حدثنا أبي عن الرضا (عليه السلام) قال :
الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي و هو صاحب الزمان و هو المهدي .

و حدثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي عن أبيه هارون عن أبيه موسى قال : قال سيدي جعفر بن محمد الخلف الصالح من ولدي و هو المهدي اسمه محمد و كنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لأمه صقيل .

قال لنا أبو بكر الذراع و في رواية أخرى : بل أمه حكيمة ; و في رواية ثالثة : يقال لها نرجس ; و يقال بل سوسن و الله أعلم بذلك .

و يكنى بأبي القاسم و هو ذو الاسمين خلف و محمد يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار ينادى بصوت فصيح هذا المهدي.

حدثني محمد بن موسى الطوسي قال حدثنا أبو مسكين عن بعض أصحاب التاريخ : أن أم المنتظر يقال لها حكيمة.

حدثني محمد بن موسى الطوسي حدثني عبيد الله بن محمد عن القاسم بن عدي قال : يقال كنية الخلف الصالح أبو القاسم و هو ذو الاسمين آخر كتاب التاريخ.

و قد كنت ذكرت في المجلد الأول أن الشيخ أبا عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي عمل كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب و كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان و حملهما إلى الصاحب السعيد تاج الدين محمد بن نصر بن الصلايا العلوي الحسيني سقى الله عهده صوب العهاد فقرأنا الكتابين على مصنفهما المذكورة في مجلسين آخرهما يوم الخميس سادس عشرة جمادى الآخرة من سنة ثمان و أربعين و ستمائة بإربل و ذكرت ما تهيأ ذكره من أخبار الكتاب الأول.

في أخبار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ; و ها أنا أذكر ما يلائم غرض هذا الكتاب من أخبار مولانا المهدي (عليه السلام) و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب.

قال إني جمعت هذا الكتاب و عريته من طرق الشيعة ليكون الاحتجاج به آكد .

[476]

الباب الأول في ذكر خروجه في آخر الزمان

بإسناده عن زر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و في رواية قال يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي رواه الترمذي في جامعه .

و قال (عليه السلام) : لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي أخرجه أبو داود في سننه .

و عن علي عن النبي (عليه السلام) : لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا هكذا أخرجه أبو داود في سننه .

و أخبرنا الحافظ إبراهيم بن محمد الأزهر الصريفيني بدمشق و الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي بجامع جبل قاسيون قالا أنبأنا أبو الفتح نصر بن عبد الجامع بن عبد الرحمن القاضي بهراة أنبأنا محمد بن عبد الله بن محمود الطائي أنبأنا عيسى بن شعيب بن إسحاق السنجري أنبأنا أبو الحسن علي بن بشر السنجري أنبأنا الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري في كتاب مناقب الشافعي ذكر هذا الحديث و قال فيه و زاد زائدة في روايته : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا .

و قال الكنجي ; و قد ذكر الترمذي الحديث في جامعه و لم يذكر : و اسم أبيه اسم أبي ; و ذكره أبو داود في معظم روايات الحفاظ و الثقات من نقلة الأخبار اسمه اسمي فقط و الذي روي و اسم أبيه اسم أبي فهو زائدة و هو يزيد في الحديث و إن صح فمعناه و اسم أبيه اسم أبي أي الحسين و كنيته أبو عبد الله فجعل الكنية اسما كناية منه أنه من ولد الحسين دون الحسن و يحتمل أن يكون الراوي توهم قوله ابني فصحفه فقال أبي فوجب حمله على هذا جمعا بين الروايات.

[477]

قال علي بن عيسى عفى الله عنه أما أصحابنا الشيعة فلا يصححون هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه و اسم أبيه (عليه السلام) و أما الجمهور فقد نقلوا أن زائدة كان يزيد في الأحاديث فوجب المصير إلى أنه من زيادته ليكون جمعا بين الأقوال و الروايات .

الباب الثاني في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي من عترتي من ولد فاطمة

عن سعيد بن المسيب قال : كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : المهدي من ولد فاطمة . أخرجه ابن ماجة في سننه .

و عنه عنها رضي الله عنهما قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة أخرجه الحافظ أبو داود في سننه .

و عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة .

الباب الثالث في أن المهدي من سادات أهل الجنة

و عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا و حمزة و علي و جعفر و الحسن و الحسين و المهدي أخرجه ابن ماجة الحافظ في صحيحه .

الباب الرابع في أمر النبي (عليه السلام) بمبايعة المهدي (عليه السلام)

عن ثوبان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئا لا أحفظه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا رأيتموه فبايعوه و لو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي أخرجه الحافظ ابن ماجة القزويني في سننه .

الباب الخامس في ذكر نصرة أهل المشرق للمهدي

عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه هذا حديث

[478]

حسن صحيح روته الثقات و الأثبات أخرجه الحافظ أبو عبد الله ابن ماجة القزويني في سننه .

و عن علقمة بن عبد الله قال : بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي ص اغرورقت عيناه و تغير لونه قال فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا و إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و طريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق و معهم رايات سود فيسألون الخير و لا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا و لا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملئوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبوا على الثلج .

و روى ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : ويحا للطالقان فإن لله عز و جل بها كنوزا ليست من ذهب و لا فضة و لكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته و هم أيضا أنصار المهدي في آخر الزمان .

الباب السادس في مقدار ملكه بعد ظهوره (عليه السلام)

عن أبي سعيد الخدري قال : خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك قال قلنا و ما ذاك قال سنين قال فيجي‏ء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله قال الحافظ الترمذي حديث حسن و قد روي من غير وجه أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن أبي سعيد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع و إلا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموه مثلها قط تؤتي الأرض أكلها و لا تدخر منهم شيئا و المال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي

[479]

أعطني فيقول خذه .

و عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت : قال (عليه السلام) يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الركن و المقام و يبعث إليه بعث الشام فتخسف بهم البيداء بين مكة و المدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام و عصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم و ذلك بعث كلب و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال و يعمل في الناس بسنة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) و يلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى و يصلي عليه المسلمون قال أبو داود قال بعضهم عن هشام تسع سنين و قال بعضهم سبع سنين و عن قتادة بهذا الحديث و قال تسع سنين قال أبو داود و قال غير معاذ عن هشام تسع سنين قال هذا سياق الحفاظ كالترمذي و ابن ماجة القزويني و أبي داود .

الباب السابع في بيان أنه يصلي بعيسى (عليه السلام)

أبو هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم قال هذا حديث صحيح حسن متفق على صحته من حديث محمد بن شهاب الزهري رواه البخاري و مسلم في صحيحهما .

و عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ; لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله لهذه الأمة .

قال هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه و إن كان الحديث المتقدم قد أول فهذا لا يمكن تأويله لأنه صريح فإن عيسى (عليه السلام) يقدم أمير المسلمين و هو يومئذ المهدي (عليه السلام) فعلى هذا يبطل تأويل من قال معنى قوله و إمامكم منكم أي يؤمكم بكتابكم.

قال فإن سأل سائل و قال مع صحة هذه الأحاديث و هي أن عيسى يصلي خلف

[480]

المهدي (عليه السلام) و يجاهد بين يديه و أنه يقتل الدجال بين يدي المهدي (عليه السلام) و رتبة المتقدم في الصلاة معروفة و كذلك رتبة المتقدم للجهاد و هذه الأخبار مما تثبت طرقها و صحتها عند السنة و كذلك ترويها الشيعة على السواء و هذا هو الإجماع من كافة أهل الإسلام إذ من عدا الشيعة و السنة من الفرق فقوله ساقط مردود و حشو مطرح فثبت أن هذا إجماع كافة أهل الإسلام و مع ثبوت الإجماع على ذلك و صحته فأيما أفضل الإمام أو المأموم في الصلاة و الجهاد معا.

و الجواب عن ذلك أن نقول هما قدوتان نبي و إمام و إن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما و هو الإمام يكون قدوة للنبي في تلك الحال و ليس فيهما من تأخذه في الله لومة لائم و هما أيضا معصومان من ارتكاب القبائح كافة و المداهنة و الرياء و النفاق و لا يدعو الداعي لأحدهما إلى فعل ما يكون خارجا عن حكم الشريعة و لا مخالفا لمراد الله و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إذا كان الأمر كذلك فالإمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمدية بذلك .

بدليل قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يأم بالقوم أقرأهم فإن استووا فأعلمهم فإن استووا فأفقههم فإن استووا فأقدمهم هجرة فإن استووا فأصبحهم وجها .

فلو علم الإمام أن عيسى (عليه السلام) أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه لإحكامه علم الشريعة و لموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كل مكروه و كذلك لو علم عيسى أنه أفضل منه لما جاز له أن يقتدي به لموضع تنزيه الله له من الرياء و النفاق و المحاباة بل لما تحقق الإمام أنه أعلم منه جاز له أن يتقدم عليه و كذلك قد تحقق عيسى أن الإمام أعلم منه فلذلك قدمه و صلى خلفه و لو لا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام فهذه درجة الفضل في الصلاة ثم الجهاد و هو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك و لو لا ذلك لم يصح لأحد جهاد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا بين يدي غيره و الدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله سبحانه و تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ و لأن الإمام نائب الرسول

[481]

في أمته و لا يسوغ لعيسى (عليه السلام) أن يتقدم على الرسول فكذلك على نائبة.

و مما يزيد هذا القول ما رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في حديث طويل في نزول عيسى (عليه السلام) .

فمن ذلك ما قالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل و جلهم ببيت المقدس و إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذا نزل بهم عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى (عليه السلام) يصلي بالناس فيضع عيسى (عليه السلام) يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم .

قال هذا حديث حسن صحيح ثابت أخرجه ابن ماجة في كتابه عن أبي أمامة الباهلي قال : خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذا مختصره .

الباب الثامن في تحلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي (عليه السلام)

عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يملك سبع سنين .

قال هذا حديث ثابت حسن صحيح أخرجه الحافظ أبو داود السجستاني في صحيحه و رواه غيره من الحفاظ كالطبراني و غيره .

و ذكر ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس في باب الألف و اللام بإسناده عن ابن عباس قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي طاوس أهل الجنة .

و بإسناده أيضا عن حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدري اللون لون عربي و الجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماوات و أهل الأرض و الطير في الجو يملك عشرين سنة .

الباب التاسع في تصريح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)

عن أبي هارون العبدي قال : أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له هل شهدت بدرا قال نعم فقلت له أ لا تحدثني بشي‏ء مما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي و فضله فقال بلى أخبرك أن رسول الله ص مرض مرضة نقه منها فدخلت

[482]

عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده و أنا جالس عن يمين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأت ما برسول الله من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك يا فاطمة قالت أخشى الضيعة يا رسول الله فقال يا فاطمة أ ما علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي فأنكحته و اتخذته وصيا أ ما علمت أنك بكرامة الله إياك زوجك أغزرهم علما و أكثرهم حلما و أقدمهم سلما فاستبشرت فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يزيدها مزيد الخير كله الذي قسمه الله لمحمد و آل محمد فقال لها يا فاطمة و لعلي ثمانية أضراس يعني مناقب إيمان بالله و رسوله و حكمته و زوجته و سبطاه الحسن و الحسين و أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر يا فاطمة إنا أهل بيت أعطنا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين و لا يدركها أحد من الآخرين غيرنا نبينا خير الأنبياء و هو أبوك و وصينا خير الأوصياء و هو بعلك و شهيدنا خيرنا الشهداء و هو حمزة عم أبيك و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك و منا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين فقال من هذا مهدي الأمة قال هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح و التعديل .

الباب العاشر في ذكر كرم المهدي (عليه السلام)

و بإسناده عن أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله فقال يوشك أهل العراق أن لا يجي‏ء إليهم قفيز و لا درهم قلنا من أين ذلك قال من قبل العجم يمنعون ذلك ثم قال يوشك أهل الشام أن لا يجي‏ء إليهم دينار و لا مد قلنا من أين ذاك قال من قبل الروم ثم سكت هنيئة ثم قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عدا .

قال : قلت لأبي نضرة و أبي العلا أ تريان أنه عمر بن عبد العزيز ?

قالا : لا .

قال هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه .

[483]

و بإسناده عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلفائكم خليفة يحثو المال حثيا لا يعده عدا قال هذا حديث ثابت صحيح أخرجه الحافظ مسلم في صحيحه .

و عن أبي سعيد و جابر بن عبد الله قالا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال و لا يعده قال هذا لفظ مسلم في صحيحه .

و عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس و زلازل يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض يقسم المال صحاحا فقال رجل ما صحاحا قال بالسوية بين الناس و يملأ الله قلوب أمة محمد غنى و يسعهم عدله حتى يأمر مناديا ينادي يقول من له في المال حاجة فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول أنا فيقول ائت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا فيقول له أحث حتى إذا جعله في حجره و أبرزه ندم فيقول كنت أجشع أمة محمد نفسا أعجز عما وسعهم فيرده و لا يقبل منه فيقال له إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين ثم لا خير في العيش بعده أو قال ثم لا خير في الحياة بعده .

قال هذا حديث حسن ثابت أخرجه شيخ أهل الحديث في مسنده و في هذا الحديث دلالة على أن المجمل في صحيح مسلم هو هذا المبين في مسند ابن حنبل وفقا بين الروايات .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون عند انقطاع من الزمان و ظهور من الفتن رجل يقال له المهدي عطاؤه هنيئا قال هذا حديث حسن أخرجه أبو نعيم الحافظ .

الباب الحادي عشر في الرد على من زعم أن المهدي هو المسيح عيسى ابن مريم

و بإسناده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قلت يا رسول الله أ منا آل محمد المهدي أم من غيرنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بل منا يختم الله به الدين كما

[484]

فتح بنا و بنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك و بنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك و بنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم .

قال هذا حديث حسن عال رواه الحفاظ في كتبهم فأما الطبراني فقد ذكره في المعجم الأوسط و أما أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء و أما عبد الرحمن بن حماد فقد ساقه في عواليه .

و عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينزل عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة .

قال هذا حديث حسن رواه الحرث بن أبي أسامة في مسنده و رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه : و في هذه النصوص دلالة على أن المهدي غير عيسى و مدار الحديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم علي بن محمد بن خالد الجندي مؤذن الجند قال الشافعي المطلبي كان فيه تساهل في الحديث.

قال قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) في المهدي و أنه يملك سبع سنين و يملأ الأرض عدلا و أنه يخرج مع عيسى ابن مريم و يساعده في قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين و أنه يؤم هذه الأمة و عيسى يصلي خلفه في طول من قصته و أمره و قد ذكر الشافعي في كتاب الرسالة و لنا به أصل و نرويه و لكن يطول ذكر سنده قال و قد اتفقوا على أن الخبر لا يقبل إذا كان الراوي معروفا بالتساهل في روايته .

الباب الثاني عشر في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لن تهلك أمة أنا في أولها و عيسى في آخرها و المهدي في وسطها

و بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لن تهلك أمة الحديث .

قال هذا حديث حسن رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه و أحمد بن حنبل في مسنده : و معنى قوله و عيسى في آخرها لم يرد به (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عيسى يبقى بعد المهدي

[485]

(عليه السلام) لأن ذلك لا يجوز لوجوه.

منها أنه قال (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم لا خير في الحياة بعده و في رواية ثم لا خير في العيش بعده كما تقدم .

و منها : أن المهدي (عليه السلام) إذا كان إمام آخر الزمان و لا إمام بعده مذكورا في رواية أحد من الأمة و هذا غير ممكن أن الخلق يبقى بغير الإمام.

فإن قيل إن عيسى يبقى بعد إمام الأمة.

قلت لا يجوز هذا القول و ذلك أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) صرح أنه لا خير بعده و إذا كان عيسى في قوم لا يجوز أن يقال لا خير فيهم و أيضا لا يجوز أن يقال إنه نائبه لأنه جل منصبه عن ذلك و لا يجوز أن يقال إنه يستقل بالأمة لأن ذلك يوهم العوام انتقال الملة المحمدية إلى الملة العيسوية فهذا كفر فوجب حمله على الصواب و هو أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أول داع إلى ملة الإسلام و المهدي أوسط داع و المسيح آخر داع فهذا معنى الخبر عندي و يحتمل أن يكون معناه المهدي أوسط هذه الأمة يعني خيرها إذ هو إمامها و بعدها ينزل عيسى مصدقا للإمام و عونا له و مساعدا و مبينا للامة صحة ما يدعيه الإمام فعلى هذا يكون المسيح آخر المصدقين على وفق النص. قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله بمنه و كرمه قوله المهدي أوسط الأمة يعني خيرها يوهم أن المهدي (عليه السلام) خير من علي (عليه السلام) و هذا لا قائل به و الذي أراه أنه ص أول داع و المهدي (عليه السلام) لما كان تابعا له و من أهل ملته جعل وسطا لقربه ممن هو تابعه و على شريعته و عيسى (عليه السلام) لما كان صاحب ملة أخرى و دعا في آخر زمانه إلى شريعة غير شريعته حسن أن يكون آخرا و الله أعلم .

الباب الثالث عشر في ذكر كنيته و أنه يشبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلقه

و بإسناده عن حذيفة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا اسمه اسمي و خلقه خلقي يكنى أبا عبد الله .

قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله و معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلقه خلقي من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي (عليه السلام) من الكفار لدين الله تعالى كما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد قال

[486]

تعالى وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى عفى الله عنه العجب من قوله من أحسن الكنايات إلى آخر الكلام و من أين يحجر على الخلق فجعله مقصورا على الانتقام فقط و هو عام في جميع أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كرمه و شرفه و علمه و حلمه و شجاعته و غير ذلك من أخلاقه التي عددتها صدر هذا الكتاب و أعجب من قوله ذكره الآية دليلا على ما قرره .

الباب الرابع عشر في ذكر اسم القرية التي منها يكون خروج المهدي (عليه السلام)

و بإسناده عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة .

قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا أخرجه أبو الشيخ الأصفهاني في عواليه كما سقناه .

الباب الخامس عشر في ذكر الغمامة التي تظل المهدي (عليه السلام) عند خروجه

و بإسناده عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج المهدي و على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله .

قال هذا حديث حسن ما رويناه عاليا إلا من هذا الوجه .

الباب السادس عشر في ذكر الملك الذي يخرج مع المهدي (عليه السلام)

عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج المهدي و على رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه .

قال هذا حديث حسن روته الحفاظ و الأئمة من أهل الحديث كأبي نعيم و الطبراني و غيرهما .

الباب السابع عشر في ذكر صفة المهدي و لونه و جسمه و قد تقدم مرسلا

و بإسناده عن حذيفة أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي و جسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطير في الجو .

قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله عن جم غفير من أصحاب الثقفي

[487]

و سنده معروف عندنا .

الباب الثامن عشر في ذكر خاله على خده الأيمن و ثيابه و فتحه مدائن الشرك

و بإسناده عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينكم و بين الروم أربع هدن في يوم الرابعة على يدي رجل من آل هرقل يدوم سبع سنين فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان يا رسول الله من إمام الناس يومئذ قال المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال أسود عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل يستخرج الكنوز و يفتح مدائن الشرك قال هذا سياق الطبراني في معجمه الأكبر .

الباب التاسع عشر في ذكر كيفية أسنان المهدي (عليه السلام)

عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الأرض عدلا و يفيض المال فيضا قال هكذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في عواليه .

الباب العشرون في ذكر فتح المهدي (عليه السلام) القسطنطنية و جبل الديلم

عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطنية و جبل الديلم و لو لم يبق إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها .

قال هذا سياق الحافظ أبي نعيم و قال هذا هو المهدي بلا شك وفقا بين الروايات .

الباب الحادي و العشرون في ذكر خروج المهدي (عليه السلام) بعد ملك الجبابرة

و بإسناده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : سيكون بعدي خلفاء و من بعد الخلفاء أمراء و من بعد الأمراء ملوك جبابرة ثم يخرج المهدي من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا قال هكذا رواه الحافظ أبو نعيم في فوائده و الطبراني في معجمه الأكبر .

الباب الثاني و العشرون في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي إمام صالح

و بإسناده عن أبي أمامة قال : خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذكر الدجال و قال فيه إن المدينة لتنقي خبثها كما ينقي الكير خبث الحديد و يدعى

[488]

ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك فأين العرب يومئذ يا رسول الله قال هم يومئذ قليل و جلهم ببيت المقدس و إمامهم مهدي رجل صالح قال هذا حديث حسن هكذا رواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني .

الباب الثالث و العشرون في ذكر تنعم الأمة في زمن المهدي (عليه السلام)

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط يرسل السماء عليهم مدارا و لا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته .

قال هذا حديث حسن المتن رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الأكبر .

الباب الرابع و العشرون في إخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن المهدي خليفة الله تعالى

و بإسناده عن ثوبان قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تجي‏ء الرايات السود فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم ثم يجي‏ء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي .

قال : هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عاليا من هذا الوجه بحمد الله و حسن توفيقه و فيه دليل على شرف المهدي بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم و قد قال الله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الآية .

الباب الخامس و العشرون في الدلالة على كون المهدي حيا باقيا مذ غيبته إلى الآن

و لا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى و الخضر و إلياس من أولياء الله تعالى و بقاء الدجال و إبليس اللعين من أعداء الله تعالى و هؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب و السنة و قد اتفقوا ثم أنكروا جواز بقاء المهدي و ها أنا أبين بقاء كل واحد منهم فلا يسمع بعد هذا العاقل إنكار جواز بقاء المهدي لأنهم إنما أنكروا بقاءه من وجهين أحدهما طول الزمان و الثاني أنه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه و شرابه و هذا ممتنع عادة.

قال مؤلف الكتاب محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي : بعون الله نبتدئ :

[489]

أما عيسى (عليه السلام) فالدليل على بقائه قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ و لم يؤمن به مذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا و لا بد أن يكون ذلك في آخر الزمان.

و أما السنة فما رواه مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان في حديث طويل في قصة الدجال قال : فينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفه على أجنحة ملكين و أيضا ما تقدم من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم .

و أما الخضر و إلياس فقد قال ابن جرير الطبري و الخضر و إلياس باقيان يسيران في الأرض .

و أيضا فما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال : يأتي و هو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقوله له أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثه فيقول الدجال أ رأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أ تشكون في الأمر فيقولون لا قال فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه و الله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن قال فيريد الدجال أن يقتله ثانيا فلا يسلط عليه .

قال أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد : يقال إن هذا الرجل هو الخضر (عليه السلام) .

قال هذا لفظ مسلم في صحيحه كما سقناه سواء .

و أما الدليل على بقاء الدجال فإنه أورد حديث تميم الداري و الجساسة الدابة التي تكلمهم و هو حديث صحيح ذكره مسلم في صحيحه و قال هذا صريح في بقاء الدجال.

قال و أما الدليل على بقاء إبليس اللعين فآي الكتاب العزيز نحو قوله

[490]

تعالى قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ.

و أما بقاء المهدي (عليه السلام) فقد جاء في الكتاب و السنة أما الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عز و جل لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قال هو المهدي من عترة فاطمة و أما من قال إنه عيسى (عليه السلام) فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام على ما تقدم و قد قال مقاتل بن سليمان و من شايعه من المفسرين في تفسير قوله عز و جل وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ قال هو المهدي يكون في آخر الزمان و بعد خروجه يكون قيام الساعة و أماراتها.

و أما السنة فما تقدم في كتابنا هذا من الأحاديث الصحيحة الصريحة و أما الجواب عن طول الزمان فمن حيث النص و المعنى أما النص فما تقدم من الأخبار على أنه لا بد من وجود الثلاثة في آخر الزمان و أنهم ليس فيهم متبوع غير المهدي بدليل أنه إمام الأمة في آخر الزمان و أن عيسى (عليه السلام) يصلي خلفه كما ورد في الصحاح و يصدقه في دعواه و الثالث هو الدجال اللعين و قد ثبت أنه حي موجود. و أما المعنى في بقائهم فلا يخلو من أحد قسمين إما أن يكون بقاؤهم في مقدور الله تعالى أو لا يكون و مستحيل أن يخرج من مقدور الله تعالى لأن من بدء الخلق من غير شي‏ء و أفناه ثم يعيده بعد الفناء لا بد أن يكون البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو من قسمين إما أن يكون راجعا إلى اختيار الله تعالى أو إلى اختيار الأمة و لا يجوز أن يكون راجعا إلى اختيار الأمة لأنه لو صح ذلك منهم لجاز لأحدنا أن يختار البقاء لنفسه و لولده و ذلك غير حاصل لنا غير داخل تحت مقدورنا و لا بد أن يكون راجعا إلى اختيار الله سبحانه ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضا إما أن يكون لسبب أو لا يكون لسبب فإن كان لغير سبب كان خارجا عن وجه الحكمة و ما يخرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله تعالى فلا بد من أن يكون لسبب تقتضيه حكمة الله تعالى.

قال و سنذكر سبب بقاء كل واحد منهم على حدته أما بقاء عيسى (عليه السلام) لسبب و هو قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ و لم يؤمن به مذ .

[491]

نزل هذه الآية إلى يومنا هذا أحد فلا بد من أن يكون هذا في آخر الزمان و أما الدجال اللعين لم يحدث حدثا مذ عهد إلينا رسول الله ص أنه خارج فيكم الأعور الدجال و إن معه جبالا من خبز تسير معه إلى غير ذلك من آياته فلا بد من أن يكون ذلك في آخر الزمان لا محالة و أما الإمام المهدي (عليه السلام) مذ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطا و عدلا كما تقدمت الأخبار في ذلك مشروطا بآخر الزمان فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم فعلى هذا اتفقت أسباب بقاء الثلاثة فلا بد أن يكون ذلك لصحة أمر معلوم في وقت معلوم و هما صالحان نبي و إمام و طالح عدو الله و هو الدجال و قد تقدمت الأخبار من الصحاح بما ذكرناه في صحة بقاء الدجال مع صحة بقاء عيسى (عليه السلام) فما المانع من بقاء المهدي (عليه السلام) مع كون بقائه باختيار الله و داخلا تحت مقدوره سبحانه و هو آية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلى هذا هو أولى بالبقاء من الإثنين الآخرين لأنه إذا بقي المهدي (عليه السلام) كان إمام آخر الزمان يملأ الأرض قسطا و عدلا كما تقدمت الأخبار فيكون بقاؤه مصلحة للمكلفين و لطفا بهم في بقائه من عند رب العالمين و الدجال إذا بقي فبقائه مفسدة للعالمين لما ذكر من ادعائه الربوبية و فتكه بالأمة و لكن في بقائه ابتلاء من الله تعالى ليعلم المطيع منهم من العاصي و المحسن من المسي‏ء و المصلح من المفسد و هذا هو الحكمة في بقاء الدجال و أما بقاء عيسى فهو سبب إيمان أهل الكتاب به للآية و التصديق بنبوة سيد الأنبياء محمد خاتم النبيين و رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله وسلم) و يكون تبيانا لدعوى الإمام عند أهل الإيمان و مصدقا لما دعا إليه عند أهل الطغيان بدليل صلاته خلفه و نصرته إياه و دعائه إلى الملة المحمدية التي هو إمام فيها فصار بقاء المهدي (عليه السلام) أصلا و بقاء الاثنين فرعا على بقائه فكيف يصح بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما و لو صح ذلك لصح وجود المسبب من دون وجود السبب و ذلك مستحيل في العقول.

و إنما قلنا إن بقاء المهدي (عليه السلام) أصل لبقاء الاثنين لأنه لا يصح وجود عيسى

[492]

(عليه السلام) بانفراده غير ناصر لملة الإسلام و غير مصدق للإمام لأنه لو صح ذلك لكان منفردا بدولة و دعوة و ذلك يبطل دعوة الإسلام من حيث أراد أن يكون تبعا فصار متبوعا و أراد أن يكون فرعا فصار أصلا .

و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا نبي بعدي .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : الحلال ما أحل الله على لساني إلى يوم القيامة و الحرام ما حرم الله على لساني إلى يوم القيامة .

فلا بد من أن يكون له عونا و ناصرا و مصدقا و إذا لم يجد من يكون له عونا و مصدقا لم يكن لوجوده تأثير فثبت أن وجود المهدي (عليه السلام) أصل لوجوده.

و كذلك الدجال اللعين لا يصح وجوده في آخر الزمان و لا يكون للأمة إمام يرجعون إليه و وزير يعولون عليه لأنه لو كان كذلك لم يزل الإسلام مقهورا و دعوته باطلة فصار وجود الإمام أصلا لوجوده على ما قلناه.

و أما الجواب عن إنكارهم بقاءه في السرداب من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه فعنه جوابان أحدهما بقاء عيسى (عليه السلام) في السماء من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه و هو بشر مثل المهدي (عليه السلام) فكما جاز بقاؤه في السماء و الحالة هذه فكذلك المهدي في السرداب.

فإن قلت إن عيسى (عليه السلام) يغذيه رب العالمين من خزانة غيبه قلت لا تفنى خزائنه بانضمام المهدي إليه في إغذائه.

فإن قلت إن عيسى خرج عن طبيعة البشرية قلت هذه دعوى باطلة لأنه قال تعالى لأشرف الأنبياء قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.

فإن قلت اكتسب ذلك من العالم العلوي قلت هذا يحتاج إلى توقيف و لا سبيل إليه.

و الثاني بقاء الدجال في الدير على ما تقدم بأشد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد و في رواية في بئر موثوق و إذا كان بقاء الدجال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم به فما المانع من بقاء المهدي

[493]

(عليه السلام) مكرما من غير الوثاق إذ الكل في مقدور الله تعالى فثبت أنه غير ممتنع شرعا و لا عادة.

ثم ذكر بعد هذه الأبحاث خبر سطيح و أنا أذكر منه موضع الحاجة إليه و مقتضاه أنه يذكر الذي جدن الملك وقائع و حوادث تجري و زلازل من فتن ثم إنه ذكر خروج المهدي (عليه السلام) و أنه يملأ الأرض عدلا و تطيب الدنيا و أهلها في أيام دولته (عليه السلام) .

و روى عن الحافظ محمد بن النجار أنه قال هذا حديث من طوالات المشاهير الذي ذكره الحفاظ في كتبهم و لم يخرج في الصحيح آخر البيان في حديث صاحب الزمان.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى برحمته هذه الأبحاث لا تثبت لنا حجة و لا تقطع الخصم و لا تضره لما يرد عليها من الإيرادات و تطويله في إثبات بقاء المسيح (عليه السلام) و إبليس و الدجال فهي مثل الضروريات عند المسلمين فلا حاجة إلى التكلف لتقريرها و الجواب المختصر ما ذكرته آنفا و هو أن النقل قد ورد به من طرق المؤالف و المخالف و العقل لا يحيله فوجب القطع به فأما قوله إن المهدي (عليه السلام) في سرداب و كيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه و شرابه فهذا قول عجيب و تصور غريب فإن الذين أنكروا وجوده (عليه السلام) لا يوردون هذا و الذين يقولون بوجوده لا يقولون إنه في سرداب بل يقولون إنه حي موجودة يحل و يرتحل و يطوف في الأرض ببيوت و خيم و خدم و حشم و إبل و خيل و غير ذلك و ينقلون قصصا في ذلك و أحاديث يطول شرحها. و أنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني و حدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل مات في زماني و ما رأيته حكى لي ولده شمس الدين قال حكى لي والدي أنه خرج فيه و هو شباب على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان و كانت في كل ربيع تشقق و يخرج منها دم و قيح و يقطعه ألمها عن

[494]

كثير من أشغاله و كان مقيما بهرقل فحضر الحلة يوما و دخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاوس رحمه الله و شكا إليه ما يجده منها و قال أريد أن أداويها فأحضر له أطباء الحلة و أراهم الموضع فقالوا هذه التوثة فوق العرق الأكحل و علاجها خطر و متى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت فقال له السعيد رضي الدين قدس روحه أنا متوجه إلى بغداد و ربما كان أطباؤها أعرف و أحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد معه و أحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره فقال له السعيد إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس و لا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك و رسوله فقال له والدي إذا كان الأمر على ذلك و قد وصلت إلى بغداد فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام ثم أنحدر إلى أهلي فحسن له ذلك فترك ثيابه و نفقته عند السعيد رضي الدين و توجه قال فلما دخلت المشهد و زرت الأئمة (عليهم السلام) و نزلت السرداب و استغثت بالله تعالى و بالإمام (عليه السلام) و قضيت بعض الليل في السرداب و بت في المشهد إلى الخميس ثم مضيت إلى دجلة و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا و ملأت إبريقا كان معي و صعدت أريد المشهد.

فرأيت أربعة فرسان خارجين من بات السور و كان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط و كل واحد منهم متقلل بسيف و شيخا منقبا بيده رمح و الآخر متقلد بسيف و عليه فرجية ملونة فوق السيف و هو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق و وضع كعب في الأرض و وقف الشابان عن يسار الطريق و بقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام فقال له صاحب الفرجية أنت غدا تروح إلى أهلك فقال نعم فقال له تقدم حتى أبصر ما يوجعك قال فكرهت ملامستهم و قلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة و أنا قد خرجت من الماء و قميصي مبلول ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده و

[495]

مدني إليه و جعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان فقال لي الشيخ أفلحت يا إسماعيل فعجبت من معرفته باسمي فقلت أفلحنا و أفلحتم إن شاء الله قال فقال لي الشيخ هذا هو الإمام قال فتقدمت إليه فاحتضنته و قبلت فخذه.

ثم إنه ساق و أنا أمشي معه محتضنه فقال ارجع فقلت لا أفارقك أبدا فقال المصلحة رجوعك فأعدت عليه مثل القول الأول فقال الشيخ يا إسماعيل ما تستحيي يقول لك الإمام مرتين ارجع و تخالفه فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات و التفت إلي و قال إذا وصلت بغداد فلا بد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر رحمه الله فإذا حضرت عنده و أعطاك شيئا فلا تأخذه و قل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد ثم سار و أصحابه معه فلم أزل قائما أبصرهم إلى أن غابوا عني و حصل عندي أسف لمفارقته فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حولي و قالوا نرى وجهك متغيرا أ أوجعك شي‏ء قلت لا قالوا أ خاصمك أحد قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم فقالوا هم من الشرفاء أرباب الغنم فقلت لا بل هو الإمام (عليه السلام) فقالوا الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية فقلت هو صاحب الفرجية فقالوا أريته المرض الذي فيك فقلت هو قبضه بيده و أوجعني ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشك من الدهش فأخرجت رجلي الأخرى فلم أر شيئا فانطبق الناس علي و مزقوا قميصي فأدخلني القوام خزانة و منعوا الناس عني و كان ناظرا بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة و سأل عن الخبر فعرفوه فجاء إلى الخزانة و سألني عن اسمي و سألني منذ كم خرجت من بغداد فعرفته أني خرجت في أول الأسبوع فمشى عني و بت في المشهد و صليت الصبح و خرجت و خرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد و رجعوا عني و وصلت إلى

[496]

أوانا فبت بها و بكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه و نسبه و أين كان فسألوني عن اسمي و من أين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي و مزقوا ثيابي و لم يبق لي في روحي حكم و كان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد و عرفهم الحال ثم حملوني إلى بغداد و ازدحم الناس علي و كادوا يقتلونني من كثرة الزحام و كان الوزير القمي رحمه الله تعالى قد طلب السعيد رضي الدين رحمه الله و تقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر.

قال فخرج رضي الدين و معه جماعة فوافينا باب النوبى فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال أ عنك يقولون قلت نعم فنزل عن دابته و كشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة و أخذ بيدي و أدخلني على الوزير و هو يبكي و يقول يا مولانا هذا أخي و أقرب الناس إلى قلبي فسألني الوزير عن القصة فحكيت له فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها و أمرهم بمداواتها فقالوا ما دواؤها إلا القطع بالحديد و متى قطعها مات فقال لهم الوزير فبتقدير أن تقطع و لا يموت في كم تبرأ فقالوا في شهرين و تبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر فسألهم الوزير متى رأيتموه قالوا منذ عشرة أيام فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم و هي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا فصاح أحد الحكماء هذا عمل المسيح فقال الوزير حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمه الله تعالى فسأله عن القصة فعرفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال خذ هذه فأنفقها فقال ما أجسر آخذ منه حبة واحدة فقال الخليفة ممن تخاف فقال من الذي فعل معي هذا قال لا تأخذ من أبي جعفر شيئا فبكى الخليفة و تكدر و خرج من عنده و لم يأخذ شيئا.

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسى عفا الله عنه كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي و كان هذا شمس الدين محمد ولده عندي و

[497]

أنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق و قلت هل رأيت فخذه و هي مريضة فقال لا لأني أصبو عن ذلك و لكني رأيتها بعد ما صلحت و لا أثر فيها و قد نبت في موضعها شعر و سألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي و نجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما الله تعالى و كانا من أعيان الناس و سراتهم و ذوي الهيئات منهم و كانا صديقين لي و عزيزين عندي فأخبراني بصحة هذه القصة و أنهما رأياها في حال مرضها و حال صحتها و حكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السلام) حتى أنه جاء إلى بغداد و أقام بها في فصل الشتاء و كان كل أيام يزور سامراء و يعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود له الوقت الذي مضى أو يقضى له الحظ بما قضى و من الذي أعطاه دهره الرضا أو ساعده بمطالبه صرف القضاء فمات رحمه الله بحسرته و انتقل إلى الآخرة بغصته و الله يتولاه و إيانا برحمته بمنه و كرامته.

و حكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أن أباه عطوة كان به أدرة و كان زيدي المذهب و كان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية و يقول لا أصدقكم و لا أقول بمذهبكم حتى يجي‏ء صاحبكم يعني المهدي فيبرئني من هذا المرض و تكرر هذا القول منه فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة إذا أبونا يصيح و يستغيث بنا فأتيناه سراعا فقال ألحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نر أحدا فعدنا إليه و سألناه فقال إنه دخل إلي شخص و قال يا عطوة فقلت من أنت فقال أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك ثم مد يده فعصر قروتي و مشى و مددت يدي فلم أر لها أثرا قال لي ولده و بقي مثل الغزال ليس به قلبه و اشتهرت هذه القصة و سألت عنها غير ابنه فأخبر عنها فأقر بها و الأخبار عنه (عليه السلام) في هذا الباب كثيرة و أنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز و غيرها فخلصهم و أوصلهم إلى حيث أرادوا و لو لا التطويل لذكرت منها جملة و لكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف .

قال قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج و الجرائح الباب الثاني عشر

[498]

في معجزات صاحب الزمان (عليه السلام) .

عن حكيمة قالت :
دخلت يوما على أبي محمد قال بيتي عندنا الليلة فإن الله سيظهر الخلف فيها قلت و ممن فلست أرى بنرجس حملا قال يا عمة إن مثلها كمثل أم موسى لم يظهر حملها به إلا وقت ولادتها فبت أنا و هي فلما انتصف الليل صليت أنا و هي صلاة الليل فقلت في نفسي قد قرب الفجر و لم يظهر ما قال أبو محمد فناداني أبو محمد لا تعجلي فرجعت إلى البيت خجلة فاستقبلتني نرجس ترتعد فضممتها إلى صدري و قرأت عليها قل هو الله أحد و إنا أنزلناه في ليلة القدر و آية الكرسي فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي قالت و أشرق نور في البيت فنظرت و إذا الخلف تحتها ساجدا إلى القبلة فأخذته فناداني أبو محمد من الحجرة هلمي بابني إلي يا عمة قالت فأتيته به فوضع لسانه في فيه و أجلسه على فخذه فقال له انطق يا بني بإذن الله فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ صلى الله على محمد المصطفى و علي المرتضى و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي أبي قالت و غمرتنا طيور خضر فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال خذه فاحفظه حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره قالت حكيمة قلت لأبي محمد ما هذا الطائر و ما هذه الطيور قال هذا جبرئيل و هذا ملائكة الرحمة ثم قال يا عمة رديه إلي أمه كي تقر عينها و لا تحزن و لتعلم أن وعد الله حق و لكن أكثرهم لا يعلمون فرددته إلى أمه قالت و لما ولد كان نظيفا مفروغا منه و على ذراعه الأيمن مكتوب جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .

و منها : ما روى السياري قال حدثتني نسيم و مارية قالتا لما خرج صاحب الزمان من بطن أمه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا بسبابتيه نحو السماء

[499]

فعطس فقال الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله عبدا داخرا غير مستنكف و لا مستكبر ثم قال زعمت الظلمة إن حجة الله داحضة و لو أذن الله لنا في الكلام لزال الشك.

و منها ما روي عن طريف أبي نصر الخادم قال : دخلت على صاحب الزمان و هو في المهد فقال لي علي بالصندل الأحمر فأتيته به فقال أ تعرفني قلت نعم أنت سيدي و ابن سيدي فقال ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي فقال أنا خاتم الأوصياء و بي يرفع الله البلاء من أهلي و شيعتي .

و منها : ما روي عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال وجه قوم من المفوضة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد قال فقلت في نفسي لما دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه (عليه السلام) لا يدخل الجنة إلا من عرف الله معرفتي و كنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل فجاءت الريح فكشفت طرفه و إذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فقال لي يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت لبيك يا سيدي قال جئت إلى ولي الله تسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك و قال بمقالتك قلت إي و الله قال إذا و الله يقل داخلها و الله إنه ليدخلنها قوم يقال لهم الحقية قلت و من هم قال هم قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه و لا يدرون ما حقه و فضله أي قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلا من معرفة الله و رسوله و الأئمة و نحوها ثم قال و جئت تسأل عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله فإذا شاء الله تعالى شئنا و الله يقول وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ فقال لي أبو محمد ما جلوسك فقد أنبأك بحاجتك .

و منها ما روي عن رشيق حاجب المادراني قال : بعث إلينا المعتضد و أمرنا أن نركب و نحن ثلاثة نفر و نخرج محفين على السروج و نجنب أخرى و قال ألحقوا بسامراء و اكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي و من رأيتم في داره فأتوني

[500]

برأسه فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدناها دارا سرية كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت فرفعنا الستر و إذا سرداب في الدار الأخرى فدخلناها و كأن بحرا فيها و في أقصاه حصير و قد علمنا أنه على الماء و فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا و لا إلى شي‏ء من أسبابنا فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى فغرق في الماء و ما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته و أخرجته فغشي عليه و بقي ساعة و عاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك فناله مثل ذلك فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت المعذرة إلى الله و إليك فو الله ما علمت كيف الخبر و إلى من نجي‏ء و أنا تائب إلى الله فما التفت إلي بشي‏ء مما قلت فانصرفنا إلى المعتضد فقال اكتموه و إلا ضربت رقابكم .

و منها : أن علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفنا فكتب إليه أنك تحتاج إليه في سنة ثمانين فمات في سنة ثمانين و بعث إليه بالكفن قبل موته .

و منها ما روى عن نسيم خادم أبي محمد (عليه السلام) قال : دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) بعد مولده بعشرة أيام فعطست عنده فقال يرحمك الله قال ففرحت بذلك فقال لي أ لا أبشرك في العطاس هو أمان من الموت ثلاثة أيام.

و منها ما روي عن حكيمة قالت : دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوما من ولادة نرجس فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار فلم أر لغة أفصح من لغته فتبسم أبو محمد و قال إنا معاشر الأئمة ننشأ في كل يوم كما ينشأ غيرنا في الشهر و ننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في السنة قالت ثم كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه فقال استودعناه الذي استودعت أم موسى ولدها .

و منها ما روي عن أبي الحسن المسترق الضريرقال : كنت يوما في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية قال كنت أزري عليها إلى أن حضرت مجلس عمي الحسين يوما فأخذت أتكلم في ذلك فقال يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين استصعبت على السلطان و

[501]

كان كل من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها فسلم إلي جيش و خرجت نحوها فلما خرجت إلى ناحية طر و خرجت إلى الصيد ففاتني طريدة فاتبعتها و أوغلت في أثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه فكلما سرت يتسع النهر فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء و هو متعمم بعمامة خز خضراء لا أرى منه سواد عينيه و في رجليه خفان أحمران فقال لي يا حسين و ما أمرني و لا كناني فقلت ما ذا تريد فقال لم تزري على الناحية و لم تمنع أصحابي خمس مالك و كنت رجلا وقودا لا أخاف شيئا فأرعدت و تهيبته و قلت له أفعل يا سيدي ما تأمر به فقال إذا أتيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه فدخلته عفوا و كسبت ما كسبته فيه تحمل خمسه إلى مستحقه فقلت السمع و الطاعة فقال امض راشدا و لوى عنان دابته و انصرف فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا و شمالا فخفي علي أمره فازددت رعبا و انكفأت راجعا إلى عسكري و تناسيت الحديث فلما بلغت قم و عندي أنني أريد محاربة القوم خرج إلي أهلها و قالوا كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا و أما إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا و بينك ادخل البلدة فدبرها كما ترى فأقمت فيها زمانا و كسبت أموالا زائدة على ما كنت أقدر ثم وشي القواد بي إلى السلطان و حسدت على طول مقامي و كثرة ما اكتسبت فعزلت و رجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت و أقبلت إلى منزلي و جاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري فتخطى رقاب الناس حتى اتكأ على تكأتي فاغتظت من ذلك و لم يزل قاعدا لا يبرح و الناس يدخلون و يخرجون و أنا أزداد غيظا فلما تصرم المجلس دنا إلي و قال بيني و بينك سر فاسمعه فقلت قل فقال صاحب الشهباء و النهر يقول قد وفينا بما وعدنا فذكرت الحديث و ارتعدت من ذلك و قلت السمع و الطاعة فقمت و أخذت بيده و فتحت الخزائن فلم يزل يخمسها إلى أن خمس شيئا كنت قد أنسيته مما كنت قد جمعته و انصرف و لم أشك بعد ذلك و تحققت الأمر فأنا منذ سمعت هذا من عمي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك .

[502]

و منها ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال : لما وصلت بغداد في سنة سبع و ثلاثين للحج و هي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت كان أكبر همي بمن ينصب الحجر لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه و أنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان كما في زمن الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقر فاعتللت علة صعبة خفت فيها على نفسي و لم يتهيأ لي ما قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام و أعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري و هل تكون المنية في هذه العلة أم لا و قلت همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه و أخذ جوابه و إنما أندبك لهذا فقال المعروف بابن هشام لما حصلت بمكة و عزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه أقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب و لم يستقم فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله و وضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه و علت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني أتبعه و أدفع الناس عني يمينا و شمالا حتى ظن بي اختلاط في العقل و الناس يفرجون لي و عيني لا تفارقه حتى انقطع عني الناس و كنت أسرع الشدة خلفه و هو يمشي على تؤدة و لا أدركه فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف و التفت إلي فقال هات ما معك فناولته الرقعة فقال من غير أن ينظر فيها قل له لا خوف عليك في هذه العلة و يكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة قال فوقع علي الزمع حتى لم أطق حراكا و تركني و انصرف قال أبو القاسم فأعلمني بهذه الجملة فلما كانت سنة سبع و ستين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره و تحصيل جهازه إلى قبره و كتب وصيته و استعمل الجد في ذلك فقيل له ما هذا الخوف و ترجو أن يتفضل الله بالسلامة فما عليك مخوفة فقال هذه السنة التي وعدت و خوفت

[503]

منها فمات في علته .

و منها : ما روي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عيسى بن شج قال : دخل الحسن بن علي العسكري علينا الحبس و كنت به عارفا فقال لي لك خمس و ستون سنة و شهر و يومان و كان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي و أني نظرت فيه فكان كما قال و قال هل رزقت ولدا فقلت لا قال اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا فنعم العضد الولد ثم تمثل (عليه السلام) :

من كان ذا عضد يدرك ظلامته *** إن الذليل الذي ليست له عضد

قلت يا مولاي أ لك ولد ?

قال : إي و الله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا فأما الآن فلا ثم تمثل :

لعلك يوما أن تراني كأنما *** نبي حوالي الأسود اللوائد

فإن تميما قبل أن تلد الحصا *** أقام زمانا و هو في الناس واحد

آخر ما نقلته من كتاب الخرائج للراوندي رحمه الله و قال الطبرسي في كتابه الركن الرابع من الكتاب في ذكر الأئمة الاثني عشر و الإمام الثاني عشر (عليه السلام) المطلب الأهم و الغرض الأتم من هذا الكتاب في تصحيح إمامة صاحب الزمان بن الحسن القائم الحجة مهدي الأمة و كاشف الغمة على الجملة و التفصيل بثابت البرهان و واضح الدليل.

ثم إن ذلك يدور على قسمين أحدهما ذكر البراهين و البينات من جهة النصوص الدالة على إمامة الاثني عشر الذي هو خاتمهم و قائمهم عليه و عليهم أجمعين أفضل الصلاة و السلام و قد رواها الخاصة و العامة و أطبق على نقلها الفرقتان المتباينتان و الطائفتان المختلفتان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما يؤيد ذلك من الأدلة التي تجملهم و تعمهم و تشملهم و الآخر ذكر الدلالات الواضحة في إمامته (عليه السلام) خاصة على التعيين و التفصيل و الإفراد له بالدليل بعد إشراكه (عليه السلام) في دلالة الاعتبار مع ذكر طرف من الأخبار في ذكر مولده و غيبته و علامات وقت قيامه و مدة دولته و بيان سيرته.

ذكر القول في الدلالة على الإمامة للاثني عشر من آل محمد عليهم السلام

القسم الأول من الركن الرابع و هو القول في الدلالة على الإمامة للاثني عشر

[504]

من آل محمد (عليه السلام) و يشتمل على ثلاثة فصول.

الفصل الأول في ذكر بعض الأخبار التي جاءت في النص على عدد الأئمة الاثني عشر من الأئمة من طريق العامة على طريق الإجمال

اعلم أن الخبر إذا رواه المعترف بصحته الدائن بصدقه و وافقه على ذلك المنكر لمضمونه الدافع لما اشتمل عليه فقد أسفر فيه الحق عن وجه الدلالة لاتفاق المتضادين في المقالة إذ لو كان باطلا لما توفرت دواعي المنكر له على نقله و هو حجة عليه بل كانت منه الدواعي متوفرة في دفعه على مجرى العرف و العادة لا سيما و قد سلم من بعض معارضة فسقط الحجة به أو دعوى تكافيه في الظاهر فتمنع من العمل عليه و الاعتقاد به و إذا كانت الأخبار الواردة في أعداد الأئمة (عليهم السلام) بهذه الصفة فقد وجب القطع على صحتها.

فمما جاء من الأخبار التي نقلها أصحاب الحديث غير الإمامية في ذلك و صححوها .

ما روى مرفوعا إلى جابر بن سمرة قال : سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة و يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش و سمعته يقول أنا الفرط على الحوض رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة و قتيبة بن سعد .

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسى عفا الله عنه هذا الحديث ذكرته في صدر هذا الكتاب من عدة طرق و هو في صحيح مسلم و ذكرت أيضا نقلا من مسند أحمد بن حنبل رحمه الله أن عبد الله بن مسعود سئل هل أخبركم نبيكم بعدة الخلفاء من بعده في كلام هذا معناه : فقال نعم قال كعدة نقباء بني إسرائيل.

قال الطبرسي و مما ذكره الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في كتابه قال و من ذلك ما روي عن ابن مسعود في كتابه و ذكر الحديث و أنا نقلته من مسند أحمد بن حنبل.

و مما ذكره الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي رحمه الله في

[505]

الرد على الزيدية .

مرفوعا إلى ابن عباس قال :
سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين حضرته الوفاة فقلت إذا كان ما نعوذ بالله منه فإلى من فأشار بيده إلى علي (عليه السلام) فقال إلى هذا فإنه مع الحق و الحق معه ثم يكون من بعده أحد عشر إماما مفترضة طاعتهم كطاعته .

و عن المفيد مرفوعا إلى عائشة رضي الله عنها أنها سئلت كم خليفة يكون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت : أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة قال فقلت لها من هم فقالت أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت لها فاعرضيه فأبت .

و بإسناده عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له : يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثم تكون أمور كريهة و شدائد عظيمة ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و يمكث في الأرض ما شاء الله ثم يخرج الدجال .

هذا بعض ما جاء من الأخبار من طريق المخالفين و رواياتهم في النص على عدد الأئمة الاثني عشر (عليه السلام) و إذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت ذلك كما نقلته الشيعة الإمامية و لم تنكر ما تضمنه الخبر فهو أدل دليل على أن الله تعالى هو سخرهم لروايته إقامة لحجته و إعلاء لكلمته و ما هذا الأمر إلا كالخارق للعادة و الخارج من الأمور المعتادة و لا يقدر عليه إلا الله سبحانه و تعالى الذي يذلل الصعب و يقلب القلب و يسهل العسير و هو على كل شي‏ء قدير.

الفصل الثاني في ذكر بعض الأخبار التي جاءت من طرق الشيعة الإمامية في النص على إمامة الاثني عشر من آل محمد (عليه السلام)

هذه الأخبار على ضربين أحدهما يتضمن النص على عدد الاثني عشر من آل محمد (عليه السلام) على الجملة و الثاني يتضمن النص على أعيان الأئمة الاثني عشر على التفصيل.

فأما الضرب الأول منهما فنحو .

ما رواه محمد بن يعقوب الكليني مرفوعا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على فاطمة (عليها السلام) و بين يديها لوح

[506]

مكتوب فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد و أربعة منهم علي .

و بإسناده يرفعه إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن الله عز و جل أرسل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الجن و الإنس و جعل من بعده اثني عشر وصيا منهم من سبق و منهم من بقي و كل وصي جرت به سنة و الأوصياء الذين من بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على سنة أوصياء عيسى و كانوا اثني عشر و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) على سنة المسيح .

و بإسناده يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال : كنت حاضرا لما مات أبو بكر رضي الله عنه و استخلف عمر رضي الله عنه و شهدت إذ أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب تزعم يهود المدينة أنه أعلم زمانه حتى رفع إلى عمر فقال له يا عمر إني جئتك أريد الإسلام فإن أخبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمد بالكتاب و السنة و جميع ما أريد أن أسأل عنه فقال له عمر إني لست هناك و لكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب و السنة و جميع ما تسأل عنه و هو ذاك و أومأ بيده إلى علي (عليه السلام) و ساق الحديث إلى أن قال :

قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) سل عما بدا لك .

فقال : أخبرني عن ثلاث و ثلاث و واحدة ?

فقال له علي : لم لم تقل سبعة ?

فقال له اليهودي : إنك إن أخبرتني بالثلاث سألتك عن البقية و إلا كففت ; ثم قال أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض و أول شجرة غرست في الأرض و أول عين نبعت على وجه الأرض فأخبره أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال له اليهودي أخبرني عن هذه الأمة كم يكون لها من إمام هدى و أخبرني عن نبيكم محمد أين منزله في الجنة و من يسكن معه في منزله فقال له (عليه السلام) إن لهذه الأمة اثني عشر إماما من ذرية نبيها و هم مني و أما منزلة نبينا في الجنة فهي أفضلها و أشرفها جنة عدن و أما من يسكن معه في منزله فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته و أمهم و جدتهم أم أمهم و ذراريهم لا يشركهم فيها أحد الخبر بتمامه .

و أعاد هذا الخبر ثانية بألفاظ أتم

[507]

من هذه و الموضع المطلوب سؤال اليهودي عن عدة الأئمة (عليهم السلام) فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) عينها كما تقدم و أسلم اليهودي .

و عن أبي حمزة قال : سمعت الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) يقول إن الله تعالى خلق محمدا و اثني عشر من أهل بيته من نور عظمته و أقامهم أشباها في ضياء نوره يعبدونه و يسبحونه و يقدسونه و هم الأئمة من بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من آل محمد اثنا عشر إماما كلهم محدث و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي هما الوالدان .

و عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي و علمي و حلمي و خلقهم من طينتي فويل للمتكبرين عليهم بعدي القاطعين فيهم صلتي ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي .

و عن سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي و آخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض و مغاربها .

و عن الصادق عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم هم خلفائي و أوصيائي و أوليائي و حجج الله على أمتي المقر بهم مؤمن و المنكر لهم كافر .

و عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن خلفائي و أوصيائي و حجج الله على الخلق بعدي الاثني عشر أولهم أخي و آخرهم ولدي قيل يا رسول الله من أخوك قال علي بن أبي طالب قيل فمن ولدك قال المهدي الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي و ينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه و تشرق الأرض بنور ربها و بلغ سلطانه المشرق و المغرب .

و الأخبار في هذا الفن كثيرة فلنقتصر على ما أوردناه ففيه كفاية و مقنع فيما نحوناه.

[508]

و أما الضرب الثاني ذكر في هذا الضرب حديث اللوح الذي كان عند فاطمة (عليها السلام) فيه أسماء الأئمة واحدا بعد واحد على التعيين و هو من طرق أصحابنا و الذي أراه أن هذه الأحاديث لا فائدة في ذكرها طائلة لأنه إن كان المراد بها إثبات أسمائهم و حصرهم في هذه العدة عند الشيعة فذلك أمر مفروق منه ثابت لا يحتاج إلى دليل و لا يفتقر إلى برهان و يكفى فيه عندهم النقل الذي تداولوا و إن كان المراد به ثبوته عند المخالفين فهذه الأحاديث عندهم لا تنصر دعوى و لا تثبت حجة و قد أوردت أنا في تضاعيف هذا الكتاب من طرقهم ما فيه بلاء و لا يسع العقلاء إنكاره إلا من أراد الجدال و كان في طبعه عناد أو نشأ على أمر و يضعف طبعه عن مفارقته و العدول عنه إلى ضده و في ذلك صعوبة على الأنفس الضعيفة و قد أجاد أبو الطيب في قوله .

يراد من القلب نسيانكم و تأبى الطباع على الناقل.

و روي عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول كنا عند معاوية أنا و الحسن و الحسين و عبد الله بن عباس و عمر بن أبي سلمة و أسامة بن زيد فذكرنا حديثا جرى بينه و بين معاوية و أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم أخي علي (عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم و ستدركه يا علي ثم ابني محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و ستدركه يا حسين ثم تكمله اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين قال عبد الله ثم استشهدت الحسن و الحسين و عبد الله بن عباس و عمر بن أبي سلمة و أسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية قال سليم بن قيس الهلالي و قد كنت سمعت من سلمان و أبي ذر و المقداد و أسامة بن زيد أنهم سمعوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا

[509]

الحسين على فخذيه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول أنت سيد بن سيد أبو سادة أنت إمام بن إمام أبو أئمة أنت حجة بن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم .

و عن الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه (عليه السلام) قال : سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي فقيل له من العترة فقال أنا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم و قائمهم لا يفارقون كتاب الله و لا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حوضه .

و عن عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون .

و عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا سيد النبيين و علي بن أبي طالب سيد الوصيين و أن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) و آخرهم القائم .

و عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول لما أنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت يا رسول الله عرفنا الله و رسوله فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) هم خلفائي من بعدي يا جابر و أئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر و ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي و كنيي حجة الله في أرضه و بقيته في عباده محمد بن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله عز و جل على يديه مشارق الأرض و مغاربها و ذلك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته

[510]

إلا من امتحن الله قلبه للإيمان قال جابر فقلت يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته فقال (عليه السلام) إي و الذي بعثني بالحق إنهم ليستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و إن علاها سحاب يا جابر هذا من مكنون سر الله و مخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله إلى آخر الخبر .

و عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة ثم اختارني منها فجعلني نبيا ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا و جعله إماما ثم أمرني أن أتخذه أخا و وصيا و خليفة و وزيرا فعلي مني و أنا من علي و هو زوج ابنتي و أبو سبطي الحسن و الحسين ألا و إن الله تبارك و تعالى جعلني و إياهم حججا على عباده و جعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري و يحفظون وصيتي التاسع منهم قائم أهل بيتي و مهدي أمتي أشبه الناس بي في شمائله و أقواله و أفعاله يظهر بعد غيبة طويلة و حيرة مضلة فيعلن أمر الله و يظهر دين الله و يؤيد بنصر الله و ينصر بملائكة الله فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما .

و عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق عن آبائه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال من علم أن لا إله إلا أنا وحدي و أن محمدا عبدي و نبيي و أن علي بن أبي طالب خليفتي و أن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي و نجيته من النار بعفوي و أبحت له جواري و أوجبت له كرامتي و أتممت عليه نعمتي و جعلته خاصتي و خالصتي إن ناداني لبيته و إن دعاني أجبته و إن سألني أعطيته و إن سكت ابتدأته و إن أساء رحمته و إن فر مني دعوته و إن شهد بذلك و لم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك و لم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي و صغر عظمتي و كفر بآياتي و كتبي إن قصدني حجبته و إن سألني حرمته و إن ناداني لم أسمع نداءه و إن دعاني لم أجب دعاءه و إن رجاني خيبته و ذلك جزاؤه مني و ما أنا بظلام للعبيد فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله و من الأئمة من ولد علي بن أبي طالب فقال الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة

[511]

ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي و ستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم التقي محمد بن علي ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما هؤلاء يا جابر خلفائي و أوصيائي و أولادي و عترتي من أطاعهم فقد أطاعني و من عصاهم فقد عصاني و من أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني بهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه و بهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها .

و عن أبي حمزة الثمالي عن الباقر عن آبائه (عليهم السلام) عن الحسين بن علي قال : دخلت أنا و أخي على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأجلسني على فخذه و أجلس أخي الحسن على فخذه الأخرى ثم قال لنا بأبي أنتما من إمامين صالحين اختاركما الله مني و من أبيكما و أمكما و اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم كلهم في الفضل و المنزلة سواء .

قال محمد بن عمران : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول نحن اثني عشر محدثا فقال له أبو بصير تالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله (عليه السلام) فحلف مرة أو مرتين أنه سمعه منه فقال أبو بصير لكني سمعته من أبي جعفر (عليه السلام) .

قال و أمثال هذه الأخبار كثيرة لا يحتمل هذا الكتاب أكثر مما ذكرناه و قد ذكر كثيرا منها الشيخ أبو جعفر بن بابويه في كتاب كمال الدين و تمام النعمة في إثبات الغيبة و كشف الحيرة فمن أراد الزيادة فليطلب من هناك و قد صنف الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في ذلك كتابا مفردا ذكر فيه الأخبار الواردة في هذا المعنى بأسانيدها.

الفصل الثالث من القسم الأول في ذكر جمل من الدلائل على إمامة أئمتنا عليهم السلام

سوى ما ذكرناه فيما تقدم من الكتاب أحد الدلائل على إمامتهم (عليه السلام) ما ظهر عنهم من العلوم التي تفرقت في فرق العالم فحصل في كل فرقة منهم فن

[512]

و اجتمعت فنونها و سائر أنواعها في آل محمد (عليه السلام) أ لا ترى إلى ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أبواب التوحيد و الكلام الباهر المفيد من الخطب و علوم الدين و أحكام الشريعة و تفسير القرآن و غير ذلك ما زاد على جميع كلام الخطباء و العلماء و الفصحاء و الحكماء و البلغاء حتى أخذ منه المتكلمون و الفقهاء و المفسرون و نقل عنه أهل العربية أصول الإعراب و معاني اللغات و قال في الطب ما استفاد منه الأطباء و في الحكم و الوصايا و الآداب ما أربى على جميع كلام الحكماء و في النجوم و علم الآثار ما استفاده من جهته جميع أهل الملل و الآراء ثم قد نقلت الطوائف عمن ذكرناه من عترته و أبنائه (عليه السلام) مثل ذلك من العلوم في جميع الأنحاء و لم يختلف في فضلهم و علو درجتهم في ذلك من أهل العلم اثنان فقد ظهر عن الباقر و الصادق (عليه السلام) من الفتاوي في الحلال و الحرام و المسائل و الأحكام و روى الناس عنهما من علوم الكلام و تفسير القرآن و قصص الأنبياء و المغازي و السير و أخبار العرب و ملوك الأمم ما سمي أبو جعفر (عليه السلام) لأجله باقر العلم.

و روي عن الصادق (عليه السلام) من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان و صنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب هي معروفة بكتب الأصول رواها أصحابه و أصحاب أبيه و أصحاب ابنه موسى (عليه السلام) و لم يبق فن من فنون العلم إلا روي عنه (عليه السلام) فيه أبواب و كذلك كانت حالة ابنه موسى من بعده في إظهار العلوم حتى حبسه الرشيد و منعه من ذلك و قد انتشر للرضا (عليه السلام) و ابنه أبي جعفر من ذلك ما شهرة جملته تغني عن تفصيله و كذلك كانت سبيل أبي الحسن و أبي محمد العسكريين (عليه السلام) و إنما كانت الرواية عنهما أقل لأنهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ممنوعين من الانبساط في الفتيا و أن يلقاهما كل أحد من الناس.

و إذا ثبت بما ذكرناه بينونة أئمتنا (عليهم السلام) بما وصفناه عن جميع الأنام و لم يمكن أحدا أن يدعي أنهم أخذوا العلم عن رجال العامة أو تلقنوه من رواتهم و فقهائهم لأنهم لم يروا قط مختلفين إلى أحد من العلماء في تعلم شي‏ء من العلوم و لأن ما نقل عنهم من العلوم فإن أكثره لا يعرف إلا منهم و لم يظهر إلا عنهم فعلمنا .

[513]

أن هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم مع غناهم عن سائر الناس و تيقنا زيادتهم في ذلك على كافتهم و نقصان جميع العلماء عن رتبتهم. فثبت أنهم أخذوها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة و أنه أفردهم بها ليدل على إمامتهم و افتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه و غناهم عنهم ليكونوا مفزعا لأمته في الدين و ملجئا لهم في الأحكام و جروا في هذا التخصيص مجري النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تخصيص الله سبحانه له بإعلامه أحوال الأمم السالفة و إفهامه ما في الكتب المتقدمة من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحدا من أهله.

هذا و قد ثبت في العقول أن الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول و قد بين الله ذلك في كتابه بقوله أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى و قوله هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و دل بقوله سبحانه في قصة طالوت وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ و أن التقدم في العلم و الشجاعة موجب للتقدم في الرئاسة و إذا كانت أئمتنا (عليهم السلام) أعلم الأمة بما ذكرناه فقد ثبت أنهم أئمة الإسلام الذين استحقوا الرئاسة على الأنام بما قلناه.

دلالة أخرى : و مما يدل على إمامتهم (عليه السلام) إجماع الأمة على طهارتهم و ظاهر عدالتهم و عدم التعلق عليهم أو على أحد منهم بشي‏ء يشينه في ديانته مع اجتهاد أعدائهم و ملوك أزمنتهم في الغض منهم و الوضع من أقدارهم و التطلب لعثراتهم حتى أنهم كانوا يقربون من يظهر عداوتهم و ينفون و يقتلون من يتحقق بولايتهم و هذا أمر ظاهر عند من سمع بأخبار الناس فلو لا أنهم (عليه السلام) كانوا على صفات الكمال من العصمة و التأييد من الله تعالى و أنه سبحانه منع بلطفه كل أحد من أن

[514]

يتحرس عليهم باطلا أو يقول فيهم لما سلموا (عليه السلام) من ذلك على الوجه الذي شرحناه لا سيما و قد ثبت أنهم لم يكونوا ممن لا يؤبه بهم و لا ممن لا يدعو الداعي إلى البحث عن أخبارهم و انقطاع آثارهم بل كانوا على مرتبة من تعظيم الخلق إياهم و في الرتبة العالية و الدرجة الرفيعة التي يحسدهم عليها الملوك و يتمنونها لأنفسهم لأن شيعتهم مع كثرتها في الخلق و غلبتها في أكثر البلاد اعتقدت فيهم الإمامة التي تشارك النبوة و ظهرت عليهم الآيات و المعجزات و العصمة عن الزلازل حتى أن الغلاة قد اعتقدت فيهم النبوة و الإلهية و كان أحد أسباب اعتقادهم ذلك فيهم حسن آثارهم و علو أحوالهم و كمالهم في صفاتهم و قد جرت العادة فيمن حصل له جزء من هذه النباهة أن لا يسلم من ألسنة أعدائه و نسبتهم إياه إلى بعض العيوب القادحة في الديانة و الأخلاق فإذا ثبت أن أئمتنا (عليهم السلام) نزههم الله عن ذلك ثبت أنه سبحانه هو المتولي لجميع الخلائق على ذلك بلطفه و جميل صنعه ليدل على أنهم حججه على عباده و السفراء بينه و بين خلقه و الأركان لدينه و الحفظة لشرعه و هذا واضح لمن تأمله.

دلالة أخرى : و مما يدل أيضا على إمامتهم (عليه السلام) ما حصل من الاتفاق على برهم و عدالتهم و علو قدرهم و طهارتهم و قد ثبت معرفتهم (عليه السلام) بكثير ممن يعتقد إمامتهم و يدين الله تعالى بعصمتهم و النص عليهم و يشهد بالمعجز لهم و وضح أيضا اختصاص هؤلاء بهم و ملازمتهم إياهم و نقلهم الأحكام و العلوم عنهم و حملهم الزكوات و الأخماس إليهم من أنكر هذا أو دفع كان مكابرا دافعا للعيان بعيدا عن معرفة أخبارهم و قد علم كل محصل بطرق الأخبار أن هشام بن الحكم و أبا بصير و زرارة بن أعين و حمران و بكر ابني أعين و محمد بن النعمان الذي يلقبه العامة شيطان الطاق و بريد بن معاوية العجلي و أبان بن تغلب و محمد بن مسلم الثقفي و معاوية بن عمار الدهني و غير هؤلاء ممن قد بلغوا الجمع الكثير و الجم الغفير من أهل العراق و الحجاز و خراسان و فارس كانوا في وقت جعفر بن محمد (عليه السلام) رؤساء الشيعة في الفقه و رواية .

[515]

الحديد و الكلام و قد صنفوا الكتب و جمعوا المسائل و الروايات و أضافوا أكثر ما اعتمدوه من الرواية إليه و إلى أبيه محمد الباقر (عليه السلام) لكل إنسان منهم أتباع و تلامذة في المعنى الذي يتفردوا به و أنهم كانوا يدخلون من العراق إلى الحجاز في كل عام إذا كثروا أو قلوا ثم يرجعون و يحكون عنه الأقوال و يسندون إليه الدلالات و كانت حالهم في وقت الكاظم و الرضا على هذه الصفة و كذلك إلى وقت وفاة أبي محمد العسكري (عليه السلام) و حصل العلم باختصاص هؤلاء بأئمتنا (عليه السلام) كما يعلم اختصاص أبي يوسف و محمد بن الحسن بأبي حنيفة و كما يعلم اختصاص المزني و الربيع بالشافعي و اختصاص النظام بأبي الهذيل و الجاحظ و الأسواري بالنظام و لا فرق بين من دفع الإمامة عما ذكرناه و بين من دفع من سميناه عمن وصفناه في الجهل بالأخبار و العناد و الإنكار و إذا كان الأمر على ما ذكرناه لم تخل الإمامية في شهاداتها من أن تكون كاذبة أو صادقة فإن كانت محقة صادقة في نقل النص عنهم من خلفائهم (عليه السلام) مصيبة فيما اعتقدته فيهم من العصمة و الكمال فقد ثبت إمامتهم على ما قلناه و إن كانت كاذبة في شهاداتها مبطلة في عقيدتها فلن يكون كذلك إلا و من سميناهم من أئمة الهدى (عليه السلام) ضالون برضاهم بذلك فاسقون بترك النكير عليهم مستحقون للبراءة منهم من حيث تولوا الكذابين مضلون لتقريبهم إياهم و اختصاصهم بهم من بين الفرق كلها ظالمون في أخذ الزكوات و الأخماس عنهم و هذا ما لا يطلقه مسلم فيمن يقول بإمامته و إذا كان الإجماع المقدم ذكره حاصلا على طهارتهم و عدالتهم و وجوب إمامتهم ثبتت إمامتهم بتصديقهم لمن أثبت عندهم ذلك و بمن ذكرناه من اختصاصهم بهم و هذا واضح و المنة لله.

دلالة أخرى : و مما يدل أيضا على إمامتهم (عليه السلام) و أنهم أفضل الخلق بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر في هذا الفصل كلاما طويلا أنا ألخصه و أذكر معناه قال ما معناه إن الله غرس لهم في القلوب من الإجلال و التعظيم ما كان يعظمهم لأجله

[516]

الولي و العدو مع اختلاف الأهواء و تباين الآراء فلا يجحد عدوهم شرفهم و علو مكانهم و عظيم مقدارهم هذا معاوية مع مبارزته لأمير المؤمنين (عليه السلام) و نصبه له العداوة و ما جرى بينهم من الوقائع لم يمكنه يوما أن يدفع شرفه و لا يضع منزلته و لا يقدح في حال من أحواله و أمر من أموره و قد كان يسمع من أصحابه (عليه السلام) و من ابن عباس رضي الله عنه و من الوافدين عليه و الوافدات ما يقذي عينه و يصم سمعه من تفضيل علي (عليه السلام) عليه و عد مناقبه و وصف خلاله و ذكر مأثره فما نقل أنه أنكر ذلك و لا أمكنه رده و لا النكير على قائله مع محاربته له و منازعته إياه الخلافة و سبه إياه على المنابر فكان كما قيل فأخرجه إلى السفه العياء و قد أجاد مهيار في قوله :

ما لقريش ماذقتك عهدها *** ودا محبتك ودها على دخل‏

و طالبتك بقديم حقدها بعد *** أخيك بالتراب و الذحل‏

و كيف ضموا أمرهم و اجتمعوا *** و استوردوا الرأي و أنت منعزل‏

و ليس منهم قادح بريبه *** فيك و لا فاض عليك بوهل

و كذا كانت الحال مع ناكثي بيعته فإنهم لم يتمكنوا من إنكار فضله و مجد شرفه و كذا كانت أحوال الحسن و الحسين (عليه السلام) بعده من تعظيم الناس لهم و اعترافهم لهم بعلو المنزلة حتى أن يزيد بن معاوية لقاه الله غب أفعاله الوخيمة و جزاه بما يستحقه على أعماله الذميمة فلم يسعه أن يقول في الحسين (عليه السلام) ما يغض من شرفه أو يطعن في ثغرة مجده و لم يحفظ عنه ذمة و لا استزادته و كان همه الدنيا و طلب الولاية فلها ترك الصواب و عليها دخل النار من كل الأبواب و كان يظهر الحزن عليه و الندم على قتله و إنكار أنه أمر بذلك أو رضي به و ما زال يعظم زين العابدين (عليه السلام) و لما أنفذ مسلم بن عقبة و جرت وقعة الحرة أوصاه باحترامه (عليه السلام) و إكرامه و صيانة جانبه معهم و معرفتهم بحقه و قدره.

[517]

و الصادق (عليه السلام) كان مكرما معظما عند بني مروان و بمثل ذلك عامله السفاح و المنصور.

و موسى بن جعفر (عليه السلام) كان مراعى الحال معروف القدر و المكانة رفيع المنزلة و المحل الذي جرى في حقه من الرشيد كان ينكره و يعتذر منه و ما زال في حال حياته في زمن الهادي و الرشيد على أتم ما ينبغي إلى أن جرى له (عليه السلام) ما جرى و أحضر الرشيد الشهود يشهدون أنه مات موتا و لم يقتل كل ذلك تفصيا من قتله و إنكار أن يكون أمر به.

و حال المأمون مع الرضا (عليه السلام) مشهورة فيما كان يعامله به من الإعزاز التام به و الإكرام البالغ حتى زوجه بابنته و أوصى له بولاية عهده و أسخط لأجله أهل بيته و أولاده و بني أبيه و بني عمه و بذلك عامل ابنه أبا جعفر (عليه السلام) مع صغر سنه حتى زوجه بابنته أم الفصل و عرف محله و كان يشيد بذكر أبيه و ذكره و يعلي ما أعلى الله من قدر أبيه و قدره و يرفعه في مجلسه على أهله و بني عمه و أولاده و قضاته.

و كان المتوكل يعظم علي بن محمد (عليه السلام) مع عداوته لعلي أمير المؤمنين و مقته له و طعنه على آل أبي طالب.

و كذلك كان المعتمد مع أبي محمد (عليه السلام) في إكرامه و المبالغة فيه هذا و الأئمة الذين عددناهم في قبضة من عددنا من الملوك على الظاهر و تحت طاعتهم و قد اجتهدوا كل الاجتهاد في أن يعثروا لهم على عيب يتعلقون به في الحط من منازلهم و أمعنوا في البحث عن أسرارهم و أحوالهم في خلواتهم فعجزوا و لم يظفروا بشي‏ء أصلا.

فعلمنا أن تعظيمهم إياهم مع ظاهر عداوتهم لهم و شدة محبتهم للغض منهم و إجماعهم على ضد مرادهم من إكرامهم و تبجيلهم منحة من الله سبحانه لهم ليدل بذلك على اختصاصهم منه جلت قدرته بالمعنى الذي يوجب طاعتهم على جميع الأنام و ما هذا إلا كالأمور الغير المألوفة و الأشياء الخارقة للعادة.

و يؤيد ما ذكرناه تسخير الله سبحانه الخلق لتعظيم من ذكرناه من الطوائف

[518]

المختلفة و الفرق المتباينة في المذاهب و الآراء و أجمعوا على تعظيم قبورهم و قصد مشاهدهم حتى أنهم يقصدونها من البلاد الشاسعة و يلمون بها و يتقربون إلى الله بزيارتها و يستنزلون عندها من الله الأرزاق و يستفتحون الأغلاق و يطلبون ببركتها الحاجات و يستدفعون الملمات و هذا هو المعجز الخارق للعادة و إلا فما الحامل للفرقة المنحازة عن هذه الجبهة المخالفة لها على ذلك و لم يفعلوا بعض ذلك بمن ذكرناه ممن يعتقدون إمامته و فرض طاعته و هو موافق لهم مساعد غير مخالف.

أ لا ترى أن ملوك بني أمية و خلفاء بني العباس مع كثرة شيعتهم و كونهم أضعاف أضعاف شيعة أئمتنا (عليه السلام) و كون أكثر الدنيا في أيديهم ما حصل لهم من تعظيم الجمهور في حياتهم و السلطنة على العالمين و الخطبة على المنابر في شرق الأرض و غربها لهم بإمرة المؤمنين لم يلم أحد من شيعتهم و أوليائهم فضلا عن أعدائهم بقبورهم بعد وفاتهم و لا قصد أحد تربة لهم متقربا بذلك إلى ربه و لا نشط لزيارتهم و هذا لطف من الله سبحانه بخلقه في الإيضاح عن حقوق أئمتنا (عليهم السلام) و دلالة على علو منزلتهم منه جل اسمه لا سيما و دواعي الدنيا و رغباتها معدومة عند هذه الطائفة و موجودة عند أولئك فمن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا و لا يقال إنهم فعلوه للتقية لأن التقية ليست مذهبا لهم و لا يخافونهم فيتقونهم فلم يبق إلا دواعي الدين.

و هذا هو الأمر العجيب الذي لا ينفذ فيه إلا قدرة القادر القاهر الذي يذلل الصعاب و يسبب الأسباب ليوقظ به الغافلين و يقطع عنه عذر المتجاهلين و أيضا فقد شارك أئمتنا (عليهم السلام) من غيرهم أولاد النبي (عليه السلام) في نسبهم و حسبهم و قرابتهم و كان لكثير منهم عبادات ظاهرة و زهد و علم و لم يحصل من الإجماع على تعظيمهم و زيارة قبورهم ما وجدناه قد حصل لهم (عليه السلام) فإن من عداهم من صلحاء العترة يميل إليهم فريق من الأمة و يعرض عنهم فريق و لا يبلغ بهم من التعظيم الغاية التي تعامل بها أئمتنا (عليهم السلام) و هذا يدل على أن الله سبحانه خرق في أئمتنا (عليهم السلام) العادات و قلب الحالات للإبانة عن علو درجتهم و

[519]

التنبيه على شرف مرتبتهم و الدلالة على إمامتهم.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى حكى لي بعض الأصحاب أن الخليفة المستنصر رحمه الله تعالى مشى مرة إلى سر من رأى و زار العسكريين (عليه السلام) و خرج فزار التربة التي دفن فيها الخلفاء من آبائه و أهل بيته و هم في قبة خربة يصيبها المطر و عليها زرق الطيور و أنا رأيتها على هذه الحال فقيل له أنتم خلفاء الأرض و ملوك الدنيا و لكم الأمر في العالم و هذه قبور آبائكم بهذه الحال لا يزورها زائر و لا يخطر بها خاطر و ليس فيها أحد يميط عنها الأذى و قبور هؤلاء العلويين كما ترونها بالستور و القناديل و الفرش و الزلالي و الفراشين و الشمع و البخور و غير ذلك فقال هذا أمر سماوي لا يحصل باجتهادنا و لو حملنا الناس على ذلك ما قبلوه و لا فعلوا و صدق رحمه الله فإن الاعتقادات لا تحصل بالقهر و لا يتمكن أحد من الإكراه عليها.

و قال : ذكر القسم الثاني من الركن الرابع و هو الكلام في إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة أبي القاسم بن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و ذكر طرف من أخباره و غيبته و علامات وقت قيامه و مدة دولته و وصف سيرته و يشتمل على خمسة أبواب .

الباب الأول في ذكر اسمه و كنيته و لقبه و مولده (عليه السلام) و اسم أمه و من شاهده و فيه ثلاثة فصول

الأول في ذكر اسمه و كنيته و لقبه (عليه السلام)

هو المسمى باسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المكنى بكنيته و قد جاء في الأخبار أنه لا يحل لأحد أن يسميه باسمه و لا أن يكنيه بكنيته إلى أن يزين الله الأرض بظهور دولته و يلقب (عليه السلام) بالحجة و القائم و المهدي و الخلف الصالح و صاحب الزمان و الصاحب و كانت الشيعة في غيبته الأولى تعبر عنه و عن جنبته بالناحية المقدسة و كان ذلك رمزا بين الشيعة يعرفونه به و كانوا أيضا يقولون على سبيل الرمز و التقية الغريم يعنونه (عليه السلام) .

قال أفقر عباد الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى من العجب أن الشيخ

[520]

الطبرسي و الشيخ المفيد رحمهما الله تعالى قالا إنه لا يجوز ذكر اسمه و لا كنيته ثم يقولان اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و كنيته كنيته (عليه السلام) و هما يظنان أنهما لم يذكرا اسمه و لا كنيته و هذا عجيب و الذي أراه أن المنع من ذلك إنما كان للتقية في وقت الخوف عليه و الطلب له و السؤال عنه فأما الآن فلا و الله أعلم .

الفصل الثاني في ذكر مولده و اسم أمه (عليه السلام)

ولد (عليه السلام) بسر من رأى ليلة النصف من الشعبان سنة خمس و خمسين و مائتين من الهجرة و ذكر الأحاديث التي أوردها المفيد رحمه الله في مولده (عليه السلام) عن حكيمة عمة أبي محمد (عليه السلام) .

الفصل الثالث لم نذكره

الباب الثاني من الركن الرابع في ذكر النصوص الدالة على إمامته (عليه السلام) مما تقدم ذكره في جملة الاثني عشر و فيه ثلاثة فصول

الفصل الأول في ذكر إثبات النص على إمامته (عليه السلام) من طريق الاعتبار

إذا ثبت بالدليل وجوب الإمامة و استحالة أن يخلي الحكيم سبحانه عباده المكلفين وقتا من الأوقات من وجود المعصوم من القبائح و يكون كاملا غنيا عن رعاياه في العلوم ليكونوا بوجوده أقرب إلى الصلاح و أبعد من الفساد و ثبت وجود النص على من نص عليه من إمام معصوم أو ظهر المعجز الدال عليه المميز له عمن سواه و عدم هذه الصفات من كل أحد بعد وفاة أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) ممن ادعيت له الإمامة في تلك الحال سوى من أثبت إمامته أصحابه (عليه السلام) و هو ابنه القائم مقامه و ثبتت إمامته (عليه السلام) و إلا أدى إلى خروج الحق عن أقوال الأمة و هذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص و تعداد ما جاء فيها من الروايات و الأخبار لقيامه بنفسه في قضية العقل و ثبوته بصحيح الاعتبار على أنه قد سبق النص عليه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم من أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم من الأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد إلى أبيه (عليه السلام) و إخبارهم بغيبه قبل وجوده و بدولته و الفصل بعد غيبته و نحن نذكر ذلك الفصل الذي يلي هذا الفصل ثم نذكر بعد ذلك الأخبار الواردة في أنه نص عليه أبوه (عليه السلام) عند خواصه و ثقته و شيعته و أشار إليه بالإمامة استظهارا

[521]

في الحجة و تثبيتا على المحجة .

الفصل الثاني

ذكر فيه الأخبار التي تقدم ذكره عن آبائه (عليهم السلام) سوى ما ذكره فيما تقدم من الكتاب قال حذفنا أسانيدها تحريا للاختصار فمن أراد فيطلبها من كتاب كمال الدين لأبي جعفر.

ثم ذكر بعد ذلك .

ما رواه جابر الجعفي عن جابر الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا و خلقا تكون له غيبة و حيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا كما ملئت جورا .

و أمثال هذه الأخبار قد تقدمت و أذكر فيها ما أظن أني لم أذكره .

و عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن علي بن أبي طالب إمام أمتي و خليفتي عليها بعدي و من ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما و الذي بعثني بالحق بشيرا إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله و للقائم من ولدك غيبة قال إي و ربي و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين يا جابر إن هذا أمر من أمر الله و سر من سر الله علته مطوية عن عباد الله فإياك و الشك فإن الشك في الله كفر .

و عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) أنه قال للحسين (عليه السلام) : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق و المظهر للدين و الباسط للعدل قال الحسين (عليه السلام) فقلت له و إن ذلك لكائن فقال إي و الذي بعث محمدا بالنبوة و اصطفاه على جميع البرية و لكن بعد غيبة و حيرة لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا و كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه .

و مما جاء فيه عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما صالح الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية دخل الناس عليه و لامه بعض الشيعة على بيعته فقال (عليه السلام) ويحكم ما تدرون ما عملت و الله الذي عملت خير

[522]

لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت أ لا تعلمون أني إمامكم و مفترض الطاعة عليكم و أحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي قالوا بلى قال أ ما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار كان ذلك سخطا لموسى (عليه السلام) إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك و كان عند الله حكمة و صوابا أ ما علمتم أنه ما منا أحد إلا و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى ابن مريم (عليه السلام) خلفه فإن الله عز و جل يخفي ولادته و يغيب شخصه لئلا يكون في عنقه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين بن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ذلك ليعلم أن الله على كل شي‏ء قدير .

و مما جاء فيه عن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما رواه الصادق عن آبائه عن الحسين (عليه السلام) قال في التاسع من ولدي سنة من يوسف و سنة من موسى بن عمران (عليه السلام) و هو قائمنا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة واحدة .

و عن الحسين (عليه السلام) قال : في القائم منا سنن من الأنبياء سنة من نوح و سنة من إبراهيم و سنة من موسى و سنة من عيسى و سنة من أيوب و سنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأما من نوح فطول العمر و أما من إبراهيم فخفاء الولادة و اعتزال الناس و أما من موسى فالخوف و الغيبة و أما من عيسى فاختلاف الناس فيه و أما من أيوب فالفرج بعد البلوى و أما من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فالخروج بالسيف .

قال : و سمعته يقول القائم منا يخفى عن الناس ولادته حتى يقولوا لم يولد بعد ليخرج حين يخرج و ليس لأحد في عنقه بيعة .

و قال : علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) من ثبتت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر و أحد .

و روى عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن شيعتك بالعراق

[523]

كثيرة و و الله ما في أهلك مثلك فقال لي يا عبد الله قد أمكنت الحشو من أذنيك و الله ما أنا بصاحبكم قلت فمن صاحبنا قال أنظر من يخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم .

و عن محمد بن مسلم قال : دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و أنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد فقال مبتدئا يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد شبها من خمسة من الرسل يونس بن متى و يوسف بن يعقوب و موسى و عيسى و محمد صلوات الله عليهم أجمعين فأما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته و هو شاب بعد كبر السن و أما شبهه من يوسف فالغيبة من خاصته و عامته و اختفاؤه عن إخوته و إشكال أمره على أبيه يعقوب النبي (عليه السلام) مع قرب المسافة بينهما و أما شبهه من موسى (عليه السلام) فهو دوام خوفه و طول غيبته و خفاء مولده على عدوه و حيرة شيعته من بعده مما لقوا من الأذى و الهوان إلى أن يأذن الله في ظهوره و أيده على عدوه و أما شبهه من عيسى (عليه السلام) فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة ما ولد و طائفة قالت مات و طائفة قالت صلب و أما شبهه من جده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فتجريده السيف و قتله أعداء الله و أعداء رسوله و الجبارين و الطواغيت و أنه ينصر بالسيف و الرعب و أنه لا ترد له راية و أن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام و خروج اليماني و صيحة من السماء في شهر رمضان و مناد ينادي باسمه و اسم أبيه .

دلالة أخرى و عن الصادق (عليه السلام) قال : من أقر بجميع الأئمة و جحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء و جحد نبوة محمد (عليه السلام) فقيل له يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك قال الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه و لا يحل لكم تسميته .

و عن يونس بن عبد الرحمن قال : دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له يا ابن رسول الله أنت القائم بأمر الله فقال أنا القائم بالحق و لكن القائم الذي

[524]

يطهر الأرض من أعداء الله و يملأها عدلا كما ملئت جورا و هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه و يرتد فيها قوم و يثبت فيها آخرون .

و قال (عليه السلام) : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا و البراءة من أعدائنا أولئك منا و نحن منهم قد رضوا بنا أئمة و رضينا بهم شيعة فطوبى لهم ثم طوبى لهم و هم و الله معنا في درجتنا يوم القيامة .

و عن أيوب بن نوح قال : قلت للرضا إنا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر و أن يسلمه الله إليك من غير سيف فقد بويع لك و ضربت الدراهم باسمك فقال ما منا أحد اختلفت إليه الكتب و سئل عن المسائل و أشارت إليه الأصابع و حملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عز و جل لهذا الأمر رجلا خفي المولد و المنشأ غير خفي في نسبه .

و عن ريان بن الصلت قال : قلت للرضا (عليه السلام) أنت صاحب هذا الأمر فقال أنا صاحب هذا الأمر و لكني لست بالذي أملأها عدلا كما ملئت جورا و كيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني فإن القائم هو الذي إذا خرج خرج في سن الشيوخ و منظر الشباب يكون قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها و لو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها و يكون معه عصا موسى و خاتم سليمان ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما كأني بهم آيس ما كانوا إذ نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب يكون رحمة للمؤمنين و عذابا للكافرين .

و عن الحسين بن خالد قال : قال الرضا (عليه السلام) لا دين لمن لا ورع له و لا إيمان لمن لا تقية له و إن أكرمكم عند الله أتقاكم فقيل له يا ابن رسول الله إلى متى قال إلى يوم الوقت المعلوم و هو يوم خروج قائمنا فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا فقيل له يا ابن رسول الله من القائم منكم أهل البيت قال الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهر الله به الأرض من كل جور و يقدسها من كل ظلم و هو الذي يشك الناس في ولادته و هو صاحب الغيبة قبل خروجه و

[525]

إذا خرج أشرقت الأرض بنوره و وضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا و هو الذي تطوى له الأرض و لا يكون له ظل و هو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق معه و فيه و هو قول الله عز و جل إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ .

دلالة أخرى و مثله ما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : دخلت على سيدي علي بن محمد (عليه السلام) فلما بصر بي قال لي مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا فقلت له يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا ثبت عليه إلى أن ألقى الله عز و جل فقال هات يا أبا القاسم فقلت إني أقول إن الله تبارك و تعالى واحد ليس كمثله شي‏ء خارج عن الحدين حد الإبطال و حد التشبيه و أنه ليس بجسم و لا صورة و لا عرض و لا جوهر بل هو مجسم الأجسام و مصور الصور و خالق الأعراض و الجواهر و رب كل شي‏ء و مالكه و جاعله و محدثه و أن محمدا خاتم النبيين و لا نبي بعده إلى يوم القيامة و أن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة و أقول إن الإمام و الخليفة و ولي الأمر بعده أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي فقال (عليه السلام) و من بعدي الحسن ابني فكيف يكون للناس بالخلف من بعده قال فقلت و كيف ذلك يا مولاي قال لأنه لا يرى شخصه و لا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا قال فقلت أقررت و أقول إن وليهم ولي الله و إن عدوهم عدو الله و طاعتهم طاعة الله و معصيتهم معصية الله و أقول المعراج حق و المساءلة في القبر حق و إن الجنة حق و إن النار حق و إن الصراط حق و إن الميزان حق و إن الساعة آتية لا ريب فيها و إن الله يبعث من في القبور و أقول إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة و الزكاة و

[526]

الصوم و الحج و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقال علي بن محمد (عليه السلام) يا أبا القاسم هذا و الله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و الآخرة .

الفصل الثالث في ذكر النص عليه من جهة أبيه الحسن (عليه السلام)

عن أحمد بن إسحاق و سعد الأشعري قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) و أنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده فقال لي مبتدئا يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك و تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم و لا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض و به ينزل الغيث و به تخرج بركات الأرض قال فقلت يا ابن رسول الله فمن الخليفة و الإمام بعدك فنهض (عليه السلام) مسرعا فدخل البيت ثم خرج و على عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين و قال يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله و على حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنه سمي رسول الله و كنيه الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام) و مثله مثل ذي القرنين و الله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله تعالى على القول بإمامته و وفقه للدعاء بتعجيل فرجه قال أحمد بن إسحاق فقلت يا مولاي فهل من علامة تطمئن بها قلبي فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال أنا بقية الله في أرضه و المنتقم من أعداء الله فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق قال أحمد فخرجت فرحا مسرورا فلما كان من الغد عدت إليه فقلت يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به علي فما السنة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين قال طول الغيبة يا أحمد بن إسحاق فقلت له يا ابن رسول الله إن غيبته لتطول قال إي و ربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا و كتب في قلبه الإيمان و أيده بروح منه يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله و سر من سر الله و غيب من غيب الله فخذ ما آتيتك و اكتمه و كن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين .

[527]

دلالة أخرى و عن جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن ذا القرنين كان عبدا صالحا من عباد الله جعله الله حجة على عباده فدعا قومه إلى الله عز و جل و أمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل مات أو هلك و بأي واد سلك ثم ظهر و رجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر و فيكم من هو على سنته و أن الله عز و جل مكن لذي القرنين في الأرض و جعل له من كل شي‏ء سببا و بلغ المشرق و المغرب و أن الله تعالى سيجري سنته في القائم من ولدي و يبلغه شرق الأرض و غربها حتى لا يبقى منهل و لا موضع من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه و يظهر الله له كنوز الأرض و معادنها و ينصره بالرعب و يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما .

و عن يقعوب بن منقوش قال : دخلت على أبي محمد (عليه السلام) و هو جالس في الدار و عن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت له يا سيدي من صاحب هذا الأمر فقال ارفع الستر فرفعته فخرج علينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبين أبيض الوجه دري المقلتين في خده الأيمن خال و له ذؤابة فجلس على فخذ أبي محمد (عليه السلام) فقال لي هذا صاحبكم ثم وثب و قال له يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم فدخل إلى البيت و أنا أنظر إليه ثم قال لي يا يعقوب انظر من في هذا البيت فدخلت فلم أر أحدا .

و عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمد جلالتك تمنعني من مسألتك أ فتأذن لي أن أسألك قال سل فقلت يا سيدي هل لك ولد قال نعم قلت فإن حدث أمر فأين أسأله عنه قال بالمدينة .

و عن محمد بن عثمان العمري : قال كنا جماعة عند أبي محمد (عليه السلام) و كنا أربعين رجلا فعرض علينا ولده و قال هذا إمامكم من بعدي و خليفتي عليكم فأطيعوه و لا تتفرقوا بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا قال فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد (عليه السلام) .

و عن موسى بن جعفر بن وهب البغداديقال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام)

[528]

يقول كأني بكم و قد أخلفتم بعدي في الخلف مني أما إن المقر بالأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنكر لولدي كمن أقر بجميع أولياء الله و رسله ثم أنكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا و المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله .

و عن محمد بن عثمان العمري قال : سمعت أبي يقول سئل أبو محمد الحسن بن علي و أنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة الله على جميع خلقه إلى يوم القيامة و أن من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقال إن هذا حق كما أن النهار حق فقيل له يا ابن رسول الله فمن الحجة و الإمام بعدك فقال ابني محمد هو الإمام و الحجة بعدي فمن مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون و يهلك فيها المبطلون و يكذب فيها الوقاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة .

الباب الثالث في بيان وجه الاستدلال بهذه الأخبار الواردة في النصوص على إمامته

و ذكر أحوال غيبته و ما شوهد من دلالاته و بيناته و بعض ما خرج من توقيعاته أربعة فصول .

الفصل الأول في ذكر الدلالة على إثبات غيبته (عليه السلام) و صحة إمامته من جهة الأخبار

يدل على إمامته (عليه السلام) ما أثبتناه من أخبار النصوص و هي ثلاثة أوجه أحدها النص على عدد الأئمة الاثني عشر و قد جاءت تسميته (عليه السلام) في بعض تلك الأخبار و دل البعض على إمامته بما فيه من ذكر العدد من قبل أنه لا قائل بهذا العدد في الأمة إلا من دان بإمامته و كلما طابق الحق فهو الحق الوجه الثاني النص عليه من جهة أبيه (عليه السلام) خاصة.

الوجه الثالث النص عليه بذكر غيبته

و صفتها التي تحصرها و وقوعها على الحد المذكور من غير اختلاف حتى لا تحرم منه شيئا و ليس يجوز في العادات أن

[529]

يولد جماعة كذبا فيكون خبرا غير كائن فيتفق في ذلك حسب ما وصفوه فإذا كانت أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجة (عليه السلام) بل زمان أبيه و جده حتى تعلقت الكيسانية بها في إمامة ابن الحنفية و الناووسية و الممطورة في أبي عبد الله و أبي الحسن موسى (عليه السلام) و خلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر و الصادق (عليه السلام) و آثروها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد صح بذلك القول في إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) بوجود هذه الصفة له و الغيبة المذكورة في دلائله و إعلام إمامته و ليس يمكن أحدا دفع ذلك.

و من جملة ثقات المحدثين و المصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد و قد صنف المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني و أمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة فوافق الخبر المخبر و حصل كلما تضمنه الخبر بلا اختلاف .

و من جملة ما رواه عن إبراهيم بن الحارثي و عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة و الأخرى قصيرة قال فقال لي نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان و تضيق الخليفة و يظهر السفياني و يشتد البلاء و يشمل الناس موت و قتل و يلجئون منه إلى حرم الله تعالى و حرم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فانظر كيف حصلت الغيبتان لصاحب الأمر (عليه السلام) على حسب ما تضمنته الأخبار الواردة السابقة لوجوده عن آبائه و جدوده (عليه السلام) أما غيبته القصرى منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه (عليه السلام) موجودين و أبوابه معروفين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري و محمد بن علي بن بلال و أبو عمرو عثمان بن سعيد السمان و ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنهما و عمر الأهوازي و أحمد بن إسحاق و أبو محمد الوجناني و إبراهيم بن مهزيار و محمد بن إبراهيم في جماعة أخرى و من

[530]

يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.

و كانت مدة الغيبة أربعا و سبعين سنة و كان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه بابا لأبيه و جده (عليه السلام) من قبل و ثقة لهما ثم تولى من قبله و ظهرت المعجزات على يده و لما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد مقامه بنصه عليه و مضى على منهاج أبيه رضي الله عنه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس و ثلاثمائة و قام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص من أبي جعفر محمد بن عثمان عليه فأقامه مقام نفسه و مات رضي الله عنه في شعبان سنة ست و عشرين و ثلاثمائة و قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري بنص من أبي القاسم عليه و توفي في النصف من شعبان سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة .

و روي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي مات فيها علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته بيوم و أخرج إلى الناس توقيعا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك و بين ستة أيام فاجمع أمرك و لا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلب و امتلاء الأرض جورا و سيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال فاستنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده فلما كان في اليوم السادس عدنا إليه و هو يجود بنفسه فقيل له من وصيك فقال لله أمر هو بالغه و قضى .

فهذا آخر الكلام الذي سمع منه ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها و الفرج يكون في آخرها بمشية الله تعالى .

الفصل الثاني في ذكر بعض ما روي من دلائله (عليه السلام) و بيناته

و ذكر في هذا الفصل أخبارا قد تقدم ذكرها من أمور أخبر عنها (عليه السلام) مثل

[531]

الدراهم التي حملت إليه و رد منها أربع مائة درهم و قال أخرج منها فإنها حق ابنك ففعل ذلك و أمثالها و قد تقدمت .

الفصل الثالث في ذكر بعض التوقيعات الواردة منه (عليه السلام)

قال محمد بن عثمان العمري : خرج توقيع بخط أعرفه من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله .

قال أبو علي محمد بن همام : و كتبت أسأله عن ظهور الفرج متى يكون فخرج التوقيع كذب الوقاتون .

دلالة أخرى إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أما ما سألت عنه أرشدك الله و ثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا و بني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله و بين أحد قرابة و من أنكرني فليس مني و سبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام) و أما سبيل عمي جعفر و ولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام) و أما الفقاع فشربه حرام و لا بأس بالشلماب و أما أموالكم فما نقبلها إلا لتطهر فمن شاء فليصل و من شاء فليقطع فما آتانا الله خير مما آتاكم و أما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره و كذب الوقاتون و أما قول من زعم أن الحسين (عليه السلام) لم يقتل فكفر و تكذيب و ضلال و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله عليهم.

[532]

و أما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه و عن أبيه من قبل فإنه ثقتي و كتابه كتابي و أما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فيصلح الله قلبه و يزيل عنه شكه.

و أما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب و طهر و ثمن المغنية حرام.

و أما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت و أما أبو الخطاب محمد بن أبي ربيب الأجذع فهو ملعون و أصحابه ملعونون فلا تكلموا أهل مقالته فإني منهم بري‏ء و آبائي (عليه السلام) منهم براء و أما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران.

و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث و أما ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال و لا حاجة لنا في صلة الشاكين و أما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز و جل يقول لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إنه لم يكن أحد من آبائي إلا و قد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه و إني أخرج حين أخرج و لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي و أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها السحاب عن الأبصار و إني لأمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم و لا تكلفوا علم ما قد كفيتم و أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم و السلام عليك يا إسحاق بن يعقوب و على من اتبع الهدى .

الفصل الرابع في ذكر أسماء الذين شاهدوا الإمام (عليه السلام) و رأوا دلائله و خرج إليهم توقيعاته و بعضهم وكلاؤه

دلالة أخرى الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي : أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان (عليه السلام) و رآه من الوكلاء ببغداد العمري و ابنه و حاجز و البلالي و العطار و من الكوفة العاصمي و من

[533]

أهل الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار و من أهل قم محمد بن إسحاق و من أهل همدان محمد بن صالح و من أهل الري البسامي و الأسدي يعني نفسه و من أهل آذربيجان القاسم بن العلاء و من نيسابور محمد بن شاذان و من غير الوكلاء من أهل بغداد أبو القاسم بن أبي حابس و أبو عبد الله الكندي و أبو عبد الله الجنيدي و هارون القزاز و النيلي و أبو القاسم بن رئيس و أبو عبد الله بن فروخ و مسرور الطباخ مولى أبي الحسن (عليه السلام) و أحمد و محمد ابنا الحسن و إسحاق الكاتب من بني نوبخت و صاحب الفراء و صاحب الصرة المختومة و من همدان محمد بن كشمرد و جعفر بن حمدان و من الدينور حسن بن هارون و أحمد أخوه و أبو الحسن و من أصفهان ابن باذشالة و من الصيمرة زيدان و من قم الحسن بن نصر و محمد بن محمد و علي بن محمد بن إسحاق و أبوه و الحسن بن يعقوب و من أهل الري القاسم بن موسى و ابنه و ابن محمد بن هارون و صاحب الحصاة و علي بن محمد و محمد بن محمد الكليني و أبو جعفر الرقا و من قزوين مرداس و علي بن أحمد و من فارس رجلان و من شهر زور ابن الحال [ابن الجمال] و من قدس المجروح و من مرو صاحب الألف دينار و صاحب المال و الرقعة البيضاء و أبو ثابت و من نيسابور محمد بن شعيب بن صالح و من اليمن الفضل بن يزيد و الحسن ابنه و الجعفري و ابن الأعجمي و الشمشاطي و من مصر صاحب المولودين و صاحب المال بمكة و أبو رجاء و من نصيبين أبو محمد بن الوجناء و من أهل الأهواز الحصيني .

الباب الرابع في ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) و مدة أيام ظهوره و طريقه و أحكامه و سيرته عند قيامه و صفته و حليته و هو أربع فصول

أول في ذكر علامات خروجه (عليه السلام)

ذكر رحمه الله في هذا الفصل بعض ما تقدم ذكره من العلامات التي أوردوها متقدمة على ظهوره.

[534]

الفصل الثاني في ذكر السنة التي يقوم فيها الإمام القائم (عليه السلام)

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع .

و قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان و يقوم يوم عاشوراء و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) كأني به يوم السبت العاشر من المحرم قائم بين الركن و المقام جبرئيل (عليه السلام) بين يديه ينادي بالبيعة ليمضين إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا .

الفصل الثالث في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه و طريقة أحكامه و وصف زمانه و مدة أيامه (عليه السلام)

ذكر رحمه الله في هذا الفصل : ما تقدم ذكره من خروجه و وصف وصوله النجف و الملائكة معه و إنفاذه الجنود إلى الأمصار و دخوله الكوفة و بها الرايات و اضطرابها و أنها تصفوا له (عليه السلام) و يأتي المنبر فلا يدرى ما يقول من البكاء و يحيط مسجدا على الغري فيصلي بالناس الجمعة و قد تقدم ذكر ذلك مفصلا .

و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوى له الأرض و تظهر له الكنوز و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب و يظهر الله دينه على الدين كله و لو كره المشركون فلا يبقى على وجه الأرض خراب إلا عمر و ينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه قال الراوي فقلت له يا ابن رسول الله و متى يخرج قائمكم قال إذا تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و اكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء و ركب ذوات الفروج السروج و قبلت شهادات الزور و ردت شهادات العدول و استخف الناس بالرياء و ارتكاب الزناء و أكل الربا و اتقي الأشرار مخالفة ألسنتهم و خرج السفياني من الشام و اليماني من اليمن خسف بالبيداء و قتل غلام من آل محمد بين الركن و المقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية و جاءت صيحة من السماء بأن الحق معه و مع شيعته

[535]

فعند ذلك خروج قائمنا فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة و اجتمع إليه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا فأول ما ينطق به هذه الآية بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثم يقول أنا بقية الله و خليفته و حجته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلا قال السلام عليك يا بقية الله في الأرض فإذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى في الأرض معبود من دون الله من صنم إلا وقعت فيه نار فاحترق و ذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب و يؤمن به .

و قد تقدم هذا و أمثاله.

الفصل الرابع في ذكر صفة القائم و حليته (عليه السلام)

روى في ذلك ما أوردناه آنفا كسؤال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن اسمه و صفته .

الباب الخامس في ذكر مسائل يسأل عنها أهل الخلاف

في غيبة صاحب الزمان و حل الشبهات فيها بواضح الدليل و لائح البرهان و هي سبع مسائل .

مسألة .

قالوا ما الوجه في غيبته (عليه السلام) عن الاستمرار و الدوام حتى صار ذلك سببا لإنكار وجوده و نفي ولادته و كيف يجوز أن يكون إماما للخلق و هو لم يظهر قط لأحد منهم و آباؤه (عليه السلام) و إن لم يظهروا الدعاء إلى نفوسهم فيما يتعلق بالإمامة فقد كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام لا يمكن أحد نفي وجودهم و إن نفي إمامتهم.

الجواب قد ذكر الأجل المرتضى قدس الله روحه في ذلك طريقا و لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا فقال إن العقل إذا دل على وجوب الإمامة فإن كل زمان كلف فيه المكلفون الذين يقع منهم القبيح و الحسن و تجوز عليهم الطاعة و المعصية لا يخلو من إمام لأن خلوه من الإمام إخلال بتمكينهم و قادح في حسن تكليفهم ثم دل العقل على أن ذلك الإمام لا بد أن يكون معصوما من الخطإ مأمونا من كل قبيح و ثبت أن هذه الصفة التي دل العقل على وجوبها لا توجد إلا فيمن تدعي الإمامية إمامته و يعرى منها كل من تدعى له الإمامة سواء.

فالكلام في علة غيبته و سببها واضح بعد أن تقررت إمامته لأنا إذا علمنا أنه الإمام دون غيره و رأيناه غائبا عن الأبصار علمنا أنه لم يغب مع عصمته و تعين فرض

[536]

الإمامة فيه و عليه إلا لسبب اقتضى ذلك و مصلحة استدعته و ضرورة حملت عليه و إن لم يعلم وجهه على التفصيل لأن ذلك مما لا يلزم علمه و جرى الكلام في الغيبة و وجهها مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر و التشبيه فإنا نقول إذا علمنا حكم الله سبحانه و أنه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات علمنا على الجملة أن لهذه الآيات وجوها صحيحة بخلاف ظاهرها و تطابق مدلول أدلة العقل و إن غاب عنا العلم بذلك مفصلا فإن تكلفنا الجواب عن ذلك و تبرعنا بذكره فهو فضل منا غير واجب علينا و كذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال و جهة المصلحة في رمي الجمار و الطواف و ما أشبه ذلك من العبادات على التفصيل و التعيين فإنا إذا عولنا على حكمة القديم سبحانه و أنه لا يجوز أن يفعل قبيحا فلا بد من وجه حسن في جميع ذلك و إن جهلناه بعينه فليس يجب علينا بيان ذلك الوجه و في هذا سد الباب على مخالفينا في سؤالاتهم و قطع التطويلات عليهم و الإسهابات إلا إنا نتبرع بإيراد الوجه في غيبته (عليه السلام) على سبيل الاستظهار و بيان الاقتدار و إن كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر و الاعتبار فنقول الوجه في غيبته هو خوفه على نفسه و من خاف على نفسه احتاج إلى الاستتار فأما لو كان خوفه على ماله أو على الأذى في نفسه لوجب عليه أن يحمل ذلك كله ليروح عليه المكلفون في تكليفهم و هذا كما نقوله في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنه يجب عليه أن يحمل كل أذى في نفسه حتى يصح منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم و إنما يجب عليه الظهور و إن أدى إلى قتله كما ظهر كثير من الأنبياء و إن قتلوا لأن هناك كان في المعلوم أن غير ذلك النبي يقوم مقامه في تحمل أعباء النبوة و ليس كذلك حال إمام الزمان (عليه السلام) فإن الله تعالى علم أنه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة و الشريعة على ما كانت عليه و اللطف بمكانه لم يتغير فلا يجوز ظهوره إذا أدى إلى القتل و إنما كان آباؤه (عليه السلام) ظاهرين بين الناس بعيونهم يعاشرونهم و لم يظهر هو لأن خوفه (عليه السلام) أكثر لأن الأئمة الماضين من آبائه (عليهم السلام) أسندوا إلى شيعتهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر منهم و أنه الذي يملأ

[537]

الأرض عدلا و شاع ذلك في مذهبهم حتى ظهر ذلك القول بين أعدائهم فكان السلاطين الظلمة يتوقفون عن إتلاف آبائه لعلمهم بأنهم لا يخرجون و يتشوقون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه و يبيدوه.

أ لا ترى أن السلطان في الوقت الذي توفي فيه الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) وكل بداره و جواره من يتفقد حملهن لكي يظفر بولده و بقيته كما أن فرعون موسى لما علم أن ذهاب ملكه على يد موسى (عليه السلام) منع الرجال من أزواجهم و وكل بذوات الأحمال منهن ليظفر به و كذلك نمرود لما علم أن ملكه يزول على يد إبراهيم (عليه السلام) وكل بالحبالى من نساء قومه و فرق بين الرجال و أزواجهم فستر الله ولادة إبراهيم و موسى (عليه السلام) كما ستر ولادة القائم (عليه السلام) لما علم في ذلك من التدبير و أما كون غيبته سببا لنفي ولادته فإن ذلك لضعف البصيرة و التقصير عن النظر و على الحق فيه دليل واضح لمن أراده ظاهر لمن قصده.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى و مما يؤيد ما ذكره الشيخ عن السيد رحمهما الله تعالى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) احتمل الأذى في نفسه الكريمة و كذب فيما ادعاه و بالغ كفار قريش و اليهود في ذمه و الوقيعة فيه بأنواع من الأذى حتى قال ما أوذي نبي مثل ما أوذيت و كان يحتمل ذلك و يصبر عليه فلما أرادوا قتله و إعدامه أمره الله بالهجرة ففر إلى الغار و نام علي (عليه السلام) على فراشه و إنما لم يصبر و لو قتل كما صبر غيره من الأنبياء و قتلوا لأنه كان (عليه السلام) خاتم الأنبياء و لم يكن له بعده من يقوم مقامه في تأدية الرسالة و التبليغ فلهذا غاب عنهم و هذه أشبه الأحوال بحال الإمام (عليه السلام) في غيبته و العجب إخلال السيد رحمه الله به مع دلالته على ما أصله .

مسألة ثانية

قالوا إذا كان الإمام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق و لا ينتفع به فما الفرق بين وجوده و عدمه و ألا جاز أن يميته الله أو يعدمه حتى إذا علم أن الرعية تمكنه و تسلم له أوجده و أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى يعلم منهم التمكين له فيظهره.

[538]

الجواب أول ما نقوله إنا لا نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد فهذا أمر غير معلوم و لا سبيل إلى القطع به ثم إن الفرق بين وجوده غائبا عن أعدائه للتقية و هو في أثناء تلك الغيبة منتظر أن يمكنوه فيظهر و يتصرف و بين عدمه واضح و هو أن الحجة لازمة لله تعالى و هاهنا الحجة لازمة للبشر لأنه إذا أخيف فغيب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة عقيب فعل كانوا هم السبب فيه منسوبا إليهم فيلزمهم في ذلك الذم و هم المؤاخذون به الملومون عليه و إذا أعدمه الله تعالى كان ما يفوت من مصالحهم و يحرمونه من لطفهم و انتفاعهم به منسوبا إلى الله تعالى و لا حجة فيه على العباد و لا لوم يلزمهم لأنه لا يجوز أن يكون إخافتهم إياه لا يجوز فعلا لله تعالى.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله و عفا عنه إن قال قائل كيف يقول الطبرسي رحمه الله تعالى إنا لا نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد إلى آخره و يلزمه القطع بذلك لأنه قال قبل هذا بقليل فيما حكاه عن توقيعاته (عليه السلام) .

فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر .

و الذي أراه أنه إن كان يراه أحد فقد علم منهم أنهم لا يدعون رؤيته و مشاهدته و أن الذي يدعيها كذاب فلا مناقضة إذا و الله أعلم .

مسألة ثالثة

قالوا فالحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ما حكمها فإن قلتم تسقط عن أهلها فقد صرحتم بنسخ الشريعة و إن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها و الإمام مستتر غائب.

الجواب الحدود المستحقة ثابتة في حياته فإن ظهر الإمام و مستحقوها

[539]

باقون أقامها عليهم بالبينة و الإقرار فإن فات ذلك بموتهم كان الإثم في تفويت إقامتها على المخيفين للإمام المحوجين له إلى الغيبة و ليس هذا بنسخ للشريعة لأن الحد إنما يمكن إقامته مع التمكن و زوال الموانع و سقوط فرض إقامته مع الموانع و زوال التمكن لا يكون نسخا للشرع المقرر لأن الشرط في الوجوب لم يحصل و إنما يكون نسخا لو سقط فرض إقامتها من الإمام مع تمكنه على أن هذا يلزم مخالفينا إذا قيل لهم كيف الحكم في الحدود في الأحوال التي لا يتمكن فيها أهل الحل و العقد من اختيار الإمام و نصبه و هل يبطل أو يثبت تعذر إقامتها و هل يقتضي هذا القدر نسخ الشريعة فكلما أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى لا معنى لإيرادهم الحدود و إقامتها في زمانه (عليه السلام) دون أزمنة آبائه (عليهم السلام) فإنهم كانوا حاضرين مشاهدين و أيديهم مكفوفة عن الأمور و لم يكن كف أيديهم قدحا فيهم و لا قال قائل إن سكوتهم عن إقامتها نسخ الشريعة فكيف يقال عنه و هو أشد خوفا من آبائه (عليهم السلام) و علي (عليه السلام) في أيام خلافته و أمره لم يتمكن من كثير من إرادته فليسع المهدي (عليه السلام) من العذر ما وسعهم فإنه لا ينسب إلى الساكت قول و هذا واضح .

مسألة رابعة

فإن قالوا فالحق مع غيبته كيف يدرك فإن قلتم لا يدرك و لا يوصل إليه فقد جعلتم الناس في حيرة و ضلالة مع الغيبة و إن قلتم لا يدرك الحق إلا من جهة الأدلة المنصوص بها عليه فقد صرحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلة و هذا يخالف مذهبكم.

الجواب أن الحق على ضربين عقلي و سمعي فالعقلي يدرك بالعقل و لا يؤثر فيه وجود الإمام و لا فقده و السمعي عليه أدلة منصوبة من أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نصوصه و أقوال الأئمة الصادقين (عليه السلام) و قد بينوا ذلك و أوضحوه غير أن ذلك و إن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام مع ذلك ثابتة لأن وجه الحاجة إليه المستمرة في كل عصر و على كل حال هو كونه لطفا لنا في فعل الواجب العقلي من

[540]

الإنصاف و العدل و اجتناب الظلم و البغي و هذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه فأما الحاجة إليه من جهة الشرع فهي أيضا ظاهرة لأن النقل الوارد عن النبي و الأئمة (عليه السلام) يجوز أن يغفل الناقلون عن ذلك إما بتعمد أو اشتباه فينقطع النقل أو يبقى فيمن ليس نقله حجة و لا دليلا فيحتاج حينئذ إلى الإمام ليكشف ذلك و يبينه و إنما يثق المكلفون بما نقل إليهم و أنه جميع الشرع لعلمهم بأن وراء هذا النقل إماما متى اختل سد خلله و بين المشتبه فيه فالحاجة إلى الإمام ثابتة مع إدراك الحق في أحوال الغيبة من الأدلة الشرعية على أنا إذا علمنا بالإجماع أن التكليف لازم لنا إلى يوم القيامة و لا يسقط بحال علمنا أن النقل الشرعية لا ينقطع في حال تكون تقية الإمام فيها مستمرة و خوفه من الأعداء باقيا و لو اتفق ذلك لما كان إلا في حال يتمكن فيها الإمام من البروز و الظهور و الإعلام و الإنذار .

مسألة خامسة :

قالوا إذا كانت العلة في غيبته خوفه من الظالمين و اتقاؤه من المخالفين فهذه العلة منفية عن أوليائه فيجب أن يكون ظاهرا لهم أو يجب أن يسقط عنهم التكليف الذي إمامته لطف فيه.

الجواب أنه قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأجوبة.

أحدها أن الإمام ليس في تقية عن أوليائه و غاب عنهم كغيبته عن أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به و علمه أنه لو ظهر لهم لسفكوا دمه و غيبته عن أوليائه لغير هذه العلة و الاحتجاج بوجوده فيؤدي ذلك إلى علم أعدائه بمكانه فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.

و ثانيها أن غيبته عن أعدائه للتقية منهم و غيبته عن أوليائه للتقية عليهم و الإشفاق من إيقاع الضرر بهم إذ لو ظهر للقائلين بإمامته و شاهده بعض أعدائه و أذاع خبره و طولب أولياؤه به فإذا فات الطالب بالاستتار أعقب ذلك عظيم الضرر بأوليائه و هذا معروف في العادات.

و ثالثها أنه لا بد أن يكون في المعلوم أن في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحق من اعتقاد إمامته و القول بصحتها على حال من الأحوال فأمره الله تعالى

[541]

بالاستتار و ليكون المقام على الإقرار بإمامته مع الشبه في ذلك و شدة المشقة أعظم ثوابا من المقام على الإقرار بإمامته و المشاهدة له فكانت غيبته عن أوليائه لهذا الوجه و لم تكن للتقية منهم.

و رابعها و هو الذي عول عليه المرتضى قدس الله روحه قال نحن أولا لا نقطع على أنه لا يظهر لجميع أوليائه فإن هذا أمر مغيب عنا و لا يعرف كل منا إلا حال نفسه فإذا جوزنا ظهوره لهم كما جوزنا غيبته عنهم فنقول العلة في غيبته عنهم أن الإمام عند ظهوره من الغيبة إنما يميز شخصه و تعرف عينه بالمعجز الذي يظهر على يديه لأن النصوص الدالة على إمامته لا تميز شخصه من غيره كما ميزت أشخاص آبائه و المعجز إنما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال و الشبه تدخل في ذلك فلا يمتنع أن يكون كل من لم يظهر له من أوليائه فإن المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصر.

على أن أولياء الإمام و شيعته منتفعون به في حال غيبته لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم و قطعهم بوجوب طاعته عليهم لا بد أن يخافوه في ارتكاب القبيح و يرهبوا من تأديبه و انتقامه و مؤاخذته فيكثر منهم فعل الواجب و يقل ارتكاب القبيح أو يكونوا إلى ذلك أقرب فيحصل لهم اللطف به مع غيبته بل ربما كانت الغيبة في هذا الباب أقوى لأن المكلف إذا لم يعرف مكانه و لم يقف على موضعه جوز فيمن لا يعرفه أنه الإمام يكون إلى فعل الواجب أقرب منه إلى ذلك لو عرفه لو لم يجوز فيه كونه إماما.

فإن قالوا إنه هذا تصريح منكم بأن ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به و الخوف منه.

فالقول إن ظهوره لا يجوز أن يكون في المنافع كاستتاره و كيف يكون ذلك و في ظهوره و قوة سلطانه انتفاع الولي و العدو و المحب و المبغض و لا ينتفع به

[542]

في حال غيبته الأولية دون عدوه و أيضا فإن في انبساط يده منافع كثيرة لأوليائه و غيرهم و لأنه يحمي حوزتهم و يسد ثغورهم و يؤمن طرقهم فيتمكنون من التجارات و المغانم و يمنع الظالمين من ظلمهم فتتوفر أموالهم و تصلح أحوالهم غير أن هذه منافع دنيوية لا يجب إذا فاتت بالغيبة أن يسقط التكليف معها و المنافع الدينية الواجبة في كل حال بالإمامة قد بينا أنها ثابتة لأوليائه مع الغيبة فلا يجب سقوط التكليف بها .

مسألة سادسة :

قالوا لا يمكن أن يكون في العالم بشر له من السن ما تصفونه لإمامكم و هو مع ذلك كامل العقل صحيح الحس و أكثروا التعجب من ذلك و شنعوا به علينا.

الجواب أن من لزم طريق النظر و فرق بين المقدور و المحال لم ينكر ذلك إلا أن يعدل عن الإنصاف إلى العناد و الخلاف و طول العمر و خروجه عن المعتاد و الاعتراض به لأمرين أحدهما إنا لا نسلم أن ذلك خارق للعادة لأن تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة و أن مرور الأوقات لا تأثير له في العلوم و القدر و من قرأ الأخبار و نظر فيما تستطر في كتاب المعمرين علم أن ذلك مما جرت العادة به و قد نطق القرآن بذكر نوح (عليه السلام) و أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و قد صنف الكثير في أخبار المعمرين من العرب و العجم و قد تظاهرت الأخبار بأن أطول بني آدم عمرا الخضر (عليه السلام) و أجمعت الشيعة و أصحاب الحديث بل الأمة بأسرها ما خلا المعتزلة و الخوارج على أنه موجود في هذا الزمان حي كامل العقل و وافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب.

و لا خلاف أن سلمان الفارسي أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد قارب أربع مائة سنة.

فهب أن المعتزلة و الخوارج يحملون أنفسهم على دفع الأخبار فكيف يمكنهم دفع القرآن و قد نطق بدوام أهل الجنة و النار و جاءت الأخبار بلا خلاف بين الأمة بأن أهل الجنة لا يهرمون و لا يضعفون و لا يحدث بهم نقصان في الأنفس و الحواس و لو كان ذلك منكرا من جهة العقول لما جاء به القرآن و لا

[543]

حصل عليه الإجماع و من اعترف بالخضر (عليه السلام) لم يصح منه هذا الاستبعاد و من أنكره حجته الأخبار .

و جاءت الرواية عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما بعث الله نوحا إلى قومه بعثه و هو ابن خمسين و مائتين سنة و لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و عاش بعد الطوفان مائتين و خمسين سنة فلما أتاه ملك الموت قال له يا نوح يا أكبر الأنبياء و يا طويل العمر و يا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا قال مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد و خرج من واحد .

و كان لقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمرا بعد الخضر و ذلك أنه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمائة سنة و يقال إنه عاش عمر سبعة أنسر و كان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبدا فكان أطولها فقيل أتى عبد على لبد.

و عاش الربيع بن ضبع الفرازي ثلاثمائة سنة و أربعين سنة و أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو الذي يقول .

ها أنا ذا آمل الخلود و قد أدرك عمري و مولدي حجراأما إمرؤ القيس قد سمعت به هيهات هيهات طال ذا عمرا .

و هو القائل.

إذا عاش الفتى مائتين عاما *** فقد أودى المسرة و الغناء

و له حديث طويل مع عبد الملك بن مروان.

و عاش المستوعر بن ربيعة ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين سنة و هو القائل .

و لقد سئمت من الحياة و طولها *** و عمرت من بعد المائتين سنينا

مائة جدتها بعدها مائتين لي و *** عمرت من عدد المشهور مائينا

و عاش أكثم بن صيفي الأسدي ثلاثمائة و ستا و ثلاثين سنة و هو الذي يقول :

و إن امرأ قد عاش تسعين حجة *** إلى مائة لم يسأم العمر جاهل

[544]

خلت مائتين بعد عشر وفائها *** و ذلك من عدي ليال قلائل

و كان ممن أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و آمن به و مات قبل أن يلقاه.

و عاش دريد بن زيد أربعمائة سنة و ستا و خمسين سنة فلما حضره الموت قال :

ألقى علي الدهر رجلا و يدا و الدهر ما يصلح يوما أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا

و عاش دريد بن الصمة مائتي سنة و قتل يوم حنين.

و عاش صيف بن رياح بن أكثم مائتي سنة و سبعين سنة لا ينكر من عقله شيئا و هو ذو الحلم زعموا فيه ما قال المتلمس :

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا *** و ما علم الإنسان إلا ليعلما

و عاش نضر بن دهمان بن سليم بن أشجع مائة و تسعين سنة حتى سقطت أسنانه و ابيض رأسه فاحتاج قومه إلى رأيه فدعوا الله أن يرد إليه عقله فعاد إليه شبابه و اسود شعره فقال في ذلك سلمة بن الخرشب الأنماري :

كنضر بن دهمان الهنيدة عاشها *** و تسعين عاما ثم قام فانصاتا

و عاد سواد الرأس بعد بياضه *** و راجعة شرخ الشباب الذي فاتا

و عاد مليا في رجاء و غبط *** و لكنه من بعد ذا كله ماتا

و عاش ضبيرة بن سعيد السهمي مائتين و عشرين سنة و كان أسود الشعر صحيح الأسنان.

و عاش عمرو بن جبعة الدوسي أربعمائة سنة و هو الذي يقول :

كبرت و طال العمر حتى كأنني *** سليم يراعي ليلة غير مودع

‏فلا الموت أفناني و لكن تتابعت *** علي سنون من مصيف و مرتع

‏ثلاث مئات قد مررن كواملا *** و ها أنا ذا أرتجي مر أربع

و روى الهيثم بن عدي عن مجاهد عن الشعبي قال كنا عند ابن عباس في قبة زمزم و هو يفتي الناس فقام إليه أعرابي فقال قد أفتيت أهل الفتوى فأفت أهل الشعر فقال قل فقال ما معنى قول الشاعر :

[545]

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا *** و ما علم الإنسان إلا ليعلما

فقال ذاك عمرو بن جبعة الدوسي قضا على العرب ثلاثمائة سنة فلما كبر ألزموه السادس أو السابع من ولد ولده فقال إن فؤادي بضعة مني فربما تغير علي في اليوم مرارا و أمثل ما أكون فهما في صدر النهار فإذا رأيتني قد تغيرت فاقرع العصا فكان إذا رأى منه تغيرا قرع العصا فراجعه فهمه .

و عاش زبير بن جناب بن عبيد الله بن كنانة بن عوف أربعمائة سنة و عشرين سنة و كان سيدا مطاعا شريفا في قومه.

و عاش الحرث بن مضاض الجرهمي أربع مائة سنة و هو القائل :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس و لم يسمر ببكة سامر

ابلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف *** الليالي و الحدود و العواثر

و عاش عامر بن الطرب العدواني مائتي سنة و كان من حكماء العرب و له يقول ذو الإصبع :

و منا حكم يقضى *** و لا ينقص ما يمضى

و هذا طرف يسير مما ذكرناه من المعمرين و في إيراد أكثرهم إطالة في الكتاب.

و إذا ثبت أن الله سبحانه قد عمر خلقا من البشر ما ذكرناه من الأعمار و بعضهم حجج الله تعالى و هم الأنبياء و بعضهم غير حجة و بعضهم كفار و لم يكن ذاك محالا في قدرته و لا منكرا في حكمته و لا خارقا للعادة بل مألوفا على الأعصار معروفا عند جميع أهل الأديان فما الذي ينكر من عمر صاحب الزمان أن يتطاول إلى غاية عمر بعض من سميناه و هو حجة الله على خلقه و أمينه على سره و خليفته في أرضه و خاتم أوصياء نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قد صح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال كلما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة .

هذا و أكثر المسلمين يعترفون ببقاء المسيح حيا إلى هذه الغاية شابا قويا و ليس في وجود الشباب مع طول الحياة إن لم يثبت ما ذكرناه أكثر

[546]

من أنه نقض للعادة في هذا الزمان و ذلك غير منكر على ما نذكره.

و الأمر الآخر إن نسلم مخالفينا أن طول العمر إلى هذا الحد مع وجود الشباب خارق للعادات عادة زماننا هذا و غيره و ذلك جائز عندنا و عند أكثر المسلمين فإن إظهار المعجزات عندنا و عندهم يجوز على من ليس بنبي من إمام أو ولي لا ينكر ذلك من جميع الأمة إلا المعتزلة و الخوارج و إن سمى ذلك بعض الأمة كرامات لا معجزات و لا اعتبار بالأسماء بل المراد خرق العادة و من أنكر ذلك في باب الأئمة فإنا لا نجد فرقا بينه و بين البراهمة في إنكارهم إظهار المعجزات و نقض العادات لأحد من البشر و إلا فليأت القوم بالفصل و هيهات .

المسألة السابعة :

قالوا إذا حصل الإجماع على أن لا نبي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنتم قد زعمتم أن القائم إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب و أنه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين و يأمر بهدم المساجد و المشاهد و أنه يحكم بحكم داود (عليه السلام) لا يسأل عن بينة و أشباه ذلك بما ورد فيما أخباركم و هذا يكون نسخا للشريعة و إبطالا لأحكامها فقد أثبتم معنى النبوة فإن لم تتلفظوا باسمها فما جوابكم عنها.

و الجواب إنا لا نعرف ما تضمنه السؤال من أنه (عليه السلام) لا يقبل الجزية من أهل الكتاب و أنه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به فأما هدم المساجد و المشاهد فقد يجوز أن يهدم من ذلك ما بني على غير تقوى الله و على خلاف ما أمر الله به سبحانه و هذا مشروع قد فعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما ما روي من أنه (عليه السلام) يحكم بحكم داود (عليه السلام) لا يسأل البينة فهذا أيضا غير مقطوع به و إن صح فتأويله أنه يحكم بعلمه فيما يعلمه و إذا علم الإمام و الحاكم أمرا من الأمور فعليه أن يحكم بعلمه و لا يسأل البينة و ليس في هذا نسخ للشريعة.

على أن هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية و استماع البينة لو صح لم يكن ذلك نسخا للشريعة لأن النسخ هو ما تأخر دليله عن الحكم المنسوخ

[547]

و لم يكن مصاحبا له فأما إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخا لصاحبه و إن كان يخالفه في الحكم و لهذا اتفقنا على أن الله سبحانه لو قال ألزموا السبت إلى وقت كذا ثم لا تلزموه أن ذلك لا يكون نسخا لأن الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب و إذا صحت هذه الجملة و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلمنا بأن القائم من ولده يجب اتباعه و قبول أحكامه فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به فينا و إن خالف بعض الأحكام المتقدمة غير عاملين بالنسخ لأن النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل و هذا واضح.

و قال (رهـ) : هذا ما أردنا أن نبين من مسائل الغيبة و جواباتها و استقصاء الكلام في مسائل الإمامة و الغيبة يخرج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب و من تأمل كتابنا هذا فنظر فيه بعين الإنصاف و تصفح ما أثبتناه من الفصول و الأبواب وصل إلى الحق و الثواب و نحن نحمد الله سبحانه و تعالى أن يجعل ما عملناه خالصا لوجهه و موصلا إلى ثوابه و منجيا من عقابه و يلحقنا دعاء من أوغل في شعابه و غاص في درر الثمينة من لجج عبابه و استفاد الغرر الثمينة من خلل أبوابه هذا آخر كتاب الطبرسي (رهـ) .

قال الفقير إلى الله علي بن عيسى أثابه الله تعالى مناقب المهدي (عليه السلام) ظاهرة النور منيرة الظهور سافرة الإشراف مشرفة السفور مسورة بالعلاء عالية السور آمرة بالعدل عادلة في الأمور يكاد المداد أن يبيض من إشراق ضيائها و تذعن الثوابت لارتفاعها و علائها و تتضاءل الشموس لآلائها نور الأنوار و سلالة الأخيار و بقية الأطهار و ذخيرة الأبرار و الثمرة المتخلفة من الثمار صاحب الزمان حاوي خصل الرهان الغائب عن العيان الموجود في كل الأزمان الذخيرة النافعة و البقية الصالحة و الموئل و العصر و الملجأ و الوزر المساعد بمعاضدة القضاء و القدر و صاحب الأوضاح و الغرر القوي في ذات الله الشديد على أعداء الله المؤيد بنصر الله المخصوص بعناية الله القائم بأمر الله المنصور بعون الله قد تعاضدت الأخبار على ظهوره و تظاهرت

[548]

الروايات على إشراق نوره و ستسفر ظلم الأيام و الليالي بسفوره و تنجلي به الظلم انجلاء الصباح عن ديجوره و يخرج من سرار الغيبة فيملأ القلوب بسروره و يسير عدله في الآفاق فيكون أضوأ من البدر في مسيره و يعيد الله به دينه و يوضح منهاج الشرع و قانونه و يصدع بالدلالة و يقوم بتأييد الإمامة و الرسالة و يرد الأيام حالية بعد عطلتها و قوية بعد ضعف قوتها و يجدد الشريعة المحمدية بعد اندحاضها و يبرم عقدها بعد انتقاضها و يعيدها بعد ذهابها و انقراضها و يبسطها بعد تجعدها و انقباضها و يجاهد في الله حق جهاده و يطهر من الأدناس أقطار بلاده و يصلح من الدين ما سعت الأعداء في إفساده و يحيي بجده و اجتهاده سنة آبائه و أجداده و يملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا و يخلق للظلم دورا و يجدد للعدل دورا يردي الطغاة المارقين و يبيد العتاة و المنافقين و يكف عادية الأشرار و الفاسقين و يسوق الناس سياقة لم ير من قبله من أحد من السائقين السابقين و لا ترى بعده من اللاحقين فزمانه حقا زمان المتقين و أصحابه هم المأمور بالكون معهم في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ خلصوا بتسليكه من الريب و سلموا بتزيينه من العيب و أخذوا بهداه و طريقه و اهتدوا من الحق إلى تحقيقه و وفقهم الله إلى الخيرات بتسديده و توفيقه به ختمت الخلافة و الإمامة و إليه انتهت الرئاسة و الزعامة و هو الإمام من لدن مات أبوه إلى يوم القيامة فأوصافه زاد الرفاق و مناقبه شائعة في الآفاق تهزم الجيوش باسمه و ينزل الدهر على حكمه فالويل في حربه و السلامة في سلمه يجدد من الدين الرسوم الدارسة و يشيد معالم السنن الطامسة و يخفض منار الجور و العدوان و يرفع شعار أهل الإيمان و يعطل السبت و الأحد و يدعو إلى الواحد الأحد المنزه عن الصاحبة و الولد و يتقدم في الصلاة على السيد المسيح كما ورد في الخبر الصحيح و الحق الصريح صلوات الله و السلام و التحية و الإكرام على المأموم و الإمام و أنا أعتذر إلى كرمه من تقصيري و أسأل مسامحته قبول معاذيري فمن أين أجد لسانا ينطق بواجب حمده و ما على المجتهد جناح بعد

[549]

بذل جهده و قد كنت عملت أبياتا من سنين أمدحه و أتشوقه (عليه السلام) و هي :

عداني عن التشبيب بالرشأ الأحوى *** و عن بانتي سلع و عن علمي حزوى

‏عزامي بناء عن عزامي و فكرتي *** تمثله للقلب في السر و النجوى

‏من النفر الغر الذين تملكوا *** من الشرف العادي غايته القصوى

‏هم القوم من أصفاهم الود مخلصا *** تمسك في أخراه بالسبب الأقوى

‏هم القوم فاقوا العالمين مأثرا *** محاسنها تجلي و آياتها تروى

‏بهم عرف الناس الهدى فهداهم *** يضل الذي يقلي و يهدي الذي يهوى

‏موالاتهم فرض و حبهم هدى *** و طاعتهم قربى و ودهم تقوى

‏أ مولاي أشواقي إليك شديدة إذا *** انصرفت بلوى أسى أردفت بلوى

‏أكلف نفسي الصبر عنك جهالة *** و هيهات ربع الصبر مذ غبت قد أقوى‏

و بعدك قد أغرى بنا كل شامت *** إلى الله يا مولاي من بعدك الشكوى

و لما شرعت في سطر مناقبه و ذكر عجائبه عملت هذه الأبيات أنا ذاكرها على حرف الميم ثم إني ذكرت أني مدحت الإمام الكاظم (عليه السلام) بقصيدة على هذا الوزن و الروي فتركتها و شرعت في أخرى و ها أنا ذا أذكر الميمية التي لم أتمها و أكتب الأخرى عقيبها و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب .

و هي :

تحية الله و رضوانه *** على الإمام الحجة القائم

‏على إمام حكمه نافذ *** إذا أراد الحكم في العالم

‏خليفة الله على خلقه *** و الآخذ للحق من الظالم

‏العادل العالم أكرم به *** من عادل في حكمه عالم

‏مطهر الأرض و محيي الورى *** العلوي الطاهر الفاطمي

‏ناصر دين الله كهف الورى *** محيي الندى خير بني آدم

‏الصاحب الأعظم و الماجد *** الأكرم المولى أبو القاسم‏

و صاحب الدولة يحيا بها *** ممتحن في الزمن الغاشم

[550]

و النافذ الحكم فرعيا له *** و جادة الوابل من حاكم

‏من حاتم حتى يوازي به *** عبيده أكرم من حاتم

‏لو أنني شاهدته مقبل *** في جحفل ذي عيثر قاتم

‏لقلت من فرط سروري به *** أهلا و سهلا بك من قادم

و الأخرى التي شرعت فيها هي هذه :

إن شئت تتلو سور الحمد *** فخبر الأقوال في المهدي‏

و امدح إماما حاز خصل *** العلى و فاز بالسؤدد و المجد

إمام حق نوره ظاهر *** كالشمس في غور و في نجد

القائم الموجود و المنتمى *** إلى العلى بالأب و الجد

و صاحب الأمر و غوث الورى *** و حصنهم في القرب و البعد

و ناشر العدل و قد جارت *** الأيام و الناس عن القصد

و المنصف المظلوم من ظالم *** و الملجأ المرجو و المحتدي‏

و باذل الرفد إلى أن يرى *** لا أحد يرغب في الرفد

جلت أياديه و آلاؤه *** و الحمد للواهب عن عد

و أصبحت أيامه لا نقضت و لا تولت جنة الخلد

سيرته تهدي إلى فضله *** و هديه يهدي إلى الرشد

يمنع بالله و يعطي به *** موفق في البذل و الرد

ليس له في الفضل من مشبه *** و لا له في النبل من ند

العلم و الحلم و بذل الندى *** جاوز فيها رتب الجد

قد عمه الله بألطافه *** و خصه بالطالع السعد

أدعوه مولاي و من لي بأن *** يقول لي إن قال يا عبدي

‏أدعو به الله و ما من دعا *** بمثله يجبه بالرد

أعده ذخرا و أرجوه في *** بعثي و في عرضي و في لحدي

‏فليت مولاي و مولى الورى *** يذكرني في سره بعدي

[551]

و ليته يبعث لي دعوة *** يسعد في الأخرى بها جدي

‏مولاي أشواقي تذكي الجوى *** لأنها دائمة الوقد

أود أن ألقاك في مشهد *** أشرح فيه معلنا ودي

‏برح بي وجد إلى عالم *** بما أعاينه من الوجد

وهمت في حب فتى غائب *** و هو قريب الدار في البعد

فاعطف علينا عطفة و اشف *** ما نلقاه من هجر و من صد

و أظهر ظهور الشمس و اكشف لنا *** عن طالع مذ غبت مسود

قد تم ما ألفت من وصفكم *** فجاء كالروضة و العقد

و لست فيه بالغا حقكم *** لكن على ما يقتضي جهدي

‏فإن يكن حسني فمن عندكم *** أو كان تقصير فمن عندي

‏و رفدكم أرجوه في محشري *** يا باذلي الإحسان و الرفد

و الحمد لله و شكرا له *** أهل الندى و الشكر و الحمد

و قلت هذه الأبيات لتكون خاتمة لهذا الكتاب و هي :

أيها السادة الأئمة أنتم *** خيرة الله أولا و أخيرا

قد سموتم إلى العلى *** فافترعتم بمزاياكم المحل الخطير

اأنزل الله فيكم هل أتى *** نصا جليا في فضلكم مسطور

امن يجاريكم و قد طهر *** الله تعالى أخلاقكم تطهير

الكم سؤدد يقرره القرآن للسامعينه تقريرا

إن جرى البرق في مداكم كبا *** من دون غاياتكم كليلا حسيرا

و إذا أزمة عرت و استمرت *** فترى للعصاة فيها صريرا

بسطوا الندى أكفا سباطا و وجوها *** تحكي الصباح المنيرا

و أفاضوا على البرايا عطايا *** خلفت فيهم السحاب المطيرا

فتراهم عند الأعادي ليوثا *** و تراهم عند العفاة بحورا

يمنحون الولي جنة عدن و *** العدو الشقي يصلى سعيرا

[552]

يطعمون الطعام في العسر و اليسر *** يتيما و بائسا و أسيرا

لا يريدون بالعطاء جزاء *** محبطا أجر برهم أو شكورا

فكفاهم يوما عبوسا و أعطاهم *** على البر نضرة و سرورا

و جزاهم بصبرهم و هو أولى *** من جزى الخير جنة و حريرا

و إذا ما ابتدوا لفصل خطاب *** شرفوا منبرا و زانوا سريرا

بخلوا الغيث نائلا و عطاء *** و استخفوا يلملما و ثبيرا

يخلفون الشموس نورا و إشراقا *** و في الليل يخجلون البدورا

أنا عبد لكم أدين بحبي *** لكم الله ذا الجلال الكبيرا

عالم أنني أصبت و أن الله *** يؤلي لطفا و طرفا قريرا

مال قلبي إليكم في الصبا *** الغض و أحببتكم و كنت صغيرا

و توليتكم و ما كان في أهلي *** و لي مثل فجئت شهيرا

أظهر الله نوركم فأضاء الأفق *** لما بدا و كنت بصيرا

فهداني إليكم الله لطفا بي *** و ما زال لي وليا نصيرا

كم أياد أولي و كم نعمة أسدي *** فلي أن أكون عبدا شكورا

أمطرتني منه سحائب جود عاد *** حالي بهن غضا نضيرا

و حماني من حادثات عظام *** عدت فيها مؤيدا منصورا

لو قطعت الزمان في شكر أدنى *** ما حباني به لكنت جديرا

فله الحمد دائما مستمرا و *** له الشكر أولا و أخيرا

هذا آخر ما جرى القلم بسطره و أدت الحال إلى ذكره و مناقبهم (عليهم السلام) تحتمل بسط المقال و الطالب لاستقصاء جميعها طالب للمحال فإنها تعجز طالبها و تفوت حاصرها و قد أتيت منها بما هو على قدر اجتهادي و بمقتضى قوتي و أنا أعتذر إليهم (عليهم السلام) من تقصير و إخلال و ذهول عما يجب و إقلال و كرمهم يقتضي إجابة هذا السؤال و الله تعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم و هاديا إلى الصراط المستقيم فإليه سبحانه و تعالى نتقرب

[553]

بموالاتهم و نلتزم بطاعتهم و نبالغ في حبهم و نرى الإخلاص في مودتهم و هم (عليهم السلام) وسائطنا و شفعاؤنا إلى رحمته التي وسعت كل شي‏ء أنه جواد كريم و الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .

 

fehrest page

back page