الصفحة1
زينب الكبرى
عليها السلام
من المهد الى اللحد
بقلم المرحوم
السيد محمد كاظم القزويني
الصفحة2
الصفحة3
تقديم
حول الكتاب والمؤلف
بقلم:
السيد مصطفى القزويني
الصفحة4
الصفحة5
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل الخلق اجمعين، سيدنا محمد وآله
الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين،
وبعد ،
السيدة زينب الكبرى : ثاني اعظم سيدة في سيدات أهل البيت المحمدي ، كانت حياتها
تزدحم بالفضائل والمكرمات ، وتموج بموجبات العظمة والجلالة ، والقداسة والروحانية ،
وتتراكم فيها الطاقات والكفاءات والقابليات ، ومقومات الرقي والتفوق،
من هنا،، فكل صفحة من صفحات حياتها المشرقة جديرة بالدراسة والتحقيق ، فمن ناحية
تعتبر القراءة في ملف حياتها نوعاً من أفضل انواع العبادة وسبل التقرب إلى الله
سبحانه ، لأنها
الصفحة6
سإطلاع على حياة سادات أولياء الله تعالى،
ومن ناحية أخرى : التدبر في اللقطات التاريخية التي وصلت إلينا عن حياة هذه السيدة
يعطي الانسان دروساً مفيدة تنفعه في كثير من مجالات حياته،
يضاف إلى ذلك : أن التأليف عن حياتها المتلألأة يعتبر محاولة لإعطاء صورة واضحة عن
خير قدوة للنساء المؤمنات ، بل خير مقتدى لكل امرأة تبحث عن السعادة في الحياة ،
والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض،
وكم هو جيد وجميل أن نقرأ حياة هذه السيدة العظيمة في كتاب خط بقلم واحد من ألمع
المتألقين في سماء الخطابة والتأليف ، ورجل شجاع من أبرز المجاهدين ـ في سبيل الله
ـ بلسانه وقلمه ، ألا وهو العلامة الكبير ، والخطيب البارع : السيد محمد كاظم
القزويني ، رضوان الله عليه،
إن طبيعة كون العلامة القزويني خطيباً حسينياً مميزاً ، ومحاضراً اجتماعياً قديراً
، كانت تجعله يتوصل إلى كثير من النتائج النافعة في مجال دراسة حياة السيدة زينب
الكبرى عليها السلام،
ولعل أول مرة انقدحت في ذهنه فكرة التأليف عن حياة السيدة زينب ، هو يوم كان
مشغولاً بتأليف كتابه عن حياة سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء
عليها السلام ، سنة
الصفحة7
1396 هـ ، لكن العوائق كانت تحول بينه وبين تطبيق الفكرة وتحقيق تلك الأمنية،
وإلى أن عزم على الكتابة ، وبدأ بالتأليف عن حياة السيدة ، في سنة 1409 هـ،
لقد كان العلامة القزويني يحاول ـ بكل جد ـ جمع مواد تاريخية كافية عن مرحلة ما قبل
فاجعة كربلاء في حياة السيدة زينب ، وتسليط الأضواء الكشافة على جوانب تلك المرحلة
، وتناولها بلمسات تحليلية ، فلقد عاشت السيدة ـ قبل الفاجعة العظمى ـ حوالي ستاً
وخمسين سنة ، وكانت حياتها مليئة بالحوادث والوقائع والمستجدات ، وكان لها دور مهم
في جميع تلك الحوادث ، فقد كانت قوية الشخصية ، وسيدة مواقف ، وصاحبة كلمة ، وزعيمة
دور قيادي لنساء أهل البيت،، بل للنساء المؤمنات جمعاء،
لكن،،
لكن ماذا عن حياتها يوم كانت طفلةً في عمر الزهور وفقدت أمها الزهراء ؟ !
وماذا عن حياتها يوم كانت بنتاً في دار أبيها ؟ !
وماذا عن حياتها حين كانت سنداً وظهراً لوالدها وأخويها ؟ !
وماذا من عينات ومعلومات عن حياتها الزوجية ؟ !
الصفحة8
وماذا كانت مناهجها في تربية اطفالها وثمرات فؤادها ؟!
وماذا كان سر نجاحها في إدارة بيتها العائلي ؟!
وما هي تفاصيل دورها القيادي والإصلاحي في التوجيه النسوي ؟
وماذا عن دروسها ومحاضراتها التي كانت تلقيها على نساء الكوفة مدة أربع سنوات ؟
وكيف استطاعت أن تجمع بين الحجاب والثقافة ، والعفة والتعليم ، والدين والحضارة ،
والمنزل والمجتمع ؟؟!
وماذا عن جانب العبادة ، والزهد ، والسخاء ، وحب الخير للآخرين،، في حياتها ؟؟!
وماذا عن العلوم التي وصلت إليها مباشرة،، ودون التعلم من أحد ؟!!
وما هي ـ بالضبط ـ مميزاتها الفريدة التي جعلتها ـ بجدارة ـ ثاني اعظم سيدة في نساء
أهل البيت،، بل في سيدات تاريخ البشر ؟
وما هي مواصفاتها النفسية النادرة التي أهلتها ان تبقى كوكباً مضيئاً يحلق في سماء
المجد والخلود ؟ ويظل إسمها لامعاً ـ إلى جنب إسم أخيها الإمام الحسين ـ رمزاً لخير
من نصر الدين ، وصرخ في وجه الظالمين ؟!
الصفحة9
وما هي الصورة الواضحة التي أعطتها السيدة زينب عن المرأة المؤمنة المثالية ؟!
وماذا، وماذا، ؟ ؟
أجل،
كان العلامة القزويني يبذل قصارى جهده في جمع المواد التاريخية عن حياة هذه السيدة
العظيمة ، لكنه ـ مع الأسف ـ أصيب بمرض عضال ، وصار المرض ينخر في جسمه بسرعة ،
ويجعل سير التأليف بطيئاً ، حتى أودى به إلى الوفاة ، قبل إكمال بعض فصول هذا
الكتاب،
وقد كتب بعض صفحات هذا الكتاب على سرير (مستشفى ابن سين) في الكويت ، حيث كان
راقداً هناك لاجراء بعض الفحوصات الطبية وماحولة إكتشاف علاج لمرضه،
وقد كانت رغبته لإنجاز وإكمال هذا الكتاب شديدة وملحة ، لأسباب متعددة ، منها :
1 ـ انه رأى في المنام رؤيا شجعته على مواصلة هذا التأليف،
2 ـ لإحتمال وفاته بسبب المرض الذي أصابه،
أما الرؤيا ، فإنه ـ في أثناء تأليف الكتاب وبعد فراغه من كتابة فصل (مروان يخطب
بنت السيدة زينب ليزيد بن معاوية) ـ رأى في المنام المجتهد الفقيه آية الله السيد
حسين القمي ـ المتوفى سنة
الصفحة10
1367 هـ قد اقبل إليه واعتنقه معانقة حارة ، وقال له ـ بصيغة الدعاء : (قبل الله
يدك) ، أو بصيغة الإخبار ـ : (إن الله تعالى يقبل يدك) !
واستيقظ السيد المؤلف من نومه ، وصار يفكر ـ طويلاً ـ في تفسير رؤياه حيث اعتبرها
رؤيا مهمة ، ورغم انه كانت لديه معلومات واسعة وخبرة جيدة في علم تفسير الأحلام إلا
أنه استفسر عن تعبير رؤيا من أحد العلماء المتخصصين في تعبير المنام،
فقال له العالم : هل قمت بخدمة لواحدة من أقرباء الامام الحسين (عليه السلام) مثل :
زوجته أو أخته ؟
فقال السيد : نعم ، انا مشغول بتأليف كتيب حول السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)،
فقال العالم : إن خدمتك نالت رضى الإمام الحسين (عليه السلام) وتفسير كلمة (إن الله
يقبل يدك) هو : أن الله تعالى قد تقبل منك ما كتبته،
* * * *
وحين تأليفه لهذا الكتاب كان يطلب مني أن أصطحب معي ما كتبه إلي داري ، لألقي
نظرة فاحصة على الكتاب ، وأبدي بعض الملاحظات أو الإقتراحات،
وبعد وفاته (رحمة الله عليه) رأيت القيام ببعض اللمسات
الصفحة11
التكميلية على الكتاب ، مع الانتباه إلى بعض الصلاحيات التي منحها لي في السنوات
الأخيرة من حياته،
رأيت القيام بهذا الأمر لسببين :
الأول ـ وهو السبب الرئيسي ـ : القيام بخدمة متواضعة لسيدتي ومولاتي زينب الكبرى
عليها السلام،
الثاني : براً مني بوالدي رحمة الله عليه،
* * * *
وأود جلب إنتباه القارئ الكريم إلى عدة نقاط :
الأولى : لقد حاولت ـ قدر الإمكان ـ أن أجعل فاصلاً مميزاً بين الكتاب والإضافات
التي هي مني ، فجعلت الإضافات في الهامش ، وكتبت في نهايتها : (المحقق)،
وهذا ما سيشعر به القراء الكرام الذين تعودوا على نكهة قلم السيد الوالد،
النقطة الثانية : إن الفصل الأخير من هذا الكتاب ـ بكامله ـ هو من إضافاتي، لكني
حاولت ـ غالباً ـ ذكر الأشعار التي كنت أعلم إعجاب الوالد بها،
النقطة الثالثة : كان عملي ـ في إعداد الكتاب ـ : عبارة عن مراجعة الكتاب من أوله
إلى آخره ، وضبط نصوصه ، وذكر مصادره ، وشرح بعض الكلمات
الصفحة12
الغامضة بعد مراجعة كتب اللغة،
النقطة الرابعة : بما أن هناك اختلافاً في أرقام صفحات وأجزاء المصادر، لتعدد
طبعات بعض الكتب ، فقد ذكرنا في نهاية الكتاب قائمة بأسماء المصادر الرئيسية ،
لبيان الإسم الكامل للكتاب والمؤلف ، وذكر سنة ومحل طبع الكتاب، تسهيلاً للقارئ
الكريم ،
مؤلف الكتاب
والآن،، إليك لمحة خاطفة وسريعة جداً عن حياة مؤلف هذا الكتاب : العلامة القزويني
:
هو السيد محمد كاظم بن المجتهد الفقيه آية الله السيد محمد إبراهيم بن العالم
الكبير المرجع الديني في عصره : آية الله العظمى السيد محمد هاشم الموسوي القزويني،
ولد في مدينة كربلاء المقدسة ، سنة 1348 هـ ، وهو ينحدر من أسرة تموج بالفقهاء
والعلماء ، والخطباء والشعراء ، ورجال الفكر والأدب والقلم ، وتعتبر أسرته من أشرف
الأسر والعشائر التي سكنت أرض كربلاء منذ أكثر من مائتين وخمسين سنة
الصفحة13
وقد شاءت المقدرات الإلهية ان يكون السيد المؤلف وحيد ابويه ، فقد كان الموت قد
اغتال ـ قبل ذلك ـ جميع اخوته ش وأخواته ، البالغ عددهم ثلاثة عشر ولداً،، ما
بين ولد وبنت ، وكان جميعهم براعم في عمر الصبى والطفولة،
ثم وجهت الحوادث سهامها إليه منذ عمر الطفولة ، ففجع بوفاة والدته الحنونة وعمره
عشر سنوات ، فصار الطفل المدلل لوالده ، وبلغ الثانية عشرة من عمره ، فمات والده ،
وبعد ذلك تعرض لظروف قاسية عصفت بحياتته من كل جانب ، لكن نسبة (الثقة بالنفس)
و(التوكل على الله تعالى) كانت قوية في نفسيته ، فجعلته صامداً أمام تلك الأعاصير !
أكمل دراسته الدينية في الحوزة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة ، حتى بلغ درجة
عالية من العلم والثقافة ، وتخصص في الخطابة والمنبر فكان من أبرز الخطباء في عصره،
كانت له محاضرات دينية مركزة في ليالي شهر رمضان المبارك ، وكانت مجالسه تمتاز
بكونها تربوية وتوجيهية،، وليست تاريخية بحتة ، وامتازت ـ أيضاً ـ بأن غالبية
الحضور ـ في محاضراته ـ كانوا من الشباب والطبقة المثقفة الواعية،
وقد ربى العلامة القزويني عدداً كبيراً وجيلاً مميزاً من خطباء المنبر الحسيني ، هم
اليوم من أبرز وأشهر خطباء العالم الإسلامي الشيعي في عصرنا الحاضر،
الصفحة14
في سنة 1380 هـ أسس مؤسسة دينية باسم (رابطة النشر الإسلامي) كان هدفها تزويد مسلمي
العالم بالكتب التي تتحدث عن مذهب أهل البيت ، مجاناً وبلا ثمن ، وكان نشاط هذه
المؤسسة مركزاً في البداية على بلاد المغرب العربي ، ثم شمل الجزائر وليبيا وتونس ،
وبعض الدول الإفريقية كالسنغال ونيجيريا،
واستطاع السيد القزويني ـ عن طريق هذه المؤسسة ـ أن ينبه كثيراً من المغاربة
المغفلين الذين كانوا يتخذون (يوم عاشوراء) يوم عيد وسرور وافراح وأعراس ، على
طريقة بني أمية،
فقد كان يوم العاشر من المحرم أكبر عيد شعبي في بلاد المغرب، وكان يعرف باسم (عيد
عاشوراء) فسار السيد القزويني إلى تلك البلاد سنة 1388 هـ ، ونشر مقالة نارية
ملتهبة في صحيفة (العلم) المغربية قبل يوم عاشوراء باسبوعين ، ندد فيها المغاربة عن
اتخاذ يوم حزن آل الرسول يوم عيد وفرح ، واعتبر ذلك تحدياً سافراً وحرباً ضد النبي
الكريم، وأنذرهم الأخطار الكبيرة الناتجة عن هذا الموقف المخزي تجاه أسرة رسول
الله الطيبة الطاهرة المطهرة !
فاستولى الخوف والفزع على المغاربة ، في تلك السنة التي نشرت فيها المقالة ، وهكذا
تم إلغاء ذلك اليوم عن كونه عيداً ، وصار كبقية ايام السنة بلا أفراح ولا تهاني،
وهذا موقف مشرق دل على كفاءة السيد القزويني ونجاح
الصفحة15
خطته الحكيمة،
وتستطاعت هذه المؤسسة ـ رغم ضعف ميزانيتها ـ أن تنشر أكثر من مليوني كتاب خلال
عشرين سنة،
أمات عن الجهاد بالقلم ، فقد بدأ العلامة القزويني بكتابة المقالات وتأليف الكتب في
مرحلة مبكرة من شبابه ، وكان من أبرز مؤلفاته : (شرح نهج البلاغة) ، وسلسلة كتب عن
حياة أهل البيت المعصومين (صلوات الله عليهم اجمعين) تحت عنوان : (، ،، من
المهد الى اللحد) فأكمل منها عن حياة ستة من المعصومين ، وأخيراً بدأ بتأليف موسوعة
كبيرة وفريدة عن حياة الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة والسلام) في حوالي خمسين
مجلداً ، ويعتبر هذا المشروع الضخم من أوسع ما قدمه من عطاء خالد،
ومن النقاط اللامعة في حياة العلامة القزويني : هو أنه قام برحلة تبليغية إلى قارة
أستراليا عام 1398 هـ ، لإيصال صوت الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام) إلى المسلمين
الشيعة هناك ، وقد كانوا يرزحون تحت وطأة الفقر الثقافي والإيماني وغياب الوعي
الديني ، ومضاعفات الإغتراب والإبتعاد عن الأوساط الإسلامية،وفي مدينة (سيدني)
أسس مسجداً ضخماً المحاضرات باسم (مسجد فاطمة الزهراء عليها السلام) وألقى عشرات
المحاضرات الدينية المركزة الهادفة خلال سفرته التي استغرقت أكثر من شهر ، وكان
بمنزلة الفاتح العظيم الذي يدخل تلك البلاد النائية ، ويحدث تحولاً مهماً
الصفحة16
في نفوس وأرواح أولئك الأفراد ، ويعيد إليهم روح الإيمان والإلتزام بمبادئ الادين
الحنيف ، والإعتزاز والإفتخار بالمذهب الحق : (مذهب أهل البيت عليهم السلام)،
* * * *
سكن في وطنه (مدينة كربلاء المقدسة) حوالي ستاً وأربعين سنة ، ثم هاجر من العراق
إلى الكويت سنة 1394 هـ ، وبقي فيها حوالي ست سنوات ، قام خلالها بنشاط ديني واسع
ومكثف ، وتربية جيل مؤمن من الشباب،ثم هاجر من الكويت إلى ايران عام 1400 هـ ، وسكن
في مدينة قم المقدسة ، فاستعمر في العطاء عبر المنبر والقلم ، فكان خيرا معلم ومرب
وخير ناع لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام،
قبل وفاته بسنتين ونصف تقريباً أصيب بمرض يتلف ـ بالتدريج ـ إثنين من أعصاب المخ ،
وهما المسؤولان عن الحركة الإرادية لتحريك اللسان للمتكلم والتلفظ ، ولقوة ابتلاع
الطعام ، وأخيراً أودى به المرض إلى الوفاة ، بعد معاناة مريرة في الأشهر الأخيرة
من حياته،
فارق الحياة وانتقل إلى رحمة الله تعالى ، يوم الخميس 13 / جمادى الثانية / 1415 هـ
، رضوان الله عليه،
وجرى لجنازته تشييع عظيم في مدينة قم المقدسة ، اشترك فيه مختلف طبقات المجتمع ،
ومن كافة
الصفحة17
الجنسيات،
ترك من بعده : ثلاث بنات وخمسة بنين ، تخصص إثنان منهم في الخطابة والتأليف ، وتفرغ
ثلاثة منهم للفقه والإجتهاد،
وختاماً ،،لا يفوتني أن أشكر الله تعالى أولاً وقبل كل أحد على أن وفقني لتحقيق
وإخراج هذا الكتاب ، ثم أشكر كل من كانت له مسهمة أو تعاون في هذا المجال ، وأخص
منهم بالذكر سماحة الخطيب البارع المخلص الشيخ علي أكبر القحطاني ، حيث زودنا بكل
ما في مكتبته العامرة من كتب ومؤلفات حول اليسدة زينب الكبرى عليها السلام،
مصطفى بن محمد كاظم القزويني
9 / 12 / 1420 هـ
قم ـ إيران
الصفحة18
الصفحة19
الصفحة20
الصفحة21
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إليك يا سيدنا ومولانا
يا سيد الشهداء وسبط رسول الله
يا أبا عبد الله الحسين،
إليك أهدي هذه الصحائف التي تتحدث عن رضيعتك في المواهب ، وشقيقتك في العظمة ،
وزمليتك في الجهاد ، وشريكتك في المصائب : السيدة زينب الكبرى،
عليط وعليها وعلى جدكما وأبيكما وأمكما وأخيكما ـ الإمام الحسن ـ آلاف التحية
والثناء والسلام،
فهل تتفضل علي بقبول هذه الخدمة الضئيلة ؟
محمد كاظم القزويني
مدينة قم ـ إيران
سنة 1409 هـ
الصفحة22
الصفحة23
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله ، والصلاة والسلام على خير خلقه ، وأشف بريته : محمد وآله
الطاهرين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً،
وبعد ، يوجد في تاريخ البشر عدد كبير من الرجال وعدد من النساء الذين نبغوا نبوغاً
في شتى الفنون والعلوم ، فطار صيتهم في العالم ، وكان نصيبهم من المجتمعات البشرية
كل إعجاب وتقدير ، وإكبار وتجليل ، لأنهم امتازوا عن غيرهم بشتى المزايا،
وكل إنسان إمتاز بمزية أو بمزايا فمن الطبيعي أن يفضل على غيره من ناقدي تلك
المزايا،
وقد كان أولياء الله في طليعة النابغين ، لتعدد جوانب النبوغ فهيم،
الصفحة24
والبيت النبوي الطاهر الشريف يضم رجالات وسيدات كانوا العناوين البارزة في صحيفة
الإيجاد والتكوين ، وفي طليعة العظماء الذين من المستحيل أن يجود الدهر بأمثالهم، ونحن نريد أن نتحدث ـ في هذا الكتاب ـ عن حياة سيدة كانت تعيش قبل ثلاثة عشر قرناً
ونصف قرن ، وقد امتازت حياتها ـ بجميع جوانبها ـ عن حياة غيرها من سيدات التاريخ،
إنها السيدة زينب الكبرى بنت الإمام علي أمير المؤمنين عليهما السلام،
إنها نادرة من نوادر الكون ، وآية إبداع في خلق الله تعالى ، وملتقى آيات العظمة ،
ومفخرة التاريخ،
ونحن إذا استقرأنا أسباب العظمة وموجبات الشرف في تاريخ البشر ـ على اختلاف انواعها
وأقسامها ـ نجد كلها أو جلها مجتمعة ومتوفرة في السيدة زينب الكبرى،
فإذا تحدثنا عن السيدة زينب على صعيد قانون الوراثة ، فإننا نجدها مطوقة بهالات من
الشرف ،،كل الشرف،
شرف لم تسبقها اليه أنثى سوى أمها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولم يلحقها
لاحق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، فهي البنت الكبرى للإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي
طالب (عليه السلام) ذلك المولى الذي يعتبر ثاني أعظم رجل في عالم الكون والوجود ،
الصفحة25
فهو أشرف من أظلت عليه الخضراء ، وأقلته الغبراء بعد شخصية الرسول الأقدس صلى الله
عليه وآله وسلم،
وأمها : السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي سيدة نساء العالمين، وأفضل وأشرف
أنثى في عالم النساء،
فما تقول في هذه الأم التي انجبت وأرضعت بنتاً إمتازت بالنضج المبكر، وارتضعت
المواهب والفضائل من سدر أشرف أمهات العالمين ؟ ! وكبرت ونمت في حجر بنت رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وعزيزته وحبيبته ؟ !
فالسيدة زينب حصيلة أبوين ، كانت حياة كل واحد منهما مشرقة بالمزايا والمكرمات ،
وكل صفحة منها تفتح للانسان آفاقاً واسعة يطير الفكر في أرجائها ، وتسبح كواكب
الفضائل في فضائها،
أجل!
إنها زينب،
وما أدراك من زينب!
هي زينب بنت النبي المؤتمن
هي زينب أم المصائب والمحن
الصفحة26
هي بنت حيدرة الوصي وفاطمة
وهي الشقيقة للحسين وللحسن (1)
ثم، أليس النسب الرفيع من أسباب العظمة ؟ !
أو ليس العلم الغزير ـ بما فيه الفصاحة والبلاغة ـ من موجبات الشرف ؟ !
أو ليس الصبر على المكاره والفجائع الدامية والحوادث المذهلة فضيلة ؟ !
أو ليست الشجاعة ومواجهة العدو شرس ، المتجبر الطاغي السفاك تدل على قوة القلب ،
وثبات القدم ، والإيمان الصادق ، والعقيدة الراسخة ؟ !
أو ليست صفة الوفاء والعاطفة والشفقة والحياء والعفة ، في طليعة الفضائل ؟ !
فما تقول لو أن هذه الصفات وغيرها من مكارم الأخلاق إجتمعت ـ بصورة وافرة ـ في سيدة
؟ !
الا تعتبر تلك السيدة نادرة الكون ومفخرة التاريخ ؟ !
بعد هذه اللمحة الخاطفة عن بعض جوانب العظمة في
ــــــــــــــــــــ
(1) ننبه القارئ الكريم إلى أن هذين البيتين هي من نظم السيد المؤلف (رحمة الله
عليه)،
المحقق
الصفحة27
السيدة زينب الكبرى نقول :
كيف يمكن لنا الإحاطة بحياة سيدة قضت معظم حياتها في الخدر ، ووراء الستر ، ولم
يطلع على حياتها العائلية إلا أهلها وذووها ؟
والرزية كل الرزية : أن التأريخ قد ظلمها كما ظلمها الناس،التاريخ ظلمها كما ظلم
أباها وإخوتها وأسرتها الطاهرة ، ولم يعبأ المؤرخون بترجمة حياتها كما ينبغي ، وكما
تتطلبه هذه الشخصية،
ورغم كل ذلك ، رأينا نجمع بعض ما وصل إلينا من معلومات وعينات تاريخية حولها ،
ونسلط الأضواء على بعض جوانب حياتها الشريفة ، ونسأل الله العلي القدير أن يوفقنا
لتحقيق هذا الهدف ، إنه ولي التوفيق،
المؤلف
الصفحة28
الصفحة29
الفصل الأول
تاريخ ميلاد السيدة زينب (عليها السلام)
ولادة السيدة زينب (عليها السلام)
إسمها وكنيتها
الصفحة30
الصفحة31
تاريخ ميلاد السيدة زينب (عليها السلام)
في غضون السنة السادسة من الهجرة استقبل البيت العلوي الفاطمي الطاهر ـ بكل فرح
وسرور ، وغبطة وحبور ـ الطفل الثالث من أطفالهم ، وهي البنت الأولى للإمام أمير
المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء (عليهما السلام)،
ففي اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى ولدت السيدة زينب ، (1)
وفتحت عينها في وجه الحياة ، في دار يشرف عليها ثلاثة هم أطهر خلق الله تعالى :
محمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين ، وفاطمة سيدة نساء العالمين ، صلى الله عليهم
أجمعين،
هذا هو القول المشهور بين الشيعة ـ حالياً ـ وهناك أقوال
ــــــــــــــــــــ
(1) المصدر : زينب الكبرى ، للعلامة الشيخ جعفر النقدي ـ رضوان الله عليه ، المتوفى
سنة 1370 هـ ـ ص 17 ، باب إسمها وتاريخ ولادتها،
الصفحة32
تاريخة أخرى في تحديد يوم وعام ميلادها المبارك (1)،
ويجدر ـ هنا ـ أن نشير إلى جريمة تاريخية ارتكبها عملاء الأمويين وأعجب بها
المنحرفون الذين وجدوا هذه الجريمة ـ أو الأكذوبة التاريخية ـ تلائم شذوذهم الفكري
، وانحرافهم العقائدي،
فقد ذكرت الكاتبة بنت الشاطئ في كتابها (بطلة كربلاء) ما نصه :
(إنها الزهراء بنت النبي ، توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً ، بعد أن أقرت
عيني الرسول بسبطيه الحبيبين : الحسن والحسين ، وثالث لم يقدر الله له أن يعيش ، هو
المحسن بن علي،،) (2)،
من الثابت أن المحسن بن الإمام علي هو الطفل الخامس لا الثالث ، وهو الذي قتل وهو
جنين في بطن أمه بعد أن عصروا السيدة فاطمة الزهراء بين حائط بيتها والباب ، وبسبب
الضرب المبرح الذي أصاب جسمها وكان السبب في سقوط الجنبن،
ولكن هذه الكاتبة المصرية تستعمل المغالطة والتزوير ، وتحاول إحقاق الباطل وإبطال
الحق وتقول : إن السيدة زينب
ــــــــــــــــــــ
(1) لمعرفة تفاصيل ذلك يمكن لك مراجعة كتاب (زينب الكبرى) للنقدي ص 17 ، وكتاب
(رياحين الشريعة) للمحلاتي ج 3 ص 33،
المحقق
(2) كتاب (بطلة كريلاء) لعائشة بنت الشاطئ ، ص 16،
الصفحة33
ولدت بعد المحسن بن علي الذي لم يقدر له أن يعيش !
فانظر كيف تحاول بنت الشاطئ تغطية الجنايات التي قام بها بعض الناس بعد وفاة رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واقتحامهم بيت السيد فاطمة الزهراء (عليها السلام)
لإخراج الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليبايع خليفتهم ، ودفاع
السيدة فاطمة عن زوجها ، وعدم سماح لهم باقتحام دارها ، وماجرى عليها من الضرب
والركل والضغط ، فكانت النتيجة سقوط جنينها الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) ـ في حياته ـ محسناً ، وهو ـ يومذاك ـ جنين في بطن أمه ! !
وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بتلك المأساة في كتابنا : (فاطمة الزهراء من المهد إلى
اللحد)،
الصفحة34
الصفحة35
ولادة السيدة زينب
(عليها السلام)
ولما ولدت السيدة زينب (عليها السلام) أخبر النبي الكريم بذلك ، فأتى منزل إبنته
فاطمة ، وقال : يا بنية إيتيني ببنتك المولودة،
فلما أحضرتها أخذها النبي وضمها إلى صدره الشريف ، ووضع خده على خدها فبكى بكاءً
شديداً عالياً ، وسالت دموعه على خديه،
فقالت فاطمة : مم بكاؤك ، لا أبكى الله عينك يا أبتاه ؟
فقال :يا بنتاه يا فاطمة ، إن هذه البنت ستبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى ،
ورزايا أدهى،
يا بضعتي وقرة عيني ، إن من بكى عليها ، وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على
أخويها،
الصفحة36
ثم سماها زينب (1) ،
ــــــــــــــــــــ
(1) ناسخ التواريخ ، المجلد الخاص بحياة السيدة زينب ، المسمى بـ (الطراز المذهب في
أحوال سيدتنا زينب)،
وجاء في هذا المصدر ـ أيضاً ـ : لما ولدت السيدة زينب ، مضى عليها عدة أيام ولم
يعين لها إسم،
فسالت السيدة فاطشمة من الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام) عن سبب التأخير في
التسمية ؟
فأجاب الإمام : أنه ينتظر أن يختار النبي الكريم لها إسماً،
فاقبلت السيدة فاطمة ببنتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبرته بذلك،
فهبط الامين جبرئيل وقال : يا رسول الله إن ربك يقرئك السلام ويقول : يا حبيبي إجعل
اسمها زينب،
ثم بكى جبرئيل ، فسأله النبي عن سبب بكائه ؟
فقال : إن حياة هذه البنت سوف تكون مقرونة بالمصائب والمتاعب ، من بداية عمرها إلى
وفاتها،
الصفحة37
إسمها وكنيتها
(عليها السلام)
إسمها : زينب
إن الأسماء مشتقة من المصادر ، والمصادر ـ طبعاً ـ لها معنىً ومفهوم ، فما هو معنى
كلمة )زينب) ؟
الجواب : هناك قولان في هذا المجال :
الأول : إن (زينب) كلمة مركبة من : (زين) و(أب) (1)،
الثاني : إن (زينب) كلمة بسيطـة وليست مركبة ، وهي إسم لشجرة أو وردة
(2) ،
ــــــــــــــــــــ
(1) كما احتمل ذلك الفيروز آبادي في كتابه (القاموس المحيط)،
(2) جاء في كتاب (لسان العرب) : (الزينب شجر حسن المنظر ، طيب الرائحة ، وبه سميت
المرأة)،وفي كتاب (لاروس) : (الزينب : نبات عشبي بصلي معمر ، من فصيلة النرجسيات ،
ازهاره جميلة بيضاء اللون فواحة العرف)،
الصفحة38
وعلى كل حال،، فلا خلاف في أن هذا الإسم جميل وحسن المعنى،، على كل
تقدير،
كنيتها : (أم كلثوم) و(أم الحسن) (1)،
يوجد ـ في كتب التراجم ـ اضطراب شديد حول هذا الإسم وهذه الكنية ، فالمشهور أن
السيدتين : زينب وأم كلثوم بنتان للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من السيدة
فاطمة الزهراء (عليهما السلام) (2)،
وفي كتاب (القاموس) : (، ،، أو من الزينب [إسم] لشجر حسن المنظر طيب الرائحة ،
واحدته : زينبة ، قاله ابن الاعرابي،أو أصلها زين أب ، حذفت الالف لكثرة الاستعمال،
المحقق
ــــــــــــــــــــ
(1) كتاب (تحفة العالم في شرح خطبته المعالم) للسيد جعفر بحر العلوم ، المتوفى سنة
1377 هـ،
(2) لقد جاء التعبير عن السيدة الزينب الكبرى ـ في بعض كتب الحديث والتاريخ ـ بكلمة
(أم كلثوم) ، وهنا عدة إحتمالات :
الإحتمال الأول : أن هذا التعبير هو كنية لها،
الإحتمال الثاني : أنه اسم ثان لها،
الإحتمال الثالث : أنه إشتباه وخطأ من بعض المؤرخين ، حيث أنهم عبروا عنها باسم
أختها ، أو بكنية أختها،
الإحتمال الرابع : وجود سبب آخر خفي علينا ، بسبب ظلم التاريخ لترجمة حياة أهل
البيت،، رجالاً ونساءً،
الصفحة39
وقد جاء التعبير عن السيدة زينب الكبرى ـ في بعض الأقوال التاريخية وعلى لسان بعض
الخطباء والمؤلفين ب(العقيلة) ، وهذا وصـف للسيـدة زينب وليس إسٍماً
(1) ، ونحن نجد
في كتب
ولكل واحدة من هذه الإحتمالات الأربعة قرائن وشواهد تاريخية ، يطول الكلام بذكرها ،
وهو خارج عن نطاق وإطار التعليق العامشي ، لكن الذي يتبادر إلى الذهن بعد الدراسة
الموضوعية ـ والله العالم ـ هو أن أقوى الإحتمالات : هو الإحتمال الأول ، خاصة وأن
شخصية البنت الثانية للإمام أمير المؤمنين أحيطت بسحاب كثيف من الغموض والإبهام
والتشويش ، إلى درجة أن بعض المعاصرين أعطى لنفسه الجرأة في أن ينكر وجود بنت ثانية
للإمام من زوجته السيدة فاطمة الزهراء،، يكون اسمها أم كلثوم !
وعلى كل حال،، فقد كان السيد المؤلف يطمئن،، بل ويقطع بأن المقصود من (أم
كلثوم) ـ في كثير من كتب الحديث والتاريخ ـ هي السيدة زينب الكبرى ، وهذا ما نلاحظه
حين الإستماع إلى مجالسه ومحاضراته ، المسجلة على اشرطة الكاسيت ، ونلاحظه ـ أيضاً
ـ حين التدقيق في فصل (حياة السيدة زينب في عهد والدها الإمام أمير المؤمنين عليهما
السلام) ففي كثير من الفقرات التاريخية المرتبظة بفاجعة مقتل الإمام علي أمير
المؤمنين يوجد التعبير بجملة (تقول أم كلثوم) ، وقد فهم المؤلف أن المقصود ـ في
أكثر تلك المقطوعات ـ هي السيدة زينب الكبرى فذكر الكلام ونسبه إلى السيدة زينب
سلام الله عليها،ولعل التتبع في كتب الحديث والتاريخ يوصل الإنسان إلى نتائج دقيقة
تزيح كثيراً من ستائر الإبهام والغموض حول هذا الإسم وهذه الكنية،
المحقق
ــــــــــــــــــــ
(1) ذكر أبو الفرج الإصفهاني ـ المتوفى سنة 356 هـ في كتابه (مقاتل الطابيين) صفحة
60 طبع النجف الأشرف ، عام 1385 هـ ـ في ترجمة عون بن عبد الله بن جعفر ـ ما يلي :
(أمه : زينب العقيلة ، والعقيلة: هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في (فدك)
فقال : حدثتنا عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام،
الصفحة40
اللغة معاني عديدة لكلمة (العقيلة) ، فمنها : المرأة الكريمة ، النفيسة ، المخدرة
(1)،
ومعنى الكريمة : المحترمة ،
ــــــــــــــــــــ
(1) كما في كتاب (لسان العرب) لابن منظور،
وقال ابن منظور ـ أيضاً ـ : (عقيلة القوم : سيدهم ، وعقيلة كل شيء : أكرمه)،
وقال ابن دريد في (جمهرة اللغة) : فلانة عقيلة قومها : أي : كريمتهم،
وقال ابن زكريا في (مجمل اللغة) والجوهري في (صحاح اللغة) : العقيلة : كريمة الحي
من النساء)،
وجاء في (المعجم الوسيط) : (العقيلة : السيدة المخدرة)،
وجاء في (الموسوعة العربية في الألفاظ الضدية) للسماوي اليماني ما معناه : العقيلة
ـ من النساء ـ سيدتهم ، يقال: عقيلة قومها،
وقال الخليل بن أحمد في كتابه (العين) : (العقيلة : المرأة المخدرة ، وجمعها :
عقائل)،
اقول : هذا ما ذكره علماء اللغة ، وقد يتبادر إلى الذهن أن (العقيلة) صيغة مبالغة ،
مشتقة من العقل ، بمعنى كثرة العقل والنضج ، وقد ظهر للعالم ـ بكل وضوح ـ أن السيدة
زينب الكبرى (عليها السلام) كانت في درجة عالية جداً وجداً من العقل الوافر والحكمة
والحنكة ، فبعقلها استطاعت ان تدير (قافلة آل الرسول) من كربلاء إلى الكوفة ، ومن
الكوفة إلى الشام ، واخيراً من الشام الى المدينة المنورة،وفي المدينة ـ أيضاً ـ
قامت بدور كبير بالتنسيق مع الإمام زين العابدين (عليه السلام) في إدارة المجالس
العزائية ، والحفاظ على حرارة مقتل سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، وكشف
الغطاء عن الملف الأسود ل (يزيد) الحاقد ، وبني أمية ومن يدور في فلكهم،
المحقق
الصفحة41
الفصل الثاني
السيدة زينب في عهد جدها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
السيدة زينب في عهد أمها البتول
(عليها السلام)
السيد زينب في عهد والدها أمير المؤمنين
(عليه السلام)
السيدة زينب تعلم تفسير القرآن لنساء الكوفة
السيدة زينب مع أخيها الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
العلاقات الودية بين السيدة زينب وأخيها الإمام الحسين (عليه السلام)
الصفحة42
الصفحة43
السيدة زينب في عهد جدّها الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم)
إن الذكاء المفرط ، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات ـ إذا
استغلت مواهبه ـ وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة ، وبكل ما يساعد
على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل،
بعد ثبوت هذه المقدمة نقول :
ما تقول في طفلة : روحها أطهر من ماء السماء، وقلبها أصفى من المرآة، وتمتاز
بنصيب وافر من الوعي والإدراك، تفتح عينها في وجوه أسرتها الذين هم أشرف خلق الله، وأطهر الكائنات، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية والد لا يشبه آباء العالم، وفي
حجر والدة فاقت بنات حواء شرفاً وفضلاً وعظمة؟ !!
وإذا تحدثنا عن حياتها على ضوء علم التربية ، فهناك يجف القلم ، ويتوقف عن الكتابة
، لأن البحث عن حياتها التربوية يعتبر
الصفحة44
بحثاً عن الكنز الدفين الذي لا يعرف له كم ولا كيف،
ولكن الثابت القطعي أنها تربية نموذجية، وحيدة وفريدة،
وهل يستطيع الباحث أو الكاتب أو المتكلم أن يدرك الجو العائلي المستور في بيت
الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام ؟
لقد روي أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قرأ قوله تعالى: (فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ
فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ)(1) فقام
إليه رجل فقال : يا رسول الله أي بيوت هذه ؟
فقال : بيوت الأنبياء،
فقام إليه أبوبكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة،
فقال النبي : (نعم ، من أفضله) (2)،
ويجب أن لا ننسى أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ الذي
أعطى المناهج التربوية للأجيال ، وأضاء طرق التربية الصحيحة للقرون ـ لابد وأنه
يبذل إهتماماً بالغاً
ــــــــــــــــــــ
(1) سورة النور ، الآية 36.
(2) البرهان في تفسير القرآن ، للسيد هاشم البحراني ، عند تفسير الآية الكريمة.
الصفحة45
وعنايةً تامةً في تربية عائلته ، ويمهد لهم السبيل حتى ينالوا قمة الأخلاق
والفضائل،
وخاصةً حينما يجد فيهم المؤهلات والإستعداد لتقبل تلك التعاليم التربوية،
ومن الواضح أن السيدة زينب ـ بمواهبها واستعدادها النفسي ـ كانت تتقبل تلك الأصول
التربوية ، وتتبلور بها ، وتندمج معها (1)،
ــــــــــــــــــــ
(1) ومن ذكريات الطفولة في حياة السيدة زينب (عليها السلام) نقرأ في كتب التاريخ :
أنها سألت أباها ذات يوم فقالت : أتحبنا يا أبتاه ؟ !
فقال الإمام : وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي !
فقالت : يا أبتاه إن الحب لله تعالى ، والشفقة لنا،
المصدر : كتاب (زينب الكبرى) للنقدي ، وهو يحكي ذلك عن كتاب (مصابيح القلوب) للشيخ
حسن السبزواري ، المعاصر للشهيد الأول ، رضوان الله عليهم،
إن هذا الحوار الجميل يدل على أكثر من معنى ، فمن ذلك :
1 ـ جو الود والصفاء الذي كان يخيم على دار الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
والعلاقات الطيبة بين الوالد الرؤف وبين طفلته الذكية !
2 ـ إن الحب ينقسم إلى أكثر من قسم ، باعتبار نوعه ومنشئه
الصفحة46
وأكثر إنطباعات الإنسان النفسية يكون من أثر التربية ، كما
ــــــــــــــــــــ
ومنطلقه ، وكل قسم منه له إسم خاص به ، لكن يطلق على الجميع كلمة (الحب)،
فهناك حب الإنسان لله تعالى الذي خلق البشر وأنعم عليهم بأنواع النعم،وهناك حب
الوالد لأطفاله، الذي ينبعث من العاطفة والحنان ، وقد عبرت السيدة زينب عن هذا
النوع بـ (الشفقة)،
ونقرأ في كتب اللغة أن الشفقة : هي العطف والحنان والرأفة والحنو،فهي ـ إذن ـ :
فصيلة خاصة من الحب ،،ينبعث من قلب الوالدين لأطفالهما،
3 ـ المستوى الرفيع لتفكير السيدة زينب ،،رغم كونها في السنوات الأولى من مرحلة
الطفولة،
أجل ، إنها سيدة،، حتى يوم كانت طفلة !
* * *
ونقرأ ـ أيضاً ـ عن الذكاء المبكر للسيدة زينب : أن والدها أجلسها في حجره ـ يوم
كانت طفلة ـ وبدأ يلاطفها ، وقال لها : بنية قولي واحد،
فقالت: واحد،
قال: قولي إثنين،
فسكتت! فقال لها : تكلمي يا قرة عيني،
|