fehrest page next page

الخرائج ‏والجرائح / الجزء الأول

للشيخ قطب الدين الراوندي

[17]

الجزء الأول

في معجزات النبي و الأئمة (عليهم السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد حمد الله الذي هدانا إلى منهاج الدليل و الصلاة على محمد و آله الذين سلكوا بنا سواء السبيل .

فإن قوما من الذين أقروا بظاهرهم بالنبوات جحدوا في الإمامة كون المعجزات فضاهوا الفلاسفة و البراهمة الجاحدين في النبوة الأعلام الباهرات فدعاواهم جميعا باطلة فاضحة إذ الأدلة على صحة جميع ذلك واضحة .

و قد أخبرنا جماعة ثقات منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي عن الشيخ أبي جعفر الطوسي عن أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير القرشي عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأزدي عن الحسن بن محبوب عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال : أعظم الناس ذنبا و أكثرهم إثما على لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الطاعن على عالم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و المكذب ناطقهم و الجاحد معجزاتهم

[18]

على أن من أنكر المعجزات لعلي (عليه السلام) و أولاده الأحد عشر مع إثباته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه جاهل بالقرآن .

و قد أخبرنا الله سبحانه عن آصف بن برخيا وصي سليمان (عليه السلام) و عن ما أتى به من المعجز من عرش ملكة اليمن و كان سليمان (عليه السلام) يومئذ ببيت المقدس فقال وصيه أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ و ارتداد الطرف ما لا يتوهم فيه ذهاب زمان و لا قطع مسافة و كان بين بيت المقدس و الموضع الذي فيه عرشها باليمن مسيرة خمسمائة فرسخ ذاهبا و خمسمائة راجعا فأتاه به وصيه من هذه المسافة قبل ارتداد الطرف فلو فعله سليمان لكان معجزا له .

فلما أراد أن يدل أهل زمانه على وصيه و من يقوم مقامه بعده قام به وصيه بإذن الله و هذا أقوى من النص .

و هذا كما ذكر الله في معجزات الأنبياء من طوفان نوح و سفينته و ناقة صالح و فصيلها و شربهم و شربها و نار إبراهيم و أضيافه و إحياء الله تعالى الطيور الأربعة التي ذبحها و فرقها على الجبال ثم كانت تأتيه سعيا و تسخير الله الريح لسليمان و إلانة الحديد لأبيه و تعليمه منطق الطير و النمل و عصا موسى و انقلابها حية و اليد البيضاء من غير سوء و آياته المذكورة في القرآن من الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الرجز و نتوق الجبل فوقهم و انفلاق البحر لقومه و المن و السلوى و التيه و العيون الجارية من الحجر و الغمام المظل و نحو ذلك .

[19]

و ما أخبر الله به عن عيسى من كلامه في المهد و إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص و جعل الله الطين طيرا و ما شاكل ذلك .

و كذلك ما أخبر الله تعالى به عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من شق القمر و الإسراء إلى بيت المقدس و المعراج و ما نقله عنه المسلمون من الآيات و الدلائل و المعجزات كل ذلك قد شوهد و عليه الإجماع .

و كذلك ما رواه الشيعة الإمامية خاصة في معجزات أئمتهم المعصومين (عليهم السلام) صحيح لإجماعهم عليه و إجماعهم حجة لأن فيهم حجة .

و قد جمعت بعون الله سبحانه من ذلك جملة لا تكاد توجد مجموعة في كتاب واحد ليستأنس بها الناظرون و ينتفع بها المؤمنون و سميته بكتاب الخرائج و الجرائح لأن معجزاتهم التي خرجت على أيديهم مصححة لدعاويهم لأنها تكسب المدعي و من ظهرت على يده صدق قوله .

و المعجز في العرف ما له حظ في الدلالة على صدق من ظهر على يده .

و جعلته على عشرين بابا منها ثلاثة عشر بابا في معجزات النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و الاثني عشر إماما الباب الأول في معجزات رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) .

الباب الثالث في معجزات الحسن بن علي (عليه السلام) .

الباب الرابع في معجزات الحسين بن علي (عليه السلام) .

الباب الخامس في معجزات الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).

الباب السادس في معجزات الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) .

[20]

الباب السابع في معجزات الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) .

الباب الثامن في معجزات الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) .

الباب التاسع في معجزات الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) .

الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) .

الباب الحادي عشر في معجزات الإمام علي بن محمد النقي (عليه السلام) .

الباب الثاني عشر في معجزات الإمام الحسن بن علي الزكي العسكري (عليه السلام) .

الباب الثالث عشر في معجزات صاحب الزمان مهدي آل محمد (عليه السلام) .

و السبعة الأخرى :

الباب الرابع عشر في أعلام النبي و الأئمة (عليهم السلام) و يشتمل على أربعة عشر فصلا لكل واحد منها فصلا .

الباب الخامس عشر في الدلائل على إمامة الاثني عشر من الآيات الباهرات لهم .

الباب السادس عشر في نوادر المعجزات لهم .

الباب السابع عشر في موازاة معجزات نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) و أوصيائه (عليهم السلام) معجزات الأنبياء المتقدمين (عليهم السلام) .

الباب الثامن عشر في أم المعجزات و هي المعجز الباقي الذي هو القرآن المجيد .

الباب التاسع عشر في الفرق بين الحيل و بين المعجزات و الفصل بين المكر و الإعجاز .

الباب العشرون في العلامات و المراتب الخارقة للعادات لهم .

[21]

الباب الأول

في معجزات نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : لما ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عظمت قريش في العرب و سموا أهل الله و كان إبليس يخرق السماوات السبع فلما ولد عيسى (عليه السلام) حجب عن ثلاث سماوات و كان يخرق أربع سماوات فلما ولد رسول الله في عام الفيل في شهر ربيع الأول حين طلع الفجر حجب عن السبع كلها و رميت الشياطين بالنجوم المرجوم ثم توفي أبوه بالمدينة عند أخواله و هو ابن شهرين و دفعه عبد المطلب إلى الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي و هو زوج حليمة التي أرضعته و هي بنت أبي ذؤيب الشاعر و ماتت أمه و هو ابن أربع سنين و مات عبد المطلب و له نحو من ثمان سنين و كفله أبو طالب عمه

[22]

فصل :

اعلم أن معجزاته عليه و آله السلام على أقسام منها ما انتشر نقله و ثبت وجوده عاما في كل زمان و مكان حين ظهوره كالقرآن الذي بين أيدينا نتلوه و نسمعه و نكتبه و نحفظه لا يمكن لأحد جحده أنه هو الذي أتى به نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و إنما دخلت الشبهة على قوم لم ينكشف لهم وجه إعجاز و قد كشفنا ذلك ببيان قريب في كتاب مفرد .

و القسم الثاني على أقسام منها ما رواه المسلمون و أجمعوا على نقله و كان اختصاصهم بنقله لأنهم كانوا هم المشاهدين لذلك و ظهرت بين أيديهم في سفر كانوا هم المصاحبين له أو في حضر لم يحضره غيرهم فلذلك انفردوا بنقلها و هم الجماعة الكثيرة التي لا يجوز على مثلها نقل الكذب بما لا أصل له .

و الثاني من هذه الأقسام ما شاهده بعض المسلمين فنقلوه إلى حضرة جماعتهم و كان المعصوم وراءه فلم يوجد منهم إنكار لذلك فاستدل بتركهم النكير عليهم على صدقهم لأنهم على كثرتهم لا يجوز عليهم السكوت على باطل و منكر يسمعونه فلا ينكرونه و لا منع كما لا يجوز أن ينقلوا كذبا و لا رغبة و لا رهبة هناك تحملهم على النقل و التصديق .

و منها : ما ظهر في وقته (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مبعثه تأسيسا لأمره .

و منها : ما ظهر على أيدي سراياه في البلدان البعيدة إبانة لصدقهم في ادعائهم بنبوته لأنهم ممن لا تظهر منهم المعجزات إذ لم يكونوا من أوصيائه فيعلم بذلك تصديقه في دعواهم له .

و منها : ما وجدت في كتب الأنبياء قبله من تصديقه و وصفه بصفاته و إظهار علاماته

[23]

و الدلالة على وقته و مكانه و ولادته و أحوال آبائه و أمهاته .

و من معجزاته أيضا أخلاقه و معاملاته و سيرته و أحواله الخارقة للعادة .

و من معجزاته أيضا شرائعه التي لا تزداد على طول البحث عنها و النطق فيها إلا حسنا و ترتيبا و إتقانا و صحة و اتساقا و لطفا .

و نذكر أولا معجزاته الموجزة التي ظهرت عليه في حياته و تلك على أنحاء و مراتب فمنها ما ظهرت عليه قبل مبعثه للتأنيس و التمهيد و التأسيس .

و منها : ما ظهرت عليه بعد مبعثه لإقامة الحجة بها على الخلق .

و منها : ما ظهر من دعواته المستجابة .

و منها : ما ظهر من إخباره عن الغائبات فوجد كلها صدقا .

و منها : ما أخبر به ثم ظهر بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)

فصل :

من روايات العامة :

فمن معجزاته خبر منتشر في مؤمن العرب و كافرها يتقاولون فيه الأشعار و يتفاوضونه في الديار أمر سراقة بن مالك بن جعشم قد تبعه متوجها إلى المدينة ملتمسا غرته ليحظى به عند قريش فأمهله الله حتى أيقن أنه قد ظفر ببغيته لا يمترى لقوته خسف الله به الأرض فساخت قوائم فرسه و هو بموضع صلب كأنه ظهر صفوان فعلم أن الذي أصابه أمر سماوي فناداه يا محمد فأجابه آخذا بالفضل عليه و رحمة لعباد الله و قد قال له ادع ربك يطلق فرسي و ذمة الله علي أن لا أدل عليك بل أدفع عنك .

فدعا له فوثب جواده كأنه أفلت من أنشوطة و كان رجلا داهية و علم بما رأى أن سيكون له نبأ فقال له اكتب لي أمانا و لو عقل لتنبه فأسلم .

[24]

و منها : ما انتشر خبره أن أبا جهل اشترى من رجل طارئ من العرب على مكة إبلا فبخسه حقه و ثمنه فأتى نادي قريش فذكرهم حرمة البيت فأحالوه على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) استهزاء به لقلة منعته عندهم فأتى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فمضى معه و دق على أبي جهل الباب فخرج متخوف القلب و قال أهلا يا أبا القاسم قول الذليل فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أعط هذا الرجل حقه فأعطاه في الحال فعيره قومه فقال رأيت ما لم تروا رأيت فالجا لو أبيت لابتلعني فعلموا أنه صدق بما أخبرهم لبغضه له .

و منها : أن أبا جهل طلب غرته فلما رآه ساجدا أخذ صخرة ليطرحها عليه فألصقها الله بكفه فلما عرف أن لا نجاة إلا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سأله أن يدعو ربه فدعا الله فأطلق يده و طرح صخرته .

و منها : أنه بهرت عقولهم لما أخبرهم من إسراء الله به من مكة إلى المسجد الأقصى بالشام فبات معهم أول الليل ثم اخترق الشام فبلغ من بيت المقدس سدرة المنتهى و رجع من ليلته .

و أنكره المشركون فامتحنوه بوسع طاقتهم فخبرهم عنه عيانا بمجي‏ء عيرهم و بالبعير الذي يتقدم عليه غرارتان .

و أمر البعير أعجب العلامات لأنه أخبرهم قبل مجيئهم و لو كان يخبرهم عن

[25]

غير الله لم يدر لعله أن يتقدم بعير آخر فيجي‏ء الأمر بخلاف ما أخبر و منها ما هو مشهور أنه خرج في متوجهه إلى المدينة فآوى إلى غار بقرب مكة يعتوره و يأوي إليه الرعاء قل ما يخلو من جماعة نازلين يستريحون فيه فأقام به (عليه السلام) ثلاثا لا يطوره بشر و خرج القوم في أثره فصدهم الله عنه بأن بعث عنكبوتا فنسجت عليه فآيسهم من الطلب فيه فانصرفوا و هو نصب أعينهم .

و منها : أنه مر بامرأة يقال لها أم معبد لها شرف في قومها نزل بها فاعتذرت بأنه ما عندها إلا عنز لم تر لها قطرة لبن منذ سنة للجدب فمسح ضرعها و رواهم من لبنها و أبقى لهم لبنها و خيرا كثيرا ثم أسلم أهلها لذلك .

و منها : أنه أتى امرأة من العرب يقال لها أم شريك فاجتهدت في قرائه و إكرامه فأخرجت عكة لها فيها بقايا سمن فالتمست فيها فلم تجد شيئا .

فأخذها و حركها بيده فامتلأت سمنا عذبا و هي تعالجها قبل ذلك لا يخرج منها شي‏ء فأروت القوم منها و أبقت فضلا عندها كافيا و بقي لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شرفا يتوارثه الأعقاب و أمر أن لا يسد رأس العكة .

و منها : أنه مر بشجرة غليظة الشوك متقنة الفروع ثابتة الأصل فدعاها فأقبلت تخد الأرض إليه طوعا ثم أذن لها فرجعت إلى مكانها .

فأي آية أبين و أوضح من موات يقبل مطيعا لأمره مقبلا و مدبرا .

[26]

و منها : أنه في غزوة الطائف مر في كثير طلح فمشى و هو وسن من النوم فاعترضته سدرة فانفرجت السدرة نصفين فمر بين نصفيها و بقيت السدرة منفردة على ساقين إلى زماننا هذا و هي معروفة بذلك البلد مشهورة يعظمها أهله و غيرهم ممن عرف شأنها لأجله و تسمى سدرة النبي .

و إذا انتجع الأعراب الغيث عضدوا منه ما أمكنهم و علقوه على إبلهم و أغنامهم و يقلعون شجر هذا الوادي و لا ينالون هذه السدرة بقطع و لا شي‏ء من المكروه معرفة بشأنها و تعظيما لحالها فصارت له آية بينة و حجة باقية هناك .

و منها : أنه كان في مسجده جذع كان إذا خطب فتعب أسند إليه ظهره فلما اتخذ له منبر حن الجذع فدعاه فأقبل يخد الأرض و الناس حوله ينظرون إليه فالتزمه و كلمه فسكن ثم قال له عد إلى مكانك و هم يسمعون فمر حتى صار في مكانه فازداد المؤمنون يقينا و في دينهم بصيرة و كان هنالك المنافقون و قد نقلوه و لكن الهوى يميت القلوب .

و منها : أنه انتهى إلى نخلتين و بينهما فجوة من الأرض فقال لهما انضما

[27]

و أصحابه حضور فأقبلتا تخدان الأرض حتى انضمتا فأي حجة أوضح و أي عبرة أبين من هذه فأي شبهة تدخل هاهنا .

و منها : أن رجلا كان في غنمه يرعاها فأغفلها سويعة من نهاره فأخذ الذئب منها شاة فجعل يتلهف و يتعجب فطرح الذئب الشاة و كلمه بكلام فصيح أنتم أعجب هذا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو إلى الحق ببطن مكة و أنتم عنه لاهون فأبصر الرجل رشده و أقبل حتى أسلم و حدث القوم بقصته و كان أولاده يفتخرون على العرب بذلك فيقول أحدهم أنا ابن مكلم الذئب .

و منها : أنه أتي بشاة مسمومة أهدتها له امرأة يهودية و معه أصحابه فوضع يده ثم قال ارفعوا أيديكم فإنها تخبرني أنها مسمومة و لو كان ذلك لعلة الارتياب باليهودية ما قبلها بدءا و لا جمع لها أصحابه و لا استجاز تركهم أكلها .

و منها : أن أصحابه يوم الأحزاب صاروا بمعرض العطب لفناء الأزواد فهيأ رجل قوت رجل أو رجلين لا أكثر من ذلك و دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فانقلب القوم و هم ألوف معه فدخل فقال غطوا إناءكم فغطوه ثم دعا و برك عليه فأكلوا جميعا و شبعوا و الطعام بهيئته .

[28]

و منها : أنهم شكوا إليه في غزوة تبوك نفاد أزوادهم فدعا بزاد لهم فلم يوجد إلا بضع عشرة تمرة فطرحت بين يديه فمسها بيده و دعا ربه ثم صاح بالناس فانحفلوا و قال كلوا بسم الله فأكل القوم فصاروا كأشبع ما كانوا و ملئوا مزاودهم و أوعيتهم و التمرات بحالها كهيئتها يرونها عيانا لا شبهة فيه .

و منها : أنه ورد في غزاته هذه على ماء قليل لا يبل حلق واحد من القوم و هم عطاش فشكوا ذلك إليه فأخذ سهما من كنانته فأمر بغرزه في أسفل الركي فإذا غرزوا ففار الماء إلى أعلى الركي فارتووا للمقام و استقوا للظعن و هم ثلاثون ألفا و رجال من المنافقين حضور متحيرين .

و منها : أنهم كانوا معه في سفر فشكوا إليه أن لا ماء معهم و أنهم بسبيل هلاك فقال كلا إن معي ربي عليه توكلي و إليه مفزعي ثم دعا بركوة فيها ماء فطلب فلم يوجد إلا فضلة في الركوة و ما كانت تروي رجلا فوضع كفه فيه فنبع الماء من بين أصابعه يجري و صيح في الناس فسقوا و أسقوا فشربوا حتى نهلوا و علوا و هم ألوف و هو يقول اشهدوا أني رسول الله حقا .

و منها : أن قوما شكوا إليه ملوحة مائهم فأشرف على بئرهم و تفل فيها و كانت مع ملوحتها غائرة فانفجرت بالماء العذب فها هي يتوارثها أهلها يعدونها

[29]

أعظم مكارمهم و كان مما أكد الله صدقه أن قوم مسيلمة لما بلغهم ذلك سألوه مثلها فأتى بئرا فتفل فيها فعاد ماؤها ملحا أجاجا كبول الحمار فهي بحالها إلى اليوم معروفة الأهل و المكان .

و منها : أن امرأة أتته بصبي لها ترجو بركته بأن يمسه و يدعو له و كان برأسه عاهة فرحمها و الرحمة صفته (صلى الله عليه وآله وسلم) فمسح يده على رأسه فاستوى شعره و برئ داؤه فبلغ ذلك أهل اليمامة فأتوا مسيلمة بصبي لامرأة فمسح رأسه فصلع و بقي نسله إلى يومنا هذا صلعا .

و منها : أن قوما من عبد القيس أتوه بغنم لهم فسألوه أن يجعل لهم علامة يعرفونها بها فغمز بيده في أصول آذانها فابيضت فهي إلى اليوم معروفة النسل .

و منها : أن أهل المدينة مطروا مطرا عظيما فخافوا الغرق فشكوا إليه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم حوالينا و لا علينا فانجابت السحاب عن المدينة على هيئة الإكليل لا تمطر في المدينة و تمطر حواليها فعاين مؤمنهم و كافرهم أمرا لم يعاينوا مثله .

[30]

و منها : أن قوما من العرب اجتمعوا عند صنم لهم ففاجأهم صوت من جوفه و يناديهم بكلام فصيح أتاكم محمد يدعوكم إلى الحق فانجفلوا مسرعين و ذلك حين بعث (عليه السلام) فأسلم أكثر من حضر .

و منها : أنه لاقى أعداءه يوم بدر و هم ألف و هو في عصابة كثلث أعدائه فلما التحمت الحرب أخذ قبضة من تراب و القوم متفرقون في نواحي عسكره فرمى به وجوههم فلم يبق منهم رجل إلا امتلأت منه عيناه و إن كانت الريح العاصف يومها إلى الليل لتقصف بأعاصير التراب لا يصيب أحدا مثله و قد نطق به القرآن و صدق به المؤمنون و شاهد الكفار ما نالهم منه و حدثوا به و ليس في قوى أحد من العالمين أن يرمي قوما بينه و بينهم مائتا ذراع و أكثر و هم كثير متفرقون طرفاهم متباعدان و التراب مل‏ء كفه فعلم أن فاعل ذلك هو الله تعالى .

و منها : أنه كان في سفرين من أسفاره قبل البعثة معروفين مذكورين عند عشيرته و غيرهم لا يدفعون حديثهما و لا ينكرون ذكرهما فكانت سحابة أظلت عليه حين يمشي تدور معه حيثما دار و تزول حيث زال يراها رفقاؤه و معاشروه .

و منها : أن ناقته افتقدت فأرجف المنافقون فقالوا يخبرنا بأسرار السماء و لا يدري أين ناقته فسمع (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فقال إني و إن أخبركم بلطائف السماء لكني لا أعلم من ذلك إلا ما علمني الله فلما وسوس إليهم الشيطان بذلك دلهم على حالها و وصف لهم الشجرة التي هي متعلقة بها فأتوها فوجدوها على ما وصف قد تعلق خطامها بشجرة أشار إليها .

[31]

و منها : أن القمر قد انشق و هو بمكة أول مبعثه يراه أهل الأرض طرا فتلا به عليهم قرآنا فما أنكروا عليه ذلك و كان ما أخبرهم به من الأمر الذي لا يخفى أثره و لا يندرس ذكره و قول بعض الناس لم يروه و لم يره إلا واحد خطأ بل شهرته أغنت عن نقله على أنه لم يره إلا واحد كان أعجب و روى ذلك خمسة نفر ابن مسعود و ابن عباس و ابن جبير و ابن مطعم عن أبيه و حذيفة و غيرهم .

و منها : أن من كان بحضرته من المنافقين كانوا لا يكونون في شي‏ء من ذكره إلا أطلعه الله عليه و بينه فيخبرهم به حتى كان بعضهم يقول لصاحبه اسكت و كف فو الله لو لم يكن عندنا إلا الحجارة لأخبرته حجارة البطحاء و لم يكن ذلك منه و لا منهم مرة بل يكثر ذلك من أن يحصى عدده حتى يظن ظان أن ذلك كان بالظن و بالتخمين كيف و هو يخبرهم بما قالوا على ما لفظوا و يخبرهم عما في ضمائرهم فكلما ضوعفت عليهم الآيات ازدادوا عمى لعنادهم .

و منها : أن سلمان أتاه فأخبره أنه قد كاتب مواليه على كذا و كذا ودية و هي صغار النخل كلها تعلق و كان العلوق أمرا غير مضمون عند العاملين على ما جرت به عادتهم لو لا ما علم من تأييد الله لنبيه فأمر سلمان بضمان ذلك لهم فجمعها لهم

[32]

ثم قام (عليه السلام) فغرسها بيده فما سقطت منها واحدة و بقيت علما معجزا يستشفى بثمرتها و ترجى بركاتها و أعطاه تبرة من ذهب كبيضة الديك فقال اذهب بها و أوف بها أصحابك الديون فقال متعجبا مستقلا لها أين تقع هذه مما علي فأدارها على لسانه ثم أعطاها إياه إنما هي قد كانت في هيئتها الأولى و وزنها لا تفي بربع حقهم فذهب بها و أوفى القوم منها حقوقهم .

و منها : أن الأخبار تواترت و اعترف بها الكافر و المؤمن بخاتم النبوة الذي بين كتفيه عليه شعرات متراكمة تقدمت بها الأنبياء قبل مولده بالزمن الطويل فوافق ذلك ما أخبروا عنه في صفته .

و منها : أن أحد أصحابه أصيب بإحدى عينيه في إحدى مغازيه فسالت حتى وقعت على خده فأتاه مستغيثا به فأخذها فردها مكانها و كانت أحسن عينيه منظرا و أحدهما بصرا .

[33]

و منها : أنه أتى يهود النضير مع جماعة من أصحابه فاندس له رجل منهم و لم يخبر أحدا و لم يؤامر بشرا إلا ما أضمره عليه و هو يريد أن يطرح عليه صخرة و كان قاعدا في ظل أطم من آطامهم فنذرته (صلى الله عليه وآله وسلم) نذارة الله فقام راجعا إلى المدينة و أنبأ القوم بما أراد صاحبهم فسألوه فصدقهم و صدقوه و بعث الله على الذي أراد كيده أمس الخلق به رحما فقتله فنفله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بماله كله .

و منها : أن ابن ملاعب الأسنة كان ببطنه استسقاء فبعث إليه يستشفيه

[34]

فأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده جثوة من الأرض فتفل عليها ثم أعطاها رسوله فأخذها متعجبا يرى أنه قد هزأ به فأتاه بها و إذا هو بشفا هلاك فشربها فأطلق من مرضه و غسل عنه داؤه .

و منها : أن امرأة من اليهود عملت له سحرا و ظنت أنه ينفذ فيه كيدها و السحر باطل محال إلا أن الله دله عليه فبعث من استخرجه و كان على الصفة التي ذكرها و على عدد العقد التي عقد فيها و وصف ما لو عاينه معاين لغفل عن بعض ذلك .

و منها : أنه كان على جبل حراء فتحرك الجبل فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اسكن فما عليك إلا نبي أو وصي و كان معه علي (عليه السلام) فسكن .

  fehrest page next page