fehrest page next page

الخرائج والجرائح / الجزء الثاني للشيخ قطب الدين الراوندي

الباب الرابع عشر

في أعلام النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام

[490]

فصل في أعلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :

روي عن أبي ذر أنه قال : كنت و عثمان نمشي في المسجد و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متكئ فيه فجلسنا إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال عثمان و جلست فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأي شي‏ء كنت تناجي عثمان قال كنت أقرأ سورة من القرآن قال أما إنه سيبغضك و تبغضه و الظالم منكما في النار قلت إنا لله و إنا إليه راجعون الظالم مني و منه في النار فأينا الظالم يا رسول الله فقال يا أبا ذر قل الحق و إن وجدته مرا تلقني على العهد .

و منها : أن قوما أتوه (صلى الله عليه وآله وسلم) و شكوا بعيرا لهم جن و قد خرب بستانا لهم فمشى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بستانهم فلما فتحوا الباب صدم البعير فلما رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقع في التراب و جعل يصيح بحنين .

[491]

فقال النبي إنه يشكوكم و يقول عملت لكم سنين و أتعبتموني في حوائجكم فلما أن كبرت أردتم أن تنحروني لعرس .

قالوا قد كان كذلك و قد وهبناه لك يا رسول الله قال (صلى الله عليه وآله وسلم) بل تبيعوننيه فابتاعه و أعتقه فكان يطوف في المدينة و يعلفه أهلها و يقولون له عتيق رسول الله .

و منها : أن أعرابيا جاء إليه فشكا نضوب ماء بئرهم فأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) حصاة أو حصاتين و فركها بأنامله ثم أعطاها الأعرابي و قال ارمها بالبئر فلما رماها فيها فار الماء إلى رأسها .

و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يوما جالسا و حوله علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليه السلام) فقال لهم كيف بكم إذا كنتم صرعى و قبوركم شتى فقال الحسن (عليه السلام) أ نموت موتا أو نقتل قتلا فقال يا بني بل تقتل بالسم ظلما و يقتل أخوك ظمأ و يقتل أبوك ظلما و تشرد ذراريكم في الأرض فقال الحسين (عليه السلام) و من يقتلنا قال شرار الناس قال فهل يزورنا أحد قال نعم طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم بري و صلتي فإذا كان يوم القيامة جئتهم و أخلصهم من أهواله .

و منها : أن يهوديا جاء إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقال له سنجت الفارسي فقال أسألك عن ربك يا محمد إن أجبتني اتبعتك و كان رجلا من ملوك فارس و كان ذربا

[492]

فقال أين الله قال هو في كل مكان و ربنا لا يوصف بمكان و لا يزول بل لم يزل بلا مكان و لا يزال فقال يا محمد إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف فكيف لي أن أعلم أنه أرسلك قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر و لا مدر إلا قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و قلت أيضا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله فأسلم سنجت و سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الله فقال يا رسول الله من هذا قال هذا خير أهلي و أقرب الخلق مني و هو الوزير معي في حياتي و الخليفة بعد وفاتي كما كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فاسمع له و أطعه فإنه على الحق .

و منها أن عليا قال : دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجهني إلى اليمن لأصلح بينهم فقلت يا رسول الله إنهم قوم كثير و لهم سن و أنا شاب حدث فقال يا علي إذا صرت بأعلى عقبة فناد بأعلى صوتك يا شجر يا حجر يا مدر يا ثرى محمد رسول الله يقرئكم السلام قال ذهبت فلما صرت بأعلى العقبة أشرفت على أهل اليمن فإذا هم بأسرهم مقبلون

[493]

نحوي شاهرون سلاحهم مشرعون أسنتهم متنكبون قسيهم فناديت بأعلى صوتي يا شجر يا مدر يا ثرى محمد رسول الله يقرئكم السلام قال فلم تبق شجرة و لا مدرة و لا ثرى إلا ارتج بصوت واحد و على محمد رسول الله و عليك السلام فاضطربت قوائم القوم و ارتعدت ركبهم و وقع السلاح من أيديهم و أقبلوا إلي بالصلح مسرعين فأصلحت بينهم و انصرفت

[494]

و منها ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الركن الغربي فجازه قال له الركن يا رسول الله قعيد من قواعد بيت الله فما بالي لا أستلم فدنا منه فقال اسكن عليك السلام غير مهجور .

و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل حائطا فنادته العراجين من كل جانب السلام عليك يا رسول الله و كل واحد منها يقول خذ مني فكل فدنا من العجوة فسجدت فقال اللهم بارك عليها و انفع بها فمن ثم روي أن العجوة من الجنة .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث .

و لم يكن (صلى الله عليه وآله وسلم) يمر في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) سلكه من طيب عرفه و لم يكن يمر بحجر و لا شجر إلا سجد له

[495]

و منها ما روي عن الصادق (عليه السلام) : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يوما قاعدا إذ مر به بعير فبرك بين يديه و رغا فقال عمر يا رسول الله سجد لك هذا الجمل و نحن أحق أن نسجد لك فقال بل اسجدوا لله إن هذا الجمل يشكو أربابه و يزعم أنهم انتجوه صغيرا و اعتملوه فلما صار أعور كبيرا ضعيفا أرادوا نحره و لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها .

[496]

و منها ما قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن ثلاثة من البهائم أنطقها الله على عهد النبي الجمل و كلامه شكوى أربابه و غير ذلك و الذئب فقد جاء إلى النبي فشكا إليه الجوع فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرباب الغنم فقال افرضوا للذئب شيئا فشحوا فذهب ثم عاد إليه الثانية فشكا إليه فدعاهم فشحوا ثم جاء الثالثة فشكا إليه الجوع فشحوا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلس و لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرض للذئب شيئا ما زاد الذئب شيئا حتى تقوم الساعة و أما البقرة فإنها آذنت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و دلت عليه و كانت في نخل لبني سالم من الأنصار و قالت يا ذريح عمل نجيح صائح يصيح بلسان عربي فصيح بأن لا إله إلا الله رب العالمين و محمد رسول الله سيد النبيين و علي وصيه سيد الوصيين .

و منها ما قال الصادق : إن الذئاب جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تطلب أرزاقها فقال لأصحاب الغنم إن شئتم صالحتها على شي‏ء تخرجونه إليها و لا ترزأ من

[497]

أموالكم شيئا و إن شئتم تركتموها تعدوا و عليكم حفظ أموالكم قالوا بل نتركها كما هي تصيب منا ما أصابت و نمنعها ما استطعنا .

و منها ما روي عن سلمان قال : كنت قاعدا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل أعرابي فقال يا محمد أخبرني بما في بطن ناقتي حتى أعلم أن الذي جئت به حق و أؤمن بإلهك و أتبعك فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) فقال حبيبي علي يدلك .

فأخذ (عليه السلام) بخطام الناقة ثم مسح يده على نحرها ثم رفع طرفه إلى السماء و قال اللهم إني أسألك بحق محمد و أهل بيت محمد و بأسمائك الحسنى و بكلماتك التامات لما أنطقت هذه الناقة حتى تخبرنا بما في بطنها .

فإذا الناقة قد التفتت إلى علي (عليه السلام) و هي تقول : يا أمير المؤمنين إنه ركبني يوما و هو يريد زيارة ابن عم له فلما انتهى بي إلى واد يقال له وادي الحسك نزل عني و أبركني في الوادي و واقعني .

[498]

فقال الأعرابي : ويحكم أيكم النبي هذا أو هذا .

قيل هذا النبي و هذا أخوه و وصيه .

فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله و سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسأل الله ليكفيه ما في بطن ناقته فكفاه و أسلم و حسن إسلامه .

و منها ما روي عن أسماء بنت عميس : كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة حنين فبعث عليا في حاجة و قد صلى رسول الله العصر و لم يصلها علي فلما رجع وضع رسول الله رأسه في حجره حتى غربت الشمس فلما رفع النبي رأسه قال علي لم أكن صليت العصر .

فقال النبي اللهم إن عليا حبس بنفسه على نبيك فرد له الشمس فطلعت حتى ارتفعت الشمس على الحيطان و الأرض حتى صلى علي العصر ثم غربت .

قالت أسماء و ذلك بالصهباء في غزوة حنين و أن عليا صلى إيماء ثم قال

[499]

له النبي يا علي أما إنها سترد عليك بعدي حجة على أهل خلافك .

فقال حسان بن ثابت في ذلك :

إن علي بن أبي طالب *** ردت له الشمس من المغرب

‏ردت عليه الشمس في ضوئها *** عصرا كأن الشمس لم تغرب

[503]

و منها : أن أعرابيا قال للنبي بما أعرف أنك رسول الله فقال أ رأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة و أتاني أ تشهد أني رسول الله قال نعم فدعا العذق فنزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقز حتى أتى النبي فقال الأعرابي أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله .

ثم قال النبي للعذق ارجع فرجع إلى مكانه و كان عامريا فخرج إلى قومه و قال يا آل عامر بن صعصعة و الله لا أكذبه بشي‏ء أبدا و منها ما روي عن أبي ذر قال دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فقال ما فعلت غنيماتك قلت إن لها قصة عجيبة بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي فقلت

[504]

في نفسي لا أقطع الصلاة فأخذ حملا فذهب به و أنا أحس به إذ أقبل على الذئب أسد فاستنقذ الحمل منه و رده في القطيع ثم ناداني يا أبا ذر أقبل على صلاتك فإن الله قد وكلني بغنمك فلما فرغت قال لي الأسد امض إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره أن الله أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك و وكل أسدا بغنمه فعجب من كان حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك و منها أن أعرابيا من بني سليم جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد اصطاد ضبا و هو في كمه فقال يا محمد لا أؤمن بك حتى ينطق هذا الضب فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا ضب من أنا فقال أنت محمد بن عبد الله اصطفاك الله حبيبا فأسلم السلمي .

و منها : أن أبا عبد الله (عليه السلام) سئل هل علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حذيفة أسماء المنافقين فقال لا و لكن رسول الله لما كان في غزوة تبوك كان يسير على ناقته و الناس أمامه فلما انتهى إلى العقبة و قد جلس عليها أربعة عشر رجلا ستة من قريش و ثمانية من أفناء الناس أو على عكس ذلك و الشك من الراوي فأتاه جبرئيل فقال إن فلانا و فلانا و فلانا قد قعدوا لك على العقبة لينفروا ناقتك

[505]

فناداهم رسول الله يا فلان و يا فلان بن فلان أنتم القعود لتنفروا ناقتي و كان حذيفة خلفه فلحق فقال يا حذيفة سمعت قال نعم قال اكتم .

و منها ما روي عن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) : أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا جلوسا يتذاكرون و فيهم علي (عليه السلام) إذ أتاهم يهودي فقال يا أمة محمد ما تركتم درجة للأنبياء إلا نحلتموها لنبيكم فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) إن كنتم تقولون إن موسى (عليه السلام) كلم ربه على طور سيناء فإن الله كلم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) في السماء السابعة و لئن قالت النصارى إن عيسى أبرأ العميان و أحيا الموتى فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لما سألته قريش إحياء ميت دعاني و بعثني معهم إلى المقابر و دعوت الله فقاموا من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم بإذن الله و إن أبا قتادة بن ربعي الأنصاري شهد وقعة أحد فأصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده و أتى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن امرأتي الآن تبغضني فأخذها

[506]

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعها مكانها فلا تعرف إلا بفضل حسنها و ضوئها على العين الأخرى و لقد بارز عبد الله بن عتيك فأبين يده فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلا و معه يده المقطوعة فمسح عليها فاستوت يده .

و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أراد حاجة أبعد في المشي فأتى يوما واديا لحاجة فنزع خفه و قضى حاجته ثم توضى و أراد لبس خفه فجاء طير أخضر فحمل الخف و ارتفع به ثم طرحه فخرج منه أسود فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه كرامة أكرمني الله بها اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه و من شر جسد يمشي على رجلين و من شر من يمشي على أربع و من شر كل ذي شر و من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم .

[507]

و منها : أنه كان لكل عضو من أعضاء النبي معجزة فمعجزة الرأس هو أن الغمامة أظلت على رأسه و معجزة عينيه أنه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه و معجزة أذنيه هي أنه كان يسمع الأصوات في النوم كما يسمع في اليقظة و معجزة لسانه أنه قال للضب من أنا فقال أنت رسول الله و معجزة يديه أنه خرج من بين أصابعه الماء و معجزة رجليه أنه كان لجابر بئر ماؤها زعاق فعطش فشكا إلى النبي فدعا بطشت و غسل رجليه فيه و أمر بإهراق ذلك الماء فيها فصار ماؤها عذبا و معجزة عورته أنه ولد مختونا و معجزة بدنه هي أنه لم يقع ظله على الأرض لأنه كان نورا لا يكون من النور الظل كالسراج و معجزة ظهره ختم النبوة كان على كتفيه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله .

و منها : أن أنسا قال أرسلتني أمي أم سليم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشي‏ء

[508]

صنعته و هو مد من شعير طحنته و عصرت عليه عكة كان فيها سمن فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و من معه فدخل عليها و دخلوا و أكلوا و شبعوا حتى أتى عليهم فقيل لأنس كم كانوا قال أربعين .

و منها ما روي عن الرضا عن أبيه (عليهما السلام) : كنت عند أبي يوما و أنا طفل خماسي إذ دخل عليه نفر من اليهود فسألوه عن دلائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهم سلوا هذا فقال أحدهم ما أعطي نبيكم من الآيات التي نفت الشك قلت آيات كثيرة اسمعوا و عوا أنتم تدرون أن الجن كانت تسترق السمع قبل مبعث نبي الله فمنعت في أول رسالته بالرجوم

[509]

و بطلان الكهنة و السحرة و أن أبا جهل أتاه و هو نائم خلف جدار و معه حجر يريد أن يرميه فالتصق بكفه و من ذلك كلام الذئب و كلام البعير و أن امرأة عبد الله بن مشكم أتته بشاة مسمومة و مع النبي بشر بن البراء بن عازب فتناول النبي الذراع و تناول بشر الكراع فأما النبي فلاكها و لفظها و قال إنها لتخبرني أنها مسمومة و أما بشر فلاكها و ابتلعها فمات فأرسل إليها فأقرت قال ما حملك على ما فعلت قالت قتلت زوجي و أشراف قومي فقلت إن كان ملكا قتلته و إن كان نبيا فسيطلعه الله على ذلك و أشياء كثيرة فعدها عليهم فأسلم اليهود و كساهم أبو عبد الله (عليه السلام) و وهب لهم .

و منها ما روي عن المفضل بن عمر عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال : خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزاة فعطش الناس و لم يكن في المنزل ماء و كان في إناء قليل ماء فوضع أصابعه فيه فتحلب منها الماء حتى روى الناس و الإبل و الخيل و تزود الناس و كان في العسكر اثنا عشر ألف بعير و الخيل اثنا عشر ألف فرس و الناس ثلاثين ألفا .

[510]

و منها ما روي عن مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه و قد أتى عليه مائة و خمسون سنة قال : لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتجس إيوان كسرى و سقطت منه أربعة عشر شرفة و خمدت نار فارس و ما كانت تخمد قبل ذلك بألف سنة و غاضت بحيرة ساوة .

و رأى الموبذان في النوم أيضا إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة فانتشرت في بلادنا .

فلما أصبح كسرى راعه ذلك و أفزعه و تصبر عليه تشجعا ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن وزرائه و مرازبته فجمعهم و أخبرهم بما هاله فبينا هم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس فقال له الموبذان و أنا رأيت رؤيا ثم قصها عليهم فقال أي شي‏ء يكون يا موبذان قال حدث يكون من ناحية العرب .

[511]

فكتب كسرى إلى النعمان بن المنذر وجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه بعبد المسيح بن عمر بن نفيلة الغساني فلما قدم عليه أخبره بما رأى فقال علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال اذهب إليه فاسأله و ائتني بتأويل ما عنده .

فنهض عبد المسيح حتى قدم على سطيح و قد أشرف على الموت فسلم عليه فلم يحر جوابا .

[512]

ثم قال عبد المسيح على جمل مشيح أتى إلى سطيح و قد أوفى على الضريح بعثك ملك ساسان لارتجاس الإيوان و خمود النيران و رؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة و انتشرت في بلاده فقال يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة و ظهر صاحب الهراوة و فاض وادي سماوة و غاضت بحيرة ساوة و خمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك و ملكات على عدد الشرفات و كل ما هو آت آت .

ثم قضى سطيح مكانه .

فنهض عبد المسيح و قدم على كسرى و أخبره بما قال سطيح فقال لي إلى

[513]

أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور .

فملك منهم عشرة في أربعة سنين و الباقون إلى إمارة عثمان .

و منها ما روي عن زياد بن الحارث الصدائي صاحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث جيشا إلى قومي قلت يا رسول الله اردد الجيش و أنا لك بإسلام قومي فردهم فكتب إليهم كتابا فقدم وفدهم بإسلامهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إنك لمطاع في قومك قلت بل الله هداهم إلى الإسلام فكتب لي كتابا يؤمرني عليهم قلت يا رسول الله مر لي بشي‏ء من صدقاتهم فكتب لي بذلك و كان في سفر له فنزل منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا خير في الإمارة لرجل مؤمن ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله أعطني

[514]

فقال من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس و داء في البطن فقال أعطني من الصدقة فقال إن الله لم يرض فيها بحكم نبي و لا غيره حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيناك حقك قال الصدائي فدخل في نفسي من ذلك شي‏ء فأتيته بالكتابين قال فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته على رجل من الوفد ثم قلنا إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها و اجتمعنا عليها و إذا كان الصيف قل ماؤها و تفرقنا على مياه حولنا و قد أسلمنا و كل من حولنا لنا أعداء فادع الله لنا في بئرنا أن لا تمنعنا ماءها في الصيف فنجتمع عليها و لا نفترق فدعا بسبع حصيات ففركهن في يده و دعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة و اذكروا اسم الله قال زياد ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعر البئر ببركة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و منها ما روي عن الباقر (عليه السلام) : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى يوما بأصحابه الفجر ثم جلس معهم يحدثهم حتى طلعت الشمس فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى

[515]

لم يبق معه إلا رجلان أنصاري و ثقفي فقال لهما رسول الله قد علمت أن لكما حاجة تريدان أن تسألاني عنها فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني و إن شئتما فسلاني قالا بل تخبرنا يا رسول الله فإن ذلك أجلى للعمى و أبعد من الارتياب و أثبت للإيمان فقال النبي أما أنت يا أخا الأنصار فإنك من قوم يؤثرون على أنفسهم و أنت قروي و هذا الثقفي بدوي أ فتؤثره بالمسألة قال نعم قال أما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت تسألني عن وضوئك و صلاتك و ما لك فيهما قال نعم قال فاعلم أنك إذا ضربت يدك في الماء و قلت بسم الله تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك و إذا غسلت وجهك و يديك تناثرت الذنوب عن يمينك و شمالك و إذا مسحت رأسك و قدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك فهذا لك في وضوئك و إذا قمت إلى الصلاة و توجهت و قرأت أم الكتاب و ما تيسر لك من السور ثم ركعت فأتممت ركوعها و سجودها و تشهدت و سلمت غفر لك كل ذنب فيما بينك و بين الصلاة التي قدمتها إلى الصلاة المؤخرة فهذا لك في صلاتك و أما أنت يا أخا الأنصار فإنك جئت تسألني عن حجك و عمرتك و ما لك فيهما من الثواب قال نعم قال فاعلم أنك إذا توجهت إلى سبيل الحج ثم ركبت راحلتك و قلت بسم الله و مضت بك راحلتك لم تضع راحلتك خفا و لم ترفع خفا إلا كتب الله لك حسنة و محا عنك سيئة فإذا أحرمت و لبيت كتب الله لك بكل تلبية عشر حسنات و محا عنك عشر سيئات

[516]

فإذا طفت بالبيت أسبوعا كان لك بذلك عند الله عهد و ذكر يستحي منك ربك أن يعذبك بعده فإذا صليت عند المقام ركعتين كتب الله لك بهما ألفي ركعة مقبولة و إذا سعيت بين الصفا و المروة سبعة أشواط كان لك بذلك عند الله مثل أجر من حج ماشيا من بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة فإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج و زبد البحر لغفر الله لك فإذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك كتب الله لك بكل قطرة من دمها حسنة يكتب لك لما يستقبل من عمرك و إذا طفت بالبيت أسبوعا للزيارة و صليت عند المقام ركعتين ضرب ملك كريم على كتفيك فقال أما ما مضى فقد غفر لك فاستأنف العمل فيما بينك و بين عشرين و مائة يوم فقالا جئنا لذلك .

[517]

و منها ما روي عن جرير بن عبد الله البجلي قال : بعثني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

[518]

بكتابه إلى ذي الكلاع و قومه فدخلت عليه فعظم كتابه و تجهز و خرج في جيش عظيم و خرجت معه فبينا نسير إذ رفع لنا دير راهب فقال أريد هذا الراهب فلما دخلنا عليه سأله أين تريد قال هذا النبي الذي خرج في قريش و هذا رسوله .

قال الراهب لقد مات هذا الرسول فقلت من أين علمت بوفاته قال إنكم قبل أن تصلوا إلي كنت أنظر في كتاب دانيال فمررت بصفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و نعته و أيامه و أجله فوجدت أنه في هذه الساعة يتوفى فقال ذو الكلاع أنا أنصرف قال جرير فرجعت فإذا رسول الله توفي ذلك اليوم .

[519]

و منها ما روي عن الحسن بن علي (عليه السلام) في قوله تعالى : ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً قال يقول الله يبست قلوبكم معاشر اليهود كالحجارة اليابسة لا ترشح برطوبة أي أنكم لا حق الله تؤدون و لا أموالكم تتصدقون و لا بالمعروف تتكرمون و لا للضيف تقرون و لا مكروبا تغيثون و لا بشي‏ء من الإنسانية تعاشرون و تواصلون أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أبهم على السامعين و لم يبن لهم كما يقول القائل أكلت لحما أو خبزا و هو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت بل يريد به أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ما ذا أكل و إن كان يعلم أنه قد أكل أيهما وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ أي قلوبكم في القساوة بحيث لا يجي‏ء منها خير يا يهود و في الحجارة ما يتفجر منه الأنهار فتجي‏ء بالخير و النبات لبني آدم وَ إِنَّ مِنْها أي و إن من الحجارة لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ دون الأنهار و قلوبكم لا يجي‏ء منها لا كثير من الخير و لا قليل وَ إِنَّ مِنْها أي من الحجارة إن أقسم عليها باسم الله تهبط و ليس في قلوبكم شي‏ء منه فقالوا زعمت يا محمد أن الحجارة ألين من قلوبنا و هذه الجبال بحضرتنا فاستشهدها على تصديقك فإن نطقت بتصديقك فأنت المحق فخرجوا إلى أوعر جبل فقالوا استشهده فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :

  fehrest page next page