back page fehrest page next page

[520]

أسألك يا جبل بجاه محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه فتحرك الجبل و فاض الماء فنادى أشهد أنك رسول رب العالمين و أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة فقال اليهود أ علينا تلبس أجلست أصحابك خلف هذا الجبل ينطقون بمثل هذا فإن كنت صادقا فتنح من موضعك إلى ذي القرار و مر هذا الجبل يسير إليك و مره أن ينقطع نصفين ترتفع السفلى و تنخفض العليا فأشار إلى حجر تدحرج فتدحرج ثم قال لمخاطبه خذه و قربه فسيعيد عليك بما سمعت فإن هذا جزء من هذا الجبل فأخذه الرجل فأدناه من أذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل قال فأتني بما اقترحت فتباعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى فضاء واسع هناك ثم نادى أيها الجبل بحق محمد و آله الطيبين لما اقتلعت من مكانك بإذن الله و جئت إلى حضرتي فتزلزل الجبل و سار مثل الفرس الهملاج و نادى ها أنا سامع لك و مطيع مرني فقال هؤلاء اقترحوا علي أن آمرك أن تنقطع من أصلك فتصير نصفين فينخفض أعلاك و يرتفع أسفلك فتقطع نصفين فارتفع أسفله و انخفض أعلاه فصار فرعه

[521]

أصله ثم نادى الجبل أ هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به مؤمنون فقال رجل منهم هذا رجل تتأتى له العجائب فنادى الجبل يا أعداء الله أبطلتم بما تقولون نبوة موسى (عليه السلام) حيث كان وقوف الجبل فوقهم كالظلة فيقال هو رجل يأتي بالعجائب فلزمتهم الحجة و ما أسلموا .

و منها ما روي عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : بينا جابر بن عبد الله يصلي في المسجد إذ قام إليه أعرابي فقال أخبرني هل تكلمت بهيمة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نعم .

دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عتبة بن أبي لهب فقال قتلك كلب الله .

فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما في صحب له حتى إذا نزلنا على مبقلة مكة خرج عتبة مستخفيا فنزل في أقاصي أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الناس لا يعلمون ليقتل محمدا فلما هجم الليل إذا أسد قبض على عتبة ثم أخرجه خارج الركب ثم زأر زئيرا لم يبق أحد من الركب إلا نصت له ثم نطق بلسان طلق و هو يقول

[522]

هذا عتبة بن أبي لهب خرج من مكة مستخفيا يزعم أنه يقتل محمدا ثم مزقه قطعا قطعا و لم يأكل منه .

ثم قال جابر و قد ثمل قوم من آل ذريح و قينات لهم ليلة فبينا هم في لهوهم و لعبهم إذ صعد عجل على رابية و قال لهم بلسان ذلق يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح ببطن مكة يدعوكم إلى قول لا إله إلا الله فأجيبوه فترك القوم لهوهم و لعبهم و أقبلوا إلى مكة فدخلوا في الإسلام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ثم قال جابر لقد تكلم ذئب أتى غنما ليصيب منها فجعل الراعي يصده و يمنعه فلم ينته فقال عجبا لهذا الذئب .

فقال الذئب يا هذا أنتم أعجب مني محمد بن عبد الله القرشي يدعوكم ببطن مكة إلى قول لا إله إلا الله يضمن لكم عليه الجنة و تأبون عليه .

فقال الراعي يا لك من طامة من يرعى الغنم حتى آتيه فأؤمن به .

قال الذئب أنا أرعى الغنم فخرج و دخل مع رسول الله في الإسلام .

[523]

ثم قال جابر و لقد تكلم بعير كان لآل النجار شرد عليهم و منعهم ظهره فاحتالوا له بكل حيلة فلم يجدوا إلى أخذه سبيلا فأخبروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج إليه فلما بصر به البعير برك خاضعا باكيا فالتفت النبي إلى بني النجار فقال ألا أنه يشكوكم أنكم أقللتم علفه و أثقلتم ظهره فقالوا إنه ذو منعة لا يتمكن منه فقال انطلق مع أهلك فانطلق ذليلا .

ثم قال جابر تكلمت ظبية اصطادها قوم من الصحابة فشدوها إلى جانب رحلهم فمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادته الظبية يا نبي الله يا رسول الله فقال أيتها النجداء ما شأنك قالت إني حافل و لي خشفان فخلني حتى أرضعهما و أعود فأطلقها ثم مضى فلما رجع إذا الظبية قائمة فجعل (صلى الله عليه وآله وسلم) يوثقها فحس أهل الرجل به فحدثهم بحديثها فقالوا هي لك فأطلقها فتكلمت بالشهادتين .

[524]

فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) :

عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله : قلت له (عليه السلام) كيف كانت ولادة فاطمة (عليها السلام) قال إن خديجة لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هجرها نسوة قريش فكن لا يدخلن عليها و لا يسلمن عليها و لا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة لذلك و كان جزعها و غمها حذرا عليه فلما حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة تحدثها من بطنها و تصبرها و كانت تكتم ذلك من رسول الله فدخل (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها يوما فسمع خديجة تحدث فاطمة فقال لها يا خديجة من تحدثين قالت الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني قال يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى و أنها النسل الطاهرة الميمونة و أن الله سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها عصيتينا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجي‏ء و لا نلي من أمرك شيئا

[525]

فاغتمت خديجة لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم بنت عمران أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها و الأخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق من ذلك النور و دخل عشر من الحور العين بيد كل واحدة طشت من الجنة و إبريق من الجنة و في الإبريق ماء من الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن و أطيب ريحا من المسك و العنبر فلفتها بواحدة و قنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين فقالت أشهد أن لا إله إلا الله و أن أبي محمد رسول الله سيد الأنبياء و أن بعلي علي سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط ثم سلمت عليهن و سمت كل واحدة باسمها و أقبلن يضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة (عليها السلام) و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة خذيها يا خديجة طاهرة مباركة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها و كانت فاطمة (عليها السلام) تنمو في اليوم كما ينمو

[526]

الصبي في الشهر و تنمو في الشهر كما ينمو في السنة و قال أبو عبد الله (عليه السلام) فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة و سبعين يوما و كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل يأتيها و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها بمكانه و يخبرها بما يكون بعده في ذريتها و كان علي (عليه السلام) يكتب ذلك .

[527]

و منها أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال : إن بنات الأنبياء لا يحضن و قال بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلمان إلى دار فاطمة في حاجة فأصابها نائمة و الرحى تدور فأتاه فأخبره فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له الله علم ضعف فاطمة فرحمها .

[528]

و منها أن جابر بن عبد الله قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام أياما و لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند أحداهن شيئا فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شي‏ء آكله فإني جائع قالت لا و الله بنفسي و أمي فلما خرج عنها بعثت جارة لها رغيفين و بضعة لحم فأخذته و وضعته في جفنة و غطت عليها و قالت و الله لأوثرن بهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على نفسي و من غيري و كانوا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجع إليها فقالت قد أتانا الله بشي‏ء فخبأته لك فقال هلمي يا بنية فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا و لحما فلما نظرت إليه بهتت و عرفت أنه من عند الله فحمدت الله و صلت على نبيه أبيها و قدمته إليه فلما رآه حمد الله و قال من أين لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب

[529]

فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي فدعاه و أحضره و أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و جميع أزواج النبي حتى شبعوا قالت فاطمة و بقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني و جعل الله فيها بركة و خيرا كثيرا .

و منها أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال : إن خديجة لما توفيت جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و تدور حوله و تسأله يا أبتاه أين أمي فجعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجيبها فجعلت تدور و تسأله يا أبتاه أين أمي و رسول الله لا يدري ما يقول فنزل جبرئيل فقال إن ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام و تقول لها إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب و عمده ياقوت أحمر بين آسية

[530]

امرأة فرعون و مريم بنت عمران فقالت فاطمة إن الله هو السلام و منه السلام و إليه السلام .

و منها : أن أم أيمن لما توفيت فاطمة حلفت أن لا تكون بالمدينة إذ لا تطيق النظر إلى مواضع كانت (عليها السلام) فيها فخرجت إلى مكة فلما كانت في بعض الطريق عطشت عطشا شديدا فرفعت يديها و قالت يا رب أنا خادمة فاطمة تقتلني عطشا .

فأنزل الله عليها دلوا من السماء فشربت فلم تحتج إلى الطعام و الشراب سبع سنين و كان الناس يبعثونها في اليوم الشديد الحر فما يصيبها عطش .

و منها أن سلمان قال : كانت فاطمة (عليها السلام) جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير و على عمود الرحى دم سائل و الحسين في ناحية الدار يبكي فقلت يا بنت رسول الله دبرت كفاك و هذه فضة .

فقالت أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون الخدمة لها يوما و لي يوما فكان أمس يوم خدمتها .

قال سلمان إني مولى عتاقة إما أن أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين

[531]

فقالت أنا بتسكيته أرفق و أنت تطحن الشعير فطحنت شيئا من الشعير فإذا أنا بالإقامة فمضيت و صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما فرغت قلت لعلي ما رأيت فبكى و خرج ثم عاد يتبسم فسأله عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال دخلت على فاطمة و هي مستلقية لقفاها و الحسين نائم على صدرها و قدامها الرحى تدور من غير يد فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال يا علي أ ما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمدا و آل محمد إلى أن تقوم الساعة .

و منها أن أبا ذر قال : بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أدعو عليا (عليه السلام) فأتيت بيته فناديته فلم يجبني و الرحى تطحن و ليس معها أحد فناديته فخرج معي و أصغى إليه رسول الله فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا لم أفهمه فقلت عجبا من رحى في بيت علي تدور ما عندها أحد .

فقال إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها و جوارحها إيمانا و يقينا و إن الله علم ضعفها فأعانها على دهرها و كفاها أ ما علمت أن لله ملائكة موكلين بمعونة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

[532]

و منها : أن عليا (عليه السلام) أصبح يوما فقال لفاطمة (عليها السلام) عندك شي‏ء تغدينيه قالت لا فخرج و استقرض دينارا ليبتاع ما يصلحهم فإذا المقداد في جهد و عياله جياع فأعطاه الدينار و دخل المسجد و صلى الظهر و العصر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أخذ النبي بيد علي و انطلقا و دخلا على فاطمة و هي في مصلاها و خلفها جفنة تفور فلما سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرجت فسلمت عليه و كانت أعز الناس عليه فرد السلام و مسح بيده على رأسها ثم قال عشينا غفر الله لك و قد فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا فاطمة أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط و لم أشم مثل رائحته قط و لم آكل أطيب منه و وضع كفه بين كتفي علي و قال هذا بدل

[533]

دينارك إن الله يرزق من يشاء بغير حساب .

و منها أن سلمان قال : خرجت إلى فاطمة فقالت جفوتموني بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قالت اجلس فجلست فحدثتني أنها كانت جالسة أمس و باب الدار مغلق قالت و أنا أتفكر في انقطاع الوحي عنا و انصراف الملائكة عن منزلنا بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ انفتح الباب من غير أن يفتحه منا أحد فدخلت علي ثلاث جوار من الحور العين من دار السلام و قلن نحن من الحور العين من دار السلام أرسلنا إليك رب العالمين يا ابنة محمد كنا مشتاقات إليك

[534]

فقلت لواحدة منهن أظن أنها أكبرهن سنا ما اسمك قالت أنا مقدودة خلقت للمقداد بن الأسود و قلت للثانية ما اسمك قالت ذرة خلقت لأبي ذر و قلت للثالثة ما اسمك قالت سلمى خلقت لسلمان الفارسي ثم قالت فاطمة أخرجن لنا طبقا عليه رطب أمثال الخشكنانك الكبار أشد بياضا من الثلج و أذكى ريحا من المسك الأذفر و قد أحرزت نصيبك لأنك منا أهل البيت فأفطر عليه و إذا كان غدا فأتني بنواه قال سلمان فأخذت الرطب فما مررت بجماعة إلا قالوا معك مسك فأفطرت عليه فلم أجد له نواة فغدوت إليها و قلت يا ابنة رسول الله لم أجد له عجما قالت يا سلمان إنما هو نخل غرسه الله لي في دار السلام بكلام علمنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي إن سرك أن لا تمسك الحمى في دار الدنيا فواظبي عليه و قولي بسم الله نور النور بسم الله نور على نور بسم الله الذي هو مدبر الأمور بسم الله الذي خلق النور الحمد لله الذي أنزل النور على الطور في كتاب مسطور بقدر مقدور على نبي محبور الحمد لله الذي هو بالعز مذكور و بالفخر مشهور و على السراء و الضراء مشكور قال سلمان فتعلمته و علمته أكثر من ألف إنسان ممن به الحمى فكلهم برءوا بإذن الله .

[535]

و منها : أنه لما كان وقت زفافها (عليها السلام) اتخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طعاما و خبيصا و قال لعلي ادع الناس قال علي (عليه السلام) جئت إلى الناس فقلت أجيبوا الوليمة فأقبلوا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لي أدخل عشرة عشرة فدخلوا و قدم إليهم الطعام و الثريد و العراق فأكلوا ثم أطعمهم السمن و التمر و لا يزداد الطعام إلا بركة فلما أطعم الرجال عمد إلى فاضل منها فتفل فيها و بارك عليها و بعث منها إلى نسائه و قال قل لهن كلن و أطعمن من غشيكن .

ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا بصحفة فجعل فيها نصيبا فقال هذا لك و لأهلك و هبط جبرئيل في زمرة من الملائكة بهدية فقال لأم سلمة املئي القعب ماء فقال لي يا علي اشرب نصفه ثم قال لفاطمة اشربي و أبقي ثم أخذ الباقي فصبه

[536]

على وجهها و نحرها ثم فتح السلة فإذا فيها كعك و موز و زبيب فقال هذا هدية جبرئيل ثم أفلت من يده سفرجلة فشقها نصفين فأعطى عليا نصفا و أعطى فاطمة نصفا و قال هذه هدية من الجنة إليكما .

و منها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : بشارة أتتني من ربي لأخي و ابن عمي و ابنتي بأن الله زوج عليا بفاطمة و أمر رضوان خازن الجنة فهز شجرة طوبى فحملت رقاعا بعدد محبي أهل بيتي و أنشأ ملائكة من تحتها من نور و دفع إلى كل ملك خطا فإذا استقرت القيامة بأهلها فلا تلقى تلك الملائكة محبا لنا إلا دفعت إليه صكا فيه براءة من النار .

و منها أن سلمان قال : إن فاطمة قالت يا رسول الله إن الحسن و الحسين

[537]

جائعان فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لهما ما لكما يا حبيبي قالا نشتهي طعاما فقال اللهم أطعمهما طعاما قال سلمان فنظرت فإذا بيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سفرجلة مشبهة بالجرة الكبيرة أشد بياضا من اللبن ففركها بإبهامه فصيرها نصفين و دفع نصفها للحسن و نصفها للحسين فجعلت أنظر إليها و إني أشتهي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا طعام من الجنة لا يأكله أحد حتى ينجو من الحساب غيرنا و إنك على خير .

و منها ما روي : أن عليا (عليه السلام) استقرض شعيرا من يهودي فاسترهنه شيئا فدفع إليه ملاءة فاطمة رهنا و كانت من الصوف فأدخلها اليهودي إلى داره و وضعها في بيت .

فلما كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل فرأت نورا ساطعا

[538]

أضاء به البيت فانصرفت إلى زوجها و أخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءا عظيما فتعجب زوجها اليهودي من ذلك و قد نسي أن في بيتهم ملاءة فاطمة فنهض مسرعا و دخل البيت فإذا ضياء الملاءة ينتشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب فتعجب من ذلك فأنعم النظر في موضع الملاءة فعلم أن ذلك النور من ملاءة فاطمة فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه و زوجته تعدو إلى أقربائها و استحضرهم دارهما فاستجمع نيف و ثمانون نفرا من اليهود فرأوا ذلك و أسلموا كلهم .

و منها : أن اليهود كان لهم عرس فجاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قالوا لنا حق الجوار فنسألك أن تبعث فاطمة بنتك إلى دارنا حتى يزدان عرسنا بها و ألحوا عليه .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إنها زوجة علي بن أبي طالب و هي بحكمه و سألوه أن يشفع إلى علي في ذلك و قد جمع اليهود الطم و الرم من الحلي و الحلل و ظن اليهود أن

[539]

فاطمة تدخل عليهم في بذلتها و أرادوا استهانة بها فجاء جبرئيل بثياب من الجنة و حلي و حلل لم ير الراءون مثلها فلبستها فاطمة و تحلت بها فتعجب الناس من زينتها و ألوانها و طيبها فلما دخلت فاطمة (عليها السلام) دار هؤلاء اليهود سجد لها نساؤهم يقبلن الأرض بين يديها و أسلم بسبب ما رأوا خلق كثير من اليهود .

و منها ما روي : أن الحسن و الحسين مرضا فنذر علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليه السلام) صيام ثلاثة أيام فلما عافاهما الله و كان الزمان قحطا أخذ علي بن أبي طالب (عليه السلام) من يهودي ثلاث جزات صوفا لتغزلها فاطمة (عليها السلام) بثلاثة أصواع شعيرا فصاموا و غزلت فاطمة جزة ثم طحنت صاعا من شعير و خبزته .

فلما كان عند الإفطار أتى مسكين فأعطوه طعامهم و لم يذوقوا إلا الماء .

ثم غزلت جزة أخرى من الغد ثم طحنت صاعا و خبزته فلما كان عند الإفطار أتى يتيم فأعطوه طعامهم و لم يذوقوا إلا الماء .

و غزلت اليوم الثالث الجزة الباقية ثم طحنت الصاع و خبزته و أتى أسير عند الإفطار فأعطوه طعامهم و كان مضى على رسول الله أربعة أيام و الحجر على

[540]

بطنه و قد علم بحالهم فخرج و دخل حديقة المقداد و لم يبق على نخلاتها ثمرة و معه علي فقال يا أبا الحسن خذ السلة و انطلق إلى تلك النخلة و أشار إلى واحدة فقل لها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سألتك بحق الله لما أطعمتينا من ثمرك .

قال علي (عليه السلام) فلقد تطأطأت بحمل ما نظر الناظرون إلى مثلها و التقطت من أطائبها و حملت بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكل و أكلت و أطعم المقداد و جميع عياله و حمل إلى فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) ما كفاهم فلما بلغ المنزل إذا فاطمة (عليها السلام) يأخذها الصداع فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشري و اصبري فلن تنالي ما عند الله إلا بالصبر .

فنزل جبرئيل بسورة هل أتى .

[541]

فصل في أعلام أمير المؤمنين (عليه السلام) :

و روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال : كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسار مليا و هو راكب و سايرته ماشيا فالتفت إلي و قال يا علي اركب كما ركبت و امشي كما مشيت فقلت بل تركب و أنا أمشي فسار ثم التفت إلي و قال يا علي اركب كما ركبت حتى أمشي كما مشيت فأنت أخي و ابن عمي و زوج ابنتي و أبو سبطي فقلت بل تركب و أمشي فسار مليا حتى بلغنا إلى غدير ماء فثنى رجله من الركاب و نزل و أسبغ الوضوء و أسبغت الوضوء معه ثم صف قدميه و صلى و صففت قدمي و صليت حذاءه فبينا أنا ساجد إذ قال يا علي ارفع رأسك فانظر إلى هدية الله إليك فرفعت رأسي فإذا أنا بنشز من الأرض و إذا عليه فرس بسرجه و لجامه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)

[542]

هذا هدية الله إليك اركبه فركبته و سرت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و منها قوله (عليه السلام) : و اعلم أن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه يسد فورة جوعه بقرصيه لا يطعم الفلذة في حوليه إلا في سنة أضحية و لن تقدروا على ذلك فأعينوني بورع و اجتهاد و كأني بقائلكم يقول إذا كان قوت ابن أبي طالب هذا قعد به الضعف عن مبارزة الأقران و منازلة الشجعان و الله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية و لا بحركة غذائية لكني أيدت بقوة ملكية و نفس بنور ربها مضية .

و منها : أن كلامه الوارد في الزهد و المواعظ و التذكير و الزواجر إذا فكر فيه المفكر و لم يدر أنه كلام علي (عليه السلام) لا يشك أنه كلام من لا شغل له بغير العبادة و لا حظ له في غير الزهادة و لا يكاد يوقن بأنه كلام من يقط

back page fehrest page next page