back page fehrest page next page

[543]

الرقاب و يجدل الأبطال و هو مع ذلك أزهد الزهاد و هذا من مناقبه العجيبة التي جمع بها بين الأضداد .

و منها : أنه لما طال المقام بصفين شكوا إليه نفاد الزاد و العلف بحيث لم يجد أحد من أصحابه شيئا يؤكل فقال (عليه السلام) طيبوا نفسا فإن غدا يصل إليكم ما يكفيكم فلما أصبحوا و تقاضوه صعد (عليه السلام) على تل كان هناك و دعا بدعاء و سأل الله أن يطعمهم و يعلف دوابهم ثم نزل و رجع إلى مكانه فما استقر إلا و قد أقبلت العير بعد العير قطارا قطارا عليها اللجمان و التمور و الدقيق و المير و الخبز و الشعير و علف الدواب بحيث امتلأت به البراري و فرغ أصحاب الجمال جميع الأحمال من الأطعمة و جميع ما معهم من علف الدواب و غيرها من الثياب و جلال الدواب و غيرها من جميع ما يحتاجون إليه حتى الخيط و المخيط ثم انصرفوا و لم يدر أحد منهم أن هؤلاء من أي البقاع وردوا و من الإنس كانوا أو من الجن و تعجب الناس من ذلك .

و منها ما روي عن عبد الواحد بن زيد قال : كنت حاجا إلى بيت الله فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين عند الركن اليماني تقول إحداهما للأخرى لا و حق المنتجب للوصية و الحاكم بالسوية و العادل في القضية بعل فاطمة الزكية الرضية المرضية ما كان كذا .

[544]

فقلت من هذا المنعوت قالت هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علم الأعلام و باب الأحكام قسيم الجنة و النار رباني الأمة قلت من أين تعرفينه .

قالت و كيف لا أعرفه و قد قتل أبي بين يديه بصفين و لقد دخل على أمي لما رجع فقال يا أم الأيتام كيف أصبحت قالت بخير .

ثم أخرجتني و أختي هذه إليه (عليه السلام) و كان قد ركبني من الجدري ما ذهب به بصري .

فلما نظر علي (عليه السلام) إلي تأوه و قال :

ما إن تأوهت من شي‏ء رزيت به *** كما تأوهت للأطفال في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم *** في النائبات و في الأسفار و الحضر

ثم أمر يده المباركة على وجهي فانفتحت عيني لوقتي و ساعتي فو الله إني لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء ببركته صلوات الله عليه و على أبنائه المعصومين .

و منها ما روي عن زاذان عن ابن عباس قال : لما فتح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة و رفع

[545]

الهجرة و قال لا هجرة بعد الفتح قال لعلي (عليه السلام) إذا كان غدا كلم الشمس حتى تعرف كرامتك على الله فلما أصبحنا قمنا فجاء علي إلى الشمس حين طلعت فقال السلام عليك أيتها المطيعة لربها فقالت الشمس و عليك السلام يا أخا رسول الله و وصيه أبشر فإن رب العزة يقرئك السلام و يقول لك أبشر فإن لك و لمحبيك و لشيعتك ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر فخر (عليه السلام) لله ساجدا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارفع رأسك حبيبي فقد باهى الله بك الملائكة .

و منها ما روي عن ابن مسعود قال : كنت قاعدا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ نادى رجل من يدلني على من آخذ منه علما و مر فقلت له يا هذا هل سمعت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا مدينة العلم و علي بابها فقال نعم قلت و أين تذهب و هذا علي بن أبي طالب فانصرف الرجل و جثى بين يديه فقال (عليه السلام) له من أي بلاد الله أنت قال من أصفهان قال له اكتب أملى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن أهل أصفهان لا يكون فيهم خمس خصال السخاوة و الشجاعة و الأمانة و الغيرة و حبنا أهل البيت

[547]

قال زدني يا أمير المؤمنين قال باللسان الأصفهاني اروت اين وس يعني اليوم حسبك هذا .

و منها : أن عليا (عليه السلام) رأى الحسن البصري يتوضأ في ساقية فقال أسبغ طهورك يا كفتي قال لقد قتلت بالأمس رجالا كانوا يسبغون الوضوء قال و إنك لحزين عليهم قال نعم قال فأطال الله حزنك .

قال أيوب السجستاني : فما رأينا الحسن قط إلا حزينا كأنه يرجع عن دفن حميم أو كأنه خربندج ضل حماره .

[548]

فقلنا له في ذلك فقال عمل في دعوة الرجل الصالح .

و كفتي بالنبطية شيطان و كانت أمه سمته بذلك و دعته في صغره فلم يعرف ذلك أحد حتى دعاه به أمير المؤمنين (عليه السلام) .

و منها ما روي عن سليمان الأعمش عن سمرة بن عطية عن سلمان الفارسي قال : إن امرأة من الأنصار يقال لها أم فروة تحض على نكث بيعة أبي بكر و تحث على بيعة علي (عليه السلام) .

فبلغ أبا بكر ذلك فأحضرها و استتابها فأبت عليه فقال يا عدوة الله أ تحضين على فرقة جماعة اجتمع عليها المسلمون فما قولك في إمامتي .

قالت ما أنت بإمام قال فمن أنا قالت أمير قومك اختارك قومك و ولوك فإذا كرهوك عزلوك فالإمام المخصوص من الله و رسوله يعلم ما في الظاهر و الباطن و ما يحدث في المشرق و المغرب من الخير و الشر و إذا قام في شمس أو قمر فلا في‏ء له و لا تجوز الإمامة لعابد وثن و لا لمن كفر ثم أسلم فمن أيهما أنت يا ابن أبي قحافة .

قال أنا من الأئمة الذين اختارهم الله لعباده فقالت كذبت على الله و لو كنت ممن اختارك الله لذكرك في كتابه كما ذكر غيرك فقال عز و جل وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ ويلك إن كنت إماما حقا فما اسم السماء الدنيا الأولى و الثانية

[459]

و الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة و السابعة فبقي أبو بكر لا يحير جوابا ثم قال اسمها عند الله الذي خلقها .

قالت لو جاز للنساء أن يعلمن الرجال لعلمتك .

فقال يا عدوة الله لتذكرن اسم سماء سماء و إلا قتلتك .

قالت أ بالقتل تهددني و الله ما أبالي أن يجري قتلي على يدي مثلك و لكني أخبرك أما السماء الدنيا الأولى فأيلول و الثانية زبنول و الثالثة سحقوم و الرابعة ذيلول و الخامسة ماين و السادسة ماحيز و السابعة أيوث فبقي أبو بكر و من معه متحيرين و قالوا لها ما تقولين في علي قالت و ما عسى أن أقول في إمام الأئمة و وصي الأوصياء من أشرق بنوره الأرض و السماء و من لا يتم التوحيد إلا بحقيقة معرفته و لكنك ممن نكث و استبدل و بعت دينك بدنياك .

قال أبو بكر اقتلوها فقد ارتدت فقتلت .

و كان علي (عليه السلام) في ضيعة له بوادي القرى فلما قدم و بلغه قتل أم فروة فخرج إلى قبرها و إذا عند قبرها أربعة طيور بيض مناقيرها حمر في منقار كل واحد حبة رمان كأحمر ما يكون و هي تدخل في فرجة في القبر فلما نظر الطيور إلى علي (عليه السلام) رفرفن و قرقرن فأجابها بكلام يشبه كلامها و قال أفعل إن شاء الله .

و وقف على قبرها و مد يده إلى السماء و قال :

[550]

يا محيي النفوس بعد الموت و يا منشئ العظام الدارسات أحي لنا أم فروة و اجعلها عبرة لمن عصاك فإذا بهاتف يقول امض لأمرك يا أمير المؤمنين و خرجت أم فروة متلحفة بريطة خضراء من السندس و قالت يا مولاي أراد ابن أبي قحافة أن يطفئ نورك فأبى الله لنورك إلا ضياء و بلغ أبا بكر و عمر ذلك فبقيا متعجبين فقال لهما سلمان لو أقسم أبو الحسن على الله أن يحيي الأولين و الآخرين لأحياهم و ردها أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى زوجها و ولدت غلامين له و عاشت بعد علي ستة أشهر .

و منها ما روي عن عبد الله بن يقطر بن أبي عقب الليثي من بني ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة رضيع الحسين (عليه السلام) :

إذا كملت إحدى و ستون حجة *** إلى خمسة من بعدهن ضرائح

‏و قام بنو ليث بنصر ابن أحمد *** يهزون أطراف القنا و الصفائح

‏تعرفتهم شعث النواصي يقودها *** من المنزل الأقصى شعيب بن صالح

‏و حدثني إذا أعلم الناس كلهم *** أبو حسن أهل التقى و المدائح

و منها عن ابن بابويه بإسناده عن الحسين (عليه السلام) قال : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

[551]

و عنده أبي بن كعب فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرحبا بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات و الأرض قال أبي كيف يكون غيرك يا رسول الله زين السماوات و الأرض فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الحسن في السماء أكبر منه في الأرض و إنه لمكتوب على يمين عرش الله ثم ذكر المهدي من ولده يرضى به كل مؤمن يحكم بالعدل و يأمر به يخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل و العلامات يجمع الله له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا معه صحيفة فيها عدد أسماء أصحابه و آبائهم و بلدانهم و حلاهم و كناهم قال أبي و ما علامته و دلائله قال له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم بنفسه فناداه العلم اخرج يا ولي الله و اقتل أعداء الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله و له سيف إذا حان وقت خروجه اقتلع من غمده فناداه السيف اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله يخرج و جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و شعيب بن صالح على مقدمته إن الله انزل علي اثنتي عشر صحيفة باثنتي عشر خاتما اسم كل إمام على خاتمه و صفته في صحيفته .

[552]

و أما شعيب بن صالح فقد ذكر ابن بابويه في كتاب النبوة بإسناده عن سهيل بن سعيد أنه قال بعثني هشام بن عبد الملك أستخرج له بئرا في رصافة عبد الملك فحفرنا فيها مائتي قامة ثم بدت جمجمة رجل طويل فحفرنا ما حولها فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض و إذا كفه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء و إذا تركناها عادت فسدت الجرح و إذا في ثوبه مكتوب أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي (عليه السلام) إلى قومه فضربوني و أضروا بي و طرحوني في هذا الجب و هالوا علي التراب فكتبناها إلى هشام بما رأينا فكتب إلينا أعيدوا عليه التراب .

و منها ما روي عن الباقر (عليه السلام) أنه : لما رجع أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس سيروا و جنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة فلما أتى أرضا قال ما هذه

[553]

قالوا أرض نجرا قال أرض سباخ جنبوا و يمنوا فلما أتى يمنة السواد إذا هو براهب في صومعة له فقال يا راهب انزل هاهنا قال لا تنزل هذه الأرض بجيشك لأنه لا ينزلها إلا نبي أو وصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله عز و جل هكذا نجد في كتبنا فقال له علي (عليه السلام) و أنا وصي سيد الأنبياء فقال له الراهب فأنت إذا أصلع قريش و وصي محمد قال أنا ذاك فنزل الراهب إليه فقال خذ علي شرائع الإسلام إني وجدت في الإنجيل نعتك و إنك تنزل أرض براثا بيت مريم و أرض عيسى فقال له أمير المؤمنين قف و لا تخبرنا بشي‏ء ثم أتى موضعا فقال الكزوا فلكزه برجله فانبجست عين خرارة فقال هذه العين التي أنبعت لها ثم قال اكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعا فكشفت فإذا صخرة بيضاء فقال علي على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها و صلت هاهنا فنصب أمير المؤمنين الصخرة و صلى عليها و أقام هناك أربعة أيام و جعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة ثم قال أرض براثا هذا بيت مريم هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء

[554]

قال الباقر (عليه السلام) و لقد وجدنا أنه صلى فيه إبراهيم قبل عيسى .

و منها ما روي عن سلمان الفارسي : لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم جاثليق له سمت و معرفة و حفظ للتوراة و الإنجيل و معه جماعة من النصارى فقصدوا أبا بكر فقال إنا وجدنا في الإنجيل رسولا يخرج بعد عيسى و قد بلغنا خروج محمد بن عبد الله ففزعنا إلى ملكنا فأنفذنا في التماس الحق و قد فاتنا نبيكم و فيما قرأنا من كتبنا أن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصيائهم يخلفونهم في أممهم فأنت وصيه لنسألك فقيل هو خليفة رسول الله فسأله الجاثليق عن مسائل فلم يجبه بالصواب قال سلمان فنهضت إلى علي فأخبرته الخبر و كان مقبلا إلى المسجد لذلك فدخل حتى جلس و النصراني يقول دلوني على من أسأله عما أحتاج إليه فقال له علي (عليه السلام) سل فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لا تسألني عما مضى و لا عما يكون إلا أخبرتك به عن نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الجاثليق أسألك عما سألت هذا الشيخ خبرني أ مؤمن أنت عند الله أم عند نفسك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي

[555]

قال الجاثليق هذا كلام واثق بدينه فخبرني عن منزلتك في الجنة ما هي قال (عليه السلام) منزلتي مع النبي الأمي في الفردوس الأعلى لا أرتاب بذلك قال فبما عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها قال علي (عليه السلام) بالكتاب المنزل و صدق النبي المرسل قال فبما علمت صدق نبيك قال (عليه السلام) بالآيات الباهرات قال الجاثليق هذا طريق الحجة لمن أراد الاحتجاج فخبرني عن الله أين هو اليوم قال (عليه السلام) إن الله يجل عن الأين و يتعالى عن المكان كان فيما لم يزل و لا مكان و هو اليوم على ذلك لم يتغير من حال إلى حال قال أجل أحسنت أيها العالم و أوجزت في الجواب فخبرني عنه أنه مدرك بالحواس عندك أم كيف طريق المعرفة به قال (عليه السلام) تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار أو تدركه الحواس أو يقاس بالناس و الطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول الدالة ذوي الاعتبار بما هو منها مشهور و معقول قال الجاثليق هذا هو الحق خبرني ما قاله نبيكم في المسيح و أنه مخلوق من أين أثبت له الخلق و نفى عنه الإلهية و أوجب فيه النقص فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه و التصوير و التغيير من حال إلى حال و الزيادة التي لم ينفك منها و النقصان و لم أنف عنه النبوة و لا أخرجته عن العصمة و الكمال و التأييد و قد جاءنا عن الله بأنه مثل آدم خلقه الله من تراب ثم قال له كن فيكون فقال الجاثليق هذا ما لا مطعن فيه الآن غير أن الحجاج بما تشترك فيه الحجة على الخلق و المحجوج منهم فبما بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عنك

[556]

قال (عليه السلام) بما أخبرته من علمي بما كان و بما يكون قال الجاثليق فهلم شيئا من ذلك أتحقق به دعواك فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) خرجت أيها النصراني من مستقرك متعنتا لمن قصدت بسؤالك له مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب و الاسترشاد فأريت في منامك مقامي و حدثت فيه بكلامي و حذرت فيه من خلافي و أمرت فيه باتباعي قال صدقت و الله الذي بعث المسيح و ما اطلع على ما أخبرتني إلا الله و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أنك وصي رسول الله و أحق الناس بمقامه و أسلم الذين كانوا معه و قالوا نرجع إلى صاحبنا فنخبره بما وجدنا .

و منها ما ذكر الرضي في كتاب خصائص الأئمة بإسناده عن ابن عباس قال : كان رجل على عهد عمر و له إبل بناحية آذربايجان قد استصعبت عليه فمنعت جانبها فشكا إليه ما قد ناله و أنه كان معاشه منها فقال له اذهب فاستغث بالله فقال الرجل ما أزال أدعو الله و أبتهل إليه فكلما قربت منها حملت علي

[557]

فكتب له عمر رقعة فيها من عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجن و الشياطين أن تذللوا هذه المواشي له فأخذ الرجل الرقعة و مضى فقال عبد الله بن عباس فاغتممت لذلك غما شديدا فلقيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخبرته بما كان فقال (عليه السلام) و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليعودن بالخيبة فهدأ ما بي و طالت علي سنتي و جعلت أرقب كل من جاء من أهل الجبال فإذا أنا بالرجل قد وافى و في جبهته شجة تكاد اليد تدخل فيها فلما رأيته بادرت إليه فقلت له ما وراك قال إني صرت إلى الموضع و رميت بالرقعة فحمل علي عداد منها فهالني أمرها و لم يكن لي قوة فجلست فرمحتني أحدها في وجهي فقلت اللهم اكفنيها و كلها يشد علي و يريد قتلي فانصرفت عني فسقطت فجاء أخي فحملني و لست أعقل فلم أزل أتعالج حتى صلحت و هذا الأثر في وجهي فقلت له صر إلى عمر و أعلمه فصار إليه و عنده نفر فأخبره بما كان فزبره فقال له كذبت لم تذهب بكتابي فحلف الرجل لقد فعل فأخرجه من عنده قال ابن عباس فمضيت به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فتبسم ثم قال أ لم أقل لك ثم أقبل على الرجل فقال له إذا انصرفت إلى الموضع الذي هي فيه فقل اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة و أهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين اللهم فذلل لي صعوبتها و حزونتها و اكفني شرها فإنك الكافي المعافي و الغالب القاهر

[558]

قال فانصرف الرجل راجعا فلما كان من قابل قدم الرجل و معه جملة من المال قد حملها من أثمانها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فصار إليه و أنا معه فقال (عليه السلام) تخبرني أو أخبرك فقال الرجل يا أمير المؤمنين بل تخبرني قال كأني بك قد صرت إليها فجاءتك و لاذت بك خاضعة ذليلة فأخذت بنواصيها واحدة بعد واحدة و واحدا بعد آخر فقال الرجل صدقت يا أمير المؤمنين كأنك كنت معي هكذا كان فتفضل بقبول ما جئتك به فقال امض راشدا بارك الله لك فيه و بلغ الخبر عمر فغمه ذلك و انصرف الرجل و كان يحج في كل سنة و قد أنمى الله ماله فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) كل من استصعب عليه شي‏ء من مال أو أهل أو ولد أو أمر فرعون من الفراعنة فليبتهل إلى الله بهذا الدعاء فإنه يكفى مما يخاف إن شاء الله .

و منها ما روى الرضي أيضا بإسناد له إلى علي (عليه السلام) أنه : كان في مجلسه و الناس حوله إذ وافى رجل من العرب فسلم عليه و قال أنا رجل و لي على رسول الله وعد و قد سألت عن منجز وعده فأرشدت إليك أ فهو حاصل لي

[559]

قال نعم قال مائة ناقة حمراء و قال لي إن أنا قبضت فأنت قاضي ديني و خليفتي من بعدي فإنه يدفعها إليك و ما كذبني فإن يكن ما ادعيته حقا فعجل علي بها فقال علي (عليه السلام) لابنه الحسن قم يا حسن فنهض إليه فقال اذهب فخذ قضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الفلاني و صر إلى البقيع فاقرع به الصخرة الفلانية ثلاث قرعات و انظر ما يخرج منها فادفع إلى هذا الرجل و قل له يكتم ما يرى فصار الحسن (عليه السلام) إلى الموضع و القضيب معه ففعل ما أمر به فطلع من الصخرة رأس ناقة بزمامها فجذبه حتى تمت خروج مائة ناقة ثم انضمت الصخرة فدفع النوق إلى الرجل و أمره بالكتمان لما رأى فقال الأعرابي صدق رسول الله و صدق أبوك .

و منها ما روي عن أبي جعفر الطوسي عن أبي محمد الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي محمد العسكري عن آبائه عن الحسين (عليهم السلام) عن قنبر رض قال : كنت مع مولاي علي (عليه السلام) على شاطئ الفرات فنزع قميصه و نزل إلى الماء فجاءت موجة فأخذت القميص فإذا هاتف يهتف يا أبا الحسن انظر عن يمينك و خذ ما ترى فإذا منديل عن يمينه و فيه قميص مطوي فأخذه و لبسه و إذا في جيبه رقعة فيها مكتوب هدية من الله العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب هذا قميص هارون بن عمران

[560]

كذلك و أورثناها قوما آخرين .

و منها ما روي عن الحسين (عليه السلام) : أن عليا (عليه السلام) كان ذات يوم بأرض قفر فرأى دراجا فقال يا دراج منذ كم أنت في هذه البرية و من أين مطعمك و مشربك فقال يا أمير المؤمنين أنا في هذه البرية منذ مائة سنة إذا جعت أصلي عليكم فأشبع و إذا عطشت فأدعو على ظالميكم فأروى فقال جابر بن عبد الله ما أعطي منطق الطير إلا سليمان بن داود فقال علي لو لا محمد و آله لما خلق سليمان و لا أبوه آدم

[561]

ثم قال يا طاوس اهبط يا صقر يا باري يا غراب فهبطت فأمر بذبحها ثم قال طيري بقدرة الله فطارت الطيور كلها .

و منها ما روي : أن أسودا دخل على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين إني سرقت فطهرني فقال لعلك سرقت من غير حرز و نحى رأسه عنه فقال يا أمير المؤمنين سرقت من الحرز فطهرني فقال (عليه السلام) لعلك سرقت غير نصاب و نحى رأسه عنه فقال يا أمير المؤمنين سرقت نصابا فلما أقر ثلاث مرات قطعه أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخذ المقطوع و ذهب و جعل يقول في الطريق قطعني أمير المؤمنين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و يعسوب الدين و سيد الوصيين و جعل يمدحه فسمع ذلك منه الحسن و الحسين (عليه السلام) و قد استقبلاه فدخلا على أبيهما (عليه السلام) و قالا رأينا أسودا يمدحك في الطريق فبعث أمير المؤمنين (عليه السلام) من أعاده إلى حضرته فقال (عليه السلام) له قطعت يمينك و أنت تمدحني فقال يا أمير المؤمنين إنك طهرتني و إن حبك قد خالط لحمي و دمي و عظمي فلو قطعتني إربا إربا لما ذهب حبك من قلبي

[562]

فدعا (عليه السلام) له و وضع المقطوع إلى موضعه فصح و صلح كما كان .

و منها ما روي : أن عليا (عليه السلام) دخل المسجد بالمدينة غداة يوم و قال رأيت في النوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البارحة و قال لي إن سلمان توفي و وصاني بغسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه و ها أنا خارج إلى المدائن لذلك فقال عمر خذ الكفن من بيت المال فقال علي (عليه السلام) ذاك مكفي مفروغ منه فخرج و الناس معه إلى ظاهر المدينة ثم خرج و انصرف الناس فلما كان قبل الظهيرة رجع و قال دفنته و كان أكثر الناس لم يصدقوه حتى كان بعد مدة و وصل من المدائن مكتوب أن سلمان توفي في ليلة كذا و دخل علينا أعرابي فغسله و كفنه و صلى عليه و دفنه ثم انصرف فتعجبوا كلهم .

[563]

و منها : أنه لما قعد أبو بكر بالأمر بعث خالد بن الوليد إلى بني حنيفة ليأخذ زكاة أموالهم فقالوا لخالد إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يبعث كل سنة من يأخذ صدقات الأموال من الأغنياء من جملتنا و يفرقها في فقرائنا فافعل أنت كذلك .

فانصرف خالد إلى المدينة و قال لأبي بكر إنهم منعوا من الزكاة فأعطاه عسكرا فرجع خالد و أتى بني حنيفة و قتل رئيسهم و أخذ زوجته و وطئها في الحال و سبى نسوانهم و رجع بهن إلى المدينة و كان ذلك الرئيس صديقا لعمر في الجاهلية فقال عمر لأبي بكر اقتل خالدا به بعد أن تجلده الحد بما فعل بامرأته .

فقال له أبو بكر إن خالدا ناصرنا تغافل و أدخل السبايا في المسجد و فيهن خولة فجاءت إلى قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و التجأت به و بكت و قالت يا رسول الله نشكو إليك أفعال هؤلاء القوم سبونا من غير ذنب و نحن مسلمون

[564]

ثم قالت أيها الناس لم سبيتمونا و نحن نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أبو بكر منعتم الزكاة قالت ليس الأمر على ما زعمت إنما كان كذا و كذا و هب الرجال منعوكم الزكاة بزعمكم فما بال النسوان المسلمات سبين و اختار كل رجل منهم واحدة من السبايا و جاء خالد و طلحة و رميا بثوبين إلى خولة و أراد كل واحد منهما أن يأخذها من السبي قالت لا يكون هذا أبدا و لا يملكني إلا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة ولدت قال أبو بكر هي قد فزعت من القوم و كانت لم تر مثل ذلك قبله و تتكلم بما لا تحصيل له فقالت و الله إني صادقة .

إذ جاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوقف و نظر إليهم و إليها و قال (عليه السلام) اصبروا حتى أسألها عن حالها ثم ناداها فقال يا خولة اسمعي الكلام فلما أصغت قال لها إن أمك لما كانت بك حاملا و ضربها الطلق و اشتد بها الأمر نادت اللهم سلمني من هذا المولود فسبقت تلك الدعوة بالنجاة فلما وضعتك ناديت من تحتها لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أماه عما قليل سيملكني سيد يكون لي منه ولد فكتبت أمك ذلك الكلام في لوح نحاس فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه فلما كان في الليلة التي قبضت أمك فيها وصت إليك بذلك

back page fehrest page next page