back page fehrest page next page

[565]

اللوح فلما كان وقت سبيك لم يكن لك همة إلا أخذ ذلك اللوح فأخذتيه و شددتيه على عضدك الأيمن هاتي اللوح فأنا صاحب ذلك اللوح و أنا أمير المؤمنين و أنا أبو ذلك الغلام الميمون و اسمه محمد قال فرأيناها و قد استقبلت القبلة ثم قالت اللهم أنت المنان المتفضل أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علي و لم تعطها لأحد إلا و أتممتها عليه اللهم بصاحب هذه التربة و الناطق المنبئ بما هو كائن إلا أتممت فضلك علي ثم أخرجت اللوح و دفعته إليهم فأخذه أبو بكر و قرأه عثمان فإنه كان أجود القوم قراءة فبكت طائفة و حزنت أخرى فإنه ما زاد ما في اللوح على كلام علي (عليه السلام) حرفا و لا نقص فقالوا صدق الله و صدق رسوله أنا مدينة العلم و علي بابها .

فقال أبو بكر خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها فبعثها علي (عليه السلام) إلى بيت أسماء بنت عميس و هي يومئذ كانت زوجة أبي بكر .

فلما دخل أخوها أمهرها أمير المؤمنين و تزوج بها و علقت بمحمد و ولدته .

[566]

و منها ما روي عن سليمان الأعمش في خبر طويل : أن المنصور بعث إليه في ليلة قال فقلت في نفسي إنه يدعوني و يسألني عن مناقب علي و أنا أذكرها فيقتلني فكتبت وصيتي و لبست أكفاني فدخلت عليه .

فقال ادن مني فدنوت فشم رائحة الحنوط و قال لتصدقني أو لأقتلنك .

قلت كان كذا و كذا فاستوى و قال لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم اسمع مني كنت هاربا من بني مروان أدور البلاد و أتقرب إلى الناس بفضائل علي حتى وردت بلاد الشام و أتيت مسجدا و علي أطمار .

فلما سلم الإمام دخل صبيان عليه فقال مرحبا بكما و بمن اسمكما على اسمهما فسألت عنه فقيل ليس في هذه المدينة من يحب عليا غيره و قال سماهما الحسن و الحسين فقمت فرحا و رويت له فضيلة من فضائل علي فخلع علي و أعطاني مالا جزيلا و أرشدني إلى فتى و ذكرت عنده أيضا عليا و مناقبه فحملني على بغلة و أعطاني مالا جزيلا .

ثم قال قم حتى أريك أخي المبغض لعلي فأتينا المسجد و جلست في الصف و إلى جانبي ذلك المبغض معتما فلما ركع و سجد سقطت العمامة عنه فإذا رأسه كرأس الخنزير فلما سلمنا قلت له ما هذا .

قال أنت صاحب أخي قلت نعم قال فبكى و قال كنت مؤذنا فكلما

[567]

أصبحت لعنت عليا ألف مرة فلما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرة فانصرفت من المسجد و نمت فرأيت كأن القيامة قد قامت و رأيت محمدا و عليا و الحسن و الحسين يسقون الناس فقال لي رسول الله ما لك عليك لعنة الله تلعن عليا ثم بصق في وجهي و قال قم غير الله ما بك من نعمة فانتبهت فإذا رأسي و وجهي كما ترى .

[568]

و منها ما روي عن سعد بن الباهلي : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتكى و كان محموما فدخلنا مع علي عليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألمت بي أم ملدم فحسر علي يده اليمنى و حسر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده اليمنى فوضعها علي على صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال يا أم ملدم اخرجي فإنه عبد الله و رسوله قال فرأيت رسول الله استوى جالسا ثم طرح عنه الإزار و قال يا علي إن الله فضلك بخصال و مما فضلك به أن جعل الأوجاع مطيعة لك فليس من شي‏ء تزجره إلا انزجر بإذن الله .

و منها : أن خارجيا اختصم مع رجل إلى علي (عليه السلام) فحكم بينهما بحكم الله و رسوله فقال الخارجي لا عدلت في القضية فقال علي اخسأ يا عدو الله فاستحال كلبا و طارت ثيابه في الهواء فجعل يبصبص و قد دمعت عيناه فرق له علي و دعا الله فأعاده الله إلى حال الإنسانية و تراجعت من الهواء ثيابه إليه فقال علي (عليه السلام) إن آصف وصي سليمان قد صنع نحوه فقص الله عنه بقوله :

[569]

قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أيما أكرم على الله نبيكم أم سليمان قالوا نبينا فقيل له ما حاجتك في قتال معاوية إلى الأنصار قال إنما أدعو هؤلاء لثبوت الحجة و كمال المحنة و لو أذن لي في الدعاء بهلاكه لما تأخر .

و منها ما روي عن محمد بن سنان قال : دخلت على الصادق (عليه السلام) فقال لي من بالباب قلت رجل من الصين قال فأدخله فلما دخل قال له أبو عبد الله (عليه السلام) هل تعرفوننا بالصين قال نعم يا سيدي قال و بما ذا تعرفوننا قال يا ابن رسول الله إن عندنا شجرة تحمل كل سنة وردا يتلون في كل يوم مرتين فإذا كان أول النهار نجد مكتوبا عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله و إذا كان آخر النهار فإنا نجد مكتوبا عليه لا إله إلا الله علي خليفة رسول الله .

و عنه عن الباقر (عليه السلام) : أن للإمام عشر دلائل أولها أنه يولد مختونا و ثانيها أول ما يقع على الأرض ينظر إلى السماء و يشهد الشهادتين و ثالثها أنه على عضده الأيمن مكتوب وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا

[570]

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
و رابعها أنه لا يتمطى و خامسها أنه لا يتثاءب و سادسها أنه لا يحتلم أبدا و الشيطان لا يقربه و سابعها أن رائحة نجوه مثل المسك و الأرض تستره بابتلاعه كله و ثامنها أنه لا يكون له ظل إذا قام في الشمس لأنه نور من النور ليس له ظل و تاسعها أنه يختم على الحجر مثل ما كان يفعل آباؤه و عاشرها أنه يكون مستجاب الدعوة .

[571]

فصل في أعلام الإمام الحسن بن أمير المؤمنين (عليها السلام) :

عن عبد الله الكناسي عن الصادق (عليه السلام) قال : خرج الحسن بن علي (عليه السلام) في بعض عمره و معه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته فنزلوا في منهل من تلك المناهل تحت نخل يابس قد يبس من العطش ففرش للحسن (عليه السلام) تحت نخلة و للزبيري بحذائه تحت نخلة أخرى فقال الزبيري و قد رفع رأسه لو كان في هذه النخلة رطب لأكلنا منه فقال له الحسن (عليه السلام) و إنك لتشتهي الرطب قال نعم فرفع الحسن (عليه السلام) رأسه و يده إلى السماء فدعا بكلام فاخضرت النخلة و أورقت و حملت رطبا فقال الجمال الذي اكتروا منه سحر و الله فقال الحسن (عليه السلام) ويلك إن هذا ليس بسحر و لكنها دعوة ابن نبي مجابة فصعدوا إلى النخلة حتى صرموا ما فيها و أكلوا فوجدوا أحسن رطب و كفاهم .

[572]

و منها روي : أن عليا (عليه السلام) كان في الرحبة فقام إليه رجل فقال أنا من رعيتك و أهل بلادك قال (عليه السلام) لست من رعيتي و لا من أهل بلادي و لكن ابن الأصفر بعث بمسائل إلى معاوية أقلقته و أرسلك إلي بها قال صدقت يا أمير المؤمنين إن معاوية أرسلني إليك في خفية و أنت قد اطلعت على ذلك و لا يعلمه غير الله فقال (عليه السلام) سل أحد ابني هذين قال أسأل ذا الوفرة يعني الحسن (عليه السلام) فأتاه فقال له الحسن (عليه السلام) جئت تسأل كم بين الحق و الباطل و كم بين الأرض و السماء و كم بين المشرق و المغرب و ما قوس قزح و ما المؤنث و ما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض قال نعم قال الحسن (عليه السلام) بين الحق و الباطل أربعة أصابع ما رأيته بعينك فهو الحق و قد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا و بين السماء و الأرض دعوة المظلوم و مد البصر و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشمس و قزح اسم للشيطان لا تقل قوس قزح هو قوس الله و علامة الخصب و أمان لأهل الأرض من الغرق و أما المؤنث فهو الذي لا يدرى أ ذكر هو أو أنثى فإنه ينتظر به فإن كان

[573]

ذكرا احتلم و إن كان أنثى حاضت و بدا ثديها و إلا قيل له بل فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر و إن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير فهو أنثى و أما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شي‏ء خلق الله الحجر و أشد منه الحديد يقطع به الحجر و أشد من الحديد النار تذيب الحديد و أشد من النار الماء يطفئ النار و أشد من الماء السحاب يحمل الماء و أشد من السحاب الريح تحمل السحاب و أشد من الريح الملك الذي يردها و أشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك و أشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت و أشد من الموت أمر الله الذي يدفع الموت .

و منها ما روي عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن الحسن بن علي (عليه السلام) كان عنده رجلان فقال لأحدهما إنك حدثت البارحة فلانا بحديث كذا و كذا فقال الرجل الآخر إنه ليعلم ما كان و عجب من ذلك

[574]

فقال (عليه السلام) إنا لنعلم ما يجري بالليل و النهار ثم قال إن الله تبارك و تعالى علم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحلال و الحرام و التنزيل و التأويل فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا علمه كله .

و منها ما روي عن الحارث الهمداني قال : لما مات علي (عليه السلام) جاء الناس إلى الحسن بن علي (عليه السلام) فقالوا له أنت خليفة أبيك و وصيه و نحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك قال (عليه السلام) كذبتم و الله ما وفيتم لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي أو كيف أطمئن إليكم و لا أثق بكم إن كنتم صادقين فموعد ما بيني و بينكم معسكر المدائن فوافوني هناك .

فركب و ركب معه من أراد الخروج و تخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه و بما وعدوه و غروه كما غروا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبله .

فقام خطيبا و قال قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي مع أي إمام تقاتلون بعدي مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن بالله و لا برسوله قط و لا أظهر الإسلام هو و لا بنو أمية إلا فرقا من السيف و لو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله عوجا و هكذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف و كان من كندة و أمره أن يعسكر بالأنبار و لا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره فلما توجه إلى الأنبار و نزل بها و علم معاوية بذلك بعث إليه رسلا و كتب إليه معهم

[575]

أنك إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام أو الجزيرة غير منفس عليك .

و أرسل إليه بخمسمائة ألف درهم فقبض الكندي عدو الله المال و قلب على الحسن (عليه السلام) و صار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته و أهل بيته .

و بلغ الحسن (عليه السلام) ذلك فقام خطيبا و قال هذا الكندي توجه إلى معاوية و غدر بي و بكم و قد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم أنتم عبيد الدنيا و أنا موجه رجلا آخر مكانه و أنا أعلم أنه سيفعل بي و بكم ما فعل صاحبه لا يراقب الله في و لا فيكم .

فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف و تقدم إليه بمشهد من الناس و توكد عليه و أخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل فقال الحسن (عليه السلام) إنه سيغدر .

فلما توجه إلى الأنبار أرسل معاوية إليه رسلا و كتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه و بعث إليه بخمسمائة ألف درهم و مناه أي ولاية أحب من كور الشام أو الجزيرة فقلب على الحسن (عليه السلام) و أخذ طريقه إلى معاوية و لم يحفظ ما أخذ عليه من العهود و بلغ الحسن (عليه السلام) ما فعل المرادي .

فقام خطيبا و قال قد أخبرتكم مرة بعد مرة أنكم لا تفون لله بعهود و هذا صاحبكم المرادي غدر بي و بكم و صار إلى معاوية .

ثم كتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام) يا ابن عم لا تقطع الرحم الذي بيني و بينك فإن الناس قد غدروا بك و بأبيك من قبلك .

فقالوا إن خانك الرجلان و غدرا فإنا مناصحون لك .

فقال لهم الحسن (عليه السلام) لأعودن هذه المرة فيما بيني و بينكم و إني لأعلم أنكم غادرون و الموعد ما بيني و بينكم أن معسكري بالنخيلة فوافوني هناك و الله لا تفون لي بعهد و لتنقضن الميثاق بيني و بينكم

[576]

ثم إن الحسن (عليه السلام) أخذ طريق النخيلة فعسكر عشرة أيام فلم يحضره إلا أربعة آلاف فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر و قال يا عجبا من قوم لا حياء لهم و لا دين مرة بعد مرة و لو سلمت إلى معاوية الأمر فأيم الله لا ترون فرجا أبدا مع بني أمية و الله ليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنون أن يلي عليكم حبشيا و لو وجدت أعوانا ما سلمت له الأمر لأنه محرم على بني أمية فأف و ترحا يا عبيد الدنيا .

و كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنا معك و إن شئت أخذنا الحسن و بعثناه إليك ثم أغاروا على فسطاطه و ضربوه بحربة فأخذ مجروحا .

ثم كتب جوابا لمعاوية إن هذا الأمر لي و الخلافة لي و لأهل بيتي و إنها لمحرمة عليك و على أهل بيتك سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت لك و لا أعطيتك ما تريد و انصرف إلى الكوفة .

[577]

فصل في أعلام الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

عن المنهال بن عمرو قال : أنا و الله رأيت رأس الحسين (عليه السلام) حين حمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق فقال أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي .

و منها ما أخبرني به الشيخ أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي الأصفهاني الشيخ أبو سعيد محمد بن عبد الله بن عمر الخاني البزاز أبو القاسم بكران بن الطيب بن شمعون القاضي المعروف بابن أطروش بجرجرايا

[578]

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد أبي أبي الحسن بن عمرو عن سليمان بن مهران الأعمش قال :
بينا أنا في الطواف بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو و هو يقول اللهم اغفر لي و أنا أعلم أنك لا تفعل .

قال فارتعت لذلك فدنوت منه و قلت يا هذا أنت في حرم الله و حرم رسوله و هذه أيام حرم في شهر عظيم فلم تيأس من المغفرة .

قال يا هذا ذنبي عظيم قلت أعظم من جبل تهامة قال نعم .

قلت يوازن الجبال الرواسي قال نعم فإن شئت أخبرتك .

قلت أخبرني قال اخرج بنا عن الحرم فخرجنا منه فقال لي أنا أحد من كان في العسكر المشئوم عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة حين قتل الحسين بن علي (عليه السلام) و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى و كان الرأس معنا مركوزا على رمح و معه الأحراس فوضعنا الطعام و جلسنا لنأكل فإذا بكف في حائط الدير تكتب :

أ ترجو أمة قتلت حسينا *** شفاعة جده يوم الحساب
قال فجزعنا من ذلك جزعا شديدا و أهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ثم عاد أصحابي إلى الطعام فإذا الكف قد عادت تكتب مثل الأول :

فلا و الله ليس لهم شفيع *** و هم يوم القيامة في العذاب .

[579]

فقام أصحابنا إليها فغابت ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب :

و قد قتلوا الحسين بحكم جور *** و خالف حكمهم حكم الكتاب

فامتنعت عن الطعام و ما هنأني أكله ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس فأشرف فرأى عسكرا فقال الراهب للحراس من أين جئتم قالوا من العراق حاربنا الحسين فقال الراهب ابن فاطمة و ابن بنت نبيكم و ابن ابن عم نبيكم قالوا نعم قال تبا لكم و الله لو كان لعيسى ابن مريم ابن لحملناه على أحداقنا و لكن لي إليكم حاجة قالوا و ما هي قال قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من آبائي ليأخذها مني و يعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل فإذا رحل رددته إليه .

فأخبروا عمر بن سعد بذلك فقال خذوا منه الدنانير و أعطوه إلى وقت الرحيل فجاءوا إلى الراهب فقالوا هات المال حتى نعطيك الرأس فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف دينار فدعا عمر بالناقد و الوزان فانتقدها و وزنها و دفعها إلى جارية له و أمر أن يعطى الرأس .

فأخذ الراهب الرأس فغسله و نظفه و حشاه بمسك و كافور كان عنده ثم جعله في حريرة و وضعه في حجره و لم يزل ينوح و يبكي حتى نادوه و طلبوا منه الرأس فقال يا رأس و الله ما أملك إلا نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده و رسوله أسلمت على يديك و أنا

[580]

مولاك ثم قال لهم إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة و أعطيه الرأس فدنا عمر بن سعد منه فقال سألتك بالله و بحق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس و لا تخرج هذا الرأس من هذا الصندوق فقال له أفعل .

فأعطاهم الرأس و نزل من الدير فلحق ببعض الجبال يعبد الله .

و مضى عمر بن سعد ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول .

فلما دنا من دمشق قال لأصحابه انزلوا و طلب من الجارية الجرابين فأحضرا بين يديه فنظر إلى خاتمه ثم أمر أن يفتحا فإذا الدنانير قد تحولت خزفية فنظروا في سكتها فإذا على جانب مكتوب وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ .

و على الوجه الآخر وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

فقال إنا لله و إنا إليه راجعون خسرت الدنيا و الآخرة .

ثم قال لغلمانه اطرحوها في النهر فطرحت فدخل دمشق من الغد و أدخل الرأس إلى يزيد عليه اللعنة فابتدر قاتل الحسين إلى يزيد فقال :

املأ ركابي فضة أو ذهبا *** إني قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما و أبا *** ضربته بالسيف حتى انقلبا

فأمر يزيد بقتله و قال حين علمت أنه خير الناس أما و أبا لم قتلته و جعل الرأس في طشت و هو ينظر إلى أسنانه و هو يقول

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

‏فأهلوا و استهلوا فرحا *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل

‏فجزيناهم ببدر مثلها و *** بأحد يوم أحد فاعتدل

[581]

لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل

فدخل عليه زيد بن أرقم و رأى الرأس في الطشت و هو يضرب بالقضيب على أسنانه فقال كف عن ثناياه فطالما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبلها .

فقال يزيد لو لا أنك شيخ خرفت لقتلتك و دخل عليه رأس اليهود .

فقال ما هذا الرأس فقال رأس خارجي قال و من هو قال الحسين قال ابن من قال ابن علي قال و من أمه قال فاطمة قال و من فاطمة قال بنت محمد قال نبيكم قال نعم .

قال لا جزاكم الله خيرا بالأمس كان نبيكم و اليوم قتلتم ابن بنته .

ويحك إن بيني و بين داود النبي نيفا و سبعين أبا فإذا رأتني اليهود كفرت لي .

ثم مال إلى الطشت و قبل الرأس و قال أشهد أن لا إله إلا الله و أن جدك محمدا رسول الله و خرج فأمر يزيد بقتله و أمر بالرأس فأدخل القبة التي بإزاء المجلس الذي يشرب فيه و وكلنا بالرأس و كل ذلك كان في قلبي فلم يحملني النوم في تلك القبة فلما دخل الليل وكلنا أيضا بالرأس .

فلما مضى وهن من الليل سمعت دويا من السماء و إذا مناديا ينادي يا آدم اهبط فهبط أبو البشر و معه خلق كثير من الملائكة .

ثم سمعت دويا كالأول فإذا مناد ينادي يا إبراهيم اهبط .

فهبط و معه كثير من الملائكة .

[582]

ثم سمعت مناديا ينادي اهبط يا موسى فهبط مع ملائكة .

و سمعت مناديا ينادي يا عيسى اهبط فهبط و معه ملائكة .

ثم سمعت دويا عظيما و مناد ينادي يا محمد اهبط .

فهبط و معه خلق كثير من الملائكة فأحدقت الملائكة بالقبة .

ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل القبة فأخذ الرأس منها .

و في رواية قعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الرأس فانحنى الرمح و وقع الرأس في حجره فأخذه و جاء به إلى آدم (عليه السلام) فقال يا أبي يا آدم ما ترى ما فعلت أمتي بولدي من بعدي فاقشعر لذلك جلدي .

ثم قام جبرئيل فقال يا محمد أنا صاحب الزلازل فأمرني لأزلزل بهم الأرض و أصيح بهم صيحة يهلكون فيها فيها فقال لا قال يا محمد دعني و هؤلاء الأربعين الموكلين بالرأس قال فدونك فجعل ينفخ بواحد واحد فيهلك فدنا مني و قال أ تسمع و ترى فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوه دعوه لا يغفر الله له فتركني و أخذوا الرأس و ولوا فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر .

و لحق عمر بن سعد بالري فما لحق بسلطانه و محق الله عمره و أهلك في الطريق .

فقال الأعمش قلت للرجل تنح عني لا تحرقني بنارك .

فوليت و لا أدري ما كان من خبره .

[583]

فصل في أعلام الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) :

عن أبي حمزة الثمالي قلت : لعلي بن الحسين (عليه السلام) بجرجرايا .

أسألك عن شي‏ء أنفي عني به ما قد خامر نفسي قال ذلك لك قلت أسألك عن الأول و الثاني فقال عليهما لعائن الله كليهما مضيا و الله كافرين مشركين بالله العظيم قلت فالأئمة منكم يحيون الموتى و يبرءون الأكمه و الأبرص و يمشون على الماء فقال ما أعطى الله نبيا شيئا إلا و قد أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) و أعطاه ما لم يعطهم و لم يكن عندهم و كلما كان عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أعطاه أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين (عليه السلام) ثم إماما بعد إمام إلى يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في كل سنة و في كل شهر و في كل يوم و إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قاعدا فذكر اللحم فقام رجل من الأنصار إلى امرأته و كان لها عناق فقال لها هل لك في غنيمة قالت و ما ذاك قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشتهي اللحم فنذبح له عنزنا هذه قالت خذها شأنك و إياها و لم يملكا غيرها و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرفهما فذبحها و سمطها و شواها و حملها إلى

[584]

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعها بين يديه قال فجمع أهل بيته و من أحب من أصحابه فقال كلوا و لا تكسروا لها عظما و أكل معه الأنصاري فلما شبعوا و تفرقوا رجع الأنصاري إلى بيته و إذا العناق تلعب على باب داره و روى أنه (عليه السلام) دعا غزالا فأتاه فأمر بذبحه ففعلوا و شووه و أكلوا لحمه و لم يكسروا له عظما ثم أمر أن يوضع بجلده و تطرح عظامه وسط الجلد فقام الغزال حيا يرعى .

و منها أن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : رأيت في النوم كأني أتيت بقعب من لبن فشربته فأصبحت من الغد فجاشت نفسي فتقيأت لبنا قليلا و ما لي به عهد منذ حين و منذ أيام .

و منها أن أبا بصير قال حدثني الباقر (عليه السلام) أن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : رأيت الشيطان في النوم فواثبني فرفعت يدي فكسرت أنفه فأصبحت و إن على ثوبي لرش دم .

و منها أن عبد الله بن عطاء قال : كنت قاعدا مع علي بن الحسين (عليه السلام) إذ مر بنا عمر بن عبد العزيز بن مروان و في رجله نعل شراكها فضة و كان إذ ذاك

back page fehrest page next page