back page fehrest page next page

[585]

هو شاب من أجمل الناس فنظر إليه زين العابدين (عليه السلام) فقال يا ابن عطاء أ ترى هذا المترف إنه لا يموت حتى يلي أمر الناس و لا يلبث في ملكه كثيرا فإذا مات لعنه أهل السماوات لأنه يظلمنا حقنا و لتستغفر له أهل الأرض .

و منها : أن يدي رجل و امرأة التزقتا على الحجر و هما في الطواف و جهد كل واحد أن ينتزعها فلم يقدر فقال الناس اقطعوهما فبينا هم كذلك إذ دخل زين العابدين (عليه السلام) و قد ازدحم الناس فأفرجوا له فتقدم فوضع يده عليهما فانحلتا و تفرقوا .

و منها : أنه (عليه السلام) تلكأت عليه ناقة بين جبال رضوى فأتاها ثم أراها السوط و القضيب ثم قال لتنطلقن أو لأفعلن فانطلقت .

[586]

و منها : أنه (عليه السلام) لما توفي جاءت راحلته التي حج عليها عشرين حجة ما قرعها بسوط إلى قبره و ضربت بجرانها و ذرفت عيناها و جعلت تفحص عند قبره .

و منها أن علي بن الحسين (عليه السلام) قال يوما : موت الفجأة تخفيف على المؤمن و أسف على الكافر و إن المؤمن ليعرف غاسله و حامله فإن كان له عند ربه خير ناشد حملته أن يعجلوا به و إن كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به فقال ضمرة بن سمرة إن كان كما تقول فاقفز من السرير و ضحك و أضحك فقال (عليه السلام) اللهم إن ضمرة ضحك و أضحك لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخذه أخذة أسف فمات فجأة

[587]

فأتى بعد ذلك مولى لضمرة زين العابدين (عليه السلام) فقال أصلحك الله إن ضمرة مات فجأة و إني لأقسم لك بالله أني لسمعت صوته و أنا أعرفه كما كنت أعرف صوته في حياته في الدنيا و هو يقول الويل لضمرة بن سمرة خلا مني كل حميم و حللت بدار الجحيم و بها مبيتي و المقيل فقال علي بن الحسين (عليه السلام) الله أكبر هذا جزاء من ضحك و أضحك بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و منها : أن زين العابدين (عليه السلام) كان يخرج إلى ضياعه فإذا بذئب أمعط أعبس قد قطع على الصادر و الوارد فدنا منه و وعوع فقال له انصرف فإني أفعل إن شاء الله فانصرف الذئب فقيل ما شأن الذئب فقال أتاني و قال زوجتي عسر عليها ولادتها فأغثني و أغثها بأن تدعو بتخليصها و لك لله علي أن لا أتعرض أنا و لا شي‏ء من نسلي لأحد من شيعتك ففعلت .

و منها : أنه (عليه السلام) نزل بعسفان و معه أناس كثير من مواليه و هو منزل بين

[588]

مكة و المدينة فإذا غلمانه قد ضربوا فسطاطه في موضع .

فلما دنا من ذلك الموضع قال لغلمانه كيف ضربتم في هذا الموضع و فيه قوم من الجن و هم لنا أولياء و هم لنا شيعة و قد أضررنا بهم و ضيقنا عليهم .

فقالوا ما علمنا أن هذا يكون هاهنا فإذا هاتف به من جانب الفسطاط نسمع كلامه و لا نرى شخصه يقول يا ابن رسول الله لا تحول فسطاطك من موضعك فإنا نحتمل لك و هذا الطبق قد بعثنا به إليك نحب أن تأكل منه .

فنظروا فإذا في جانب الفسطاط طبق عظيم و طبق آخر فيه عنب و رطب و رمان و فاكهة من الموز و فواكه كثيرة .

فدعا علي بن الحسين (عليه السلام) رجالا كانوا معه فأكل و أكلوا من ذلك الطعام و ارتحلوا .

[589]

فصل في أعلام الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (عليه السلام) :

عن دعبل الخزاعي قال حدثني الرضا عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال : كنت عند أبي الباقر (عليه السلام) إذ دخل عليه جماعة من الشيعة و فيهم جابر بن يزيد فقالوا هل رضي أبوك علي بن أبي طالب (عليه السلام) بإمامة الأول و الثاني فقال اللهم لا قالوا فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم فقال الباقر (عليه السلام) امض يا جابر بن يزيد إلى منزل جابر بن عبد الله الأنصاري فقل له إن محمد بن علي يدعوك قال جابر بن يزيد فأتيت منزله و طرقت عليه الباب فناداني جابر بن عبد الله الأنصاري من داخل الدار اصبر يا جابر بن يزيد قال جابر بن يزيد فقلت في نفسي من أين علم جابر الأنصاري أني جابر بن يزيد و لم يعرف الدلائل إلا الأئمة من آل محمد (عليه السلام) و الله لأسألنه إذا خرج إلي فلما خرج قلت له من أين علمت أني جابر و أنا على الباب و أنت داخل الدار قال قد خبرني مولاي الباقر (عليه السلام) البارحة أنك تسأله عن الحنفية

[590]

في هذا اليوم و أنا أبعثه إليك يا جابر بكرة غد أدعوك فقلت صدقت .

قال سر بنا فسرنا جميعا حتى أتينا المسجد .

فلما بصر مولاي الباقر (عليه السلام) بنا و نظر إلينا قال للجماعة قوموا إلى الشيخ فاسألوه حتى ينبئكم بما سمع و رأى و حدث فقالوا يا جابر هل رضي إمامك علي بن أبي طالب (عليه السلام) بإمامة من تقدم قال اللهم لا قالوا فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذ لم يرض بإمامتهم .

قال جابر آه آه آه لقد ظننت أني أموت و لا أسأل عن هذا و الآن إذ سألتموني فاسمعوا و عوا حضرت السبي و قد أدخلت الحنفية فيمن أدخل فلما نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرنت رنة و زفرت زفرة و أعلنت بالبكاء و النحيب ثم نادت السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك و على أهل بيتك من بعدك هؤلاء أمتك سبتنا سبي النوب و الديلم و الله ما كان لنا إليهم من ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك فجعلت الحسنة سيئة و السيئة حسنة فسبتنا .

ثم انعطفت إلى الناس و قالت لم سبيتمونا و قد أقررنا بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا منعتمونا الزكاة .

قالت هبوا الرجال منعوكم فما بال النسوان .

[591]

فسكت المتكلم كأنما ألقم حجرا .

ثم ذهب إليها طلحة و خالد بن عنان في التزوج بها و طرحا إليها ثوبين فقالت لست بعريانة فتكسوني قيل لها إنهما يريدان أن يتزايدا عليك فأيهما زاد على صاحبه أخذك من السبي .

قالت هيهات و الله لا يكون ذلك أبدا و لا يملكني و لا يكون لي بعل إلا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمي .

فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض و ورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عقولهم و أخرس ألسنتهم و بقي القوم في دهشة من أمرها .

فقال أبو بكر ما لكم ينظر بعضكم إلى بعض قال الزبير لقولها الذي سمعت .

فقال أبو بكر ما هذا الأمر الذي أحصر أفهامكم إنها جارية من سادات قومها و لم يكن لها عادة بما لقيت و رأت فلا شك أنها داخلها الفزع و تقول ما لا تحصيل له .

فقالت لقد رميت بكلامك غير مرمي و الله ما داخلني فزع و لا جزع و و الله ما قلت إلا حقا و لا نطقت إلا فصلا و لا بد أن يكون كذلك و حق صاحب هذه البنية ما كذبت و لا كذبت .

ثم سكتت و أخذ طلحة و خالد ثوبيهما و هي قد جلست ناحية من القوم .

فدخل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فذكروا له حالها فقال (عليه السلام) هي صادقة فيما قالت و كان من حالها و قصتها كيت و كيت في حال ولادتها و قال .

[592]

إن كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن أمها هو كذا و كذا و كل ذلك مكتوب على لوح نحاس معها فرمت باللوح إليهم لما سمعت كلامه (عليه السلام) فقرءوه فكان على ما حكى علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا يزيد حرفا و لا ينقص .

فقال أبو بكر خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها .

فوثب سلمان فقال و الله ما لأحد هاهنا منة على أمير المؤمنين بل لله المنة و لرسوله و لأمير المؤمنين و الله ما أخذها إلا لمعجزه الباهر و علمه القاهر و فضله الذي يعجز عنه كل ذي فضل .

ثم قام المقداد فقال ما بال أقوام قد أوضح الله لهم طريق الهداية فتركوه و أخذوا طريق العمى و ما من يوم إلا و تبين لهم فيه دلائل أمير المؤمنين .

و قال أبو ذر وا عجبا لمن يعاند الحق و ما من وقت إلا و ينظر إلى بيانه أيها الناس إن الله قد بين لكم فضل أهل الفضل ثم قال يا فلان أ تمن على أهل الحق بحقهم و هم بما في يديك أحق و أولى .

و قال عمار أناشدكم الله أ ما سلمنا على أمير المؤمنين هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإمرة المؤمنين فوثب عمر و زجره عن الكلام و قام أبو بكر فبعث علي (عليه السلام) خولة إلى دار أسماء بنت عميس و قال لها خذي هذه المرأة أكرمي مثواها فلم تزل خولة عند أسماء إلى أن قدم أخوها و زوجها من علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

[593]

فكان الدليل على علم أمير المؤمنين (عليه السلام) و فساد ما يورده القوم من سبيهم و أنه (عليه السلام) تزوج بها نكاحا فقالت الجماعة يا جابر بن عبد الله أنقذك الله من حر النار كما أنقذتنا من حرارة الشك .

و منها ما روي عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : نزل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) بواد فضرب خباءه فيه ثم خرج يمشي حتى انتهى إلى نخلة يابسة فحمد الله ثم تكلم بكلام لم أسمع بمثله ثم قال أيتها النخلة أطعمينا مما جعل الله فيك فتساقط منها رطب أحمر و أصفر فأكل و معه أبو أمية الأنصاري فقال يا أبا أمية هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزت إليها النخلة فتساقط عليها رطبا جنيا .

[594]

و منها ما روي عن عبد الله بن عطاء المكي أنه قال : اشتقت إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و أنا بمكة فقدمت المدينة و ما قدمتها إلا شوقا إليه فأصابني تلك الليلة مطر و برد شديد فانتهيت إلى بابه (عليه السلام) نصف الليل فقلت أطرقه في هذه الساعة أو أنتظر حتى أصبح فإني لأفكر في ذلك إذ سمعته يقول يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه برد في هذه الليلة ففتحت الباب و دخلت .

و منها أن عبد الله بن عطاء قال : فرغت ليلة من طوافي و سعيي و قد بقي علي من الليل و كان الباقر (عليه السلام) بمكة فقلت أمضي إليه فأتحدث عنده بقية ليلي فجئت إلى الباب فدققته فسمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول إن كان عبد الله بن عطاء فادخل فدخلت .

و منها ما روي عن أبي بصير قال : كنت أقرئ امرأة القرآن بالكوفة فمازحتها بشي‏ء فلما دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) عاتبني و قال من ارتكب الذنب في الخلاء لم يعبأ الله به أي شي‏ء قلت للمرأة فغطيت وجهي حياء و تبت فقال أبو جعفر (عليه السلام) لا تعد .

[595]

و منها ما روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لرجل : كيف أبوك قال صالح قال قد مات أبوك بعد ما خرجت حيث صرت إلى جرجان ثم قال كيف أخوك قال قد تركته صالحا قال قد قتله جار له يقال له صالح يوم كذا في ساعة كذا فبكى الرجل و قال إنا لله و إنا إليه راجعون مما أصبت فقال أبو جعفر (عليه السلام) اسكن فقد صاروا إلى الجنة و الجنة خير لهم مما كانوا فيه .

فقال الرجل إني خلفت ابني وجعا شديد الوجع و لم تسألني عنه .

قال قد برأ و زوجه عمه ابنته و أنت تقدم عليه و قد ولد له غلام و اسمه علي و هو لنا شيعة و أما ابنك فليس لنا شيعة بل هو لنا عدو .

فقال له الرجل فهل من حيلة قال إنه لنا عدو فقام الرجل من عنده و هو وقيذ .

قلت من هذا قال هو رجل من أهل خراسان و هو لنا شيعة و هو مؤمن .

و منها ما روي عن أبي بصير قال : دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام) و الناس يدخلون و يخرجون فقال لي سل الناس هل يرونني فكل من لقيته قلت له أ رأيت

[596]

أبا جعفر فيقول لا و هو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف فقال سل هذا فقلت هل رأيت أبا جعفر فقال أ ليس هو واقفا قلت و ما علمك قال و كيف لا أعلم و هو نور ساطع قال و سمعته يقول لرجل من أهل إفريقيا ما حال راشد قال خلفته حيا صالحا يقرئك السلام قال رحمه الله قال مات قال نعم قال و متى قال بعد خروجك بيومين قال و الله ما مرض و لا كان به علة قال و إنما يموت من يموت من مرض أو علة قلت من الرجل قال رجل كان لنا مواليا و لنا محبا ثم قال لئن ترون أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة أو أسماع سامعة لبئس ما رأيتم و الله لا يخفى علينا شي‏ء من أعمالكم فاحضرونا جميلا و عودوا أنفسكم الخير و كونوا من أهله تعرفون به فإني بهذا آمر ولدي و شيعتي .

و منها ما روي عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال : دخل ناس على أبي (عليه السلام) فقالوا ما حد الإمام قال حده عظيم إذا دخلتم عليه فوقروه و عظموه و آمنوا بما جاء به من شي‏ء

[597]

و عليه أن يهديكم و فيه خصلة إذا دخلتم عليه لم يقدر أحد أن يملأ عينه منه إجلالا و هيبة لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك كان و كذلك يكون الإمام قال فيعرف شيعته قال نعم ساعة يراهم قالوا فنحن لك شيعة قال نعم كلكم قالوا أخبرنا بعلامة ذلك قال أخبركم بأسمائكم و أسماء آبائكم و قبائلكم قالوا أخبرنا فأخبرهم قالوا صدقت قال و أخبركم عما أردتم أن تسألوا عنه هي قوله تعالى كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ قالوا صدقت قال نحن الشجرة التي قال الله تعالى أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من علمنا ثم قال يقنعكم قالوا ما دون هذا مقنع .

و منها ما روى أبو عيينة قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فدخل رجل فقال أنا من أهل الشام أتولاكم و أبرأ من عدوكم و أبي كان يتولى بني أمية و كان

[598]

له مال كثير و لم يكن له ولد غيري و كان مسكنه بالرملة و كانت له جنينة يتخلى فيها بنفسه فلما مات طلبت المال فلم أظفر به و لا أشك أنه دفنه و أخفاه مني قال أبو جعفر أ فتحب أن تراه و تسأله أين موضع ماله قال إي و الله إني فقير محتاج فكتب أبو جعفر كتابا و ختمه بخاتمه ثم قال انطلق بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسطه ثم تنادي يا درجان يا درجان فإنه يأتيك رجل معتم فادفع إليه كتابي و قل أنا رسول محمد بن علي بن الحسين فإنه يأتيك به فاسأله عما بدا لك فأخذ الرجل الكتاب و انطلق .

قال أبو عيينة فلما كان من الغد أتيت أبا جعفر (عليه السلام) لأنظر ما حال الرجل فإذا هو على الباب ينتظر أن يؤذن له فأذن له فدخلنا جميعا فقال الرجل الله يعلم عند من يضع العلم قد انطلقت البارحة و فعلت ما أمرت فأتاني الرجل فقال لا تبرح من موضعك حتى آتيك به فأتاني برجل أسود فقال هذا أبوك قلت ما هو أبي قال بل غيره اللهب و دخان الجحيم و العذاب الأليم فقلت له أنت أبي قال نعم قلت فما غيرك عن صورتك و هيئتك قال يا بني كنت أتولى بني أمية و أفضلهم على أهل بيت النبي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعذبني الله بذلك و كنت أنت تتولاهم فكنت أبغضك على ذلك و حرمتك مالي فزويته عنك و أنا اليوم على ذلك من النادمين فانطلق يا بني إلى جنينتي فاحتفر تحت الزيتونة و خذ المال و هو مائة ألف و خمسون ألفا فادفع إلى محمد بن علي (عليه السلام) خمسين ألفا و الباقي لك

[599]

ثم قال فأنا منطلق حتى آخذ المال و آتيك بمالك قال أبو عيينة فلما كان من قابل دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت ما فعل الرجل صاحب المال قال قد أتاني بخمسين ألف درهم فقضيت منها دينا كان علي و ابتعت منها أرضا بناحية خيبر و وصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي .

و منها ما روي عن عبد الله بن معاوية الجعفري قال سأحدثكم بما سمعته أذناي و رأته عيناي من أبي جعفر (عليه السلام) أنه : كان على المدينة رجل من آل مروان و أنه أرسل إلي يوما فأتيته و ما عنده أحد من الناس .

فقال لي يا ابن معاوية إنما دعوتك لثقتي بك و إني قد علمت أنه لا يبلغ عني غيرك فأحببت أن تلقى عميك محمد بن علي (عليه السلام) و زيد بن الحسن و تقول لهما يقول لكما الأمير لتكفان عما يبلغني عنكما أو لتنكران .

فخرجت من عنده متوجها إلى أبي جعفر (عليه السلام) فاستقبلته متوجها إلى المسجد فلما

[600]

دنوت منه تبسم ضاحكا و قال بعث إليك هذا الطاغية و دعاك و قال لك الق عميك الأحمقين و قل لهما كذا .

قال فأخبرني أبو جعفر بمقالته كأنه كان حاضرا ثم قال يا ابن عم قد كفينا أمره بعد غد فإنه معزول و منفي إلى بلاد مصر و الله ما أنا بساحر و لا كاهن و لكني أتيت و حدثت قال فو الله ما أتى عليه اليوم الثاني حتى ورد عليه عزله و نفيه إلى مصر و ولي المدينة غيره .

و منها ما روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و يقول أنا من ولد الحسن و أولى بذلك منك لأني من ولد الأكبر فقاسمني ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ادفعه إلي فأبى أبي فخاصمه إلى القاضي فكان يختلف معه إلى القاضي فبينا هم كذلك ذات يوم في خصومتهم إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن علي اسكت يا ابن السندية فقال زيد بن علي أف لخصومة تذكر فيها الأمهات و الله لا كلمتك بالفصيح من رأسي أبدا حتى أموت و انصرف إلى أبي فقال يا أخي حلفت بيمين ثقة بك و علمت أنك لا تكرهني و لا تخيبني

[601]

حلفت أن لا أكلم زيد بن الحسن و لا أخاصمه و ذكر ما كان بينهما فأعفاه أبي و اغتنمها زيد بن الحسن فقال يلي خصومتي محمد بن علي فأعنته و أؤذيه فيعتدي علي فعدا على أبي فقال بيني و بينك القاضي فقال انطلق بنا فلما أخرجه قال أبي يا زيد إن معك سكينة قد أخفيتها أ رأيتك إن نطقت هذه السكينة التي سترتها مني فشهدت أني أولى بالحق منك أ فتكف عني قال نعم و حلف له بذلك فقال أبي أيتها السكينة انطقي بإذن الله فوثبت السكينة من يد زيد بن الحسن على الأرض ثم قالت يا زيد بن الحسن أنت ظالم و محمد أحق منك و أولى و لئن لم تكف لألين قتلك فخر زيد مغشيا عليه فأخذ أبي بيده فأقامه ثم قال يا زيد إن نطقت هذه الصخرة التي نحن عليها أ تقبل قال نعم و حلف له على ذلك فرجفت الصخرة مما يلي زيد حتى كادت أن تفلق و لم ترجف مما يلي أبي ثم قالت يا زيد أنت ظالم و محمد أولى بالأمر منك فكف عنه و إلا وليت قتلك فخر زيد مغشيا عليه فأخذ أبي بيده و أقامه ثم قال يا زيد أ رأيت إن نطقت

[602]

هذه الشجرة أ تكف قال نعم فدعا أبي (عليه السلام) الشجرة فأقبلت تخد الأرض حتى أظلتهم ثم قالت يا زيد أنت ظالم و محمد أحق بالأمر منك فكف عنه و إلا قتلتك فغشي على زيد فأخذ أبي بيده و انصرفت الشجرة إلى موضعها فحلف زيد أن لا يعرض لأبي و لا يخاصمه فانصرف و خرج زيد من يومه إلى عبد الملك بن مروان فدخل عليه و قال له أتيتك من عند ساحر كذاب لا يحل لك تركه و قص عليه ما رأى فكتب عبد الملك إلى عامل المدينة أن ابعث إلي بمحمد بن علي مقيدا و قال لزيد أ رأيتك إن وليتك قتله تقتله قال نعم قال فلما انتهى الكتاب إلى العامل أجاب العامل عبد الملك ليس كتابي هذا خلافا عليك يا أمير المؤمنين و لا أرد أمرك و لكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك و شفقة عليك و إن الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعف منه و لا أزهد و لا أورع منه و إنه ليقرأ في محرابه فيجتمع الطير و السباع تعجبا .

[603]

لصوته و إن قراءته لتشبه مزامير داود و إنه من أعلم الناس و أرق الناس و أشد الناس اجتهادا و عبادة و كرهت لأمير المؤمنين التعرض له فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فلما ورد الكتاب على عبد الملك سر بما أنهى إليه الوالي و علم أنه قد نصحه فدعا بزيد بن الحسن و أقرأه الكتاب فقال زيد أعطاه و أرضاه فقال عبد الملك هل تعرف أمرا غير هذا قال نعم عنده سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سيفه و درعه و خاتمه و عصاه و تركته فاكتب إليه فيه فإن هو لم يبعث به فقد وجدت إلى قتله سبيلا فكتب عبد الملك إلى العامل أن احمل إلى أبي جعفر محمد بن علي ألف ألف درهم و ليعطك ما عنده من ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتى العامل منزل أبي جعفر بالمال و أقرأه الكتاب فقال أجلني أياما قال نعم فهيأ أبي متاعا مكان كل شي‏ء ثم حمله و دفعه إلى العامل فبعث به إلى عبد الملك فسر به سرورا شديدا فأرسل إلى زيد فعرض عليه فقال زيد و الله ما بعث إليك من متاع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقليل و لا كثير فكتب عبد الملك إلى أبي أنك أخذت مالنا و لم ترسل إلينا بما طلبنا فكتب إليه أبي أني قد بعثت إليك بما قد رأيت و أنه ما طلبت و إن شئت لم يكن فصدقه عبد الملك و جمع أهل الشام و قال هذا متاع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أتيت به ثم أخذ زيدا و قيده و بعث به إلى أبي و قال له

[604]

لو لا أني لا أريد أن أبتلي بدم أحد منكم لقتلتك و كتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) أني بعثت إليك بابن عمك فأحسن أدبه فلما أتي به أطلق عنه و كساه ثم إن زيدا ذهب إلى سرج فسمه ثم أتى به إلى أبي فناشده إلا ركبت هذا السرج فقال أبي ويحك يا زيد ما أعظم ما تأتي به و ما يجري على يديك إني لأعرف الشجرة التي نحت منها و لكن هكذا قدر فويل لمن أجرى الله على يديه الشر فأسرج له فركب أبي و نزل متورما فأمر بأكفان له و كان فيها ثوب أبيض أحرم فيه و قال اجعلوه في أكفاني و عاش ثلاثا ثم مضى (عليه السلام) لسبيله و ذلك السرج عند آل محمد معلق ثم إن زيد بن الحسن بقي بعده أياما فعرض له داء فلم يزل يتخبط و يهوي و ترك الصلاة حتى مات .

و منها ما روى جابر الجعفي قال : خرجت مع أبي جعفر (عليه السلام) إلى الحج و أنا زميله إذ أقبل ورشان فوقع على عضادتي محمله فترنم فذهبت لأخذه فصاح بي مه يا جابر فإنه استجار بنا أهل البيت قلت و ما الذي شكا إليك فقال شكا إلي أنه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاث سنين و أن حية تأتيه فتأكل فراخه فسألني أن أدعو الله عليها ليقتلها ففعلت و قد قتلها الله

[605]

ثم سرنا حتى إذا كان وقت السحر قال لي انزل يا جابر فنزلت فأخذت بخطام الجمل و نزل فتنحى يمنة عن الطريق ثم عمد إلى روضة من الأرض ذات رمل فأقبل فكشف الرمل يمنة و يسرة و هو يقول اللهم اسقنا و طهرنا إذ بدا حجر مرتفع أبيض بين الرمل فاقتلعه فنبع له عين ماء أبيض صاف فتوضأ و شربنا منه ثم ارتحلنا فأصبحنا دون قرية و نخل فعمد أبو جعفر إلى نخلة يابسة فيها فدنا منها و قال أيتها النخلة أطعمينا مما خلق الله فيك فلقد رأيت النخلة تنحني حتى جعلنا نتناول من ثمرها و نأكل و إذا أعرابي يقول ما رأيت ساحرا كاليوم فقال أبو جعفر يا أعرابي لا تكذبن علينا أهل البيت فإنه ليس منا ساحر و لا كاهن و لكنا علمنا أسماء من أسماء الله تعالى نسأل بها فنعطى و ندعو فنجاب .

[606]

فصل في أعلام الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) :

عن سعد الإسكاف قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ذات يوم إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا و ألطاف فكان فيما أهدي إليه جراب من قديد وحش فنثره أبو عبد الله (عليه السلام) ثم قال خذها فأطعمها الكلاب قال الرجل لم قال ليس بذكي فقال الرجل اشتريته من رجل مسلم ذكر أنه ذكي فرده أبو عبد الله (عليه السلام) في الجراب و تكلم عليه بكلام لم أدر ما هو ثم قال للرجل قم فأدخله ذلك البيت و ضعه في زاوية البيت ففعل فسمع القديد يقول يا عبد الله ليس مثلي يأكله الإمام و لا أولاد الأنبياء لست بذكي فحمل الرجل الجراب و خرج فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ما قال قال أخبرني بما أخبرتني به أنه غير ذكي فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أ ما علمت يا أبا هارون أنا نعلم ما لا تعلمه الناس

back page fehrest page next page