[607]
قال بلى فخرج و ألقاه على كلب لقيه .
و منها ما روي عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا لقيت السبع ما ذا تقول له قلت لا أدري قال إذا لقيته فاقرأ في وجهه آية الكرسي و قل عزمت عليك بعزيمة الله و عزيمة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عزيمة سليمان بن داود و عزيمة علي أمير المؤمنين و الأئمة من بعده (عليه السلام) إلا تنحيت عن طريقنا و لم تؤذنا فإنا لا نؤذيك فإنه ينصرف عنك قال عبد الله فقدمت الكوفة فخرجت مع ابن عم لي إلى قرية فإذا سبع قد اعترض لنا في الطريق فقرأت في وجهه آية الكرسي فقلت عزمت عليك بعزيمة الله و عزيمة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عزيمة سليمان بن داود و عزيمة علي
[608]
أمير المؤمنين و الأئمة من بعده (عليه السلام) إلا تنحيت عن طريقنا و لم تؤذنا فإنا لا نؤذيك قال فنظرت إليه و قد طأطأ رأسه و أدخل ذنبه بين رجليه و ركب الطريق راجعا من حيث جاء فقال ابن عمي ما سمعت كلاما أحسن من كلامك هذا الذي سمعته منك فقلت أي شيء سمعت هذا كلام جعفر بن محمد فقال أنا أشهد أنه إمام فرض الله طاعته و ما كان ابن عمي يعرف قليلا و لا كثيرا قال فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) من قابل فأخبرته الخبر فقال ترى أني لم أشهدكم بئسما رأيت ثم قال إن لي مع كل ولي أذنا سامعة و عينا ناظرة و لسانا ناطقا ثم قال يا عبد الله أنا و الله صرفته عنكما و علامة ذلك أنكما كنتما في البرية على شاطئ النهر و اسم ابن عمك لمثبت عندنا و ما كان الله ليميته حتى يعرف هذا الأمر قال فرجعت إلى الكوفة فأخبرت ابن عمي بمقالة أبي عبد الله (عليه السلام) ففرح فرحا شديدا و سر به و ما زال مستبصرا بذلك إلى أن مات .
[609]
و منها ما روى أبو بصير قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) و ابنه إسماعيل موعوك فقال قم ندخل على إسماعيل نعوده فدخلنا عليه فإذا جانب داره قفص فيه فاختة و هي تصيح فقال لا تمسك هذه يا بني أ ما علمت أن هذه مشومة قليلة الذكر لله و هي تدعو على أربابها قلت و ما دعاؤها قال تقول فقدتكم فقدتكم فإن كنت لا بد متخذا فاتخذ ورشانا فإنه طير كثير الذكر لله و هو يحبنا أهل البيت و سأله رجل عن الخطاف فقال لا تؤذوه فإنه لا يؤذي شيئا و هو طير يحبنا أهل البيت .
[610]
و منها أن الحسين بن أبي العلاء قال : دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) رجل من أهل خراسان فقال إن فلان بن فلان بعث معي بجارية و أمرني أن أدفعها إليك قال لا حاجة لي فيها إنا أهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا .
قال لقد أخبرني أنها ربيبة حجره قال لا خير فيها فإنها قد أفسدت عليه قال لا علم لي بهذا قال لكني أعلم أن هذا كذا .
و منها ما روي : أن رجلا خراسانيا أقبل إلى أبي عبد الله فقال (عليه السلام) له ما فعل فلان قال لا علم لي به قال و لكني أخبرك به إنه بعث بجارية معك و لا حاجة لي فيها قال و لم قال لأنك لم تراقب الله فيها حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ حيث صنعت ما صنعت .
فسكت الرجل و علم أنه قد أخبره بأمر قد فعله .
و منها ما روي عن الحسين بن أبي العلا أيضا قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)
[611]
إذ جاءه رجل أو مولى له يشكو زوجته و سوء خلقها قال فأتني بها فأتاه بها فقال لها ما لزوجك يشكوك قالت فعل الله به و فعل .
فقال لها إن ثبت على هذا لم تعيشي إلا يسيرا قالت لا أبالي أن لا أراه أبدا .
فقال له خذ بيد زوجتك فليس بينك و بينها إلا ثلاثة أيام .
فلما كان اليوم الثالث دخل عليه الرجل فقال (عليه السلام) ما فعلت زوجتك قال قد و الله دفنتها الساعة .
قلت ما كان حالها قال كانت معتدية فبتر الله عمرها و أراحه منها .
و منها : أن داود بن علي قتل المعلى بن خنيس فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) قتلت قيمي في مالي و عيالي ثم قال لأدعون الله عليك قال داود اصنع ما شئت فلما جن الليل قال (عليه السلام) اللهم ارمه بسهم من سهامك فافلق به قلبه .
فأصبح و قد مات داود و الناس يهنئونه بموته .
فقال (عليه السلام) لقد مات على دين أبي لهب و قد دعوت الله فأجاب فيه الدعوة و بعث إليه ملكا معه مرزبة من حديد فضربه ضربة فما كانت إلا صيحة .
[612]
قال فسألنا الخدم فقالوا صاح في فراشه صيحة فدنونا منه فإذا هو ميت .
و منها أن داود الرقي قال : حججت بأبي عبد الله (عليه السلام) سنة ست و أربعين و مائة فمررنا بواد من أودية تهامة فلما أنخنا صاح يا داود ارحل ارحل فما انتقلنا إلا و قد جاء سيل فذهب بكل شيء فيه و قال له تؤتى بين الصلاتين حتى تؤخذ من منزلك و قال يا داود إن أعمالك عرضت علي يوم الخميس فرأيت فيها صلتك لابن عمك فسرني ذلك قال داود و كان لي ابن عم ناصبي كثير العيال محتاج فلما خرجت إلى مكة أمرت له بصلة فأخبرني به أبو عبد الله (عليه السلام) .
[613]
و منها ما قال الميثمي إن رجلا حدثه قال : كنا نتغدى مع أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لغلامه انطلق و ائتنا بماء زمزم فانطلق الغلام فما لبث أن جاء و ليس معه ماء فقال إن غلاما من غلمان زمزم منعني الماء فقال تريد لإله العراق فتغير لون أبي عبد الله (عليه السلام) و رفع يده عن الطعام و تحركت شفتاه ثم قال للغلام ارجع فجئنا بالماء ثم أكل فلم يلبث أن جاء الغلام بالماء و هو متغير اللون فقال ما وراك قال سقط ذلك الغلام في بئر زمزم فتقطع و هم يخرجونه فحمد الله عليه .
و منها : أنه كان لأبي عبد الله (عليه السلام) مولى يقال له مسلم و كان لا يحسن القرآن فعلمه في ليلة فلما أصبح أصبح و قد أحكم القرآن .
و منها أن شهاب بن عبد ربه قال : أصابتني جنابة و أنا بالمدينة فدخلني
[614]
غم شديد أن أغرف بالكوز من الحب ثم إني لم أجد بدا من أن أفعله فلما أصبحت أتيت أبا عبد الله و أنا أريد أن أسأله .
فقال ابتداء منه غمك البارحة أن تغرف من الحب بالكوز ليس بالذي صنعت بأس يا شهاب .
و منها ما قال بعض أصحابه قال : حملت مالا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فاستكثرته في نفسي فلما دخلت عليه دعا بغلام و إذا طشت في آخر الدار فأمره أن يأتي به ثم تكلم بكلام لما أتي بالطشت فانحدرت الدنانير من الطشت حتى حالت بيني و بين الغلام ثم التفت إلي و قال أ ترى نحتاج إلى ما في أيديكم إنما نأخذ منكم ما نأخذ لنطهركم به .
و منها أن صفوان قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه غلام فقال ماتت أمي فقال له (عليه السلام) لم تمت قال تركتها مسجى عليها .
فقام أبو عبد الله (عليه السلام) و دخل عليها فإذا هي قاعدة فقال لابنها ادخل إلى أمك فشهها من الطعام ما شاءت فأطعمها .
[615]
فقال الغلام يا أماه ما تشتهين قالت أشتهي زبيبا مطبوخا فقال له ائتها بغضارة مملوة زبيبا فأكلت منها حاجتها و قال له قل لها إن ابن رسول الله بالباب يأمرك أن توصين فأوصت ثم توفيت .
قال فما برحنا حتى صلى عليها أبو عبد الله (عليه السلام) و دفنت .
و منها أن أبان بن تغلب قال : غدوت من منزلي بالمدينة و أنا أريد أبا عبد الله (عليه السلام) فلما صرت بالباب خرج علي قوم من عنده لم أر قوما أحسن زيا منهم و لا أحسن سيماء منهم كأن الطير على رءوسهم ثم دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فجعل يحدثنا بحديث فخرجنا من عنده و قد فهمه خمسة نفر منا متفرق الألسن منها اللسان العربي و الفارسي و النبطي و الحبشي و السقلبي .
فقال بعضنا لبعض ما هذا الحديث الذي حدثنا به .
[616]
فقال من لسانه عربي حدثنا كذا بالعربية و قال الفارسي ما فهمت إنما حدث بكذا و كذا بالفارسية و قال الحبشي ما حدثني إلا بالحبشية و قال السقلبي ما حدثنا إلا بالسقلبية فرجعوا إليه فأخبروه .
فقال (عليه السلام) الحديث واحد و لكنه فسر لكم بألسنتكم .
و منها أن صفوان بن يحيى روى عن جابر قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فبرزنا معه فإذا نحن برجل قد أضجع جديا ليذبحه فصاح الجدي .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) كم ثمن هذا الجدي .
فقال أربعة دراهم فحلها من كمه و دفعها إليه و قال خل سبيله .
قال فسرنا فإذا بصقر قد انقض على دراجة فصاحت الدراجة .
فأومأ أبو عبد الله (عليه السلام) إلى الصقر بكمه فرجع عن الدراجة .
فقلت لقد رأينا عجبا من أمرك .
قال نعم إن الجدي لما أضجعه الرجل ليذبحه و بصر بي قال أستجير بالله و بكم أهل البيت مما يراد بي و كذلك قالت الدراجة .
و لو أن شيعتنا استقامت لأسمعتهم منطق الطير .
[617]
و منها أن داود بن كثير الرقي قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه ابنه موسى و هو ينتفض من البرد فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) كيف أصبحت قال أصبحت في كنف الله متقلبا في رحمة الله أشتهي عنقود عنب جرشي و رمانة خضراء قال داود قلت سبحان الله هذا الشتاء فقال يا داود إن الله قادر على كل شيء ادخل البستان فدخلته فإذا شجرة عليها عنقود من عنب جرشي و رمانة خضراء فقلت آمنت بسركم و علانيتكم فقطعهما و أخرجهما إلى موسى فقعد يأكل فقال يا داود و الله لهذا فضل من رزق قديم خص الله به مريم بنت عمران من الأفق الأعلى .
و منها أن هارون بن رئاب قال : كان لي أخ جارودي فدخلت على أبي
[618]
عبد الله (عليه السلام) فقال لي ما فعل أخوك الجارودي قلت صالح هو مرضي عند القاضي و عند الجيران في الحالات كلها غير أنه لا يقر بولايتكم فقال ما يمنعه من ذلك قلت يزعم أنه يتورع قال فأين كان ورعه ليلة نهر بلخ فقلت لأخي حين قدمت عليه ثكلتك أمك دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألني عنك فأخبرته أنك مرضي عند الجيران و عند القاضي في الحالات كلها غير أنه لا يقر بولايتكم فقال ما يمنعه من ذلك قلت يزعم أنه يتورع فقال أين كان ورعه ليلة نهر بلخ .
قال أخبرك أبو عبد الله بهذا قلت نعم قال أشهد أنه حجة رب العالمين .
قلت أخبرني عن قصتك قال نعم أقبلت من وراء نهر بلخ فصحبني رجل معه وصيفة فارهة الجمال فلما كنا على النهر قال لي إما أن تقتبس لنا نارا فأحفظ عليك و إما أن أقتبس نارا فتحفظ علي فقلت اذهب و اقتبس و أحفظ عليك .
[619]
فلما ذهب قمت إلى الوصيفة و كان مني إليها ما كان و الله ما أفشت و لا أفشيت لأحد و لم يعلم بذلك إلا الله فدخله رعب .
فخرجت من السنة الثانية و هو معي فأدخلته على أبي عبد الله (عليه السلام) فذكرت الحديث فما خرج من عنده حتى قال بإمامته .
و منها أن أبا الدوانيق قال لحاجبه : إذا دخل علي جعفر فاقتله قبل أن يصل إلي قال فدخل أبو عبد الله و جلس فأرسل إلى الحاجب فدعاه فنظر إليه و إلى جعفر و هو قاعد ثم قال عد إلى مكانك و أقبل يضرب بيده على الأخرى فلما خرج أبو عبد الله (عليه السلام) دعا حاجبه فقال بأي شيء أمرتك .
قال لا و الله ما رأيته حيث دخل و لا حيث خرج و لا رأيته إلا و هو قاعد معك .
و منها أن الوليد بن صبيح قال : كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) في ليلة إذ طرق الباب طارق فقال للجارية انظري من هذا فخرجت ثم دخلت فقالت
[620]
هذا عمك عبد الله بن علي فقال أدخليه و قال لنا ادخلوا البيت فدخلنا بيتا آخر فسمعنا منه حسا ظننا أن الداخل بعض نسائه فلصق بعضنا ببعض فلما دخل أقبل على أبي عبد الله (عليه السلام) فلم يدع شيئا من القبيح إلا قاله في أبي عبد الله (عليه السلام) ثم خرج و خرجنا فأقبل يحدثنا من الموضع الذي قطع كلامه عند دخول الرجل فقال بعضنا لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننا أن أحدا يستقبل به أحدا حتى لقد هم بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به فقال مه لا تدخلوا فيما بيننا .
فلما مضى من الليل ما مضى طرق الباب طارق فقال للجارية انظري من هذا فخرجت ثم عادت فقالت هذا عمك عبد الله بن علي قال لنا عودوا إلى موضعكم ثم أذن له فدخل بشهيق و نحيب و بكاء و هو يقول يا ابن أخ اغفر لي غفر الله لك اصفح عني صفح الله عنك .
فقال غفر الله لك ما الذي أحوجك إلى هذا يا عم .
قال إني لما أويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان غليظان فشدا وثاقي ثم قال أحدهما للآخر انطلق به إلى النار فانطلق بي فمررت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله أ ما ترى ما يفعل بي قال أ و لست الذي أسمعت ابني ما أسمعت فقلت يا رسول الله لا أعود فأمره فخلى عني و إني لأجد ألم الوثاق .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أوص قال بم أوصي فما لي من مال و إن لي عيالا كثيرا و علي دين .
[621]
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) دينك علي و عيالك إلى عيالي فأوصى فما خرجنا من المدينة حتى مات و ضم أبو عبد الله (عليه السلام) عياله إليه و قضى دينه و زوج ابنه ابنته .
و منها أن عبد الرحمن بن الحجاج قال : كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بين مكة و المدينة و هو على بغلة و أنا على حمار و ليس معنا أحد فقلت يا سيدي ما علامة الإمام قال يا عبد الرحمن لو قال لهذا الجبل سر لسار قال فنظرت و الله إلى الجبل يسير فنظر إليه فقال إني لم أعنك .
و منها أن إبراهيم بن مهزم الأسدي قال : قدمت المدينة فأتيت باب أبي عبد الله (عليه السلام) أستفتحه فدنت جارية لتفتح الباب فقرصت ثديها و دخلت
[622]
فقال لي يا مهزم أ ما علمت أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع فأعطيت الله عهدا أني لا أعود إلى مثلها أبدا .
و منها أن الحسين بن زيد قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عن قوله تعالى لإبراهيم أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قال أ تحب أن أريك مثل ذلك قلت نعم .
فأخذ السكين و قام فذبح حمامة و غرابا و طاوسا و بازا ثم قطعهن و خلطهن ثم ناداهن فرأيت بعضها تصير إلى بعض حتى عادت كهيئتها .
و منها أن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي ما لي أرى لونك متغيرا قلت غيره دين فادح عظيم و قد هممت بركوب البحر إلى السند لإتيان أخي فلان قال إذا شئت فافعل قلت تروعني عنه أهوال البحر و زلازله فقال يا داود إن الذي يحفظك في البر هو حافظك في البحر يا داود لو لا اسمي و روحي لما اطردت الأنهار و لا أينعت الثمار و لا اخضرت الأشجار .
[623]
قال داود فركبت البحر حتى إذا كنت بحيث ما شاء الله من ساحل البحر بعد مسيرة مائة و عشرين يوما خرجت قبل الزوال يوم الجمعة فإذا السماء متغيمة و إذا نور ساطع من قرن السماء إلى جدد الأرض و إذا صوت خفي يا داود هذا أوان قضاء دينك فارفع رأسك قد سلمت قال فرفعت رأسي أنظر النور و نوديت عليك بما وراء الأكمه الحمراء فأتيتها فإذا بصفائح ذهب أحمر ممسوح أحد جانبيه و في الجانب الآخر مكتوب هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب قال فقبضتها و لها قيمة لا تحصى .
فقلت لا أحدث فيها حتى آتي المدينة فقدمتها فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي يا داود إنما عطاؤنا لك النور الذي سطع لك لا ما ذهبت إليه من الذهب و الفضة و لكن هو لك هنيئا مريئا عطاء من رب كريم فاحمد الله قال داود فسألت معتبا خادمه فقال كان في ذلك الوقت الذي تصفه يحدث أصحابه منهم خيثمة و حمران و عبد الأعلى مقبلا عليهم بوجهه يحدثهم بمثل ما ذكرت فلما حضرت الصلاة قام فصلى بهم .
قال داود فسألت هؤلاء جميعا فحكوا لي حكاية معتب .
[624]
و منها أن يونس بن عبد الرحمن و المغيرة بن ثور قالا سمعنا داود الرقي يقول : كنت بأرمينية و علي دين فادح فبينا أنا كذلك في بعض طرق أرمينية فإذا بهاتف بي فنظرت يمنة و يسرة فلم أر شيئا فرفعت رأسي فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) على الريح تخفضه مرة و ترفعه أخرى فهبته .
فقال لي يا داود لن تقضي دينك حتى تحفظ القرآن قلت ما أتى بك هاهنا قال كانت لي حاجة بناحية الخزر و الصين فسألت ربي أن يحملني على الريح فحملتني فرأيتك على حزنك فأردت أن أطيب قلبك .
قال فاكتتبت القرآن حتى حفظته فقضى الله ديني .
و منها أن محمد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه المعلى بن خنيس باكيا فقال و ما يبكيك قال بالباب قوم يزعمون أن ليس لكم عليهم فضل و أنكم و هم شيء واحد فسكت ثم دعا بطبق من تمر فأخذ منه تمرة فشقها نصفين و أكل التمر و غرس النوى في الأرض فنبت و حمل بسرا فأخذ منها واحدة فشقها نصفين و أكل و أخرج منها رقا و دفعه إلى
[625]
المعلى و قال له اقرأ فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله علي المرتضى و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و عدهم واحدا واحدا إلى الحسن بن علي و ابنه .
و منها أن أبا مريم المدني قال : خرجت إلى الحج فلما صرت قريبا من الشجرة خرجت على حمار لي قلت أدرك الجماعة و أصلي معهم فنظرت إلى الجماعة يصلون فأتيتهم فوجدتهم قد صلوا و إذا أبو عبد الله (عليه السلام) محتب بردائه يسبح فقال صليت يا أبا مريم قلت لا قال صل فصليت ثم ارتحلنا فسرت تحت محمله فقلت في نفسي قد خلوت به اليوم فأسأله عما بدا لي فقال يا أبا مريم تسير تحت محملي فقلت نعم و كان زميله غلام له يقال له سالم فرآني كثير الاختلاف قال أراك كثير الاختلاف أ بك بطن قلت نعم قال أكلت البارحة حيتانا قلت نعم قال فأتبعتها بتمرات قلت لا
[626]
قال أما إنك لو أتبعتها بتمرات و سميت ما ضرك .
فسرنا حتى إذا كان وقت الزوال نزل فقال يا غلام هات ماء أتوضأ به فناوله فدخل إلى موضع يتوضأ فلما خرج إذا هو بجذع فدنا منه و قال يا جذع أطعمنا مما خلق الله فيك .
قال رأيت الجذع اهتز ثم اخضر ثم أطلع ثم احمر ثم اصفر ثم ذنب فأكل منه و أطعمني كل ذلك أسرع من طرفة عين .
و منها أن أبا خديجة روى عن رجل من كندة و كان سياف بني العباس قال : لما جاء أبو الدوانيق بأبي عبد الله و إسماعيل أمر بقتلهما و هما محبوسان في بيت فأتى عليه اللعنة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ليلا فأخرجه و ضربه بسيفه حتى قتله ثم أخذ إسماعيل ليقتله فقاتله ساعة ثم قتله ثم جاء إليه فقال ما صنعت قال لقد قتلتهما و أرحتك منهما .
فلما أصبح إذا أبو عبد الله و إسماعيل جالسان فاستأذنا فقال أبو الدوانيق للرجل أ لست زعمت أنك قتلتهما قال بلى لقد عرفتهما كما أعرفك قال فاذهب إلى الموضع الذي قتلتهما فيه فانظر فجاء فإذا بجزورين منحورين قال فبهت و رجع
[627]
فأخبره فنكس رأسه و عرفه ما رأى فقال لا يسمعن هذا منك أحد .
فكان كقوله تعالى في عيسى ابن مريم وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ .
و منها أن عيسى بن مهران قال : كان رجل من أهل خراسان من ما وراء النهر و كان موسرا و كان محبا لأهل البيت و كان يحج في كل سنة و قد وظف على نفسه لأبي عبد الله (عليه السلام) في كل سنة ألف دينار من ماله و كانت تحته ابنة عم له تساويه في اليسار و الديانة فقالت في بعض السنين يا ابن عم حج بي في هذه السنة فأجابها إلى ذلك فتجهزت للحج و حملت لعيال أبي عبد الله (عليه السلام) و بناته من فواخر ثياب خراسان و من الجوهر و غيره أشياء كثيرة خطيرة و صير زوجها ألف دينار التي أعدها لأبي عبد الله (عليه السلام) في كيس و صير الكيس في ربعة فيها حلي بنت عمه و طيب و شخص يريد المدينة فلما وردها صار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فسلم عليه و أعلمه أنه حج بأهله و سأله الإذن لها
[628]
في المصير إلى منزله للتسليم على أهله و بناته فأذن لها أبو عبد الله (عليه السلام) في ذلك فصارت إليهم و فرقت ما حملت عليهم و أقامت يوما عندهم و انصرفت فلما كان من الغد قال لها زوجها أخرجي تلك الربعة لتسليم الألف دينار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) .
فقالت هي في موضع كذا .
فأخذها و فتح القفل فلم يجد الدنانير و كان فيها حليها و ثيابها فاستقرض ألف دينار من أهل بلده و رهن الحلي عندهم على ذلك و صار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) .
فقال (عليه السلام) قد وصلت إلينا الألف قال يا مولاي و كيف ذلك و ما علم بمكانها غيري و غير بنت عمي قال مستنا ضيقة فوجهنا من أتى بها من شيعتي من الجن فإني كلما أريد أمرا بعجلة أبعث واحدا منهم .
فزاد ذلك في بصيرة الرجل و سر به و استرجع الحلي ممن أرهنه .
ثم انصرف إلى منزله فوجد امرأته تجود بنفسها فسأل عن خبرها فقالت خادمتها أصابها وجع في فؤادها فهي على هذه الحالة فغمضها و سجاها و شد حنكها و تقدم في إصلاح ما تحتاج إليه من الكفن و الكافور و حفر قبرها و صار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره و سأله أن يتفضل بالصلاة عليها .
فقام (عليه السلام) و صلى ركعتين و دعا ثم قال للرجل انصرف إلى رحلك فإن أهلك لم تمت و ستجدها في رحلك تأمر و تنهى و هي في حال سلامة .
[629]
فرجع الرجل فأصابها كما وصف أبو عبد الله (عليه السلام) ثم خرج يريد مكة و خرج أبو عبد الله (عليه السلام) للحج أيضا فبينا المرأة تطوف بالبيت إذ رأت أبا عبد الله يطوف و الناس قد حفوا به .
فقالت لزوجها من هذا الرجل قال هذا أبو عبد الله قالت و الله هذا الرجل الذي رأيته يشفع إلى الله حتى رد روحي في جسدي و لم تكن رأته قبل .
و منها أن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل شاب يبكي قال نذرت على أن أحج بأهلي فلما أن دخلت المدينة ماتت زوجتي .
قال اذهب فإنها لم تمت قال ماتت و سجيتها قال فهي حية .
فخرج ثم رجع ضاحكا قال دخلت عليها و هي جالسة .
قال يا داود أ و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي .
فلما كان يوم التروية قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا داود قد اشتقت إلى بيت ربي قلت يا سيدي غدا عرفات قال إذا صليت العشاء الآخرة فأرحل ناقتي و شد زمامها ففعلت فخرج و قرأ قل هو الله أحد و يس ثم استوى عليها
[630]
و أردفني خلفه فسرنا هويا من الليل و فعل في مواضع ما كان ينبغي ثم قال هذا بيت الله ففعل ما كان ينبغي .
فلما طلع الفجر قام فأذن و أقام و أقامني عن يمينه و قرأ في أول الركعة الحمد و الضحى و في الثانية بالحمد و قل هو الله أحد ثم قنت ثم سلم و جلس فلما طلعت الشمس مر الشاب و معه المرأة فقالت لزوجها هذا الذي شفع إلى الله في إحيائي .